
خطاب العرش وضبط إيقاع الحياة السياسية
وبما أن من بين الشروط السياسية الأساسية لإرساء قواعد الديمقراطية الحقة، هناك الحرص الشديد على تنظيم انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، والحفاظ على سلامة العملية الانتخابية، بالقدر الذي يمكن أن يساهم في ضمان الاختيار الحر للمواطنات والمواطنين، والوعي الشعبي بما للصوت الانتخابي من إمكانية حقيقية في قلب الموازين عند التنظيم الجيد وفق المقتضيات القانونية والدستورية...
وبما أن العاهل المغربي محمد السادس لم ينفك ينادي منذ اعتلائه العرش بنزاهة الانتخابات وشفافيتها، حيث أنه طالما أكد أن الهدف من الانتخابات لا ينبغي بأي حال أن ينحصر في الحصول على المناصب، وإنما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطنين والارتقاء بأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. مركزا في أكثر من مناسبة على ضرورة توخي الأحزاب السياسية الكفاءة والاستحقاق في انتقاء مرشحيها من بين أطرها وقيادييها، داعيا إلى ترسيخ مناخ الثقة في الانتخابات والحفاظ على مصداقيتها، من خلال التصدي الحازم لكل التجاوزات والخروقات، والانكباب على مكافحة استعمال المال وشراء الأصوات لإفساد الانتخابات، واستغلال النفوذ، أو التوظيف المغرض للدين والمقدسات في المعارك الانتخابية...
فإنه عاد مرة أخرى في خطاب العرش ليوم 29 يوليوز 2025 بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه المنعمين، للتأكيد على ضرورة إخراج المنظومة العامة المؤطرة للانتخابات التشريعية المقبلة في موعدها الدستوري والقانوني الاعتيادي، سعيا إلى ضبط إيقاع الحياة السياسية وتكريس استمرارية الانتقال الديمقراطي، ولاسيما أن البلاد في أمس الحاجة إلى تعزيز الثقة في المؤسسات، تجديد النخب، وتفعيل الاختيارات الاستراتيجية الكبرى بناء على التوجيهات الملكية.
وفي هذا السياق حرص جلالته على إصدار توجيهاته لوزير الداخلية عبد الوفي لفتيت من أجل الإشراف على الإعداد الجيد لهذا الموعد الوطني قبل نهاية السنة الحالية، ودعوته إلى فتح مشاورات سياسية مع مختلف الفاعلين السياسيين، مما يؤكد الرغبة الملكية الملحة في جعل مسلسل الانتخابات شأن يهم جميع مكونات الحقل السياسي، كما تستبطن هذه الدعوة إرادة ملكية واضحة في تجديد الثقة في الآليات الديمقراطية وتوسيع دائرة التوافق السياسي حول الإطار القانوني والتنظيمي للانتخابات، بعيدا عن تلك الممارسات الارتجالية التي ما انفكت تمس بمصداقية هذه الاستحقاقات وتربك المسار التشاركي.
فمن مكر الصدف ومما يثير الاستغراب أن الدعوة الملكية لضبط إيقاع الحياة السياسية، جاءت متزامنة مع الفضيحة التي فجرها أحد البرلمانيين المعتقلين، عبر توجيه شكاية من خلف أسوار السجن إلى رئيس النيابة العامة يكشف فيها عن تفاصيل صادمة بخصوص شراء نتائج الانتخابات، يدعي فيها أن أحد المسؤولين الكبار بولاية فاس طلب منه ثمانية ملايين درهم مقابل تسهيل فوز ثلاثة مرشحين بالرتب الأولى في الانتخابات التشريعية التي شهدتها بلادنا في 8 أكتوبر 2021.
وتفاعلا مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في خطاب العرش سارع وزير الداخلية عبد الوفي لفتيت إلى عقد لقاء هام يوم الجمعة فاتح غشت 2025 بمدينة تطوان مع الولاة والعمال والمسؤولين بالإدارة الترابية والمصالح المركزية لوزارته بحضور كبار المسؤولين العسكريين وغيرهم. كما لم يفته توجيه الدعوة إلى الأمناء العامين للأحزاب السياسية في الأغلبية والمعارضة، سواء منها تلك الممثلة في البرلمان أو غير الممثلة داخل المؤسسة التشريعية، لحضور الاجتماع المزمع عقده يوم السبت 2 غشت 2025، وذلك من أجل التشاور حول منظومة الانتخابات، وتقديم تصور عام حول القوانين المؤطرة للانتخابات البرلمانية المقبلة.
فإصلاح المنظومة العامة للانتخابات يقتضي العمل الجاد والمسؤول على تجاوز الاختلالات القائمة على مستوى القوانين والممارسة الانتخابية، والقيام بما يلزم من إصلاحات جوهرية التي من شأنها أن تشكل قطيعة مع مختلف أساليب الإفساد السابقة، من خلال الحرص على تكريس الحياد الحقيقي الإيجابي للسلطات العمومية، إبعاد استعمال المال أو النفوذ أو استغلال الدين في العملية الانتخابية.
إن المغاربة بحاجة إلى توفير الشروط السياسية اللازمة التي تعيد لهم الثقة في الاختيار الديمقراطي والعمل السياسي والحزبي، وتساهم في تقوية الشعور بالانتماء للوطن وإنعاش الأمل والتفاؤل بالمستقبل، فضلا عن تشجيعهم على الانخراط التلقائي والكثيف في العملية الانتخابية، ومعالجة ظاهرة العزوف الانتخابي خاصة في أوساط الشباب. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا في حالة توفر الإرادة السياسية الحقيقية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، وفق ما هو منصوص عليه دستوريا ومتعارف عليه كونيا، باعتبارها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، والضامن لوجود مؤسسات منتخبة قوية ذات مصداقية، وتعكس بوضوح الإرادة الشعبية.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


كواليس اليوم
منذ ساعة واحدة
- كواليس اليوم
عمر هلال يبرز دور المبادرة الملكية الأطلسية في تنمية دول الساحل
أكد السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، ورئيس الدورة الـ22 للجنة رفيعة المستوى التابعة للجمعية العامة الأممية بشأن التعاون جنوب-جنوب، عمر هلال، الأربعاء بأوازا بتركمنستان، أن المملكة المغربية تواصل تقديم الدعم الملموس للبلدان الإفريقية غير الساحلية، تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. وأبرز السيد هلال، خلال الاجتماع الوزاري حول التعاون جنوب-جنوب، الذي نظم في إطار أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية (من 5 إلى 8 غشت الجاري)، أن هذا الدعم يتم من خلال تعزيز مشاريع التنمية جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي، التي تساهم بشكل فعال في دفع عجلة التنمية لهذه البلدان، وإلى تعزيز التآزر الإفريقي والتكامل الإقليمي وتحفيز الاستثمارات والتنمية المشتركة. وأضاف أن هذا الالتزام تجسد من خلال مبادرات عديدة، أبرزها المبادرة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، مشددا على أن هذه المبادرة، التي تمثل رافعة استراتيجية لتحويل اقتصادات دول الساحل، تروم إرساء أسس جديدة للتعاون والتنمية المشتركة، من خلال مشاركة تجربة المغرب ووضع بنيته التحتية من الطرق والسكك الحديدية والموانئ رهن إشارة هذه الدول. وبعدما أكد على دعم وتضامن المغرب الراسخين مع البلدان التي تواجه وضعا خاصا، وتحديدا البلدان النامية غير الساحلية، قال السيد هلال إن هذا الاجتماع جاء 'بمثابة تذكير وتأكيد على أن التضامن مع البلدان النامية غير الساحلية سيبقى في صميم عملنا'، مسجلا أن رؤيته، 'كرئيس للجنة رفيعة المستوى، ترتكز على دعم المغرب وتضامنه الراسخين مع البلدان التي تواجه وضعا خاصا، وتحديدا البلدان النامية غير الساحلية'. ودعا إلى 'البناء عى الزخم الذي تولد هنا اليوم، وتحقيق طموحنا في الانتقال من دول غير ساحلية إلى دول متصلة بالساحل، وتصحيح الظلم المزدوج الذي تواجهه هذه الدول، كونها دولا نامية وأيضا غير ساحلية'. واعتبر السيد هلال أن هذا الاجتماع الوزاري 'يأتي في الوقت المناسب'، مؤكدا على أهميته في إبراز الدور الرئيسي للتعاون جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي في تحفيز التنمية المستدامة والمرنة والتحول بالنسبة للدول النامية غير الساحلية، والاستفادة من العلوم والتكنولوجيا والابتكار لتسريع التحول الاقتصادي الهيكلي، وتعزيز تمويل التنمية. كما أكد الدبلوماسي المغربي على يقظة اللجنة رفيعة المستوى ومكتبها اللذان يرصدان عن كثب تحديات وفرص التنمية التي تواجه البلدان النامية غير الساحلية، مجددا الالتزام بمواصلة تعزيز هذه الأجندة والنهوض بها في المحافل العالمية والإقليمية ذات الصلة. ودعا السيد هلال إلى الاستفادة من جميع أشكال الدعم المالي الكافي والمستدام لفائدة هذه البلدان، بما في ذلك آليات التمويل المبتكرة، معتبرا أن مشاركة المنظمات الإقليمية، ومنظومة الأمم المتحدة الإنمائية، والمؤسسات المالية الدولية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية، أمر أساسي لضمان ملاءمة مبادرات بلدان الجنوب وتماسكها واستدامتها. ويناقش هذا المؤتمر سبل إعادة صياغة مسار التنمية في البلدان غير الساحلية، حيث يشكل فرصة للقاء وفود رفيعة المستوى ومسؤولين دوليين ومستثمرين ومنظمات لمناقشة، على الخصوص، وضع استراتيجيات بشأن تعزيز إدماج قضايا هذه البلدان في صياغة السياسات العالمية، وخطط الاستثمار، وبلورة أفكار تتعلق بأجندة أعمال التنمية المستدامة. يذكر أن الدورة الأولى من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبلدان النامية غير الساحلية انعقدت في غشت 2003 بألماتي (كازاخستان)، فيما انعقدت الثانية في نونبر 2014 بفيينا (النمسا).


صوت العدالة
منذ 2 ساعات
- صوت العدالة
تركمنستان .. السفير هلال يبرز دور المبادرة الملكية الأطلسية في تنمية دول الساحل
أوازا (تركمنستان) – أكد السفير الممثل الدائم للمملكة لدى الأمم المتحدة، ورئيس الدورة الـ22 للجنة رفيعة المستوى التابعة للجمعية العامة الأممية بشأن التعاون جنوب-جنوب، عمر هلال، امس الأربعاء بأوازا بتركمنستان، أن المملكة المغربية تواصل تقديم الدعم الملموس للبلدان الإفريقية غير الساحلية، تحت القيادة السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله. وأبرز السيد هلال، خلال الاجتماع الوزاري حول التعاون جنوب-جنوب، الذي نظم في إطار أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للبلدان النامية غير الساحلية (من 5 إلى 8 غشت الجاري)، أن هذا الدعم يتم من خلال تعزيز مشاريع التنمية جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي، التي تساهم بشكل فعال في دفع عجلة التنمية لهذه البلدان، وإلى تعزيز التآزر الإفريقي والتكامل الإقليمي وتحفيز الاستثمارات والتنمية المشتركة. وأضاف أن هذا الالتزام تجسد من خلال مبادرات عديدة، أبرزها المبادرة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس لتمكين دول الساحل من الولوج إلى المحيط الأطلسي، مشددا على أن هذه المبادرة، التي تمثل رافعة استراتيجية لتحويل اقتصادات دول الساحل، تروم إرساء أسس جديدة للتعاون والتنمية المشتركة، من خلال مشاركة تجربة المغرب ووضع بنيته التحتية من الطرق والسكك الحديدية والموانئ رهن إشارة هذه الدول. وبعدما أكد على دعم وتضامن المغرب الراسخين مع البلدان التي تواجه وضعا خاصا، وتحديدا البلدان النامية غير الساحلية، قال السيد هلال إن هذا الاجتماع جاء 'بمثابة تذكير وتأكيد على أن التضامن مع البلدان النامية غير الساحلية سيبقى في صميم عملنا'، مسجلا أن رؤيته، 'كرئيس للجنة رفيعة المستوى، ترتكز على دعم المغرب وتضامنه الراسخين مع البلدان التي تواجه وضعا خاصا، وتحديدا البلدان النامية غير الساحلية'. ودعا إلى 'البناء عى الزخم الذي تولد هنا اليوم، وتحقيق طموحنا في الانتقال من دول غير ساحلية إلى دول متصلة بالساحل، وتصحيح الظلم المزدوج الذي تواجهه هذه الدول، كونها دولا نامية وأيضا غير ساحلية'. واعتبر السيد هلال أن هذا الاجتماع الوزاري 'يأتي في الوقت المناسب'، مؤكدا على أهميته في إبراز الدور الرئيسي للتعاون جنوب-جنوب والتعاون الثلاثي في تحفيز التنمية المستدامة والمرنة والتحول بالنسبة للدول النامية غير الساحلية، والاستفادة من العلوم والتكنولوجيا والابتكار لتسريع التحول الاقتصادي الهيكلي، وتعزيز تمويل التنمية. كما أكد الدبلوماسي المغربي على يقظة اللجنة رفيعة المستوى ومكتبها اللذان يرصدان عن كثب تحديات وفرص التنمية التي تواجه البلدان النامية غير الساحلية، مجددا الالتزام بمواصلة تعزيز هذه الأجندة والنهوض بها في المحافل العالمية والإقليمية ذات الصلة. ودعا السيد هلال إلى الاستفادة من جميع أشكال الدعم المالي الكافي والمستدام لفائدة هذه البلدان، بما في ذلك آليات التمويل المبتكرة، معتبرا أن مشاركة المنظمات الإقليمية، ومنظومة الأمم المتحدة الإنمائية، والمؤسسات المالية الدولية، والقطاع الخاص، والمؤسسات الأكاديمية، أمر أساسي لضمان ملاءمة مبادرات بلدان الجنوب وتماسكها واستدامتها. ويناقش هذا المؤتمر سبل إعادة صياغة مسار التنمية في البلدان غير الساحلية، حيث يشكل فرصة للقاء وفود رفيعة المستوى ومسؤولين دوليين ومستثمرين ومنظمات لمناقشة، على الخصوص، وضع استراتيجيات بشأن تعزيز إدماج قضايا هذه البلدان في صياغة السياسات العالمية، وخطط الاستثمار، وبلورة أفكار تتعلق بأجندة أعمال التنمية المستدامة. يذكر أن الدورة الأولى من مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبلدان النامية غير الساحلية انعقدت في غشت 2003 بألماتي (كازاخستان)، فيما انعقدت الثانية في نونبر 2014 بفيينا (النمسا).


أخبارنا
منذ 3 ساعات
- أخبارنا
باسم فلسطين.. خونة الداخل ينخرطون في مؤامرة خارجية خبيثة لضرب استقرار المغرب
في خضم التوترات التي تعرفها المنطقة، برزت في الآونة الأخيرة على الساحة الوطنية المغربية أصوات مشبوهة، تنتمي إلى تيارات "إخونجية" وأخرى مدفوعة بأجندات خارجية، تحاول استغلال القضية الفلسطينية مطية لزرع الفتنة وتأليب الرأي العام ضد مؤسسات الدولة. هذه الجهات لم تتردد في استغلال أخبار غير مؤكدة، كالمزاعم التي تحدثت عن رسو سفن إسرائيلية في ميناء طنجة، لإطلاق حملة تشويه وتحريض خطيرة، تجلت في وقفات احتجاجية رفعت فيها شعارات تتهم الدولة المغربية بالتواطؤ وتطالب بإنهاء التطبيع، في خطوة لا علاقة لها بالدفاع عن فلسطين، بقدر ما تخدم مشروعًا تخريبياً ممنهجاً. الوقائع تشير بوضوح إلى أن ما جرى ليس تعبيراً عفوياً عن الرأي، بل تحركا منسقا تقف خلفه أطراف تكنّ العداء للوحدة الوطنية، وتبحث عن أي ذريعة لبث الشك والانقسام داخل المجتمع. الغريب في الأمر أن هذه التحركات تأتي متزامنة مع حملات ممنهجة تقودها جهات معروفة، على رأسها النظام الجزائري، وأذرعه الإعلامية و السيبرانية، مدعومة من قطر وإيران، في محاولة يائسة لضرب استقرار المغرب وتشويه سمعته إقليمياً ودولياً. كل هؤلاء ينسقون مع بعض الوجوه المحلية التي باعت ضميرها، وسخّرت خطاب "نصرة فلسطين" كغطاء لتحركات سياسية موجهة، تستهدف في جوهرها شرعية الدولة ومؤسساتها. لكن الواقع يكشف زيف هذه الادعاءات. فالمغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، يظل من أكثر الدول التزاماً بالدفاع الحقيقي عن القضية الفلسطينية، ليس بالشعارات، بل بالفعل الميداني والدبلوماسي. فالمملكة المغربية كانت من السبّاقين إلى إطلاق جسر جوي يومي لنقل المساعدات الغذائية والطبية إلى غزة، ووفرت مستشفيات ميدانية وأطقمًا طبية ظلت مرابطة في القطاع رغم المخاطر، كما لعبت أدوارًا محورية في تهدئة الأوضاع والدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية. هذه الحقائق يشهد بها الفلسطينيون أنفسهم، ويقدرونها عالياً، في وقت لم تقدّم فيه الأطراف المتآمرة على بلادنا سوى الخطابات الرنانة والشعارات الجوفاء التي لم تُسهم إلا في تعميق معاناة الشعب الفلسطيني الشقيق. من المؤسف جدا أن هناك من ينخدع بهذه التحركات ويجاريها بدافع الحماسة أو قلة الوعي، دون إدراك حقيقي لحجم المخاطر التي تتهدد البلاد. فالمخطط أكبر من مجرد وقفات احتجاجية، بقدر ما هو استهداف صريح لنموذج الدولة المغربية، التي أضحت تزعج خصومها بنجاحاتها التنموية وصعودها الإقليمي. ولهذا، فإن استهدافها لم يعد يقتصر على الجبهة الخارجية، بل بات يُنفذ أيضًا من الداخل، عبر أبواق مأجورة ووجوه تتستر خلف قضايا عادلة لتمرير أجندات ظلامية لا علاقة لها لا بفلسطين ولا بالحرية ولا بالعدالة. وأمام هذا الوضع، بات من الضروري التحلي بكثير من اليقظة والوعي، والتمييز بين من يدافع عن فلسطين بالفعل وبين من يحاول تفجير استقرارنا من داخلنا باسم فلسطين. فالمغرب لم يكن يوماً غائباً عن دعم القضية، بل كان دائماً في الصفوف الأولى، قيادة وشعباً، وعمل على الجمع بين الدفاع عن فلسطين وصون أمنه واستقراره الداخلي، وهذا ما لا يروق لخصومه. إن ما يجري اليوم يعكس حالة استهداف ممنهج لمكانة المغرب المتقدمة على مختلف الأصعدة، ولذلك فإن الردّ يجب أن يكون بحزم ووضوح، لا فقط من قبل الدولة، بل من كافة المواطنين الذين تقع على عاتقهم مسؤولية التصدي لمحاولات الاختراق والتغرير، حمايةً لبلدهم من الانزلاق نحو فوضى سيدفع ثمنها غاليا لا قدر الله. ما ينبغي اليوم أن يعيه كل مغربي حر غيور على وطنه، هو أن ما يُحاك اليوم ضد المغرب ليس وليد الصدفة، بل هو استمرار لنفس المخطط الذي استُعمل سابقًا في دول عربية أخرى خلال ما سُمِّي بـ"الربيع العربي"، حين تم تسويق شعارات براقة وخطابات عاطفية لاختراق الداخل وضرب استقرار الدول من داخلها، عبر تحريك الشارع وتأليب الناس على مؤسساتهم تحت يافطات كاذبة. والنتيجة كانت مأساوية: دول تحولت إلى ساحات للفقر والدمار والانقسام، وما تزال حتى اليوم تجر ذيول الخراب، بينما انسحب المحرّضون وتركوها تواجه مصيرًا مرًا. نفس السيناريو يُعاد الآن بلبوس جديد في المغرب، حيث يُستغل البعد العاطفي للقضية الفلسطينية من طرف تيارات وجماعات مأجورة لتنفيذ أجندات معادية، تسعى لخلق فجوة بين المواطن ومؤسسات الدولة، تمهيدًا لإسقاط النموذج المغربي الناجح، أو على الأقل تشويهه وإضعافه. لهذا، فإن الوعي الجماعي بات اليوم ضرورة وطنية، لأن المغرب مستهدف، ليس فقط في وحدته الترابية، ولكن أيضًا في مناعته المجتمعية، واستقراره السياسي، وصورته الدولية. وكل تساهل مع هذه الحملات الممنهجة، أو انخداع بشعاراتها، هو مشاركة غير مباشرة في تنفيذ مشروع الخراب الذي قُدّر له أن يفشل هنا، كما فشل في كل محاولة سابقة للنيل من المغرب.