logo
من هو ياسر أبو شباب قائد القوة الجديدة في جنوب غزة؟

من هو ياسر أبو شباب قائد القوة الجديدة في جنوب غزة؟

CNN عربيةمنذ 3 أيام

(CNN)-- تُظهر الصورة رجلاً نحيفاً أسمر البشرة يرتدي خوذة داكنة. يُمسك ببندقية، وتتحرك خلفه مركبات الأمم المتحدة وهو يُلوّح بيده عبر حركة المرور.
هذا الرجل هو ياسر أبو شباب، الذي يقول إنه يقود مئات المسلحين المعروفين باسم القوات الشعبية لتوفير الحماية للمنظمات الدولية العاملة في جنوب غزة.
أبو شباب، في أوائل الثلاثينيات من عمره، ينحدر من عائلة بدوية مرموقة في جنوب غزة. في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان يقبع في سجن تديره حماس في غزة، بتهمة تهريب المخدرات، قبل إطلاق سراحه بعد بدء الصراع.
أما الآن، فهو شخصية ناشئة في جنوب غزة، حيث يُسيطر على طرق المساعدات بالقرب من معبر كرم أبو سالم الحيوي، ويُوفر رجالاً لحراسة القوافل من النهب، الذي تفاقم منذ بدء دخول مساعدات محدودة إلى غزة في منتصف مايو/أيار عقب الحصار الإسرائيلي.
مع ضعف قبضة حماس على غزة وتراجع قوة شرطة القطاع، ظهرت عصابات لسرقة المساعدات الإنسانية من القوافل وإعادة بيعها. لكن العديد من القوافل تُوقف وتُنهب من قبل مدنيين يائسين.
صرح أبو شباب لشبكة CNN بأنه يقود "مجموعة من المواطنين من هذا المجتمع الذين تطوعوا لحماية المساعدات الإنسانية من النهب والفساد".
الواقع أكثر تعقيدًا
أقر مسؤولون إسرائيليون بتزويد ميليشيا "أبو شباب" بالأسلحة، كجزء من عملية لتسليح الجماعات المحلية لمواجهة حماس. دافع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن هذه العملية السرية في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلاً إن قوات الأمن "نشطت مجموعات في غزة معارضة لحماس". لم يذكر اسم أبو شباب، لكن مسؤولين إسرائيليين قالوا لشبكة CNN إن أبو شباب جزء من البرنامج.
أصر أبو شباب لشبكة CNN على أن رجاله لم يتلقوا أسلحة من الإسرائيليين، موضحًا: "معداتنا بسيطة للغاية، توارثناها عن أجدادنا أو جُمعت من موارد محلية محدودة".
من جانبها، تصف "حماس" أبو شباب بأنه "خائن ورجل عصابات". وفي الأسبوع الماضي، قالت الحركة: "نعاهد الله على مواصلة التصدي لأوكار هذا المجرم وعصابته مهما كلفنا ذلك من تضحيات".
قتلت "حماس" شقيقه العام الماضي، وحاولت اغتياله مرتين على الأقل، وفقًا لمحمد شحادة، محلل شؤون غزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
ردًا على أسئلة مكتوبة من CNN، نفى أبو شباب مرارًا أي صلة له بالجيش الإسرائيلي، قائلًا: "قواتنا لا تتواصل مع الجيش الإسرائيلي بأي شكل من الأشكال، لا بشكل مباشر ولا غير مباشر".يجد المحللون صعوبة في تصديق ذلك، استنادًا إلى أدلة على تحركاته في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية في غزة. يُظهر مقطع فيديو من أواخر مايو/أيار أبو شباب وهو يوقف مركبة تابعة للصليب الأحمر ويتحدث مع مسؤول. حدّدت CNN موقع الحادثة جغرافيًا في منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل بالقرب من معبر كرم أبو سالم. وتُظهر مقاطع فيديو أخرى لقاءات مع قوافل الأمم المتحدة في المنطقة نفسها.
لم تضع إسرائيل - ونتنياهو تحديدًا - خططًا واضحة لكيفية إدارة غزة وأمنها في حال هزيمة حماس. وتحاول إسرائيل إيجاد جماعات أو فصائل معارضة لحماس قد تلعب دورًا، لكن مؤخرًا، أيد نتنياهو ووزراء آخرون خطة طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل سكان غزة وإعادة تطوير القطاع.
دور متنامي
لأبو شباب وجود بالقرب من أنقاض مطار رفح المعطل منذ أواخر العام الماضي. وقال شحادة من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إنه على الرغم من صمود وقف إطلاق النار في وقت سابق من هذا العام، إلا أن جماعته اختفت على ما يبدو.
لكن أهميته ازدادت في الأسابيع الأخيرة، منذ أن بدأت السلطات الإسرائيلية بالسماح بوصول مساعدات ضئيلة إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم في منتصف الشهر الماضي. وقد اتسع نطاق حضور أبو شباب على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جانب مقاطع الفيديو وتعليقات طليقة بالإنجليزية.
وقال شحادة: "يكاد يكون من المستحيل أن يحدث هذا داخل غزة. ربما يكون هناك شخص من الخارج يدير هذه العملية النفسية بأكملها". صرح مسؤول دبلوماسي لشبكة CNN أن الأمم المتحدة اضطرت للتعامل مع عناصر محلية أثناء محاولتها توزيع المساعدات، سواءً أكانت مدعومة من حماس أم لا.
وقال المسؤول إن أبو شباب "يسيطر على بضعة كيلومترات مربعة من المنطقة، ثم ينتقل إلى الشخص التالي". وأضاف: "إن عدم استهدافه من قبل الإسرائيليين دليل واضح على نظرتهم إليه".
وأكد المسؤول أيضًا أن مؤسسة غزة الإنسانية - المنظمة الجديدة المثيرة للجدل المدعومة من الولايات المتحدة والمكلفة بتوزيع المساعدات في غزة - كانت على اتصال بأبو شباب، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ورد أبو شباب لشبكة CNN قائلا: "فيما يتعلق بمؤسسة غزة الإنسانية، نؤكد على ضرورة أن يكون عملها ضمن إطار وطني موحد، وأن يحافظ على التنسيق المستمر مع جميع الأطراف الشرعية".وأكدت مؤسسة غزة الإنسانية لشبكة CNN، الأحد، عدم تعاونها إطلاقًا مع جماعة أبو شباب. وأضافت: "لدينا عمال فلسطينيون محليون نفخر بهم، لكن لا أحد منهم مسلح، ولا ينتمي إلى منظمة أبو الشباب".
قوافل مساعدات وأكثر
في الشهر الماضي، وبعد بدء دخول مساعدات محدودة إلى غزة، نشر أبو شباب أن مجموعته قد أمنّت 101 شاحنة مساعدات، معظمها دقيق، جلبها برنامج الغذاء العالمي، وأشاد بـ "إخواني المخلصين الذين ضحوا بحياتهم، وكل من تطوع بأسلحته البدائية أو بجهده لإطعام المنكوبين والنازحين".
أكد سائقو الشاحنات لشبكة CNN أن أبو شباب وفر 200 رجل مسلح لحماية القوافل.
وقال أبو شباب لشبكة CNN: "ترافق قواتنا قوافل المساعدات بانتظام، وحماية المدنيين المعرضين للخطر من أهم أولوياتنا". توسّع دور مجموعته ليتجاوز حماية القوافل.
في 17 مايو/أيار، أي قبل يوم من إعادة فتح معبر كرم أبو سالم، بدأ العمل في مخيم شرق رفح، وفقًا لصور أقمار صناعية راجعتها شبكة CNN. ويبدو أن هذا العمل قد انتهى في 30 مايو/أيار.
يقع المخيم على بُعد أقل من 500 متر من نقاط التفتيش التي يديرها أبو شباب.بعد أربعة أيام، أصدرت ما تسمى بالقوات الشعبية بيانًا قالت فيه إن أبو شباب "يدعو سكان هذه المناطق للعودة، حيث تم توفير الطعام والشراب والمأوى والأمن والسلامة، وأُقيمت مخيمات إيواء، وفُتحت طرق الإغاثة الإنسانية".
يقع المخيم في منطقة تُعرف باسم ممر موراغ، التي يريد الجيش الإسرائيلي من سكان غزة الانتقال إليها في ظل إصداره أوامر إخلاء لمعظم القطاع.
في أوائل الشهر الماضي، قال وزير المالية الإسرائيلي من أقصى اليمين، بتسلئيل سموتريتش، إن سكان غزة سيتمركزون في شريط ضيق من الأرض بين الحدود المصرية والممر.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي كبير في الوقت نفسه إن الهدف هو فصل المساعدات الإنسانية عن حماس "من خلال إشراك شركات مدنية وإنشاء منطقة آمنة يحرسها الجيش الإسرائيلي".
وهذا يشمل "منطقة معمقة في منطقة رفح بعد ممر موراغ، حيث سيفحص الجيش الإسرائيلي جميع الداخلين لمنع تسلل حماس".هوية فلسطينية
تستخدم قوة أبو شباب شعارات وأعلامًا فلسطينية بشكل بارز على زيها الرسمي، إلا أنه قال لشبكة CNN إن "قواته الشعبية ليست سلطة رسمية، ولا تعمل تحت إشراف مباشر من السلطة الفلسطينية".
وأكد مكتب المتحدث باسم قوات الأمن الفلسطينية، اللواء أنور رجب، لشبكة CNN عدم وجود أي صلة بين جهاز الأمن الفلسطيني ومجموعة أبو شباب.
ولا تريد عائلته أي علاقة تربطها به.
وقال "وجهاء وكبار عائلة أبو شباب" في بيان إنهم واجهوه بشأن مقاطع فيديو تُظهر "مجموعات ياسر متورطة في اشتباكات أمنية خطيرة، بل تعمل ضمن وحدات سرية وتدعم قوات الاحتلال الصهيوني التي تقتل أبناء شعبنا بوحشية".
وأعلنت عائلة ياسر أبو شباب "براءتها التامة" منه، وحثّت كل من انضم إلى مجموعاته الأمنية على أن يحذو حذوها.
وجاء في بيان العائلة: "لا مانع لدينا من أن يقوم من حوله بتصفيته فورًا؛ ونؤكد بوضوح أن دمه مهدور".
وقال أبو شباب لشبكة CNN إن البيان "مفبرك وكاذب" ويصاحبه "حملة إعلامية تستهدفني وزملائي".وأضاف أن مجموعته تعرضت "لاتهامات باطلة وحملات تشهير ممنهجة، ودفعنا ثمنًا باهظًا"، مدعيًا أيضًا أن "حماس" قتلت عددًا من متطوعي المجموعة "وأفرادًا من عائلتي أثناء حراستنا لقوافل مساعدات المنظمات الدولية".
أكد محمد شحادة، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، وجود أدلة على توسع وجود أبو شباب بدعم إسرائيلي في خان يونس، شمال معقله.
ومع ذلك، لا يزال نطاقه محدودًا. تتحدث القوات الشعبية عن "مئات الطلبات اليومية التي نتلقاها على صفحتنا على فيسبوك من أفراد يسعون للانضمام إلينا"، لكن المحللين يعتقدون أن أبو شباب ربما لا يملك سوى حوالي 300 رجل تحت قيادته.
وقال شحادة إن معظم سكان غزة لن يفكروا أبدًا في الانضمام إليه خوفًا من وصمهم بالعملاء.
ومع ذلك، أضاف أن ميليشيا أبو شباب تؤدي الآن وظائف متعددة للإسرائيليين، حيث تساعد في التحكم في أماكن وصول المساعدات أو عدم وصولها؛ ومحاولة جذب اليائسين والجوعى إلى ما يسمى "المنطقة الآمنة" شرق رفح؛ وتنفيذ مهام عالية الخطورة للكشف عن وجود مقاتلي حماس.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

البيت الأبيض يعلق لـCNN على قرار مغادرة الموظفين غير الأساسيين في سفارة أمريكا بالعراق
البيت الأبيض يعلق لـCNN على قرار مغادرة الموظفين غير الأساسيين في سفارة أمريكا بالعراق

CNN عربية

timeمنذ 7 ساعات

  • CNN عربية

البيت الأبيض يعلق لـCNN على قرار مغادرة الموظفين غير الأساسيين في سفارة أمريكا بالعراق

(CNN)-- ذكر البيت الأبيض، لشبكة CNN، الأربعاء، أن قرار وزارة الخارجية الأمريكية بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من السفارة الأمريكية في العراق "جاء نتيجة مراجعة دورية للموظفين في الخارج". وقالت نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، في بيان، لـ CNN: "تُجري وزارة الخارجية الأمريكية مراجعة دورية للموظفين في الخارج، وقد اتُخذ هذا القرار نتيجة مراجعة حديثة". وأكد مسؤول في البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب على علم بالقرار. البنتاغون يُجيز المغادرة الطوعية للأفراد العسكريين بعد "توترات متنامية" بالشرق الأوسط وأفادت مصادر لـ CNN أنه سيتم أيضًا إصدار أمر بمغادرة الموظفين غير الأساسيين من القنصلية الأمريكية في أربيل. ولم يتضح بعد سبب تزايد المخاوف الأمنية في المنطقة.

مصر تطلب "موافقات مُسبقة" لزيارة المنطقة الحدودية مع غزة
مصر تطلب "موافقات مُسبقة" لزيارة المنطقة الحدودية مع غزة

CNN عربية

timeمنذ 9 ساعات

  • CNN عربية

مصر تطلب "موافقات مُسبقة" لزيارة المنطقة الحدودية مع غزة

دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- قالت مصر إن الوفود الأجنبية الراغبة في زيارة المنطقة الحدودية مع قطاع غزة بحاجة إلى "الحصول على موافقات مُسبقة"، في أول تعليق مصري على ما يبدو لتنظيم ما يسمى بـ"المسيرة العالمية إلى غزة". وقال بيان لوزارة الخارجية المصرية، الأربعاء، إنها ترحيب "بالمواقف الدولية والإقليمية، الرسمية والشعبية، الداعمة للحقوق الفلسطينية". وأشار البيان إلى أنه "في ظل الطلبات والاستفسارات المتعلقة بزيارة وفود أجنبية للمنطقة الحدودية المحاذية لغزة (مدينة العريش ومعبر رفح) خلال الفترة الأخيرة، وذلك للتعبير عن دعم الحقوق الفلسطينية، تُؤكد مصر على ضرورة الحصول علي موافقات مسبقة لإتمام تلك الزيارات". وأضاف البيان أن "السبيل الوحيد لمواصلة السلطات المصرية النظر في تلك الطلبات هو من خلال اتباع الضوابط التنظيمية والآلية المتبعة منذ بدء الحرب على غزة، وهي التقدم بطلب رسمي للسفارات المصرية في الخارج، أو من خلال الطلبات المقدمة من السفارات الأجنبية بالقاهرة، أو ممثلي المنظمات، إلى وزارة الخارجية". وشددت مصر على "أهمية الالتزام بتلك الضوابط التنظيمية التي تم وضعها، وذلك لضمان أمن الوفود الزائرة نتيجة لدقة الأوضاع في تلك المنطقة الحدودية منذ بداية الأزمة في غزة"، مؤكدة "أنه لن يتم النظر في أي طلبات أو التجاوب مع أي دعوات ترد خارج الإطار المحدد بالضوابط". كما أكدت مصر "أهمية التزام مواطني كافة الدول بالقوانين والقواعد المنظمة للدخول إلى الأراضي المصرية، بما في ذلك الحصول علي التأشيرات أو التصاريح المسبقة والمنظمة لذلك". الاثنين، تحركت من تونس باتجاه مصر، مجموعة من الحافلات تحمل اسم "قافلة الصمود"، وعلى متنها ناشطون من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا. والقافلة جزء من "المسيرة العالمية"، ضمن حراك عربي ودولي يدعو إلى تنظيم مسيرة منتصف الشهر الحالي في اتجاه معبر رفح الحدودي مع غزة، للدعوة إلى دخول المساعدات إلى القطاع ووقف إطلاق النار. في مقابلة مع مذيعة شبكة CNN بيكي أندرسون، قالت الدبلوماسية الأمريكية المستقيلة من إدارة بايدن، هالة راريت، إنها تعتزم الانضمام إلى "المسيرة العالمية". وأشارت راريت إلى أن اتصالات جرت مع السفارات المصرية حول العالم من أجل تنظيم الفعالية، وقالت الدبلوماسية السابقة إنها المسيرة تأتي في ضوء "دعم جهود مصر الدبلوماسية الرامية لإدخال المساعدات ووقف إطلاق النار". واعترضت إسرائيل سفينة المساعدات "مادلين" المتجهة إلى غزة، في المياه الدولية في وقت مبكر من صباح الاثنين. ورحلّت بعض الناشطين البارزين ممن كانوا على متنها، بينهم الناشطة المناخية غريتا غونبرغ، ولا يزال البعض الآخر في إسرائيل لحين ترحيلهم.

رأي.. التضامن مع الفلسطينيين يجب أن يتطور إلى عدالة وقيادة إقليمية
رأي.. التضامن مع الفلسطينيين يجب أن يتطور إلى عدالة وقيادة إقليمية

CNN عربية

timeمنذ 10 ساعات

  • CNN عربية

رأي.. التضامن مع الفلسطينيين يجب أن يتطور إلى عدالة وقيادة إقليمية

هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان *، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN. خلال زيارة قمتُ بها مؤخرًا إلى قونية، وقفتُ وسط حشد متنوع أمام ضريح مولانا جلال الدين الرومي. تجمع صغارًا وكبارًا، من أهل المدينة وزوارها، ليس احتجاجًا فحسب، بل في تظاهرة عاطفية تُجسّد الترابط المتجذر في قرون من التاريخ المشترك والإيمان والمسؤولية الأخلاقية. تردد صدى هذه الروح نفسها بعد أسابيع في مصر، عندما ألقى لاعب الكيك بوكسينغ التركي نجم الدين أربكان أكيوز بميداليته في النيل احتجاجا على تحقيق من الاتحاد الأوروبي للوشو كونغ فو حول رفعه العلم الفلسطيني، في رفض لنظام عالمي يُعاقب على التعاطف ويتجاهل الفظائع. وقد عكست فعلته شعورًا بالإحباط يجتاح المنطقة بأسرها: حيث تبدو العدالة بعيدة المنال، ويُعاقَب الوضوح الأخلاقي بدلًا من حمايته. من قونية إلى القاهرة، تُسلّط هذه القصص الضوء على حقيقة جوهرية: التضامن وحده لا يكفي. الأراضي الفلسطينية بحاجة إلى استراتيجية منسقة، تشمل الجوانب السياسية والقانونية والإقليمية، تتجاوز مجرد التعاطف والغضب الأخلاقي. غزة تستحق العدالة خارج إطار الإبادة الجماعية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، عانت غزة من واحدة من أكثر الحملات العسكرية تدميرًا في التاريخ الحديث. قُتل أكثر من 55 ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال. ودُمّرت الأحياء السكنية بشكل ممنهج. ونزح أكثر من 1.7 مليون شخص، كثير منهم للمرة الثانية أو الثالثة في حياتهم. ردًا على ذلك، تتهم جنوب إفريقيا إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بارتكاب إبادة جماعية. ورغم أن هذه التهمة تلقى صدى عاطفيًا وأخلاقيًا، إلا أن مصطلح الإبادة الجماعية مصطلح قانوني ضيق ومعقد. فبموجب اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، يشترط إثبات وجود نية محددة لتدمير جماعة، وهو عبء يصعب إثباته. حتى في رواندا والبوسنة، لم تصدر أحكام الإبادة الجماعية إلا بعد تحقيقات مستفيضة امتدت لسنوات. يُمثل هذا خطرًا جسيمًا: إذا لم تُثبت الإبادة الجماعية قانونيًا، فقد يُصوّرها الفاعلون السياسيون على أنها تبرئة. وهذا لن يُمثّل فشلًا قانونيًا فحسب، بل كارثة أخلاقية أيضًا. الجرائم بالفعل على مرأى من الجميع إلى جانب الإبادة الجماعية، هناك مجموعة واسعة وموثقة جيدًا من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي يمكن مقاضاة مرتكبيها الآن: • هجمات عشوائية وغير متناسبة على المدنيين، في انتهاك لاتفاقيات جنيف. • التجويع كأسلوب من أساليب الحرب، وذلك من خلال الحصار المتعمد للغذاء والماء والوقود. • العقاب الجماعي المحظور بموجب المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة. • الضربات المستهدفة للمرافق الطبية والصحفيين وعمال الإغاثة، وهم جميعا محميون بموجب القانون الدولي. • التهجير القسري، والاضطهاد، والإبادة، والتي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. لا تتطلب هذه الانتهاكات عبء إثبات الإبادة الجماعية. فهي واضحة وعاجلة وقابلة للمقاضاة، إلا أنها لا تزال مهملة بسبب العراقيل الجيوسياسية وتشتت جهود المناصرة. العدالة تتطلب استراتيجية وليس مجرد قانون لا يعمل القانون الدولي بمعزل عن القانون الدولي؛ بل يتطلب تنسيقًا سياسيًا. تعتمد محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية على تعاون الدول، ولا يكون التنفيذ تلقائيًا أبدًا. لقد حمت الولايات المتحدة والقوى الأوروبية الرئيسية إسرائيل دبلوماسيًا وعسكريًا، مما أضعف الإجراءات القانونية من خلال التدخل الانتقائي. على سبيل المثال، انتقدت المملكة المتحدة الإجراءات الإسرائيلية وسعت إلى إبرام صفقات أسلحة، كاشفةً عن التناقضات التي تُحدد السياسة الغربية تجاه الأراضي الفسطينية. لن تتحقق الانتصارات القانونية من خلال المحاكم فحسب، بل من خلال الضغط الإقليمي المستمر، والتوافق الدبلوماسي، والتنسيق الاستراتيجي. وهنا يجب على تركيا والعالم العربي تجاوز الخطابات الكلامية وتولي دور قيادي. من الرمزية إلى الاستراتيجية: 5 إجراءات إقليمية منسقة إن التضامن العاطفي الذي نراه في أماكن مثل قونية وفي أفراد مثل أكيوز يجب أن يتطور إلى عمل إقليمي متماسك: 1. الرسالة السياسية الموحدة يجب على العواصم العربية والتركية أن تنسق جهودها الدبلوماسية من أجل الفلسطينيين، وتنسيق الأصوات والخطوط الحمراء والمبادرات المشتركة عبر الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي للدفع نحو وقف إطلاق النار والمساءلة والاعتراف بالدولة الفلسطينية. 2. التعبئة القانونية ينبغي لتركيا أن تقود فريق عمل قانوني إقليمي لجمع الأدلة، ودعم الضحايا الفلسطينيين، وتفعيل قضايا الولاية القضائية العالمية في إسبانيا وبلجيكا وجنوب إفريقيا بدعم إقليمي. 3. تنسيق المساعدات وتعزيز الأونروا بدلاً من المساعدات المجزأة، ينبغي لمنصة تنسيق إغاثة غزة أن تجمع تركيا والدول العربية تحت هيكل موحد. ومن شأن إنشاء مكتب للأونروا في تركيا أن يعزز تنسيق المساعدات الإنسانية تحت إشراف إقليمي. 4. مسارات إنسانية للفلسطينيين ينبغي أن يتيح مسار تأشيرة/إقامة إنسانية إقليمي للنازحين في غزة الوصول إلى العلاج الطبي والتعليم والمأوى المؤقت، بدعم من تركيا والأردن ومصر ودول الخليج بالتعاون مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة. 5. حوار حول الحكم المستقبلي وإعادة الإعمار مع تصاعد النقاشات حول غزة ما بعد الحرب، يجب على الجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة، لا فرض الحلول. إن استضافة منتدى لإعادة إعمار الأراضي الفلسطينية والسيادة عليها من شأنه أن يجمع أصوات الشتات والفصائل السياسية والمجتمع المدني من أجل إيجاد حلول بقيادة فلسطينية. حكم التاريخ: ثمن التقاعس عن العمل لن يسجل التاريخ معاناة غزة فحسب، بل سيسأل أيضًا: • هل تحرك الأقربون للفلسطينيين إلى هذه اللحظة؟ • هل سمحنا بتحييد القانون الدولي بالسياسة؟ • هل انتظرنا مصطلحًا قانونيًا واحدًا، وهو "الإبادة الجماعية"، قبل أن نتحرك؟ أم سعينا لتحقيق العدالة بوضوح وإلحاح وقيادة إقليمية؟ من شوارع قونية إلى مياه النيل، الرسالة واضحة: الناس مستعدون للتحرك. والآن، على الحكومات والمؤسسات والجهات الفاعلة الإقليمية اللحاق بالركب، وتحويل الزخم الأخلاقي إلى نفوذ سياسي، ووضوح قانوني، وعزيمة إنسانية. فلسطين لا تحتاج صدقة، بل تحتاج عدالة وشراكة وسيادة. وهذا لا يبدأ في لاهاي، بل يبدأ من داخل منطقتنا، مع قادة يتمتعون بالجرأة الكافية لينظروا إلى التضامن ليس كأداء، بل كمسؤولية. * نبذة عن الكاتب: إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية. وقد شغل العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصبه الأخير كسفير لدى الأردن، بالإضافة إلى مناصب في الإمارات العربية المتحدة والنمسا وفرنسا ونيجيريا. ولد في إزمير عام 1975، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة. واكتسب معرفة واسعة بالمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، حيث قام بتحليل تعقيدات الصراعين السوري والفلسطيني، بما في ذلك جوانبهما الإنسانية وتداعياتهما الجيوسياسية. كما شارك في العمليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وتخصص في مجال حقوق الإنسان والتطورات السياسية الإقليمية. وتشمل مساهماته توصيات لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. ويواصل حاليا دراساته عن الشرق الأوسط بينما يعمل مستشارا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store