logo
دمَّره الاحتلال وأغلقه.. جرحى غزة يحتضرون أمام المعمداني

دمَّره الاحتلال وأغلقه.. جرحى غزة يحتضرون أمام المعمداني

الجزيرة٢٦-٠٤-٢٠٢٥

غزة- يجلس الحاج عبد الرحمن أبو الليل داخل عربة مخصصة لأعمال البناء، يجرُّه شاب تمكن من الوصول إليه بعد إصابة مباشرة بقصف من طائرة "كواد كابتر" الإسرائيلية المسيَّرة، بينما كان في طريقه إلى بيته شرق حي الشجاعية في قطاع غزة لجلب الطحين، كما يفعل مواطنون كثيرون عادة.
ويقصد الغزِّيون بيوتهم في المناطق الشرقية، مستغلين الهدوء النسبي في ساعات الصباح الأولى، لجمع الحطب أو لجلب بعض الحاجات أو الأطعمة، فقد نزح معظمهم على عجل حين باغتتهم القذائف الإسرائيلية.
وفي ظل عدم قدرة سيارات الإسعاف على الوصول إلى المناطق الشرقية من مدينة غزة باعتبارها مناطق حمراء، يصنفها الاحتلال على أنها مناطق قتال خطِرة، يستهدف فيها كل ما يتحرك دون اعتبار أو حصانة للعمل الإنساني في حدودها، فيضطر المواطنون لاستخدام طرق بدائية لنقل المصابين.
موت على الطريق
يقول المواطن أبو محمد قريقع للجزيرة نت: "استشهد أخي جراء استهدافه مباشرة، لكن طفله كان مصابا، فلفّه أحد الجيران بغطاء ونقله بعربة تجُّرُها دابَّة، ومنها إلى سيارة، واستغرق نقله وقتا طويلا، وحين وصلنا إلى المستشفى الأهلي العربي (المعمداني) وجدنا أبوابه مغلقة، فاستشهد ابن أخي لتأخر وصوله، ولعدم تمكن المستشفى من استقبال الجرحى".
وكان شقيق أبو محمد قد أصيب، وكان رفقته ابنه الصغير خلال عودته إلى منزله شرق حي الزيتون.
وكانت إدارة مستشفى المعمداني قد أعلنت إغلاق أبوابه وعدم استقبال المصابين، بعد خروجه عن الخدمة قسرا بفعل قصف إسرائيلي مباشر، استهدف أقساما حيوية فيه، أبرزها قسم الاستقبال والإسعاف، الذي يعد العصب الرئيسي لخدمات الطوارئ في غزة، إضافة إلى أقسام الصيدلية والأشعة والمختبر والعيادات الخارجية.
ويصعُبُ على الغزيين تقبُّل خروج المعمداني عن الخدمة، بعدما اعتادوا ارتياده، فقد كان الملاذ الوحيد المخصص لاستقبال الجرحى لعدة شهور، خاصة سكان المناطق الشرقية، الأكثر قربا منهم والأكثر كثافة في غزة، كحي الزيتون والشجاعية و الدرج و التفاح ، إضافة إلى تلبيته الخدمات المتكاملة للجرحى بمدينة غزة.
ويوضح الصحفي المقيم في مستشفى المعمداني، عبد الله شهوان للجزيرة نت ذلك، إن المستشفى أصبح أخيرا لتكفين الشهداء، حيث يصل المصابون يوميا دون تمكن المستشفى من استقبالهم، وأن سيارات الإسعاف تنقل الجرحى من بوابة المعمداني إلى أحد المستشفيات المؤهلة، مبينا أنه وثّق استشهاد مصابين خلال نقلهم إلى تلك المستشفيات.
أمام العجز!
ومع إعلان المستشفى المعمداني مضطرا توقف خدماته، يقول مدير المستشفى الدكتور فضل نعيم للجزيرة نت، إنه من الصعب على أي صاحب قرار في مؤسسة صحية أن يقف عاجزًا أمام مريض كان يعالجه طيلة شهور من الإبادة.
ويرى أن إدخال المريض إلى منشأة غير مؤهلة للتعامل معه قد يُضاعف تدهور حالته الصحية، ويفقده ما وصفه بالفرصة الذهبية للنجاة، معتبرا أن نقله مباشرة إلى مركز قادر على تقديم الرعاية اللازمة هو "الخيار الأكثر إنسانية وعقلانية"، خاصة بعد توزيع المستشفى المعمداني كوادره الطبية على أقسام الطوارئ في مستشفيات غزة.
وأكد نعيم أن الواقع الجديد للمنظومة الصحية جعل المريض "مشتّتًا ومضطرًا للانتقال من مركز لآخر بحثًا عن علاج طارئ أو اعتيادي"، ولفت إلى أن "المعمداني" كان آخر ما تبقى من مرافق صحية متكاملة في شمال القطاع، وكان يستقبل يوميًا قبل استهدافه أكثر من 500 حالة في قسم الطوارئ، ونحو 1000 أخرى في العيادات الخارجية.
ونتيجة لذلك، أوعزت وزارة الصحة في غزة للمواطنين التوجه إلى ثلاثة مستشفيات موزعة في أنحاء المدينة، وهي مجمع الشفاء ومستشفى القدس والمستشفى الميداني الكويتي، وكلها تقدم خدمات جزئية، وقد تم استصلاح أجزاء منها بعدما دمَّرها وأحرقها الاحتلال في هجماته البرية المتكررة.
في انتظار الموت
وحذَّر نعيم من أن تشتت الخدمات بين مستشفيات غزة قد يودي بحياة العشرات من المصابين يوميا.
وقال إن نقل جريح في حالة الخطر من أحد مستشفيات غزة على بعد عدة كيلومترات إلى مستشفى المعمداني، حيث جهاز تصوير الأشعة المقطعية الوحيد في غزة، أمر يودي بحياة عدد من المصابين بشكل مستمر، رغم أن الأصل وجود الخدمات الطبية المتكاملة في مكان واحد، خاصة مع انعدام وسائل المواصلات وتردِّي حال الشوارع.
من جهته، قال مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية، للجزيرة نت: إن لخروج مستشفى المعمداني عن الخدمة "أثرا خطِرا جدا" على المنظومة الصحية، في ظل تهالك خدمات الطوارئ المقدمة.
وأضاف أنه بسبب إغلاق المعابر منذ بداية مارس/آذار، وعدم دخول حبة دواء واحدة أو أي من المستلزمات الطبية، لا يبقى أمام الجريح من خيار سوى انتظار الموت في أي لحظة.
وأكد أبو سلمية، أن مستشفيات غزة تعمل حاليا كوحدة واحدة، في محاولة دائمة للنهوض من بين الركام، باعتبار أن ما تحياه هو صراع من أجل البقاء رغم كل محاولات الإبادة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين
بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

بنوك الدم خاوية في غزة والمجاعة تؤثّر على صحة المتبرعين

غزة – كالمعتاد، عند الثامنة صباحا فتح قسم بنك الدم في مجمع ناصر الطبي ب مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة أبوابه، ولنحو 4 ساعات، رصدت الجزيرة نت هدوءا تاما ومقاعد فارغة، على وقع أصوات الإنذار الصادرة عن سيارات الإسعاف، التي تتوافد على المجمع محملة بجرحى غارات جوية إسرائيلية مكثفة على المنازل وخيام النازحين. طوال هذه الساعات لم يحضر سوى متبرع واحد، اعتاد على التبرع بالدم منذ ما قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب عملية " طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكن يوسف التلاوي يقول للجزيرة نت إنه خلال الشهور الستة الماضية امتنع عن التبرع لشعوره بـ"الهزال والدوخة بسبب المجاعة وسوء التغذية". صبيحة أول أمس الأحد، استيقظ التلاوي وفي نيته التبرع وقد تملّكه الحزن لعدم وجود ما يتناوله من طعام قبل التوجه لبنك الدم، ولولا دعاه صديق له لتناول الإفطار برفقته لما تمكّن من ذلك، ويقول "لا أملك غير دمي للتبرع به للمساعدة في إنقاذ جريح قد تكون قطرة منه تعني الحياة بالنسبة له". قبل اندلاع الحرب كان التلاوي (25 عاما) معتادا على التبرع بشكل دوري ومستمر، مرة كل 3 شهور، غير أن العدوان لم يمنحه الفرصة سوى 3 مرات فقط للتبرع بالدم، ويُرجع هذا الشاب، المتزوج حديثا والذي رُزق بطفلته الأولى، السبب "ل استهداف المستشفيات والحصار والمجاعة وسوء التغذية". إعلان تشير مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة الدكتورة صوفيا زعرب إلى "ظاهرة ملفتة لعزوف الشباب عن التبرع بالدم"، وتقول للجزيرة نت إنها ازدادت على نحو كبير منذ تشديد الحصار وإغلاق المعابر في 2 مارس/آذار الماضي، وما تبع ذلك من تفشي المجاعة وسوء التغذية. وحسب زعرب، لم يدخل رصيد بنك الدم في مجمع ناصر الطبي خلال الأيام الثلاثة الماضية سوى 10 وحدات دم فقط، في مقابل صرف 250 وحدة في الفترة ذاتها منذ صباح يوم الجمعة الماضي، لمواكبة الأعداد الهائلة من الجرحى. من جانبه، يقول شريف إهليل، وهو شاب رياضي في الثلاثين من عمره، للجزيرة نت "أشعر أنني لست بخير"، وكلما عزم على التبرع بالدم يتردد ويعزف عن ذلك. كان إهليل لاعبا لكرة القدم في أندية محلية، ويؤكد أنه لا يعاني من أية أمراض، غير أنه لا يتناول أي طعام صحي منذ إغلاق المعابر واستئناف الحرب على القطاع في 18 مارس/آذار الماضي، حيث لا تتوفر اللحوم والدواجن والأسماك في الأسواق، والخضراوات شحيحة وأسعارها "فلكية"، ويعتمد في غذائه اليومي على ما تبقى لديه من أغذية معلبة حصل عليها في طرود مساعدات إنسانية سابقة. وتقول الدكتورة زعرب إن "المجاعة فتكت بالجميع، وكثيرون من أمثال إهليل في مرحلة الشباب يعانون من سوء التغذية، ويخشون من التبرع بالدم، وبينهم من يتعالى على جوعه ويأتي للتبرع، ولكنه يشعر بالتعب والدوخة ولا يستطيع إكمال الوحدة، ونضطر لإتلاف الكمية التي سُحبت منه". واقع خطير أحد هؤلاء شاب في العشرينيات من عمره، بجسد تبدو عليه الصحة، حضر قبل بضعة أيام للتبرع بالدم، وبعد دقائق معدودة من جلوسه على المقعد المخصص وهو ينظر إلى أنبوب متصل بكيس طبي يُفترض أن يمتلئ بوحدة الدم، ظهرت عليه فجأة علامات التعب الشديد وبدأ يتصبب عرقا وأُصيب بالغثيان والدوخة. لاحظت عليه الموظفة ذلك، وسألته فورا "هل تناولت أي شيء قبل حضورك للتبرع؟ وعندما أخبرها أن آخر ما دخل جوفه "قطعة صغيرة من الخبز تناولها مع القليل من الزعتر الليلة الماضية"، نزعت الأنبوب من يده، ورفضت تبرعه. ووفقا للدكتورة زعرب، فإن مثل هذه الحالة تتكرر مع متبرعين يؤثرون على أنفسهم ويتعالون على آلامهم للتبرع بالدم، تلبية لنداءات متواترة ومستمرة من المستشفيات، للمساهمة في إنقاذ أرواح جرحى، غير أن تداعيات الجوع تظهر عليهم أثناء عملية نقل الدم، التي تتطلب "طاقة وسعرات حرارية وتعويضا سريعا للسوائل والسكريات المفقودة، وهي أشياء رغم بساطتها مفقودة بسبب الحصار والمجاعة". ودرجت العادة على منح العصائر للمتبرع بالدم، لكنها توضح أن بنوك الدم في غزة تفتقر لهذه العصائر بسبب الحصار ومنع الاحتلال إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، و"في أحيان كثيرة لا نجد حتى كوبا من المياه العذبة ليشربه المتبرع". ووصفت المسؤولة الطبية واقع بنوك الدم بأنه "معقد وخطير ومقلق للغاية"، وتقدّر أن رصيد الدم المتوفر حاليا يكفي لأربعة أيام فقط في أحسن الأحوال، ما لم تشهد الاعتداءات الإسرائيلية تصعيدا على نحو أكبر وأوسع. قيود إسرائيلية تعاني بنوك الدم في غزة من عجز كبير في أرصدة الدم، وفي أجهزة نقل الدم والأكياس ومواد للفحص، وتقول الدكتورة زعرب إن الكثير من المواد والمستلزمات "رصيدها صفر"، حيث يمنع الاحتلال إدخالها ووحدات دم من الخارج لتغذية الأرصدة ومواكبة التطورات وإنقاذ الجرحى والمرضى، وآخرها كمية من متبرعين ب الضفة الغربية منع إدخالها قبل استئنافه الحرب. وتؤكد "جراء ذلك، نعمل في ظروف صعبة واستثنائية لا تتناسب مع الضغط الهائل في أعداد الجرحى يوميا، وبتنا نحتاج لنحو نصف ساعة من أجل تجهيز وحدة دم واحدة بطريقة يدوية، وهي ضعف المدة التي كنا نستغرقها في الوقت الطبيعي". وتضيف مديرة وحدة المختبرات وبنوك الدم في وزارة الصحة صوفيا زعرب أن شدة الاعتداءات وما ينجم عنها من جرحى، وما تعانيه بنوك الدم من عجز ونواقص في كل شيء، "يجعل من الالتزام بالمعايير الطبية العالمية أمرا صعبا ومعقدا، ونضطر أحيانا لتجاوزها من حيث قياس نسبة الهيموغلوبين، والوزن، والضغط، والتأكد من سلامة المتبرع وخلوه من الأمراض، وقدرته على التبرع". ونتيجة ضغط الحاجة، تضطر بنوك الدم أحيانا للتعامل مع متبرعين يعانون من سوء التغذية، وهو ما يفسر معاناة الأغلبية في الوقت الحالي من الدوخة والصداع والهزال والغثيان، بعد عملية سحب الدم، وفق زعرب.

قطر تدين قصف مستشفى حمد للأطراف الصناعية في غزة
قطر تدين قصف مستشفى حمد للأطراف الصناعية في غزة

الجزيرة

timeمنذ يوم واحد

  • الجزيرة

قطر تدين قصف مستشفى حمد للأطراف الصناعية في غزة

أدانت قطر، اليوم الاثنين، قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي مستشفى حمد للأطراف الصناعية شمال قطاع غزة ، معتبرة أن استهداف المستشفيات ومراكز الإيواء بالقطاع جزء من "حرب الإبادة" ضد الشعب الفلسطيني. وقالت الخارجية القطرية، في بيان لها، "ندين بأشد العبارات قصف الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى حمد للأطراف الصناعية في غزة". وأضافت "استمرار العدوان الغاشم للاحتلال على قطاع غزة، بما في ذلك استهدافه المتكرر للمدنيين والمستشفيات ومراكز إيواء النازحين والمرافق الحيوية، هو جزء من حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني الشقيق". كما دعت المجتمع الدولي إلى "تحمّل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية لإنهاء هذه الحرب الوحشية فورا، ومعالجة الأوضاع الإنسانية الكارثية التي خلفتها". وجددت موقف قطر "الثابت والدائم في دعم القضية الفلسطينية.. المستند إلى قرارات الشرعية الدولية وحل الدولتين، بما يضمن إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية". يشار إلى أن مستشفى حمد للأطراف الصناعية افتُتح في عام 2019 بتمويل قطري، وجُهز بمواصفات عالية على مساحة كبيرة في شمال مدينة غزة، وهو مزود بخبرات بشرية وبأحدث الأجهزة والتقنيات، وهو الوحيد في القطاع من حيث تقديم خدمات نوعية تتعلق بالتأهيل والسمع والتوازن والأطراف الصناعية. وتواصل إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة جماعية واسعة ضد سكان القطاع، بما يشمل القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري، متجاهلة كافة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.

الحرب على غزة تربك البنية النفسية لقوات الجيش الإسرائيلي
الحرب على غزة تربك البنية النفسية لقوات الجيش الإسرائيلي

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

الحرب على غزة تربك البنية النفسية لقوات الجيش الإسرائيلي

القدس المحتلة- في خضم الحرب المستمرة على قطاع غزة ، يجد الجيش الإسرائيلي نفسه أمام تحديات غير مسبوقة، تتجاوز ساحات المعارك إلى عمق الجبهات الداخلية، ليس فقط على صعيد العتاد والخطط، بل في البنية النفسية والإنسانية للجنود أنفسهم. إذ دفعت أزمة حادة في القوى البشرية الجيش إلى اتخاذ قرارات استثنائية، من بينها استدعاء جنود مصابين باضطرابات ما بعد الصدمة وأشخاص يعانون إعاقات نفسية دائمة، للمشاركة مجددا في العمليات القتالية، في وقت يشهد فيه الجيش تآكلا واضحا في قدراته البشرية والمعنوية. وتكشف تقارير صحفية إسرائيلية، من بينها تقرير نشرته صحيفة هآرتس، عن تداعيات نفسية خطيرة بين صفوف الجنود، وسط ارتفاع حالات الانتحار والانهيار النفسي. حالات انتحار وحسب الصحيفة، فإنه حتى نهاية عام 2024، سجلت على الأقل 35 حالة انتحار في صفوف الجنود منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، بينما صنفت وزارة الأمن الإسرائيلية نحو 9 آلاف جندي معاقين نفسيا منذ بدء العمليات، وهو ما يسلط الضوء على الكلفة البشرية الباهظة للحرب. ووفق معطيات وزارة الدفاع الإسرائيلية، فإن قسم إعادة التأهيل يعالج نحو 78 ألف جريح من حروب مختلفة، بينهم أكثر من 26 ألفا يعانون إصابات نفسية، منهم نحو 11 ألف حالة مشخصة باضطراب ما بعد الصدمة، ومنذ اندلاع الحرب في غزة، أُضيف إلى هذا الرقم نحو 17 ألف جريح جديد، بينهم قرابة 9 آلاف مصابون بإعاقات نفسية. بات الجيش الإسرائيلي عالقا بين ضغوط التوقعات السياسية والعسكرية واستنزاف القوى البشرية والنفسية، وفق صحيفة يديعوت أحرونوت، إذ يواجه تحديات متصاعدة أبرزها نقص العتاد، وتراجع عدد الجنود، وتصاعد التهرب من الخدمة، خصوصا بين الحريديم ، مما يثير شكوكا حول قدرته على خوض حرب موسعة جديدة في غزة. واستعرض محللون التأثيرات النفسية للحرب على الجنود الإسرائيليين، وتداعيات ذلك على أداء الجيش واستعداده لخوض جولات جديدة من القتال، في ظل أزمات متفاقمة ومخاطر إستراتيجية متصاعدة. أزمة عميقة كشف الصحفي الاستقصائي في صحيفة هآرتس، توم ليفينسون، عن معطيات صادمة تعكس عمق الأزمة التي يعانيها الجيش الإسرائيلي على صعيد القوى البشرية والنفسية، في ظل استمرار الحرب في قطاع غزة. وحسب التحقيق، فإن الجيش اضطر بسبب النقص الحاد في المقاتلين لاستدعاء جنود من الاحتياط، بعضهم يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة وحتى إعاقات عقلية دائمة، الأمر الذي تسبب في وقوع مآسٍ إنسانية، بينها حالات انتحار مؤكدة. وأشار ليفينسون إلى أن الجيش الإسرائيلي جند جنودا مصابين بأمراض نفسية في وحدات قتالية، دون إجراء تقييمات صحية دقيقة، خشية أن تكشف الفحوصات عن أزمة واسعة في صفوف الاحتياط. ونتيجة لذلك، أعيد تجنيد مئات المصابين رغم إدراك الجيش لخطورة حالاتهم، وقال أحدهم: "أنا في خطر… قد أؤذي نفسي أو الآخرين". وأوضح ليفينسون أن هذه المعطيات المتراكمة تُنبئ عن أزمة ممتدة ومعقدة يعيشها الجيش الإسرائيلي، لا تقتصر على الجبهة القتالية، بل تفتك بالبنية الداخلية النفسية للمؤسسة العسكرية، وتطرح علامات استفهام كبيرة حول قدرة الجيش على الاستمرار في حرب طويلة، وسط نزيف صامت في الأرواح والعقول. واستشهد بجنازة في أبريل/نيسان الماضي، حيث احتشد المئات في المقبرة العسكرية "كريات شاؤول" بتل أبيب لتشييع جنازة عسكرية، بدت للوهلة الأولى كغيرها من الجنازات المتكررة منذ بدء الحرب، لكن الجندي لم يُقتل في المعركة بل انتحر، ولم يعلن اسمه أو يسمح بتغطية إعلامية، وتعد حالته واحدة من عدة حالات انتحار رفض الجيش حتى الآن الإفصاح عن أعدادها العام الحالي. وتسلط هذه الحادثة الضوء، بحسب ليفينسون، على خلل بنيوي في التنسيق بين وزارة الدفاع والجيش الإسرائيلي، الذي لا يمتلك حتى اليوم قاعدة بيانات محدثة تشمل جميع المصابين نفسيا الخاضعين للعلاج في قسم إعادة التأهيل التابع للوزارة، مما يجعل من السهل أن يعاد استدعاء الجنود المصابين دون علم الوحدات العسكرية بذلك. مصيدة خطرة في مقال تحليلي نشر تحت عنوان "معضلة 2025: إلى أين يتجه القتال في غزة؟"، تناول الصحفي الاستقصائي والمحلل العسكري رونين بيرغمان في صحيفة يديعوت أحرونوت حالة التخبط داخل الجيش الإسرائيلي، في ظل إدراك متزايد لدى قياداته بأن توسيع العمليات العسكرية في غزة لن يفضي إلى تحرير الأسرى الإسرائيليين، ولا إلى هزيمة حماس. ويرى بيرغمان أن الجيش عالق في "مصيدة" متعددة الأوجه، فمن جهة، هناك جمهور إسرائيلي لم يعد يدرك لماذا استؤنفت الحرب، ويشعر بفقدان الاتجاه والهدف، ومن جهة أخرى، تقف عائلات الأسرى التي تخشى من المخاطر المتزايدة للخطوات التصعيدية على حياة أبنائهم. وفي حين يظهر المستوى السياسي، وعلى رأسه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس ، دعما غير مشروط للجيش، يلمّح بيرغمان إلى أن هذا الدعم قد يكون مدفوعا برغبة في تحميل الجيش لاحقا مسؤولية أي فشل أو انهيار، إذ يواصل الجيش تنفيذ خطة لتوسيع الحرب، رغم الشكوك المتزايدة داخل قياداته بشأن جدوى هذا التصعيد. يصف بيرغمان الوضع بأنه أخطر "مصيدة" يعيشها الجيش، فبعد عام ونصف العام من القتال دون حسم، تدفع القيادة الجديدة نحو "احتلال زاحف" لغزة بحثا عن إنجاز غير واضح. ويحذر بيرغمان من أن التوغل العسكري قد يقود إسرائيل إلى احتلال كامل لغزة، وهو خيار يرفضه معظم كبار الضباط بوصفه عبئا أمنيا، وينقل عن مسؤول استخباراتي أن الجيش أبلغ القيادة أن "استعادة الأسرى أحياء لن تتم إلا عبر التفاوض مع حماس". فوضى متزايدة ويرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن إسرائيل تنجرف نحو فوضى متزايدة في غزة، وأن الخروج من هذا المسار يعتمد على تدخل خارجي، خاصة من واشنطن، فبينما يستفيد نتنياهو سياسيا، تتصاعد المخاطر على حياة "الرهائن" والجنود وعلى مكانة إسرائيل الدولية. ورغم أن رئيس الأركان الجديد إيال زامير اقترح، في مارس/آذار الماضي، خطة لمناورة واسعة تشمل 6 فرق واحتلالا كاملا للقطاع، فإن هرئيل يقول إن "التحركات العسكرية الحالية تبقى محدودة"، فقد تم استدعاء عشرات آلاف جنود الاحتياط، لكن قلة منهم نُشرت في غزة، بينما توجهت معظم القوات إلى الضفة والحدود الشمالية. في المقابل، يضيف المحلل العسكري أن الغارات الجوية تتصاعد استعدادا لما تسمى عملية "عربات جدعون"، وسط تحذيرات أمنية من كارثة إنسانية مرتقبة خلال 10 أيام، واحتمالات متزايدة لتورط دولي وعقوبات إذا لم يتدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفرملة التصعيد.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store