logo
في مدح الناقص والزائل

في مدح الناقص والزائل

الإمارات اليوم١٨-٠٧-٢٠٢٥
في عصرٍ يزداد فيه هوس البشرية بالكمال المصقول، والسطوح اللامعة، والسيمترية البصرية، وفي زمنٍ تُلهِب فيه الشاشات رغبتنا بالمزيد: من الشباب، من السيطرة، من اللمعان، تنهض فلسفة يابانية هادئة، عميقة، تدعى وابي-سابي، لتقدّم رؤية معاكسة، بل متمرّدة في رقتها، تقول لنا: توقّفوا لحظة.. أنصتوا إلى ما هو غير مكتمل، تذوّقوا ما هو زائل، أحبّوا ما هو ناقص.
إنها فلسفة متجذّرة في روح الجمال اليابانية القديمة، يصعب اختزالها بكلماتٍ قاطعة، لأنها ليست نظرية، بل إحساس، نظرة إلى العالم، وموقف من الحياة. لا تصرخ في وجهك كما تفعل إعلانات التجميل، بل تهمس إليك من حافة فنجانٍ مشروخ، أو من ظلّ ورقة ذابلة تهوي بصمت على الأرض.
في قلب هذه الرؤية، يكمن تمجيد البساطة، وتقدير الأشياء التي تحمل بصمات الزمن، لا التي تقاومه. ليست حنيناً إلى ماضٍ مثالي، بل احتفاء بكرامة الشيخوخة، وبجمالٍ يظهر حين تخفت الألوان، وتتهادى الأشكال نحو السكون.
تأمل فنّ الكِنتسُغي، حيث يُعاد ترميم الأواني المكسورة بذهبٍ سائل. هنا لا تُخفى الكسور، بل تُحوَّل إلى شواهد على تاريخ الآنية، علامات على بقائها. وهكذا، فإن جراحنا، هي الأخرى، يمكن أن تصبح ذهباً إذا ما نظرنا إليها بعين الصدق والرأفة.
أو انظر إلى مقعدٍ خشبي شاحب، قضمت الشمس أطرافه، وغسلته الأمطار مراراً. في نظر وابي-سابي، ليس هذا المقعد في حاجة إلى إعادة طلاء، بل هو مكتملٌ كما هو، لأنه يحمل آثار الحياة لا أوهامها.
تدعونا هذه الفلسفة إلى العودة لما نغفل عنه في معترك الحياة: طمأنينة التفاصيل الصغيرة، دفء الأشياء المألوفة، جمال ما هو بسيط وحقيقي. كوب قديم يرافق صباحاتنا، رسالة بخط اليد لا تعرف التنقيح، تجعيدة على وجه الجدة، كلّها تحوي شعراً خفياً لا تلتقطه أعين الساعين للكمال.
وفي عالمٍ يزداد افتتاناً بالجمال المصطنع والكمال الخوارزمي، تمثّل وابي-سابي دعوة للتمرد الرقيق، لا عودة إلى الماضي، بل مضيٌّ نحو الأصالة. تسألنا بهدوء: من قال إن الجمال يجب أن يكون كاملاً؟ أما يكفي أن يكون صادقاً؟
وليس غريباً أن نجد صداها في تراثنا: في دمعة الشاعر عند الأطلال، وفي صمت الصوفي أمام زوال كل شيء.
تدعوك وابي-سابي أن تحتضن النقص لا كخذلان، بل كبصيرة تكشف الجمال المستتر، وأن ترى في الزوال لا نهاية، بل حكمة خفيّة تهمس: وحده الصدق يبقى إلى الأبد.
* باحث زائر في جامعة هارفارد
لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان
وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان

البيان

timeمنذ 2 أيام

  • البيان

وفد «الشارقة للكتاب» يختتم زيارة إلى اليابان

وقالت خولة المجيني: «تشكل هذه الزيارة إلى اليابان جزءاً أساسياً من التزامنا بتطوير مؤتمر الشارقة للرسوم المتحركة، وتتمثل رؤيتنا ببناء منظومة مستدامة لصناعة الرسوم المتحركة في الشارقة والعالم العربي، ومن خلال التواصل مع قياديين عالميين في هذا القطاع».

سن جنشيتسو.. المُعلّم الذي حوّل فنجان الشاي إلى رمز للسلام
سن جنشيتسو.. المُعلّم الذي حوّل فنجان الشاي إلى رمز للسلام

الإمارات اليوم

timeمنذ 2 أيام

  • الإمارات اليوم

سن جنشيتسو.. المُعلّم الذي حوّل فنجان الشاي إلى رمز للسلام

نعت أوساط سياسية وإنسانية وثقافية عالمية، الرئيس الـ15 لمدرسة أوراسينكيه لتعليم تقاليد الشاي الياباني، الدكتور سن جنشيتسو. وحظي جنشيتسو - الذي نعاه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، أول من أمس - خلال حياته بمكانة رفيعة ليس في اليابان فحسب، لكن في مختلف دول العالم، حيث قضى حياته في تحويل فنجان الشاي إلى رمز للسلام العالمي. وكانت مدرسة أوراسينكيه لتعليم تقاليد الشاي في اليابان قد أعلنت وفاة المعلم الياباني الشهير الدكتور سن جنشيتسو، الرئيس الـ15 للمدرسة، أحد أبرز رموز فن الشاي التقليدي وسفير السلام العالمي من خلال هذا الفن، عن عمر ناهز 102 عام، وخلال مسيرته اشتهر بتقديمه الشاي التقليدي الياباني (سادو) إلى قادة وملوك العالم، مؤسساً لفلسفة «السلام من خلال كوب شاي»، وهو ما جعله رمزاً للتعارف بين الحضارات والثقافات، ونموذجاً للاعتزاز بالتراث والحفاظ عليه للأجيال المقبلة، من خلال طقوسه في تحضير الشاي التقليدي الياباني، وقام بدور مهم في تعزيز التفاعل الثقافي بين الإمارات واليابان، من خلال تعريف الشعب الإماراتي بالتقاليد اليابانية العريقة. وذكرت «وكالة كيودو اليابانية للأنباء» أن جنشيتسو كان يشغل سابقاً منصب المعلم الأكبر لمدرسة «أوراسينكيه»، إحدى أبرز ثلاث مدارس لفن الشاي الياباني، وقضى حياته متنقلاً بين أكثر من 60 دولة، لنشر رسالته المتمثلة في «السلام من خلال فنجان شاي». وفي شبابه، جُنّد كطيار في البحرية الإمبراطورية اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية، إلا أنه لم يشارك في أي مهمة بسبب انتهاء الحرب. وولد سن جنشيتسو في عام 1923 في عائلة أوراسينكيه في كيوتو، التي تعود جذورها إلى المعلم التاريخي سن نو ريكيو (1522–1591)، الذي يُنسب إليه تأسيس أسلوب «وابي» في فن الشاي. وبعد الحرب، سافر جنشيتسو إلى الولايات المتحدة عام 1951، لنشر فن الشاي، وأصبح المعلم الـ15 لمدرسة أوراسينكيه في عام 1964، وبقي في المنصب حتى عام 2002. وقدّم الشاي لكبار الشخصيات اليابانية والزعماء الدوليين، من بينهم الملكة إليزابيث الثانية، والبابا يوحنا بولس الثاني، والرئيس الأميركي جورج بوش الابن. كما ألقى جنشيتسو محاضرات في جامعات مثل جامعة هاواي، والتقى الزعيم الصيني الراحل دنغ شياو بينغ، ما أدى إلى تأسيس مؤسسة تعليمية لفن الشاي في الصين. وفي الفاتيكان، قدّم طقوس الشاي أمام البابا، ما يرمز إلى حوار ثقافي وإنساني عالمي. وعلى مدار حياته، أقام المعلم الراحل أكثر من 300 حفل شاي في 70 دولة، للترويج لفن «سادو»، ناشراً رسالته المناهضة للحروب عبر العالم. وفي عام 2011، قدّم الشاي في النصب التذكاري لسفينة «يو إس إس أريزونا» في هونولولو، هاواي، تكريماً لأرواح ضحايا الهجوم الياباني على بيرل هاربور في 7 ديسمبر 1941. ورغم تقاعده الرسمي، واصل جنشيتسو جهوده لنشر السلام عبر «طريق الشاي»، وشغل مناصب بارزة، منها سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو)، وعمل مساعداً خاصاً لوزير الخارجية الياباني. وتكريماً لجهوده، حصل على العديد من التكريمات، منها وسام الثقافة من الحكومة اليابانية عام 1997، كأول شخصية من عالم الشاي تنال هذا التكريم، ونال أيضاً وسام «جوقة الشرف» برتبة قائد من فرنسا عام 2020. الإرث الكبير الذي رعاه الدكتور سن جنشيتسو كان أحد أبرز جسور التواصل الحضاري والثقافي بين الإمارات واليابان، ففي ديسمبر عام 2009، قام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بافتتاح كوخ الشاي الياباني «يوين» في أبوظبي بفندق قصر الإمارات. وقام يرافقه الدكتور هوأنساي جنشيتسو سن (المعلم الكبير) رئيس برنامج أوراسينكي بافتتاح كوخ الشاي الياباني في أبوظبي في ذلك الوقت. ومن التقاليد اليابانية أن تتم تسمية كوخ الشاي الياباني، حيث قام سموه والدكتور هوأنساي جنشيتسو سن بإطلاق اسم «الواحة الخضراء» على كوخ الشاي الياباني، وذلك تخليداً لحب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، للمساحات الخضراء والزراعة. وقد مَنح المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، وسام الاستقلال من الطبقة الأولى للدكتور جنشيتسو. وتعدّ المراسم التقليدية لتحضير وتقديم الشاي من مظاهر التفاعل والتبادل الروحي بين البشر، أي بين صاحب البيت والضيوف، حيث الاستغراق بكامل الحواس في إيجاد مناسبة الهدف منها تحقيق الاستمتاع الجمالي والفكري والجسدي وصفاء الذهن للضيوف، مع الشعور بالسلام ليتحول العالم من حولك إلى مكان للسعادة الحقيقية. . سن جنشيتسو قام بدور مهم في تعزيز التفاعل الثقافي بين الإمارات واليابان، من خلال تعريف الشعب الإماراتي بالتقاليد اليابانية العريقة. . تعدّ المراسم التقليدية لتحضير وتقديم الشاي من مظاهر التفاعل والتبادل الروحي بين البشر، أي بين صاحب البيت والضيوف، حيث الاستغراق بكامل الحواس.

بعدما نعاه محمد بن زايد: من هو جنشيتسو سن صاحب رسالة «السلام من خلال كوب شاي»؟
بعدما نعاه محمد بن زايد: من هو جنشيتسو سن صاحب رسالة «السلام من خلال كوب شاي»؟

صحيفة الخليج

timeمنذ 2 أيام

  • صحيفة الخليج

بعدما نعاه محمد بن زايد: من هو جنشيتسو سن صاحب رسالة «السلام من خلال كوب شاي»؟

مثل الدكتور الياباني جنشيتسو سن، الذي نعاه الخميس، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، رمزاً للتعارف بين الحضارات والثقافات، بعدما اشتهر بتقديمه الشاي التقليدي الياباني «سادو» إلى قادة وملوك العالم، مؤسساً لفلسفة «السلام من خلال كوب شاي»، طوال حياته التي امتدت 102 عام. وكتب سموه عبر حسابه في «إكس»: «خالص العزاء في وفاة الدكتور جنشيتسو سن إلى ذويه ومحبيه والشعب الياباني. كان رمزاً للتعارف بين الحضارات والثقافات ونموذجاً للاعتزاز بالتراث والحفاظ عليه للأجيال المقبلة من خلال طقوسه في تحضير الشاي التقليدي الياباني». وتابع سموه: «قام بدور مهم في تعزيز التفاعل الثقافي بين الإمارات واليابان من خلال تعريف الشعب الإماراتي بالتقاليد اليابانية العريقة». وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قد رحب في ديسمبر / كانون الاول 2009، بافتتاح كوخ الشاي الياباني «يوين» في أبوظبي بفندق قصر الإمارات. وقام يرافقه الدكتور هوأنساي جنشيتسو سن «المعلم الكبير» رئيس برنامج أوراسينكي بافتتاح كوخ الشاي الياباني في أبوظبي في ذلك الوقت. ومن التقاليد اليابانية أن تتم تسمية كوخ الشاي الياباني حيث قام سموه والدكتور هوأنساي جنشيتسو سن بإطلاق اسم «الواحة الخضراء» على كوخ الشاي الياباني وذلك تخليداً لحب المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، للمساحات الخضراء والزراعة. وقد منح المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان طيب الله ثراه، وسام الاستقلال من الطبقة الأولى للدكتور جنشيتسو. وتعتبر المراسم التقليدية لتحضير وتقديم الشاي الياباني قضية تفاعل وتبادل روحي بين البشر، أي بين صاحب البيت والضيوف حيث الاستغراق بكامل الحواس في إيجاد مناسبة الهدف منها تحقيق الاستمتاع الجمالي والفكري والجسدي وصفاء الذهن للضيوف مع الشعور بالسلام ليتحول العالم من حولك إلى مكان للسعادة الحقيقية. طيار كاميكازي وولد جنشيتسو سن في كيوتو اليابانية في العام 1923، وفي عام ١٩٤١، التحق بجامعة دوشيشا، في نفس الوقت الذي شنت فيه اليابان الحرب على الولايات المتحدة، وبعد عامين كان من بين ١٠٠ ألف طالب جُنّدوا للقتال. وخلال تلك الفترة تدرب سن ليصبح طياراً كاميكازي، لكن الحرب انتهت قبل أن ينفذ مهمته. وبدأت علاقة سن بـ«سادو» عندما كان عمره ست سنوات، إذ بدأ في تلك الفترة تلقي دروس ليصبح معلماً كبيراً في تقديم الشاي الياباني. وخلال الحرب، أحضر سن معه معدات الشاي، وقدّم شاي وداع لمجموعة من زملائه المتدربين قبل مهمتهم. السلام من خلال كوب شاي وبصفته أحد الناجين من مهمة «كاميكازي» خلال الحرب، والتي شهدت خلالها انطلاق العديد من زملائه الطيارين في رحلات ذهاب فقط، كرس سن حياته لمناهضة الحرب، وروج «للسلام من خلال كوب من الشاي». وقال سن في تصريحات له: «تقديم الشاي يجلب السلام للجميع. إذا شعر الجميع بالسلام، فلن تكون هناك حرب». أصبح سن الأستاذ الأكبر الخامس عشر لمدرسة «أوراسينكي» لحفلات الشاي اليابانية في العام ١٩٦٤. وتُعد «أوراسينكي» واحدة من ثلاث مدارس مرموقة تأسست في أوائل القرن الـ 17 خاصة بالشاي الياباني. رسالة عالمية مناهضة للحرب وعلى مدار حياته، أقام سن حفل الشاي أكثر من ٣٠٠ مرة في ٧٠ دولة للترويج لفن «سادو»، «للسلام من خلال كوب من الشاي»، ناشراً رسالته المناهضة للحروب عبر العالم. وأقام سن مراسم شاي للدعاء من أجل السلام في السنوات المهمة التي تُشير إلى نهاية الحرب، وفي عام ٢٠١١، قدّم الشاي في النصب التذكاري لسفينة «يو إس إس أريزونا» في هونولولو، هاواي، تكريماً لأرواح ضحايا الهجوم الياباني على بيرل هاربور في ٧ ديسمبر ١٩٤١. تفاعل روحي بين البشر ويعود تاريخ شاي «سادو» إلى عصور اليابان القديمة، ولايزال محفوراً في ثقافتهاعبر اهتمام الأجيال بتوارثه، ونقله الى المهتمين والأسر اليابانية كتقليد تراثي يجسد ضيافة الشاي الممزوجة بالصفاء الروحي والجمالي. وتعتبر «سادو» قضية تفاعل وتبادل روحي بين البشر – أي بين صاحب البيت والضيوف، حيث الاستغراق بكامل الحواس فى إيجاد مناسبة الهدف منها تحقيق الاستمتاع الجمالي والفكري و الجسدي و صفاء الذهن للضيوف مع الشعور بالسلام والنوايا الحسنة ليتحول العالم من حولك الى مكان للسعادة الحقيقية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store