
قراءة أدبية في نص 'أسطورة الطيور المأسورة' للأديبة رانية مرجية ، بقلم : الناقد عادل جودة
أسطورة الطيور المأسورة: حين يغنّي الأسرى أقوى من الحديد
بقلم: رانية مرجية
مقدمة
ليست الحكاية هنا عن أقفاص وسجّانين فقط، بل عن الحرية التي تأبى الانكسار، وعن أرواح تحوّلت إلى رموز كونية للكرامة الإنسانية. في هذه القصة الرمزية، تتحول معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى أسطورة تُروى، وتصبح أغانيهم جرسًا يوقظ الضمير البشري أينما كان.
النص
تحكي الأرض، وهي الجدة العتيقة التي لا تهرم، أن في قلبها واديًا عجيبًا اسمه وادي الصدى.
هناك، أقام الغزاة أقفاصًا من حديد أسود، ظانّين أن بإمكانهم أن يُسكتوا الطيور التي غنّت منذ أول فجرٍ عن الحرية.
لكن تلك الطيور لم تكن عادية؛ كانت أبناء الزيتون والبرتقال، ريشها مطرز بنداءات الأمهات، وعيونها تحمل وهج الشهداء.
كلما ضاق القفص، اتسعت صدورهم، وكلما سُلبت الأجنحة، ارتفعت الأغاني.
سأل الحراس بازدراء:– ما فائدة الغناء خلف القضبان؟فأجاب الجبل عنهم بصدى مدوٍّ:
– إن الأغاني تتحول إلى أنهار، والأنهار تذيب الحديد.
وفي الليل، حين يظن السجّان أن النوم قد أطفأ الأحلام، كانت الطيور ترسم بأظافرها نقوش العودة على الجدران: خريطة للديار، ومفاتيح للأبواب، وجملة واحدة لا تزول:
'الحرية قدر.'
تعاقبت الأجيال، وتكسرت أقفاص كثيرة، لكن الطيور ظلّت تغنّي. وحين سُئل الجبل:– متى تنتهي الحكاية؟أجاب:
– حين يفهم آخر طفل أن هذه الطيور ليست سجينة، بل حارسة للنور.
ومنذ ذلك اليوم، يروي الناس أن كل قفص في وادي الصدى لم يكن مقبرة، بل منارة،وأن أصوات الأسرى لم تكن مجرد أناشيد، بل جرس الحرية الذي لا يخفت،
بل يوقظ القرى، ويعيد للسماء لونها الأول.
١- البنية الرمزية وعمق الدلالة:يحوّل النص معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى أسطورة كونية عبر شبكة من الرموز المتقنة:- الطيور: تجسيد للأسرى الذين يحملون في هويتهم جذور الأرض (أبناء الزيتون والبرتقال) ويرفضون الاستسلام رغم القمع. – القفص الحديدي: ليس مجرد سجن مادي، بل رمز لمحاولات طمس الهوية وكسر الإرادة لكنه يفشل أمام 'اتساع الصدور' و'ارتفاع الأغاني'. – وادي الصدى:مكان أسطوري يحوّل المعاناة إلى صدىً دائم، كأن الأرض نفسها تروي القصة وتضخّم صوت المظلوم. – الجبال والأنهار: قوى طبيعية تتدخل كحلفاء للطيور، مؤكدة أن القوة الناعمة (الغناء) قادرة على تآكل أعتى السجون. ٢-اللغة الشعرية وتكثيف المشهد:تستخدم الكاتبة لغةً مجازيةً غنيةً تُحيط القارئ بالصور الحسية:- التناقض الدرامي:'كلما ضاق القفص، اتسعت صدورهم' – يُظهر انتصار الروح على المادة.- التجسيد: الجبل الذي يُجيب، والأغاني التي تتحول إلى أنهار، مما يخلق عالمًا سحريًا يُضفي شرعيةً على المقاومة.- التكرار الرمزي: جملة 'الحرية قدر' المنحوتة على الجدران تُذكّر بثبات الحق رغم الزمن. ٣-البعد الفلسفي والأسئلة الوجودية:النص يطرح أسئلةً جوهريةً عبر حوارات مختزلة لكنها عميقة:- سؤال الحرّاس: 'ما فائدة الغناء؟' يعكس منطق القوة الذي لا يفهم أن الفن مقاومة.- إجابة الجبل: 'الأنهار تذيب الحديد' تُجسّد فكرة أن الزمن لصالح المضطهدين حين يحوّلون آلامهم إلى إبداع.- نهاية الأسطورة تُعلن أن الطيور 'حارسة للنور' أي أن نضالهم ليس دفاعًا عن أنفسهم فحسب، بل عن إنسانية العالم كله. ٤- الإيقاع والسرد الأسطوري:يُبنى النص على إيقاعٍ يشبه الترانيم القديمة عبر جمل قصيرة مُفعمة بالرمز (مثل: 'الحرية قدر' 'الطيور حارسة النور'). هذا يمنحه طابعًا تأمليًا أقرب إلى النصوص المقدسة أو الملاحم الشعبية مما يعمّق تأثيره ويجعله قابلاً للتداول كـ'شهادة أدبية' خالدة. ٥- الخاتمة: تحويل المأساة إلى منارةالانزياح الأبرز في النص هو تحويل دلالة السجن من مكان للقهر إلى 'منارة' – أي مصدر إشعاع. هنا تكمن قوة الأدب في قلب المعادلات: فالأغاني ليست تعويضًا عن الحرية بل سلاحًا يُحرر الآخرين عبر إيقاظ الضمير (يعيد للسماء لونها الأول).يستحق هذا النص النشر؟- لأنه يُترجم المعاناة الفلسطينية إلى لغة عالمية (الأسطورة) تتخطى السياسي المباشر لتصل إلى الإنساني الكوني.- لأنه يمنح الألم معنىً جماليًا يُضاهي قصص المقاومة الخالدة (كأسطورة بروميثيوس أو سيزيف).- لأنه يذكّرنا أن الأدب حين يكون شاهدًا يصير فعل مقاومةٍ بحد ذاته.
إنه نصٌ يُعيد تعريف القوة: فالأغاني هنا 'أقوى من الحديد' لأنها تُخلّد ما يحاول السجّان محوه.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شبكة أنباء شفا
منذ ساعة واحدة
- شبكة أنباء شفا
قراءة لقصيدة ' طيبة لا يبتلعها الزمن ' للشاعرة رانية مرجية ، بقلم : طه دخل الله عبد الرحمن
قراءة لقصيدة 'طيبة لا يبتلعها الزمن' للشاعرة رانية مرجية ، بقلم : طه دخل الله عبد الرحمن القصيدة: طيبة لا يبتلعها الزمنسقطت الأقنعةُ جميعُها أمام بصيرتي،فتهاوتْ كأبراجٍ من وهمٍ في مهبِّ الريح.حينها أدركتُ أنّ الله أهداني سرًّا،روحًا لا تشبه الأرواح،وشعلةً تتوهّج في العتمة،وتدلّني إلى طريق التفرّد.لم أندم يومًا على طيبتي،فهي زمزمُ قلبي،ونبعُ صفائي،ومحرابُ صمتي حين يعلو صخبُ الدنيا.لن أندم عليها أبدًا،ففيها سرّ بقائي،وفيها خبزُ روحي،وفيها ملامحُ إنسانيتي التي لا تُشترى.وأما الذين عجزوا عن اجتياز امتحانِ الحقيقة،فقد كانوا سحابةً عابرة،غشّت سمائي للحظة،ثم تلاشت،وابتلعها الأفقُ كأن لم تكن.وأنا…أمضي بخطى العارفين،أحمل نوري كجذوةٍ في لياليّ الطويلة،وأرتّل في سرّي:ما خاب قلبٌ وهبه الله الطيبة،وما ضلَّ دربٌ أضاءه الإيمان.في قصيدة 'طيبة لا يبتلعها الزمن'، تُقدّم الشاعرة رانية مرجية رؤيةً وجوديةً عميقةً تُمزج بين الصفاء الروحيّ والإيمان بالذات، مُتخذةً من 'الطيبة' مَتنفّسًا للخلاص ومَحرابًا تُعلَن فيه أسرارُ البقاء. القصيدةُ لوحةٌ شعريّةٌ تتعانق فيها الصورُ البيانيّةُ مع الرمزيةِ الصوفيّة، لتُرسي دعائمَ عالمٍ داخليٍّ تُشرق فيه الطيبةُ شموسًا لا تُغالبها ظُلماتُ الزمن أو خيباتُ البشر.تفكيك الأقنعة وسقوط الأوهام:تبدأ القصيدةُ بانزياحٍ دراميٍّ قويّ: 'سقطت الأقنعةُ جميعُها أمام بصيرتي'، حيثُ يُصبح السقوطُ فعلَ تحريرٍ يُزيحُ زيفَ المظاهر، ويُحوّلُها إلى 'أبراجٍ من وهمٍ في مهبِّ الريح'. هنا، تُحاكي الشاعرةُ سقوطَ الحضاراتِ الزائفة، لكنّها تختزلُه في سقوطِ الأكاذيبِ الفردية، ليكتشفَ المتكلّمُ أنّ الحقيقةَ وَحْدَها تستحقُّ البقاء.الطيبةُ: السرُّ الأزليُّ والهُويةُ المقدَّسة:يُعبّر المقطع التالي عن الاكتشاف الذاتيّ كهديةٍ إلهية: 'أدركتُ أنّ الله أهداني سرًّا'، حيثُ تتحوّلُ الطيبةُ إلى ماءِ زمزمَ روحيّ 'زمزمُ قلبي' ونبعٍ لا ينضبُ من السكينة. الانزياحُ الدينيُّ هنا 'محرابُ صمتي' يُضفي على الطيبةِ طابعًا قدسيًّا، بينما التشبيهُ بالخبزِ 'خبزُ روحي' يجعلها ضرورةً حياتيةً لا تقلُّ عن الطعام.صورةُ الآخرين: السحابةُ العابرةُ والأفقُ النَّهم:يُقابل الشاعرةُ بين ثباتِ طيبتِها وزوالِ مَنْ خانوا الحقيقةَ، فتصفُهم بـ 'سحابةٍ عابرةٍ غشّت سمائي'، ثمّ يُختزلُ وجودُهم في محوِ الأفقِ 'كأن لم تكن'. الصورةُ تُجسّدُ انتصارَ الأصيلِ على العابر، وتُبرزُ قوةَ الذاتِ التي ترفضُ أن تُقاسَ بمعاييرِ الواهمين.الخصائص الفنية:اللغة: مُترعةٌ بالاستعاراتِ الدينيةِ والطبيعيةِ (الزمزم، السحابة، الجذوة).الإيقاع: تموُّجٌ بين الطويلِ والقصيرِ، كأنّه يعكسُ صعودَ الروحِ وهبوطَ الأوهام.الرمزية: الطيبةُ نورٌ وإيمانٌ، والزمنُ كائنٌ نهمٌ لا يقوى على ابتلاعِ ما هو إلهيٌّ في الإنسان.الخاتمة: خطى العارفين والنورُ الداخليُّ:تنتهي القصيدةُ باستعادةِ الصوفيِّ الذي *'يحملُ نورَه كجذوةٍ في الليالي الطويلة'، حيثُ يصيرُ الإيمانُ دليلًا 'ما ضلَّ دربٌ أضاءه الإيمان'. التكرارُ في 'لن أندم' يُشكّلُ إعلانًا عن رفضِ المساومة، بينما التضمينُ الدينيُّ 'ما خاب قلبٌ وهبه الله الطيبة' يمنحُ النصَّ حكمةً خالدةً تُذكّرُ بالموروثِ الجلاليِّ إشارةً إلى جوهرِ الحكمةِ العَطائِيِةِ عند حكم ابن عطاء الله السكندريّ.هذه القصيدةُ ليست دفاعًا عن الطيبةِ فحسب، بل هي تأسيسٌ لكونٍ موازٍ تُصانُ فيه الإنسانيةُ من الانزياحاتِ المادية. الشاعرةُ ترفعُ الطيبةَ من فضيلةٍ أخلاقيةٍ إلى فلسفة وجود، تُذكّرنا بأنّ ما يُهديه اللهُ للإنسانِ كالروحِ الفريدةِ أو الشعلةِ الداخلية هو وحده الكنزُ الذي لا يُسلب. طه دخل الله عبد الرحمن – البعنه – الجليل شاهد أيضاً شفا – في إطار التحضير للذهاب إلى الانتخابات العامة بعد وقف العدوان وانسحاب قوات الاحتلال …


شبكة أنباء شفا
منذ يوم واحد
- شبكة أنباء شفا
قراءة أدبية في نص 'أسطورة الطيور المأسورة' للأديبة رانية مرجية ، بقلم : الناقد عادل جودة
قراءة أدبية في نص 'أسطورة الطيور المأسورة' للأديبة رانية مرجية ، بقلم : الناقد عادل جودة أسطورة الطيور المأسورة: حين يغنّي الأسرى أقوى من الحديد بقلم: رانية مرجية مقدمة ليست الحكاية هنا عن أقفاص وسجّانين فقط، بل عن الحرية التي تأبى الانكسار، وعن أرواح تحوّلت إلى رموز كونية للكرامة الإنسانية. في هذه القصة الرمزية، تتحول معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى أسطورة تُروى، وتصبح أغانيهم جرسًا يوقظ الضمير البشري أينما كان. النص تحكي الأرض، وهي الجدة العتيقة التي لا تهرم، أن في قلبها واديًا عجيبًا اسمه وادي الصدى. هناك، أقام الغزاة أقفاصًا من حديد أسود، ظانّين أن بإمكانهم أن يُسكتوا الطيور التي غنّت منذ أول فجرٍ عن الحرية. لكن تلك الطيور لم تكن عادية؛ كانت أبناء الزيتون والبرتقال، ريشها مطرز بنداءات الأمهات، وعيونها تحمل وهج الشهداء. كلما ضاق القفص، اتسعت صدورهم، وكلما سُلبت الأجنحة، ارتفعت الأغاني. سأل الحراس بازدراء:– ما فائدة الغناء خلف القضبان؟فأجاب الجبل عنهم بصدى مدوٍّ: – إن الأغاني تتحول إلى أنهار، والأنهار تذيب الحديد. وفي الليل، حين يظن السجّان أن النوم قد أطفأ الأحلام، كانت الطيور ترسم بأظافرها نقوش العودة على الجدران: خريطة للديار، ومفاتيح للأبواب، وجملة واحدة لا تزول: 'الحرية قدر.' تعاقبت الأجيال، وتكسرت أقفاص كثيرة، لكن الطيور ظلّت تغنّي. وحين سُئل الجبل:– متى تنتهي الحكاية؟أجاب: – حين يفهم آخر طفل أن هذه الطيور ليست سجينة، بل حارسة للنور. ومنذ ذلك اليوم، يروي الناس أن كل قفص في وادي الصدى لم يكن مقبرة، بل منارة،وأن أصوات الأسرى لم تكن مجرد أناشيد، بل جرس الحرية الذي لا يخفت، بل يوقظ القرى، ويعيد للسماء لونها الأول. ١- البنية الرمزية وعمق الدلالة:يحوّل النص معاناة الأسرى الفلسطينيين إلى أسطورة كونية عبر شبكة من الرموز المتقنة:- الطيور: تجسيد للأسرى الذين يحملون في هويتهم جذور الأرض (أبناء الزيتون والبرتقال) ويرفضون الاستسلام رغم القمع. – القفص الحديدي: ليس مجرد سجن مادي، بل رمز لمحاولات طمس الهوية وكسر الإرادة لكنه يفشل أمام 'اتساع الصدور' و'ارتفاع الأغاني'. – وادي الصدى:مكان أسطوري يحوّل المعاناة إلى صدىً دائم، كأن الأرض نفسها تروي القصة وتضخّم صوت المظلوم. – الجبال والأنهار: قوى طبيعية تتدخل كحلفاء للطيور، مؤكدة أن القوة الناعمة (الغناء) قادرة على تآكل أعتى السجون. ٢-اللغة الشعرية وتكثيف المشهد:تستخدم الكاتبة لغةً مجازيةً غنيةً تُحيط القارئ بالصور الحسية:- التناقض الدرامي:'كلما ضاق القفص، اتسعت صدورهم' – يُظهر انتصار الروح على المادة.- التجسيد: الجبل الذي يُجيب، والأغاني التي تتحول إلى أنهار، مما يخلق عالمًا سحريًا يُضفي شرعيةً على المقاومة.- التكرار الرمزي: جملة 'الحرية قدر' المنحوتة على الجدران تُذكّر بثبات الحق رغم الزمن. ٣-البعد الفلسفي والأسئلة الوجودية:النص يطرح أسئلةً جوهريةً عبر حوارات مختزلة لكنها عميقة:- سؤال الحرّاس: 'ما فائدة الغناء؟' يعكس منطق القوة الذي لا يفهم أن الفن مقاومة.- إجابة الجبل: 'الأنهار تذيب الحديد' تُجسّد فكرة أن الزمن لصالح المضطهدين حين يحوّلون آلامهم إلى إبداع.- نهاية الأسطورة تُعلن أن الطيور 'حارسة للنور' أي أن نضالهم ليس دفاعًا عن أنفسهم فحسب، بل عن إنسانية العالم كله. ٤- الإيقاع والسرد الأسطوري:يُبنى النص على إيقاعٍ يشبه الترانيم القديمة عبر جمل قصيرة مُفعمة بالرمز (مثل: 'الحرية قدر' 'الطيور حارسة النور'). هذا يمنحه طابعًا تأمليًا أقرب إلى النصوص المقدسة أو الملاحم الشعبية مما يعمّق تأثيره ويجعله قابلاً للتداول كـ'شهادة أدبية' خالدة. ٥- الخاتمة: تحويل المأساة إلى منارةالانزياح الأبرز في النص هو تحويل دلالة السجن من مكان للقهر إلى 'منارة' – أي مصدر إشعاع. هنا تكمن قوة الأدب في قلب المعادلات: فالأغاني ليست تعويضًا عن الحرية بل سلاحًا يُحرر الآخرين عبر إيقاظ الضمير (يعيد للسماء لونها الأول).يستحق هذا النص النشر؟- لأنه يُترجم المعاناة الفلسطينية إلى لغة عالمية (الأسطورة) تتخطى السياسي المباشر لتصل إلى الإنساني الكوني.- لأنه يمنح الألم معنىً جماليًا يُضاهي قصص المقاومة الخالدة (كأسطورة بروميثيوس أو سيزيف).- لأنه يذكّرنا أن الأدب حين يكون شاهدًا يصير فعل مقاومةٍ بحد ذاته. إنه نصٌ يُعيد تعريف القوة: فالأغاني هنا 'أقوى من الحديد' لأنها تُخلّد ما يحاول السجّان محوه.


شبكة أنباء شفا
منذ 5 أيام
- شبكة أنباء شفا
نقد منمّق لنص ' سهمٌ من حنان ' للشاعر العراقي الكبير عادل جودة ، بقلم : رانية مرجية
نقد منمّق لنص ' سهمٌ من حنان ' للشاعر العراقي الكبير عادل جودة ، بقلم : رانية مرجية مدخل: حين يتحوّل الحنان إلى سهم في نصه 'سهمٌ من حنان'، يقدّم لنا الشاعر العراقي الكبير عادل جودة قصيدة نثرية تمزج بين البوح الحميمي والتأمل الوجودي. إنها رحلة من براءة الاطمئنان إلى هاوية الخذلان، نص يلتقط أدق التحولات النفسية التي يمر بها القلب حين يكتشف أن الأمان الذي احتمى به لم يكن سوى وهم مُتقن الصنعة. البنية السردية والانسياب العاطفي جاء النص في تدرج شعوري محسوب:• الافتتاحية: لحظة الانغماس في الأمان، صورة الطفل الذي وجد حضنه الأبدي.• الانعطافة: انكشاف الزيف، وسقوط السماء كرمز لانهيار الثقة.• المواجهة الداخلية: التساؤلات المريرة 'كيف لم أفهم؟'، 'كيف لم ألحظ؟' التي تضع القارئ أمام صراع بين العاطفة والبصيرة. • الخاتمة الدفاعية: إعادة ترتيب المسافات كاستراتيجية للبقاء، ونداء صادق إلى الله طلبًا للحب الخالي من الطعنات. هذا التصاعد يمنح النص إيقاعًا داخليًا يشبه الموجة التي تبدأ هادئة، ثم تتعالى حتى تنكسر على صخور الحقيقة. اللغة والصور البلاغية لغة عادل جودة هنا تتسم بالبساطة العاطفية المشبعة بالمجاز، وهي بساطة مخادعة، إذ تحمل خلفها عمقًا فلسفيًا.• 'سقوط السماء': استعارة ضخمة تُبرز حجم الصدمة.• 'قطع النور في ليل شتوي بارد': لوحة حسية تجمع بين البصر والبرد، لتكثيف شعور الفقد. • 'هنا ضُرب القلب مرة': جملة قصيرة لكنها مشحونة بتاريخ كامل من الألم. كل صورة في النص تؤدي وظيفتها بانضباط، فلا ترهق القارئ، بل تدفعه للتوغل أكثر في التجربة الشعورية. القيمة الإنسانية والفلسفية النص يطرح أسئلة أوسع من حدود تجربة فردية؛ إنه يقف عند مفترق طرق بين الثقة والخوف، بين الرغبة في الحب والحذر من تكرار الخيانة. في هذا، يتحول النص إلى خطاب إنساني، يخص كل من مرّ بتجربة مشابهة، ويترك أثرًا طويل المدى في وجدان القارئ. خاتمة 'سهمٌ من حنان' ليس مجرد نص عن الخيانة، بل عن هشاشة الأمان حين يُمنح بلا حذر، وعن القدرة على النهوض رغم الألم. الشاعر عادل جودة، بإيقاعه الهادئ وصوره الحية، يقدّم درسًا في كيف يمكن للقصيدة أن تكون مرآة صافية للروح الجريحة، ودليلًا لمن يبحث عن شجاعة الحب من جديد