
الإصلاح الضريبي في سوريا يبدأ بعد عقود من المحاباة والفساد
دمشق – عانى السوريون لسنوات طويلة من النظام الضريبي الذي كان سائدا في عهد نظام بشار الأسد المخلوع، حيث صُمّم -وفقًا لرؤية العديد من الخبراء- لحماية مصالح كبار التجار ورأسمالية المحاسيب التي كانت تهيمن على البلاد؛ فأعفى النظام بذلك أصحاب الثروات المرتبطين بالسلطة من المساءلة، في حين أرهق كاهل صغار التجار والصناعيين بضرائب تُفرض دون معايير واضحة، الأمر الذي أدى إلى هجرة آلاف الصناعيين والتجار من البلاد.
وفي إطار التعامل مع هذه التركة الثقيلة، عقدت لجنة الإصلاح الضريبي، برئاسة وزير المالية السوري محمد يسر برنية، الأسبوع الماضي، أول اجتماع لها منذ الإعلان عن تشكيلها مطلع الشهر الجاري.
وأكد الوزير لوسائل الإعلام، عقب الاجتماع، أن النظام الضريبي الحالي "غير قابل للاستمرار، لأنه لا يخدم الرؤية الاقتصادية للبلاد، ولا مصالح القطاع الخاص، ولا مفهوم العدالة، فضلًا عن عدم قدرته على دعم عجلة الصناعة في البلاد".
وأوضح أن اللجنة اتفقت على المحاور الأساسية للإصلاح الضريبي، والتي تشمل تخفيض الشرائح الضريبية، وتبسيط الإجراءات، وتوحيد الضرائب.
شراكة مع القطاع الخاص
وأشار برنية إلى أن الدولة حريصة على أن "تكون شريكا فاعلا للقطاع الخاص، وليست مجرد جهة جباية"، مؤكدا أن الإصلاحات الضريبية الجارية ستأخذ وقتها الكافي لتتبلور بصورة سليمة ومتوازنة، تضمن ملاءمتها لجميع الأطراف على المدى الطويل، وليس لفترة محدودة تمتد لعامين أو ثلاثة فقط.
وشدد الوزير على ضرورة تجنّب الاستعجال أو القفز على المراحل، داعيًا إلى اعتماد نهج تدريجي في بناء نظام ضريبي عصري يخدم مصلحة سوريا ويدعم عجلة الصناعة، مع السعي إلى توفير نظام واضح وشفاف يمنح المستثمر الثقة الكاملة بأنه سيخدم مصالحه.
كما أشار إلى أنه تم بالفعل إلغاء عدد من الرسوم، وهناك توجه لإلغاء المزيد من الضرائب، مع العمل على توحيد النظام الضريبي والانتقال إلى ضرائب أقل عددًا وأكثر توحيدًا.
وفي ختام تصريحاته، شدد برنية على أن سوريا ماضية نحو أن تصبح "من أكثر الدول تنافسية من حيث نظام الضرائب الحديث".
تنشيط صناعات
وفيما يتعلق بالإصلاحات الضريبية الجارية، يرى الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي أنها تستند إلى دراسات تهدف إلى إعادة تنشيط صناعات محلية تمتلك سوريا خبرة طويلة فيها، مثل صناعة النسيج، إلى جانب تحفيز صناعات جديدة وواعدة مثل التكنولوجيا، والتي لا تزال البلاد تفتقر إلى بنى تحتية كافية لها.
ويربط قضيماتي نجاح تعديل النظام الضريبي برؤية الحكومة وخططها الإستراتيجية، سواء على المدى المتوسط (5 سنوات) أو الطويل (10 سنوات). ويؤكد أن تخفيض الضرائب أو الرسوم يجب أن يتم وفق 3 معايير رئيسية:
حجم الإنتاج المحلي، الفترات الزمنية (المواسم).
الحالة العامة للاقتصاد، بما في ذلك حجم الاستثمارات المتوقعة واحتياجات السوق المحلي من المنتجات القابلة للتصنيع الداخلي.
ويشير الخبير إلى أنه كلما اقتربت البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي من منتج معين، يمكن حينها رفع الضرائب عليه تدريجيًا، والعكس صحيح.
ويوضح أن سوريا، في الوقت الراهن، بحاجة للاستيراد، مما يتطلب ضرائب ورسومًا منخفضة، مؤكدًا ضرورة تعديل قيم تلك الضرائب بشكل دوري استنادًا إلى مراجعات منتظمة للواقع الاقتصادي.
ويضرب مثالًا بالضرائب الزراعية، التي يجب أن تتغير تبعًا للمواسم والمحاصيل، مشددًا على أن النظام الضريبي يعد ملفا شائكا يرتبط بالظروف المتغيرة بشكل مباشر.
تعزيز الشراكة
وفيما يتعلق بالأثر المتوقع لهذه الإصلاحات على البيئة الاستثمارية والقطاع الخاص في سوريا، يشير قضيماتي إلى ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، نظرًا لما قد تحققه من فوائد عديدة، من أبرزها تقليص الهدر في القطاع العام، وتقديم نموذج إداري فعال من خلال القطاع الخاص.
ويشدد على ضرورة الحفاظ على دور الدولة الرقابي، لا سيما فيما يخص الأسعار وتوفير المنتجات الأساسية في السوق، مؤكدًا أن هذه الشراكة تمكّن الدولة من الخروج من دور "الجباية" التقليدي، وتقي القطاع العام من الخسارة كما كان على عهد النظام المخلوع.
ويرى قضيماتي أن تطبيق هذه الشراكة مستقبلًا قد يتم من خلال تأسيس شركات قابضة يديرها القطاع الخاص بمساهمة رمزية من الدولة، مقابل منح تسهيلات ونسب من الأرباح.
وعن الحاجة لزيادة الإيرادات الحكومية وتخفيف العبء الضريبي عن المواطن في آن واحد، يرى الخبير أن تحقيق هذه المعادلة يتطلب توفر عدة معايير، في مقدمتها "انتهاء ثقافة الرشوة والمحسوبيات".
ويؤكد أنه إذا تم "ضبط الاقتصاد"، فلن تواجه الدولة عجزًا في الموازنة، خاصة أن سوريا بلد غني بالثروات الباطنية التي من شأنها أن تخفف العبء المالي، إلى جانب الشراكات مع الدول الأخرى لتمرير خطوط الغاز والنفط والاستفادة من عائداتها.
ويخلص قضيماتي إلى أن الحكومة مطالبة بزيادة إيراداتها بشكل مدروس خارج إطار ما يُعرف بالإيرادات الضريبية أو الرسوم التقليدية.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
مخاوف أوروبية من إغلاق مضيق هرمز
حذّرت مسؤولة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس الاثنين بأن إغلاق إيران مضيق هرمز "سيكون خطيرا للغاية". يأتي ذلك وسط تهديد إيران بالرد على الهجمات الأميركية التي استهدفت فجر الأحد مواقع نووية إيرانية. وكان البرلمان الإيراني صوت بالإجماع على إغلاق مضيق هرمز. وقال المسؤولة الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي يدعو إلى حل دبلوماسي وخفض التصعيد. وأشارت كالاس إلى أن وزراء الخارجية الأوروبيين يركّزون خلال اجتماع في بروكسل على إيجاد "حل دبلوماسي" عقب الضربات الأميركية على المواقع النووية الإيرانية. وشددت في تصريح لصحافيين على أن "المخاوف من رد وتصعيد الحرب كبيرة، خصوصا إغلاق إيران مضيق هرمز، وهو أمر خطير للغاية ولن يكون في مصلحة أحد". وبالفعل، أجج الهجوم الأمريكي على مواقع نووية رئيسية في إيران المخاوف من احتمال تعطل حركة الملاحة في مضيق هرمز. ولم تنفذ طهران حتى الآن تهديداتها بالرد على الولايات المتحدة سواء باستهداف القواعد الأميركية في المنطقة أو بمحاولة تقويض إمدادات النفط العالمية. لكن بنك غولدمان ساكس قال في مذكرة إن التوقعات تشير إلى احتمال بنسبة 52% أن تغلق إيران مضيق هرمز خلال 2025، مستندا إلى بيانات من بولي ماركت. وقال غولدمان ساكس "رغم أن الأحداث في الشرق الأوسط لا تزال غير مستقرة، نتوقع محفزات اقتصادية قوية لدول من بينها الولايات المتحدة والصين للحيلولة دون تعطيل طويل الأمد وضخم لمضيق هرمز". ويمر ما يقرب من ربع شحنات النفط العالمية عبر المضيق الذي تشترك فيه إيران مع سلطنة عمان والإمارات. وقال تلفزيون "برس. تي.في الإيراني أمس إن القرار النهائي بشأن إغلاق مضيق هرمز بعد القصف الأميركي متروك للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، وذلك بعد أن أفادت تقارير بأن البرلمان أيد هذا الإجراء. وقال رئيس قسم الملاحة البحرية والجوية لدى لويدز ماركت أسوسييسن نيل روبرتس إن التصرف الأميركي زاد من احتمالات أن ترد إيران أو الحوثيون ضد أهداف ذات صلة. وبالنظر إلى "الانخفاض الملحوظ" في عدد السفن الغربية في البحر الأحمر، قال روبرتس إن ضرب أهداف في مضيق هرمز قد يكون أكثر رجحانا. وأضاف "غير أن هناك اعتقاد لدى الغالبية أن هناك حدود على ما ستفعله إيران أو يمكنها فعله في مضيق هرمز بسبب مصالحها في ظل اعتماد الكثير من الدول على المضيق".


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
الطاقة الذرية تطالب بالكشف على اليورانيوم بالمنشآت الإيرانية
طالب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي اليوم الاثنين بالوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية للكشف على مخزون اليورانيوم العالي التخصيب. وصرح غروسي في افتتاح اجتماع طارئ في المقر الرئيسي للوكالة في فيينا "يجب السماح للمفتشين بالعودة إلى المنشآت النووية والكشف على مخزون اليورانيوم، خصوصا المخصب بنسبة 60%". وأضاف أن طهران أبلغته في رسالة مؤرخة يوم 13 يونيو/حزيران بأنها اتخذت تدابير خاصة لحماية المعدات والمواد النووية. وقال غروسي إنه مستعد للتواصل مع كل الأطراف لحماية المنشآت النووية. وأضاف "لن نصبح أكثر أمنا إذا زاد عدد الدول المسلحة نوويا، ولا نريد أن نشهد حادثة تسرب إشعاعي". في المقابل، قال مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن إسرائيل شنت عدوانا على دولة عضو في اتفاقية عدم الانتشار النووي، وإن الوكالة لم تعد تقوم بوظيفتها بكفاءة. وأضاف أنه ستنتج أضرار بيئية هائلة عن القصف الأميركي لمنشآتنا النووية، و"لدينا الحق في الدفاع عن أنفسنا ومصالحنا بكل السبل". وكانت صحيفة فايننشال تايمز نقلت عن مصدر إيراني مطلع أن "اليورانيوم المخصب لم يمس، حيث أنه من السذاجة لو احتفظنا به في المواقع المستهدفة، وإيران لن تسعى إلى تسليح برنامجها النووي". وأمس الأحد، أكد علي شمخاني مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي أن بلاده لا تزال تحتفظ بمخزونها من اليورانيوم المخصب رغم الهجمات الأميركية على 3 مواقع نووية.


الجزيرة
منذ 37 دقائق
- الجزيرة
مغردون: هل وصلت المواجهة بين طهران وتل أبيب إلى ركلات الترجيح؟
"أشواط إضافية أم ركلات ترجيح؟" بهذه العبارة تفاعل بعض جمهور منصات التواصل مع القصف العنيف المتبادل بين إيران و إسرائيل ، بالتزامن مع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل لن تواصل الحرب "أكثر مما هو مطلوب". كما أعلنت الجبهة الداخلية الإسرائيلية عن رصد إطلاق 4 موجات متتالية من الصواريخ الإيرانية خلال 20 دقيقة استهدفت شمال إسرائيل وجنوبها. وقال الجيش الإسرائيلي إن سلاح الجو يشن هجوما على طهران، وكان القصف العنيف المتبادل بين الطرفين حديث رواد العالم الافتراضي، حيث قال مغردون إنه بعد تعادل القوى السياسية بين إسرائيل وإيران يأمر "الحكم الدولي" بتنفيذ ضربات جزاء بين الطرفين. لكنهم أشاروا إلى أن النهاية رغم ضربات الجزاء ستكون صفرا لكلا الجانبين، وأن هناك مباراة أخرى ستحدد نتيجتها الظروف السياسية للملعب "انتظروا صفارة الحكم". وأضاف آخرون أن إسرائيل تراقب مواقع إطلاق الصواريخ الإيرانية، ومع كل موجة هجوم إيرانية يأتي معها خطر تدمير صواريخ ومنشآت عسكرية. وأشاروا إلى أن الأجواء الإيرانية تحت سيطرة إسرائيل جزئيا، وأن لدى إيران مخزونا قويا جدا من الصواريخ الباليستية، ويبدو أن لديها قدرة عالية على تحمّل النزيف لفترة طويلة. وأشار متابعون إلى أن أي اتفاق بعد إنهاء البرنامج النووي الإيراني لم يعد مهما، وأن الحرب قد انتهت بالنسبة لإسرائيل، فنتنياهو نفسه قال إنه يأمل أن تنتهي المواجهة خلال أيام. ورأى ناشطون أن دخول أميركا المباشر في الحرب بين إسرائيل وإيران ليس احتواء للصراع، بل يعتبر صبّا للوقود على نار مشتعلة، فكل تدخّل خارجي لا يزيد إلا تعقيد المشهد وتأجيجه. واعتبر آخرون أنه خلال الساعات القليلة الماضية، ومباشرة بعد ظهور خبر موافقة البرلمان الإيراني على إغلاق المضيق رصدت مصادر ملاحية عالمية بعض ناقلات النفط وهي تغير مسارها وتعود أدراجها. كما أصدرت بعض شركات الشحن والبترول تعليمات إلى سفنها بتجنب المرور من المضيق مؤقتا حتى تتضح الأمور. وعلى الجانب الآخر، صدرت عن أميركا وإسرائيل تصريحات توحي أنهما تحاولان جاهدتين خفض التصعيد والعودة خطوة إلى الوراء لتمرير الأزمة دون توسع أكبر، خاصة أن إغلاق إيران المضيق قد يضطرهما إلى التدخل المباشر، في وقت لا تتحمل فيه أوضاعهما الاقتصادية المزيد من الضغوط.