logo
صحوة أوروبا

صحوة أوروبا

صحيفة الخليجمنذ 2 أيام

على مدى 20 شهراً، ومبادرات وقف الحرب على غزة متواصلة سواءً من الوسطاء أو من غيرهم، ورغم ذلك تم إحباط كل مسعى ليطول أمدها، وكلما طالت الحرب، ازدادت خسائر إسرائيل السياسية وغير السياسية، ويكفي أنها غيرت صورة إسرائيل وأحبطت جهود الإعلام الموالي لها، في تسويقها واحة للديمقراطية ودولة سلام وجيشها أخلاقي.
أصبحت صورة إسرائيل اليوم عالمياً على النقيض تماماً عن صورتها قبل اشتعال هذه الحرب، وحقيقة هذه الدولة لم يكشفها أعداؤها ولا المتآمرون عليها، ولكن كشفتها أفعالها المتجاوزة للقوانين الدولية وللقيم الإنسانية، يراها الكثيرون حول العالم اليوم الدولة القاتلة للأطفال والنساء، لا تفرق بين مدني ومسلح في القتل، بعدما جعلت من كل كائن حي، ومن كل مبنى وشارع وزرع في القطاع المنكوب، هدفاً لآلتها العسكرية.
إسرائيل أحبطت عشرات المبادرات لوقف الحرب، اختارت أن تتحدى العالم، والعالم نفد صبره، ولم يعد أمام المدافعين عنها بالأمس سوى الوقوف في وجهها اليوم. أوروبا التي اعتبرت دعم إسرائيل عسكرياً وسياسياً فريضة عليها، وجدت نفسها مضطرة للتوقف عن أداء الفريضة، غيرت لغتها الدبلوماسية تدريجياً، من الدعم المطلق لإسرائيل، ومنع التظاهر ضدها ومحاكمة من يطالب بوقف الحرب، أو يؤيد الحق الفلسطيني في بداية المعركة، إلى مناشدة نتنياهو التوقف بدبلوماسية ناعمة، إلى المناشدة الخشنة واستخدام اللغة الحادة، حتى وصل الأمر خلال الأيام الأخيرة إلى استنكار الجرائم الإسرائيلية غير المسبوقة والمطالبة بإنهاء حصار غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، ووقف حرب التجويع والإبادة، والتهديد بفرض عقوبات عليها.
الضمير الأوروبي كان جزء منه يقظاً منذ انطلاق الحرب الظالمة، لكن غالبيته كان في سبات عميق، قليل من الأوروبيين تعاطفوا مع أهل غزة، وعبّروا عن ذلك بالتظاهر والاستهجان والتنديد عبر السوشيال ميديا، ولكن مع طول أمد الحرب واستمرار الحصار والحرمان من الطعام والدواء، ومع تدمير كل معالم الحياة، بدأت المواقف تتبدل، وانضم الداعمون لإسرائيل إلى الرافضين لحربها وسياساتها وغرورها.
بعد أن كان معظم المتعاطفين مع الحق الفلسطيني من الطلاب والشباب والعمال، أصبحوا من كل الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية، وأصبح اسم فلسطين حاضراً في المجالس النيابية الأوروبية، وأصبح انتقاد نواب لصناع القرار أمراً معتاداً في معظم العواصم. مساحة الرفض اتسعت ومساحة التنديد الشعبي تمددت، ومساحة النشر الإعلامي للحقائق تزايدت، ليتحول التعاطف مع أهل الحق إلى طوفان يجرف في طريقه كل مضلل ومزيّف، وهو ما فرض على أصحاب القرار الاستماع إلى صوت شعوبهم، وتبني مواقف الرأي العام، وتغيير النهج والانتقال إلى الضفة الأخرى لعلها تكون المنجّية لهم سياسياً، والداعمة لهم انتخابياً.
الأوروبيون اليوم منهم من اعترف بالدولة الفلسطينية، بعد أشهر من اندلاع هذه الحرب، ومنهم من يعد بالاعتراف بها خلال أسابيع، ومنهم من يعلن عدم التخلي عن حل الدولتين، وقياداتهم تُجمع على ضرورة معاقبة إسرائيل، ومراجعة اتفاقيات التعاون والشراكة معها، وبينهم من يدرس وقف تزويدها بالسلاح.
الكوفية الفلسطينية على رقاب شباب أوروبا، والعلم الفلسطيني يلون شوارع المدن هناك، وجملة «فلسطين حرة»، أصبحت تتردد في المهرجانات الفنية والسينمائية والفعاليات الرياضية والمؤتمرات الثقافية والمناسبات الاجتماعية، واللوبي الصهيوني الذي كان يحدد بالأمس اتجاهات الرأي العام الأوروبي، فقد القدرة على التحكم في قناعات الناس،الصوت الإسرائيلي لم يعد مسموعاً والصوت المناهض للحرب أصبح يخترق العقول، ويسكن في الوجدان الجمعي، لتصبح أوروبا اليوم جديدة في مواقفها تسعى لاستعادة إنسانيتها، مساعٍ قد تنجح وقد تحبطها قوة رأس المال وتعيدها إلى ما كانت عليه سابقاً، ولكنها في النهاية مساع تضيء على قضية شعب مطارد على أرضه، مهدد في مستقبله خائف من غده..
الماضي يمكن أن يلاحق المستقبل، والأمل أن تنجح قوة وقسوة الحاضر في قطع الطريق عليه، وإعادته ليتقوقع داخل ذاته تاركاً المستقبل يرسم لنفسه الصورة المبتغاة، ورغم أن الحرب ضروس وأن الأقوى عالمياً لا يزال منحازاً لإسرائيل، إلا أن الدرس الأوروبي يستحق التعلم منه.
ليست أوروبا هي المحطة الأخيرة التي تقرر الوقوف ضد همجية الحرب على غزة، فهناك محطات أخرى يتصارع فيها المؤيدون لإسرائيل والمعارضون لها، ولعل المحطة الأمريكية هي الأهم، باعتبار أن واشنطن هي مركز صناعة القرار العالمي، وهي الداعم الأول لإسرائيل سياسياً وعسكرياً وإعلامياً، وتغير الموقف الأمريكي ليس بالأمر المستحيل، ولنا في الموقف البريطاني درس وعبرة، فبريطانيا هي صاحبة قرار وعد بلفور، وهو الفعل الذي لن يسقط من ذاكرة التاريخ.
ورغم ذلك فقد تغير موقف بريطانيا ولم تعد تتقبل إصرار إسرائيل على مواصلة الحرب، والطلاب والشباب في أمريكا أصحاب مواقف معلنة، وبسبب مواقفهم تعرضت الجامعات الأمريكية، وما زالت لمواقف متعنتة، وما تتعرض له جامعة هارفارد الأفضل عالمياً، يشغل العالم؛ والتضييق على الطلاب وتهديدهم لم يمنع ممثليهم في خطاب التخرج في أكثر من جامعة أمريكية، من الخروج عن النص، والتنديد بإسرائيل غير عابئين بالنتائج السيئة على مستقبلهم.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مصر: يجب على إسرائيل الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار النووي
مصر: يجب على إسرائيل الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار النووي

صحيفة الخليج

timeمنذ 32 دقائق

  • صحيفة الخليج

مصر: يجب على إسرائيل الانضمام لمعاهدة عدم الانتشار النووي

أكد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، أن الخلل القائم في التزامات الدول تجاه منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط، يسهم في تفاقم حالة عدم الاستقرار الإقليمي. جاء ذلك خلال استقباله المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل غروسي، حيث شدد عبد العاطي على أن إسرائيل تظل الدولة الوحيدة في المنطقة التي لم تنضم إلى معاهدة عدم الانتشار النووي، وترفض إخضاع منشآتها النووية لضمانات الوكالة. وطالب عبد العاطي بانضمام إسرائيل إلى المعاهدة كدولة غير نووية، مشيراً إلى أهمية دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تنفيذ القرار السنوي الصادر عن مؤتمرها العام بشأن تطبيق الضمانات في الشرق الأوسط. وأكد الوزير أن مصر تمضي قدماً في توظيف الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، في إطار مشروع محطة الضبعة النووية، والذي يمثل خطوة نوعية في هذا المسار. كما أعرب عن تطلع مصر للاستفادة من خبرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لضمان تطبيق أعلى المعايير الدولية في مجالات الأمان والأمن النووي.

وانقلب السحر على الساحر
وانقلب السحر على الساحر

البيان

timeمنذ 33 دقائق

  • البيان

وانقلب السحر على الساحر

كنا ننتظر ردود أفعال تقترب من حجم مأساة غزة، فالمناشدات أثبتت فشلها في إثناء نتانياهو عن تنفيذ الأفكار التي تراوده للهرب بعيداً بحربه وقتله وتدميره واستهتاره بالعالم. شخص مثله أصبح خارج السيطرة كما قال نواب إسرائيليون لا يعادون السامية، ولا يستطيع أن يتطاول عليهم ويوجه لهم اتهامات جاهزة و«معلبة» في قاموسه اللغوي الهابط، وفي الأيام الأخيرة بدأ مرحلة الردود التي تحمل نبرة عنصرية ضد الأوروبيين، أولئك الذين لا يدينونه، ولا يهاجمونه، ويتحدثون بأدب واحترام، إلى درجة اتهامه للرئيس الفرنسي بشن حرب صليبية على الدولة اليهودية، فقط لأن ماكرون طالب المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف أكثر حزماً حيال تصرفات الحكومة الإسرائيلية ضد سكان غزة، من هجوم عسكري مستمر وبشكل يومي، إلى منع المساعدات الإنسانية والاستمرار في فرض حصار لإجبار السكان على الرحيل أو الموت جوعاً. العالم مازال يرى ويسمع، وما عاد متعاطفاً مع «مظلومية»، دولة تقتل ثم تبكي، وقد صدقت تلك النائبة التي امتدحت نتانياهو في مجلس الديمقراطية المزيفة، وقالت له «أنت ساحر، فعلاً ساحر، لماذا؟ لأنه كيف يعقل أن العالم كله كان في صفنا، والآن حولت العالم ليصبح كله ضدنا، فقط السحرة قادرون على فعل ذلك»، هي قالت ذلك، ونحن نقول ما قيل في أدبياتنا المتوارثة، إن السحر قد ينقلب على الساحر، فإذا حدث ذلك انكشفت الخفايا، وفشلت الوسائل، وما عادت «الحمامة» تخرج من القبعة، وما عادت القطعة النقدية تسحب من الأذن! نتانياهو حقق انتصارات على بعض الميليشيات في ثلاث أو أربع دول، خدمته قوة قاتلة مهداة من دول بدأت تتساءل عن دورها في عمليات القتل الجماعي وما يتبعها من جرائم إنسانية يندى لها الجبين، ولأنها لا تجد إجابة شافية تحاول اليوم أن تخفف وقع أسلحتها ووسائل القتل التي وضعتها في يد مجموعة «توحشت» حتى بدأت تهدد حلفاءها.

كيف يمكن التحرر من قبضة الصين على المعادن الحيوية؟
كيف يمكن التحرر من قبضة الصين على المعادن الحيوية؟

البيان

timeمنذ ساعة واحدة

  • البيان

كيف يمكن التحرر من قبضة الصين على المعادن الحيوية؟

كانت جرينلاند تدرك تماماً ما تفعله عندما وجهت تحذيراً إلى الولايات المتحدة وأوروبا: إما أن تقدّما الدعم اللازم لاستغلال الثروات المعدنية الكبيرة في جرينلاند، وإلا فإنها ستتجه حتماً نحو الصين. وقد كشفت التوترات الجيوسياسية والتجارية المسيطرة عالمياً عن حجم الهيمنة الصينية على العناصر المعدنية النادرة، في وقت لم تعد فيه قوى السوق وحدها كفيلة بقلب هذا الواقع. وتستحوذ الصين على الحصة الأكبر من عمليات تعدين وتكرير المعادن الاستراتيجية مثل النحاس والليثيوم والكوبالت والعناصر الأرضية النادرة، وهي مواد أساسية لشبكات الطاقة والبطاريات، فضلاً عن صناعات الهواتف المحمولة والصواريخ. وتستفيد بكين من سياسات داعمة، وقدرات إنتاج واسعة النطاق، وكفاءة تشغيلية عالية، مكنتها من السيطرة على نحو 70% من عمليات تكرير 20 معدناً استراتيجياً رصدتها وكالة الطاقة الدولية. وتُعدّ عمليات التعدين خارج الصين باهظة التكلفة، إذ تقدر وكالة الطاقة الدولية أن التكاليف الرأسمالية للمشاريع في البلدان التي لا تمتلك الخبرات أو الريادة العالمية في هذا المجال تزيد عادة بنسبة 50%، فعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة تكرير الليثيوم 60 دولاراً للكيلوغرام في البلدان الثلاثة الرائدة مقابل 103 دولارات في بقية دول العالم، كما يواجه المستثمرون تحديات إضافية تتمثل في ارتفاع تكاليف الطاقة والرسوم والقيود التنظيمية، فضلاً عن تقلبات الأسعار الحادة التي تتسم بها أسواق هذه المعادن. وتبرز أربعة حلول محتملة لمواجهة هذا الواقع، يتمثل أولها في تدخل الحكومات بشكل مباشر عبر تقديم الدعم المالي اللازم في هذا المجال. لذلك، خصصت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عشرات المليارات من الدولارات لصناعة الرقائق على سبيل المثال، كما قدمت أستراليا قروضاً لتطوير مصفاة للعناصر النادرة من قبل شركة «إيلوكا ريسورسز»، واستكملت التمويل الأولي عندما تجاوزت تكاليف البناء الميزانية المقررة. وبالنسبة إلى الجهات المترددة في ضخ الدعم المالي المباشر، فيمكنها اللجوء إلى آليات بديلة، حيث يمكن لعقود الفروقات (التي توفر سعراً مضموناً لفترة زمنية محددة) أن تساعد في جذب المستثمرين، وقد تم تبنيها بالفعل من قبل المملكة المتحدة ودول أخرى لدعم إنتاج الكهرباء منخفضة الكربون. ويتمثل الحل الثاني في ابتكار طرق جديدة وأقل تكلفة لاستخراج المعادن، فالاستخراج المباشر لليثيوم من المحاليل الحرارية الجوفية - باستخدام أغشية لتصفية العنصر المطلوب على سبيل المثال - يمكن أن يكون أكثر فعالية من حيث التكلفة مقارنة بالطرق التقليدية، كما أن إعادة التدوير تعزز الإمدادات عندما يتسنى التغلب على تحديات ندرة المواد الخام أو انبعاث الغازات السامة. ويبرز الذكاء الاصطناعي كحل ثالث محتمل، إذ تقدر وكالة الطاقة الدولية أن توظيف الذكاء الاصطناعي في عمليات الاستكشاف الجيولوجي قد يخفض تكاليف الحفر بنسبة تصل إلى 60 بالمئة. وفي بعض السيناريوهات، قد يرفع معدلات نجاح الاكتشافات إلى أربعة أضعاف. ويتمثل الحل الرابع والأخير في إيجاد بدائل للمعادن النادرة، حيث ما زالت البطاريات الغنية بالكوبالت تتنافس مع بطاريات فوسفات حديد الليثيوم التي تتصدر في السوق الصينية حالياً، غير أن النسخ الغنية بالمنغنيز، مثل تلك التي تطورها شركة الكيماويات الأوروبية «يوميكور»، بدأت تكتسب زخماً متزايداً في الأسواق العالمية. وقد يعترض أنصار مبادئ السوق الحرة على أن الاعتماد المفرط على التخطيط والدعم الحكومي يشبه بشكل كبير الاستراتيجية الصينية. وفي عالم مثالي، لن تكون مثل هذه التدخلات ضرورية، لكن في الواقع العملي، فإن أمن سلاسل الإمداد يفرض تكاليف لا مفر منها، والتحدي الحقيقي يكمن في تقليص هذه التكاليف إلى أدنى حد ممكن دون المساومة على الاستقلالية الاستراتيجية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store