جلالة الملك في أوروبا: حين يكون السلام موقفًا
قبل خمس سنوات، وقف جلالة الملك في ذات القاعة، يطلب من العالم أن يتذكّر أن العدالة لا تُؤجَّل، وأن السلام لا يكون إلا حين تُصان الكرامة الإنسانية، وأن المنطقة لم تعد تحتمل انتهاكًا لحقوق الإنسان.
واليوم، يعود الملك إلى أوروبا ليُعيد التذكير بأن ما تم تجاهله آنذاك، كلّف العالم أثمانًا مضاعفة على الصعيدين الإنساني والسياسي.
خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي كان تتويجًا لموقف طويل، يُقال فيه ما يلزم قوله في زمن يتقدّم فيه العالم نحو مستقبل غامض: تكنولوجيا تنفلت من التنظيم، شباب يواجهون انسداد الأفق، وقضايا عادلة تتآكل تحت وطأة الانحيازات.
في هذه اللحظة السياسية الحرجة، استدعى الملك المغطس، ليس كموقع أثري فقط، بل كأثر حيّ على ما يمكن لدولة ذات مضمون روحي تحترم التعددية أن تقدّمه للعالم.
من العهدة العمرية إلى رعاية المقدسات، ومن المغطس إلى ستراسبورغ، روى الأردن سيرة دولة تحفظ التنوع، تحمي الآخر، وتبني السلام كأسلوب حياة.
وحين تحدث جلالة الملك عن القيم المشتركة بين الأديان، كان يؤكد على ما التزمه الأردن في أصعب المراحل: ثبات الرؤية، ووحدة النبرة.
أوروبا التي اختارت طريق السلام بعد الحرب العالمية الثانية، كانت حاضرة في الخطاب كموقع له دور أساسي في الحفاظ على توازن عالمي مستقر.
ولهذا شدد جلالة الملك على أن الأردن جاهز ليقدم شراكة استراتيجية في الرؤية، وفي تحديد معايير التعامل مع الأزمات.
الشراكة، كما قدمها الخطاب، هي تقاطع استراتيجي في فهم أعمق لشكل العالم المنشود.
وفي الترحيب الأوروبي بالملك، إشارات واضحة لثقة دولية بدور الأردن في استضافة اللاجئين، ومواجهة أزمات معقدة دون التخلي عن المبادئ.
أما الحديث عن فلسطين، فقد كان ترسيخًا لمسؤولية عالمية لا يجوز التهرب منها.
أوروبا تملك من التجربة ما يُمكّنها أن تكون مرجعية للتوازن، والأردن أكد استعداده ليكون شريكًا حقيقيًا في هذه المهمة.
وفي لحظة غياب القانون الدولي تحت ركام الأحداث، جاءت لغة الخطاب حاسمة في وصف المجاعات، والاحتلال، والاستهداف المنهجي.
فالمعركة لم تعد جيوسياسية فقط، بل أخلاقية في جوهرها.
ووسط الحروب، تبقى تلك الأرض راسخة تحرس القيم، لا تقبل أن يكون جوّها معبرًا لحرب.
جلالة الملك ثبّت هذا النهج في مواقف متعددة، مؤكدًا في أكثر من مناسبة أن المجال الجوي الأردني هو امتداد لسيادة تنطلق من الأخلاق، لا الحسابات فقط.
انتهت الكلمة، ولكن بقيت كل كلمة حاضرة لكل من سمعها.
لأن كل من تابعها، شعر أن جلالة الملك لم يكن فقط يقدّم موقفًا أردنيًا، بل يُعيد طرح السؤال الجوهري:
ماذا تبقّى من ضمير العالم؟
وكيف يمكن لدولة ذات إرث ورسالة أن تحافظ على بوصلتها الأخلاقية وسط كل هذه التحديات؟
والجواب كان في الخطاب ذاته:
حين تختار دولة أن تدفع كلفة السلام، وأن تقول ما تؤمن به بثبات وكرامة، فإن حضورها يُقاس بثقة العالم في مبادئها التي ظلّت صامدة وسط أزمة المصالح.
وهذا ما قاله الملك في ستراسبورغ.
وهو ما يفعله الأردن… في كل مرة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة

بوابة ماسبيرو
منذ 2 ساعات
- بوابة ماسبيرو
من وحى الأفلام الأمريكية من الذى أتى بالنصر وهزم النازيين وحـلفاءهم؟
أجرى استفتاء فى ربوع أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، حول من الذى أتى بالنصر على النازية وحلفائها.. وكانت النتيجة أن 70% قالو إن الاتحاد السوفييتى هو من هزم الجيش النازى. وبعد خمسين سنة أجرى الاستفتاء ذاته فى البلاد الأوروبية نفسها، فكانت النتيجة أن أمريكا هى التى هزمت النازية. وعند سؤال أفراد العينة: كيف؟ كان 59% منهم يرجع إجابته إلى الأفلام الأمريكية مثل 'بيرل هاربر' و'اليوم الأطول' و'إنقاذ الجندى رايان' إنتاج عام 1998 من إخراج ستيفن سبيلبيرج وبطولة توم هانكس.. والفيلم حائز على جائزة الأوسكار 1998 لأفضل مخرج، وتدور أحداثه فى فترة الحرب العالمية الثانية حول عملية إنقاذ تقوم بها مجموعة صغيرة يرأسها النقيب جون ميلر (توم هانكس) للعثور على المجند رايان لإعادته إلى الوطن بعد مقتل 3 من أشقائه فى الحرب الدائرة ذاتها. يستند الفيلم إلى الكثير من الحقائق التاريخية، وتمت إضافة بعض الأحداث الخيالية لزيادة التشويق، ولاقى قبولا منقطع النظير فى شباك التذاكر، وحصد عددا من جوائز الاوسكار. يبدأ الفيلم بأسرة تزور مقبرة، ويستدعى كبير هذه الأسرة الذكريات الحربية التى مات فيها صاحب المقبرة ونكتشف فى نهاية الفيلم أنه الجندى رايان الذى أصر الضابط ميلر على إعادته لأمه التى فقدت ثلاثة من إخوته فى الحرب. القصة إنسانية ومؤثرة برع سبيلبيرج من خلالها فى تصوير البطولات الأمريكية والتضحيات التى قدمها الأمريكان فى الحرب العالمية الثانية، ولم يأت الفيلم على ذكر أى دور للاتحاد السوفييتى، لذا فإن من يشاهد الفيلم لا بد أن يخرج منه مؤمنا بأن الولايات المتحدة الأمريكية هى صاحبة الفضل فى هزيمة النازية. وساعد على ذلك ما تلقاه الفيلم من جوائز وإشادات نقدية إيجابية، حيث لاقى نقدا إيجابيا واسعا، خاصة مشاهد المعارك الواقعية المتقنة، ووصفه البعض بأنه بعيد عن الكذب والتلفيق، وقال آخرون إنه «تجربة نعيشها بقدر ما نعيشه كفيلم على الشاشة»، كما نال توم هانكس الكثير من الإشادة على أدائه العالى والمميز. فى هذا السياق، هناك مجموعة متنوعة من الأفلام استطاعت أن تسرد ببراعة وتأثير قصصًا حقيقية وخيالية مستوحاة من أحداث الحرب العالمية الثانية، مثل فيلم «باتون»، ذلك الجنرال الأمريكى الذى كان همه الأول إحراز النصر ورغم تفضيل القيادة العسكرية لمونتجمرى فإنه استطاع تحقيق النصر وخاطر بنفسه من أجل ذلك. «باتون» كان قائدا للفيلق الأمريكى الثانى فى شمال أفريقيا، بدأ بطولاته من قاع الإحباط بعد أن تلقت ألمانيا أول هزيمة من الولايات المتحدة فى معركة القطار بتونس، وتبعها بقيادته للجيش السابع الأمريكى فى غزو صقلية، ثم كانت مطرقته التى هوت على رؤوس الألمان فى إنزال نورماندى عن طريق الجيش الثالث الأمريكى الذى مثّل رأس الحربة بالتعاون مع برنارد مونتجمرى قائد الجيش الـ21 البريطاني. من يشاهد الفيلم يعيش معاناة «باتون» النفسية والعسكرية ويخرج وهو يتغنى ببطولات أمريكا التى حققت النصر بعد الإنزال الذى قامت به فى نورماندى بفرنسا، دون أى ذكر للهزيمة المفجعة التى تلقاها الجيش الألمانى على الأراضى الروسية وفشله فى الانسحاب، مما جعله يفقد 60% من قوته البشرية فى صحراء روسيا الجليدية. والفيلم إخراج فرانكلين شافنر، ومن بطولة كارل مالدين وجورج سكوت الذى نال جائزة الأوسكار لأفضل ممثل. حقق الفيلم إيرادات بلغت 61 مليون دولار بميزانية قُدرت بحوالى 12 مليون دولار ويُعدّ إحدى كلاسيكيات السينما الأمريكية. التأريخ لأمريكا من الأفلام التى تؤرخ لانتصار أمريكا على النازية بشكل مباشر فيلم «اليوم الأطول»، ويحكى قصة غزو الحلفاء بقيادة المارشال الأمريكى أيزنهاور فى 4 يونيه 1944 للسواحل الفرنسية لتحريرها من الاحتلال النازى خلال الحرب العالمية الثانية. وكان الغزو بإنزال المشاة على سواحل نورماندى الفرنسية من البحر خلال 5 مواقع، وإنزال المظليين داخل فرنسا من الجو لتكوين رؤوس جسور تربك القوات الألمانية المعسكرة فى فرنسا. «أطول يوم» من إخراج داريل إف زانوك، وبطولة كين أنكين، وأندرو مارتون، وبرنارد ويكى، وجيرد أوزوالد، وهو أول فيلم يتناول إنزال نورماندى. الفيلم يتعرض لأحداث ومعارك حقيقية رواها كثير ممن شهدو عليها من الفرنسيين والألمان والأمريكان، لكن الفيلم بطيء بعض الشيء فى البداية. ومع ذلك، بمجرد أن تبدأ الأحداث، يتميز هذا الفيلم بمشاهد معارك مذهلة مع تصميم رقصات وتصوير سينمائى مثير للإعجاب. وعلى الرغم من أنه يضم مجموعة من الممثلين المشهورين فى ذلك الوقت، فإنه لا يوجد نجم حقيقى. بدلاً من ذلك، يسمح الفيلم للقصة بأن تكون محور الاهتمام، ويدعوك للتفكير فى كل أولئك الذين فقدوا أرواحهم أثناء القتال من أجل الحرية فى يوم النصر دون ذكر التفوق السوفييتى، فى الوقت نفسه الذى تم فيه الإنزال وربما سبقه بأسابيع. هناك أيضا أفلام تحكى عن النصر السوفييتى لكن بشكل فردى، مثل فيلم «العدو على الأبواب». وتدور أحداث Enemy at the Gates فى الحرب العالمية الثانية، ومعركة ستالين جراد 1942، وتتبع حكاية فاسيلى زايتسيف المجند فى الجيش الروسى اختصاص قناص، والذى أصاب الكثير من أفراد الجيش الألماني، الأمر الذى كبدهم خسائر فادحة، كون القناص قتل معظم قادتهم، مما أضر بمعنوياتهم القتالية. فاسيلى زايتسيف صار صديقـًا للضابط السياسى دانيلوف، الذى أسهم بنشر بطولياته فى صحيفة الجيش، وقام بعدها بنقله إلى منصب القناص، عقب ما شاهد منه من إمكانيات قتالية فى المعركة. كما أن الاثنين واقعان فى حب «تانيا تشيرنوفا» الجندى فى الميليشيا الروسية. أثناء ذلك يقوم الألمان بتعيين القناص كونيج لإيقاع عدوه الروسى زايتسيف، وقتله، والعبث بمعنويات الروس، تمامًا كما فعل زايتسيف بالألمان. وعندما وصل خبر ذلك إلى الروس، قاموا باستدعاء طالب كونيج، كوليكوف، لمساعدة زايتسيف، لكن كونيج يتمكن منه. بلغت الميزانية الإنتاجية للفيلم الحربى Enemy at the Gates نحو 68 مليون دولار، فى حين أن الإيرادات المحققة من شباك التذاكر وصلت إلى 97 مليون دولار. بيرل هاربر تدور أحداث الفيلم حول الهجوم اليابانى على ميناء بيرل هاربر فى الحرب العالمية الثانية وغارة دوليتل التى تبعته. وقد حصل على جائزة اوسكار لأفضل مونتاج صوتى عام 2002. وحصل أيضا على جائزة ASCAP Award لأفضل فيلم من حيث إيرادات شباك التذاكر (هانز زيمر)، وجائزة Teen Choice Award لأفضل ممثل (بن أفليك) عام 2001. وحقق الفيلم أيضا نجاحا فيما يتعلق بإيرادات شباك التذاكر على المستوى العالمي، حيث بلغ إجمالى الإيرادات 449 مليون دولار، بينما لم تتجاوز ميزانية إنتاجه 198 مليون دولار. تعاونت الولايات المتحدة واليابان فى إنتاج فيلم مشترك يُجسّد عملية بيرل هاربر ومراحل تنفيذها، 'لطالما تساءلت عن كيفية مشاركة الولايات المتحدة فى إنتاج فيلم يُظهر هزيمتها ومقتل الآلاف من جنودها!.. يشير عنوان الفيلم إلى الاسم الرمزى للعملية ومعناه الحرفى باليابانية «نمر نمر نمر»، وهو يحكى قصة الهجوم من وجهتى النظر الأمريكية واليابانية معاً مع إبراز أخطاء واستهتار البحرية الأمريكية بالقدرات اليابانية. الفيلم من بطولة مارتن بالسام وسو يامامورا، وفاز بجائزة أوسكار عن أفضل مؤثرات بصرية وحقق إيرادات تعدّت 30 مليون دولار بميزانية بلغت 25 مليوناً، وللفيلم قيمة تاريخية عظيمة ترتشف منها ملامح الصراع الذى بدأ مبكراً وكذا التوتر الزاحف ببطء داخل البحرية اليابانية قبل العملية. بطولة: مارتن بالسام، سو يامامورا، وإخراج ريتشارد فلايشر. الأفلام الحربية التى تستمتع بها ليست مجرد أفلام ترفيهية، بل هى أعمال فنية تجسد الواقعية والإبداع، وتلقى الضوء على أبعاد الحرب النفسية والاجتماعية والسياسية. ستدمج هذه الأفلام القصص الشخصية القوية مع المشاهد الحماسية والتأثير العاطفي، مما يخلق تجربة سينمائية فريدة على الشاشة، لكنها أيضا ستعدل من منظور ورؤية المشاهدين للأحداث التاريخية، وستظل الأحداث التى شاهدوها هى الأقوى والأبقى فى الذهن، وإذا سئلوا عن أبطال الحرب أجابوا بأسماء أبطال الأفلام.

بوابة ماسبيرو
منذ 2 ساعات
- بوابة ماسبيرو
رحلة السفينة «زمزم» الأخيرة.. صفحـــة مؤلمة من تاريخ المصريين
فى كتاب «على بلد المحبوب – رحلة زمزم الأخيرة» يعمل الكاتب أحمد خير الدين فى خطين متوازيين يشكلان البنية الأساسية للحكاية، أولاً حياة ومسيرة الباخرة زمزم بركابها الذين يحملون جنسيات مختلفة، وإن كان السواد الأعظم من المصريين والأمريكان، مع الأحداث المتعلقة بالحرب العالمية الثانية والتى كان لها دور كبير فى مصير زمزم وركابها المأساوى.. والخط الثانى هو الحياة الاجتماعية والسياسية فى مصر فى تلك الفترة التى بدأت نهاية 1941 وحتى عودة الركاب من سجنهم بألمانيا.. وذلك من خلال رصد الكاتب للوثائق الرسمية فى أمريكا وألمانيا ودول أخرى، وأيضا ما كتبه بعض الركاب سواء من الكتب أو المقالات، وأيضاً الكتاب الذى وضعه محمد كاظم محرر الأهرام عن الباخرة زمزم، حيث كان المحرر المسئول عن تتبع أخبارها وقتذاك، وقرأ الكاتب الصحف المصرية فى تلك المرحلة لرصد الواقع بكل تفاصيله. وقال: «كل ما يعنينى فى المقام الأول مشهد البلاد خلال الحرب العالمية الثانية، وهؤلاء المصريين الذين احتجزوا فى معتقلات النازية لسنوات.. رغم أن مصر لم تكن فى الحرب لكنها كانت حليفة لإنجلترا.. وسوف تتشابك مع حكاية الباخرة حادثة مهمة فى ذلك الوقت وهى قضية عزيز المصرى ورفاقه، وهى أقرب إلى الشريك فى البطولة، والتى جاءت كمحاولة انقلاب على إنجلترا فى مصر بمساعدة ألمانيا. ففى تلك الأيام علق العسكريون فى مصر والعراق آمالا عريضة على هزيمة بريطانيا، وانحازوا إلى دول المحور بقيادة إيطاليا وألمانيا أملا فى التحرر من الاستعمار الإنجليزى، وخصص الكتاب الصادر عن دار الشروق مساحة لحكاية قائد الجيش المصرى الأسبق عزيز المصرى ساردا فى البداية حكاية الزيارة إلى العراق.. وأرسلت السفارة الإيطالية فى برلين إلى وزارة الخارجية الألمانية عام 1941.. وأشارت إلى زيارة عزيز المصرى وصالح حرب إلى بغداد، وأطلعا خلالها رشيد عالى الكيلانى رئيس الوزراء العراقى، وأمين الحسينى مفتى القدس الذى غادر فلسطين بعد قرار بريطانى بالقبض عليه، على خطة قالا إنها وضعت مع على ماهر وبالتفاهم مع الملك وبعض المقربين منه ونخبة مختارة من الجيش المصرى وقوات أخرى غير نظامية سوف تسيطر على السلطة وتزيح حكومة حسين سرى، ثم تتخلص من الوجود الإنجليزى فى مصر.. واهتم التقرير بعزيز المصرى وكراهيته للإنجليز». وبعد ذلك، يضع الباحث تقرير الأهرام عن محاولة عزيز المصرى ورفيقيه عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين ذو الفقار فى 16 مايو 1941 الهروب بإحدى طائرات سلاح الطيران الملكى المصرى، قبل أن يضطروا بفضل وسائل الرقابة للهبوط، فاصطدموا بسلك كهربائى وسقطت الطائرة بين قها وقليوب، وفر الثلاثة واعتبر الفعل الذى ارتكبوه يقع فى دائرة الجنايات. وأكد الباحث على أزمة ندرة الوثائق لتلك المرحلة، إذ يذكر بعض ما عثر عليه، مثل كتاب محمد كاظم الصحفى بالأهرام «زمزم الغريقة».. وعبر صفحة لبيع الكتب القديمة عثر أيضاً على كتاب «برنارد روجى» قبطان السفينة الألمانية «أتلانتس» التى أغرقت زمزم، وأيضا ترجمة بالعربية أعدها الصاغ جمال السيد قال إنها كانت الأهم ووضع عنوانا فرعيا للكتاب «قصة الباخرة الغامضة التى حطمت أسطورة السيادة البريطانية على البحار»، بالإضافة إلى كتاب «إليانور» التى كانت أمها من الركاب وكانت هى طفلة فى ذلك الوقت، وأيضا الباحث الألمانى جيرهارد هاب الذى تتبع من سماهم الضحايا المنسيين فى معسكرات النازية وكان للمصريين نصيب كبير. ومن خلال ما توافر من وثائق يضع الكاتب خبرا نُشر بالأهرام فى 25 فبراير 1941، يؤكد وصولها إلى نيويورك وعلى متنها 110 من رجال الباخرة المصريين، والتى كان ركابها 125، بينهم 15 مهاجراً يهودياً، والباقى سنعرفه فى موضع آخر، و137 من المبشرين البروتستانت وعائلاتهم وأطفالهم يتبعون أكثر من إحدى وعشرين طائفة بروتستانتية مختلفة، ومعهم سبعة عشر عاملا من الكاثوليك وأربعة وعشرون من سائقى الإسعاف البريطانيين الأمريكيين، وعدد من تجار التبغ كانوا فى طريقهم إلى مزاد كبير وبعض الهاربين من أوربا إلى أفريقيا.. الباخرة التى احتفل بتدشينها ودخولها الخدمة طلعت حرب. لم يصف الباحث فقط الحياة الاجتماعية والسياسية فى مصر فى تلك الفترة مثل إعلانات كازينو بديعة المنشورة فى الأهرام، بل تفاصيل الحياة اليومية فى الباخرة زمزم أثناء الرحلة والتركيز على بعض الشخصيات فى المطعم والبار وغرف النوم وسطح السفينة، وتقريبا يعيش القارئ مع الركاب فى رحلاتهم وصولا إلى الأزمة والمصائر المختلفة، فى ثلاثة خطوط درامية.. الباخرة وركابها، الواقع المصرى، ما يحدث فى العالم فى تلك الفترة والحرب العالمية الثانية. وفى مصر، تتبع الباحث رد فعل عائلات الركاب وكان من بينهم ابن الفنانة علوية جميل الذى خرج مع «زمزم» بعد أن أنهى جمال الدين منجد دراسته البحرية. والتقى الباحث شخصيات من الأسرة وعرف من المهندس يسرى تيناوى أن جدته علوية جميل عانت كثيرا ما تقوم بإرسال الطعام والأموال والملابس لابنها عبر الصليب الأحمر، وهو معتقل فى أحد السجون النازية، وأيضا قرارات التقشف حيث أصدرت الحكومة عام 1941 قرارها بمنع بيع اللحوم ثلاثة أسابيع، فى سياق خطة التقشف فى زمن الحرب. ويتتبع الكتاب مصير هؤلاء بعد الأسر، حيث رأى قائد المعتقل الألمانى وفقا للوثائق ضرورة التركيز على صفقة تبادل لبحارة زمزم مع الأسرى الألمان فى مصر بدلا من المصريين المعتقلين فى مدن أخرى.. واتفقت معه البحرية فى ذلك.. ومن خلال أوراق الباحث الألمانى يؤكد أن الوثائق تقول إنه تم الإفراج فى البداية عن طبيب السفينة أمين بقطر فى صيف 1943، وانتظر البقية حتى عام 1944، بل وسمح لبعضهم بالتنقل كعمالة أجنبية فى برلين وفيينا لتحسين ظروفهم، بل وسمح لأحدهم بالعمل فى خدمة مفتى فلسطين أمين الحسينى، وبنهاية عام 1944 تمت الصفقة حيث انتقلوا من ألمانيا إلى بلغاريا ثم إلى تركيا قبل أن يصلوا مصر، وكان ركاب السفينة بعد أن وقعوا فى يد الألمان تم تصنيفهم، ولم يمض وقت طويل إلا وكان الركاب الأمريكان قد وصلوا فى صفقة إلى نيويورك، وظل المصريون يتنقلون إلى أن وصلوا برلين ومن قبل فرنسا وتمت معاملتهم كأسرى حرب، بل وعملوا فى حفر الخنادق ونزح المجارى وتسميد الأرض وعاشوا حياة قاسية فى المعتقلات دون ذنب! وتم الإفراج عنهم على مراحل وليس دفعة واحدة. مصادر تعامل معها الباحث أقرب إلى الموزاييك.. قطع تكمل الصورة.. ويعود إلى كتاب البكباشى محمد واصف حكمدار البوليس، حيث اطلعت «الأهرام» على كتاب ورد إليه من ابنه حسن الذى كان ضمن ضباط وبحارة زمزم يشكو فيه من قسوة البرد وقلة الملابس، ويرجو أن تهتم الجهات المختصة بأمر هؤلاء الضباط والبحارة فتمدهم عن طريق الصليب الأحمر بالأغطية والأغذية.. وأيضا تلقت الأهرام برقية من أحمد أبورومية أحد أفراد الطاقم شكر فيه جمعية الهلال الأحمر على ما أرسلته من الأرز والفاصوليا، وذكر محرر الأهرام محمد كاظم صاحب كتاب «زمزم الغريقة» أن قلوب المحتجزين وجفت حين سمعوا من إذاعة لندن بحادث القصاصين الذى تعرض له الملك، ثم طربت لنجاته، وأصروا على أن يرسلوا خطابا للاطمئنان على جلالته وسروا بالرد الملكى الذى وضعوه فى لوحة منشورات المعتقل .. هذه المتابعات من الأهرام / الصحافة ومن عائلات المحتجزين والرسائل المتبادلة تدل على التواصل المستمر بين الأسرى والمؤسسات الوطنية فى مصر. وقدم البحث وصفا دقيقا لمعاناة الأسرى وطريقة المعيشة الصعبة فى الأكل والشرب والنوم، والمعاناة حين تتأخر المساعدات القادمة من الصليب الأحمر، وكيف كانت لحظات الصمت والأسى وهم يستمعون لأم كلثوم وهى تشدو «على بلد المحبوب» كلمات رامى وألحان السنباطى، والتى اختارها أحمد خير الدين عنواناً للكتاب. حاول الكتاب استعارة أسلوب المونتاج المتوازى فى توصيف المشاهد بين حال الأسرى والشارع فى القاهرة أو بين تحرك السفينة وطاقمها وما يدور فى كواليس السياسة فى مصر والعالم، فبينما يتألم المصريون الأسرى فى المعتقلات النازية، كان الجنود البريطانيون يتجولون سعداء فى شوارع القاهرة يتنزهون ويلتقطون الصور. وفى 27 أكتوبر 1944 ينقل الباحث نص الخبر من «نيويورك هيرالد تريبيون»، حيث نقلت وكالة تاس أن 109 من المعتقلين المصريين من طاقم «زمزم» حررتهم القوات الروسية من معتقل فى بلغاريا. وعلقت الصحيفة: «ربما لا شيء يوضح عالمية هذه الحرب أكثر من ملحمة زمزم وما جرى لركابها وطاقمها. هرب اثنان من المعتقلين من قطار بضائع ألمانى وأطلق سراح بعضهم بعد ستة وثمانين يوما فى الأسر، وبعد ثلاث سنوات ونصف السنة خرج طاقم زمزم متعدد اللغات من معسكر اعتقال ألمانى فى بلغاريا بعد أن حررهم الجيش الأحمر». ركاب زمزم وطاقم البحر وفقا للكتاب والوثائق وما نشر فى تلك المرحلة عاشوا سنوات درامية حافلة بالأحداث الصادمة والمفاجئة، خرجوا فى رحلة عمل فوجدوا أنفسهم فى عرض البحر يتعرضون للقصف ثم الإنقاذ بعد احتراق الباخرة وتدميرها، ثم الأسر والتنقل بين المواقع.. تدهورت صحة البعض ومات اثنان منهم.. فعملوا فى نقل الفحم وجر عربات قطع الأخشاب من الكامب.. من الغابات.. وإخراج فضلات المجارى. فبعد غرق زمزم وانتشالهم من الغرق نقلتهم البارجة ريدر إلى فرنسا، وبعدها ركبوا قطارا لنقل البهائم ذهب بهم إلى بريمن وكان طعامهم البطاطس والجزر المسلوق، وعند الشكوى كان يقال لهم «نحن نحارب الجوع».. وقيل لهم أنتم أصدقاء الإنجليز، ولم ينقذهم من الجوع والعرى سوى ما كان يصل من الصليب الأحمر. والمفارقة حين وصلوا لم يجدوا أحدا فى انتظارهم، بل وطالبتهم الحكومة بمصاريف عودتهم إلى أرض الوطن، بل وفوجئ القبطان جمال عمر بخصم نصف راتبه المتجمد منذ إغراق زمزم (500 جنيه) مصاريف العودة.. أما القبطان الإنجليزى ومساعده فحصلا على راتبهما كاملا مع علاوات وإعانات عن مدة الأسر.


العربي الجديد
منذ 2 ساعات
- العربي الجديد
هذه هي صلاحيات ترامب لضرب إيران دون قرار من الكونغرس
لم يصدر الكونغرس الأميركي إعلانا رسميا للحرب منذ الحرب العالمية الثانية، وهي السلطة التي يتمتع بها في ما يخص إعلان الحروب طبقا للدستور الأميركي، ولكن رغم ذلك قامت الولايات المتحدة بعدة حروب على مدار العقود الماضية أبرزها حرب العراق والحرب في أفغاستان وعشرات الضربات العسكرية بما فيها قتل أسامة بن لادن وضربات ضد تنظيم "داعش" في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما ، وكان آخرها الضربات العسكرية ضد جماعة الحوثيين في اليمن التي أمر بها الرئيس الحالي دونالد ترامب مؤخرا. ولدى الكونغرس السلطة الوحيدة لإعلان الحرب، ويمكن للرئيس استخدام القوة العسكرية ضد إيران في ظل التصعيد الحالي بينها وبين إسرائيل دون موافقة الكونغرس في حالات دفاعية محددة، لكن استمرارها يتطلب موافقة الكونغرس، بينما تزاديت في السنوات الأخيرة التساؤلات حول مدى سلطة الرئيس في التدخل في صراعات خارجية دون موافقة السلطة التشريعية، ووجهت انتقادات حادة لترامب نفسه في ولايته الأولى بعد أن أصدر قرارا بقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني دون إخطار الكونغرس، غير أنه أشار إلى أنها لحماية المصالح الأميركية وحماية الأمن القومي. ويمنح الدستور الأميركي طبقا للمادة الأولى (القسم 8) الكونغرس سلطة إعلان الحرب، بينما للرئيس طبقا للمادة الثانية (القسم 2) بصفته القائد الأعلى سلطة توجيهه ضربة عسكرية. ونفذ الرؤساء عمليات عسكرية دون إذن من الكونغرس معتمدين على سلطتهم التنفيذية أو مدعين وجود تهديدات للأمن القومي. تحليلات التحديثات الحية ترامب نحو تدخل "محدود" في الحرب ضد إيران بضرب منشأة فوردو ما الذي قد يحدث إذا هاجم ترامب إيران؟ يجادل البعض بأن قانون تفويض استخدام القوة العسكرية لعام 2001 قد يشمل إيران، لكن المعارضين يشيرون إلى ضعف ارتباط القاعدة بإيران وبالتالي لا ينطبق عليها. وينص القانون على أن الرئيس يجب أن يخطر الكونغرس بالأسباب، وحال وافق الكونغرس على قرار الرئيس لا يجب أن تستمر الضربة أكثر من 60 يوما. أما إذا رفض الكونغرس قرار الرئيس، فيعطيه القانون 30 يوما إضافية كحد أقصى لإنهاء ضربته دون موافقة الكونغرس، لكن دائما لا يوجد امتثال لهذا القانون. وإذا كانت ضربة سريعة، فقد يمارس ترامب نفس السياسة التي استخدمها لتبرير ضربته الجوية التي قتلت قاسم سليماني، ويعتبر أنها إجراء ضروري لحماية المصالح الأميركية ويستمر لمدة قصيرة، أو قانون تفويض الحرب إذا قرر الاستمرار لمدة أطول، لكن حربا عسكرية طويلة قد تواجه تحديات قانونية ودستورية دون موافقة الكونغرس. الكونغرس قدم تفويضا للرئيس بعد هجوم 11 سبتمبر على مدار سنوات، تنازل الكونغرس عن إجراء من سلطته بما يخص الحروب والضربات الخارجية، وكان هجوم 11 سبتمبر/ أيلول 2001 هو العام الذي قدم فيه الكونغرس تفويضا للرئيس منحه سلطة استخدام القوة العسكرية ضد مسؤولين أو جماعات أو كيانات تؤوي إرهابيين (تشمل الدول)، وفي العام التالي للهجوم، أصدر الكونغرس قرارا آخر أجاز استخدام القوة العسكرية ضد العراق بسبب مخاوف انتشار أسلحة الدمار الشامل، والتي ثبت لاحقا عدم وجودها، ولكن ذلك جاء بعد تدمير العراق ونشر الفوضى في المنطقة بأكملها والتي لا تزال تعاني منها حتى اليوم. استخدم هذان التفويضان لتبرير مجموعات واسعة من الإجراءات العسكرية منذ ذلك الحين بما في ذلك حملة الرئيس الأسبق باراك أوباما ضد تنظيم "داعش" في 2014، ورغم انتقادات أعضاء من كلا الحزبين لهذا النطاق الواسع من الصلاحيات الذي يمنح السلطة التنفيذية قدرة على اتخاذ القرارات التي تقع على عاتق الكونغرس، غير أن الانقسام الحزبي لم يسمح بإلغاء هذه القوانين، إذ إنه في 2023 رفض مجلس النواب إلغاء التفويض المسبق رغم نجاح تمريره في مجلس الشيوخ بمشاركة السيناتور آنذاك جي دي فانس، الذي أصبح نائبا للرئيس الحالي. أعضاء يسعون لتقليص صلاحيات ترامب لشن حرب دون موافقة بدأ مشرعون جمهوريون وديمقراطيون التحرك للحد من قدرة ترامب على شن حرب بالشرق الأوسط وتحديداً في إيران، مجادلين بأن قرار المشاركة في الحرب ليس قراراً يجب أن يكون متروكاً للرئيس. وليس من المتوقع تمرير هذه القرارات في ظل السيطرة الجمهورية على مجلسي النواب والشيوخ، إضافة إلى تلقي أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين تمويلات من منظمة إيباك الداعمة لإسرائيل، غير أنها تلقي الضوء على الانقسام الحاد في الكونغرس؛ وسط مطالب بعدم الاستجابة لضغوط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتوريط الولايات المتحدة في هجومها على إيران.