
الضربات الوهمية.. بين استعراض القوة وصمود الجغرافيا الإيرانية!
محمد سعد عبد اللطيف كاتب وباحث في الجيوسياسية
محمد سعد عبد اللطيف
في خضم التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، جاءت الضربات الجوية الأمريكية الأخيرة، التي نُفّذت بواسطة القاذفات الاستراتيجية «بي-2»، وكأنها محاولة لإثبات الحضور أكثر منها وسيلة فعّالة لتحقيق اختراق استراتيجي في الملف النووي الإيراني.
فالتسريبات الصادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية والتي سارع كل من ترامب ونتنياهو إلى نفيها تشير بوضوح إلى أن هذه الضربات لم تؤدِّ إلا إلى تأخير محدود للبرنامج النووي الإيراني لا يتجاوز عدة أشهر.
وقد أكّدت مجلة الشؤون الخارجية (فورن أفيرز) هذه التقديرات، مشيرة إلى أن الضربات استهدفت مداخل المنشآت النووية الثلاثة، وليس البنية التحتية الحيوية المتصلة بأجهزة الطرد المركزي أو مخازن اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
صور الأقمار الصناعية التي تم تحليلها بعد الضربة، لم تُظهر سوى حفر عميقة في الأرض، دون أي مؤشرات على تدمير جوهري للبنية النووية، ومعظم الأضرار التي رُصدت كانت في مناطق خدمية مثل مواقف سيارات العاملين، ملاعب كرة القدم والتنس، كافتيريات الإعاشة، وبعض مداخل المجمعات الواقعة على أطراف الجبال، وهي أماكن يسهل على إيران إصلاحها باستخدام جرافات ومعدات ثقيلة خلال أيام معدودة.
الهدف: سياسي أكثر منه عسكري
الضربة الأمريكية، بكل تفاصيلها، بدت أقرب إلى عرض سياسي إعلامي منها إلى عملية عسكرية محسومة النتائج. أرادت واشنطن أن ترسل رسالة بأنها قادرة على التحرك، دون الانزلاق إلى مواجهة مباشرة وشاملة لا ترغب فيها في هذا التوقيت الحرج، كما أن توظيف الضربة في الإعلام أعطى للرأي العام الأمريكي والإقليمي انطباعًا بأن هناك «حزمًا» تجاه طهران، رغم أن الأثر الحقيقي كان محدودًا للغاية.
الجغرافيا تقاوم التكنولوجيا
العامل التضاريسي لعب الدور الأبرز في امتصاص الصدمة، فالمنشآت الإيرانية، وعلى رأسها منشأة «فوردو»، شُيّدت داخل الجبال، على عمق يصل إلى تسعين مترًا تحت الصخور الصلبة، مما يجعل قصفها المباشر أمرًا بالغ الصعوبة. وحتى القنابل الخارقة للتحصينات التي تستخدمها القاذفات «بي-2» لا تستطيع تدمير تلك المنشآت دون خسائر جانبية جسيمة ومجازفة إقليمية غير محسوبة.
تؤكد هذه الحقيقة أن الجغرافيا، رغم كل ما يقال عن تراجع دورها في الحروب الحديثة، ما زالت عنصرًا حاسمًا في معادلات القوة. فالموقع، والعمق، والبناء تحت الأرض، كلها عناصر تُعيد تعريف حدود الحرب، وتجعل من السهل تدمير سطح المنشأة، لكن من المستحيل اقتلاع قلبها.
إيران تراقب وتستفيد من صمتها.
على الجانب الإيراني، جاء الرد محسوبًا بدقة. لم تسعَ طهران لتكذيب الرواية الأمريكية أو التقليل من شأن الضربات، بل تركت التصريحات الغربية تتضخم دون تدخل. هذه الاستراتيجية الذكية تسمح لها بكسب وقت إضافي، وتوهم خصومها بأن تقدمها النووي قد تعثّر، مما يقلل من وتيرة الضغط السياسي والعسكري عليها.
إنه نوع من الخداع الاستراتيجي الهادئ، تبرع فيه طهران: أن تترك خصمك يعتقد أنه أوقفك، بينما أنت تواصل العمل في الظل.
أخيرًا: الضربة التي أعادت للجغرافيا هيبتها.
لم تُسقط الضربات الأمريكية أجهزة طرد مركزي، ولم تُدمّر مخازن اليورانيوم المخصب، ولم تغيّر معادلة الردع. كل ما خلفته هو حفَر في الطرق الجبلية، وبعض الأبنية الجانبية التي يمكن تعويضها بسرعة.
لكن الأهم أنها أعادت تسليط الضوء على قوة الجغرافيا، وأظهرت كيف أن التضاريس - من الجبال إلى عمق الصخور - يمكن أن تحسم معركة قبل أن تبدأ.
في زمن الأقمار الصناعية والصواريخ الذكية، ما تزال الأرض قادرة على الدفاع عن نفسها حين تُبنى التحصينات بفكر استراتيجي طويل الأمد.
في النهاية، قد تحمل الجغرافيا في صمتها ما لا تستطيع القاذفات أن تحققه في ضجيجها.. .، !!
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية.. ، !! [email protected]

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- نافذة على العالم
الأخبار العالمية : الاستخبارات الأوروبية تصدم ترامب: مخزون إيران من اليورانيوم لم يتأثر
الجمعة 27 يونيو 2025 11:30 صباحاً نافذة على العالم - كشفت صحيفة تليجراف البريطانية ان تقييمات استخبارية أفادت أن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لم يتأثر بالضربات الأمريكية في وقت يستمر فيه الجدل داخل الولايات المتحدة بشأن مدى الضرر الذي أصاب البرنامج النووي الإيراني. قال مسئولين أوروبيين للتليجراف ان حكومات أوروبية تلقت تقييمات استخبارية أولية تفيد بأن مخزون إيران من اليورانيوم عالي التخصيب لا يزال سليما على الرغم من الضربات الجوية الامريكية لمفاعلاتها النووية، ووفقا للتقييمات الاستخبارية، فإن مخزون إيران البالغ 408 كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب لم يكن في منشأة فوردو فقط، وإنما كان موزعا في مواقع أخرى مختلفة. وأشارت تليجراف الى إن واشنطن لم تقدم معلومات استخبارية حاسمة لحلفائها الأوروبيين بشأن القدرات النووية الإيرانية المتبقية بعد الضربات، وتمسكت بعدم الكشف عن توجهاتها المستقبلية بشأن طهران. وكان تقييم استخباري أولي سري نشرته شبكة "سي إن إن" أفاد بأن الضربات الامريكية لم تؤدي سوى إلى تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضعة أشهر، من دون تدمير مكوناته الرئيسية، وادانت إدارة الرئيس دونالد ترامب بالتسريب، وقالت إن الهدف منه التشكيك في نجاح الضربات الامريكية على منشآت إيران النووية وتصوير الضربات على انها فاشلة. وقد جدد ترامب أمس تأكيده أن منشآت إيران النووية محيت بالكامل وقال في كلمة ألقاها بالبيت الأبيض إن الطائرات أصابت أهدافها بدقة وأضاف أنه لم تنقل أي مواد من منشأة "فوردو" النووية الإيرانية قبل الهجوم الامريكي عليها. وقبل أيام، نقلت وكالة رويترز عن مصدر إيراني كبير قوله إن معظم اليورانيوم عالي التخصيب في منشأة فوردو نقل إلى مكان غير معلن قبل الهجوم الأمريكي، وطرح خبراء احتمال أن تكون إيران استبقت الهجوم الامريكي بإفراغ المواقع النووية المستهدفة من مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.


نافذة على العالم
منذ ساعة واحدة
- نافذة على العالم
الأخبار العالمية : سيناتور يتهم ترامب بالكذب على الأمريكيين.. ويؤكد: نووى إيران لم يدمر
الجمعة 27 يونيو 2025 11:30 صباحاً نافذة على العالم - اتهم عضو بارز في مجلس الشيوخ الديمقراطي الرئيس دونالد ترامب بالكذب على الأمريكيين بشأن التأثير الحقيقي للضربات الأمريكية على إيران، بعد أن قدم مسؤولو ترامب إحاطة سرية للمشرعين يوم الخميس، صرح السيناتور كريس مورفي، العضو البارز في اللجنة الفرعية للأمن الداخلي بمجلس الشيوخ، بأنه لا يزال غير مقتنع بأن الهجوم "دمر" المنشآت النووية الإيرانية، كما زعم ترامب مرارًا وتكرارًا. وقال مورفي: "أغادر تلك الإحاطة وأنا لا أزال على قناعة بأننا لم ندمر البرنامج .. لقد تعمد الرئيس تضليل الرأي العام عندما قال إن البرنامج دمر لأنه من المؤكد أن هناك قدرات ومعدات مهمة لا تزال قائمة"، وأضاف: "في رأيي، يبدو أننا ما زلنا نؤخر البرنامج النووي الإيراني بضعة أشهر فقط"، مرددا النتائج الأولية لتقييم استخباراتي مسرب من وكالة استخبارات الدفاع، والذي حاول مسؤولو الإدارة التقليل من شأنه. بعد أن أسقطت الطائرات الحربية الأمريكية 14 قنبلة خارقة للتحصينات على ثلاثة مواقع تخصيب نووي إيرانية يوم السبت، صرح ترامب بأن المنشآت "دُمّرت بالكامل". لا يفوتك: هل عثرت إسرائيل على يورانيوم إيران بعد الضربة الأمريكية؟.. "أكسيوس" يجيب مع ذلك، خلص تقرير أولي صادر عن وكالة استخبارات الدفاع إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب لم يدمر، وأن أجهزة الطرد المركزي بقيت سليمة إلى حد كبير، وشن مسؤولو الإدارة هجومًا بعد تسريب التقييم إلى وسائل الإعلام، معتبرين إياه غير حاسم. واعترف مورفي بذلك، وقال: "لا شك في أن ضررًا قد لحق بالبرنامج. لكن الادعاءات بأننا "دمرنا" برنامجهم لا تبدو منطقية.. لا أستطيع مشاركة أي تفاصيل من هذا الإحاطة، لكنني لا أعتقد أن الرئيس كان صادقًا عندما قال إن هذا البرنامج دمر." وفي المقابل، أشاد السيناتور الجمهوري عن ولاية كارولينا الجنوبية، ليندسي جراهام، بالضربات ووصفها بأنها "رائعة"، وقال للصحفيين بعد الإحاطة السرية: "لقد كان هجوما جريئًا، وضروريًا، وفعال لقد فجروا هذه المواقع بشكل هائل" مع استمرار الجدل حول الأثر الفعلي للضربات، قال ترامب خلال قمة الناتو يوم الأربعاء إن إسرائيل ستُصدر قريبًا نتائجها الخاصة وقال عن المواقع النووية: "لقد ضرب بوحشية، ودمرها بالكامل.. الكلمة الأصلية التي استخدمتها - أعتقد أنها أوقعتنا في مشكلة لأنها كلمة قوية - كانت الإبادة. وسترون ذلك. اقرأ ايضا: استطلاع: 72% من البريطانيين يرون ترامب تهديدا للسلام العالمى نائب ترامب يكشف سر "الزر الأحمر" فى مكتب الرئيس الأمريكى.. فيديو تضارب بين البنتاجون و"CIA" بشأن نتائج استهداف ترامب نووى إيران


الدولة الاخبارية
منذ 3 ساعات
- الدولة الاخبارية
هل عثرت إسرائيل على يورانيوم إيران بعد الضربة الأمريكية؟.. 'أكسيوس' يجيب
الجمعة، 27 يونيو 2025 10:45 صـ بتوقيت القاهرة كشف مراسل موقع أكسيوس باراك رافيد مكان اليورانيوم الإيراني بعد الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت عسكرية ونووية في عمق الأراضي الإيرانية. وبحسب مسئولين إسرائيليين تحدثوا إلى الموقع الأمريكي، فإن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب تم نقله إلى أنفاق تحت الأرض في منشأتي فوردو وأصفهان، في خطوة تهدف إلى حمايته من أي هجوم خارجي، ووفقا لهؤلاء المسؤولين، فإن هذه المنشآت تحت الأرض باتت معزولة عمليا عن العالم الخارجي بعد الضربات الأمريكية والإسرائيلية على طهران الأخيرة، ما يجعل من الصعب على إيران استعادة هذا اليورانيوم بسرعة أو استخدامه في سياق أي تصعيد نووي محتمل. وكتب رافيد على موقع إكس: "أخبرني ثلاثة مسؤولين إسرائيليين كبار مطلعين مباشرة على المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني أن مخزون اليورانيوم عالي التخصيب موجود في أنفاق تحت الأرض في فوردو وأصفهان، معزولة عن العالم الخارجي بسبب قصف المنشآت النووية ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنهم سيكشفون أي محاولة إيرانية لاستعادة اليورانيوم عالي التخصيب". تأتي الاخبار في وقت اكدت فيه مصادر أمريكية ان الضربات على ايران كانت "محسوبة ومحددة"، وأن واشنطن أبلغت طهران عبر قنوات دبلوماسية بأنها لا تسعى إلى تغيير النظام، بل إلى ردع إيران بعد تورطها في هجمات ضد القوات الامريكية. في الوقت نفسه، هناك حالة من التضارب في التقارير الامريكية حول نتائج الضربة حيث صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، جون راتكليف، بأن معلومات استخباراتية موثوقة تشير إلى أن البرنامج النووي الإيراني "تضرر بشدة" جراء الغارات الأمريكية على ايران ، وأن العديد من المواقع الرئيسية دمرت الا ان تقييم اولي أولي لوكالة الاستخبارات الدفاعية التابعة للبنتاجون خلص إلى أن القصف ربما يكون قد أخر البرنامج النووي للبلاد بضعة أشهر فقط، وهو تأثير أقل مما ذكره الرئيس دونالد ترامب بعد الغارات. من جانبها نقلت واشنطن لطهران رسالة واضحة مفادها أن هذه الضربات تمثل "الحد الأقصى من الرد"، ولا تعكس رغبة في الانجرار إلى حرب شاملة، في وقت تشهد فيه المنطقة توتراً غير مسبوق بفعل الصراع بين إسرائيل وإيران وتمدده إلى ساحات إقليمية متعدد.