
عبثية المشروع التوسعي الإسرائيلي
في زمن باتت القوة تقاس بالكفاءة الاقتصادية والشرعية الدولية وتماسك المؤسسات، لا بالمساحات التي تسيطر عليها الدول، لا تزال إسرائيل متمسكة بعقيدة توسعية عفا عليها الزمن.
الرهان الإسرائيلي على التمدد الجغرافي لم يعُد يجلب الأمن، بل يغذي العنف ويؤجج الصراع. واستمرار الاحتلال وتهجير الفلسطينيين وتفكيك مؤسساتهم وتحويل المجتمع الإسرائيلي إلى مجتمع عسكري قائم على القلق الدائم، كلها نتائج لسياسات توسعية تغذي دائرة عنف لا تنتهي.
وفي عالم تتساقط فيه الحدود أمام التكنولوجيا وتتفوق فيه الجماعات المسلحة غير النظامية على الجيوش الكلاسيكية بأسلحة رخيصة وفاعلة، لم تعُد الجغرافيا حائط صد، بل عبئاً استراتيجياً. والصواريخ التي تنطلق من آلاف الكيلومترات مثال حي على سقوط منطق "العمق الدفاعي".
وما تحقق لإسرائيل من هذه السياسات هو عزلتها عن المجتمع الدولي وتآكل صورتها حتى بين أقرب حلفائها وخلق حال من التوتر النفسي المزمن داخل مجتمعها، ناهيك عن دورها في زعزعة استقرار منطقة هشة أصلاً.
وتتصرف إسرائيل كما لو أنها دولة عالقة في الماضي، يحكمها هاجس التفوق العرقي وتديرها منظومة عسكرية تغذيها العقيدة الدينية. ومع كل انتهاك لحقوق الإنسان وكل عملية عقاب جماعي، تزداد الهوة بينها والمبادئ التي يدعي قادتها الدفاع عنها.
وأنصار هذه السياسات يختبئون خلف ذريعة "العداء العربي الإسلامي لإسرائيل كدولة يهودية". لكن هذا التبرير يخفي الحقيقة، أن معظم العنف الذي تواجهه إسرائيل اليوم هو انعكاس لسياسات الاحتلال والقمع وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم. وهذه السياسات تضعف الأصوات المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي، وتمنح المتطرفين ذريعة للاستمرار.
أما الأكثر خطورة، فهو غياب الإرادة الإسرائيلية الحقيقية للسلام. فمنذ عقود، تتهرب القيادة من اتخاذ خطوات جريئة نحو تسوية تاريخية، وتوظف التطرف الفلسطيني كغطاء للتراجع، لتقدم نفسها في صورة الضحية الدائمة. لكن السلام لا يأتي بالانتظار ولا بالتمنّي، بل بالشجاعة.
في المقابل، لا يمكن تجاهل إخفاقات القيادة الفلسطينية، فلحظات حاسمة فُوّتت وفرص تاريخية ضاعت بسبب الانقسامات الداخلية والافتقار إلى رؤية وطنية موحدة. وهذه الإخفاقات أسهمت في إطالة أمد الصراع وتركت الساحة مفتوحة أمام المتشددين من الطرفين.
لكن يبقى الواقع، إسرائيل هي الطرف الأقوى وهي التي تملك مفاتيح الحل. ومع هذه القوة تأتي مسؤولية تاريخية، فبدلاً من توظيفها لبناء تسوية عادلة، اختارت أن تكرس احتلالاً دائماً وأن تراكم الكراهية وعدم الاستقرار.
ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة وإن كانت تتضاءل لإنهاء هذا الصراع. فرصة تبني فيها إسرائيل شراكة حقيقية مع شعب يتوق إلى دولة وحياة كريمة.
وغالبية الإسرائيليين، مثل سائر الشعوب، يبحثون عن الأمن والاستقرار والمعنى. لكن مصيرهم يحتجز اليوم في قبضة أقلية متطرفة، تقدم الهيمنة على التعايش.
وفي نهاية المطاف، لا يمكن لدولة صغيرة محاطة بشعوب غاضبة أن تؤمن مستقبلها بالقوة وحدها. والسلام الحقيقي لا يُفرض بالمعاهدات، بل يُصاغ بإرادة الشعوب.
وعلى إسرائيل أن تختار، إما أن تبقى دولة محاصرة بالخوف والسلاح، أو أن تتحول إلى كيان يحظى بالاحترام، يتكامل مع محيطه، ويصنع مستقبله بالشراكة لا بالهيمنة.
وإلى أن تخطو إسرائيل خطوة جادة نحو "حل الدولتين"، وتعيد الأمل لشعب محتل منذ أكثر من سبعة عقود، فإنها ستظل عالقة في دوامة من صنع يديها، تقوض حاضرها وتعتم أفقها وتلقي بظل ثقيل على مستقبلها.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 26 دقائق
- الشرق الأوسط
بزشكيان: لا نسعى لإنتاج سلاح نووي ومستعدون للتفتيش على منشآتنا
أفادت وكالة «تسنيم» الإيرانية، اليوم السبت، بأن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أعاد التأكيد على عدم سعي بلاده إلى صنع أسلحة نووية، مشدداً على تحلي بلاده بالشفافية. ونقلت الوكالة عن بزشكيان قوله خلال لقاء مع مراد نورتلئو، نائب رئيس الوزراء وزير خارجية كازاخستان، إن إيران مستعدة دوماً لعمليات التفتيش على منشآتها النووية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. واستدرك الرئيس الإيراني قائلاً إن «حرمان الشعوب من المعرفة والتقنية والإنجازات العلمية أمر غير مقبول».


الشرق الأوسط
منذ 27 دقائق
- الشرق الأوسط
الجيش الإسرائيلي يشير إلى نقص في عديده يبلغ 10 آلاف جندي
أفاد الجيش الإسرائيلي، الجمعة، بأنه يعاني نقصاً في عديده يناهز 10 آلاف جندي، بينهم 6 آلاف للوحدات المقاتلة، في وقت يكثف حملته العسكرية في قطاع غزة. ورداً على سؤال عن تجنيد اليهود المتشددين في الجيش، قال المتحدث باسم الجيش إيفي ديفرين، في مؤتمر صحافي متلفز، إن الجيش «يعاني نقصاً يناهز 10 آلاف جندي، بينهم نحو 6 آلاف جندي مقاتل. إنها حاجة عملانية فعلية، لذا نتخذ كل الخطوات الضرورية»، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.


الشرق الأوسط
منذ 27 دقائق
- الشرق الأوسط
إيران تحذّر الأوروبيين من مغبّة ارتكاب «خطأ استراتيجي» في اجتماع «الوكالة الذرية»
حذّرت إيران، الجمعة، على لسان وزير خارجيتها، عباس عراقجي، الدولَ الأوروبية من مغبّة ارتكاب «خطأ استراتيجي»، في اجتماع «مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية» الأسبوع المقبل، غداةَ تأكيد مصادر دبلوماسية أن الأطراف الغربية ستطرح قراراً ضد طهران. وكتب عراقجي، على منصة «إكس»: «بدلاً من التفاعل بحسن نية، يختار الثلاثي الأوروبي (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) التصرف الخبيث ضد إيران، في (مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية)»، مضيفاً: «احفظوا كلامي: بينما تفكر الدول الأوروبية في خطأ استراتيجي كبير آخر؛ إيران ستردّ بقوة على أي انتهاك لحقوقها». وكانت مصادر دبلوماسية أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، بأن الدول الأوروبية الثلاث، وهي أطراف في اتفاق عام 2015 بشأن برنامج طهران النووي، إضافة إلى الولايات المتحدة، تعتزم أن تطرح على «مجلس محافظي الوكالة» قراراً ضد إيران، مع تهديد بإحالة ملفها على الأمم المتحدة. جانب من مفاعل «بوشهر» النووي الإيراني (رويترز) وقال مصدر دبلوماسي مطلع إنه بعد نشر الوكالة التابعة للأمم المتحدة تقريراً يؤكد «عدمَ تعاونٍ كاملاً من جانب طهران، فسيقدَّم قرار لعدم احترامها التزاماتها النووية». وأكد دبلوماسيان آخران المبادرة الهادفة إلى «تشديد الضغط» على إيران. وشدد عراقجي على أن طهران التزمت «على مدى أعوام بتعاون جيد مع (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، أثمر قراراً طوى صفحة المزاعم المغرضة بشأن (بُعد عسكري محتمل) للبرنامج النووي السلمي لإيران». وأضاف: «بلادي متّهمة مرة أخرى بعدم التعاون»، عازياً ذلك إلى «تقارير واهية ومسيّسة». وكانت «الوكالة» نددت في تقرير الأسبوع الماضي بتعاون إيران «الأقل من مُرضٍ» بشأن برنامجها النووي، مشيرة في الوقت عينه إلى أنها سرّعت وتيرة إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب. واتهمت طهرانُ عدوَّها الإقليمي اللدود إسرائيل بتقديم «معلومات غير موثوقة ومضللة» إلى «الوكالة الدولية»، وتوعدت بالرد إذا «استغل» الأوروبيون التقرير «لأغراض سياسية». يأتي هذا التجاذب في خضم مفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عُمانية، سعياً إلى التوصل لاتفاق جديد بشأن برنامج طهران النووي. ويرافق هذه المفاوضات تباين معلن بشأن احتفاظ إيران بالقدرة على تخصيب اليورانيوم، إذ ترفض واشنطن هذا الأمر، بينما تعدّه طهران «حقاً» لها غير قابل للمساومة أو التفاوض. وأبرمت إيران عام 2015 اتفاقاً مع قوى كبرى بشأن برنامجها النووي، أتاح فرض قيود على أنشطتها وضمان سلميتها، لقاء رفع عقوبات اقتصادية. وفي 2018، سحب الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، خلال ولايته الأولى، بلاده بشكل أحادي من الاتفاق، وأعاد فرض عقوبات على طهران التي عمدت بعد عام من ذلك إلى التراجع تدريجاً عن غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه. ولوّح ترمب بالخيار العسكري في حال إخفاق الجهود الدبلوماسية.