أحدث الأخبار مع #الفاطميين


الشرق السعودية
منذ 7 أيام
- منوعات
- الشرق السعودية
"بيوت القاهرة".. طبقات من التاريخ وحكايات الحجر
من أجل كتابة التاريخ، يختار البعض سِير الحكّام والسلاطين، ويذهب البعض لروايته بألسن الناس، وآخرون يستنطقون الحجر، ويجدون العمارة دليلاً صادقاً على الرواية. في كتاب "بيوت القاهرة ترحال في حكايا الحجر"، الصادر عن دار المعارف بالتعاون مع مبادرة "سيرة القاهرة"، ترصد الباحثة ياسمين عبدالله تاريخ العاصمة المصرية، من خلال بيوتها التاريخية المنتشرة في الحواري والأزقّة القديمة. تقف القاهرة فوق طبقات تاريخية متعددة، لذلك قدّم الكتاب توضيحاً لبداية ظهور العاصمة التي أنشأها القائد جوهر الصقلي، لتكون مركزاً لحكم الفاطميين، ومقراً لإقامة الحاكم المعز لدين الله الفاطمي. فمع بداية الفتح الإسلامي، انتقلت عاصمة مصر من الإسكندرية إلى الفسطاط، المكان الأول الذي نزل فيه القائد عمرو بن العاص. وبمرور الوقت، نشأت مدينة العسكر، وبعدها القطائع العاصمة التي أنشأها أحمد بن طولون، على غرار سامراء العراقية. حريق الفسطاط كانت بيوت الفسطاط قريبة للبيوت الشامية والبغدادية، يصل علوّها إلى خمسة أدوار، لكن معالمها اندثرت بعد الحريق الذي اندلع فيها، وأدى إلى اتجاه سكانها لبناء بيوتهم خارج أسوار القاهرة، عاصمة الفاطميين، الذين جعلوها مدينة مغلقة خاصة بعلية القوم، يفصلهم عما حولهم أسوار عددها تسعة. يذكر الكتاب أن جوهر الصقلي خطّط المدينة بحيث تقع قصور الخلافة في مركزها، فبنى قصر الخلافة الشرقي الكبير، ليسكن فيه الخليفة الفاطمي المُعز لدين الله، ثم القصر الغربي؛ وبهذا يكون القصران داراً للخلافة، وبينهما العديد من السراديب والممرات السرية، التي يُقال إنها واسعة لدرجة أن الخليفة كان يمشي فيها بفرسه، من دون أن يضطر للظهور علناً، وقد تحوّلت تلك السراديب لاحقاً إلى ممرّات للصرف الصحي. يضمّ القصر الكبير 12 قصراً أهمها قصر الذهب، وفيه سرير المُلك، وهو العرش الذي يجلس عليه الخليفة، لكن هذه القصور تعرّضت للدمار، ولم يتبق منها غير بعض الآثار في متحف الفن الإسلامي. أسوار القاهرة لم يسمح الفاطميون للعامة بالحياة داخل أسوار القاهرة، التي كانت مدينة الصفوة، لكن بانتهاء حكمهم ودخول الأيوبيين مصر، تم السماح لهم بالبناء داخل أسوار القاهرة. وتشير الباحثة ياسمين عبدالله، إلى أن الأيوبيين لم يقدّموا إرثاً عمرانياً في القاهرة، كالذي تركه الفاطميون، بسبب انشغالهم بالحروب الصليبية، وكل ما تبقى من العمارة الأيوبية، هي القلعة وبعض المدارس والقباب الضريحية، لكن قرارهم السماح بالبناء داخل أسوار القاهرة غيّر معالمها؛ إذ جرى هدم الكثير من القصور، وتحوّل بعضها لبيوت فخمة، لكن أصغر حجماً، وتشعّبت من شوارعها الأزقّة والحارات، وأشهرها حتى اليوم حارة برجوان. المماليك.. شغف بالفن والعمارة يتتبع الكتاب الطبقات التاريخية التي مرّت على القاهرة، ويرى مؤلفها المدينة مثل البيت الكبير الذي يزداد اتساعاً كل يوم، ليضم أطيافاً مختلفة من كل بقاع الأرض؛ فبعد الأيوبيين، حكم مصر المماليك الذين عُرفوا بعشقهم للجمال والفن والعمارة، بقدر حبهم للحروب والمؤامرات. وحتى اليوم بقيت آثارهم خاصة في منطقة القاهرة الفاطمية، أو ما نُطلق عليه الآن شارع المعز، الذي يضم المدارس والجوامع والحمامات والقباب الضريحية، فضلاً عن بيوت الأمراء وتجارة الذهب والنحاس والخيامية. ويتضح من خلال ذلك، أن القاهرة لم تعد مدينة الصفوة الحاكمة فحسب، لكنها أصبحت تضم التجار والمتعلمين، والحرفيين والصنّاع، والفقراء ومن لا يملكون قوت اليوم، الذين تمتعوا برعاية سلاطين المماليك، مثل بيبرس البندقداري، الذي أمر بجمع أصحاب العاهات، والمتسوّلين ووضعهم بخان السبيل، قبل أن يأمر بنقلهم إلى الفيوم، وأوقف بلدة كاملة لإعالتهم. داخل هذه المدينة بدأت تظهر الطبقات الاجتماعية واختلاف سكن كل منها؛ فالبيوت يسكنها التجار والأغنياء والمتعلمين المقربين من السلطان، أما الناس العاديين، فسكنت الأرباع (مفردها ربع)، وهو بناء مستطيل يُشبه العمارات السكنية في عصرنا، ويحتوي على غرف سكنية ضيّقة ومدخل واحد للجميع، وكانت تسكنه الأسر والأفراد، لكن قبل ذلك كان الربع مخصصاً لسكن أصحاب الحِرف، وأحياناً العابرين بالقاهرة كالتجار. أحد الأشكال المعمارية التي عاش فيها سكان مصر أيضاً، كانت الأحواش، وغالباً ما كانت تقع على أطراف المدن، ويسكنها الفقراء، وهي عبارة عن مساحة مفتوحة حولها صفوف من الحجرات. التكية للمتصوفين كذلك ظهرت التكية، وهي المكان الذي ينقطع فيه المتصوّف للعبادة، ولها تخطيط خاص قريب الشبه بتخطيط المدارس والمساجد المملوكية، والوكالات وهي الفنادق قديماً، وكان أغلبها يضم محلات على واجهتها الخارجية، يعرض فيها التجار بضاعتهم التي جاءوا بها من الخارج. البيوت المملوكية سكن سلاطين المماليك قلعة صلاح الدين، وبنى أمراؤهم بيوتاً أصبح ما بقي منها نموذجاً للإبداع المعماري، وأشار الكتاب إلى عدد من هذه البيوت التي لا تزال موجودة حتى اليوم، ومنها قصر الأمير بشتاك. كان بشتاك قبل قدومه إلى مصر بائعاً للخمر، لكنه كان شديد الشبه بأبي سعيد، خان مغول فارس، وكانت المفارقة أن السلطان الناصر كان قد طلب من تاجر الرقيق السلطاني، مجد السلامي، أن يشتري له مملوكاً يُشبه أبا سعيداً، وهكذا جاء مصر، وأعتقه السلطان الناصر، وعندما أراد أن يبني قصراً اشترى المنازل المجاورة للمساحة المخصصة له، وهدم 11 مسجداً و4 معابد، وشيّد قصراً عظيماً، لكن المفارقة أنه شعر بكرهه، وكان صدره ينقبض كلما نزل به. يقول المؤرخ المقريزي كما ورد في الكتاب: "لم يُبارك له في القصر، ولا تمتع به". وكان القصر مؤلفاً من 3 طوابق، تتوزع في الطابق الأرضي إسطبلات الخيل ومخازن الغلال وغرف الخدم، وفي الطابق الثاني قاعة احتفالات، أما الثالث فهو طابق الحريم. قصر الأمير طاز تبعاً لكتاب "بيوت القاهرة"، فهو القصر الوحيد الباقي وشبه الكامل من قصور أمراء المماليك، وهو قصر مهيب في شارع السيوفية، تمتد جدرانه الحجرية، وتقطعه بعض الدكاكين التي أضيفت إليه لاحقاً، وتقود بوابته الرئيسية إلى فناء مربع ثم رئيسي، يضم مقعد الأمير بسقفه الخشبي، ويلفّه شريط مكتوب عليه الآيات الخمس الأولى من سورة الفتح، كما يضم الفناء إسطبلات الخيل ونافورة دائرية كبيرة، تحوّلت الآن إلى مساحة مزروعة بالنخيل. بيت الرزاز عام 1480 قرّر السلطان قايتباي إنشاء دار في المسافة الفاصلة بين القلعة وباب زويلة، ولا تزال جدران الدار تحمل اسم السلطان في شريط يُزين مدخل القاعة المُطلة على الفناء. عام 1778م، جدّد الأمير أحمد كتخدا الرزاز الدار، وحمل البيت اسمه حتى اليوم. وتجد الكاتبة ياسمين عبدالله أن حكاية بيت الرزاز مثيرة للأمل؛ فالأمير أحمد كان حفيداً لأمير تركي يدعى خليل أغا، استطاع إقناع مُلاك مزارع الأرز، بتخصيص جزء من المحصول كضريبة، وكان السلطان يأخذ نصيباً منها، والجزء الآخر يذهب إلى خليل آغا، الذي سطع نجمه، وأصبح من المُقرّبين، ومُنح مع الأموال دار قايتباي ليؤسس فيها عائلته. ومع التجديدات التي قام بها الحفيد، أصبح البيت ضخماً يضم فناءين ونحو 195 غرفة، ما بين سلاملك وحرملك وغرف للخدم والخدمات، وإسطبل، وحمامات. بيت الكريتلية عام 1540، بنى المعلم عبد القادر الحداد بيتاً على الطراز المملوكي، يتألف من ثلاثة طوابق، بجانب مسجد أحمد بن طولون الشهير، وبمرور الوقت، انتقلت ملكيته لتصل إلى السيدة آمنة بنت سالم. عام 1631، تمّ بناء بيت آخر بجانبه على الطراز نفسه، على يد الحاجة محمد بن سالم جلمار الجزار، وانتقلت بعدها ملكيته لسيدة من جزيرة جريت تدعى زنوبة، بعدها كان البيتان سيتعرضان للهدم، لولا جهود لجنة الآثار العربية، التي أوقفت الهدم ونزعت ملكيتهما. عام 1930، عرض ضابط إنجليزي يسمى مراد جاير أندرسون على لجنة الآثار العربية، استئجار البيتين ليسكن بهما، ويضع مقتنياته التي جمعها خلال أسفاره المتعددة، على أن يترك المنزل بالمقتنيات هدية لمصر بعد وفاته. وبالفعل صدر قرار بتحويل البيتين إلى متحف يحمل اسم جاير أندرسون، أو بيت الكريتلية حتى اليوم. يؤكد الكتاب أن تفرّد البيوت القاهرية، لا يعود للعناصر المعمارية التي تجعله من الخارج والداخل أشبه بقلعة متناغمة الجمال، وإنما بقدرته على رعاية خصوصية سكانه أيضاً، بداية من المدخل المنكسر الذي يحفظ حرمة الدار، وثقافة المقعد الذي يجلس فيه أهل الدار، والسلاملك لاستقبال الضيوف الرجال، وحتى المساحات المزروعة والحمامات الخاصة.


الوسط
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوسط
ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟
Getty Images ينتظر الأطفال والشباب مع بداية أيام عيد الفطر ما يُعرف بـ "العيديّة"، التي توزع عليهم ممن يكبرهم عمراً وخاصة من الآباء والأمهات والأقرباء وفق ما اعتاد عليه كثيرون، وكذا ينتظرون هذه العيديّة في عيد الأضحى، بحسب الطقوس الدينية لدى المسلمين حول العالم. لكن ما هو الأصل التاريخي للعيديّة، وكيف ظهرت، ومتى بدأت قصتها؟ تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن كلمة "عيديّة" مشتقة من كلمة "عيد" والتي تعني "المنح والعطاء" وهو لفظ اصطلح على تسميته بين الناس. وأشارت هذه الروايات إلى أن العيديّة ظهرت في العصر الفاطمي في مصر أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إذ كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وكان للعيدية أسماء مختلفة مثل "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، وهدايا ونقود للأطفال. Getty Images العصر الفاطمي "مولد العيدية" بحسب مؤرخي العصر الفاطمي، كالأمير عزّ الملك المسبحي، وتقيّ الدين المقريزي، نجد تفصيلاً لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن تلك الطقوس كانت "العيديّة"، التي ظهرت آنذاك لأول مرة كهبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي أراد حينها أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدأ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة التي كانت تُصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد. وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغاً مقداره نحو عشرين ألف دينار ذهبي، يتم توزيعها على رجال الدولة وعامة الرعيّة. أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد خلال حديثه لبي بي سي: "إن معظم الاحتفالات الدينية تعود بنسبة كبيرة جداً إلى العصر الفاطمي في مصر، وكان العالم الإسلامي يحتفل بمناسبتين مهمتين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعندما جاء الفاطميون إلى مصر أضافوا كثيراً من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ففكرة العيديّة بالمصطلح الحالي لم تكن موجودة ولكن إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية سنجد أنه عندما يبدأ رمضان كان أرباب الرُتب والخدم وجميع الناس المحيطين بالخليفة ولكل من نساء الخليفة وأبنائه يُقدّم طبقٌ مكون من حلوى بوسطه (صُرّة) من ذهب، وكذلك كان أهل الدولة ينالون من الحب جانباً فكانت هذه هي (التوسعة) التي تتم في العصر الفاطمي". وأضاف: "إن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة دار الفطرة بمناسبة العيد وتفرقة الفطرة (الكعك وما شابه) وتفرقة الكسوة (توزيعها) وعمل الأسمطة (وهي عبارة عن مائدة الطعام التي كانت تُمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) التي تُجهز في أول أيام العيد وتُوزّع على الناس". فقد عُرف عن الفاطميين هذا التقليد الذي كانوا يدْعونه باسمه المعروف اليوم "العيديّة"؛ كما كان الخليفة في ذلك الوقت يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقُرّاء والمؤذّنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد. ويبدو أنه حتى الملوك كانوا يتلقون "عيديّات" بلَبوس هدايا في الأعياد يقدمها رجالات بلاطهم؛ فهذا ابن دحية (633هـ/1235م) يخبرنا- في كتاب (المُطرب) أنه "أهدى الناس في يوم عيد إلى السلطان المعتمد ابن عباد (488هـ/1095م) مما يُهدَى للملوك في الأعياد". لذلك ظهرت "العيديّة" بشكلها الأولي على ما عُرف في ذلك العصر بـ "التوسعة" كمبلغ مالي يُوزَّع بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على من أتى من عامة الناس للمعايدة. Getty Images من "التوسعة" إلى "الجامكيّة" في العصر المملوكي بدأت العيديّة تأخذ الشكل الرسمي في العصر المملوكي، والتي عُرفت حينها بـ "الجامكيّة"، إذ كانت تُوزّع على الكبار والصغار، ولم تكن مخصصة للأطفال فحسب. وكانت "الجامكيّة" عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمُرتّب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين. و"الجامكيّة" كلمة مشتقة من "الجامة" وهي مفردة تركية تعني الثوب واللباس، ويقصد بـ"الجامكيّة" المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد. Getty Images كيف اختلفت "العيدية" في العصر العثماني؟ اتخذت العيديّة في العصر العثماني شكلاً مختلفاً، إذ تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبية بين الناس يقومون بأدائها فيما بينهم ولم تعد مبلغاً مالياً يُصرف من الدولة. باتت العيدية عادة اجتماعية للتعبير عن الفرح والبهجة، ونوعاً من التكافل الاجتماعي. وارتبطت بشكل أكبر بطقوس العيد، فلم تكن مقتصرة على توزيع مبالغ مالية فقط، بل ارتبطت بأشكال الهدايا المختلفة كالطعام والملابس وغيرها. ومع تطور العصور، تغيّر شكل العيدية، لتستقر على نقود تُوزّع على أفراد العائلة الواحدة، وتختلف حسب الفئة العمرية. Getty Images كيف تطور شكل "العيديّة" في العصر الحديث؟ مع نهايات حقبة العصر العثماني ودخولنا إلى حقبة جديدة بات شكل العيديّة كما هو معروف عليه اليوم، إذ أصبح رب العائلة والأبناء الأكبر سناً هم من يوزعونها بشكلها النقدي على الأطفال بشكل خاص، ومن ثم تأتي الأم والزوجة والبنات الأكبر سناً، وفق بعض المجتمعات. وباتت العيديّة لدى الأطفال تحديداً مبعث سعادة وبهجة ومباهاة فيما بينهم ومقترنة بذلك المبلغ الذي يحصلون عليه سواء من الوالدين أو الأقارب. وعلى الرغم من شمول العيديّة لأشكال متنوعة من الهدايا كالألعاب والحلوى والملابس، إلا أنها أصبحت تُطلق على المبلغ المالي الذي ينتظره كثيرون لينالوا حظهم منه. وللعيديّة تسميات عدة في الدول العربية في الوقت الحالي، ففي الأردن وسوريا والعراق والكويت ومصر تعرف بـ "العيديّة"، بينما يُطلق عليها فى بعض الدول كسلطنة عُمان اسم "العيّود"، وتحمل تسميات مختلفة في مناطق بالسعودية منها "الحوامة" أو "الخبازة" أو "الحقاقة" أو "القرقيعان" في المنطقة الشرقية. في حين يُطلق عليها في بعض دول المغرب العربي ومنها تونس اسم "مَهْبَة العيد" وفي المغرب يطلقون عليها اسم "فلوس العيد". Getty Images ما علاقة "الأوكسيتوسين" بـ"العيديّة"؟ مع مرور الزمن، أصبحت العيديّة جزءاً لا يتجزأ من احتفالات الأعياد في المجتمعات العربية والإسلامية، لكن هل لها أبعاد نفسية على من يتلقّاها، ومن يعطيها أيضاً؟ تجيب الاختصاصية النفسية والأسرية الدكتورة نهاية الريماوي عن ذلك خلال حديثها لبي بي سي قائلة: "إن العيديّة دليل على المحبة، وبالتالي من الناحية العلمية ترفع نسبة الناقل المعصبي المعروف باسم (أوكسيتوسين) المسؤول عن الحب والمودة والعلاقات الإيجابية، فوجود العيديّة يأتي من منطلق التعبير عن الحب والذي يكون أحد أشكاله العطاء المادي أحياناً، وبالتالي تؤثر على بناء العلاقات وتُشعر الشخص بوجود السند. كما أن لها مدلولاً روحانياً يرتبط بالجانب النفسي، إذ تعزز مبدأ صلة الرحم بين الأفراد". وحول مدى تأثيرها على نفسية الأطفال باعتبارهم "الرابح الأكبر والأكثر حظاً" في تلقي العيديّة، فقد أوضحت الأخصائية ذلك بقولها: "عادة ما يبحث الأطفال عن الشعور بوجودهم وبالتقدير والانتماء، فعند تقديم العيديّة للطفل نُعزز لديه ذلك الشعور بالتقدير والثقة بالنفس، وبالتالي يتحقق لديه التوازن النفسي. كما أن فكرة الامتلاك، كمبلغ مالي بالنسبة للأطفال، تعزز لديهم الشعور بالمسؤولية بشراء أو اقتناء ما يرغبون فيه وتحقيق الغايات أو الأهداف التي يمكن أن تُحقّق مادياً". وأضافت: "تعد العيديّة سواء لصغار السن أو حتى كبار السن، بمثابة تعزيز لسلوكيات تتمثل في العطاء والتعاطف ووسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي سلوكيات مهمة لتحقيق الصحة النفسية للأفراد". وهو ما تتوافق عليه أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان في حديثها لبي بي سي قائلة: "تعد العيديّة من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد، ومن العادات والتقاليد المتوارثة التي تُدخل الفرح والسرور على الأطفال ولها تأثير إيجابي على نفسيتهم، إذ تزيد من إفراز هرمون السعادة لديهم، مما ينعكس إيجابياً على سلوكهم ويُشعرهم بالاستقرار النفسي الذي يساعد بدوره في تنمية قدراتهم وتحصيلهم الدراسي. كما أن العيديّة لا تُدخل السرور فقط على مُتلقّيها بل كذلك تُدخل السرور على معطيها". وتضيف: "إنها فرصة لتعليم الأطفال فكرة العطاء وقيمة الادخار وكيفية الاستفادة من العيديّات". وهو الأمر الذي أكده استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون خلال حواره مع بي بي سي قائلاً: "إن العيديّة تمنح الطفل فرصة لفهم قيمة المال واتخاذ قرارات بشأن الإنفاق أو التوفير، مما يساعده في بناء مهارات لديه بشأن استخدام المال والتصرف به، إذ إن امتلاك الطفل للمال يُشعره بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، ولو بشكل بسيط". وأوضحت أستاذة علم الاجتماع أن العيديّة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بقولها: "من الجدير بالذكر أن العيديّة ليست للأطفال فقط، فعيديّة الزوج لزوجته تؤلف ما بين قلبيهما ولها وقع السحر على قلب الزوجة، مما يُشعرها بأنها ما زالت طفلته المدللة وحبيبته، كما تعمل العيديّة على تخفيف التوتر ومحو أي أثر للمشاكل أو الخلافات فيما بينهما". وتضيف: "عيديّة الأبناء للآباء وخاصة إن كانوا كباراً في السن، تجعلهم يشعرون ببر أبنائهم وتقديرهم وحبهم لهم. كما أن العيديّة يمكن أن تُعطى لأي شخص سواء أخ أو أخت أو صديق ممن تشاء أن تُدخل السرور إلى نفسه". Getty Images لكن، هل يمكن أن يكون للعيدية آثار نفسية سلبية؟ استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون أجاب عن هذا السؤال قائلاً: "الربط (الشرطي) بين المال والسعادة، بحيث يربط الطفل سعادته وفرحته بالعيد فقط عند حصوله على المال، قد يُفقد الطفل الاهتمام بالجانب الديني والروحي والاجتماعي للعيد. كما أن المقارنات بمبلغ العيديّة بين الأطفال قد يُشعر بعضهم بالإحباط أو الغيرة، خاصة إذا حصلوا على مبلغ أقل من إخوتهم أو أصدقائهم". وأضاف: "قد يشعر البعض ممن يعطي ويقدم العيديّة بالضغط المادي خاصة إذا كان يمر بظروف مالية صعبة، فقد يشعر بالقلق أو الإحراج بسبب عدم قدرته على تقديم عيديّة بقيمة كبيرة أو عند مقارنة ما يقدمه بالآخرين، وهو ما يتسبب بأضرار نفسية سلبية بالنسبة له". موضحاً: "إذا تحوّل الأمر إلى عادة اجتماعية مفروضة، فقد يشعر البعض بأنهم مجبرون على تقديم العيديّة بدلاً من الاستمتاع بفعل العطاء". من جهتها، قالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان لبي بي سي: "رغم أن العيديّة تُعد تقليداً متوارثاً من المهم الحفاظ عليه، إلا أنها لا تعني الإسراف أو تحميل النفس فوق طاقتها، فيمكن أن تكون العيديّة رمزية أو بسيطة، حيث إن القيمة الحقيقية فيما تحمله العيديّة من مشاعر حب وليست في القيمة المادية فقط". Getty Images ولمعرفة أهمية العيديّة، فقد أجريتُ مقابلات مع عدد من الأطفال ضمن أعمار مختلفة وتنوعت إجاباتهم، إذ قالت رند البالغة 15 عاماً: "أنتظر العيد بفارغ الصبر لكي أحصل على العيديّة من والدي وأعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي، وأتذكر أول عيدية حصلتُ عليها كانت من خالي. والعيديّة تعني لي الكثير خاصة أنني عندما أحصلُ عليها أقومُ بتحقيق الأمور التي أرغب بها ولم أحققها من قبل". وقالت ميرال البالغة 8 أعوام خلال حديثي معها: "أشعرُ عندما يقدم لي أحدهم العيديّة كأنها هدية وشكر لي، وتعوّدتُ أن أُقسّم العيديّة إلى جزء لشراء الأشياء التي أُحبها، وجزء آخر خاص للحصّالة التي أجمع فيها المال للمدرسة، أما الجزء المتبقي فأخصصه لأشياء البيت المهمة". وهو ما تؤكده والدة ميرال قائلة: "عوّدتُ أبنائي على ادخار جزء من العيدية لشراء أشياء يرغبون بها وشراء ألعابهم الخاصة، إضافة إلى المساهمة في دفع رسوم معينة للمدرسة مثلاً ليشعروا بالمسؤولية". أما عمر البالغ 15 عاماً فقال: "العيديّة تعني لي هدية تقدمها العائلة للطفل وتعبر عن المحبة والابتهاج بالعيد، وعادة ما أتلقّى العيديّة من والدي ووالدتي وأقاربائي من أعمامي وعماتي وخالاتي. وأتذكر أنه في كل عام تتغير طريقة تفكيري في إنفاق العيديّة فعندما كنتُ أصغر سناً كنت أتوجه أكثر نحو شراء الألعاب التي أشعر معها أنني أسعد شخص في العالم، والآن عندما كبرت باتت طريقتي تختلف في شراء الأشياء التي أرغب بها". وبالنسبة إلى مروان البالغ 12عاماً فالعيديّة تعني له "المكافأة" إذ قال: "تعد العيديّة التي يقدمها لي والدي ووالدتي نوعاً من المكافأة وخاصة للطفل الذي بدأ صيام شهر رمضان، وفيها نوع من التحفيز للأبناء على الصيام. وعادة عندما أحصل على العيديّة أرغب بشراء الحلويات والألعاب والذهاب إلى مدينة الألعاب خلال العيد". تبقى العيديّة مهما اختلفت تسمياتها عادة شائعة تنتقل من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا، ورغم الظروف الاقتصادية المتغيرة يبقى كثيرون متمسكون بهذه العادة المرتبطة بذاكرة وصورة العيد وبأجوائه وبهجته التي تعزز من أواصر المحبة بين الناس.


شفق نيوز
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- شفق نيوز
ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟
ينتظر الأطفال والشباب مع بداية أيام عيد الفطر ما يُعرف بـ "العيديّة"، التي توزع عليهم ممن يكبرهم عمراً وخاصة من الآباء والأمهات والأقرباء وفق ما اعتاد عليه كثيرون، وكذا ينتظرون هذه العيديّة في عيد الأضحى، بحسب الطقوس الدينية لدى المسلمين حول العالم. لكن ما هو الأصل التاريخي للعيديّة، وكيف ظهرت، ومتى بدأت قصتها؟ تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن كلمة "عيديّة" مشتقة من كلمة "عيد" والتي تعني "المنح والعطاء" وهو لفظ اصطلح على تسميته بين الناس. وأشارت هذه الروايات إلى أن العيديّة ظهرت في العصر الفاطمي في مصر أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إذ كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وكان للعيدية أسماء مختلفة مثل "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، وهدايا ونقود للأطفال. العصر الفاطمي "مولد العيدية" بحسب مؤرخي العصر الفاطمي، كالأمير عزّ الملك المسبحي، وتقيّ الدين المقريزي، نجد تفصيلاً لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن تلك الطقوس كانت "العيديّة"، التي ظهرت آنذاك لأول مرة كهبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي أراد حينها أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدأ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة التي كانت تُصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد. وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغاً مقداره نحو عشرين ألف دينار ذهبي، يتم توزيعها على رجال الدولة وعامة الرعيّة. أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد خلال حديثه لبي بي سي: "إن معظم الاحتفالات الدينية تعود بنسبة كبيرة جداً إلى العصر الفاطمي في مصر، وكان العالم الإسلامي يحتفل بمناسبتين مهمتين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعندما جاء الفاطميون إلى مصر أضافوا كثيراً من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ففكرة العيديّة بالمصطلح الحالي لم تكن موجودة ولكن إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية سنجد أنه عندما يبدأ رمضان كان أرباب الرُتب والخدم وجميع الناس المحيطين بالخليفة ولكل من نساء الخليفة وأبنائه يُقدّم طبقٌ مكون من حلوى بوسطه (صُرّة) من ذهب، وكذلك كان أهل الدولة ينالون من الحب جانباً فكانت هذه هي (التوسعة) التي تتم في العصر الفاطمي". وأضاف: "إن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة دار الفطرة بمناسبة العيد وتفرقة الفطرة (الكعك وما شابه) وتفرقة الكسوة (توزيعها) وعمل الأسمطة (وهي عبارة عن مائدة الطعام التي كانت تُمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) التي تُجهز في أول أيام العيد وتُوزّع على الناس". فقد عُرف عن الفاطميين هذا التقليد الذي كانوا يدْعونه باسمه المعروف اليوم "العيديّة"؛ كما كان الخليفة في ذلك الوقت يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقُرّاء والمؤذّنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد. ويبدو أنه حتى الملوك كانوا يتلقون "عيديّات" بلَبوس هدايا في الأعياد يقدمها رجالات بلاطهم؛ فهذا ابن دحية (633هـ/1235م) يخبرنا- في كتاب (المُطرب) أنه "أهدى الناس في يوم عيد إلى السلطان المعتمد ابن عباد (488هـ/1095م) مما يُهدَى للملوك في الأعياد". لذلك ظهرت "العيديّة" بشكلها الأولي على ما عُرف في ذلك العصر بـ "التوسعة" كمبلغ مالي يُوزَّع بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على من أتى من عامة الناس للمعايدة. من "التوسعة" إلى "الجامكيّة" في العصر المملوكي بدأت العيديّة تأخذ الشكل الرسمي في العصر المملوكي، والتي عُرفت حينها بـ "الجامكيّة"، إذ كانت تُوزّع على الكبار والصغار، ولم تكن مخصصة للأطفال فحسب. وكانت "الجامكيّة" عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمُرتّب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين. و"الجامكيّة" كلمة مشتقة من "الجامة" وهي مفردة تركية تعني الثوب واللباس، ويقصد بـ"الجامكيّة" المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد. كيف اختلفت "العيدية" في العصر العثماني؟ اتخذت العيديّة في العصر العثماني شكلاً مختلفاً، إذ تحوّلت إلى ثقافة وعادة شعبية بين الناس يقومون بأدائها فيما بينهم ولم تعد مبلغاً مالياً يُصرف من الدولة. باتت العيدية عادة اجتماعية للتعبير عن الفرح والبهجة، ونوعاً من التكافل الاجتماعي. وارتبطت بشكل أكبر بطقوس العيد، فلم تكن مقتصرة على توزيع مبالغ مالية فقط، بل ارتبطت بأشكال الهدايا المختلفة كالطعام والملابس وغيرها. ومع تطور العصور، تغيّر شكل العيدية، لتستقر على نقود تُوزّع على أفراد العائلة الواحدة، وتختلف حسب الفئة العمرية. كيف تطور شكل "العيديّة" في العصر الحديث؟ مع نهايات حقبة العصر العثماني ودخولنا إلى حقبة جديدة بات شكل العيديّة كما هو معروف عليه اليوم، إذ أصبح رب العائلة والأبناء الأكبر سناً هم من يوزعونها بشكلها النقدي على الأطفال بشكل خاص، ومن ثم تأتي الأم والزوجة والبنات الأكبر سناً، وفق بعض المجتمعات. وباتت العيديّة لدى الأطفال تحديداً مبعث سعادة وبهجة ومباهاة فيما بينهم ومقترنة بذلك المبلغ الذي يحصلون عليه سواء من الوالدين أو الأقارب. وعلى الرغم من شمول العيديّة لأشكال متنوعة من الهدايا كالألعاب والحلوى والملابس، إلا أنها أصبحت تُطلق على المبلغ المالي الذي ينتظره كثيرون لينالوا حظهم منه. وللعيديّة تسميات عدة في الدول العربية في الوقت الحالي، ففي الأردن وسوريا والعراق والكويت ومصر تعرف بـ "العيديّة"، بينما يُطلق عليها فى بعض الدول كسلطنة عُمان اسم "العيّود"، وتحمل تسميات مختلفة في مناطق بالسعودية منها "الحوامة" أو "الخبازة" أو "الحقاقة" أو "القرقيعان" في المنطقة الشرقية. في حين يُطلق عليها في بعض دول المغرب العربي ومنها تونس اسم "مَهْبَة العيد" وفي المغرب يطلقون عليها اسم "فلوس العيد". مع مرور الزمن، أصبحت العيديّة جزءاً لا يتجزأ من احتفالات الأعياد في المجتمعات العربية والإسلامية، لكن هل لها أبعاد نفسية على من يتلقّاها، ومن يعطيها أيضاً؟ تجيب الاختصاصية النفسية والأسرية الدكتورة نهاية الريماوي عن ذلك خلال حديثها لبي بي سي قائلة: "إن العيديّة دليل على المحبة، وبالتالي من الناحية العلمية ترفع نسبة الناقل المعصبي المعروف باسم (أوكسيتوسين) المسؤول عن الحب والمودة والعلاقات الإيجابية، فوجود العيديّة يأتي من منطلق التعبير عن الحب والذي يكون أحد أشكاله العطاء المادي أحياناً، وبالتالي تؤثر على بناء العلاقات وتُشعر الشخص بوجود السند. كما أن لها مدلولاً روحانياً يرتبط بالجانب النفسي، إذ تعزز مبدأ صلة الرحم بين الأفراد". وحول مدى تأثيرها على نفسية الأطفال باعتبارهم "الرابح الأكبر والأكثر حظاً" في تلقي العيديّة، فقد أوضحت الأخصائية ذلك بقولها: "عادة ما يبحث الأطفال عن الشعور بوجودهم وبالتقدير والانتماء، فعند تقديم العيديّة للطفل نُعزز لديه ذلك الشعور بالتقدير والثقة بالنفس، وبالتالي يتحقق لديه التوازن النفسي. كما أن فكرة الامتلاك، كمبلغ مالي بالنسبة للأطفال، تعزز لديهم الشعور بالمسؤولية بشراء أو اقتناء ما يرغبون فيه وتحقيق الغايات أو الأهداف التي يمكن أن تُحقّق مادياً". وأضافت: "تعد العيديّة سواء لصغار السن أو حتى كبار السن، بمثابة تعزيز لسلوكيات تتمثل في العطاء والتعاطف ووسيلة للتعبير عن المشاعر، وهي سلوكيات مهمة لتحقيق الصحة النفسية للأفراد". وهو ما تتوافق عليه أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان في حديثها لبي بي سي قائلة: "تعد العيديّة من أهم مظاهر الاحتفال بالعيد، ومن العادات والتقاليد المتوارثة التي تُدخل الفرح والسرور على الأطفال ولها تأثير إيجابي على نفسيتهم، إذ تزيد من إفراز هرمون السعادة لديهم، مما ينعكس إيجابياً على سلوكهم ويُشعرهم بالاستقرار النفسي الذي يساعد بدوره في تنمية قدراتهم وتحصيلهم الدراسي. كما أن العيديّة لا تُدخل السرور فقط على مُتلقّيها بل كذلك تُدخل السرور على معطيها". وتضيف: "إنها فرصة لتعليم الأطفال فكرة العطاء وقيمة الادخار وكيفية الاستفادة من العيديّات". وهو الأمر الذي أكده استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون خلال حواره مع بي بي سي قائلاً: "إن العيديّة تمنح الطفل فرصة لفهم قيمة المال واتخاذ قرارات بشأن الإنفاق أو التوفير، مما يساعده في بناء مهارات لديه بشأن استخدام المال والتصرف به، إذ إن امتلاك الطفل للمال يُشعره بالاستقلالية والقدرة على اتخاذ قراراته بنفسه، ولو بشكل بسيط". وأوضحت أستاذة علم الاجتماع أن العيديّة لا تقتصر على الأطفال فحسب، بقولها: "من الجدير بالذكر أن العيديّة ليست للأطفال فقط، فعيديّة الزوج لزوجته تؤلف ما بين قلبيهما ولها وقع السحر على قلب الزوجة، مما يُشعرها بأنها ما زالت طفلته المدللة وحبيبته، كما تعمل العيديّة على تخفيف التوتر ومحو أي أثر للمشاكل أو الخلافات فيما بينهما". وتضيف: "عيديّة الأبناء للآباء وخاصة إن كانوا كباراً في السن، تجعلهم يشعرون ببر أبنائهم وتقديرهم وحبهم لهم. كما أن العيديّة يمكن أن تُعطى لأي شخص سواء أخ أو أخت أو صديق ممن تشاء أن تُدخل السرور إلى نفسه". استشاري الطب النفسي والإدمان الدكتور محمد أواب أبو دنون أجاب عن هذا السؤال قائلاً: "الربط (الشرطي) بين المال والسعادة، بحيث يربط الطفل سعادته وفرحته بالعيد فقط عند حصوله على المال، قد يُفقد الطفل الاهتمام بالجانب الديني والروحي والاجتماعي للعيد. كما أن المقارنات بمبلغ العيديّة بين الأطفال قد يُشعر بعضهم بالإحباط أو الغيرة، خاصة إذا حصلوا على مبلغ أقل من إخوتهم أو أصدقائهم". وأضاف: "قد يشعر البعض ممن يعطي ويقدم العيديّة بالضغط المادي خاصة إذا كان يمر بظروف مالية صعبة، فقد يشعر بالقلق أو الإحراج بسبب عدم قدرته على تقديم عيديّة بقيمة كبيرة أو عند مقارنة ما يقدمه بالآخرين، وهو ما يتسبب بأضرار نفسية سلبية بالنسبة له". موضحاً: "إذا تحوّل الأمر إلى عادة اجتماعية مفروضة، فقد يشعر البعض بأنهم مجبرون على تقديم العيديّة بدلاً من الاستمتاع بفعل العطاء". من جهتها، قالت أستاذة علم الاجتماع الدكتورة أمل رضوان لبي بي سي: "رغم أن العيديّة تُعد تقليداً متوارثاً من المهم الحفاظ عليه، إلا أنها لا تعني الإسراف أو تحميل النفس فوق طاقتها، فيمكن أن تكون العيديّة رمزية أو بسيطة، حيث إن القيمة الحقيقية فيما تحمله العيديّة من مشاعر حب وليست في القيمة المادية فقط". ولمعرفة أهمية العيديّة، فقد أجريتُ مقابلات مع عدد من الأطفال ضمن أعمار مختلفة وتنوعت إجاباتهم، إذ قالت رند البالغة 15 عاماً: "أنتظر العيد بفارغ الصبر لكي أحصل على العيديّة من والدي وأعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي، وأتذكر أول عيدية حصلتُ عليها كانت من خالي. والعيديّة تعني لي الكثير خاصة أنني عندما أحصلُ عليها أقومُ بتحقيق الأمور التي أرغب بها ولم أحققها من قبل". وقالت ميرال البالغة 8 أعوام خلال حديثي معها: "أشعرُ عندما يقدم لي أحدهم العيديّة كأنها هدية وشكر لي، وتعوّدتُ أن أُقسّم العيديّة إلى جزء لشراء الأشياء التي أُحبها، وجزء آخر خاص للحصّالة التي أجمع فيها المال للمدرسة، أما الجزء المتبقي فأخصصه لأشياء البيت المهمة". وهو ما تؤكده والدة ميرال قائلة: "عوّدتُ أبنائي على ادخار جزء من العيدية لشراء أشياء يرغبون بها وشراء ألعابهم الخاصة، إضافة إلى المساهمة في دفع رسوم معينة للمدرسة مثلاً ليشعروا بالمسؤولية". أما عمر البالغ 15 عاماً فقال: "العيديّة تعني لي هدية تقدمها العائلة للطفل وتعبر عن المحبة والابتهاج بالعيد، وعادة ما أتلقّى العيديّة من والدي ووالدتي وأقاربائي من أعمامي وعماتي وخالاتي. وأتذكر أنه في كل عام تتغير طريقة تفكيري في إنفاق العيديّة فعندما كنتُ أصغر سناً كنت أتوجه أكثر نحو شراء الألعاب التي أشعر معها أنني أسعد شخص في العالم، والآن عندما كبرت باتت طريقتي تختلف في شراء الأشياء التي أرغب بها". وبالنسبة إلى مروان البالغ 12عاماً فالعيديّة تعني له "المكافأة" إذ قال: "تعد العيديّة التي يقدمها لي والدي ووالدتي نوعاً من المكافأة وخاصة للطفل الذي بدأ صيام شهر رمضان، وفيها نوع من التحفيز للأبناء على الصيام. وعادة عندما أحصل على العيديّة أرغب بشراء الحلويات والألعاب والذهاب إلى مدينة الألعاب خلال العيد". تبقى العيديّة مهما اختلفت تسمياتها عادة شائعة تنتقل من جيل إلى جيل حتى يومنا هذا، ورغم الظروف الاقتصادية المتغيرة يبقى كثيرون متمسكون بهذه العادة المرتبطة بذاكرة وصورة العيد وبأجوائه وبهجته التي تعزز من أواصر المحبة بين الناس.

سعورس
٣١-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- سعورس
ما أصل "العيديّة"، وكيف تغيّر اسمها عبر العصور؟
لكن ما هو الأصل التاريخي للعيديّة، وكيف ظهرت، ومتى بدأت قصتها؟ تشير بعض الروايات التاريخية إلى أن كلمة "عيديّة" مشتقة من كلمة "عيد" والتي تعني "المنح والعطاء" وهو لفظ اصطلح على تسميته بين الناس. وأشارت هذه الروايات إلى أن العيديّة ظهرت في العصر الفاطمي في مصر أواخر القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، إذ كانت تُوزع النقود والثياب على عامة الشعب، وكان للعيدية أسماء مختلفة مثل "الرسوم" و"التوسعة"، وكانت تُقدم للأمراء على هيئة دنانير ذهبية، وهدايا ونقود للأطفال. العصر الفاطمي "مولد العيدية" بحسب مؤرخي العصر الفاطمي، كالأمير عزّ الملك المسبحي، وتقيّ الدين المقريزي، نجد تفصيلاً لطقوس ومظاهر احتفال الخلفاء الفاطميين بالأعياد، ومن تلك الطقوس كانت "العيديّة"، التي ظهرت آنذاك لأول مرة كهبة مستقلة عن سائر العبادات. وكان ذلك منذ عهد الخليفة المعزّ لدين الله الفاطمي، الذي أراد حينها أن يستميل أفئدة المصريين في مبتدئ حكم دولته لبلادهم؛ فكان يأمر بتوزيع الحلوى وإقامة الموائد، وتوزيع النقود، والهدايا، والكسوة التي كانت تُصنع قبل شهر ونصف الشهر لتكون جاهزة ليلة العيد، وبلغت النفقات المخصصة لغاية صناعة الكسوة في القرن السادس الهجري مبلغاً مقداره نحو عشرين ألف دينار ذهبي، على رجال الدولة وعامة الرعيّة وأوضح أستاذ التاريخ الإسلامي الدكتور أيمن فؤاد خلال حديثه لبي بي سي: "إن معظم الاحتفالات الدينية تعود بنسبة كبير جداً إلى العصر الفاطمي في مصر، وكان العالم الإسلامي يحتفل بمناسبتين مهمتين هما: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعندما جاء الفاطميون إلى مصر أضافوا كثيراً من المواسم والرسوم والاحتفالات الدينية، ففكرة العيديّة بالمصطلح الحالي لم تكن موجودة ولكن إذا رجعنا إلى المصادر التاريخية سنجد أنه عندما يبدأ غرة رمضان كان أرباب الرُتب والخدم وجميع الناس المحيطين بالخليفة ولكل من نساء الخليفة وأبنائه يُقدّم لهم طبق مكون من حلوى بوسطه (صُرّة) من ذهب، وكذلك كان أهل الدولة ينالون من الحب جانباً فكانت هذه هي (التوسعة) التي تتم في العصر الفاطمي". وأضاف: "إن الفاطميين هم من ابتدعوا فكرة دار الفطرة بمناسبة العيد وتفرقة الفطرة (الكعك وما شابه) وتفرقة الكسوة (توزيعها) وعمل الأسمطة (وهي عبارة عن مائدة الطعام التي كانت تُمد في قاعة الذهب بالقصر الفاطمي) التي تُجهز في أول أيام العيد وتُوزّع على الناس". فقد عُرف عن الفاطميين هذا التقليد الذي كانوا يدعونه باسمه المعروف اليوم "العيديّة"؛ كما كان الخليفة في ذلك الوقت يهدي بنفسه دراهم فضية مخصصة للفقهاء والقُرّاء والمؤذنين، مع انتهاء ختمة القرآن ليلة العيد. ويبدو أن حتى الملوك كانوا يتلقون "عيديّات" بلَبوس هدايا في الأعياد يقدمها رجالات بلاطهم؛ فهذا ابن دحية (633ه/1235م) يخبرنا- في كتاب (المُطرب) أنه "أهدى الناس في يوم عيد إلى السلطان المعتمد ابن عباد (488ه/1095م) مما يُهدَى للملوك في الأعياد". لذلك ظهرت "العيديَة" بشكلها الأولي على ما عُرف في ذلك العصر ب "التوسعة" كمبلغ مالي يُوزَع بمناسبة حلول العيد، فكان الخليفة يُشرف من قصره صبيحة يوم العيد، وينثر الدراهم والدنانير الذهبية على من أتى من عامة الناس للمعايدة. من "التوسعة" إلى "الجامكيّة" في العصر المملوكي بدأت العيديّة تأخذ الشكل الرسمي في العصر المملوكي، والتي عُرفت حينها ب "الجامكيّة"، إذ كانت تُوزّع على الكبار والصغار، ولم تكن مخصصة للأطفال فحسب. وكانت "الجامكيّة" عبارة عن مبلغ مالي يُصرف بأمر مباشر من السلطان كمُرتّب خاص بمناسبة حلول العيد، يُمنح لموظفي الدولة من الجند وحتى الأمراء وكبار الموظفين. و"الجامكيّة" كلمة مشتقة من "الجامة" وهي مفردة تركية تعني الثوب واللباس، ويقصد ب"الجامكيّة" المال المخصص للملابس؛ حيث كان الهدف منها إعانة الرعيّة وتمكينهم من شراء كسوة جديدة خاصة بالعيد.

مصرس
٢٩-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصرس
العِيدِيَّةُ.. مجمع اللغة العربية يوضح إجازة استخدامها قديما وحديثا
نشر مجمع اللغة العربية، تفاصيل استخدام لفظ " العيدية" قديما وحديثا، ويوضح إجازة إستخدامها. وتضمن بيان المجمع كيفية استخدام لفظ " العيدية" قديما، حيث كانت تعنى الإبلٌ الكريمةُ، المنسوبةُ إلى العِيد، أو العِيديّ، وهو رجلٌ من قبيلة مهرة اليمنية، " يُقال: ناقةٌ عيديةٌ، وإبلٌ عيديةٌ.وتابع البيان: "قال حسانُ بنُ ثابتٍ (رضي الله عنه)، يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم: كَسَّابِ مَكْرُمَةٍ وَهَّابِ عِيدِيَّةٍ وَجْنَاءَ شِمْلَالِ". وأردف: [المسغبة: المجاعة، الوجناء: الناقة القوية ذات الوَجْنة الضخمة، الشملال: السريعة]"بينما جاءت العِيدِيَّةُ حديثًا: وتعني الهبةَ التي تُعطى في العيدِ، وهو اسم منسوبٌ إلى العِيد، صفة غالبة على موصوفها.ويُقال: أعطَى الأبُ ولدَهُ عيديةً؛ والأصل: أعطى الأبُ ولدَهُ هديةً عيديةً'وذكر بعض المؤرخين أن خلفاء الفاطميين أول من أعطى العيدية.وورد ذكر العيدية عند المقريزي في معرض حديثه عن إكرام الخليفة الآمر بأحكام الله لضيفٍ نزلَ مصر سنة 516 ه = 1122م، يقول: "وقرر للشيخ أبي جعفر يوسف بن أحمد ... لما قدم من الأندلس وصار ضيفَ الدولة ... كسوةً شتويةً وعِيديَّةً".