
القرقاعون.. وميض رمضاني ينير ليالي البحرين
تعد عادة "القرقاعون" (Qirqaun: A Tradition of Guising) أكثر من مجرد نشاط ممتع، إذ تعتبر جسرًا ثقافيًا بين الأجيال وتعزز قيم رمضان في قلوب وعقول الأطفال. عندما يرتدي الأطفال الملابس التقليدية ويحملون أكياسهم المزخرفة ويجوبون الأحياء وهم يرددون الأناشيد البهيجة، فإنهم لا يشاركون في تقليد احتفالي فحسب، بل يتعلمون جوهر رمضان: الشكر، والكرم، وروح المجتمع. من خلال هذه العروض الصغيرة، يختبرون شخصيًا فرحة العطاء والقبول، وهو جانب أساسي من شهر رمضان المبارك.
ولا يقتصر القرقاعون على كونه احتفالًا للصغار فقط، بل هو موروث تراثي يلتقي فيه الصغار والكبار في أجواء تعجّ بالفرح والروحانية. ويكتسب الاحتفال بعدًا دينيًا مميزًا، حيث يتزامن مع ذكرى مولد الإمام الحسن بن علي (ع) في منتصف شهر رمضان، مما يضفي عليه طابعًا روحانيًا واجتماعيًا خاصًا، يعزز قيم المحبة والتواصل بين أبناء المجتمع البحريني. علما أن القرقاعون يُعرف بمسميات مختلفة في دول الخليج، ففي البحرين والكويت يُسمى "قرقاعون" أو "قرقيعان"، بينما يُعرف في الإمارات وقطر باسم "حق الليلة"، وفي بعض مناطق الخليج الأخرى يسمى "قريقشون" أو "قرنقشوه". كما تختلف الأهازيج قليلًا من منطقة لأخرى، لكنها تتشابه في مضمونها الداعي للفرح والمشاركة.
ويجب التنويه أن معظم مظاهر الاحتفال بشهر رمضان الكريم تعود إلى السنن الحميدة التي أرسى قواعدها الفاطميون في مصر، ولا تزال هذه الطقوس الرمضانية حية، رغم انقضاء تلك الدولة. فقد ورثت كل من الدولة الأيوبية ومن بعدها الدولة المملوكية هذا التراث الزاخر، ومنها احتفالية 'القرقاعون' التي أضافت رونقًا خاصًا لهذا الشهر المبارك. وفي العصر الحديث، لا تزال البحرين تُحافظ على تقاليد الاحتفاء برمضان، إذ يحرص أهلها على تنظيم الموائد الرمضانية، وإحياء مراسم البهجة بفوانيس رمضان وقرقاعون رمضان، في مشهد يعكس الروح الرمضانية التكافلية، ويعزز من أواصر المحبة والتعاون بين أفراد المجتمع في مملكتنا الحبيبة.
الصناعات الإيجابية المحلية التي تطورت وازدهرت مع وحول القرقاعون وفرحة الطفل البحريني يعكس فهم محلي رائع لدعم أفراحنا التراثية، حيث تُساهم محلات الخياطة والتطريز، ومتاجر الحلويات والمكسرات، وصانعي الأكياس المزخرفة وحتى بائعي الفوانيس، في تعزيز أجواء الاحتفال وجعلها أكثر تميزًا.
الأزياء الشعبية: هوية تراثية تزيّن الأطفال: يحرص الأطفال خلال القرقاعون على ارتداء أزياء تقليدية مزخرفة تعكس التراث البحريني، حيث تسعى العائلات إلى تجهيز أبنائها بأجمل الملابس المناسبة لهذه المناسبة.
• ملابس الأولاد: يرتدي الصبية الدشداشة البيضاء مع السديري المطرّز والقحفية، بينما يفضّل البعض ارتداء "الدقلة"، وهو لباس تقليدي يمنحهم مظهرًا تراثيًا أصيلًا.
• ملابس الفتيات: تتميز الفتيات بارتداء الدراعة الملونة والبخنق المطرّز بالخيوط الذهبية، والذي يضفي لمسة تراثية أنيقة، خاصة مع الحُلي الذهبية المعروفة باسم "الهلال" التي تُزين غطاء الرأس لتكمل الإطلالة التقليدية.
أكياس القرقاعون: فنّ تراثي بلمسات حديثة: لا تكتمل أجواء القرقاعون دون الأكياس المطرّزة الخاصة بجمع الحلوى، والتي أصبحت جزءًا مهمًا من تقاليد الاحتفال. تقوم الخياطات البحرينيات بإبداع تصاميم رائعة لهذه الأكياس، مستخدمات الأقمشة المزخرفة والخيوط الملونة، وأحيانًا يُطرّز عليها أسماء الأطفال ليكون لكل طفل كيس مميز يحمل طابعًا شخصيًا.
محلات الحلويات والمكسرات: تحضير القرقاعون بعناية: تلعب محلات الحلويات والمكسرات في البحرين دورًا كبيرًا في تجهيز أكياس القرقاعون، حيث يتم إعداد مزيج فاخر يشمل اللوز، الجوز، الفول السوداني، الحمص، والفستق، إضافة إلى الحلويات التقليدية المستوردة من إيران والهند. وتتنافس المحلات على تقديم هذه الخلطات بتغليف أنيق وتصاميم جذابة، ما يجعلها أيضًا هدايا مميزة خلال هذه المناسبة.
فوانيس رمضان: لمسة ساحرة تضيء القرقاعون: من العناصر التي أصبحت جزءًا أساسيًا من احتفالات القرقاعون في البحرين هي فوانيس رمضان، والتي تطوّرت بشكل ملحوظ مع مرور السنوات. في السابق، كانت الفوانيس تقليدية وتعمل بالشموع، لكن اليوم باتت هناك فوانيس حديثة تعمل بالبطاريات، مصنوعة من مواد خفيفة الوزن، ومزودة بإضاءات LED ملوّنة تجذب الأطفال وتضفي أجواء احتفالية ساحرة خلال تجوالهم في الأحياء لجمع القرقاعون.
احتفال متجدد يجمع بين الأصالة والتطور: لم يعد القرقاعون مجرد تقاليد موروثة، بل أصبح احتفالًا يجمع بين التراث والتكنولوجيا الحديثة، حيث تمتزج الأزياء التقليدية، الأكياس المطرزة، خليط المكسرات الفاخر، والفوانيس المضيئة لتصنع أجواءً رمضانية لا تُنسى، تُحافظ على الهوية البحرينية وتعكس فرحة الأطفال والكبار على حد سواء.
أجواء الاحتفال في البحرين: الشوارع تفوح برائحة الفرح : عندما يحل مساء النصف من رمضان، تتحول أحياء البحرين، خصوصًا في المحرق، الرفاع، المنامة والقرى القديمة، إلى مساحات تنبض بالحياة. يمضي الأطفال في مجموعات صغيرة تجوب الحارات القديمة، يطرقون الأبواب بفرح، حيث يخرج الأهالي لاستقبالهم بحفاوة ويمنحونهم الحلوى، في مشهد يعكس روح التكافل الاجتماعي والمحبة بين الجيران. وفي شوارع المحرق القديمة، يمتزج عبق التاريخ برائحة الحلويات والمكسرات، وسط أصوات الأطفال ينشدون الأهازيج التراثية، ومن أشهرها:
_"قرقاعون عادت عليكم.. يا الصيام.. عطونا الله يعطيكم.. بيت مكة يوديكم.."_
_"سلم ولدهم يا الله.. خليه لأمه يا الله.."_
الكبار يشاركون في الاحتفال: لم يقتصر القرقاعون على الأطفال فقط، بل يشارك الكبار في المجالس والمآتم، حيث تُقام:
• جلسات تلاوة القرآن والتسبيح، حيث يردد الحاضرون بعد كل سورة:
"سبحان الله والحمد لله... ولا إله إلا الله... الله أكبر الله أكبر... ولله الحمد".
• حفلات قراءة المولد النبوي احتفالًا بميلاد الإمام الحسن (ع)، حيث تمتزج الأجواء الدينية بالفرح الشعبي.
• موائد جماعية مفتوحة، حيث يتم تقديم المأكولات والحلويات في المجالس المفتوحة.
أهمية القرقاعون في المجتمع البحريني : لا يقتصر القرقاعون على البيوت فقط، بل تحرص المؤسسات، الوزارات، المراكز الاجتماعية والأندية الرياضية على تنظيم احتفالات خاصة للأطفال، تتضمن مسابقات، عروضًا تراثية، وتوزيع الهدايا، مما يعزز هذا التقليد العريق. كما أن الاحتفال يشكّل فرصة للأسر لتعريف الأطفال على التراث البحريني، وغرس قيم الكرم والمحبة والتواصل الاجتماعي في نفوسهم، وهو ما يجعل القرقاعون أكثر من مجرد مناسبة، بل تجربة ثقافية تُرسّخ الهوية البحرينية في قلوب الأجيال الجديدة. وعند استقراء جوهره، القرقاعون، هو أكثر من مجرد ليلة من المرح، إنه لحظة من الاستمرارية الثقافية، احتفال بالمجتمع، وتعبير صادق عن روح رمضان في التكاتف. ومن جمال مبدأ القرقاعون أنه احتفال بمولد سبط رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) الحسن بن علي ( عليه السَّلام ) ، حيث أن ولادته الميمونة كانت في النصف من شهر رمضان المبارك من السنة الثانية أو الثالثة من الهجرة المباركة .

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الوطن
٠٣-٠٤-٢٠٢٥
- الوطن
سوانح العطاء
بدر علي قمبر كلما يُغادر رمضان مساحات حياتنا، كلما نحسّ بشعور غريب، يجعلنا نعيش في أجواء أخرى غير المعتادة، لإحساسنا العميق بأن شهر رمضان المبارك هو نسمة جميلة من نسمات الجنان، نستنشق عبيرها في شهر كامل، ونعيش في أجواء تلك المحطة الخالدة، التي نسأل الله الكريم أن يبلغنا إياها في الفردوس الأعلى. ذلك لأن رمضان هو ذلك الخير العميم الشامل لحياتنا، الذي يُروّض أخلاقنا وسلوكياتنا من أجل أن نسير في طريق الاستقامة. ويا خسارة من فات عليه رمضان ولم يستفد من سوانحه، ولم يكن من عشاق مساحاته الأثيرة إلى النفس، بل لم يكن له النصيب الوافر لكي يطهر نفسه من شوائب الحياة. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنفه (أي خاب وخسر) رجل ذُكرت عنده فلم يُصلِّ عليّ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» (رواه الترمذي).من استطاع أن يعيش لله تعالى وحده خلال شهر الخير، وعزم أن يكون شهر التغيير والتجديد الإيماني، فهو بلا ريب سينهض من سباته الذي اعتاده قبل رمضان، وستتغير حياته بعد رمضان، ليكون ذلك الفارس المُجيد الذي يعشق التنافس في سباق الخيرات وسوانح العطاء المختلفة. عندما ننطلق من رمضان، ونعتاد الخير، ويكون ضمن شرايين حياتنا، فإننا بذلك فزنا بالعطاء الحقيقي، الذي يجب أن نتعايش معه طيلة أيام حياتنا، فسوانح العطاء يجب أن تتجانس مع جميع مساحات حياتنا، وأن نتلذذ بها من أجل ألا نتراجع عن ذلك الخير الذي عشناه في شهر الخير. العطاء بمفهومه الصحيح هو أن تكون لك بصمة وأثر في كل لحظة تعيشها، وألا تتراجع قيد أنملة عما تعلمته في سنين حياتك، وما قدمته من خير في كل رسالة تقدمها للمجتمع. العطاء هو عبارة عن رسائل متعددة تقوم بها هنا وهناك، من أجل ألا تظل مجرد «هامش حياتي» معزولاً عن الخير. يرى البعض، بخبرته الخيرية والإنسانية المحدودة والقاصرة، أنه يستطيع أن يصل بتلك الأفكار التي يتبناها إلى درجة الإتقان والتميز والتأثير في المجتمع، في المقابل فهو لم يفقه طبيعة المجال الإنساني الذي يعيشه، والذي يجب أن تكون فيه سوانح العطاء مثل الماء الزلال، الذي اعتاد صاحبه أن يشربه عدة مرات في اليوم ليروي ظمأه. من هنا، فإن التفاني في العطاء، وإخلاص النيات، وصدق التوجه إلى الله عز وجل، والسعي الصادق في حاجات الآخرين، وحب تقديم الخير، وسنوات العطاء الحقيقي، هي التي تشفع لصاحبها ليكون العنصر المؤثر الفاعل في محيطه، وليكون الخطوة الحقيقية نحو تحقيق النجاح المنشود في مشروعات الخير والعطاء. هناك العديد من الوقفات التي يجب أن نقف أمامها مع سرعة تصرم الأيام وانقضاء مناسبات الخير، ولعل أهمها ألا نغفل لحظة واحدة عن علاقتنا مع الله عز وجل، فهي أساس نجاحات الحياة، وهي أساس الخير الذي نعيشه، وأن نؤمن إيماناً عميقاً بأن ما يقدره المولى الكريم، ويختاره لنا، ويكتبه لنا، هو الخير الذي نعيشه، وهي السعادة الحقيقية التي نهنأ بها. العلاقة مع الله عز وجل هي التي تدفعنا لأن نكون رسل خير في الحياة كلها، وألا نبذل الجهود الجبارة في مجال ضيق بعينه، ثم نكتشف فيما بعد أننا قد استهلكنا جهودنا الجسدية والنفسية، ومضى الوقت دون أن نحس به، في أمور لم نكن فيها أكفاء في منظور البعض، أو منظور تلك الزاوية الضيقة التي نعمل بها. من هنا، ينبغي أن نتوجه سريعاً إلى ميادين واسعة وفسيحة، فيها العديد من رسائل النجاح التي ركناها في فترات كثيرة من حياتنا على مقاعد التسويف أو بعبارات «لم يحن الوقت بعد»، ثم اكتشفنا أننا قد تأخرنا كثيراً عن اللحاق بركب الأفراد الذين حققوا شغفهم في التغيير والتأثير في المجتمع، وأصبحوا نجوماً في سوانح العطاء، يُشار إليهم بالبنان. تكتشف في كثير من الأحيان أن عملك الذي عملته مجرد «أوقات مهدورة» في قاموس الإنجاز، وإن كانت هذه الأعمال محفوفة بالأجور عند المولى الكريم، لأنك اعتدت أن تكون فيها محسناً ومحتسباً، لذا فإنها باقية الأثر في ميزان حسناتك وفي مسارات حياتك. ولكنك تحتاج إلى تغيير نمطها، والسير في خطوات أكثر فاعلية منها، لأن منهجيات بعض المساحات التي اعتدت عليها لم تعد تناسب فكر العطاء المتجدد، الذي ينبغي أن تنطلق به إلى المجتمع كله، وتنشر فكر أثرك المستدام، الذي اعتدت عليه، والذي رسمت ملامحه منذ فترة، ولكن تأخرت في تنفيذه لبعض العراقيل المزعجة. ومضة أملالخير لا يتوقف عند تلك اللحظة التي قرر فيها ذلك الفارس أن يتوقف ويتمهل ويتأخر في قراره للمسير، بل الخير أن يستبدله بفارس يحمل الخير على كتفه، ولا يؤخر عمله لحظة واحدة.


الوطن
٢٥-٠٣-٢٠٢٥
- الوطن
تحدي العطش
شهر رمضان لا يعلّمنا الحفاظ على العبادات والشعور بالمحتاج وحفظ النِعم فقط، وإنما يعزّز القيم الإنسانية وتجديد الروابط الاجتماعية، ولو استشعرنا ذلك لوجدنا بأننا كنا في يوم ما صغاراً، تبدلت الأدوار في ليلة وضحاها وأصبحنا مربيّن لنعلم يقيناً بأن الأيام تمضي ولا تقف عند أحد، بل تستمر حتى يكبر الصغير ويشيخ الكبير لنستذكر الأيام الجميلة التي مرّت كلمح البصر، تلك المائدة التي جمعتنا في شهر رمضان، نستلذ الطعام، ونشاهد أجمل المسلسلات، ونسمع نصائح والدينا والتوجيه والسؤال عن الأحوال، شهر رمضان يجعلنا في تحدٍّ عاماً بعد عام، فكل عام يأتي بتحدٍّ جديد ومتغيّر وربما معقّد بعدما كان التحدي الأكبر عندما كنا صغاراً مجرّد تحدي العطش.شهر رمضان هو أكثر من مجرد صيام والامتناع عن الأكل، هو شهر روحاني والتقرّب إلى الله عزّ وجل، فالشهر الكريم فرصة لتجديد العلاقة مع الله ومع النفس ومن حولنا من علاقات وأهمها العلاقات الأسرية، فهذا الشهر له تجربة فريدة في كل عام تؤثر بشكل كبير على الفرد وما يحمل هذا الشهر الفضيل من تحديات وفرص تعزّز القيم والتعلم في حال أن الإنسان تعامل مع التحديات بإيجابية، العطش والتعب وضغوطات العمل وتغيير نمط الحياة في السهر ومواعيد النوم، كل هذه التحديات تنصهر أمام رُكن من أركان الإسلام، فالصيام عبادة لا تستمر طويلاً من العام، بل هو زائر خفيف يحمل معه الخيرات وتحقيق الأمنيات، وها نحن على أشراف نهاية الشهر الفضيل، أيام معدودات ونستعيد حياتنا اليومية الروتينية، وسنفتقد الروحانية المكثفة في الصلاة وقراءة القرآن والصدقات والعمل الخيري ومساعدة المحتاجين، ومع ذلك سنفتقد تجمّع الأسرة على مائدة الإفطار ولمّ شمل الأهل على الفطور والسحور، هي لمسات بالفعل روحانية في التواصل الاجتماعي وتُقرّب الأبناء إلى الآباء والعكس، والحديث حول مواضيع كثيرة والالتفاف حول التلفاز لمشاهدة بعض المسلسلات، ولقاء الأحبة والأصدقاء ولمّ شمل البعيد، بالفعل شهر رمضان شهر الخير والرحمة، يزورنا حتى يجعل بيوتنا مُفعمة بالدفء والراحة والطمأنينة.فمثلما يجدّد المرء بعد رمضان إيمانه في المداومة على الطاعات وعمل الخير، عليه أيضاً أن يداوم على تجديد أواصر الرحمة في العلاقات الأسرية، والمحافظة على الكيان الأسري الذي يبدأ من الوالدين وينتهي بهما ملتفين حول الأبناء، فالكيان الأسري يبقى هو الأساس الذي يبني جيلاً مستقراً في العبادة، وتعظيم الأسرة يبني وطناً ومجتمعاً متماسكاً. كل رمضان وأنتم إلى الله أقرب.


الوطن
٢٤-٠٣-٢٠٢٥
- الوطن
فلاشات رمضانية
مع اقتراب رمضان من خط النهاية، تحول الشهر الفضيل إلى سباق ماراثوني من الظواهر الغريبة التي لا علاقة لها بالصيام، لكنها تتكاثر في شوارعنا وأسواقنا مثل «الفقع» بعد المطر! (1) على أحد البرامج الإذاعية؛ اتصلت سيدة بأحد المشايخ، لتنقل ملاحظة قيام بعض المطاعم بتقديم وجبات إفطار رمضاني للعمالة الوافدة أقل من المستوى المطلوب من ناحية الجودة أو الكمية، رغم أن هذه الوجبات مدفوعة بالكامل من فاعلي الخير، وكان التبرير «السخيف» لذلك أن هذه الوجبات لعمال (....). (2) قبل أذان المغرب، تتحوّل الشوارع إلى حلبات سباق، كأن الصائمين يشاركون في «رالي داكار»، والهدف الوصول إلى صحن الشوربة قبل أن يبرد! إشارات المرور تصبح مجرد اقتراح، والسيارات تتحول إلى صواريخ بلا دقة تصويب، والنتيجة عصبية غير مبررة وأعصاب مشدودة أكثر من وتر العود. (3) أما العصبية، فهي وجبة رئيسية على مائدة رمضان، والبعض فيها «شيف» محترف؛ تكلم أي شخص في السوق، في البنك، أو حتى في المسجد، وستجد أمامك بركاناً جاهزاً للانفجار! «لا تكلمني.. أنا صايم!»، وكأن الصيام أصبح ترخيصاً رسمياً للانفعال ورفع الضغط على من حولنا. (4) ثم تأتي الأسعار، التي تصعد في رمضان أسرع من صعود الدعوات في صلاة التراويح! تجار المواد الغذائية لديهم قناعة راسخة بأن الصائم يحتاج إلى ضعف كمية الأكل، وكأن الجوع يضاعف قدرة الإنسان على الهضم! (5) الازدحامات قصة أخرى! الأسواق والمجمعات تفيض بالبشر كأننا على أعتاب مجاعة، والجميع يتزاحم على عربات التسوق بشراسة، رغم أن بيوتنا ممتلئة بمخزون يكفينا حتى رمضان القادم! المصيبة أننا في النهاية، وبعد كل هذا الشراء، نأكل نفس الطبق الذي نأكله كل عام! إضاءة رمضان يا سادة ليس موسماً لاختبار قدرة الناس على التحمل، ولا دورة تدريبية في التوتر والغضب! هو شهر للهدوء والسكينة، لكننا حولناه إلى مزيج من سباق سيارات، ومصارعة حرة، ومزاد علني للأسعار، بعد كل هذا، نقول في نهاية الشهر: «يا الله.. رمضان مر بسرعة!».. طبعاً مر بسرعة، لأنك لم تعش أجواءه الحقيقية أصلاً! كل عام وأنتم بخير.. وتذكروا الصيام عن الأكل أمر سهل، لكن صيام اللسان والجوارح فهو التحدي الحقيقي! أيام قليلة ويغادرنا رمضان، ذلك الضيف العزيز الذي جاد علينا بروحانيته ونفحاته الإيمانية، فلنجعل ما تبقى منه فرصة لمزيد من الطاعات، نرفع فيها أكف الضراعة، ونكثر من الاستغفار، ونجدد العهد مع الله.لنودع هذا الشهر الكريم بقلوب مطمئنة، وقد زادت أرواحنا صفاءً، ونفوسنا قرباً من الخالق، وعطاؤنا خيراً لمن حولنا.