logo
ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟

ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟

شفق نيوز٣١-٠٣-٢٠٢٥

ينتظر الأطفال والشباب مع بداية أيام عيد الفطر ما يُعرف بـ "العيديّة"، التي توزع عليهم ممن يكبرهم عمراً وخاصة من الآباء والأمهات والأقرباء وفق ما اعتاد عليه كثيرون، وكذا ينتظرون هذه العيديّة في عيد الأضحى، بحسب الطقوس الدينية لدى المسلمين حول العالم.
لكن ما هو الأصل التاريخي للعيديّة، وكيف ظهرت، ومتى بدأت قصتها؟
تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن كلمة "عيديّة" مشتقة من كلمة "عيد" والتي تعني "المنح والعطاء" وهو لفظ اصطلح على تسميته بين الناس.
وأشارت هذه الروايات إلى أن العيديّة ظهرت في العصر الفاطمي في مصر أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إذ كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وكان للعيدية أسماء مختلفة مثل "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، وهدايا ونقود للأطفال.
العصر الفاطمي "مولد العيدية"
بحسب مؤرخي العصر الفاطمي، كالأمير عزّ الملك المسبحي، وتقيّ الدين المقريزي، نجد تفصيلاً لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن تلك الطقوس كانت "العيديّة"، التي ظهرت آنذاك لأول مرة كهبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي أراد حينها أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدأ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة التي كانت تُصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد. وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغاً مقداره نحو عشرين ألف دينار ذهبي، يتم توزيعها على رجال الدولة وعامة الرعيّة.
أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد خلال حديثه لبي بي سي: "إن معظم الاحتفالات الدينية تعود بنسبة كبيرة جداً إلى العصر الفاطمي في مصر، وكان العالم الإسلامي يحتفل بمناسبتين مهمتين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعندما جاء الفاطميون إلى مصر أضافوا كثيراً من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ففكرة العيديّة بالمصطلح الحالي لم تكن موجودة ولكن إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية سنجد أنه عندما يبدأ رمضان كان أرباب الرُتب والخدم وجميع الناس المحيطين بالخليفة ولكل من نساء الخليفة وأبنائه يُقدّم طبقٌ مكون من حلوى بوسطه (صُرّة) من ذهب، وكذلك كان أهل الدولة ينالون من الحب جانباً فكانت هذه هي (التوسعة) التي تتم في العصر الفاطمي".
وأضاف: "إن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة دار الفطرة بمناسبة العيد وتفرقة الفطرة (الكعك وما شابه) وتفرقة الكسوة (توزيعها) وعمل الأسمطة (وهي عبارة عن مائدة الطعام التي كانت تُمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) التي تُجهز في أول أيام العيد وتُوزّع على الناس".
فقد عُرف عن الفاطميين هذا التقليد الذي كانوا يدْعونه باسمه المعروف اليوم "العيديّة"؛ كما كان الخليفة في ذلك الوقت يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقُرّاء والمؤذّنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد. ويبدو أنه حتى الملوك كانوا يتلقون "عيديّات" بلَبوس هدايا في الأعياد يقدمها رجالات بلاطهم؛ فهذا ابن دحية (633هـ/1235م) يخبرنا- في كتاب (المُطرب) أنه "أهدى الناس في يوم عيد إلى السلطان المعتمد ابن عباد (488هـ/1095م) مما يُهدَى للملوك في الأعياد".
لذلك ظهرت "العيديّة" بشكلها الأولي على ما عُرف في ذلك العصر بـ "التوسعة" كمبلغ مالي يُوزَّع بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على من أتى من عامة الناس للمعايدة.
من "التوسعة" إلى "الجامكيّة" في العصر المملوكي
بدأت العيديّة تأخذ الشكل الرسمي في العصر المملوكي، والتي عُرفت حينها بـ "الجامكيّة"، إذ كانت تُوزّع على الكبار والصغار، ولم تكن مخصصة للأطفال فحسب.
وكانت "الجامكيّة" عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمُرتّب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين.
و"الجامكيّة" كلمة مشتقة من "الجامة" وهي مفردة تركية تعني الثوب واللباس، ويقصد بـ"الجامكيّة" المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد.
كيف اختلفت "العيدية" في العصر العثماني؟
اتخذت العيديّة في العصر العثماني شكلاً مختلفاً، إذ تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبية بين الناس يقومون بأدائها فيما بينهم ولم تعد مبلغاً مالياً يُصرف من الدولة.
باتت العيدية عادة اجتماعية للتعبير عن الفرح والبهجة، ونوعاً من التكافل الاجتماعي. وارتبطت بشكل أكبر بطقوس العيد، فلم تكن مقتصرة على توزيع مبالغ مالية فقط، بل ارتبطت بأشكال الهدايا المختلفة كالطعام والملابس وغيرها.
ومع تطور العصور، تغيّر شكل العيدية، لتستقر على نقود تُوزّع على أفراد العائلة الواحدة، وتختلف حسب الفئة العمرية.
كيف تطور شكل "العيديّة" في العصر الحديث؟
مع نهايات حقبة العصر العثماني ودخولنا إلى حقبة جديدة بات شكل العيديّة كما هو معروف عليه اليوم، إذ أصبح رب العائلة والأبناء الأكبر سناً هم من يوزعونها بشكلها النقدي على الأطفال بشكل خاص، ومن ثم تأتي الأم والزوجة والبنات الأكبر سناً، وفق بعض المجتمعات.
وباتت العيديّة لدى الأطفال تحديداً مبعث سعادة وبهجة ومباهاة فيما بينهم ومقترنة بذلك المبلغ الذي يحصلون عليه سواء من الوالدين أو الأقارب.
وعلى الرغم من شمول العيديّة لأشكال متنوعة من الهدايا كالألعاب والحلوى والملابس، إلا أنها أصبحت تُطلق على المبلغ المالي الذي ينتظره كثيرون لينالوا حظهم منه.
وللعيديّة تسميات عدة في الدول العربية في الوقت الحالي، ففي الأردن وسوريا والعراق والكويت ومصر تعرف بـ "العيديّة"، بينما يُطلق عليها فى بعض الدول كسلطنة عُمان اسم "العيّود"، وتحمل تسميات مختلفة في مناطق بالسعودية منها "الحوامة" أو "الخبازة" أو "الحقاقة" أو "القرقيعان" في المنطقة الشرقية. في حين يُطلق عليها في بعض دول المغرب العربي ومنها تونس اسم "مَهْبَة العيد" وفي المغرب يطلقون عليها اسم "فلوس العيد".
مع مرور الزمن، أصبحت العيديّة جزءاً لا يتجزأ من احتفالات الأعياد في المجتمعات العربية والإسلامية، لكن هل لها أبعاد نفسية على من يتلقّاها، ومن يعطيها أيضاً؟
تجيب الاختصاصية النفسية والأسرية الدكتورة نهاية الريماوي عن ذلك خلال حديثها لبي بي سي قائلة: "إن العيديّة دليل على المحبة، وبالتالي من الناحية العلمية ترفع نسبة الناقل المعصبي المعروف باسم (أوكسيتوسين) المسؤول عن الحب والمودة والعلاقات الإيجابية، فوجود العيديّة يأتي من منطلق التعبير عن الحب والذي يكون أحد أشكاله العطاء المادي أحياناً، وبالتالي تؤثر على بناء العلاقات وتُشعر الشخص بوجود السند. كما أن لها مدلولاً روحانياً يرتبط بالجانب النفسي، إذ تعزز مبدأ صلة الرحم بين الأفراد".
وحول مدى تأثيرها على نفسية الأطفال باعتبارهم "الرابح الأكبر والأكثر حظاً" في تلقي العيديّة، فقد أوضحت الأخصائية ذلك بقولها: "عادة ما يبحث الأطفال عن الشعور بوجودهم وبالتقدير والانتماء، فعند تقديم العيديّة للطفل نُعزز لديه ذلك الشعور بالتقدير والثقة بالنفس، وبالتالي يتحقق لديه التوازن النفسي. كما أن فكرة الامتلاك، كمبلغ مالي بالنسبة للأطفال، تعزز لديهم الشعور بالمسؤولية بشراء أو اقتناء ما يرغبون فيه وتحقيق الغايات أو الأهداف التي يمكن أن تُحقّق مادياً".
وأضافت: "تعد العيديّة سواء لصغار السن أو حتى كبار السن، بمثابة تعزيز لسلوكيات تتمثل في العطاء والتعاطف ووسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي سلوكيات مهمة لتحقيق الصحة النفسية للأفراد".
وهو ما تتوافق عليه أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان في حديثها لبي بي سي قائلة: "تعد العيديّة من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد، ومن العادات والتقاليد المتوارثة التي تُدخل الفرح والسرور على الأطفال ولها تأثير إيجابي على نفسيتهم، إذ تزيد من إفراز هرمون السعادة لديهم، مما ينعكس إيجابياً على سلوكهم ويُشعرهم بالاستقرار النفسي الذي يساعد بدوره في تنمية قدراتهم وتحصيلهم الدراسي. كما أن العيديّة لا تُدخل السرور فقط على مُتلقّيها بل كذلك تُدخل السرور على معطيها".
وتضيف: "إنها فرصة لتعليم الأطفال فكرة العطاء وقيمة الادخار وكيفية الاستفادة من العيديّات".
وهو الأمر الذي أكده استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون خلال حواره مع بي بي سي قائلاً: "إن العيديّة تمنح الطفل فرصة لفهم قيمة المال واتخاذ قرارات بشأن الإنفاق أو التوفير، مما يساعده في بناء مهارات لديه بشأن استخدام المال والتصرف به، إذ إن امتلاك الطفل للمال يُشعره بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، ولو بشكل بسيط".
وأوضحت أستاذة علم الاجتماع أن العيديّة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بقولها: "من الجدير بالذكر أن العيديّة ليست للأطفال فقط، فعيديّة الزوج لزوجته تؤلف ما بين قلبيهما ولها وقع السحر على قلب الزوجة، مما يُشعرها بأنها ما زالت طفلته المدللة وحبيبته، كما تعمل العيديّة على تخفيف التوتر ومحو أي أثر للمشاكل أو الخلافات فيما بينهما".
وتضيف: "عيديّة الأبناء للآباء وخاصة إن كانوا كباراً في السن، تجعلهم يشعرون ببر أبنائهم وتقديرهم وحبهم لهم. كما أن العيديّة يمكن أن تُعطى لأي شخص سواء أخ أو أخت أو صديق ممن تشاء أن تُدخل السرور إلى نفسه".
استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون أجاب عن هذا السؤال قائلاً: "الربط (الشرطي) بين المال والسعادة، بحيث يربط الطفل سعادته وفرحته بالعيد فقط عند حصوله على المال، قد يُفقد الطفل الاهتمام بالجانب الديني والروحي والاجتماعي للعيد. كما أن المقارنات بمبلغ العيديّة بين الأطفال قد يُشعر بعضهم بالإحباط أو الغيرة، خاصة إذا حصلوا على مبلغ أقل من إخوتهم أو أصدقائهم".
وأضاف: "قد يشعر البعض ممن يعطي ويقدم العيديّة بالضغط المادي خاصة إذا كان يمر بظروف مالية صعبة، فقد يشعر بالقلق أو الإحراج بسبب عدم قدرته على تقديم عيديّة بقيمة كبيرة أو عند مقارنة ما يقدمه بالآخرين، وهو ما يتسبب بأضرار نفسية سلبية بالنسبة له". موضحاً: "إذا تحوّل الأمر إلى عادة اجتماعية مفروضة، فقد يشعر البعض بأنهم مجبرون على تقديم العيديّة بدلاً من الاستمتاع بفعل العطاء".
من جهتها، قالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان لبي بي سي: "رغم أن العيديّة تُعد تقليداً متوارثاً من المهم الحفاظ عليه، إلا أنها لا تعني الإسراف أو تحميل النفس فوق طاقتها، فيمكن أن تكون العيديّة رمزية أو بسيطة، حيث إن القيمة الحقيقية فيما تحمله العيديّة من مشاعر حب وليست في القيمة المادية فقط".
ولمعرفة أهمية العيديّة، فقد أجريتُ مقابلات مع عدد من الأطفال ضمن أعمار مختلفة وتنوعت إجاباتهم، إذ قالت رند البالغة 15 عاماً: "أنتظر العيد بفارغ الصبر لكي أحصل على العيديّة من والدي وأعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي، وأتذكر أول عيدية حصلتُ عليها كانت من خالي. والعيديّة تعني لي الكثير خاصة أنني عندما أحصلُ عليها أقومُ بتحقيق الأمور التي أرغب بها ولم أحققها من قبل".
وقالت ميرال البالغة 8 أعوام خلال حديثي معها: "أشعرُ عندما يقدم لي أحدهم العيديّة كأنها هدية وشكر لي، وتعوّدتُ أن أُقسّم العيديّة إلى جزء لشراء الأشياء التي أُحبها، وجزء آخر خاص للحصّالة التي أجمع فيها المال للمدرسة، أما الجزء المتبقي فأخصصه لأشياء البيت المهمة".
وهو ما تؤكده والدة ميرال قائلة: "عوّدتُ أبنائي على ادخار جزء من العيدية لشراء أشياء يرغبون بها وشراء ألعابهم الخاصة، إضافة إلى المساهمة في دفع رسوم معينة للمدرسة مثلاً ليشعروا بالمسؤولية".
أما عمر البالغ 15 عاماً فقال: "العيديّة تعني لي هدية تقدمها العائلة للطفل وتعبر عن المحبة والابتهاج بالعيد، وعادة ما أتلقّى العيديّة من والدي ووالدتي وأقاربائي من أعمامي وعماتي وخالاتي. وأتذكر أنه في كل عام تتغير طريقة تفكيري في إنفاق العيديّة فعندما كنتُ أصغر سناً كنت أتوجه أكثر نحو شراء الألعاب التي أشعر معها أنني أسعد شخص في العالم، والآن عندما كبرت باتت طريقتي تختلف في شراء الأشياء التي أرغب بها".
وبالنسبة إلى مروان البالغ 12عاماً فالعيديّة تعني له "المكافأة" إذ قال: "تعد العيديّة التي يقدمها لي والدي ووالدتي نوعاً من المكافأة وخاصة للطفل الذي بدأ صيام شهر رمضان، وفيها نوع من التحفيز للأبناء على الصيام. وعادة عندما أحصل على العيديّة أرغب بشراء الحلويات والألعاب والذهاب إلى مدينة الألعاب خلال العيد".
تبقى العيديّة مهما اختلفت تسمياتها عادة شائعة تنتقل من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا، ورغم الظروف الاقتصادية المتغيرة يبقى كثيرون متمسكون بهذه العادة المرتبطة بذاكرة وصورة العيد وبأجوائه وبهجته التي تعزز من أواصر المحبة بين الناس.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

إختتام دورة المقامات الصوتية بالرياض
إختتام دورة المقامات الصوتية بالرياض

الزمان

timeمنذ 4 أيام

  • الزمان

إختتام دورة المقامات الصوتية بالرياض

اختُتمت دورة 'المقامات الصوتية' التي أقيمت في 'ورث' – المعهد الملكي للفنون التقليدية بالرياض، والتي امتدت على مدار أربعة أيام من 11 إلى 14 ايار، يوميًا من الساعة الرابعة عصرًا حتى الثامنة مساءً. وقدّم الدورة المدرب المعتمد صابر المضحي، حيث تناولت الجوانب النظرية والتطبيقية لفنون المقام العربي، مع التركيز على الأداء الصوتي الأصيل في القصائد والموشحات، وكيفية توظيف المقامات الصوتية في تلاوة القرآن الكريم.وشهدت الدورة حضورًا لافتًا من المهتمين بالموسيقى التقليدية، وتخللتها نقاشات ثرية وتفاعلات مميزة. وكان من أبرز لحظاتها زيارة الدكتور سمير بن عبد الرحمن الضامر، الباحث في الدراسات الثقافية وعميد كلية الفنون الأدائية، والذي أضفى بحضوره دعمًا معنويًا كبيرًا للمشاركين. وقد تميّز المشاركون في هذه الدورة بخلفياتهم الفنية الثرية، إذ ضمّت القائمة مبدعين حازوا مراكز متقدمة في الفنون الأدائية، ومشاركين في MBC Academy، ومذيعين، وأصحاب فرق موسيقية، وفنانين يمتلكون تجارب حقيقية في المشهد الثقافي.وقد شكّل هذا التنوع بيئة حوارية متعمقة، وساهم في رفع مستوى التطبيق الفني والنقاشات داخل الورشة. وعبّر الأستاذ صابر المضحي عن سعادته بنجاح الدورة، مؤكدًا أن التفاعل الإيجابي من المشاركين يعكس شغفهم بالفنون التقليدية، ومشيرًا إلى أهمية مثل هذه البرامج في تعزيز الوعي الفني والحفاظ على التراث الموسيقي العربي.تأتي هذه الدورة ضمن برامج التعليم المستمر التي يقدمها المعهد الملكي للفنون التقليدية، بهدف إثراء المشهد الثقافي والفني في المملكة، وتوفير منصات تعليمية تفاعلية للمواهب الشابة والمهتمين بالفنون التقليدية.

السليمانية.. "مهرجان إقرأ" يكّرم حفّاظ القرآن ويمنحهم ترخيصا رسميا
السليمانية.. "مهرجان إقرأ" يكّرم حفّاظ القرآن ويمنحهم ترخيصا رسميا

شفق نيوز

time١٠-٠٥-٢٠٢٥

  • شفق نيوز

السليمانية.. "مهرجان إقرأ" يكّرم حفّاظ القرآن ويمنحهم ترخيصا رسميا

شفق نيوز/ انطلقت في محافظة السليمانية، بإقليم كوردستان، يوم السبت، فعاليات "مهرجان إقرأ"، تكريمًا لحفّاظ القرآن الكريم الذين أتموا دوراتهم تحت إشراف مدرّسين وأساتذة مؤهلين في مجال علوم القرآن. وقال المشرف على المهرجان، جليل حسن، لوكالة شفق نيوز، إنّ "21 حافظًا للقرآن الكريم تمّ تكريمهم بمنحهم شهادات رسمية تثبت إتمامهم لحفظ كتاب الله الكريم، كما تم منح 250 مشاركًا من مختلف الجنسيات تراخيص رسمية لقراءة القرآن الكريم في الجوامع والمساجد ضمن حدود محافظة السليمانية، بعد اجتيازهم برامج تأهيلية بإشراف أكاديمي وديني متكامل". وأوضح حسن أن "فعاليات المهرجان شملت عروضًا قرآنية حيّة لعدد من المشاركين، ومحاضرات دينية وتربوية حول أهمية حفظ القرآن في تعزيز القيم الأخلاقية لدى الأفراد والمجتمع، بالإضافة إلى تكريم عدد من الأساتذة والمشايخ الذين ساهموا في إعداد وتأهيل المشاركين". وأقيم المهرجان برعاية منظمة "إقرأ"، وهي منظمة مرخّصة رسميًا من قبل حكومة إقليم كوردستان، وتعمل في جميع مدن الإقليم بهدف دعم تعليم وحفظ القرآن الكريم، ورعاية وتأهيل المواهب القرآنية من جميع الفئات العمرية. وأكدت المنظمة في كلمة لها لها خلال المهرجان، أن من أبرز أهدافها هو إعداد جيل ملتزم ومتمكن من علوم القرآن، من خلال برامج تعليمية تخصصية في الحفظ والتجويد والتفسير، وذلك بالتعاون مع نخبة من المدرّسين المجازين والمؤسسات الدينية ذات العلاقة. وحمل المهرجان في نسخته الحالية شعار "نحو جيل قرآني واعٍ"، في إشارة إلى ضرورة تعزيز روح الالتزام الديني والتربوي في أوساط الشباب، وسط ترحيب كبير من قبل الأهالي والمؤسسات الدينية التي عبّرت عن دعمها لهذه الخطوة التي تسهم في ترسيخ القيم الإسلامية الصحيحة ونبذ الأفكار المتطرفة.

أكاذيب عمي عبو
أكاذيب عمي عبو

موقع كتابات

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

أكاذيب عمي عبو

ما أن وطئت قدماه أرض إحدى عمارات مدينة سيدي قاسم، حتى بدا عبو كأنه آت من كوكب آخر. فهو في الحلقة الرابعة من عمره، قصير القامة، يلبس جلبابا أنيقا يخفي بدنا ضخما مثل برميل، وتلف رأسه عمامة حلزونية 'شرقاوية'. قلة من يعرفون كيف اشتغل بوابا ومن سبب ذلك. المعلومات المتوفرة أنه من منطقة بعيدة بتخوم بوجدور، حفظ القرآن الكريم في أحد الكتاتيب القرآنية، لم يحلم يوما بمغادرة قريته، كان دائم الكذب على والده، وعلى فقيه المسيد، مما كان يعرضه 'للفلقة'و'التقرفيد'. أما عن سبب مجيئه من تخوم منطقة نائية إلى مدينة سيدي قاسم، فتلك قصة أخرى… منذ ثلاثين سنة مضت كان عبو يرعى عنزة بنية الوبر، هزيلة، هي المصدر الوحيد للحليب لدى العائلة المعوزة. في أحد الأيام غلبه النعاس فنام، وبعد سويعات أفاق مفزوعا على صوت ثغاء مشروخ، تأبط عصاه وتوغل نحو غابة قزمة متوجسا، منتظرا الأسوأ، لم يجد سوى جثة العنزة وقد مزقتها الذئاب إلى مئات القطع. جلس تحت شجرة يفكر فيما سيفعله: هل سيرجع إلى المنزل بدون العنزة؟ فلو وقف أمام والده واعترف بغفوته وتقصيره، فسيلومه أشد لوم، وسيقتله بالضرب ويسلخ جلده، الأحسن له أن يفر نحو المجهول… ارتمى عبو خلسة وراء الشاحنة، في غفلة من سائق ركنها على جنب لينتشي بتدخين سيجارة، وعندما توقفت الشاحنة للتزود بالبنزين بمحطة وقود، خرج عبو منها، واستقل أخرى مواصلا الرحلة نحو المجهول، نام في محطات القطار، وأكل من القمامة، اتسخ وأصبح: ' شماكري' يتسول الناس، يقفز، ويتشقلب، ويقوم بحركات بهلوانية أمام المقاهي وفي الساحات العمومية. عمل في البناء مدة طويلة، لذلك كان البناءون ينادونه ب' البوهالي'. دق قلبه، ذات مرة، لفتاة من بنات الليل، لف عليها مختلف الحانات، حتى أسقطها في شباكه، ثم تزوج بها، لكن بعد مدة تركته وهربت مع عشيقها:'فيدور' البار الذي كانت تصطاد فيه ذوي الرغبات المكبوتة، والغرائز البهيمية، والموز المنتصب صلابة. سرقته الأيام، فتذكر فجأة والديه وإخوته، ذهب لدواره، فوجد والده قد أقعد في كرسي متحرك، وأمه قد عميت، أما إخوته فكل واحد منهم صد إلى وجهة غير معلومة… أما عن سبب التحاقه كبواب، فلقد عمل في عمارة، أقامها مقاول بناء، أسماها:' البديعي ـ 68″. قلة من ناس المدينة من يعرفون عبد السميع البديعي، ومن أين له هذا؟ فجده البشير كان يمتلك سبعة آلاف هكتار بمنطقة نائية عن أعين المتلصصين، منحت له كمكافأة عن خدماته كباشا، كان يخرج من قصره، فيبدأ 'الطبالة' و 'الغياطة' في العزف، الشيخات يرفرفرن رقصا، ويهززن بوسطهن حزام الموزون هزا. تنتفخ أوداج الباشا، فيركب حصانا أبيض، يرقص بكل جوارحه، يزلزل التراب بسنابكه، ويتلوى أحد خدمه في شد لجام الحصان، وتوجيهه حتى يصل الى باب القيادة… ابتدأ الباشا البشير زراعة الهكتارات الخصبة الشاسعة بأشجار الزيتون، والبرتقال، والتين، ثم بنباتات وزنها يعير بالذهب حاليا، درت عليه الأموال الطائلة، وأسالت لعاب الإيبيريين. ورث عبد السميع ثروة عائلية هائلة، جعلته يعوم في مسبح عريض من البلور، ويشتري طائرة خاصة تنقل بها في كل أنحاء العالم: فإذا تناول وجبة الفطور في إقامته بحي 'كاليفورنيا' بالدار البيضاء، فإنه سيتناول وجبة الغذاء في أمستردام، ويكتفي بعشاء 'دايت' في دبي. فهو يستمتع بكل ثانية، قبل أن يباغته هادم اللذات ومفرق الجماعات. بدأ في بناء العمارات العالية، والفلل الفخمة، ثم توسع نشاط المقاولة في المدن، ليؤسس أكبر هولدينغ عقاري، فأصبح مستثمرا قويا في شراء البقع الأرضية وبنائها، وبيعها… عندما كان عبد السميع يأتي الى ورش البناء، ليراقب صهره مسير الأوراش، كان عبو يجري ليفتح له باب سيارة 'الرونج روفر'، ويرتمي ليقبل يده الجبنية المغلولة بتسبيح أبيض، فيقول له عبد السميع، ذو الوجنات الجنينية التفاحية، وهو يترك يده عنوة ليقبلها، ويقول ممتنعا بصوت جهوري: ـ أستغفر الله… ثم يدس في يده مبلغا ماليا دسما. بعد انتهاء بناء العمارة، لم يعد عبو يقوى على حمل أكياس الرمل والإسمنت الثقيلة إلى الطوابق العليا، خصوصا عندما آلمته فقرات ظهره، فأوصاه الطبيب بالابتعاد عن حمل كل ما هو ثقيل، فآثر أن يعمل بوابا في العمارة، يؤنسه جهاز راديو صغير. وبعد بضع أسابيع، توطن السكان في العمارة، فكانت زوجته الحسنية تنظف الأدراج والسطح، والشقق بمقابل مادي، أما عبو فكان يجلس على كرسي متهالك بجانب مدخل العمارة، ينصت لأخبار الساعة من مذياع صغير، ولا يغادر كرسيه إلا عندما تحدثه سيدة من السكان عبر 'الأنترفون' بأن يأتي لها بقنينة غاز، وأخرى بقارورة زيت، وثالثة بكيلو باذنجان، ورابعة بكيس ملح، وخامسة بدرهم خميرة… في بعض اللحظات تطيل الحسنية النظر إليه، وتتذكر أكاذيبه، تتذكر جيدا ذلك اليوم التعيس الذي رآها في محل بقالة عندما إفتض عذرية علبة ياغورت، وارتشفه دفعة واحدة. كانت خجولة وراء لباسها القروي، فتبعها كالظل، دس في أذنيها عسل الكلام، فاستسلمت له كريشة في مهب الريح، وبعد سنوات اكتشفت أنه كاذب من الطراز الأول، وحياته كله كذب في كذب، قال لها في أول الأمر بأنه يعمل عونا في إحدى الإدارات، ولتأكيد خداعه، كان يقوم بكراء هندام وربطة عنق، أما الحذاء فقد اشتراه من سوق الألبسة المستعملة. وأوهمها بأن عائلته تحوز أراضي لا تعد ولا تحصى، لتكتشف كذبه المتكرر، ينقض عليها في الفراش مثل انقضاض السكين على حبة العنب، وما أن ينتهي من فعلة الديك معها، حتى يتحول إلى عفريت ناقم، يكره السكن إليها، أرادت الانفصال عنه، فيقنعها ألف مرة أنه فعل ذلك بندم وأنه يعشقها، من أطول شعرة شعتاء في رأسها، إلى ظفرها المفلطح. ولا يريد أن يخسر ودها، لكن ما بيدها حيلة، فوالدها رجل مقعد وأمها تفترش الرصيف في الموقف، وأخوها عبد الجليل، إنقلب به قارب الموت قبل وصوله إلى' الإلدورادو' الإسباني. كفكفت دموعها، وكتمت حسرتها في أعماقها، أطلت عليه وهي تتمتم بكلمات مهموسة، تدعو عدالة المنتقم الجبار. اندهش نسوة العمارة أول الأمر لقصصه الجذابة وحكاياته المثيرة، فزعم أنه التقى العديد من أصناف البشر، بل زعم بأنه ذات ليلة، تحدث مع مخلوقات خضر، عيونهم كالبرقوق الأسود، هبطوا من الفضاء إلى الغابة، بلغوه سلام حضارات بعيدة، ووعدوه بالعودة إليه مرة أخرى، وأنهم سيحتلون الأرض عما قريب، وتحدث أيضا مع الجان المتقدين نارا الذين أبانوا له بعض الأسرار والخفايا، وكشف المستور… أما رجال العمارة فكانوا ينتشون بعدما يقصه عليهم، ويلتهبون شوقا وحماسا لما يرويه، كان لسانه أسرع من الريح، وأحد من شفرات السكاكين، فالطريقة المسترسلة التي كان يتحدث بها تجعل السكان مذهولين. ينصتون إليه بانبهار، محبوسي الأنفاس. فحكاياته الطويلة صبروا عليها حتى حسبوها جزءا من جدرانهم. لكن بعد ذلك، شيئا فشيئا، اكتشف السكان أن كل ما يقصد من مغامرات ومخاطرات، خاضها أو عاينها، سرعان ما أدركوا أنها لم تكن إلا محض اختلاق، وكل ما يحكيه ليس إلا من بنات أفكاره ونبع خياله. وما لم يكن يعرفونه أن عمي عبو لا يعيش إلا بالكلام، ولا ينام إلا إذا ملأ الهواء بأكاذيبه. وقف ذات يوم عند باب العمارة، وقد شبك يديه حول ظهره كحكيم يهم بالكشف عن سر خطير. وقال لسنديك العمارة، الحاج علي: ـ شكيب، زوج منال، ضبطته متلبسا يعطي المال لصبية تلميذة يهمس لها فتتفرقع بقهقهات مراهقة. عندما رآني تلعثم، وكحل بالعمى، وانسحب مطأطأ الرأس… لكن الحقيقة، كانت عكس ذلك تماما، لم يكن شكيب أستاذ الرياضيات، سوى فاعل خير، منح صدقة لفتاة، متسخة الثياب، تبيع علب مناديل، كانت ترتعد من برد الشتاء القارس. كم عانى شكيب مع زوجته من هاته الوشاية الكاذبة، وكم بدت لها الحكاية سخيفة عندما علمت الحقيقة، وكم بدت الإشاعة رهيبة وهي تخرج من فم الثعبان عبو كسم ينتشر في الشرايين. ولم تمض بضعة أيام حتى التصقت حكاية جديدة بمليكة، المرأة الطيبة الساكنة بالطابق الثاني، قال عنها عبو بنبرة من يتحدث عن مأساة: ـ تدخل الى شقتها نسوة كثر، إنها تقرأ الكف وتتنبأ بالبخت، وتستجلي القدر، وتحرق بخور 'الجاوي' و'صلبان'، وتطرطرق 'اللدون' الحامي تحت سيقانهن، فتفوح الروائح في كل زاوية من العمارة، فيا حسرة على زمن الدجالين والآفاقين! لكن مليكة لم تفعل سوى دعوة صديقاتها للسمر والحديث، والضحك الرنان على النكات المرحة، والملح المسلية، رفقة الشاي اللاهب المرقد فيه حبات التين الجاف، وأطباق حلويات 'كعب الغزال' الدسم، و'الفقاص' المعجون باللوز المجروش. لم يسلم أطفال العمارة بدورهم من ساطور لسانه، لقد أسر لرشدي، مدير مقاولة كراء السيارات، أنه رأى ياسر، والحقيبة فوق ظهره، ابن حسن الموظف الساكن بالطابق الأول، وأنه تجاوز سور أحد المنازل، وقطف البرتقال خلسة. في ذلك اليوم، كان ياسر يتألم من ذراعه المكسورة، ويعجز عن حمل حقيبته المدرسية، فكيف تسلق السور؟ فعمي عبو رأى طفلا يتجاوز السور، موليا له ظهره، فاعتقد خطأ أنه ياسر. كان صغار الحي يقتربون منه، ويصرخون في وجهه: ـ عمي بعو الكذاب. ثم يفروا كالكتاكيت، فيحمل عصا مكنسته، ويركض خلفهم، ويقول لهم: ـ وعبو، يا ولاد لحرام، ماشي بعو، الله يجعلو ياكلكم، ويهنينا من صداعكم، لعنة الله عليكم، يا'زريعة القنب'، هادوك اللي ولدوكم غير حالين فخاذهم، كيلوحكم فالشوارع ويطلقوكم، بحال فكارن البحر. هاد الشي فاش حادكين. كتخافوا ما كتحشموا. لم تبقى سلوى، الطالبة الخجولة بمنأى عن أنيابه السامة، فسرد على الزوهرة بلهجة الحكاية المثيرة: ـ رأيت سلوى مع رجل مفتول العضلات، يغطي شنبه الكث نصف وجهه! وكانت الحقيقة أبسط مما توهم: مجرد سائق طاكسي يوصلها إلى كليتها كل صباح. ولم يسلم الحيوان أيضا من فم عبو الضفدعي الكريه. جلس ذات ليلة، مع الطيب، أب الزهرة، وقال بصوت جهوري: ـ في قريتنا، عضني كلب مسعور، دعكت العضة بالليمون ورشة كمون، أقسم لك أنني عويت طيلة خمسة أيام، في تمام الثالثة صباحا، وبعدها بدأت أفهم لغة الكلاب، وكلهم خضعوا لي. ذات مرة، إبان وقت الظهيرة، غرق عبو في قيلولته المعتادة، طلع شيخ ذو لحية، وقور المحيا، الأدراج إلى أحد الشقق، وعندما جلس عبو في جانب باب العمارة، نزل الرجل بمهل شديد ، لأن عظامه واهنة، عندما خرج من الباب، تبعته منال فتقدم منها وهمس لها: ـ لم أرصد دخول هذا الشيخ، ربما طلع إلى مليكة، فوجنتاه أحمران، ربما قد شعشعته الخمرة لديها و… لم يكمل الحديث، حتى أمسكت منال بياقة جلبابه المتسخ، وقالت له وهي تصرخ: ـ كفى من الخوض في أعراض الناس، يا مريض، ذاك الرجل الوقور والدي أحمد، كفى… كفى… وبعد أن ضيق عليه السكان الخناق بأكاذيبه، لم يلبث إلا أن لاذ بالصمت، وسرعان ما بدأ يراوغ ويتملص من الإجابة عن أسئلتهم، ممتقع الوجه، وقد تصبب عرقا. كأنه عوقب على بهتانه. دافع عن ترهاته بحرارة وانفعال. أثبتوا له كذب ما قاله، وأن كل رواياته مختلقة من أساسه. أمام إصرار جميع سكان العمارة، قال لهم في تحد أخير: ـ ما فيكم خير، كلكم تنعتون شهر أبريل بالكذب، بينما كلكم كاذبون أكثر من أبريل، حسبي الله ونعم الوكيل! رحل عمي عبو وحيدا كما جاء، بعدما طلق زوجته الحسنية، التي لم تطق العيش معه وتحمل المزيد معه، لم يودع عبو أحدا لأنه غادر في جنح الظلام. وترك خلفه هواء معبقا بالأسى، وأحاديث لا تنتهي. مرت الأيام، تغيرت وجوه الناس، وتبدلت أبواب الشقق، سار ياسر شابا يافعا،. وذات يوم، بينما كان يقطع شارعا خلفيا، لمح عمي عبو جالسا بكرسي حديدي صدئ بحديقة شارع محمد الخامس، يطعم هريرة شاردة. اقترب ياسر منه، و أمعن النظر فيه، لقد كبر في السن، وتقوس ظهره، وغارت عيناه، فقال له ياسر: ـ ألا زلت تحكي تلك الأكاذيب يا عمي عبو؟ ضحك وقال بنبرة ضعيفة: ـ لقد هجرتني القصص والأقاويل كما هجرني الناس. ثم سكت وواصل الحديث:

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store