logo
د. محمد عثمان الخشت: لا أؤمن بإمكانية وجود دين عالمى موحد.. وتحسين النسل الجيني تلاعب بخلق الله.. والفروق بين الرجل والمرأة في التشريع الإسلامي ليست كلها ظلمًا أو تمييزًا ( حوار )

د. محمد عثمان الخشت: لا أؤمن بإمكانية وجود دين عالمى موحد.. وتحسين النسل الجيني تلاعب بخلق الله.. والفروق بين الرجل والمرأة في التشريع الإسلامي ليست كلها ظلمًا أو تمييزًا ( حوار )

فيتو١٥-٠٧-٢٠٢٥
>> أدعو للتفاهم بين الأديان على قاعدة احترام الاختلاف لا إلغائه أو إذابته فى كيان واحد
>> ثورة تحرير الجينوم تفتح آفاقًا واسعة لعلاج السرطان وأمراض المناعة والاضطرابات الوراثية
>> غالبية الموسوعات العربية التى تتناول الأديان منحازة
>> الإلحاد العلمي ظاهرة حديثة تختلف عن التقليدي وقمنا بتفكيك بنيته الخطابية وزعزعة مزاعمه المعرفية
>> الموسوعة تدعو إلى فهم وتفاهم الأديان لبعضها بعضا وتفكيك أسس خطابات الكراهية
>> هدفت إلى كشف المشترك بين الأديان والفروق الجوهرية بينها دون شيطنة الآخر
>> إصدار موسوعة جديدة عن الأديان لم يكن مجرد رد فعل على ظرف طارئ
>> المعركة الحقيقية ليست بين القديم والجديد بل بين الفكر الحى والميت
>> مشروعى ليس صراعًا ضد التراث ولا انحيازًا أعمى للحداثة بل تفكيك نقدى لما يعوق التقدم فى كليهما
>> العلوم الجديدة لا تستجيب للفتوى التراثية وتحتاج للاجتهاد المؤسسى الجماعي
>> الشريعة ليست عاجزة بل بحاجة إلى تجديد أدوات الفقه والفتوى
>> الفتوى لم تعد قرارًا فرديًا بل عملًا تشاركيًا يتطلب معرفة وعقلًا نقديًا وشجاعة فكرية
>> ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة بوابة للعنف والإقصاء
>> نحتاج لتجديد فى المنهج الفقهى نفسه لا فى الشريعة
>> التدخل فى خلق الله يُصبح مرفوضًا عندما ينطوى على ادعاء السيطرة الكلية على الحياة أو نفى الحكمة الإلهية
>> نحتاج لبناء فقه توازنى يفرق بين العبث بالخلقة وبين الاستفادة من العلم
>> هناك فجوة مؤسفة بين بعض رجال الدين والعلماء فى ميادين الجينوم والذكاء الاصطناعى والروبوتات
>> المطلوب اليوم ليس فقط تحديث فى 'موضوعات' الفقه بل فى تكوين الفقيه نفسه
>> نحتاج مشروع تجديدى شامل يُعيد صياغة علاقتنا بالشريعة
>> يجب تقديم الشريعة ليس كـ'نظام مغلق'، بل كـ'مرجعية حية' تنطلق من الواقع المتغير إلى الوحى ثم تعود إلى الواقع
>> المتطرف ليس فقط من يحمل سلاحًا أو يكفّر غيره بل صاحب بنية عقلية مغلقة
>> امتلاك الحقيقة المطلقة هو أخطر ما يمكن أن يدّعيه الإنسان لأنه ينتقل من 'احتكار الاعتقاد' إلى 'احتكار السلطة'
>> حين يظن الفرد أنه يحتكر الحقيقة فإنه يمنح نفسه حق محاكمة الآخرين وإدانتهم وربما تصفيتهم
>> التطرف السياسى ينتج فاشيات حديثة والتطرف القومى يبرر الإبادة والتطرف العلموى يسخر من الروح
>> إصلاح التعليم يبدأ بدمج التفكير النقدى فى المناهج وتعليم الطلاب الفرق بين النص والتفسير
>> نحتاج للانتقال من 'التلقين' إلى 'التكوين' ومن 'التكديس المعرفي' إلى 'التحليل النقدي'.
>> تعديل المناهج مهم لكنه غير كافٍ ما لم يصاحبه تدريب الأساتذة على استخدام مناهج جديدة
خاض معركة التنوير وإعادة بناء الفكر الدينى والفلسفى على أسس عقلانية معاصرة، ليصبح أحد أبرز المفكرين العرب الذين قرروا خوض هذه المعركة بشجاعة واتزان.
هو مفكر موسوعي، ترك بصمة واضحة فى مشهد الفكر العربى من خلال مؤلفاته ومحاضراته التى جمعت بين الأصالة والتجديد.
إنه الدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الأديان، والمذاهب الحديثة والمعاصرة، وعضو المجلس العلمى الأعلى لجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية والرئيس السابق لجامعة القاهرة الذى يفتح قلبه فى هذا الحوار، متحدثا عن موسوعيته عن الأديان، ورؤيته لعديد من القضايا الشرعية والفكرية والمجتمعية.
والدكتور محمد عثمان الخشت صاحب إنتاج فلسفي وأكاديمي غزير، حيث بلغت مؤلفاته: 98 كتابا وتحقيقا وبحثًا علميًا محكمًا، منها: 43 كتابا منشورا، و24 كتابًا محققًا من التراث الإسلامي، وله 31 من الأبحاث العلمية المحكمة المنشورة. وصدر أول كتاب منشور له عام 1982 ومن أهم مؤلفاته: نحو تأسيس عصر ديني جديد، تطور الأديان، مدخل إلى فلسفة الدين، للوحي معان أخرى، الإسلام والوضعية في عصر الأيديولوجية، المعقول واللامعقول في الأديان، أخلاق التقدم، أسس بناء الدولة الحديثة، صراع الروح والمادة في عصر العقل، العقل وما بعد الطبيعة، مفاتيح علوم الحديث، الدليل الفقهي، ومن أهم تحقيقاته للتراث: تمييز الطيب من الخبيث فيما اشتهر على ألسنة الناس من الحديث، والفرق بين الفرق، وكتاب المنهيات. وترجمت بعض أعماله إلى لغات أخرى مثل (الألمانية والإنجليزية والفرنسية والأندونيسية وبعض اللغات الأفريقية).
"فيتو" حاورته حول العديد من القضايا المهمة، وحول موسوعته الجديدة للأديان، فإلى نص الحوار:
*ما الدافع وراء إصدار موسوعة جديدة عن الأديان؟ وهل جاءت كرد على واقع معين؟
الدافع لم يكن مجرد رد فعل على ظرف طارئ، بل نتيجة وعى تراكمى تشكل عبر عقود من العمل فى فلسفة الدين ومقارنة الأديان، لاحظت خللًا معرفيًا مزدوجًا، من جهة، هناك فقر واضح فى الموسوعات العربية التى تتناول الأديان بمنهج علمى شامل، وغالبًا ما تكون منحازة، أو أنها لا تشمل كل أديان العالم، أو محصورة فى دين واحد أو طائفة بعينها، ومن جهة أخرى، هناك سيطرة لخطابات استشراقية غربية على الدراسات المقارنة، كثير منها يتسم بانحياز معرفى أو خلفية عقدية غير معلنة.
لكن السياق العالمى اليوم مع صعود تيارات التطرف الدينى وغير الدينى من جهة، والمادية الإلحادية من جهة أخرى، عجّل بالحاجة إلى مشروع موسوعى يقدم قراءة عقلانية، تحليلية، عادلة للأديان، تُفكك الخطابات المغلقة من كافة الأديان والمذاهب دون التورط فى التبشير أو الإقصاء، الموسوعة جاءت لتكون منصة معرفية لتحرير الوعى الديني، لا أداة للصراع الطائفى أو الديني.
*ما الإضافة التى تقدمها موسوعتك؟
ما أضفته فى هذه الموسوعة هو منهج عقلانى مركّب يجمع بين الوصف الموضوعي، والنقد الفلسفي، والتحليل التاريخي، دون أن يفقد الاحترام للظاهرة الدينية بوصفها مكونًا مقدسا ومركزيًا فى الوجود الإنساني، كما إنها موسوعة شاملة: لا تقتصر على الأديان الكبرى، بل تتناول الأديان الصغرى والمذاهب والتيارات والحركات المعاصرة، والفلسفات ذات الصلة، والشخصيات المؤثرة، مع الاستعانة فى فهم الظاهرة الدينية بالعلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية.
*هل الموسوعة تدعو لحوار الأديان، أم لنقد صريح للمفاهيم المغلوطة داخلها؟
الموسوعة لا تروّج لحوار الأديان بالمعنى السياسى أو الدعوي، لكنها تدعو إلى فهم وتفاهم الأديان لبعضها بعضا وعبر تفكيك الأسس التى تقوم عليها خطابات الكراهية، فى الوقت ذاته، هى تمارس تصحيحا صريحًا ومباشرًا للمفاهيم المغلوطة، وتكشف عن جوهر الإيمان وثوابته.
بمعنى آخر، نحن لا نتجنب نقد الأفكار تحت غطاء الحوار، لكننا نمارس النقد من داخل إطار معرفى وإنساني، يحترم تنوع التجارب الدينية، ويهدف إلى كشف المشترك بين الأديان وأيضًا كشف الفروق الجوهرية بينها دون شيطنة الآخر.
*كيف تتعامل الموسوعة مع الموجات الفكرية الحديثة مثل 'الروحانية الجديدة' و'الإلحاد العلمي'؟
تعاملت الموسوعة مع هذه الظواهر تعاملا نقديا على أسس علمية وعقلانية، الروحانيات الجديدة – مثل الحركات التأملية أو الطاقة الكونية – تعبّر عن تحولات فى الذهنية المعاصرة نحو النزعة الذاتية والتجربة الفردية، وهو ما وجهنا إليه مطرقات النقد العقلانى الصارم، أما 'الإلحاد العلمي'، فهو ظاهرة حديثة تختلف عن الإلحاد التقليدي، وقمنا بتفكيك بنيته الخطابية وزعزعة مزاعمه المعرفية.
الموسوعة لم تكتفِ بوصف هذه الظواهر، بل حللت خلفياتها الاجتماعية والفلسفية، وبيّنت مواضع الالتباس فيها، وأبرزت أنها تستند إلى مقدمات غير يقينية وغير كافية.
*هل تؤمن بأن هناك ما يسمى 'دين عالمى موحد'؟ وما موقفك من هذا الأمر؟
أنا لا أؤمن بإمكانية وجود دين عالمى موحّد بالمفهوم العقائدى أو الطقسي، لأن الاختلاف سنة كونية إلهية، يؤكد القرآن ذلك فى مواضع كثيرة، وكل تجربة دينية تحمل بصمتها الخاصة، (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا)، لكن ما يمكن الحديث عنه هو جانب روحى مشترك، نسميه 'المشترك الإنساني' فى التجربة الدينية، مع وجود اختلافات نوعية تخص كل دين.
وما أدعو إليه هو تفاهم بين الأديان، على قاعدة احترام الاختلاف، لا إلغائه أو إذابته فى كيان واحد.
*هل تعتبر أن إزالة الفروق بين الأديان تمثل خطرًا على خصوصية كل دين، خاصة الإسلام؟
لا أعتقد أن هناك جهات رسمية أو مشاريع واضحة فى العالم العربى تسعى لمحو الفروق بين الأديان أو نسج 'دين موحّد' بالمعنى العقائدي.
وبشكل عام نحن مع الحوار، ومع البحث عن المشترك، مع الاعتراف بأن الاختلاف جزء من احترام الذات والآخر معًا، والفروق هنا ليست عائقًا، بل منطلقًا لحوار صادق مبنى على وضوح المواقف وليس على خلطها.
*كيف ترى ثورة تحرير الجينوم وتأثيرها على مستقبل الطب والإنسانية؟
ثورة تحرير الجينوم تمثل تحولًا جذريًا فى تاريخ العلم، لأنها تمكّن الإنسان لأول مرة من التدخل المباشر فى البنية الجينية التى تتحكم فى الحياة والمرض والصفات الوراثية، نحن لا نتحدث فقط عن أدوات تشخيص دقيقة، بل عن إمكانيات فعلية لتعديل المادة الوراثية، ما يفتح آفاقًا واسعة لعلاج الأمراض المستعصية، مثل السرطان وأمراض المناعة والاضطرابات الوراثية.
لكن فى الوقت نفسه، هذه الثورة تضعنا أمام أسئلة أخلاقية وفلسفية حادة: إلى أى مدى يحق لنا التدخل؟ من يضع المعايير؟ وما حدود ما يمكن تغييره دون المساس بكرامة الإنسان؟ ولذلك، يجب أن نرافق هذا التقدم العلمى بثورة فى التفكير الأخلاقى والفقهى والمعرفي، لأن الأثر لن يكون طبيًا فقط، بل اجتماعيًا وإنسانيًا وعقائديًا أيضًا.
*ما الفرق بين 'العلاج الجيني' و'تحسين النسل الجيني' من منظور أخلاقى وشرعي؟
الفرق الجوهرى يكمن فى النية والوظيفة، فالعلاج الجينى يهدف إلى تصحيح خلل وراثى يؤدى إلى مرض أو إعاقة، أى أنه يتعامل مع حالة مرضية واقعية، وهدفه إنقاذ الإنسان أو تحسين جودة حياته، أما تحسين النسل الجينى فهو يذهب إلى أبعد، حيث يسعى إلى إعادة تصميم الإنسان نفسه وفق معايير جمالية أو ذهنية أو جسدية، بمعنى أنه لا يعالج مرضًا، بل يصنع نموذجًا بيولوجيًا انتقائيًا.
ومن منظور أخلاقى وشرعي، الأول يُنظر إليه باعتباره امتدادًا لمبدأ رفع الضرر وجلب المنفعة فى علم أصول الفقه، أما الثانى فيثير تساؤلات حول التمييز، والطبقية البيولوجية، والتلاعب بخلق الله، هناك خشية حقيقية من أن يتحول تحسين النسل إلى مدخل لإعادة إنتاج شكل جديد من العنصرية، مبنية هذه المرة على الكود الجينى لا على اللون أو الدين أو اللغة.
*هل ترى أن الشريعة الإسلامية تمتلك القدرة على استيعاب هذه التطورات العلمية؟ أم أنها بحاجة إلى تجديد فقهها؟
الشريعة فى مقاصدها الكبرى تمتلك مرونة مدهشة، وهى قائمة أصلًا على فقه المصالح والمآلات، لكن المشكلة ليست فى النصوص، بل فى آليات الاستنباط والفتوى، نحن بحاجة إلى تجديد فى المنهج الفقهى نفسه، لا فى الشريعة، أى أن ننتقل من فقه الحوادث اليومية إلى فقه المقاصد والمستقبل والاحتمالات.
الخطأ الأكبر هو حصر الفقه فى تقليد أقوال القدامى، بدلًا من استخراج المعنى المقاصدى الذى يمكنه التعامل مع مستجدات غير مسبوقة، مثل علم الجينوم، والذكاء الاصطناعي، والتقنيات البيولوجية، كلها قضايا لا تستجيب للفتوى التراثية، بل تحتاج إلى اجتهاد مؤسسى جماعى يوظف أدوات العلم ويأخذ بالمنطق المقاصدى والمآلي.
*كيف نضع حدودًا واضحة بين التدخل فى خلق الله والاستفادة من العقل والعلم؟
الحد الفاصل هو مقصد الإنسان والهدف مما يفعله، و'التدخل فى خلق الله' يُصبح مرفوضًا عندما ينطوى على ادعاء السيطرة الكلية على الحياة أو نفى الحكمة الإلهية أو تدمير نظام الخلق من أجل مصالح نفعية أو عبثية، أما حين يكون التدخل جزءًا من التمكين الإلهى للعقل البشرى فى عمارة الأرض، وتحقيق الخير، ودفع الألم، فهو لا يتعارض مع الإيمان، بل يُجسده عمليًا.
القرآن نفسه يشير إلى أن الله سخر لنا ما فى الأرض، وأمرنا بالنظر والتدبر والبحث، و'خلق الله' ليس شيئًا ساكنًا، بل هو مشروع مفتوح أمام الإنسان ليكتشفه ويُحسن التعامل معه، لذلك، نحن بحاجة إلى بناء فقه توازنى يفرق بين العبث بالخلقة، وبين الاستفادة من العلم ضمن حدود الأخلاق والمصلحة العامة.
*فى رأيك، هل الفقهاء المعاصرون مواكبون لهذا النوع من القضايا؟ وما المطلوب منهم؟
بكل صراحة، بعض الفقهاء المعاصرين غير مؤهَّلين بعد للتعامل مع هذه القضايا، لأن أدواتهم المعرفية متوقفة عند سياق فقهى تقليدى لا يعرف البيوتكنولوجيا ولا فلسفة العلم، وهناك فجوة مؤسفة بين بعض رجال الدين والعلماء فى ميادين الجينوم والذكاء الاصطناعى والروبوتات.
المطلوب اليوم ليس فقط تحديث فى 'موضوعات' الفقه، بل فى تكوين الفقيه نفسه، ينبغى أن يكون الفقيه مدربًا على مناهج البحث العلمي، وله دراية بأساسيات البيولوجيا وعلوم الحياة الحديثة، وأن يتعاون مع العلماء فى لجان اجتهادية متخصصة، بمعنى آخر، الفتوى لم تعد قرارًا فرديًا، بل صارت عملًا تشاركيًا مؤسسيًا يتطلب معرفة دقيقة، وعقلًا نقديًا، وشجاعة فكرية.
*وما الفرق بين المساواة والعدالة فى فلسفة التشريع الإسلامي؟
الفرق جوهري، المساواة تعنى أن يُعامل الجميع بنفس الطريقة دون تفريق، وهى مقاربة رياضية حسابية، أما العدالة، فتعنى أن يُعطى كل ذى حق حقه بحسب استحقاقه وظروفه وحاجاته ومسئوليته، وهى مقاربة أخلاقية واقعية.
فى فلسفة التشريع الإسلامي، العدالة مقدّمة على المساواة، لأنها تُراعى السياق، والوظيفة، والتكليف، والنتائج، لذلك، ليست كل فروق التشريع بين الرجل والمرأة ظلمًا أو تمييزًا، بل قد تكون لتحقيق مصلحة نوعية عادلة.
العدالة هى تحقيق التوازن، لا المطابقة، وهى جوهر الإسلام، والميزان الذى تقوم به السماء والأرض.
*كيف نعيد تقديم الشريعة الإسلامية بشكل يجعلها قابلة للتفاعل مع قضايا العصر دون أن نفرّط فى ثوابتها؟
بداية، لا بد أن نُفرّق بين الشريعة كمقاصد وأهداف، وبين الفقه كتاريخ بشرى فى فهم النصوص.
إعادة تقديم الشريعة يعنى أولًا تحريرها من الجمود الفقهي، ومن التأويلات السلطوية، ومن التديّن الشكلي، نحن بحاجة إلى نقل مركز الثقل من الحرفية إلى المقاصد، ومن الجمود إلى الحركة، ومن الانغلاق إلى الانفتاح العقلاني.
الشريعة الإسلامية قادرة بطبيعتها على التفاعل مع المستجدات، لأنها بُنيت على قواعد الاجتهاد، واعتبار المصلحة، ودفع الضرر، ورفع الحرج.
ما نحتاجه هو مشروع تجديدى شامل، يُعيد صياغة علاقتنا بالشريعة، ويُقدّمها للعصر لا كأنها 'نظام مغلق'، بل كـ'مرجعية حية'، تنطلق من الواقع المتغير إلى الوحى ثم تعود إلى الواقع، وتظل هذه الحركة متجددة بتجدد الظروف والمتغيرات.
*ما هى مواصفات الشخص المتطرف من وجهة نظرك؟
الشخص المتطرف ليس فقط من يحمل سلاحًا أو يكفّر غيره، بل هو بالأساس شخص صاحب بنية عقلية مغلقة، يتميز بخصائص محددة يمكن التعرف عليها، منها الإطلاقية فى التفكير، بحيث يرى أن ما يعتقده هو الحقيقة المطلقة، وما عداه باطل، والثنائية الحادة بحيث يصنّف العالم إلى دار السلام ودار الحرب، وغياب النقد الذاتى بحيث يرفض مراجعة أفكاره، ويعتبر التغيير خيانة، بالإضافة إلى التبرير الانتقائى للنصوص، انعدام الحس الإنسانى المشترك.
المتطرف قد يبدو ظاهريًا ملتزمًا أو مثقفًا أو وطنيًا، لكنه فى العمق يعانى من جمود ذهني، وفقر فى الخيال الأخلاقي، ورفض للتعدد.
*فى رأيك، كيف يؤدى امتلاك الحقيقة المطلقة إلى ممارسات عنيفة أو إقصائية؟
امتلاك الحقيقة المطلقة هو أخطر ما يمكن أن يدّعيه الإنسان، لأنه ينتقل من 'احتكار الاعتقاد' إلى 'احتكار السلطة'. حين يظن الفرد أنه يحتكر الحقيقة، فإنه يمنح نفسه حق محاكمة الآخرين، بل وإدانتهم وربما تصفيتهم.
العنف هنا ليس ضرورة جسدية فقط، بل يبدأ من العنف الرمزي: تكفير، تخوين، تسفيه، تجريم.
هذا النوع من التفكير يلغى الحوار، لأنه لا يعترف بحق الآخر فى أن يختلف، ومن ثم، تتحول 'الحقيقة' إلى أداة للهيمنة والقمع.
وهذا لا يقتصر على الدين، بل يمكن أن يُمارَس فى السياسة، أو الأيديولوجيات غير الدينية، أو حتى فى العلم إذا غاب الوعى النقدي.
لهذا لا أقبل أن نختزل 'التطرف' فى الصورة الدينية فقط، لأن ذلك يحجب أنماطًا أخرى لا تقل خطورة، مثل التطرف السياسى الذى ينتج فاشيات حديثة، أو التطرف القومى الذى يبرر الإبادة، أو التطرف العلموى الذى يسخر من الروح.
*تحدثتم من قبل عن 'الحواضن الفكرية الأولى' كجزء من مشكلة التطرف، هل هذه الحواضن تشمل فقط الجماعات المتطرفة، أم قد تمتد لمؤسسات تعليمية ودينية تقليدية؟
نعم، الحواضن الفكرية الأولى هى المصدر الأصلى الذى يتكوّن فيه عقل الإنسان، وهى لا تقتصر على الجماعات المتطرفة المباشرة، بل كثير منها يتشكل داخل بعض الجهات فى عدد من البلدان، فى المدرسة التى تكرّس الطاعة دون نقد، فى بعض مناهج التعليم التى تُدرّس التاريخ كصراع دينى دائم، فى بعض خطب الجمعة التى تُقدّم الدين كحرب ضد الآخر لا كجسر للتواصل، فى الأسرة التى تُربّى الطفل على ثقافة التقليد لا على ثقافة التفكير.
بهذا المعنى، قد لا تكون الجهة تقصد التطرف، لكنها تُنتج مناخًا يمهّد له دون أن تدري، بسبب غياب المنهج العقلى التربوى وانغلاق الخطاب التفسيرى للنصوص.
*كيف يمكننا إصلاح هذه الحواضن دون إثارة مقاومة مجتمعية أو اتهامات بعدم احترام الهوية الدينية؟
الإصلاح لا يبدأ بالهدم، بل بالفهم والتدرج والتأصيل،نحن بحاجة إلى خطاب إصلاحى يتكئ على الوحى الكريم مباشرة كمرجعية عليا، لكن بمنهج مختلف، والخطأ الأكبر أن يأتى الإصلاح بروح عدائية للهوية، مما يُشعل الغرائز الدفاعية عند الجمهور.
وما أقترحه هو مسار متعدد الجبهات، أولا إصلاح التعليم بدمج التفكير النقدى فى المناهج، وتعليم الطلاب الفرق بين النص والتفسير، وإصلاح الخطاب الدينى من الداخل عبر تدريب الدعاة والأئمة على المناهج التأويلية الحديثة، دون المساس بجوهر العقيدة، وتقديم نماذج جديدة للخطاب العام تُظهر الدين كرحمة للعالمين، لا كهوية قتالية، وبناء شراكات بين المؤسسات الدينية والعلمية والثقافية: بحيث لا يُترك الإصلاح لجهة واحدة، بل يكون عملًا وطنيًا شاملًا.
الإصلاح الذكى لا يهدم المقدس، بل يحرّره من الاستخدام الخاطئ، ويعيد تقديمه فى سياق معاصر يليق بجوهره.
*ما هو الدور الذى يجب أن تلعبه الجامعات فى هذه الثورة العقلية؟ وهل يكفى تعديل المناهج الدراسية فقط؟
بشكل عام الجامعات يجب أن تكون قاطرة الثورة العقلية، لا مجرد مؤسسات تعليمية تمنح شهادات، ومهمتها لا تقتصر على تعديل المناهج، بل تشمل تغيير فلسفة التعليم نفسها.
نحن بحاجة إلى الانتقال من 'التلقين' إلى 'التكوين'، ومن 'التكديس المعرفي' إلى 'التحليل النقدي'.
تعديل المناهج مهم، لكنه غير كافٍ ما لم يصاحبه تدريب الأساتذة على استخدام مناهج جديدة تقوم على المشاركة والتفكير الحواري، وتشجيع البحث العلمى الحر القائم على إثارة الأسئلة لا قمعها، وإنشاء وحدات بحثية متخصصة فى تحليل ظواهر التطرف والعنف الرمزى والفكرى من منظور عابر للتخصصات.
الجامعة ليست فقط 'نظامًا أكاديميًا'، بل مؤسسة عقلية وثقافية تشكل وعى الأجيال القادمة، ولذلك لا يمكن أن تكون محايدة فى معركة العقل والجهل.
*ما هى الخطوات التى تقترحها لتحديث الخطاب الدينى ؟
الخطوات التى أقترحها هى كالآتي، أولا الانتقال من فقه الجزئيات إلى فقه المقاصد الكلية: بحيث يُعاد بناء الخطاب على مبادئ الحرية والعدل والمصلحة وكرامة الإنسان والدولة الوطنية، ثانيا إعادة تأهيل الكوادر الدعوية والعلمية: من خلال دورات متخصصة فى فلسفة الدين، ومناهج التأويل، وعلم الاجتماع الديني، وعلم النفس المعرفي، ثالثا إدخال المناهج المعاصرة فى الفقه والفكر النقدى والمقارنة بين الأديان،
رابعا نقل مركز الثقل من النصوص الثانوية إلى النصوص التأسيسية: والتمييز بين 'الوحي' و'التراث' كمنتجين معرفيين مختلفين، خامسا تفكيك الأساطير البشرية الموروثة التى تُعطى طابعًا مقدسًا رغم كونها نتاجًا بشريًا أو سياسيًا فى كثير من الأحيان، فالهدف ليس المساس بالدين، بل إنقاذ الدين من التوظيف المغلوط والانغلاق المذهبي.
*ذكرت من قبل 11 شرطًا لتحول المتطرف إلى قائد مدني، ما الشرط الذى تراه الأكثر صعوبة؟ ولماذا؟
من بين الشروط الـ11 التى حددتها، أعتقد أن أصعبها هو 'القدرة على مساءلة الذات والانفصال عن مرجعية الجماعة'. لأن هذه المرحلة تتطلب أن يعيد المتطرف بناء هويته الفكرية خارج الإطار الذى شكّله منذ بدايته.
المتطرف عادة ما يكون قد دمج ذاته بالطائفة التى ينتمى اليها، ويعتقد أن خلاصه مشروط بولائه المطلق للجماعة أو الفكرة أو المرشد.
لذلك، الانفصال عنها يُشبه عنده الانتحار الرمزى من حيث الشعور بفقدان المعنى والمكان والانتماء.
وهنا يكمن التحدى الحقيقى فى برامج التأهيل: كيف تُقنع المتطرف بأنه يمكن أن يُعيد بناء ذاته بوصفه 'فاعلًا حرًا'، لا تابعًا مبرمجًا؟
هذا يتطلب اشتغالًا عميقًا على البنية النفسية، وإعادة بناء الثقة بالذات، وتأسيس منطق بديل للمشروعية.
*لو كان لك أن تختصر مشروعك الفكرى فى فقرة واحدة، فماذا تقول؟
مشروعى ليس صراعًا ضد التراث، ولا انحيازًا أعمى للحداثة، بل تفكيك نقدى لما يعوق التقدم فى كليهما، من أجل تأسيس وعى جديد يجمع بين الإيمان العميق، والعقل النقدي.
نسعى من خلاله إلى إخراج الدين من أسر التقليد والتكرار، وإعادته إلى وظيفته الكبرى كقوة تحرير وعمران، لأن المعركة الحقيقية ليست بين القديم والجديد، بل بين الفكر الحى والفكر الميت.
الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ 'فيتو'
ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصر على الطريق الصحيح.. الرئيس خلال تفقده الأكاديمية العسكرية: الأكاديمية لم تعد مصنعًا للرجال فحسب بل منارة لبناء الشخصية المصرية
مصر على الطريق الصحيح.. الرئيس خلال تفقده الأكاديمية العسكرية: الأكاديمية لم تعد مصنعًا للرجال فحسب بل منارة لبناء الشخصية المصرية

بوابة الأهرام

timeمنذ 28 دقائق

  • بوابة الأهرام

مصر على الطريق الصحيح.. الرئيس خلال تفقده الأكاديمية العسكرية: الأكاديمية لم تعد مصنعًا للرجال فحسب بل منارة لبناء الشخصية المصرية

المنطقة العربية تعانى ظروفًا استثنائية منذ 2011.. وعلاقاتنا بأشقائنا قوية «التواصل الاجتماعى» أداة نافعة إذا أُحسن توظيفها وليست شرًا فى حد ذاتها أكد السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، أن مصر تنعم باستقرار داخلى، وأن ثوابت سياسة الدولة القائمة على الصراحة والمصداقية أثبتت صحتها خلال السنوات العشر الماضية، مشددًا على أنه يراعى الله سبحانه وتعالى، قائلًا: «هدفنا فقط هو البناء والتعمير والتنمية والإصلاح، ولا نخاف من التآمر، ليس لأننا أقوياء فقط، ولكن لأننا نؤمن بوجود الله، السند الأكبر في الحياة، وبفضله ــ سبحانه وتعالى ــ لن يستطيع أحد أن يمس مصر أبدًا». جاء ذلك في لقاء الرئيس السيسى، طلاب الأكاديمية العسكرية المصرية، خلال زيارته الأكاديمية، التى أجراها فجر أمس، داخل مقر قيادة الدولة الاستراتيجى بالعاصمة الإدارية الجديدة، وكان فى استقباله الفريق أشرف زاهر، مدير الأكاديمية. وصرح السفير محمد الشناوى، المتحدث باسم الرئاسة، بأن الرئيس بدأ جولته بأداء صلاة الفجر مع طلاب الأكاديمية، أعقبها لقاء مباشر معهم، حيث أعرب عن تقديره البالغ لقيادات الأكاديمية، وأعضاء هيئة التدريس، والدارسين والدارسات. وأكد الرئيس للطلبة أن الأكاديمية لم تعد مصنعًا للرجال فحسب، بل أصبحت منارة لإعداد الرجال والسيدات، وبناء الشخصية المصرية المتزنة القادرة على مجابهة تحديات العصر فى مختلف مؤسسات الدولة، مشيدًا بالدورات التى تقدمها الأكاديمية للكوادر المدنية، وأهمية برامجها التدريبية والتعليمية التى تم تصميمها من كبار العلماء بالجامعات المصرية فى شتى التخصصات. الرئيس يؤدى صلاة الفجر مع طلاب الأكاديمية وحث الرئيس السيسى الطلاب على أهمية الاستفادة بكل لحظة خلال وجودهم داخل الأكاديمية، سواء من البناء المعرفى أو الاستفادة البدنية، وكذلك العادات التى يمكن ضخها فى المجتمع، مؤكدًا أن أعضاء هيئة التدريس بالأكاديمية عناصر منتقاة مؤمنة بالفكرة والهدف، ويقومون بدور عظيم فى جميع التخصصات والمجالات، والتغلب على الصعوبات التى يواجهونها من أجل تحقيق هذا الهدف، حيث يبدأ اليوم بالأكاديمية من الساعة الرابعة صباحًا كل يوم، فضلًا عن «الاستيقاظ المفاجئ» بحسب التخطيط الموضوع، وهو يعى تمامًا أنه ليس أى أحد يستطيع القيام بهذا الدور الصعب، أو الاستمرار فيه. وفى حديثه عن الوضع الداخلى، أشار الرئيس إلى أن مصر واجهت تحديات أمنية جسيمة منذ أكثر من عقد، كانت من الممكن أن تعصف بأمنها واستقرارها حتى الآن، مؤكدًا أن كل حدث يتم على مستوى الدول، يكون له تأثير سلبى أو إيجابى. وشدد الرئيس على أن مصر تسير على الطريق الصحيح بشهادة المؤسسات الدولية، رغم الظروف الصعبة التى تمر بها المنطقة، وحالة الاضطراب الكبيرة التى سيكون لها تأثير كبير جدًا الآن، وفى المستقبل، على المنطقة بالكامل، قائلًا إن الدولة استطاعت تجاوز تلك المرحلة، وما زالت تحقق تقدمًا ملموسًا رغم صعوبة الأوضاع الإقليمية. .. ويتبادل الحوار مع إحدى الطالبات ولفت إلى أن الظروف الجيوسياسية، ومنها الحرب فى قطاع غزة، أثرت سلبًا على عائدات قناة السويس، وفقدت مصر بسببها أكثر من 8 مليارات دولار كانت عائدًا مباشرًا من القناة، إلا أن مسار الإصلاح الاقتصادى مستمر بشكل جيد، ويتقدم يومًا بعد يوم، ولكن بصعوبة، ومعاناة، يشعر بها الجميع، داعيًا الشعب المصرى إلى مواصلة التضامن والتكاتف لتخطى الصعوبات، وتحقيق التنمية المنشودة. وقال الرئيس إن مصر لا تعانى نقصًا فى السلع أو المنتجات الغذائية، وأن الاحتياطات الموجودة تكفى، مُطمئنًا الشعب المصرى بأن الأمور تسير بشكل جيد، وأن النجاح الذى حققته الدولة فيما يخص الاقتصاد، وتحسين أحوال الناس هو ليس محصلة جهد حكومة فقط، أو قطاع واحد من الدولة، ولكن محصلة جهد شعب، وقطاعات الدولة بالكامل، مشيرًا إلى أنه عندما تعمل جميع القطاعات بكفاءة، وعلم، ومعرفة، يتحقق الإنجاز. وخلال اللقاء، أبدى الرئيس السيسي اهتمامًا بالغًا بالتقدم العلمى، موضحًا أن مواقع التواصل الاجتماعى ليست شرًا فى حد ذاتها، وإنما يكمن الأثر فى كيفية استخدامها، فهى أداة نافعة إذا أُحسن توظيفها، لكنها قد تستخدم كسلاح لترويج الشائعات وهدم المعنويات، وتفكيك الصلابة، وهو ما يواجهه الشعب المصرى بوعى، وإدراك متزايد، محذرًا من أنه ليس كل ما نراه أو نسمعه عبر وسائل التواصل الاجتماعى، أو حتى فى بعض وسائل الإعلام حقيقى، ومطالبًا بالانتباه جيدًا، حيث تمر المنطقة بأصعب وقت، وتستخدم كل وسائل التواصل والإعلام لإحداث التأثير المطلوب لإنجاح الخطط المطلوب تنفيذها. وقال الرئيس بحسم: ' لا أحد يستطيع هزيمة شعب.. ولا دولة تقدر أن تهزم شعب، يمكن هزيمة أفراد، أو قطاعات، لكن الشعب المتماسك، والمؤمن بالله، وبأهدافه، والواثق بنفسه، لا يستطيع أحد أن يهزمه أبدًا، وبشرط أن يكون الشعب، كذلك، فاهمًا وواعيًا، وصلبًا، ومستعدًا دائمًا للتضحية، حتى لو وصل الأمر إلى التضحية بالحياة». السيسى يداعب أحد خيول الأكاديمية وحذر من محاولات بث الفرقة بين الشعوب العربية عبر مواقع التواصل ووسائل الإعلام، إذ استخدمت بعض وسائل الإعلام، خلال الأسابيع والشهور الماضية، للإساءة إلى علاقة مصر بأشقائها، بينما الحقيقة أنها طيبة جدًا، مؤكدًا قوة العلاقات المصرية مع الدول العربية الشقيقة، وضرورة تجاوز الخلافات من أجل وحدة الصف العربى. كما حذر الرئيس السيسى من محاولات بث الفرقة بين مصر وأشقائها العرب، مطالبًا المصريين باليقظة والفهم، قائلًا: «أى أحد يحاول أن ينشب بينكم الخلافات، والوقيعة مع أشقائكم العرب، ينشد الفرقة، والضعف لنا جميعًا، في حين أننا أحوج ما نكون، الآن، للاتحاد معًا.. فهل هذا الوقت مناسب للخلاف أو النزاع ؟! ومن يفكر بتلك الطريقة» ؟!. وفى الشأن الخارجى، أكد الرئيس أن المنطقة العربية تعانى ظروفًا صعبة واستثنائية منذ عام 2011، وليس فقط منذ أحداث 7 أكتوبر 2023، ما يؤكد صحة ثوابت السياسة المصرية المرتكزة على التوازن فى العلاقات والبعد عن المؤامرات وعدم التدخل فى شؤون الآخرين واحترام سيادة الدول والتعاون فقط فى البناء والتنمية والتعمير، وهذا وهو النهج الذى مارسته مصر، ولاتزال، حتى الآن، ونتائجه ملموسة. وشدد الرئيس، على أن علاقات مصر قوية ومتزنة فى المنطقة العربية، ولا توجد أى مشكلة مع أشقائها سواء مع دول المغرب العربى، أو الخليج، مطالبًا بالانتباه جيدا لأن هناك مخططًا لأن نختلف مع بعضنا البعض، على أن يبدأ هذا الاختلاف على مستوى الشعوب، قائلًا: «إننا أشقاء وسنظل أشقاء، وأمننا وأمنهم واحد، فالأمن العربى وحدة واحدة، ترتبط به مصر ارتباطًا وثيقًا، وأى تدخل خارجى يهدف إلى الإضرار وزعزعة استقرار الدول العربية». وحذر الرئيس السيسى كل مواطن مصرى، والمواطنين العرب بكل جنسياتهم، من الانصياع للشائعات وحملات الهدم، مطالبًا بأن نكون جميعًا على قلب رجل واحد، قائلًا :«لقد لاحظ فى الفترة الماضية وجود محاولات للوقيعة بين مصر، وأشقائها العرب الذين نكن لهم كل احترام، وتقدير، ولا ننسى مواقفهم الإيجابية معنا، ولن ننساها أبدًا». .. ويناقش فريق السباحة بالأكاديمية وفيما يخص الوضع فى قطاع غزة، أشار الرئيس إلى أن مصر بذلت جهودا كبيرة، منذ عام 2007 لتجنب التصعيد، مدركة أن الشعب الفلسطينى سيدفع الثمن فى أى مواجهة. وأوضح أن التدمير الحالى في غزة غير مسبوق، وأن الدولة المصرية تواصل العمل من أجل وقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية، والتعاون لإطلاق سراح الرهائن، والأسرى، رغم حملات التشويه، والتضليل التى تستهدف دور مصر المحورى. وقال الرئيس إن مصر تقوم بجهود متواصلة منذ 7 أكتوبر لإطفاء نيران الحرب، وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطينى، وأيضًا إطلاق سراح الرهائن والأسرى، مشيرًا إلى أن هذا الموضوع متعدد الأطراف، ويتم فيه التعاون مع شركاء لوقف الحرب. وأشار الرئيس السيسى إلى أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت حملات ممنهجة من الكذب، والافتراء، والادعاء، والتضليل، والخداع، لتشويه دور مصر، قائلًا: «هل كل ما نراه في المنطقة، ولم نتعلم بعد أنه لا يصح إلا الصحيح ؟! أمازلتم تكذبون، وتخدعون، وتحلمون أحلامًا غير قابلة للتحقيق أبدًا؟!»، مشيرًا إلى أنه تطرق إلى هذه النقطة لأن الناس، أحيانًا، تصدق الكذب، بسبب كثرة ترديده. شدد الرئيس السيسي على أنه يراعى الله سبحانه وتعالى في كل خطوة، قائلًا: «إن أيادينا ليست ملطخة بدماء أحد، ولا بأموال أحد، ولا بالتآمر على أحد، فهدفنا فقط هو البناء والتعمير والتنمية والإصلاح، ونحن لا نخاف من التآمر، ليس لأننا أقوياء فقط، ولكن لأننا نؤمن بوجود الله، السند الأكبر فى الوجود، وبفضله، سبحانه وتعالى، لن يستطيع أحد أن يمس مصر أبدًا». عقب ذلك، تابع الرئيس السيسى الطابور الصباحى للياقة البدنية لطلاب الأكاديمية، حيث أشاد بالمستوى الرفيع الذى يتمتع به الطلاب من حيث اللياقة البدنية، والثقة بالنفس، الذى انعكس جليًا فى أدائهم خلال التدريبات. كما شارك الرئيس طلاب الأكاديمية العسكرية فى تناول وجبة الإفطار، حيث تبادل الحوار معهم، وأكد لهم أهمية التفاني في التدريب، والتحصيل العلمي، إلى جانب ضرورة الوعى بما يحيط مصر من أحداث محلية، وأزمات إقليمية، وتطورات دولية. واختتم الرئيس جولته التفقدية، متمنيًا التوفيق والسداد لطلاب الأكاديمية، ووجه رسالة شكر وامتنان إلى أسرهم، تقديرا لدورهم فى إعداد جيل واعٍ، مؤهل لحمل رسالة الوطن، ومواصلة طريقه نحو مستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا.

الأهرام والمريدون
الأهرام والمريدون

بوابة الأهرام

timeمنذ 28 دقائق

  • بوابة الأهرام

الأهرام والمريدون

من المشروع أن يحتفى بالأهرام كل من انتسب إليه، وخاصة فى مناسبة مرور قرن ونصف القرن على تأسيسه. ولا يقتصر الانتساب على علاقة العمل به فقط، ولا بمصلحة مادية من أية درجة أو نوع، لأن كثيرين جدًا ارتبطوا به وانتسبوا لتوجهاته، والأكثر منهم بمراحل أولئك الذين كانوا وبقوا لا يصح صبح يومهم إلا إذا كان فى أيديهم مع اصطباحة الشاى والإفطار، أو كان تحت إبطهم وهم عائدون من عناء يوم عمل، ليكون متعتهم فى هدأة القيلولة. ولذلك فربما كانت العلاقة بين غير الذين عملوا به وبينه أقرب لعلاقة روحية بين شيخ وبين مريدين، أو بين «صيّيت» منشد أو مطرب وبين السّميعة، أى السامعين الذين قد يستبد بهم الوجد إلى ما لا يوصف من متعة! وقبل أن أستطرد، فقد اخترت أن أتحدث عنه بصيغة المذكر، متأثرًا فى ذلك بالأستاذ هيكل، الذى كان يقول «الجورنال» ويقبل أن يطلق عليه «الجورنالجى». وربما كان مناسبًا أن أبدأ بالرسالة التى كنا فى اتحاد طلاب جامعة عين شمس نكتبها ويوقعها أمين اللجنة الثقافية أو رئيس الاتحاد، موجهة لرئيس تحرير الأهرام أواخر الستينيات نطلب فيها تزويدنا بكمية من إصدارات مركز الدراسات، وتأتينا المجلدات وعلى رأسها محاضر الكنيست وغيرها مما يتصل بالمهمة الأساسية التى أوكلت للمركز برئاسة الأستاذ حاتم صادق - رحمة الله عليه - وكان اللقاء الأول بين الأستاذ هيكل وبين مجموعة «عين شمس». ودار بيننا حوار طويل ثم نشر ما دار فى اللقاء على صفحات الأهرام بمقاله الأسبوعى «بصراحة». وبعدها كان اللقاء الثانى أواخر 1971 إذ كلفنى أستاذى الجليل الدكتور أحمد عبدالرحيم مصطفى أبرز أو الأبرز فى أساتذة التاريخ الحديث والمعاصر، وكان قد اصطفانى لنكون أصدقاء، بأن أطلب موعدًا مع الأستاذ هيكل لنلتقيه، الدكتور عبدالرحيم والدكتور عبدالخالق لاشين والعبد لله، والموضوع هو: لماذا تم منع الكتاب الذى يضم رسالة الدكتوراه الخاصة بلاشين عن سعد زغلول ودوره فى الحياة السياسية؟ وضحك الأستاذ هيكل ونحن جلوس أمامه فى مكتبه، وقال: إن إشاعة المنع متعمدة ومقصودة حتى إذا نزل الكتاب للسوق ازداد الإقبال عليه. وفى الجلسة ذاتها طلب الأستاذ استدعاء حسن يوسف.. وجاء الرجل فإذا حسن باشا يوسف رئيس الديوان الملكى السابق، وقال الأستاذ: يا حسن.. الدكتور عبدالرحيم سيؤسس فى الأهرام مركز الدراسات التاريخية، وعليك أن تطلعه على كل الوثائق البريطانية التى لدينا، وأن تمده بكل ما هو حديث– قالها بالإنجليزية– من الدوريات العلمية التاريخية.. وانصرفنا وصدر الكتاب. وبطريقة أو أخرى استبدل الدكتور محمد أنيس بالدكتور أحمد عبدالرحيم، ليؤسس وحدة التاريخ، وفى ذلك قصة أخرى تتصل بالعلاقات بين أساتذة الجامعات. وذات مرة كنت مع الأستاذ بالمصعد باتجاه الدور الرابع، وإذا به يمد طرف إصبعه ويمسح به حائط المصعد ليتأكد أنه خالٍ من الغبار.. حكايات قد تبدو عادية ولكننى أزعم أنها مع أخرى وقعت تفصح عن جسور كان الأهرام يمدها مع مختلف مؤسسات الفكر والثقافة والبحث العلمى، بل ومع الذين لهم دور فى الحراكات السياسية والاجتماعية فى الحياة العامة المصرية، إذ أدرك الأستاذ هيكل- وهو فى الأهرام، وبمتابعته للحركة الطلابية- خاصة بعد مظاهرات 1968، أن ثمة قوة ضغط وتأثير صاعدة فى الواقع السياسى المصرى، وكانت لقاءاته مع قيادات الحركة الطلابية لقاءات مهمة وعميقة، بل إنه كان يبادر بالتوجيه أحيانًا والتحذير أحيانًا أخرى، ومنها لقاءاته مع قيادات الحركة سنة 1972، وما زلت أذكر عندما طلبنى عام 1973 وذهبت ليقول لى إن الرئيس السادات يريد أن يرانا- أى قيادات اتحاد طلاب عين شمس- وقال ضاحكًا ومحذرًا «إنه يعتبركم أكثر التجمعات انحطاطًا.. وأبلغنى أنكم تقبضون بالليبي»! وقال بالعامية على لسان السادات: «الولاد بتوعك بتوع عين شمس بيقبضوا بالليبى يا محمد»! وسألته بماذا ينصحنا؟! فأجاب «اذهبوا ولا تجرحوه، وتوقفوا عند «الخربشة» لأنه إذا جرح فسيفتك بكم»! وكان لحكاية «الليبى» أصل هو أن أبو بكر يونس وزير دفاع ليبيا عام 1972 جاء لمؤتمر فى الجامعة العربية، وذهب ثلاثة، منهم أنا للقائه، وقلنا إن السادات يحاصر الناصريين ويضرب ثورة يوليو.. فما كان من الأخ أبوبكر إلا أن طلب لقاء السادات صباح اليوم التالى، وأخذ يعاتبه حول ما قلناه.. هكذا روى لى الأستاذ هيكل، واعتبرنا السادات عملاء لليبيا! وذهبنا لبرج العرب يوم الخميس 20 سبتمبر 1973 مع الدكتور كمال أبو المجد، واستقبلنا الرئيس السادات، ومعه ممدوح سالم والدكتور إسماعيل غانم.. وعندما جاء دورى فى الحديث تكلمت طويلًا وبدأت بسؤال للرئيس: هل سيادتك قلت إننا عملاء لليبيا؟! فأجاب بالنفى القاطع: «أنا يا ابنى عمرى ما اتهم مصرى بالخيانة لبلده وإلا لم أكن لأدعوكم للقائى»، واستطال كلامى حتى أوقفنى لأتيح الفرصة لزملائى. كان الأهرام يسعى عبر الأستاذ ليكون تأثيره غير مقتصر على المهمة الصحفية والإعلامية والثقافية، ولكن يتعداها ليكون مؤثرًا مباشرًا فى الحياة السياسية عبر ما يمكن أن نسميه «جماعات الضغط» آنذاك، وفى مقدمتها الحركة الطلابية.. ولم يكن الأستاذ هيكل وحده فى هذا المضمار، بل كان معه فريق مجلة الطليعة، وعلى رأسهم الأستاذ لطفى الخولى، إذ كانت الطليعة - التى تصدر عن مؤسسة الأهرام - منبرًا مهمًا بل وخطيرًا تطل منه قوى اليسار الأممى والقومى وبعض الليبراليين وتتفاعل مع المشهد السياسى وتؤثر فيه وتحرك بعض لاعبيه. وعليه فلم يكن الأهرام فى مرحلة ما مجرد جورنال يحتل صدارة الصدارة، وإنما مع ذلك كان مؤثرًا مباشرًا فى الحراك السياسى المصرى، وربما تكون لى وقفة أخرى عن الاشتباك بين «الأهرام» وبين «الجمهورية» فى حوار سياسى ملتهب، وتلك لقطة لا يتوقف الكثيرون أمامها باعتبارها جزءًا من الصراع السياسى عقب رحيل جمال عبدالناصر.

عمرو الورداني يحذر من تحول الأخلاق لـ«سوق نخاسة على السوشيال» (فيديو)
عمرو الورداني يحذر من تحول الأخلاق لـ«سوق نخاسة على السوشيال» (فيديو)

المصري اليوم

timeمنذ 28 دقائق

  • المصري اليوم

عمرو الورداني يحذر من تحول الأخلاق لـ«سوق نخاسة على السوشيال» (فيديو)

قال الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن من يبرر للظالم، ويزيف الحقيقة الواضحة، أو يحاول تلميع وجه المعتدي، إنما يشارك في الجريمة نفسها، ويخون القيم التي جاء بها الإسلام ورفعها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأضاف الورداني، خلال حلقة برنامج «مع الناس»، المذاع على قناة الناس، اليوم الأربعاء، أن دعاء النبي ﷺ: «اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه»، يُلزم الإنسان بأن يكون صادقًا في بصيرته، وألا يبيع الحقيقة بأي ثمن، مستشهدًا بقول الله تعالى: «بل الإنسان على نفسه بصيرة». وشدد على أن الأخطر من سوق النخاسة الذي باع فيه الناس أجسادهم، هو «سوق نخاسة القيم»، حين يتحول الإنسان إلى أداة لتزييف الأخلاق، وتبرير الباطل، وتبرئة المجرم، وتجريم الشريف، مضيفًا: «من يتحدث باسم الدين لتبرير العدوان، هو تاجر في الدين، يبيع الأخلاق كما تُباع البضائع في الأسواق». وأشار الورداني إلى أن من يعجز عن قول كلمة الحق في وجه الظالم، وينسى حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه: «إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا»، قد فقد إنسانيته، مضيفًا: «من يحصن وجه الكيان المعتدي ويخدم روايته، هو شريك في استمرار هذه الجريمة». وتابع: «لقد كشف الله سبحانه وتعالى حقيقة الكثيرين، وفضح من جعلوا من الدين سلعة، ومن الكرامة صفقة، ومن العدالة ورقة تفاوض، هؤلاء لم يعودوا يمثلون إلا أنفسهم، ولن يعجز الله عن أن يُظهر الحق مهما حاول البعض دفنه أو الالتفاف عليه».

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store