
لماذا يفشل التعليم في المغرب رغم كل خطط الإصلاح؟
بقلم عبد الحكيم العياط
باحث جامعي في العلوم السياسية
يواجه النظام التعليمي في المغرب أزمة بنيوية عميقة استمرت لعقود، دون أن تنجح السياسات الإصلاحية المتعاقبة في معالجتها بشكل جذري. فبينما يظل التلقين والحفظ هما الركيزتان الأساسيتان للمناهج الدراسية، تتزايد الدعوات إلى اعتماد تعليم قائم على التفكير النقدي والإبداع، وهو ما لم يتحقق بعد.
إن أزمة التعليم في المغرب ليست مشكلة حديثة، بل هي نتاج تراكمات لسنوات من السياسات غير المتوازنة والإصلاحات التي لم تراع بشكل دقيق خصوصيات المجتمع المغربي وظروفه الاجتماعية والاقتصادية. فمحاولات الإصلاح المتتالية، بدءًا من الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999، مرورًا بالبرنامج الاستعجالي 2009-2012، وصولًا إلى الرؤية الاستراتيجية 2015-2030، لم تحقق النتائج المرجوة، بل ظلت دون المستوى المطلوب في العديد من الجوانب.
تؤكد التقارير والإحصائيات على عمق هذه الأزمة. وفقًا لوزارة التربية الوطنية، يعجز حوالي 77% من تلاميذ التعليم الابتدائي عن قراءة نص باللغة العربية يتكون من 80 كلمة، بينما يعجز 70% منهم عن قراءة نص بسيط باللغة الفرنسية يتكون من 15 كلمة. هذه الأرقام تعكس خللًا واضحًا في الأساليب البيداغوجية المعتمدة، وعدم قدرة المنظومة التعليمية على تلبية الحد الأدنى من الكفاءات المطلوبة.
وعلى مستوى التعليم الثانوي، تحتل المملكة مراتب متأخرة عالميًا وفقًا لتقارير برنامج 'تقييم الطلبة الدوليين' PISA التابع لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.ففي أحدث تقييم صدر عام 2023، جاء المغرب في المرتبة 75 من أصل 79 دولة مشاركة، مما يكشف عن نقص حاد في تطوير مهارات التفكير النقدي والتحليلي.
الهدر المدرسي يشكل تحديًا آخر، إذ تشير المعطيات الرسمية إلى أن حوالي 331 ألف تلميذ ينقطعون عن الدراسة سنويًا، مع ارتفاع هذه النسبة في المناطق القروية إلى 5.9%.
ويُعزى هذا الوضع في جزء كبير منه إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية، بالإضافة إلى عدم جاذبية المناهج الدراسية التي لا تراعي حاجيات المتعلمين ولا تشجع على الابتكار.
أما على مستوى اللغات الأجنبية، فتكشف الإحصائيات عن ضعف كبير يعاني منه التلاميذ. حيث لا يتقن سوى 6% من تلاميذ الابتدائي اللغة الفرنسية، بينما لا يتجاوز معدل من يتحدثون بالعربية الفصحى 15%. هذا الضعف اللغوي يؤثر بشكل مباشر على قدرة المتعلمين على متابعة دراساتهم العليا أو الاندماج في سوق العمل.
وعلى الرغم من محاولات وزارة التربية الوطنية مواجهة هذه التحديات من خلال خارطة طريق 2022-2026، التي تهدف إلى مضاعفة نسبة التلاميذ المتحكمين في التعلمات الأساسية وتوسيع تدريس اللغات الأجنبية، إلا أن التنفيذ لا يزال يواجه عراقيل كبيرة.فغياب استراتيجيات واضحة لتكوين المدرسين وتأهيلهم وفقًا لمعايير حديثة يبقى أحد أبرز المعوقات.
ضعف التكوين المهني للمدرسين يترافق مع مناهج دراسية تقليدية لا تواكب التطورات الحديثة، مما يؤدي إلى إنتاج أجيال غير مؤهلة لمواجهة تحديات العصر. كما أن التمويل غير الكافي يحد من إمكانية تنفيذ إصلاحات جذرية، حيث تخصص الميزانية المعتمدة للتعليم -والتي بلغت 60 مليار درهم سنة 2024- بشكل أساسي للأجور ونفقات التسيير، بينما تظل الاستثمارات في تحسين جودة التعليم والبنيات التحتية محدودة.
التعليم الخاص بدوره يعاني من مشكلات عميقة، حيث أصبح قطاعًا تجاريًا يعتمد على الربح أكثر من جودة التعليم. وفي غياب رقابة صارمة من الوزارة، تواصل بعض المؤسسات الخاصة تقديم خدمات تعليمية ضعيفة المستوى بأثمنة مرتفعة، دون أن توفر تكوينًا ملائمًا للأطر التعليمية.
استمرار هذا الوضع يشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الأجيال المغربية، خصوصًا في ظل التحولات العميقة التي يعرفها العالم على مستوى الاقتصاد والمعرفة. فإذا كانت الدول المتقدمة قد قطعت أشواطًا كبيرة في اعتماد التعليم القائم على الابتكار والتفكير النقدي، فإن النظام التعليمي المغربي لا يزال عاجزًا عن تجاوز مرحلة التلقين التقليدي.
الحلول الممكنة لهذه الأزمة لا يمكن أن تنحصر في تحسين المناهج فقط، بل يجب أن تشمل إعادة هيكلة شاملة للمنظومة التعليمية، ترتكز على تكوين المدرسين بشكل فعال، وتطوير آليات التقييم، وتوفير الموارد المالية اللازمة لتحديث البنيات التحتية. كما ينبغي التركيز على العدالة الاجتماعية وضمان تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات والمناطق.
رغم هذه التحديات، يظل الأمل قائمًا في إصلاح حقيقي ينهض بالنظام التعليمي المغربي، شريطة توفر الإرادة السياسية الحقيقية، وتعبئة كافة الفاعلين في القطاع لتحقيق تغيير جوهري ومستدام.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


زنقة 20
منذ 2 أيام
- زنقة 20
وكالة أبي رقراق تنفق 270 مليون لوقف تآكل نهر العدوتين
زنقة 20 ا الرباط في خطوة مثير وجديدة تتعلق بالمشروع الحي الميت لضفتي وادي أبي رقراق، أعلنت وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق عن إطلاق دراسة تقنية بقيمة 2.7 مليون درهم (270 مليون سنتيم)، تهم 'الحماية من مخاطر التآكل التي تهدد مجرى النهر على مستوى مدينة الرباط'. ويأتي هذا المشروع في ظل الانتقادات المتزايدة حول تباطؤ إنجاز مشاريع ملموسة تعيد الزخم لمحيط وادي أبي رقراق، الذي يُعد من أبرز الفضاءات الطبيعية والحضرية بالرباط وسلا. وتهدف الدراسة إلى تشخيص الوضعية الحالية للضفاف والمجاري المائية، واقتراح حلول تقنية للحد من التآكل وضمان استدامة التدخلات المستقبلية، إلا أن هذه الدراسة تطرح عدة أسئلة حول الجدوى منها إذا تم ركنها لسنوات للأخذ بها وإطلاق الأشغال فور التوصل بها.


كش 24
منذ 5 أيام
- كش 24
إنجاز دراسات ومشاريع لتخطيط وتنمية الموارد المائية بكلفة إجمالية تناهز 9.4 مليون درهم
تعمل وكالة الحوض المائي اللكوس على تنفيذ مجموعة من المشاريع الحيوية في مجال تخطيط وتنمية الموارد المائية، بهدف تعزيز الحماية من الفيضانات وتحقيق استغلال مستدام للموارد المائية ضمن نطاق نفوذها. من بين المشاريع المنجزة، وفق ما اوردته منصة "الما ديالنا" التابعة لوزارة الماء والتجهيز، تم تحديث جرد النقط المهددة بالفيضانات بنسبة 100% بتكلفة مالية بلغت 0.33 مليون درهم، حيث يهدف هذا المشروع إلى تجديد المعطيات المتعلقة بالمناطق التي تواجه خطر حمولة مائية قوية. أما على صعيد المشاريع الجديدة، فقد انطلقت دراسات تقنية تمهيدية لإعداد أطلس المناطق المهددة بالفيضانات بتكلفة تصل إلى 5.9 مليون درهم، وذلك لرسم خريطة دقيقة للمناطق التي تتطلب تدخلات وقائية. كما يجري العمل حالياً على إعداد مشروع مخطط الوقاية من مخاطر الفيضانات في عمالة طنجة-أصيلة بتكلفة 2.26 مليون درهم، بهدف حماية السكان والممتلكات من الأضرار المحتملة الناتجة عن الفيضانات. إضافة إلى ذلك، تم الشروع في دراسة إعداد عقود الفرشات المائية لمناطق نيس النكور، شرف العقاب، بوأحمد، بالإضافة إلى إعداد الاتفاقيات الموضوعاتية المرتبطة بعقدة الفرشة المائية الرمل، بتكلفة 0.72 مليون درهم، بهدف تنظيم واستدامة استغلال هذه الموارد المائية. وفي إطار تعزيز تعبئة الموارد، تُنجز حالياً دراسة جدوى تقنية للسدود الصغرى والتلية بنسبة إنجاز بلغت 80%، بتكلفة 0.25 مليون درهم، لتقييم إمكانية إنشاء سدود صغيرة تدعم تحسين استغلال المياه. وبتجميع تكاليف هذه المشاريع، تصل الميزانية الإجمالية إلى 9.46 مليون درهم، ما يعكس حرص وكالة الحوض المائي اللكوس على مواجهة التحديات المناخية والبيئية من خلال مشاريع متكاملة تهدف إلى تطوير وتنظيم الموارد المائية بشكل مستدام.


الأيام
منذ 7 أيام
- الأيام
المغرب يعزز مكانته الرائدة في الكيمياء الصناعية خلال 'المنتدى الدولي الثالث' بالرباط
انعقدت الدورة الثالثة للمنتدى الدولي للكيمياء، تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتنظيم من فيدرالية الكيمياء وشبه الكيمياء، وبشراكة مع وزارة الصناعة والتجارة والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات. حيث جمع هذا الحدث الوطني والدولي أبرز الفاعلين في قطاع الصناعات الكيميائية، لبحث دور الكيمياء في التحول الطاقي والتحديات الاستراتيجية التي تواجه المملكة. كما حملت الدورة شعار 'الكيمياء في صلب الانتقال الطاقي والتحديات الاستراتيجية'، حيث ركزت على الدور البنيوي للكيمياء في تطوير الصناعات الوطنية، وخصوصاً في مجالات الهيدروجين الأخضر، والبطاريات عالية الأداء، وتثمين الموارد المعدنية. وأكد المسؤولون في الكلمات الافتتاحية أهمية القطاع كرافعة استراتيجية للابتكار والتنمية الاقتصادية، مشيرين إلى المكانة المتقدمة للمغرب كقطب عالمي ناشئ في هذا المجال، مع تحقيق نسبة 30% من الإنتاج الصناعي الوطني وتوفير أكثر من 220,000 فرصة عمل. وشددت الوزيرة ليلى بنعلي، في كلمة خاصة، على الدور المحوري للصناعة الكيميائية في الانتقال الطاقي، مركزة على أهداف خفض انبعاثات الكربون وتطوير الاقتصاد الدائري، في إطار طموحات استثمارية تصل إلى 120 مليار درهم بحلول 2030. كما أشار وزير الصناعة والتجارة رياض مزّور إلى ضرورة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة لتعزيز تنافسية القطاع وتحقيق التنمية الوطنية المستدامة، مؤكداً التزام المغرب بالتحول الصناعي والطاقة النظيفة. وشهد اليوم تنظيم ثلاث جلسات عمل متخصصة تناولت صناعة البطاريات عالية الأداء، وإمكانات الهيدروجين الأخضر كمحرك طاقي رئيسي، ودور الكيمياء في الاندماج الصناعي وتثمين الموارد المعدنية الوطنية. وقد برزت هذه النقاشات، التي شارك فيها خبراء ورؤساء شركات كبرى، كدليل على قدرة المغرب على الجمع بين الأداء الاقتصادي والسيادة الصناعية والتحول الإيكولوجي، مؤكدة طموح المملكة في أن تصبح مركزاً عالمياً متميزاً في قطاع الكيمياء.