
نحو مناقشة موضوعية لمقترح وزير الأوقاف بعودة الكتاتيب
(1)
أزعم أننى ربما كنتُ من أوائل الذين بادروا بالكتابة عن فكرة وزير الأوقاف الحالى د.أسامة الأزهرى بعودة الكتاتيب، وقد وجهتُ لفضيلته عدة تساؤلات لم يصدر عن الوزارة حتى الآن أية إجابات عنها. وبعد التصريحات الأخيرة لرئيس وزراء مصر، أجدنى مضطرا – بصفتى مواطن مصرى مهتم ومتابع لقضايا الخطاب الدينى فى مصر منذ سنواتٍ طويلة – أن أكتب هذا الرد على ما طرحه د.مصطفى مدبولى. وينبغى علينا كمصريين أن نتجاوب مع ما قاله معاليه حرفيا (أن الرئيس وجه بدراسة مقترح الدكتور أسامة الأزهرى وزير الأوقاف بعودة الكتاتيب)، فالرئيس السيسى – كما عرفناه فى السنوات السابقة يولى اهتماما كبيرا لفكرة الحوار المجتمعى قبل اتخاذ أى قرار يخص إحدى القضايا ذات التأثير على مصر والمصريين. لذلك فأنا أصنف حديثى هذا ضمن هذا الحوار المجتمعى الواجب. وأزعم أن هناك ما أقوله فى هذا الملف نتيجة تراكم عدة أشياء لدى فى العقود السابقة وحتى الآن. فأنا من صعيد مصر وتنقلت بين محافظاته، ومحافظات أخرى شمال مصر، واكتسبتُ جزءً كبيرا من خبراتى فى ملف الخطاب الدينى من المعايشة المجتمعية الحقيقية ولا أتناول الملف تناولا أكاديميا منفصلا عن الواقع المصرى، فقدرٌ كبير من معرفتى ببلادى هى نتاج (ثقافة شارع). كما تراكم لدى رصيدٌ غير قليل من متابعة ملف الخطاب الدينى والقائمين عليه من أئمة – سوف يكونون مسؤولون بشكل مباشر عن الكتاتيب – والتطورات التى مر بها هذا الملف وذلك منذ نهايات ثمانينات القرن الماضى وحتى كتابة هذه الكلمات. فأنا لا أخوض فيما أجهله.
قال د.مدبولى فى نص تصريحاته التى تم عنونتها (بعودة الكتاتيب فى قرى ونجوع مصر).. (أن الأهم فى هذا الموضوع هو ضمان تقديم هذه الكتاتيب رسائل تساهم فى تكوين الشخصية المصرية السوية. وأن أهم الرسائل التى سيتم الحرص عليها هى ثوابت الدولة المصرية التى تقوم على الوسطية والتسامح واحترام الآخر وحب الوطن واحترام كل الأديان. وأنه ناقش مع وزير الأوقاف كيفية ترجمة هذه الرسائل داخل الكتاتيب..و وجوب الانتقاء بدقة لمن يعلمون الأطفال فى هذه الكتاتيب منعا لحدوث تأثير سلبى فى المستقبل)
كلام رائع يمثل غاية كل مصرى لبلاده. لكن ما هى نسبة وجود هذه العبارات الإنشائية على أرض الواقع؟ وهل هو ما سوف يحدث فعلا؟ وهل لدى الدولة المصرية آلية واقعية للتأكد من تطبيق ذلك؟ وهل يعرف السادة المسؤلون فى مصر ما يتم بثه فى خطب الجمعة على منابر مساجد قرى ونجوع مصر التى يتحدثون عن عودة الكتاتيب إليها؟ وهل تحقيق الأهداف هذه – وما نطمح إليه من أهداف أخرى من وضع أبناء مصر على طريق التعليم العصرى – سوف يتم عن طريق الكتاتيب، أم أن عكسها هو ما سوف يحدث؟
(2)
من دراستى لما حدث فى مصر فى العقود السابقة، ومن متابعتى لما يحدث الآن من واقع فعلى سوف أقدم إجابات لهذه التساؤلات وأضعها أمام المسؤلين فى مصر لكى يتحمل كل منا مسؤليته تجاه هذا الوطن أمام الله وأمام التاريخ. هناك محافظات فى شمال ووسط صعيد مصر كانت خاضعة عقليا تماما لأساطين الجماعات المتطرفة مثل المنيا وأسيوط والفيوم لأكثر من أربعة عقود كاملة. ترتب على ذلك نشوء أجيال كاملة على مفردات خطاب دينى متطرف، وهؤلاء أصبحوا الآن أرباب أسر من آباء وأمهات. حصر المشكلة فى هذه المحافظات فى الجماعات المتطرفة التكفيرية هو خداع للذات. لأنه – وحسبما رأيته وسمعته بنفسى لمدة أربعة سنوات فى بداية التسعينات – كان الخطاب الدينى المتطرف يسيطر على أئمة الأوقاف وعلى آحاد الناس، وهؤلاء الأئمة لا يزال كثيرٌ منهم فى الخدمة لم تتم إحالتهم على المعاش بعد، وبعضهم قطعا أصبح من قيادات مديريات الأوقاف التى ستتولى الإشراف على الكتاتيب حال عودتها. فى تلك الكتاتيب كان الأطفال يتشربون – من أئمة الأوقاف – كل الأفكار المتطرفة شديدة البعد عما تحدث عنه رئيس وزراء مصر.
لم يقتصر الأمر على تلك المحافظات، بل خرج إلى مدن محافظات أخرى، بعضها سياحية، وقد اصطدمت أنا بالفعل قبيل أحداث يناير ببعضهم ممن كانوا يقومون بتوزيع مطبوعات للأطفال عن تحريم مفردات مصرية شعبية واحتفالات وطنية. هؤلاء الأئمة لا يزالون يمارسون أعمالهم ويعتلون المنابر وإن كانوا قد صمتوا عن ترويج أفكارهم، فإن هذا الصمت فى السنوات العشر السابقة كان رضوخا لتعليمات مشددة ومتابعة من وزير الأوقاف السابق د.مختار جمعة. ولقد حدث – رغم كل تلك التعليمات المشددة وفى مناسبات تم كشفها بالصدفة - خروجٌ عن الخطاب الدينى الذى تبنته الوزارة. ولنا أن نتخيل ماذا يحدث فى مئات المساجد فى القرى والنجوع التى لا توجد بها آليات متابعة حقيقية فاعلة حتى الآن.
(3)
فى عام حكم جماعة الإخوان لمصر كشف المئات من أئمة الأوقاف عن انتماءاتهم الصريحة لأفكار الجماعة أو حتى انتماءاتهم التنظيمية لها. وهؤلاء لم يتم إبعادهم عن العمل وهم موجودن بالفعل وكل ما فعلوه أنهم فقط عادوا لوضع الأقنعة التى تمنع من فصلهم من أعمالهم. هل نريد التعاطى مع الواقع بصراحة أم نريد خداع أنفسنا؟ الواقع يقول أن مصر لديها إرث عقلى وفكرى ضخم، وأن كثيرين من العلماء والأئمة يعتنقون الأفكار الدينية الجامدة أو المتطرفة، وأن كل ما حدث فى العقد الأخير أنهم صمتوا عن ترويجها تقية حين خاضت الوزارة - فى عهد وزيرها المستنير بشكل حقيقى د.مختار جمعة والذى استجاب بشكل مخلص لدعوة القيادة السياسية للسيطرة على فوضى الخطاب الدينى – معركتها الأكبر. فهل لدى د.أسامة الأزهرى داتا معلوماتية فعلية عن أعداد هؤلاء، وتوزيعهم الجغرافى وما يتولونه من مناصب إدارية، وما سوف يكون دورهم فى فكرته حال تنفيذها؟ بل هل تجول د.أسامة قبل توليه منصبه فى قرى ونجوع صعيد مصر واستمع لخطب الجمعة هناك؟ وهل جلس إلى الأئمة – قبل الوزارة - واستمع إلى ما يعتنقونه من فكر دينى؟ ومتى حدث هذا؟
(4)
إن ما تحقق فى العقد الماضى لا يرقى إلى ما تحدث عنه د.مدبولى فى تصريحه من أهداف. حتى نفهم الفخ الذى يمكن أن نسقط به، لابد أن نعود إلى أول حديث للرئيس عن تجديد الخطاب الدينى. وفى مقالٍ لى كتبته منذ حوالى عامين بعنوان (الرئيس المجدد) تناولتُ هذا الحديث الذى أعتبره الأهم فى هذه القضية. لأن الرئيس ولأول مرة – يتناول رئيس مصرى هذا التوضيح - فرق بين نقطتين، الأولى هى الإرهاب المسلح الذى تمثله تلك الجماعات التكفيرية، والثانى وهو الذى تحدث عنه الرئيس هو الخطاب الدينى العادى الموجه للمصريين حتى وإن كان هذا الخطاب يرفض فى ظاهره الإرهاب الدينى المسلح. هذه هى النقطة المفصلية. ما حدث فى سنوات العقد الماضى أن وزارة الأوقاف استطاعت بالفعل التصدى لأى خطاب دينى يمثل ظهيرا يمنح الذرائع للفكر الدينى التكفيرى، كما استطاعت الوزارة أيضا الاقتراب قليلا من قضايا مجتمعية خضعت لتضليل دينى كبير لعقود سابقة مثل قضية تنظيم الأسرة وقضايا المرأة. رغم تواضع هذه الأهداف مقابلة بما نطمح إليه، إلى أنها لم تتحقق بسهولة وواجهت تململا كبيرا من قيادات وأئمة.
فهل هذه هى غايتنا؟ قطعا لا. إن ما تحدث عنه مدبولى هو ما وصفته منذ سنوات فى كتابى الأسود بأن مصر فى حاجة إلى (تمصير الخطاب الدينى). هذا يعنى أن يكون خطابا دينيا مصريا موجها للأمة المصرية وليس خطابا دينيا شموليا موجها للأمة الإسلامية. فغاية كل مؤسسات مصر يجب أن تنصب جميعها فى اتجاه مصر. هذا يعنى مثلا أن يكون الحديث عن الاستشهاد حديثا خالصا عن شهداء مصر. أن يكون الحديث عن هزيمة أو انتصار الأمة حديثا عن مصر. ألا يحدثنا أحدهم عن هزيمة الأمة وتكالب الأمم عليها ومصر مرفوعة الرأس عالية القامة. ألا يعتبر أحدهم حين يصعد المنبر أن مصر مجرد جزء من أمته التى يتحدث عنها وينفعل ويغضب ويحزن من أجلها. أن يعتنق الأئمة فى مصر أفكارا وطنية خالصة. أن يؤمنوا بأنه لا عودة لما يسمى بالخلافة الإسلامية وأن تلك الخلافة كانت مرحلة تاريخية منتهية. وأن مصطلحات مثل أهل الذمة هى مصطلحات سياسية تاريخية منتهية وأنه لا أهل ذمة اليوم وإنما مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات. أن يقشعر جسد إمام الأوقاف حين يستمع إلى نشيد مصر الوطنى تماما مثل الجندى على الجبهة. أن يكون الدعاء فى آخر خطبة الجمعة وبشكل تلقائى غير مصطنع دعاء لمصر والمصريين وليس دعاءا شموليا لأمة لا يراها غير الإمام!
أن يقتنع الأئمة فى مصر بأن التاريخ ليس دينا وإنما أحداث بشرية سياسية، وأن مصر تم غزوها عربيا مثلما تم غزوها قبل ذلك من آخرين. ألا يخجل الإمام حين يقول أنه يستمع إلى الموسيقى المصرية. ولا يغضب حين نحدثه عن الغزو العثمانى لمصر! وأن يتعلم الأئمة تاريخ مصر بشكل حقيقى ويعلموا أن مصر – كتاريخ مكتوب - أقدم من المسيحية بأكثر من اثنين وثلاثين قرنا، وأنها أقدم من الإسلام بأكثر من أربعين قرنا، وأن المصريين شعبٌ عريق له أصول وثقافة تجمع من التراث قديمه ومسيحييه ومسلمه، وأن مصر متفردة، وعليهم أن يفخروا بهذا الإنتماء.. وأن يؤمن أحدهم بأنه ليس عيبا أن يقول الحمد لله على نعمة مصر!
ولكى ندرك حقيقة المشهد فسوف أحكى واقعة لأول مرة. صادفت ذكرى انتصار أكتوبر عام 2023 يوم الجمعة فلم يتحدث الإمام عن النصر. سألتُ بعض الأصدقاء الذين صلوا فى مساجد أخرى مختلفة فأكدوا نفس الحقيقة. فكتبتُ مقالا ظهر نفس اليوم بعنوان لماذا يصر بعض أئمة مساجدنا على تجاهل نصر أكتوبر. مساء ذلك اليوم جرت مكالمة تليفونية طويلة عاصفة فى بعض تفاصيلها بينى وبين قيادة كبرى فى وزارة الأوقاف. قيادة شابة مستنيرة أقدرها بشكل شخصى بشكلٍ كبير. كان الرجل غاضبا متهما إياى بتشويه جهد الوزارة فى ملف تجديد الخطاب الدينى وأننى أتصيد الأخطاء. لم أكن أقل غضبا ووجهت للرجل فى ذروة انفعالى تساؤلات محددة..هل تؤمن يا دكتور بأن شهداء أكتوبر شهداء أم لا؟ أجاب الرجل قطعا نعم شهداء وأنا مثلك وأكثر.. فلماذا لم يتحدث أئمة وزارتكم عنهم فى ذكرى استشهادهم ونصرهم؟! كنتُ مشفقا عليه تماما لأننى كنتُ أتابع جهده مع كوكبة من شباب القيادات وهم يتولون هذا الملف الثقيل. لم يكن لديه تبرير لتجاهل عدد غير قليل من الأئمة تعليمات الوزارة بتخصيص خطبة الجمعة عن نصر أكتوبر. تحدث بعضهم يومها عن شهداء بدر وأُحد! هذا هو الواقع على الأرض منذ فقط أقل من عامين من الآن!
(5)
فهل حققتم تغييرا جذريا يا دكتور أسامة فى وجدان كل أئمة الأوقاف فى هذه الأشهر القليلة لكم فى الوزارة؟ يقينى أنه لم يحدث، وأن مصر أمامها شوطُ طويل جدا لإدراك ذلك بشرط أن تبدأ فى السير فى هذا الشوط الآن، لا أن تنكص على عقبيها وتحاول أن تتخلص مما حققته فى السنوات العشر الماضية. وطالما لم يتحقق هذا التغيير فى وجدان أئمة مصر بشكل جمعى، تصبح كل عبارات د.مدبولى مجرد أحلام غير واقعية، ويصبح قرار منح الصغار لهؤلاء الأئمة فى هذه المرحلة مقامرة كبرى بمستقبل هذا الوطن.
ويقينى بعدم تحقق هذا التغيير ليس تجاوزا أو وهما، فأنا أتقلب بين مساجد مصر للاستماع إلى خطب الجمعة على الأقل. ويؤسفنى القول أننا ما زلنا بعيدون جدا عن إدراك هذه الغايات. فالخطاب الدينى فى كثيرٍ من مساجد مصر مازال كما هو شموليا أمميا بعيد كل البعد عن التمصير وعن الهوية المصرية. خطاب ما زال يرفض أى تجديد للتراث الدينى البشرى ويعتبره مقدسا لا يجوز الاقتراب منه. مازلنا نستمع إلى نفس الروايات المرسلة ونفس صيغة نسبة أحاديث كثيرة للنبى (ص)، وحتى وإن خشى أصحاب هذا الخطاب من البوح الصريح بعبارات قد تضعهم فى موضع مساءلة. مازال الخطاب الدينى فى مصر فى بعض المساجد سلفيا خالصا لا علاقة له بعبارات د.مدبولى ولا بهذه الأرض ولا بهذا الوطن!
وزير الأوقاف الحالى يقترح ونحن وسط هذه المشاهد أن نلقى بالآلاف من أطفال مصر إلى أيدى هؤلاء الأئمة حتى يتم السيطرة السلفية التقليدية على أقل تقدير على أجيالٍ أخرى من المصريين. لو وضعنا ذلك بجوار دعوة الرئيس وتوجهه لمنح الشباب المصرى فرص الحصول على علوم عصرية، يكون الناتج هو الحصول على متعلمين تعليما عصريا بعقول سلفية جامدة. وهذا ليس بجديد إطلاقا. فبعض أطبائنا ومهندسينا ومعلمينا وصحفيينا ومرشديننا السياحيين هم بالفعل متعلمون تعليما عصريا، وربما يكون بعضهم خريجى جامعات خاصة متقدمة، لكنهم نماذج لمن شاهدناهم فى مصر بعد وصول الجماعة الإرهابية للحكم.
(6)
فكرة د.أسامة فكرة غامضة تماما لا تجيب عن كومة من الأسئلة المشروعة.
هل غاية الفكرة تحفيظ القرآن الكريم، أم تعليم الصغار كما ورد فى حديث د.مدبولى؟
لو أنها تحفيظ القرآن الكريم، فالأمر لا يستدعى القيام بهذه الخطوة بالغة الخطورة ويمكن الإكتفاء بمن يفعلون ذلك فى هذا الكم الرهيب من المعاهد الأزهرية. وهل حفظ القرآن الكريم هو غاية دينية فى الأساس؟ وما العبقرية فى الحفظ لصغير لا يدرك ما يحفظه؟ وأليس الأجدر أن يتم تعليمه مبادىء أخلاقية ووطنية عامة؟ هل حفظة القرآن الكريم يبنون أوطانا؟ وهل هذا هو ما تحتاجه مصر الآن؟ وما الذى نريده بالفعل من أبنائنا؟ أن يكونوا مجرد حفظة أم يستعملون عقولهم ويحصلون على أعلى قدر من التعليم وطرق التعلم؟
أما إذا كان غاية الفكرة هى تحقيق تلك الأهداف المخملية الجميلة الواردة فى تصريحات د. مدبولى فأنا أسأل وزير الأوقاف..هل لديكم مناهج معدة بالفعل لتدريسها للصغار؟ وإن كان لديكم فمن الذى قام بإعدادها، وعلى أى أساس علمى وطنى تم اختيارها، ولماذا لم يتم نشرها ليطالعها المصريون ويقيمونها قبل أن يلقوا بأطفالهم إلى أئمة وزارة الأوقاف؟
هل لدى الوزارة آلية معدة للمتابعة – حال وجود هذه المناهج وحال تنفيذ فكرة عودة الكتاتيب – والمراقبة واستبعاد المخالفين؟
إجابة هذا السؤال هى نفىٌ قاطع. لأن الوزارة حتى الآن ليس لديها آلية فعلية جامعة مانعة لمتابعة أهم درس دينى يتلقاه المصريون وهو خطبة الجمعة. آلية مفتشى الأوقاف غير قادرة على ذلك لأسباب حقيقية.. بل إن الوزارة ليس لديها خريطة لعدد الأئمة الذين يعتنقون أفكار الجماعات المتطرفة. وهؤلاء إذا حصلوا على فرصة الانفراد بأطفالنا دون آلية رقابة فسوف نكون تماما كمن يسلم بندقيته لعدوه فى ساحة المعركة.
ما هو عدد مفتشى الأوقاف وما هو عدد المساجد الذى تقام فيها صلاة الجمعة؟ هل يوجد مفتش أوقاف لكل مسجد بخلاف الإمام؟ قطعا لا. فكيف يستطيع مفتش أوقاف فى إحدى مديريات الصعيد المكتظة بالمساجد فى القرى أن يستمع إلى كل خطب الجمعة فى نطاق مديريته؟ إذا كانت الوزارة ليس لديها آلية ناجعة لمتابعة خطب الجمعة، فكيف سيكون لديها آلية لمتابعة الكتاتيب؟
(7)
مخلصا النصيحة والغاية أقول للدكتور أسامة الأزهرى لديك عملٌ كبير يمكنه أن يستغرق سنوات ولايتك فى الوزارة ويزيد، ويمكنك من خلاله أن تكون قد قدمت لهذا الوطن خدمات جليلة يكتبها التاريخ لك. يمكنك أن تستكمل جهد سابقك د.مختار جمعة وأن تكمل ما بدأه الرجل، وأنا على علم به وبتفاصيله. يمكنك استكمال تأهيل أئمة الوزارة تأهيلا وطنيا خالصا. هذا العمل ليس سهلا. وربما أدعى أننى أدرك صعوبته أكثر ممن يتولى منصبا وزاريا يخشى معه بعضُهم أن يفصح عن الحقائق كاملة. إننى أستمع كثيرا لأحاديث أئمة المساجد. وأتابع أحيانا أحاديثهم بعيدا عن المنبر. بعد تولى فضيلتك لمنصبك تقدمت نائبة برلمانية بطلب إحاطة لإلغاء خطبة الجمعة الموحدة. حين تابعتُ ما كتبه أئمة على صفحتها لم أندهش وتأكدت مما كتبتُه الآن من أن كثيرا منهم لم يؤمنوا أو يقتنعوا بأن التزامهم بخطبة الجمعة الموحدة يصب فى صالح مصر أو حتى فى صالح الدين. كتبوا كثيرا عن ضيقهم بهذا الالتزام وتوقهم لعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه أو ما يمكن وصفه بفوضى الخطاب الدينى. لذلك فتغيير عقول ومعتقدات أجيال بحالها من الأئمة عملٌ لن يقدر عليه سوى أولى العزائم والمخلصين من الرجال. لدى فضيلتك فى الوزارة أئمة فى العقدين الرابع والخامس.. هؤلاء – خاصة فى القرى والنجوع – بحاجة ماسة إلى جهد كبير جدا لتغيير ما يمكن تغييره. لو حدث يوما ونجحت يا د.أسامة فى ذلك فسوف يكون هذا النجاح عملا وطنيا اسثنائيا.
يمكن لفضيلتك أن تتابع ما يُكتب على صفحة وزارة الأوقاف وما تكتبه صفحاتٌ تحمل أسماء وصفات أزهرية ومنهم كثيرون يعملون بالفعل كأئمة. هذه هى معركة وزارة الأوقاف الحقيقية التى يمكن للوزارة من خلالها أن تقدم لمصر نصيبها من الجهاد الوطنى.
ثانيا، إذا كان لدى الوزارة فائضا ماليا أو أماكن يمكنها الإستغناء عنها فى بعض القرى والنجوع، كأن يكون هناك أكثر من مسجد مثلا فى مساحدة صغيرة، فلماذا لا تتخد يا د.أسامة قرارا شجاعا بالتنازل عنها لصالح وزارة التربية والتعليم لكى تصبح بالفعل مدارس مدنية يستفيد بها أبناء مصر خاصة بعد إعلان الرئيس رسميا عن وجود عجز فى عدد المدارس؟
ثالثا، لدى اقتراحٌ واضح ومحدد يمكن من خلاله تحقيق بعض الأهداف التى يطمح إليها د.مدبولى فى تصريحاته. لماذا لا تتقدم الوزارة بمبادرة بديلة عن مبادرة عودة الكتاتيب، بأن تعرض التطوع لوزارة التربية والتعليم ببعض الأئمة – الذين يجتازون مراحل التأهيل التى أشرتُ إليها – للقيام بتدريس مادة التربية الدينية فى المدارس بدلا من مدرسى اللغة العربية. فعلى الأقل فى كثيرٍ من المدارس الآن كاميرات تيسر عمليات المتابعة لما يتم تدريسه لأبنائنا.
فى النهاية إننى أتوجه إلى معالى رئيس وزراء مصر وفضيلة وزير أوقافها وإلى كل مسؤل فى مصر بألا يتخذوا قرارات فى غاية الخطورة قبل الإستماع إلى من لديهم تراكم الخبرة والمعرفة والمعلومات حتى لا تتحملوا أمام التاريخ الوزر الوطنى لما يمكن أن تدفعه مصرُ من أثمانٍ مستقبلا جراء هذه القرارات.
اتركوا أطفال مصر لتعليم مدنى صحيح ينالون من خلال مؤسساته قسطا من العلوم الدينية يتناسب مع ما نطمح إليه لهم من بناء شخصية مصرية متزنة دون المخاطرة بمنحهم لآلافٍ من الأئمة نحن لسنا على يقينٍ تامٍ بما يعتنقونه من أفكار، وليس لدينا آلية لمتابعتهم.
لقد آثرتُ الكتابة للمرة الثانية فى موضوعٍ شائك ربما يخشى البعض من الخوض فيه لأننى أولا أؤمن أن بلادنا تستحق منا ألا نصمت حين نستشعر أن خطرا على وشك أن يدهمها. وثانيا وبكل وضوح أردت أن أبرىء ضميرى الدينى والوطنى وأن أقيم الحجة على من سوف يتخذ مثل هذا القرار لكى يتحمل مسؤليته التاريخية قبل أن تمر السنون وتدفع أجيالٌ غيرنا ثمن ما اقترفناه فى حق مصر.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


أهل مصر
منذ 2 ساعات
- أهل مصر
أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما
أجاب الدكتور مصطفى عبد الكريم أمين الفتوى بدار الإفتاء، على سؤال بشأن أداء صلاة الجمعة التي تتزامن يوم عيد الأضحى المبارك، وما إذا كانت تسقط شرعا أم لا؟. وقال "عبد الكريم" خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حضرة المواطن" الذي يقدمه الكاتب الصحفي سيد علي بقناة "الحدث اليوم": "صلاة الجمعة فرض عين على كل مكلف، ومن الفضائل التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم". وأوضح: "وقع خلاف بين العلماء هل لو اجتمع العيد مع صلاة الجمعة، هل نصلى صلاة الجمعة أم ماذا، فاجتمع جمهور العلماء على أداء المسلم صلاتي العيد والجمعة، لأن صلاة الجمعة لا تتعارض مع صلاة العيد ونستطيع أن نجمع بينهما". ولفت: الإمام أحمد بن حنبل رأى أنه لو اجتمع العيد مع الجمعة فيجوز أداء صلاة العيد فقط، لكن لا تسقط الجمعة ويمكن أن يصليها ظهرا في المنزل.

مصرس
منذ 2 ساعات
- مصرس
أمين الفتوى: صلاة الجمعة لا تتعارض مع العيد ونستطيع أن نجمع بينهما
أجاب الدكتور مصطفى عبد الكريم أمين الفتوى بدار الإفتاء، على سؤال بشأن أداء صلاة الجمعة التي تتزامن يوم عيد الأضحى المبارك، وما إذا كانت تسقط شرعا أم لا؟. وقال "عبد الكريم" خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حضرة المواطن" الذي يقدمه الكاتب الصحفي سيد علي بقناة "الحدث اليوم": "صلاة الجمعة فرض عين على كل مكلف، ومن الفضائل التي تفضل بها الله سبحانه وتعالى على أمة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم".وأوضح: "وقع خلاف بين العلماء هل لو اجتمع العيد مع صلاة الجمعة، هل نصلى صلاة الجمعة أم ماذا، فاجتمع جمهور العلماء على أداء المسلم صلاتي العيد والجمعة، لأن صلاة الجمعة لا تتعارض مع صلاة العيد ونستطيع أن نجمع بينهما".ولفت: الإمام أحمد بن حنبل رأى أنه لو اجتمع العيد مع الجمعة فيجوز أداء صلاة العيد فقط، لكن لا تسقط الجمعة ويمكن أن يصليها ظهرا في المنزل.


فيتو
منذ 3 ساعات
- فيتو
أول تعليق من وزير خارجية أمريكا على هجوم ولاية كولورادو
علق وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، على هجوم ولاية كولورادو الذي استهدف مظاهرة مؤيدة لإسرائيل بالقنابل الحارقة، قائلا إنه "لا مكان للإرهاب في في بلدنا". وأضاف روبيو في منشور عبر حسابه على "إكس"، فجر اليوم الإثنين، "ندعو الله أن يرحم ضحايا الهجوم الإرهابي المُستهدف الذي وقع اليوم في بولدر. لا مكان للإرهاب في بلدنا العظيم" وكان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي "إف بي آي"، كاش باتيل، قد أعلن الأحد، أن الوكالة تحقق في "هجوم إرهابي" في مدينة بولدر بولاية كولورادو، وسط تقارير عن هجوم على تظاهرة مؤيدة لإسرائيل في المدينة. وقال باتيل عبر منصة إكس "نحن على علم بهجوم إرهابي مستهدف في بولدر بولاية كولورادو ونحقق فيه بشكل كامل"، مضيفًا أن "عناصرنا وقوات إنفاذ القانون المحلية موجودة في الموقع، وسوف نشارك التحديثات مع توفر مزيد من المعلومات". ونقدم لكم من خلال موقع (فيتو)، تغطية ورصدًا مستمرًّا على مدار الـ 24 ساعة لـ أسعار الذهب، أسعار اللحوم ، أسعار الدولار ، أسعار اليورو ، أسعار العملات ، أخبار الرياضة ، أخبار مصر، أخبار اقتصاد ، أخبار المحافظات ، أخبار السياسة، أخبار الحوداث ، ويقوم فريقنا بمتابعة حصرية لجميع الدوريات العالمية مثل الدوري الإنجليزي ، الدوري الإيطالي ، الدوري المصري، دوري أبطال أوروبا ، دوري أبطال أفريقيا ، دوري أبطال آسيا ، والأحداث الهامة و السياسة الخارجية والداخلية بالإضافة للنقل الحصري لـ أخبار الفن والعديد من الأنشطة الثقافية والأدبية.