logo
سوريا... إدارة جديدة وتحديات قديمة

سوريا... إدارة جديدة وتحديات قديمة

المغرب اليوم٠٤-٠٥-٢٠٢٥

توحش الأقليات كان الشعار الأبرز لمرحلة حكم نظام الأسد لسوريا الممتد لبضعة عقودٍ، مع الأب ثم الابن، وعبر التاريخ الإسلامي ما كان ثمة توحشٌ للأكثرية لأنها في الحكم هي الأساس ولا تخشى من أي تهديدٍ أقلوي، فظلت الدولة الإسلامية على مدى قرونٍ طويلة تحكمها الأكثرية التي تحمي الأقليات.
سقوط الأسد كان حدثاً مدوياً، وهو أزاح عهداً كان يمثل نشازاً تاريخياً ما كان له أن يستمر لولا توافقات دولية حكمت بعض مراحل الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، والحقيقة أنه وإن قدّم نفسه كنظامٍ يحمي الأقليات، فإنه لم يكن يحمي إلا بعض المتنفذين من طائفته بحيث كان يقسم ظلمه ووحشيته على الأكثرية وعلى باقي الأقليات، وهو من اغتال كمال جنبلاط الزعيم الدرزي الكبير.
التحديات التي تواجه الإدارة السورية الجديدة كثيرةٌ ومتعددةٌ ومتشعبةٌ، وهي تحدياتٌ تحتاج لاعترافٍ صريحٍ بطبيعتها وخريطة طريقٍ واضحةٍ لتجاوزها، وهذا وإن بدا كلاماً سهلاً ومنطقياً فإن تطبيقه اليوم على الأوضاع في سوريا يشوبه الكثير من العوائق التي تحتاج للاعتراف بها وتجاوزها أيضاً، وأحد هذه التحديات الكبرى هو تعدد الأقليات، وهي أقلياتٌ قديمةٌ في سوريا طوال تاريخها، وهي لن تزول ولن تنتهي وحافظت على قوتها ووحدتها في ظل أنظمةٍ سياسيةٍ متعددة وخلال حروبٍ طاحنة.
في فبراير (شباط) الماضي، شارك أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري الجديد في ندوةٍ خلال «القمة العالمية للحكومات» التي انعقدت في دبي، وكنت حريصاً على الحضور والاستماع لصوتٍ يمثل مستقبل سوريا المنظور على الأقل، ولكنه كان دبلوماسياً أكثر مما ينبغي، فهو يرد على أسئلة توجَّه للحكومة بمنطق الشعب، بمعنى أنه عندما تحدث عن الأقليات أجاب بأنها موجودة ومعروفة في سوريا منذ القدم، وصدق في هذا، ولكن هذا جواب يتحدث به المواطن السوري والباحث والمراقب، أما جواب الحكومة فكان يجب أن يكون عملياً وواقعياً ومبنياً على خطةٍ معلنةٍ.
المقارنة بعهد الأسد البائد ليست جواباً عن الهواجس المعتبرة لدى شرائح كبيرةٍ من الشعب السوري تقف على رأسها الأقليات الدينية والطائفية والعرقية، وبعضها أقلياتٌ مسلحةٌ وتمتلك من الشجاعة والوحدة والتاريخ ما يجعلها رقماً صعباً في المعادلات الداخلية السورية والمعادلات الإقليمية على حدٍّ سواء.
وعندما تحدث الشيباني بصراحةٍ عن موضوع الأقليات، قال: «نرفض اسم الأقليات والمحاصصة، الكفاءة هي المعيار، وهذا الحديث يمكن أن يقال في بلدانٍ مستقرةٍ وخاضعةٍ لدساتير ثابتةٍ وقوانين راسخةٍ وحكومة تنفيذية فاعلة، وهذا غير متوفرٍ في سوريا الحاضر بعد».
يشير الكثير من التقارير الصحافية الغربية إلى ما يعرف في سوريا بـ«المهاجرين» بالمنطق الديني، وهم مجموعاتٌ من المطاردين من دولهم الذين التحقوا بشتى الفصائل المقاتلة تحت مسمى «الجهاد»، وهم مرتبطون ارتباطاً وثيقاً بتنظيمات الإرهاب المعروفة مثل تنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش»، وهؤلاء يشكلون ضغطاً كبيراً لرفض أي تنازلات تقدمها الإدارة الجديدة عن خطابها الآيديولوجي عندما كانت في المعارضة، وتعتبر الواقعية السياسية الحالية نوعاً من النفاق أو النكوص على العقبين بالمنطق الجهادي.
مع منطق هؤلاء الذين يسمون أنفسهم «جهاديين» وتصنفهم كثير من دول العالم إقليمياً ودولياً «إرهابيين»، لا يمكن للإدارة الجديدة الحديث بشكل صريحٍ عن موقفها من الأقليات داخل الدولة، وهو ما يسبب مخاوف عميقة وحقيقية لدى هذه الأقليات، وتقوم بعض هذه المجموعات بعمليات قتلٍ وترويعٍ خطيرةٍ كما تهدد بعض مناطق الأقليات، وهو ما جعل بعض هذه الأقليات تتخذ مواقف مدافعة عن مناطقها وعقائدها وإن بالقوة المسلحة، والأخطر هو أنها ستفعل ذلك ولو بالتعاون مع إسرائيل، فمراعاة مجموعاتٍ مسلحةٍ وافدةٍ مهما كانت متطرفةً دينياً على حساب جزء كبيرٍ من الشعب السوري المتجذر في بلاده لقرونٍ من الزمن، ليست من الحصافة السياسية في شيء.
اللعبة الإقليمية تشكل خطراً حقيقياً على سوريا الجديدة، وخصوصاً من الدول غير العربية، فإيران تاريخها مع الشعب السوري سيئ وهي لم تسلم بعد نهائياً بهزيمتها في سوريا، وتركيا هي التي دربت ورعت لأكثر من عقدٍ بعض هذه الفصائل المسلحة التي أسقطت نظام الأسد، وهي لم تقصر في إظهار ذلك عبر زيارات مسؤوليها لدمشق، وإسرائيل تستبيح الفضاء السوري وتنفذ ما شاءت من العمليات العسكرية والضربات الجوية.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قطر بين شعار "دعم فلسطين" وواقع "تمويل قاعدة العديد" الأمريكية
قطر بين شعار "دعم فلسطين" وواقع "تمويل قاعدة العديد" الأمريكية

برلمان

timeمنذ 5 أيام

  • برلمان

قطر بين شعار "دعم فلسطين" وواقع "تمويل قاعدة العديد" الأمريكية

الخط : A- A+ إستمع للمقال في مشهد يعكس التناقض الفاضح بين الشعارات والسياسات، تعلن قطر في كل محفل عن دعمها 'الثابت' للقضية الفلسطينية، وتُزايد على أنظمة عربية أخرى، عبر أذرعها الإعلامية بحجة تخليها عن الشعب الفلسطيني، لكن خلف هذا الخطاب العاطفي، تُدار حسابات معقدة ومصالح استراتيجية، أبرزها قاعدة العديد العسكرية الأمريكية التي تحتضنها الدوحة وتستثمر فيها عشرات المليارات، رغم دورها المباشر وغير المباشر في تمكين آلة الحرب الإسرائيلية. قاعدة العديد.. بوابة النار الأمريكية في الشرق الأوسط تقع قاعدة العديد الجوية على بُعد 30 كيلومترًا جنوب غرب العاصمة القطرية الدوحة، وتُعدّ اليوم من أكبر القواعد العسكرية الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة، حيث تستضيف هذه القاعدة أكثر من 11 ألف جندي أمريكي، إضافة إلى مقر القيادة المركزية (CENTCOM)، التي تُشرف على العمليات العسكرية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى. هذه القاعدة لم تكن يومًا مجرد موقع عسكري، بل هي القلب النابض للسياسات الأمريكية في المنطقة، والتي تشمل الضربات الجوية، والتنسيق الاستخباراتي، وإعادة التموين، وتقديم الدعم اللوجستي، ليس فقط في مواجهة الجماعات المسلحة في العراق وسوريا، بل أيضًا وهذا هو المثير في دعم إسرائيل بشكل غير مباشر أثناء فترات التصعيد مع 'حزب الله'، و'حماس'، وحتى أثناء العدوان على غزة. ترامب يعلن من الدوحة: قطر تستثمر 10 مليارات دولار في القاعدة خلال زيارته للدوحة في إطار جولة خليجية، أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، صراحةً، عن اتفاقية استثمار قطري ضخم في قاعدة العديد، بقيمة 10 مليارات دولار، حيث أوضح أمام جنوده أن هذه الاستثمارات ستُستخدم لدعم وتوسعة وتحديث القاعدة في السنوات المقبلة، ما يجعلها أكثر قدرة على تنفيذ مهامها العسكرية في المنطقة، بما فيها – وإن لم يُذكر صراحة – دعم العمليات المرتبطة بإسرائيل. ففي الوقت الذي تعلن فيه قطر أنها تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، تساهم أموالها في دعم بنية تحتية عسكرية تُستعمل ولو جزئيًا في ضرب هذا الشعب، أو على الأقل في تمكين الطرف الذي يحاربه. ليست المسألة هنا مجرد استضافة لقاعدة أمريكية، بل تمويل طوعي لها بمليارات الدولارات. هذا التناقض يطرح سؤالًا مشروعًا، كيف يمكن لدولة أن تُموّل واحدة من أبرز أدوات النفوذ العسكري الأمريكي في المنطقة، ثم تدّعي الدفاع عن الفلسطينيين الذين يقعون ضحايا مباشرة أو غير مباشرة لهذا النفوذ؟ قطر.. بين واشنطن وغزة تحاول قطر الترويج لنفسها كفاعل توازني، يحتفظ بعلاقات استراتيجية مع واشنطن، بينما يُموّل مشاريع إنسانية في غزة، ويتواصل مع الفصائل الفلسطينية. لكنها في المحصلة تُمارس لعبة مزدوجة، تهدئة مشاعر الشعوب العربية عبر الدعم المالي المحدود لغزة، وكسب رضا واشنطن من خلال تمويل قاعدة تُستخدم في ترسيخ الهيمنة الأمريكية – الإسرائيلية في المنطقة. لم تعد الشعارات تكفي لتغطية التناقضات الصارخة، لأن من يدعم فلسطين لا يُمول القواعد التي تُطلق منها الطائرات التي تُحاصرها، ومن يتحدث عن مقاومة الاحتلال لا يُكرّس أموال شعبه لبناء بنية تحتية لحماية المحتل.د، لذلك، فقد آن الأوان لمساءلة من يرفعون شعارات القضية، بينما يضعون أموالهم في جيب من يفتك بها.

15 سنة سجنا نافذا لرئيس موريتانيا السابق ولد عبد العزيز
15 سنة سجنا نافذا لرئيس موريتانيا السابق ولد عبد العزيز

شتوكة بريس

timeمنذ 6 أيام

  • شتوكة بريس

15 سنة سجنا نافذا لرئيس موريتانيا السابق ولد عبد العزيز

قررت محكمة الاستئناف المختصة بالفساد في موريتانيا ، اليوم الأربعاء، سجن الرئيس السابق للبلاد محمد ولد عبد العزيز، خمسة عشر عاما نافذة، وإدانته بتهم استغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة وإخفاء العائدات الاجرامية. ونطق رئيس المحكمة بالحكم بعد أشهر من جلسات محاكمة أثارت جدلا واسعا واهتماما كبيرا من الشارع الموريتاني. وفور النطق بالحكم احتج أنصار الرئيس السابق داخل قاعة المحكمة وتدخلت قوات الأمن لإخراجهم من القاعدة أثناء استكمال رئيس المحكمة النطق بالحكم . وقضت المحكمة بتغريم الرئيس السابق بمليار أوقية، أي نحو أربعة ملايين دولار أمريكي.

محكمة الاستئناف المختصة بالفساد تصدر حكمها في حق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز ب 15 عاما نافذة وإدانته بتهم استغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة وإخفاء العائدات الاجرامية
محكمة الاستئناف المختصة بالفساد تصدر حكمها في حق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز ب 15 عاما نافذة وإدانته بتهم استغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة وإخفاء العائدات الاجرامية

المغربية المستقلة

timeمنذ 6 أيام

  • المغربية المستقلة

محكمة الاستئناف المختصة بالفساد تصدر حكمها في حق الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز ب 15 عاما نافذة وإدانته بتهم استغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة وإخفاء العائدات الاجرامية

المغربية المستقلة : قررت محكمة الاستئناف المختصة بالفساد، اليوم الأربعاء، 14 ماي الجاري، سجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز خمسة عشر عاما نافذة وإدانته بتهم استغلال النفوذ وسوء استخدام الوظيفة وإخفاء العائدات الاجرامية. ونطق رئيس المحكمة بالحكم بعد أشهر من جلسات محاكمة أثارت جدلا واسعا واهتماما كبيرا من الشارع الموريتاني. وفور النطق بالحكم احتج أنصار الرئيس السابق داخل قاعة المحكمة وتدخلت قوات الأمن لإخراجهم من القاعدة أثناء استكمال رئيس المحكمة النطق بالحكم . وقضت المحكمة بتغريم الرئيس السابق بمليار أوقية، أي نحو أربعة ملايين دولار أمريكي. وقررت المحكمة سجن صهر الرئيس السابق والمدير العام لشركة الكهرباء عامين نافذين لكل منهما بتهم استغلال النفوذ. وحكمت محكمة الاستئناف كذلك بحل هيئة الرحمة الخيرية التي كان يديرها نجل الرئيس السابق ومصادرة أملاكها بتهمة غسل الأموال. وحكم ولد عبد العزيز موريتانيا من 2009 إلى 2019 وغادر السلطة وسلمها للرئيس المنتخب محمد ولد الشيخ الغزواني لكن سرعان ما ساءت العلاقة بين الرجلين إثر محاولة الرئيس السابق السيطرة على الحزب الحاكم

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store