logo
تحديات تمنع السوريين من العودة: ما المطلوب من دمشق والمجتمع الدولي؟

تحديات تمنع السوريين من العودة: ما المطلوب من دمشق والمجتمع الدولي؟

عمان نت١٧-٠٢-٢٠٢٥

في السنوات الأولى لـ لجوء عيسى الحلاق إلى الأردن، كانت فكرة العودة إلى بيته الذي غادرها طفلا تراوده كل يوم، لكنها تلاشت بمرور الوقت وبدأ رحلة البحث عن مستقبله بعد تخرجه من الجامعة والبدء بحياته.
يعيش الحلاق (26 عاما) مع عائلته في أحد أحياء مدينة الزرقاء -شمال شرقي عمّان- منذ 13 عاما، ولم يكن يفكر في العودة إلى سوريا التي غادرها مجبراً إثر مجزرة الخالدية، التي نفذها عناصر النظام المخلوع في الـ 3 شباط/فبراير 2012؛ لكن فكرة العودة إلى منزله المدمر بدأت تراوده بعد تغير الأوضاع في البلاد، كحال أكثر من مليون سوري يعيشون في الأردن.
ولم يحسم الكثير من السوريين في بلدان اللجوء المجاورة بعد إن كانوا سيعودون في الأشهر القليلة المقبلة إلى سوريا، بعد زوال سبب مغادرتهم لمنازلهم، في ظل غياب رؤية واضحة للأوضاع هناك، تتعلق بقدرتهم على العيش ووجود منزل يأويهم.
إذ إن اتخاذ قرار العودة في ظل الظروف الراهنة يُعتبر بمثابة الذهاب إلى المجهول، وتتطلب جهوداً ثنائية من الحكومة السورية والمجتمع الدولي، تتمثل بتوفير متطلبات أساسية للعودة الآمنة والكريمة.
أسباب العودة
يقول الحلاق، إن ظروفهم تجبرهم على التفكير الجدّي بالعودة إلى سوريا، بعد أن بات والده غير قادر على العمل، إثر تشديد وزارة العمل الأردنية على ملاحقة العاملين من دون تصاريح، إذ كان السوريون معفيين من رسوم استصدار تصريح العمل في السابق.
سيدة سورية تُلوِّح بعلامة النصر وتحمل باقة ورود في ساحة الأمويين بدمشق احتفالاً بإعلان الإطاحة بالأسد (أ.ف.ب)
وفي نهاية حزيران/يونيو 2024، أنهت وزارة العمل الأردنية الإعفاء الممنوح للعمالة السورية من رسوم تصاريح العمل، الذي بدأ العمل به منذ العام 2016، مؤكدة أن العامل السوري ملزم بإصدار تصريح عمل وفقاً لنظام رسوم تصاريح العمل أسوة بباقي العمالة غير الأردنية.
'الحملات الأمنية ضد الناس يلي ما معها تصاريح عمل شكّلت ضغط كبير علينا وكمان باستلام ترامب خسرت شغلي، لأني كنت أعمل كمتطوع مع منظمة وتوقف التمويل بعد قرار ترامب'، يضيف الحلاق لـ 'الحل نت'.
تتفق في ذلك الناشطة الاجتماعية السورية، عبير عيون، إذ اعتبرت أن انتهاء قرار إعفاء اللاجئين السوريين من رسوم استصدار تصريح العمل فجأة، يدفع الكثيرين منهم للعودة إلى سوريا، بينما أصبحت الحياة صعبة عليهم أيضاً في ظل تراجع فرص العمل وضعف الأجور والرواتب.
إضافة إلى ذلك، فإن سقوط النظام أعاد للسوريين في بلدان اللجوء شعور 'الانتماء للوطن'، بحسب الحلاق، وهو ما يدفعه أيضا للتفكير جدّيا للعودة.
ويضيف: 'من لحظة تحرير سوريا شعرت إنه صار عندي وطن ورح يكون فيه عدالة وحرية، وهو نوع من أنواع التفاؤل وهو مطلق ومبالغ فيه نوعاً ما وهو تفاؤل عاطفي. وشعرت لأول مرة بالمسؤولية، كوني شب وجامعي وبعمر الإنتاج، إنه أنزل على البلد وساهم بالعمل بمؤسسات البلد'.
بالمجمل، فإن معظم السوريين يفكرون في العودة أو يرغبون بذلك، من أجل الاستقرار وإعادة بناء حياتهم، لكن هناك تحديات تقف عائقا أمام اتخاذ القرار، إذ لن تشهد البلاد عودة بأعداد كبيرة إلا بزوال المعيقات.
بالنسبة لـ عيسى الحلاق، فإن قرار العودة من عدمه لم يُحسم بعد، بسبب تخوّفه من الأوضاع في سوريا ودمار منزله، الذي يحتاج إلى نحو 8 آلاف دولار ليصبح صالحاً للسكن، وهو أحد العوائق الرئيسية.
سيارة في أحد أحياء حمص المدمرة وفي الاطار فتاتان تنتظران سيارة أجرة قرب الدمار -(أ.ب)
واعتبر أن القرار صعبٌ بسبب قلة فرص العمل في سوريا وضعف الرواتب، التي لا تكفي لاستئجار منزل ومستلزمات المعيشة.
'في تشجيع على العودة من عمي الذي يعيش في سوريا، لكن بنفس الوقت ما عنده أجوبة على أسئلتنا، يعني بنسأله عن الشغل مثلا أو أي شي عن الحياة بس ما عنده جواب وبضل ساكت، يعني بتحس عم يقلنا ارجعوا بناء على عاطفته'، أضاف الحلاق لـ 'الحل نت'.
يثير ضعف توفر المتطلبات الأساسية للحياة في سوريا، مخاوف اللاجئين من العودة في الأشهر المقبلة، إذ أوضحت الناشطة عبير عيون، وهي معروفة باسم 'ياسمين عتيق'، إن المخاوف تتعلق بالسكن والتعليم والخدمات الأساسية، كالماء والكهرباء والاتصالات، إضافة إلى عدم الاستقرار الأمني.
'بالنسبة لوضع السوريين العائدين فإن بعضاً منهم يشعر بندم للعودة الفورية حيث يعانون من نقص في الخدمات وغلاء في المعيشة، إذ إن فرق العملة لم ينعكس على الأسعار بشكل فعلي، بينما هناك ضعف بفرص العمل، إضافة إلى مشكلة عدم توفر المنازل. هناك شعور بخيبة أمل كبيرة'، بحسب حديث عيون لـ 'الحل نت'.
استطلاع إقليمي، نفذته المفوضية السامية لشؤون اللاجئين مؤخرا؛ حول تصورات اللاجئين السوريين ونواياهم بشأن العودة لسورية، بعد سقوط الأسد، كشف أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في الدول المستضيفة لا يفكرون في العودة إلى بلادهم في المدى القريب.
وأوضحت المفوضية، أن أكثر من نصف اللاجئين السوريين في المنطقة (الأردن، مصر، العراق، لبنان)، لا ينوون العودة أو لم يتخذوا قراراً بشأن العودة إلى سوريا خلال عام، ويفكرون بالعودة في السنوات الـ 5 المقبلة، بينما يعتزم 27 بالمئة العودة لإعادة بناء حياتهم في غضون الـ 12 شهراً المقبلة.
بالنسبة لأم نورا وعائلتها، التي تعيش في عمّان منذ عام 2012، فإن قرار العودة مرهون بإجراء زيارة إلى سوريا لأحد أفراد عائلتها، بهدف ترميم منزلهم في حلب. وأشارت في حديث لـ 'الحل نت'، إلى إن لديهم تخوف من العودة في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية ووجود حالات قتل وخطف، إضافة إلى ارتفاع الأسعار وعدم وجود دخل.
لكن أم نورا، وهي أخصائية سمعية وفضّلت عدم الحديث باسمها، أعادت التأكيد في حديث لـ 'الحل نت'، على ضرورة استصدار موافقة 'خروج وعودة'، بهدف إجراء زيارة استكشافية إلى سوريا. إذ يعتبر أكثر من 60 بالمئة من اللاجئين السوريين، أنه 'من المهم إجراء زيارة اذهب وشاهد قبل اتخاذ القرار النهائي بالعودة'، وفق استطلاع المفوضية الأممية.
شروط العودة
لعودة اللاجئين السوريين، أو أي لاجئ في العالم، شروط يجب أن تتوفر لضمان عودة آمنة وكريمة، إذ قال المختص بالاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق اللاجئين، الدكتور رياض صبح، إن العودة يجب أن تكون طوعية وآمنة، أي ألا يتعرض اللاجئ للإساءة بكل أنواعها، سواء أثناء خروجه من البلد المقيم فيه أو عبر الطريق أو من البلد العائد إليه. ولفت إلى أن المؤشرات إيجابية نحو أن تكون العودة آمنة.
لاجئون سوريين يغادرون الأردن من معبر جابر الحدودي مع سوريا – إرم نيوز
وأشار صبح إلى أن هناك عدة أطراف لتحقيق العودة الآمنة، تشمل الحكومة السورية الحالية والبلد الذي يأوي اللاجئين، ومفوضية الأمم المتحدة، إضافة إلى المجتمع الدولي.
بالنسبة للبلد الذين يوجد فيه اللاجئون، يجب أن يحترم العودة الطوعية، بمعنى ألا يُجبر الناس على العودة، سواء كان الأردن، أو تركيا أو لبنان أو أي دول أخرى، وفق صبح. وأضاف: ' أعتقد أن هذه الدول ملتزمة إلى هذه اللحظة بمبدأ طوعية العودة'.
وزير الاتصال الحكومي، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية محمد المومني، أكد مؤخراً أن الأردن ملتزم بالقانون الدولي ومبدأ العودة الطوعية للاجئين السوريين، متأملا أن تكون البيئة السورية قادرة على مزيد من العودة الطوعية.
بالنسبة للمفوضية الأممية فإن دورها محوري في أكثر من جانب، بحسب الحقوقي رياض صبح، إذ يتمثل في الانتقال إلى مستوى التشجيع على عودة اللاجئين، من خلال إصدار بيان بتشجيع العودة، إضافة إلى تقديم مساعدات مالية أو نقل أمتعتهم وأغراضهم إلى بلدهم.
'الأهم أن تقوم بعقد اتفاقية ما بين الدول التي استقبلت اللاجئين والحكومة السورية الحالية والمفوضية، بحيث تلزم هذه الاتفاقية بطوعية العودة لكل الأطراف وتلزم الحكومة السورية الحالية في احترام عدم التعرض اللاجئين لأي ضرر أو اعتداء أو ما شابه، وبالتالي العفو عن أي شخص يمكن أن يكون ملاحقا من أي طرف باستثناء من ارتكب جرائم'، وفق حديث صبح لـ 'الحل نت'.
وأشار صبح إلى أن هناك سوريون ما زالت أسماؤهم مطلوبة من أيام النظام المخلوع على المعابر الحدودية، مؤكدا على أهمية وجود شيء رسمي قانوني واتفاقية تلتزم فيها الحكومة السورية عند تعرض هؤلاء الناس لأي ملاحقة من هذا النوع، إلا المتهمين بارتكاب جرائم.
فيما يتعلق بالمجتمع الدولي، يجب عليه زيادة ميزانية المفوضية، لتشجيع العودة من خلال توفير المساعدة المالية للاجئين، إذ يجب أن يكون هناك برنامج كامل للعودة وتوفير المتطلبات المالية الكافية، بحسب صبح.
إضافة إلى ذلك، يجب إعادة إعمار سوريا، خاصة المناطق التي تم تدميرها والتي خرج منها اللاجئين، لتمكينهم من العودة.
المفوضية الأممية، قدّرت المتطلبات المالية التي تحتاجها لتأمين عودةٍ طوعية للاجئين والنازحين السوريين في المنطقة خلال العام الحالي بحوالي 371 مليون دولار، منها 22 مليونا لاستهداف عودة السوريين في الأردن.
عودة تدريجية
من غير المتوقع أن يعود السوريون فجأة، إذ إن العودة ستكون تدريجية في ظل وجود ارتباطات تتعلق بالعمل والتعليم، بينما ما يزال الوضع الاقتصادي مترديا، الأمر الذي ينعكس على فرص العمل والخدمات الأساسية، في حين تخضع البلاد لعقوبات أميركية وأوروبية.
إذ ينظر معظم السوريين إلى بلدان اللجوء على أنها أكثر أمانا واستقرارا، خاصة بالنسبة للمستثمرين وبعض الفئات التي تعمل بانتظام، فيما ما يزال الوضع في سوريا غير واضح المعالم.
وقالت الناشطة، عبير عيون، إنه يجب على الحكومة السورية أن توفر الأمن والأمان في البلاد وتسيطر على 'التصرفات الفردية'، إضافة إلى تأمين الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وغيرها من الاحتياجات، خاصة المنازل.
تختلف المخاوف الرئيسة للاجئين بشأن العودة من بلد مضيف لآخر، وقد تُعزى هذه الاختلافات أيضا جزئيا إلى الظروف في أماكن المنشأ المختلفة داخل سوريا، إذ يختلف مكان نشأة اللاجئين حسب البلد المضيف.
في لبنان، ذكر 69 بالمئة منهم أن السكن هو شاغلهم الأساسي، وسلّط 54 بالمئة الضوء على التحديات الاقتصادية في سوريا، كحاجز أمام العودة. واعتبر 84 بالمئة من اللاجئين في العراق أن السلامة والأمن عائقا رئيسا أمام العودة، بينما قدم اللاجئون في الأردن ومصر وجهة نظر متوازنة، بين الاعتبارات العملية والسلامة والأمن.
يأتي ذلك بينما أُطلقت تحذيرات من فوضى العودة الجماعية للاجئين، والتي ستضغط على الموارد المحدودة في البلاد؛ ما يفرض ضغوطا هائلة على السلطات السورية ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني، حيث يعيش 5.5 مليون لاجئ سوري في تركيا ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

ترمب: عدت من الشرق الأوسط بـ5.1 تريليون دولار وهذا ليس سيئا
ترمب: عدت من الشرق الأوسط بـ5.1 تريليون دولار وهذا ليس سيئا

رؤيا

timeمنذ 4 ساعات

  • رؤيا

ترمب: عدت من الشرق الأوسط بـ5.1 تريليون دولار وهذا ليس سيئا

ترمب: علاقاتنا مع قطر والسعودية والإمارات ممتازة ولدينا أموال أكثر منهم قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إن جولته الأخيرة في الشرق الأوسط كانت "رائعة"، معلنًا أن بلاده عادت منها بمكاسب تُقدّر بحوالي 5.1 تريليون دولار، واصفًا ذلك بـ"الإنجاز غير السيئ على الإطلاق". وفي تصريحات صحفية، قال ترمب: "علاقاتنا مع قطر والسعودية والإمارات ممتازة، ولدينا أموال أكثر منهم، لكننا لم نحسن استخدامها في السابق". وعن الحرب في أوكرانيا، أشار ترمب إلى أنه أجرى محادثة "جيدة" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واصفًا إياه بـ"الرجل اللطيف"، مضيفًا: "أعتقد أن هناك تقدمًا يُحرز على صعيد إنهاء الحرب، ونحن نحاول جاهدين وقف هذه المجزرة المطلقة". وأضاف ترمب: "نبذل قصارى جهدنا من أجل إنهاء الحرب، وبوتين كان يصغي إليّ بجدية بالغة"، مؤكدًا أن "الولايات المتحدة أصبحت تُحظى بالاحترام مرة أخرى كدولة قوية على الساحة الدولية".

4 مليارات يورو من أوروبا لمصر.. دعم اقتصادي بشروط صارمة
4 مليارات يورو من أوروبا لمصر.. دعم اقتصادي بشروط صارمة

خبرني

timeمنذ 4 ساعات

  • خبرني

4 مليارات يورو من أوروبا لمصر.. دعم اقتصادي بشروط صارمة

خبرني - توصل مجلس الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق مؤقت مع البرلمان الأوروبي لمنح مصر حزمة مساعدات مالية بقيمة 4 مليارات يورو ضمن إطار شراكة استراتيجية تهدف إلى دعم الاقتصاد المصري. ووفقًا لبيان صادر عن مجلس الاتحاد الأوروبي سيتم صرف القرض على دفعات مع ربط كل دفعة بالتقدم المرضي في تنفيذ برنامج صندوق النقد الدولي للفترة 2024-2027، بالإضافة إلى تدابير سياسية إضافية سيتم الاتفاق عليها بين المفوضية الأوروبية والسلطات المصرية، وتشمل هذه التدابير تعزيز الإصلاحات الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال ودعم الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر. كما اتفق الطرفان على أن تقدم المفوضية الأوروبية تقريرًا سنويًا للبرلمان والمجلس، يتناول التقدم في تنفيذ السياسات الاقتصادية والوضع المالي والخطوات التي اتخذتها مصر نحو احترام الآليات الديمقراطية وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان. ويُعد هذا الشرط استجابة لانتقادات منظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية، التي طالبت بوضع معايير واضحة لحقوق الإنسان في إطار الشراكة مع مصر. وتُعاني مصر من أزمة اقتصادية حادة مع ارتفاع الدين الخارجي إلى حوالي 165 مليار دولار في 2024، وتكاليف خدمة الدين المتوقعة بـ42 مليار دولار هذا العام، كما تأثرت البلاد بهجمات الحوثيين في البحر الأحمر والصراع في غزة والسودان مما قلل من إيرادات قناة السويس وفاقم التضخم. ويهدف التمويل الأوروبي الذي يُعد جزءًا من حزمة تمويل متعددة الأطراف بقيمة 20 مليار دولار مع دعم من صندوق النقد الدولي والإمارات إلى تغطية 56.7% من الفجوة التمويلية الخارجية المقدرة بـ17.7 مليار دولار حتى 2027. وسيدعم القرض استقرار الاقتصاد الكلي، تعزيز الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وتحسين إدارة الهجرة، خاصة على الحدود مع ليبيا والسودان. وتُعد مصر شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي نظرًا لدورها في استقرار المنطقة خاصة في ظل الحرب في غزة والصراع في السودان، وفي مارس 2024 وقّع الاتحاد الأوروبي ومصر اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بقيمة 7.4 مليار يورو، تشمل 5 مليارات يورو قروضًا ميسرة و1.8 مليار يورو استثمارات و600 مليون يورو منح، منها 200 مليون يورو لإدارة الهجرة. وتأتي هذه الحزمة بعد صرف دفعة أولية عاجلة بقيمة مليار يورو في ديسمبر 2024، التي استثنيت من الرقابة البرلمانية بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور كان القرض الأول لمصر والبالغ مليار يورو والذي تمت الموافقة عليه في أبريل 2024 يهدف إلى تغطية جزء من احتياجاتها التمويلية للسنة المالية 2024/2025، وضمان استقرار الاقتصاد الكلي، أما قرض التمويل متعدد الأطراف الثاني، والبالغ 4 مليارات يورو، والذي وافق عليه المجلس والبرلمان الأوروبي، فهدفه معالجة الوضع المالي الكلي المتدهور واحتياجات التمويل في البلاد.

مكاسب زيارة ترمب
مكاسب زيارة ترمب

السوسنة

timeمنذ 4 ساعات

  • السوسنة

مكاسب زيارة ترمب

الشغل الشاغل لبلد مثل المملكة العربية السعودية وهي تستند إلى «خطتها التنموية 2030» هو زيادة إنتاجها غير النفطي. تعي قيادة المملكة أن النفط مورد رئيس مهم، لكن شمولية نظرتها للمستقبل ترى أنه مورد قد ينضب، أو يتعرض إلى تقلبات في الأسواق العالمية نتيجة ظروف قد تحصل في العالم، سواء نزاعات أو أوبئة أو كوارث طبيعية، وقد خاضت هذه التجربة خلال العقود الماضية وفهمت الدرس. الاستثمار هو التجارة الرابحة منذ خلق الله الكون وبدأ الإنسان الأول بيع البضائع أو مقايضتها، وبُنيت حضارات بمركز اقتصادي صلب يقع في صلبه الاستثمار. لذلك؛ حرصت السعودية، بل أصرت على الشركات التي تريد الدخول في السوق السعودية الحيوية نقل مقارها إلى المملكة. هذه خطوة ذكية من ناحيتين؛ أن تكون مركزاً للأعمال الضخمة، وكذلك توطين بعض الصناعات.في ستينات القرن الماضي، ضخت السعودية استثمارات كبيرة في جمهورية مصر العربية التي كانت منطقة تضج بالأنشطة الاقتصادية والموارد الطبيعية والبشرية، ولكن مع الأسف لم تثمر هذه الاستثمارات، نتيجة التأميم في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، فخسر الطرفان؛ مصر والسعودية. لذلك؛ من الأهمية أن يتوجه الاستثمار إلى جهة آمنة، يمكن من خلالها أن ينمو رأس المال من دون تهديدات أو عوائق. هذا ما دفع السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة إلى ضخ مليارات الدولارات في الولايات المتحدة، حيث القوة الاقتصادية والسوق المفتوحة والأمان في التشريعات والأنظمة. السعودية استثمرت 600 مليار دولار، في مجالات حيوية، أهمها الطاقة والذكاء الاصطناعي والتقنية الحيوية، وغيرها من المسارات التي نراها اليوم ترسم المستقبل. قطر كذلك قدمت لمستقبلها 1.2 تريليون دولار، والإمارات 1.4 تريليون دولار. هذه الأموال الضخمة ليست هدية لترمب، بل رؤوس أموال ستعود لهذه الدول خلال عقود مقبلة بكثير من الموارد المالية ونقل المعرفة.باختصار، هذه سياسة دول الخليج، أموالها ليست للفساد ولا للأحلام التوسعية ولا للإنفاق على الميليشيات. هذا الفارق بينها وبين دول تمتلك موارد، لكن شعوبها تفتقر إلى البنى التحتية وأبسط مقومات الحياة الكريمة. العبرة ليست بامتلاك الأموال والنفط والغاز، بل بإدارة هذه الموارد إدارة ذات كفاءة عالية تعود على شعوبها بالخير والرفاه.من جهة أخرى، المصالح المتبادلة هي عماد العلاقات الدولية اليوم. السعودية لديها خيارات عدّة غير الولايات المتحدة لتنويع مستثمريها وزبائن نفطها، وعلى رأسهم الصين التي تعدّ المشتري الأعلى قيمة للنفط السعودي بنحو 48 مليار دولار، تقريباً ثلث المبيعات، تليها الهند بـ25 ثم اليابان وكوريا الجنوبية، وأخيراً الولايات المتحدة. ورغم تطور التبادل التجاري بين المملكة والصين لم تتخذ الرياض خطوة بيع النفط السعودي للصين أو التبادل التجاري بالعملة الصينية اليوان، بل أبقت على ارتباطها بالدولار الأميركي الذي بدأ منذ عهد الرئيس نيكسون في سبعينات القرن الماضي، وهذا عبر اتفاق مبرم بين الإدارتين السعودية والأميركية؛ ما يحقق مصالحهما معاً. المصالح ليست من طرف واحد، ولا توجد دولة في العالم تضحي بمصالحها ومصالح شعوبها مقابل الشعارات التي لا وزن لها في ميزان المدفوعات ولا خانة لها في أرقام الميزانيات.زيارة ترمب كذلك لم تخلُ من مكاسب سياسية للتعجيل بمعونات لأهالي غزة والضغط في اتجاه الإبقاء على سكانها في أرضهم حتى إعمارها، فلم يتطرق الرئيس الأميركي في زيارته حول أفكاره التي أزعجت المنطقة حول تهجير أهالي غزة، وبقيت إسرائيل تحدّث نفسها وحيدة في هذا الموضوع خلال زيارة ترمب.لكن ما جاء مثلِجاً للصدور، مفرِحاً للنفوس الطيبة، إعلان الرئيس ترمب من الرياض رفع العقوبات عن سوريا. والعقوبات على سوريا ليست فقط ما تم بعد الثورة السورية في 2011، العقوبات بدأت منذ 1979 بعد دعم نظام حافظ الأسد «حزب الله» ووصايته على لبنان، وزاد حدتها الرئيس جورج دبليو بوش حينما صنَّف سوريا بأنها ثالث محاور الشر بسبب دعمها ميليشيات «حزب الله» و«حماس»، وحيازتها سلاح دمار شامل. إعلان الرئيس ترمب رفع العقوبات جاء في توقيت حساس جداً بالنسبة لسوريا الجديدة، التي تواجه تحديات داخلية كبيرة، وتسعى الكثير من دول العالم إلى الوقوف بجانبها ودفعها للنهوض. طلبُ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من الرئيس ترمب رفع العقوبات، هو تنفيذ لوعد قطعه مع الرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته الخارجية الأولى التي كانت للرياض في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. مع خبر رفع العقوبات رأى العالم حجم السعادة التي ظهرت على الأمير محمد، وطارت الفرحة من صدره إلى المدن السورية دمشق وحماة واللاذقية وحمص، ابتهاجاً بهذه الانفراجة التي فتحت باباً للأمل يحتاج إليه المواطن السوري الذي أنهكته النزاعات والتدخلات والتشريد والفقر. كان بإمكان السعودية أن تعقد صفقاتها وتودع الرئيس إلى طائرته، لكن الحقيقة أن القوة تمكّن المستحيل، ومن موقف قوة طلب ولي العهد السعودي من الرئيس الأميركي رفع العقوبات؛ لذلك جاءت الاستجابة السريعة التاريخية.المنطقة ربحت كثيراً بهذه الزيارة، وكلما كانت المنطقة تنعم بدول ناجحة طموحة، سيكون الأمل حاضراً لمستقبل أفضل للدول الأقل حظاً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store