
فصائل الحشد الشعبي في العراق: من الدفاع إلى الاستحواذ – استشراف لموقف أمريكي محتمل!وليد الحيالي
فصائل الحشد الشعبي في العراق: من الدفاع إلى الاستحواذ – استشراف لموقف أمريكي محتمل!
بقلم: البروفيسور وليد الحيالي
حين تشكّل الحشد الشعبي في أعقاب فتوى 'الجهاد الكفائي' التي أطلقها المرجع السيستاني في العام 2014، كان الهدف المعلن مواجهة خطر تنظيم داعش الذي اجتاح أجزاءً واسعة من العراق. وبالفعل، لعبت الفصائل المنضوية تحت لوائه دورًا محوريًا في استعادة الأراضي التي سقطت بيد التنظيم الإرهابي. غير أن التحول اللاحق في بنية الحشد ووظيفته ومصادر تمويله قد أخرجه تدريجيًا من عباءة 'الدفاع الوطني' إلى عباءة 'الاستحواذ شبه الكامل' على مفاصل حساسة في الدولة والمجتمع العراقي.
لقد أصبح واضحًا، وبعد مرور أكثر من عقد على ولادة هذا الكيان، أن العديد من فصائل الحشد الشعبي – وبخاصة تلك المرتبطة أيديولوجيًا وسياسيًا بإيران – لم تندمج في الدولة، بل أن الدولة العراقية نفسها اندمجت، قسرًا أو طوعًا، في منظومة نفوذ هذه الفصائل. باتت الوزارات السيادية ومفاصل الاقتصاد، وشبكات التهريب عبر الحدود، والمكاتب الاقتصادية، تحت سيطرة تنظيمات تمتلك من المال والسلاح والنفوذ ما يتجاوز إمكانيات الحكومة العراقية ذاتها.
الحشد والدولة: من حماية الكيان إلى ابتلاع الكيان
واقع الحال يُظهر أن الحشد الشعبي لم يعد مجرد هيئة رديفة للقوات المسلحة، بل أصبح 'دولة داخل الدولة'، بل أحيانًا 'الدولة ذاتها'. وقد ساهم ضعف الحكومات العراقية المتعاقبة، وانقسام القوى السياسية، وميوعة السيادة الوطنية، في تغوّل هذه الفصائل التي لم تكتفِ بتكريس نفوذها في الداخل، بل تورّطت في نزاعات إقليمية، ونفّذت أجندات غير عراقية، مما شوّه دور الحشد وأبعده عن هدفه الأول.
بلغة الأرقام، فإن ميزانية الحشد الشعبي التي تقارب ملياري دولار سنويًا تُصرف دون رقابة حقيقية. في الوقت الذي يعاني فيه ملايين العراقيين من الفقر، وتنهار الخدمات الأساسية، تتوسع إمبراطوريات الفصائل المسلحة، ويبني قادتها العقارات ويسيطرون على الموانئ والمنافذ الحدودية، ويحتكرون العقود والمشاريع، ويفرضون الإتاوات والجباية تحت يافطات شتى.
تصريح ترامب… هل هو تمهيد لتغير قادم؟
في الأيام الأخيرة، أعاد الرئيس الأمريكية دونالد ترامب، خلال تجمع انتخابي، توجيه الأنظار نحو العراق، حيث أشار صراحة إلى أن 'فصائل مسلحة سرقت الدولة العراقية بالكامل'، مشيرًا ضمناً إلى الحشد الشعبي، ومتسائلًا: 'هل هذا ما أردناه حين أسقطنا صدام حسين؟'.
هذا التصريح، وإن بدا دعائيًا في سياق حملة انتخابية أمريكية متوترة، إلا أنه يعكس إدراكًا أمريكيًا متجددًا لحقيقة الواقع العراقي المأزوم، وخاصة تغوّل الفصائل المدعومة إيرانيًا. فهل هو تمهيد لسياسة أمريكية جديدة تسعى إلى تقليص نفوذ الحشد، أو حتى تحجيمه بالقوة؟ وهل يمكن للولايات المتحدة – في ظل انكفائها العام عن الشرق الأوسط – أن تخوض مغامرة جديدة في العراق؟
أمريكا والحشد: بين التجاهل والتحجيم
منذ انسحاب القوات الأمريكية في 2011، وحتى عمليات 'الردع المحدود' التي تلت استهداف السفارة الأمريكية أو مصالحها في العراق، ظل الموقف الأمريكي من الحشد الشعبي يتسم بالتذبذب. فواشنطن كانت في البداية شريكًا غير مباشر في دعم جهود الحشد ضد داعش، لكنها ما لبثت أن وضعت بعض فصائله، مثل 'كتائب حزب الله' و'النجباء'، على قوائم الإرهاب.
السيناريوهات المستقبلية التي قد تعتمدها الإدارة الأمريكية المقبلة في التعامل مع الحشد الشعبي تتراوح بين ما يلي:
1. الاحتواء السياسي والدبلوماسي: من خلال دعم حكومة عراقية أقوى نسبيًا، وإعادة تشكيل التوازنات داخل الدولة العراقية لتقليص نفوذ الفصائل.
2. العقوبات الاقتصادية الفردية والجماعية: وتشمل قادة الفصائل، والمكاتب الاقتصادية التابعة لها، ومصادر التمويل الخارجية.
3. الضغط العسكري المحدود: من خلال ضربات جوية أو دعم عمليات استخبارية تستهدف البنى التحتية للفصائل الخارجة عن القانون.
4. دعم الحراك الشعبي والمجتمع المدني: لا سيما في الجنوب والوسط، حيث يتزايد التململ الشعبي من هيمنة الحشد على مفاصل الدولة.
خاتمة: العراق بين المطرقة والسندان
ليس من السهل إنهاء وجود الحشد الشعبي بين ليلة وضحاها، لا عسكريًا ولا سياسيًا، لا من الداخل ولا من الخارج. ولكن المؤكد أن استمراره بصيغته الحالية يُشكّل خطرًا وجوديًا على فكرة الدولة العراقية ذاتها، ويُكرّس فوضى السلاح والولاءات المتعددة، ويمنح لإيران ذراعًا ضاربة تهدد الاستقرار الإقليمي.
التصريحات الأمريكية، سواء من ترامب أو غيره، لن تُفضي إلى تغيير جذري ما لم تواكبها إرادة عراقية وطنية حقيقية. وذاك هو التحدي الأكبر: هل يستطيع العراق استعادة قراره الوطني وبناء جيش موحد ومؤسسات قوية؟ أم أنه سيبقى أسيرًا لمعادلات السلاح والمال والارتهان للخارج؟
2025-06-29
The post فصائل الحشد الشعبي في العراق: من الدفاع إلى الاستحواذ – استشراف لموقف أمريكي محتمل!وليد الحيالي first appeared on ساحة التحرير.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


شفق نيوز
منذ 14 دقائق
- شفق نيوز
خامنئي يرد على ترامب: بالغ في وصف ما جرى
شفق نيوز - طهران ردّ المرشد الإيراني علي خامنئي، يوم الأحد، على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بشأن الضربات الأمريكية التي استهدفت منشآت إيران النووية. وقال خامنئي، عبر حسابه على منصة "إكس"، واطلعت عليه وكالة شفق نيوز، إن "ترامب بالغ في وصف ما جرى لإخفاء الحقيقة الخفية حول نتيجة قصفه لمنشآت إيران النووية". وأضاف "استخدم الرئيس الأمريكي مبالغة غير تقليدية في وصف ما حدث"، مبيناً ان "كل من سمع تلك الكلمات أدرك أن هناك حقيقة أخرى خفية وراءها". وجدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يوم أمس السبت، انتقاده لتصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي بشأن الحرب مع إسرائيل، مشككاً في صحتها. كما نفى ترامب بشكل قاطع الأنباء التي تناولت نيته منح إيران 30 مليار دولار لبناء منشآت نووية مدنية، واصفاً تلك الادعاءات بأنها "خدعة" من وسائل إعلام كاذبة تهدف إلى التشويه. وفي 13 حزيران/ يونيو الجاري، شهد الشرق الأوسط تطوراً خطيراً وغير مسبوق، تمثّل في اندلاع مواجهة عسكرية مفاجئة بين إسرائيل وإيران، ما دفع المنطقة إلى حافة تصعيد شامل، خصوصاً بعد قيام الولايات المتحدة الأمريكية بقصف المنشآت النووية الإيرانية.


وكالة أنباء براثا
منذ ساعة واحدة
- وكالة أنباء براثا
الامام المفدى السيد الخامنئي :: لم ينجزوا شيئا ويضخمون كلامهم لإخفاء فشلهم
اتهم قائد الثورة الاسلامية في إيران الامام المفدى السيد علي الخامنئي، اليوم الأحد، (29 حزيران 2025)، الولايات المتحدة بـ"التضخيم المتعمد" لما جرى، بهدف التغطية على عجزها في تحقيق نتائج حقيقية. وقال سماحته في تغريدة نشرها على حسابه الرسمي مساء الأحد، أن "رئيس جمهورية أمريكا بالغ بشكل غير مألوف في وصف ما حدث، مما يدلّ على حاجته إلى هذا التهويل، كل من سمع تلك التصريحات يدرك أن وراءها حقيقة مختلفة." وأضاف: "لم يتمكنوا من تحقيق شيء يُذكر، ولذلك يحاولون إخفاء الحقيقة خلف كلمات مبالغ فيها." وتأتي تصريحات سماحته في أعقاب تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها المعتوه ترامب لقناة "فوكس نيوز"، زعم فيها أن القوات الأمريكية دمّرت المواقع النووية الإيرانية، وأن كل صاروخ أصاب هدفه بدقة، كما تفاخر باستقباله الطيارين الذين نفذوا الغارات على إيران في البيت الأبيض.


وكالة أنباء براثا
منذ 2 ساعات
- وكالة أنباء براثا
ترامب يتعهد برفع العقوبات عن إيران في حال اتبعت طهران نهجا سلميا
تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اليوم الأحد، برفع العقوبات المفروضة على إيران بشرط أن تبقى طهران "مسالمة"، إذ ذكر ترامب في مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، تعليقا على العقوبات المفروضة على إيران: "إذا قاموا (إيران) بعملهم، وإذا استطاعوا أن يكونوا مسالمين وأن يثبتوا لنا أنهم لن يتسببوا في أي ضرر آخر، فإنني سأرفع العقوبات وهذا سيحدث فرقا كبيرا". وفي وقت سابق، أعلن الرئيس الأمريكي عن وقف أي خطوات لتخفيف العقوبات على إيران، بعد تصريحات اعتبرها معادية من المرشد الإيراني خامنئي. وهدد ترامب بشن ضربات جديدة إذا واصلت إيران برنامجها النووي، مطالبا بفتح منشآتها للتفتيش الدولي. فيما أكدت طهران مرارا أن تخصيب اليورانيوم "خط أحمر" وجزء أساسي من دورة الوقود والصناعة النووية الوطنية، مشددة على أن هذا الحق غير قابل للتفاوض أو المساومة.