logo
يجب التفكير مليا قبل استعمال "أوزمبيك"

يجب التفكير مليا قبل استعمال "أوزمبيك"

Independent عربية١٣-٠٥-٢٠٢٥

حتى الآن، يعد ظهور أدوية إنقاص الوزن الجديدة أحد أهم الإنجازات الطبية في العقد الحالي. ومع نهاية العام الماضي، كان نحو 500 ألف بريطاني قد شرعوا فعلاً باستخدام حقن "سيماغلوتيد" semaglutide أو "تيرزيباتيد" tirzepatide، المعروفة شعبياً بالاسمين التجاريين "أوزمبيك" Ozempic و"مونجارو" Mounjaro. وبفضل هذه الأدوية "المعجزة"، كما يحلو للبعض وصفها، خسر سكان المملكة المتحدة ملايين الكيلوغرامات من الوزن الزائد. ولكن ما الثمن الذي ندفعه في المقابل؟
لما كنت طبيبة نفسية متخصصة في علاج اضطرابات الأكل النفسية [من قبيل فقدان الشهية العصبي، والشره المرضي العصبي، واضطراب الأكل بنهم...] أتوقع أن تتسبب حقن إنقاص الوزن بتأثير جانبي خطر إنما لا يحظى بالنقاش المطلوب: نحن إزاء طوفان من اضطرابات الأكل نتيجة الاستخدام غير السليم لهذه الأدوية.
في الأساس، صممت حقن إنقاص الوزن بغية مساعدة الأشخاص الذين يعانون السمنة المفرطة في إنقاص وزنهم، وفي أوساط هؤلاء، تتفوق فوائدها الصحية الطويلة الأمد على أخطارها وآثارها الجانبية بأشواط. ولكن هذه الأدوية لم تعد حكراً على هذه الفئة من الناس، إذ صارت متاحة بسهولة أمام من لا يعانون السمنة المفرطة، ولا داء السكري، وتندرج نسبة الدهون في أجسامهم ضمن المعدلات الصحية تماماً. ورغم التعديلات التي أدخلتها الجهات المعنية على معايير التحقق من أهلية الاستخدام [بناء على الحالة الصحية والعمر والوزن ومؤشر كتلة الجسم...]، فإنها لا تزال فضفاضة نوعاً ما. يبدو أن الجميع يعرف شخصاً يأخذ هذه الحقن. لقد أصبح استخدامها جزءاً من الحياة اليومية، وموجوداً في كل حدب وصوب.
نقرأ ونسمع باستمرار قصص نجاح لا تنتهي لنساء حققن الوزن الذي يحلمن به مع أنهن كن أصلاً يتمتعن بصحة جيدة منذ البداية. وتعج المنتديات الإلكترونية بفيض من النصائح حول كيفية استخدام "جرعات صغيرة" من الدواء للتمتع بالجسد المثالي.
الحصول على الدواء سهل جداً إلى حد أن علماء النفس مثلي لم يعودوا متأكدين مما إذا كان المرضى الذين نعالجهم من اضطرابات الأكل يستخدمونه أم لا، ما يزيد من صعوبة عملنا فيجعل العلاج أكثر تعقيداً [لأننا لا نعلم ما إذا كان الدواء جزءاً من المشكلة].
في الحقيقة، عدم وجود قوانين صارمة تنظم عملية استخدام هذا النوع من أدوية إنقاص الوزن يسهم في نشوء مشكلة قد تتفاقم في المستقبل. مثلاً، التقييم الطبي المستخدم للتحقق مما إذا كان الشخص مخولاً على المستوى النفسي لأخذ الدواء لا يزال محدوداً، ورغم أن الصيادلة يستفسرون عما إذا كان المريض مصاباً باضطراب في الأكل أو مر باضطراب تشوه صورة الجسد في مرحلة ما من حياته، في وسع للناس الحصول على هذه الأدوية من دون الحاجة إلى الإفصاح الكامل عن تاريخهم الطبي.
علاوة على ذلك، يبقى أي شخص عرضة للإصابة بأحد اضطرابات الأكل، وتشكل الآلية التي تعمل بها هذه الأدوية في الجسم [كبح الجوع وتعطيل إشارات الجسم الطبيعية...] المزيج المثالي لظهور اضطرابات غذائية في المستقبل. تكبح الحقن شعورك بالجوع، مما يمنعك من التفاعل مع جسمك وفهم إشاراته. أضف إلى ذلك أن فقدان الوزن السريع يندرج ضمن العوامل التي تفاقم خطر الإصابة باضطرابات الأكل، وأنا قلقة في شأن المستخدمين الذين يبدأون برحلة إنقاص الوزن وهم يعانون سمنة مفرطة، ثم يدمنون المكافأة النفسية والاجتماعية لفقدان الوزن [مثل نيل إعجاب الآخرين...]، ليجدوا أنفسهم في نهاية المطاف عاجزين عن التوقف.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما أعطى "المعهد الوطني للتميز في الرعاية الصحية" ("نايس" Nice) موافقته على استخدام هذه الأدوية في المملكة المتحدة، حرص على أن يشارك في القرار فريق طبي متعدد التخصصات يضم أطباء نفسيين. فالسمنة ليست مشكلة جسدية فحسب، بل نفسية أيضاً. في الواقع، اضطرابات الأكل لا تتعلق بالطعام أو بالوزن [بقدر ما هي اضطرابات سلوكية وعاطفية]. ومع ذلك تباع هذه الحقن الآن على أنها علاج شامل [حل سحري] للمشكلات المرتبطة بالوزن، يعدك بأن خسارة الكيلوغرامات الزائدة ستجعل حياتك أفضل، رغم أن الأبحاث في هذه المرحلة لا تدعم بصورة كافية فكرة أن الحقن تساعد الأشخاص الذين يعانون مشكلات مثل الشراهة في تناول الطعام.
ينقسم الإفراط في تناول الطعام إلى نوعين: نوبات شراهة فسيولوجية يسببها الشعور بالجوع، ونوبات شراهة نفسية تحركها مشاعر القلق والاضطراب العاطفي. والحقيقة أن كبح الشهية ليس قراراً بسيطاً، فإيقاف إشارات الجسم من دون مقدار مناسب من الدعم [نفسي وسلوكي] قد ينطوي على خطورة بالغة. من المهم أن يتعلم الناس الإنصات إلى أجسادهم، وفهمها، وبناء علاقة صحية معها، لا أن يقطعوا هذه العلاقة الحيوية. حتى الذين يكتفون بجرعات صغيرة من أدوية إنقاص الوزن ليسوا بمنأى عن هذا الخطر الجسيم، خصوصاً إذا كانوا يعتزمون الاستمرار في استخدامها على المدى الطويل.
أثارت وسائل الإعلام كثيراً من النقاش والجدل حول الطريقة التي تتعامل بها هذه الأدوية مع ما يسمى "ضجيج الطعام"، أو الأفكار المزعجة حول الطعام كما اعتدنا تسميتها في السابق. لا ينفك بعض الناس يفكرون في الطعام باستمرار، وبالنسبة إليهم، يساعد "أوزمبيك" و"مونجارو" في تهدئة جزء من تلك الأفكار. ولكن تكمن المشكلة في أنها لا تعالج الجذور الحقيقية [النفسية والعاطفية] الكامنة وراء هذه الأفكار [مقدمة حلاً سطحياً موقتاً لمشكلة نفسية أعمق مرتبطة بالعلاقة مع الطعام]. سواء كان يعاني فقدان الشهية أو الإفراط في تناول الطعام، يبقى السؤال الأهم، لماذا يشغل الطعام تفكير هذا الشخص طوال الوقت. ما السبب الفعلي خلفه؟
هل يحصل الأشخاص المؤهلون طبياً لأخذ هذه الجرعات على الدعم النفسي الضروري لإعادة ضبط علاقتهم بالطعام وبأجسادهم؟ لست مقتنعة بذلك. جل ما يفعله هذا "الحل السريع" أنه يجعل الناس أكثر عرضة للإصابة بأزمات [نفسية أو اضطرابات في الأكل] في المستقبل.
في الوقت نفسه يعزز الاستخدام الواسع النطاق لحقن إنقاص الوزن الفكرة الخطأ القائلة بوجود معيار واحد للمظهر المرغوب في المجتمع. نحن الآن بعيدون جداً عن تقبل شكل الأجسام ذات الاستدارات الطبيعية [مثل الأجسام الممتلئة]. تسبب هذه الضغوط الاجتماعية مشكلات حتى داخل العائلات وبين الأصدقاء. واستخدام أدوية إنقاص الوزن، سواء علناً أو سراً، وما يصاحبه من فقدان سريع للكيلوغرامات يثير كثيراً من المقارنات والحسد.
بدلاً من توجيه طاقتنا نحو أمور أخرى بعيداً من مظهرنا الجسدي، يحملنا استخدام أدوية إنقاص الوزن على الانشغال بمظهرنا بصورة أكبر وأكثر قسوة. أصبح فقدان الوزن و"ضجيج الطعام" [سيل من الأفكار عن الطعام] جزءاً من الأحاديث اليومية بين الأصدقاء وداخل مجتمعاتنا. والآن، يتفحص الناس أجساد بعضهم بعضاً بشكل أكبر، ويصدرون الأحكام في شأنها ويعطون رأيهم فيها، فيقولون مثلاً "لقد فقدت وزنها! هل تتعاطى "أوزمبيك"؟"، "لم تخسر الكيلوغرامات الزائدة، ربما عليها أن تجربه؟".
وفي النتيجة، نسمع الآن عن أشخاص يتمتعون بوزن طبيعي ولا يستخدمون حقن إنقاص الوزن لأنهم لا يحتاجون إليها أصلاً، ولكنهم مع ذلك يشعرون بالإحباط لأن مستخدمي تلك الحقن يخسرون كيلوغرامات أكثر مقارنة بهم، رغم أن خسارة الوزن التي يحققها هؤلاء ربما تكون غير ضرورية من الأساس.
كذلك نسمع انتقادات وأحكاماً تطاول مستخدمي هذه الأدوية: الدواء المصمم في الأساس ليكون أداة طبية لعلاج حالات معينة [مثل السكري من النوع الثاني] يراه الناس الآن "حلاً سهلاً" وسريعاً للحصول على النتائج من دون بذل مجهود [حمية غذائية أو ممارسة التمارين الرياضية]، مع كل الدلالات السلبية المترتبة على ذلك. يشعر البعض بالحرج الشديد إلى حد أنهم يتناولون الدواء سراً، ويخفون وصفتهم الطبية هذه عن شركائهم وأفراد أسرهم وأصدقائهم. ولا ننسى أن الانفعال أحد الآثار الجانبية المحتملة لدواء "أوزمبيك"، الذي قد يرتبط بمستوى السكر في الدم، ما من شأنه أن يسبب توتراً كبيراً في العلاقات الشخصية، خصوصاً إذا كان أحد الشريكين يجهل السبب وراء ذلك.
استخدام أدوية تعمل على تغيير الجسم، مع إبقاء الأمر طي الكتمان، من شأنه أن يسبب الشعور بالخجل والتباعد، بل ويؤدي أحياناً إلى تدهور العلاقات. إذا كنت معتاداً على الخروج لتناول العشاء مع صديق، وفجأة أصبح يأكل فقط نصف الكمية المعتادة، ستشعر أن ثمة أمراً مختلفاً وغريباً، وأن الثقة بينكما ربما لن تبقى كما كانت.
المملكة المتحدة من جهتها شددت بعض الشيء قواعد تنظيم استخدام حقن إنقاص الوزن منذ طرحها للمرة الأولى في البلاد، وهي خطوة في الاتجاه الصحيح، ولكن من ناحية التصورات والمواقف المجتمعية، يبدو أننا لا نحرز أي تقدم بل نسير إلى الخلف [نتراجع، نسير القهقرى].
لذا، قبل أن تركب [أيها القارئ] هذه الموجة، تذكر أن هذا الدواء المعجزة أكثر تعقيداً بأشواط مما يبدو عليه للوهلة الأولى. حتى لو كنت تعاني زيادة في الوزن وتستوفي الشروط الطبية التي تسمح لك باستخدامه، تذكر أن جسمك، على الأرجح، لم يبلغ هذا الحجم لمجرد أنك تأكل كثيراً، وما إن تبدأ بأخذ الدواء، فمن الوارد جداً أن تجد صعوبة في التوقف عنه.
الدكتورة جو سيلفر كبيرة المعالجين النفسيين في عيادة "أوري" المتخصصة في علاج اضطرابات الأكل أسرت بما تقدم لهانا فيرن

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم
مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

مشاعر الندم التي باح بها مرضاي خلال أيامهم الأخيرة ستفاجئكم

يغمرني شغف عميق تجاه الرعاية الصحية التلطيفية ومساعدة المرضى في غمرة أيامهم الأخيرة على الرحيل عن هذه الدنيا "بسلام وسكينة"، في عبور هادئ وكريم يليق بكرامة الإنسان. ولكن من المهم أن نفهم أن الرعاية التلطيفية لا تتمحور حول الموت نفسه فحسب. جزء رئيس من عملي يتركز على أناس في نهاية مشوارهم الأرضي، واستقيت منهم على مدى الأعوام الستة الماضية، دروساً ثمينة حول الحياة، وكل ما يستحق أن نعيش أيامنا من أجله. أعمل مع أشخاص من مختلف الأعمار، من سن الـ18 فما فوق، يكابدون أمراضاً متنوعة، من بينها السرطان وقصور القلب و"باركنسون" وداء "العصبون الحركي" [يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في العضلات]. وعلى رغم تفاوت حالاتهم وأعمارهم وتجاربهم الحياتية، يتشارك كثير منهم الرؤى العميقة عينها التي تتكشف في أعماقهم مع اقتراب لحظات الوداع. في غالب الأحيان، يتحسر هؤلاء على وقت ضاع هباء وأيام انسلت من بين أيديهم بلا معنى. ويستعيدون شريط الماضي ويعتصرهم الندم لأنهم لم يمنحوا الأولويات الحقيقية ما تستحق، ولم يحتضنوا اللحظات بعفويتها وقيمتها العابرة. نحيا في مجتمع يركض فيه الجميع بلا هوادة، ونثقل كاهلنا بضغوط كبيرة طامحين إلى تحقيق إنجازات عظيمة، فيما يضيع منا بهدوء المعنى الحقيقي للحياة. وحينما تقترب الرحلة من خواتيمها، يتأمل الناس غالباً حياتهم التي مضت ليكتشفوا أن ما يستحق التوقف من أجله ليس الإنجازات الكبيرة، بل تلك اللحظات الصغيرة التي مرت بهدوء، كنزهة في الهواء الطلق، أو تمشية مع الكلب، أو حديث دافئ مع صديق. وفي هذه المرحلة، يدركون كم كانت تلك الأوقات عظيمة بتفاصيلها. وأنا بدوري، أيقنت كم ثمين أن أكون حاضرة في حياة أطفالي فيما يكبرون. لذا، لا تفوتوا يوم الرياضة، ولا عرض المسرحية المدرسية، إن استطعتم. مرضاي يذكرونني دائماً بأن الزمن لا يعود، وأن اللحظة التي تضيع، تضيع إلى الأبد. وعلى فراش الموت، يندمون أشد الندم أيضاً على الانشغال بالخلافات. على حين غرة، تبدو تلك المشاحنات التافهة أو الضغائن التي حملوها طوال أعوام بلا معنى، وكأنها لم تكُن تستحق ذلك العناء كله. وعموماً، يتوق الناس إلى المصالحة عندما تقترب النهاية. ويتكرر المشهد أمامي مراراً. أفراد من العائلة وأصدقاء غابوا دهراً، يستجيبون ويعودون لزيارة المريض، قبل أن يخونهم الوقت. في المحطة الأخيرة، ترى الحياة من منظور مختلف، فتكتشف لماذا تصدعت العلاقات وأين غابت الكلمات الطيبة. ويتأمل المرضى جراحهم القديمة ويتساءلون بصدق "هل كان يسعني أن أتصرف بصورة مختلفة"، أو "لماذا تفوهت بذلك الكلام حينها؟". أحد لا يريد أن يودع الحياة مثقلاً بالندم. تجتاحك مشاعر كثيرة عندما ترى أشخاصاً عادوا أخيراً بعد طول قطيعة، وغالباً ما تكون تلك اللقاءات مشحونة بالحنين لكل من حضرها وشارك فيها. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) والمثير للاهتمام أنني لم أرَ إلا قلة من الناس شعروا بالندم على قرارات تضر بصحتهم، إنما استمتعوا بها، مثل شرب الكحول أو التدخين. ومع ذلك، سمعت كثراً منهم يتمنون لو أنهم ذهبوا إلى طبيبهم عندما ظهرت عليهم الأعراض الأولى للمرض. ويقولون غالباً: "ليتني استشرت طبيبي العام"، أو "ليتني أجريت فحص مسحة عنق الرحم عندما طُلب مني". من السهل جداً إرجاء الأمور. ويرغب المرضى غالباً في الحديث عن حياتهم العاطفية. زواجهم وأطفالهم وعائلاتهم وأصدقاؤهم... ففي لحظات النهاية، يكون هؤلاء محور الاهتمام، وكل ما سواهم يبدو بلا قيمة. من الرائع حقاً أن تسمع قصص حيوات الناس بكل تفاصيلها. أحياناً، يعودون بالذاكرة لأحداث مضت قبل أكثر من 70 عاماً، مثل تلك اللحظات السحرية التي جمعتهم بأزواجهم أو زوجاتهم. ودائماً ما ترسم هذه القصص البسمة على وجوههم لأنها تعيدهم لأوقات فاضت فرحاً وحباً. وفي المقابل، يقول بعضهم: "لقد انفصلت. ليتني تزوجت حبيبة طفولتي، لكان كل شيء مختلفاً...". وكثيراً ما نسمع أشخاصاً يتمنون لو أنهم تزوجوا حبهم الأول. لم يقُل لي أحد قط أنه يتمنى لو أمضى وقتاً أطول في المكتب أو العمل. ولحسن الحظ، لم يعترف أحد أبداً بارتكاب جريمة. صراحة، لست متأكدة إن كنت أرغب في معرفة ذلك. أن تكوني ممرضة في الرعاية التلطيفية يعني أن تتحلي بصبر كبير. فكثير من المواقف تتسم بالصعوبة أو التعقيد، وتتطلب مرونة وحذراً في التعامل معها، إذ تكون مجبولة بالمشاعر المرهفة والحزن العميق، وعلينا أيضاً أن نمتلك مهارات استماع ممتازة، فقد يروي لنا المرضى أو عائلاتهم قصصاً لم يرغبوا في التحدث عنها سابقاً. ويفتح لنا هؤلاء أبواب مشاعرهم على مصراعيها، وهو شرف عظيم لنا. أحياناً، يشعر المرضى بغضب شديد، لعلمهم أنهم سيغادرون هذه الدنيا قريباً، ويشعرون بأن الأيام حرمتهم من إنجازات حياتية مهمة كإنجاب الأطفال، أو الاستمتاع بأمور كانوا يتخيلون أنها ستكون جزءاً من حياتهم في مرحلة الشيخوخة. ولكن من واقع خبرتي، من المهم جداً منحهم الوقت والمساحة الكافيين لاستكشاف هذه المشاعر بصورة كاملة، وتذكيرهم بأنه لا بأس من الغضب أو الشعور بالحزن العميق أو الاستياء الشديد. في هذه الحالة، نجتمع كفريق واحد ونتحدث إليهم وإلى عائلاتهم، ونحاول إيجاد منافذ للمساعدة، سواء عن طريق قضاء وقت في الهواء الطلق، أو الاستماع إلى الموسيقى التي يحبونها، أو حتى مجرد الاستماع إلى شخص ما من دون إصدار أية أحكام. أحياناً، يصعب علينا فصل مشاعرنا عن طبيعة عملنا. العناية التلطيفية لا تشبه مثلاً بيئة المستشفيات المخصصة للحالات الطارئة حيث الإيقاع السريع للأحداث لا يسمح بالتقاط الأنفاس. هنا، نخصص الوقت والمساحة لبناء علاقة إنسانية حقيقية مع مرضانا. نتعرف إليهم وإلى عائلاتهم عن كثب، حتى نكاد نصبح جزءاً من نسيجهم الأسري. وعلى رغم أن فقدان مريض بنينا معه علاقة وثيقة يبقى تجربة مؤلمة، أجدني أستمد العزاء من التأثير الإيجابي الذي تركته لدى هذه العائلة أو تلك. أضف إلى ذلك أن بيئة العمل الداعمة تشكل سنداً حقيقياً في مثل تلك اللحظات. صرت أعرف الآن أيضاً أهمية التحدث عن رغبات نهاية الحياة قبل وقت طويل من انطفاء شمعة العمر. فاعتاد أفراد عائلتي على المزاح في شأن إصراري الدائم على إثارة هذا الموضوع، ولكني سأبقى أطرحه دائماً. الحديث عن الموت ليس مخيفاً خلافاً لما يظنه بعضهم. وعندما لا تتناول العائلات هذه المسائل مسبقاً، أرى بأم العين حجم الضغط النفسي الذي يثقل كاهل الأقارب، ممن يُتركون في مواجهة أسئلة صعبة ومؤلمة من قبيل: هل كان أحباؤهم يفضلون الدفن أو الحرق، أو ما هي حاجاتهم الروحية خلال أيامهم الأخيرة. وإذا سارت الأمور كما ينبغي، نكون نحن هنا لمساعدة العائلات في تسهيل هذه القرارات والدفاع عن رغبات المريض وتهدئة التوترات في المواقف الصعبة والوصول في نهاية المطاف إلى حل توافقي يراعي الجميع. في الحقيقة، ليس الموت بسلام رهناً بالإيمان وحده. لقد استقبلنا مرضى من الأديان كافة، ومرضى لا يتبعون أية ديانة. يسألنا بعضهم أن نفتح النافذة بعد وفاتهم لإطلاق الروح بعد مغادرتها الجسد، أو يطلبون منا اتباع طقوس خاصة. في المقابل، لا يرغب آخرون في الخوض في أية ترتيبات قد نتبعها بعد أن تغمض عيونهم إلى الأبد، ولا التفكير في الجنازة، وليست الروحانيات من أولوياتهم. يفضلون التحدث عن كرة القدم مثلاً. وجل ما يطمحون إليه موت هادئ وكريم يتماشى مع رغباتهم. في لحظات الحزن العميق، يعزيك أن تعلم أن من تحب غادر الدنيا بسلام. وتشعر العائلة بالمواساة، إذ تتذكر التفاصيل البسيطة والملامح التي طبعت لحظات فقيدهم الأخيرة، وتبث في قلوبهم الراحة في أنه عبر إلى الضفة الأخرى بسلام وسكينة. في نهاية الحياة، تبقى الكرامة هي المسألة الأهم. عندما نستقبل المريض، نحرص على أن نسأله: "ما الذي يهمك؟"، ويختلف الجواب باختلاف الأشخاص. يرغب أحدهم مثلاً في ارتداء "بيجامته" المفضلة، وربما يطلب آخر احتساء كوب من الشاي كل صباح. ولكن الحاجة التي تجمع بينهم، الاعتراف بهم كأفراد لكل منهم خصوصيته وقيمته الفريدة، وعدم معاملتهم كمجرد أرقام في خضم روتين الإجراءات وسلسلة الحالات. من لم يشهدوا وفاة في دار للرعاية التلطيفية، يتصورون الموت غالباً كما يبدو في المسلسلات التلفزيونية: مشهد فوضوي مرعب، يعج بالتوتر والذعر. ولكني أطمئنهم إلى أنه قد يكون أيضاً رحيلاً هادئاً يحفظ للإنسان كرامته وقيمته، ولا سيما في بيئة يسودها الأمان وتغمرها المحبة. أما أنا، فستبقى مشاركتي المتواضعة في هذه الرحلة السامية امتيازاً أعتز به. دار "سو رايدر" موجودة كي لا يواجه أحد الموت أو الحزن وحيداً. لمزيد من المعلومات حول خدمات الرعاية التلطيفية، زوروا الموقع الإلكتروني ، أو ابحثوا عن عبارة "الحزن يستحق الأفضل" Grief Deserves Better للحصول على دعم مجاني في حالات الفقد.

بريطانيا ترصد فيروس غرب النيل للمرة الأولى في بعوض
بريطانيا ترصد فيروس غرب النيل للمرة الأولى في بعوض

Independent عربية

timeمنذ 2 أيام

  • Independent عربية

بريطانيا ترصد فيروس غرب النيل للمرة الأولى في بعوض

أعلنت وكالة الأمن الصحي البريطانية أمس الأربعاء أنها اكتشفت للمرة الأولى فيروس غرب النيل في بعوض جُمع داخل البلاد. وتقول منظمة الصحة العالمية إن الفيروس، الذي ينتقل في الغالب إلى البشر عبر لدغات البعوض، قد يسبب حالات مرضية حرجة تهدد الحياة لدى حالة واحدة تقريباً من بين كل 150 إصابة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وقالت وكالة الأمن الصحي البريطانية إنه لا دليل حتى الآن يشير إلى انتشار الفيروس بين الطيور أو البعوض في المملكة المتحدة، مضيفة أن الخطر على عامة الناس منخفض للغاية. وأكدت الوكالة أنه حتى الساعة لم تُرصد أية إصابة لدى البشر أو الأحصنة في المملكة المتحدة بفيروس غرب النيل.

مكتب بايدن ينفي التستر: اكتشفنا إصابة السرطان أخيرا
مكتب بايدن ينفي التستر: اكتشفنا إصابة السرطان أخيرا

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

مكتب بايدن ينفي التستر: اكتشفنا إصابة السرطان أخيرا

لم تُشخص إصابة جو بايدن بسرطان البروستات قبل الأسبوع الماضي، كما أنه سبق وأجرى تحليل دم للكشف عن المرض قبل 11 عاماً، حسبما أعلنت متحدثة باسم الرئيس الأميركي السابق أمس الثلاثاء. وجاء بيان مكتب بايدن بعدما أثار خلفه الرئيس دونالد ترمب مزاعم بوجود تستر قائلاً إنه "فوجئ" لعدم إطلاع الرأي العام في شأن السرطان خلال وقت سابق. وأعلن مكتب بايدن الأحد الماضي أن الرئيس السابق (82 سنة) جرى تشخيص إصابته بنوع عدواني من سرطان البروستات، بعد أيام من اكتشاف عقدة في الغدة. و"يعود آخر فحص 'بي إس إيه' أو 'مستضد البروستات النوعي' معروف للرئيس بايدن لعام 2014"، على ما قالت متحدثة باسمه في بيان لوكالة الصحافة الفرنسية، وفحص الدم هذا يستخدم للكشف الباكر عن السرطان، مضيفة أنه "قبل يوم الجمعة لم تشخص إصابة الرئيس بايدن بسرطان البروستات". ويمكن اكتشاف سرطان البروستات، وهو الأكثر شيوعاً لدى الرجال، خلال مراحله الباكرة باستخدام فحوص الدم التي تقيس بروتين "بي إس إيه". وكثيراً ما انتقد ترمب الجمهوري خصمه الديمقراطي في بشأن صحته ومعرفته الإدراكية، كما أثار وحلفاؤه تساؤلات حول متى علم بايدن وأطباؤه بالسرطان، نظراً إلى طبيعته المتقدمة والفحص الطبي المكثف الذي يُجرى للرؤساء الأميركيين، لكن الفحص السنوي لبروتين "بي إس إيه" بعد سن الـ 70 لا يوصى به بشكل عام. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتنصح الخدمات الوقائية الأميركية بتجنبه، مشيرة إلى أن أخطار النتائج الإيجابية الخاطئة والمضاعفات الناتجة من الخزعات والعلاجات تفوق الفوائد. وكان بايدن يبلغ ما بين 71 و72 سنة عند خضوعه لهذا الفحص عام 2014. وسرطان البروستات هو الأكثر شيوعاً لدى الرجال ويمثل 15 في المئة من مجمل أنواع الأمراض السرطانية التي تصيبهم. وقال خبراء طبيون تحدثت إليهم وكالة الصحافة الفرنسية إن التأخر في تشخيص سرطان متقدم لن يكون أمراً نادراً، حتى بالنسبة إلى رئيس سابق يتلقى رعاية طبية فائقة الجودة. ولم يتحدث مكتب بايدن عما إذا كان الرئيس السابق قد خضع لفحوص الكشف عن البروستات بصورة منفصلة. وظلت الشكوك حول الحال الصحية لبايدن تلاحقه طوال حملته الانتخابية، وعادت للظهور مجدداً مع اقتراب صدور كتاب يسرد ما وصفه بتدهور في حاله البدنية. من جهته، عبر الرئيس السابق أول من أمس الإثنين عن امتنانه لفيض "الحب والدعم" بعد تشخيص إصابته بالسرطان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store