
يوسف شاهين.. رائد السينما المتمردة الذي لم تُطفئه الغياب وخلّدته الكاميرا
وبرغم مرور 17 عامًا على رحيله، لا تزال أفلامه تُعرض وتُدرّس وتُلهم أجيالًا جديدة من صناع الفن، لما تحمله من فكر نقدي جريء ورؤية إنسانية متفردة.
شاهين لم يكن مجرد مخرج، بل كان مشروعًا فكريًا وسينمائيًا كاملًا، جمع بين الحرفة والتمرد، وبين الجمال والرسالة.
النشأة والبدايات
ولد يوسف جبرائيل شاهين في 25 يناير 1926 بمدينة الإسكندرية، لأسرة متعددة الثقافات؛ فوالده لبناني الأصل وأمه يونانية، ما منحه منذ طفولته وعيًا مبكرًا بالتنوع والاختلاف.
تلقى تعليمه في مدرسة "كلية فيكتوريا" العريقة، ثم سافر إلى الولايات المتحدة لدراسة المسرح والسينما في معهد باسادينا بكاليفورنيا، قبل أن يعود إلى مصر في نهاية الأربعينيات ليبدأ مشواره الفني.
أخرج أول أعماله السينمائية "بابا أمين" عام 1950، تبعه فيلم "ابن النيل" عام 1951، والذي عُرض في مهرجان "كان"، ليضع اسمه سريعًا على خريطة المخرجين العالميين.
محطات إبداعية بارزة
على مدار أكثر من 50 عامًا، قدم شاهين أكثر من 40 فيلمًا، جمع فيها بين جمال الصورة وعمق الفكرة، فكانت سينماه بمثابة مرآة للواقع المصري والعربي، لا تخشى المواجهة ولا تساوم على المبدأ.
من أبرز أعماله: "باب الحديد" (1958): فيلم من الطراز العالمي، صنع فيه شاهين شخصية "قناوي"، عامل المحطة المهووس، وجسّدها بنفسه، وقد اعتُبر الفيلم من روائع السينما الواقعية.
• "الأرض" (1969): ملحمة سينمائية عن مقاومة الفلاح المصري للاستعمار والإقطاع، تحمل رمزية عميقة للارتباط بالأرض والهوية.
• "العصفور" (1973): وثيقة سياسية وفنية تنتقد الفساد والهزيمة التي سبقت نكسة 1967، وتُظهر الوجه المظلم للسلطة في تلك الحقبة.
• "الناصر صلاح الدين" (1963): عمل تاريخي ضخم تناول شخصية البطل الإسلامي بمنظور قومي حداثي، جمع فيه بين الفن والدعوة إلى الوحدة العربية.
• "المهاجر" (1994): معالجة جريئة لقصة يوسف التوراتية، أثارت جدلًا واسعًا وواجهت دعاوى قضائية، لكن شاهين دافع عن حرية الفن وانتصرت رؤيته.
• "المصير" (1997): فيلم فلسفي تناول فيه سيرة الفيلسوف ابن رشد، منتصرًا لقيم العقل والحرية والتسامح في وجه التطرف والانغلاق.
• "هي فوضى" (2007): آخر أفلامه، شارك في إخراجه خالد يوسف، وكان صرخة في وجه الفساد والاستبداد، وكأن شاهين أراد أن يختم مشواره كما بدأه: بموقف.
رباعية الإسكندرية
تميز شاهين بتجربة فريدة في سرد سيرته الذاتية من خلال ما عُرف بـ "رباعية الإسكندرية"، والتي بدأت بفيلم "إسكندرية... ليه؟" (1978)، الحاصل على جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين، وتبعه "حدوتة مصرية" (1982)، ثم "إسكندرية كمان وكمان" (1990)، وأخيرًا "إسكندرية نيويورك" (2004).
في هذه الأفلام، تقاطع الشخصي مع العام، والسياسي مع الحميمي، في سردية تُبرز تحولات المجتمع المصري وتشكّلات الهوية.
جوائز وتكريمات عالمية
نال شاهين عددًا هائلًا من الجوائز والتكريمات، أبرزها:
• جائزة الدب الفضي من مهرجان برلين.
• جائزة اليوبيل الذهبي من مهرجان "كان" عام 1997 عن مجمل أعماله.
• وسام الفنون والآداب الفرنسي، تكريمًا لإسهاماته في السينما والثقافة.
• إدراج 7 من أفلامه ضمن قائمة أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.
الرحيل الصادم والوداع الكبير
في 15 يونيو 2008، أصيب شاهين بنزيف في المخ أُدخل على إثره في غيبوبة، وتم نقله للعلاج في فرنسا، ثم عاد إلى القاهرة ليفارق الحياة في 27 يوليو من العام نفسه، عن عمر ناهز 82 عامًا.
أقيمت جنازته في كاتدرائية القيامة بالعباسية، وحضرها عدد كبير من الفنانين والسياسيين، ونعته شخصيات عربية ودولية، من بينهم الرئيس الفرنسي آنذاك نيكولا ساركوزي، الذي وصفه بـ "رمز الحريات".
إرث خالد وتأثير لا يُمحى
ما زالت أعمال يوسف شاهين تُعرض في مهرجانات عربية وعالمية، وتُدرّس في جامعات السينما بوصفها نماذج للفن المقاوم والتجريب الصادق.
كما تخرّج من تحت عباءته عدد من النجوم والمخرجين، أبرزهم خالد يوسف، ويسري نصر الله، وهاني سلامة، وخالد النبوي.
ظل شاهين حتى وفاته يؤمن بأن السينما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة للطرح والتغيير والمواجهة، وهو ما جعله أحد أنبل الأصوات السينمائية في تاريخ الفن العربي.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

مصرس
منذ 3 ساعات
- مصرس
بنت البلد رغم أنها من عائلة أرستقراطية
محمد كمالرغم أنها تنحدر من عائلة أرستقراطية، ورغم اشتهارها بأدوار الإغراء فى السينما المصرية، لكنها فى نفس الوقت يطلق عليها "بنت البلد"، وهنا المفارقة الغريبة، حيث أن ملامحها وموهبتها يمكن توظيفهما معا.هند رستم من مواليد 12 نوفمبر عام 1929 فى حى محرم بك بالأسكندرية، وكان والدها ينحدر من عائلة تركية ويعمل ضابطا فى الجيش المصرى، اسمها الحقيقى ناريمان حسين مراد رستم، لكن اسم الشهرة الخاص بها كان هند، ودرست بمدرسة "سان فانسان دى بول" وانتقلت إلى الحياة بالقاهرة عام 1946، بدأت كممثلة صامتة في أدوار تمثيل قصيرة مثل فيلم غزل البنات عام 1949، حيث ظهرت خلف ليلى مراد في أغنية "اتمخطري يا خيل".لم تقدم هند رستم أى أعمال خارج حدود السينما، حيث قدمت ما يقرب من 90 فيلم خلال مسيرتها التى امتدت منذ نهاية الأربعينيات حتى نهاية السبعينيات.فى عام 1947 اتجهت إلى مكتب شركة الأفلام المتحدة حتى تقدم للمشاركة في دور صغير مع يحيى شاهين في فيلم "أزهار وأشواك"، وبالفعل حصلت على هذا الدور وتوالت بعده الأدوار الصغيرة.ثم لفتت الأنظار عندما قدمت دور كوميدى فى فيلم "الستات مبيعرفوش يكدبوا" للمخرج محمد عبد الجواد عام 1954، لكن المخرج الذى أعاد اكتشافها وقدمها كنجمة إغراء كان حسن الإمام خلال فيلم "اعترافات زوجة" عام 1954, وفى عام 1955 فيلمى "بنات الليل" و"الجسد".فى نفس الوقت ظهرت هند رستم فى عدد من الأفلام فى الأدوار المساعدة، مثل "لا أنام" لصلاح أبوسيف عام 1957 و"رد قلبى" فى نفس العام، وفيلم "انت حبيبى" مع يوسف شاهين.فى نفس العام حصلت هند رستم على شهرة أكبر بعد النجاح الكبير الذى حققه فيلم "ابن حميدو" الذى شاركت فى بطولته مع إسماعيل ياسين وأحمد رمزى وعبد الفتاح القصرى وإخراج فطين عبد الوهاب.قدمت هند رستم عام 1958 البطولة المطلقة الأولى لها وذلك خلال أحد أهم الأفلام فى تاريخ السينما المصرية، وهو "باب الحديد" مع المخرج يوسف شاهين والذى قدمت فيه دورها الشهير "هنومة". ومن بعده جاء "صراع فى النيل" مع المخرج عاطف سالم، و"بين السما والأرض".فى الستينيات قدمت هند مجموعة من التجارب المختلفة، سواء عليها أو على المعتاد تقديمه فى ذلك التوقيت على مستوى الأفلام المصرية، مثل "شفيقة القبطية" مع المخرج حسن الإمام، و"اعترافات زوج" مع فطين عبد الوهاب، و"سيد درويش" للمخرج أحمد بدرخان، و"الزوج العازب" مع حسن الصيفى.انتهت مسيرة هند رستم مبكرا حيث قررت الاعتزال وترك السينما وهى فى قمة التألق والنجومية، وقدمت آخر أدوارها فى السينما عام 1979 فى فيلم "حياتى عذاب" مع المخرج على رضا، وشاركت فى بطولته مع نورا وعادل أدهم والمطرب عماد عبد الحليم.كرم مهرجان القاهرة السينمائى الدولي هند رستم عام 1993، كما حصلت على جائزة أفضل ممثلة من جمعية نقاد السينما المصريين عن فيلم "الجبان والحب" عام 1975، ونالت إشادة خاصة في مهرجان فينيسيا عن فيلم "نساء في حياتي" عام 1957 وجائزة إنجاز حياتها من معهد العالم العربي في باريس.تزوجت هند رستم من المخرج حسن رضا وأنجبت ابنتها الوحيدة بسنت، وتزوجت للمرة الثانية من الطبيب الشهير د. محمد فياض. وتوفيت في 8 أغسطس 2011 عن عمر يناهز 82 عامًا إثر أزمة قلبية حادة.اقرأ أيضا: كواليس حوار نادر عام 1966.. حكاية هند رستم من الإغراء إلى الأمومة


بوابة الفجر
منذ 21 ساعات
- بوابة الفجر
في ذكرى رحيل هند رستم.. 14 عامًا على رحيل أيقونة الإغراء والموهبة الخالدة (تقرير)
تحل اليوم ذكرى رحيل الفنانة الكبيرة هند رستم، التي غادرت عالمنا في مثل هذا اليوم عام 2011، تاركة إرثًا فنيًا لا يُنسى وبصمة خالدة جعلتها واحدة من أبرز نجمات جيلها، ليس فقط بسبب جمالها الطاغي، بل بفضل موهبتها الكبيرة وأدوارها المؤثرة. في حوار نادر أذاعته قناة 'ماسبيرو زمان'، كشفت هند رستم جانبًا إنسانيًا مميزًا في حياتها الشخصية، حيث عبّرت عن حبها الشديد لتربية الكلاب، وأكدت أنها كانت تقتني 21 كلبًا، كما أظهرت مهارة كبيرة في تدريبهم بنفسها، مشيرة إلى أن عشقها للحيوانات كان جزءًا لا يتجزأ من حياتها. لقبت بـ'مارلين مونرو الشرق' لما جسدته من أنوثة آسرة في أعمال مثل 'شفيقة القبطية' و'لا أنام'، لكنها لم تكتفِ بهذا الدور النمطي، فقدمت شخصيات شعبية وعميقة مثل 'توحة' بائعة الخبز، و'هنومة' بائعة المياه الغازية في فيلم 'باب الحديد' مع المخرج يوسف شاهين. في عام 1979، قررت الاعتزال بشكل مفاجئ بعد فيلم 'حياتي عذاب'، استجابة لرغبة زوجها الطبيب محمد فياض، وذلك بعد زواجها الأول من المخرج حسن رضا الذي أنجبت منه ابنتها الوحيدة 'بسنت'. قدّمت هند رستم أعمالًا سينمائية مميزة، نالت عنها جوائز هامة، من بينها جائزة النقاد عن 'الجبان والحب'، كما تم تكريمها في مهرجان البندقية عام 1957 عن فيلم 'نساء في حياتي'، وأحيا محرك البحث 'جوجل' ذكراها الـ87 في عام 2018 بوضع صورتها على واجهته الرئيسية. إرثها الفني وبعد 14 عامًا على وفاتها، لا تزال هند رستم حاضرة في وجدان جمهورها، ليس فقط كـ'ملكة الإغراء'، بل كفنانة استثنائية جمعت بين الجاذبية الفريدة والموهبة الرفيعة، لتبقى أيقونة سينمائية لا تتكرر.


الكنانة
منذ يوم واحد
- الكنانة
في ذكرى رحيل هند رستم
صفاء مصطفى الكنانة نيوز يتزامن اليوم مع ذكري رحيل الفنانة الكبيرة هند رستم التي رحلت عن عالمنا زي النهارده في عام 2011 أي قبل 14 عاما، والتي تعد من أهم فنانات جيلها ممن تركن بصمة كبيرة في عالم الفن ولم تقتصر عند جمالها فقط وإنما أبرزت موهبتها بشكل كبير بأدوار مميزة. وخلال حوار نادر للفنانة هند رستم نشرته ماسبيرو زمان أظهرت فيها محبتها الشديدة لتربية الكلاب، إذ أكدت فى حوارها أنها كانت تمتلك 21 كلبا . وخلال حوارها أظهرت قدرتها على تدريب كلبها بشكل كبير، كما كشفت أنها تعشق الكلاب بصورة كبيرة وخلال حوارها أظهرت قدرتها على تدريب كلبها بشكل كبير، كما كشفت أنها تعشق الكلاب بصورة كبيرة. حصلت على لقب 'مارلين مونرو الشرق' بفضل أدوارها التي جسدت الأنوثة ببراعة، مثل: 'شفيقة القبطية' 'لا أنام' لكنها كسرت هذه الصورة بأدوار عميقة مثل: 'توحة' (بائعة خبز) 'هنومة' (بائعة مياه غازية) في فيلم 'باب الحديد' مع يوسف شاهين. اعتزال مفاجئ وحياة شخصية حافلة قررت الاعتزال المفاجئ في 1979 بعد فيلم 'حياتي عذاب'، احتراماً لرغبة زوجها الثاني الدكتور محمد فياض، بعد زواج سابق من المخرج حسن رضا أنجبت خلاله ابنتها بسنت. أعمال خالدة وتكريمات مستحقة حصلت على جائزة النقاد عن فيلم 'الجبان والحب' تُوجت في مهرجان البندقية 1957 عن فيلم 'نساء في حياتي' كرمها محرك البحث جوجل في 2018 بذكرى ميلادها الـ87 اليوم، بعد 14 عاماً على رحيلها، تبقى هند رستم في ذاكرة الجمهور ليس فقط 'ملكة إغراء'، ولكن كفنانة استثنائية جمعت بين الجمال والموهبة، لتظل أيقونة سينمائية لا تتكرر.