
كانّ 78 - "قضية 137": دومينيك مول يفكّك السلطة الأمنية في فيلم يولد كلاسيكياً
الفيلم، الذي يحمل عنوان "قضية 137"، يأتي امتداداً لتقليد سينمائي فرنسي عريق من الأفلام السياسية التي تبحث عن الحقيقة. ينتمي هذا العمل إلى تلك المدرسة التي تتقاطع فيها السينما مع التحقيق البوليسي، مستعيداً روح أفلام كلاسيكية مثل "إ مثل إيكار" لهنري فرنوي، حيث يقترب القاضي (إيف مونتان) من الحقيقة إلى درجة انها ستقضي عليه.
بدأ مول مسيرته بانطلاقة مدهشة مع "هاري، صديق يريد لكم الخير' (2000)، الذي أصبح اليوم يُعدّ من كلاسيكيات السينما الفرنسية. بعد سنوات، عاد ليؤكد مكانته بـ"ليلة الثاني عشر" (2022)، الذي يدور أيضاً في أوساط الشرطة، ويتناول ظاهرة العنف ضد النساء. وقد حقق هذا العمل، بعد عرضه في قسم "كانّ بروميير"، صدى نقدياً وجماهيرياً واسعاً، تُوّج لاحقاً بسبع جوائز "سيزار"، المعادل الفرنسي لـ"الأوسكار".
بعد أن تناول العنف القائم على النوع الاجتماعي، يأخذنا مول في جديده إلى منطقة أخرى من العنف: عنف الدولة ممثّلاً بالبطش البوليسي. يستلهم الفيلم من واقعة جرت في عام 2018، خلال ذروة احتجاجات "السترات الصفر" التي اجتاحت فرنسا، وخصوصاً باريس. عائلة من سان ديزييه، إحدى بلديات شمال شرق فرنسا المهمّشة والمنسيّة في عهد الرئيس ماكرون، قررت المشاركة في تلك الاحتجاجات، التي اتّسمت بتبادل العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن. لكن رصاصة مطاطية أطلقها أحد عناصر الشرطة على ابن تلك العائلة، ستغيّر مجرى حياته إلى الأبد. هنا تدخل ستيفاني (تؤدي دورها ببراعة ليا دروكير)، وهي محقّقة تعمل في المفتشية العامة للشرطة الوطنية – الجهاز المسؤول عن التحقيق في تجاوزات الشرطة – في صلب القضية، منكبّةً عليها بكلّ كيانها، إلى أن تصطدم بحدود العدالة وحدود النظام نفسه الذي تعمل في كنفه.
يأخذنا الفيلم إلى قلب واقع معقّد ومتشابك. فستيفاني، التي ترفع لواء العدالة وتؤمن برسالتها إيماناً مطلقاً، تجد نفسها ممزّقة بين طرفين متنافرين: من جهة، الشرطة – المؤسسة التي تنتمي إليها بيئتها كاملةً، بما في ذلك زوجها وأصدقاؤها – ومن جهة أخرى، عائلة الضحية التي تتضامن معها بصدق، كونها تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية نفسها وتدرك حجم الظلم الواقع عليها. من هذا الصراع الحاد بين الواجب المهني والضمير الإنساني، يولد فيلم يهدف إلى رد الاعتبار لضحايا عنف السلطة. لكنه لا يفعل ذلك من خلال استعراض معاناة الضحية فحسب، بل ينطلق من نقطة غير مألوفة: زاوية من يحرص على المحاسبة، من يعمل من داخل النظام لمحاولة إصلاحه ومنع تكرار الحالات الشاذة فيه.
يقدّم مول عملاً سينمائياً تتشابك فيه الخطوط وتتصادم المصالح، طارحاً أسئلة أخلاقية بلا أحكام جاهزة. فبعد مسار طويل من التحري وجمع الأدلة، يبقى السؤال معلقاً: هل ستتمكن ستيفاني من جر الجناة إلى قاعة المحكمة ومحاسبتهم؟ وهل يمكن المؤسسة القضائية أن تواجه منظومة أمنية ترى في نفسها حاميةً للأمن القومي، في وقت يتعاظم فيه الغضب الشعبي تجاهها منذ احتجاجات "السترات الصفر" وما أعقبها من عنف وقمع ممنهج؟
مع "قضية 137" نجد أنفسنا حرفياً داخل النظام بكل تفاصيله. نشهد آليات التحقيق والأساليب المعتمدة، وكم هو مذهل أن نرى كيف باتت التكنولوجيا الحديثة تخدم في آنٍ واحد كلاً من العدالة... والقمع! نتابع سير التحقيق، نتلمّس نتائجه التي تصطدم مراراً بجدار "المصلحة العامة" كما تراها الدولة، تلك التي تُستخدم كحجة لتبرير الصمت أو التستّر. لكن الأهم من ذلك هو التحوّل الذي يُحدثه هذا التحقيق في داخل وجدان ستيفاني. يطلب منها أن تكتفي بنصف الحقيقة. يُطلب منها أن تُقصي قلبها ومشاعرها من القضية كي لا تُتّهم بالانحياز إلى الضحية، وأن تلتزم الحياد البارد لمعايير المهنة، حتى لا يُمسّ موقعها.
هذا ليس مجرد فيلم سياسي كبير، بل مرافعة للضحية ولمسؤولية الدولة في حمايتها. إنه فيلم عن الثقة المهجورة في من يُفترض أن يحمي الناس، عن هشاشة العلاقة بين المواطن والسلطة، وعن التصدّعات التي تشوب تلك العلاقة. النص، الذي تشاركه مول مع رفيق دربه المخرج جيل مارشان، يتمتّع بقدر عالٍ من النزاهة الفكرية والنقد الشجاع، فهو يُنصت إلى جميع الأطراف ويمنحهم مساحة متساوية للتعبير، من دون شعارات أو تبسيط. لكنه في النهاية يترك الكلمة الأخيرة للمشاهد، الذي سيخرج من الفيلم وهو يحمل رؤية دقيقة وشاملة عن النظام البوليسي الفرنسي، وعن شبكة العلاقات المعقّدة بين الأفراد والسلطة. العلاقات التي لا تقتصر على التوتر بين الدولة والمواطن فحسب، بل تمتد لتكشف عن مواجهات داخلية صامتة، لكنها عميقة، بين عناصر الشرطة أنفسهم – بعيداً من الاستقطابات، وبمنأى عن أي حلول جاهزة.
يقدّم مول فيلماً كلاسيكياً مشدود العصب، يخلو تماماً من عناصر الحركة التقليدية المرتبطة بأفلام التشويق والإثارة. لا مطاردات، لا مؤثرات تُلهب الحواس، بل توتر صامت يحبس الأنفاس، نابع من الإيقاع المدروس، والمفارقات المعقّدة التي تنفجر داخلياً بقوة تفوق أي رصاصة تُطلق. العالم البوليسي، بكل تفاصيله المعتادة، يُقدَّم هنا بواقعية شبه وثائقية، لكن مول لا يسلك طريق التوثيق المباشر، إنما يبني سرديته على الحوار والتفكير والتأمل، مُفسحاً المجال لسيناريو محكم يوفّر لحظات خفيفة من الدعابة، تساهم في منح الفيلم مصداقية وعمقاً إنسانياً.
هذا عمل يبيّن الفرق الجوهري بين مقاربة متسرعة وسطحية، وأخرى ناضجة، نابعة من بحث دقيق ونظرة فاحصة. "قضية 137" يُشعرنا أن صنّاعه يعرفون تماماً عمّا يتحدثون، وأن الفيلم يتقدّم بخطى واثقة نحو نهايته، من دون تردّد أو التباس. أما ليا دروكر في دور ستيفاني، فهي التجسيد الحي لهذا التوتر الذي يحكم الفيلم. طلّتها متماهية تماماً مع التناقضات: بين العدالة والانتماء، بين التضامن والمهنية، بين القانون والخلل الذي ينخره. من خلالها نلمس أن الفيلم لا يُعنى فقط بتعرية السلطة، بل أيضاً بنقد المجتمع الذي تحكمه منظومة متشابكة من الفساد وغموض الحدود بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجمهورية
منذ 17 ساعات
- الجمهورية
Final Destinations: Bloodlines وُلدوا ليموتوا
ليس من المفاجئ أن تحتفظ سلسلة Final Destination، وهي سلسلة أفلام رعب دموية وفجّة انطلقت عام 2000 وأنتجت 5 أفلام حتى الآن، بجاذبيّتها واستمراريّتها. بخلاف معظم أعمال الرُعب، لا يوجد فيها شرير رئيسي (مثل جيسون فورهيس أو ليذرفيس)، أو على الأقل ليس هناك شرير يمكن أن يملّ منه الجمهور أو يبدو مستهلكاً. العدو هنا هو الموت نفسه، على الشاشة وخارجها، هو قادم لا محالة، وإن كان في هذه الأفلام قوة خَفية تتباهى بأسلوبها الاستعراضي من دون خجل. ولا تشذّ النسخة السادسة الجديدة عن هذا النهج، إذ تبدأ بمشهد افتتاحي متوتر ورائع في برج زجاجي شبيه ببرج «سبيس نيدل» في خمسينات القرن الماضي. تكون «إيريس» (التي تؤدي دورها بريك باسنجر) في موعد غرامي ليلة افتتاح المبنى، عندما تنتابها رؤيا حية عن موتها الوشيك بطريقة وحشية نتيجة حريق هائل. هذه الرؤيا تُمكّنها من الهروب من مصيرها الدموي وإنقاذ مَن حولها. وبهذا، يتبع Bloodlines القالب المعتاد في السلسلة (نجا أبطال الفيلم الأول من انفجار طائرة، الثاني من حادث سير ضخم، والثالث من خلل في قطار ملاهي). لكن كما هو الحال دائماً في عالم Final Destination، لا يُحبّ الموت أن يُخدَع - وسيستعيد ضحاياه واحداً تلو الآخر، عبر مشاهد قتل مبتكرة أصبحت سمة السلسلة المميّزة، فتتحوّل الأماكن والأدوات اليومية إلى أدوات قتل. فكّر في بعض أشهر المشاهد: الموت بواسطة آلة تسمير السُمرَة؛ سحق الرأس بجهاز رفع أثقال؛ أو الانزلاق على طبق معكرونة وسقوط سلّم نجاة على العين. Bloodlines، من إخراج آدم شتاين وزاك ليبوفكسي، يُقدّم إضافة جذابة إلى سابقيه عبر إدخال عنصر «الصدمة الموروثة»، بعين ساخرة ولمسة ساخطة. فحادثة البرج الزجاجي حدثت قبل عقود، لكنّ الرؤيا تعود اليوم في كوابيس حفيدة «إيريس»، «ستيفاني» (كايتلين سانتا جوانا)، التي تواجه الفشل في دراستها الجامعية بسبب هذه الكوابيس المتكرّرة، ممّا يدفعها للعودة إلى منزل العائلة وإعادة التواصل مع جدتها المنعزلة (غابرييل روز). من بين العشرات الذين كان من المفترض أن يموتوا تلك الليلة، كانت «إيريس» من آخر من نجا. يَسير الموت بحسب الترتيب الأصلي للمجزرة، ما يعني أنّه استغرق سنوات ليصل إلى جميع ضحاياه – بما في ذلك أطفال أولئك الذين لم يكن من المفترض أن يولدوا أصلاً. الآن، أصبحت «إيريس» أشبه بمَن يستعد لنهاية العالم، إذ نجت من قبضة الموت عبر انعزالها في كوخ ناءٍ. عائلتها تعتبرها مجنونة، لكن سرعان ما يبدأ الموت بالتسلّل عبر شجرة العائلة، محوّلاً الجميع إلى مؤمنين بنظرياتها. هناك قصة درامية إجبارية عن «ستيفاني» ووالدتها (ريا كيلستيدت) التي تخلّت عنها وعن شقيقها الصغير (تيو بريونيس) عندما كانت في العاشرة، لكنّ الأداء الجذّاب للممثلين يحافظ على التوازن العاطفي المطلوب. ويظهر توني تود، النجم الوحيد الدائم في السلسلة (توفي العام الماضي)، في ظهور شبحي مؤثر؛ أمّا ريتشارد هارمون، الذي يؤدّي دور أحد أبناء العم، فيلفت الأنظار بأسلوبه المتمرّد وثقوبه المتعدّدة، التي تصبح هدفاً مسلياً للموت. Bloodlines الذي يبدو أحياناً أقرب إلى سخرية سوداوية منه إلى فيلم رعب تقليدي، يُذكّرنا بأنّنا عاجزون أمام تقلّبات العالم المظلمة. كل ما يمكننا فعله هو أن نضحك على المأساة.


النهار
منذ 4 أيام
- النهار
كانّ 78 - "قضية 137": دومينيك مول يفكّك السلطة الأمنية في فيلم يولد كلاسيكياً
الفيلم، الذي يحمل عنوان "قضية 137"، يأتي امتداداً لتقليد سينمائي فرنسي عريق من الأفلام السياسية التي تبحث عن الحقيقة. ينتمي هذا العمل إلى تلك المدرسة التي تتقاطع فيها السينما مع التحقيق البوليسي، مستعيداً روح أفلام كلاسيكية مثل "إ مثل إيكار" لهنري فرنوي، حيث يقترب القاضي (إيف مونتان) من الحقيقة إلى درجة انها ستقضي عليه. بدأ مول مسيرته بانطلاقة مدهشة مع "هاري، صديق يريد لكم الخير' (2000)، الذي أصبح اليوم يُعدّ من كلاسيكيات السينما الفرنسية. بعد سنوات، عاد ليؤكد مكانته بـ"ليلة الثاني عشر" (2022)، الذي يدور أيضاً في أوساط الشرطة، ويتناول ظاهرة العنف ضد النساء. وقد حقق هذا العمل، بعد عرضه في قسم "كانّ بروميير"، صدى نقدياً وجماهيرياً واسعاً، تُوّج لاحقاً بسبع جوائز "سيزار"، المعادل الفرنسي لـ"الأوسكار". بعد أن تناول العنف القائم على النوع الاجتماعي، يأخذنا مول في جديده إلى منطقة أخرى من العنف: عنف الدولة ممثّلاً بالبطش البوليسي. يستلهم الفيلم من واقعة جرت في عام 2018، خلال ذروة احتجاجات "السترات الصفر" التي اجتاحت فرنسا، وخصوصاً باريس. عائلة من سان ديزييه، إحدى بلديات شمال شرق فرنسا المهمّشة والمنسيّة في عهد الرئيس ماكرون، قررت المشاركة في تلك الاحتجاجات، التي اتّسمت بتبادل العنف بين المتظاهرين وقوات الأمن. لكن رصاصة مطاطية أطلقها أحد عناصر الشرطة على ابن تلك العائلة، ستغيّر مجرى حياته إلى الأبد. هنا تدخل ستيفاني (تؤدي دورها ببراعة ليا دروكير)، وهي محقّقة تعمل في المفتشية العامة للشرطة الوطنية – الجهاز المسؤول عن التحقيق في تجاوزات الشرطة – في صلب القضية، منكبّةً عليها بكلّ كيانها، إلى أن تصطدم بحدود العدالة وحدود النظام نفسه الذي تعمل في كنفه. يأخذنا الفيلم إلى قلب واقع معقّد ومتشابك. فستيفاني، التي ترفع لواء العدالة وتؤمن برسالتها إيماناً مطلقاً، تجد نفسها ممزّقة بين طرفين متنافرين: من جهة، الشرطة – المؤسسة التي تنتمي إليها بيئتها كاملةً، بما في ذلك زوجها وأصدقاؤها – ومن جهة أخرى، عائلة الضحية التي تتضامن معها بصدق، كونها تنتمي إلى الطبقة الاجتماعية نفسها وتدرك حجم الظلم الواقع عليها. من هذا الصراع الحاد بين الواجب المهني والضمير الإنساني، يولد فيلم يهدف إلى رد الاعتبار لضحايا عنف السلطة. لكنه لا يفعل ذلك من خلال استعراض معاناة الضحية فحسب، بل ينطلق من نقطة غير مألوفة: زاوية من يحرص على المحاسبة، من يعمل من داخل النظام لمحاولة إصلاحه ومنع تكرار الحالات الشاذة فيه. يقدّم مول عملاً سينمائياً تتشابك فيه الخطوط وتتصادم المصالح، طارحاً أسئلة أخلاقية بلا أحكام جاهزة. فبعد مسار طويل من التحري وجمع الأدلة، يبقى السؤال معلقاً: هل ستتمكن ستيفاني من جر الجناة إلى قاعة المحكمة ومحاسبتهم؟ وهل يمكن المؤسسة القضائية أن تواجه منظومة أمنية ترى في نفسها حاميةً للأمن القومي، في وقت يتعاظم فيه الغضب الشعبي تجاهها منذ احتجاجات "السترات الصفر" وما أعقبها من عنف وقمع ممنهج؟ مع "قضية 137" نجد أنفسنا حرفياً داخل النظام بكل تفاصيله. نشهد آليات التحقيق والأساليب المعتمدة، وكم هو مذهل أن نرى كيف باتت التكنولوجيا الحديثة تخدم في آنٍ واحد كلاً من العدالة... والقمع! نتابع سير التحقيق، نتلمّس نتائجه التي تصطدم مراراً بجدار "المصلحة العامة" كما تراها الدولة، تلك التي تُستخدم كحجة لتبرير الصمت أو التستّر. لكن الأهم من ذلك هو التحوّل الذي يُحدثه هذا التحقيق في داخل وجدان ستيفاني. يطلب منها أن تكتفي بنصف الحقيقة. يُطلب منها أن تُقصي قلبها ومشاعرها من القضية كي لا تُتّهم بالانحياز إلى الضحية، وأن تلتزم الحياد البارد لمعايير المهنة، حتى لا يُمسّ موقعها. هذا ليس مجرد فيلم سياسي كبير، بل مرافعة للضحية ولمسؤولية الدولة في حمايتها. إنه فيلم عن الثقة المهجورة في من يُفترض أن يحمي الناس، عن هشاشة العلاقة بين المواطن والسلطة، وعن التصدّعات التي تشوب تلك العلاقة. النص، الذي تشاركه مول مع رفيق دربه المخرج جيل مارشان، يتمتّع بقدر عالٍ من النزاهة الفكرية والنقد الشجاع، فهو يُنصت إلى جميع الأطراف ويمنحهم مساحة متساوية للتعبير، من دون شعارات أو تبسيط. لكنه في النهاية يترك الكلمة الأخيرة للمشاهد، الذي سيخرج من الفيلم وهو يحمل رؤية دقيقة وشاملة عن النظام البوليسي الفرنسي، وعن شبكة العلاقات المعقّدة بين الأفراد والسلطة. العلاقات التي لا تقتصر على التوتر بين الدولة والمواطن فحسب، بل تمتد لتكشف عن مواجهات داخلية صامتة، لكنها عميقة، بين عناصر الشرطة أنفسهم – بعيداً من الاستقطابات، وبمنأى عن أي حلول جاهزة. يقدّم مول فيلماً كلاسيكياً مشدود العصب، يخلو تماماً من عناصر الحركة التقليدية المرتبطة بأفلام التشويق والإثارة. لا مطاردات، لا مؤثرات تُلهب الحواس، بل توتر صامت يحبس الأنفاس، نابع من الإيقاع المدروس، والمفارقات المعقّدة التي تنفجر داخلياً بقوة تفوق أي رصاصة تُطلق. العالم البوليسي، بكل تفاصيله المعتادة، يُقدَّم هنا بواقعية شبه وثائقية، لكن مول لا يسلك طريق التوثيق المباشر، إنما يبني سرديته على الحوار والتفكير والتأمل، مُفسحاً المجال لسيناريو محكم يوفّر لحظات خفيفة من الدعابة، تساهم في منح الفيلم مصداقية وعمقاً إنسانياً. هذا عمل يبيّن الفرق الجوهري بين مقاربة متسرعة وسطحية، وأخرى ناضجة، نابعة من بحث دقيق ونظرة فاحصة. "قضية 137" يُشعرنا أن صنّاعه يعرفون تماماً عمّا يتحدثون، وأن الفيلم يتقدّم بخطى واثقة نحو نهايته، من دون تردّد أو التباس. أما ليا دروكر في دور ستيفاني، فهي التجسيد الحي لهذا التوتر الذي يحكم الفيلم. طلّتها متماهية تماماً مع التناقضات: بين العدالة والانتماء، بين التضامن والمهنية، بين القانون والخلل الذي ينخره. من خلالها نلمس أن الفيلم لا يُعنى فقط بتعرية السلطة، بل أيضاً بنقد المجتمع الذي تحكمه منظومة متشابكة من الفساد وغموض الحدود بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني.


الديار
منذ 5 أيام
- الديار
تألق لبناني عالمي جديد في رياضات السيارات منصتا تتويج للسائقة ستيفاني حبيقة على حلبة سيلفرستون البريطانية الشهيرة
اشترك مجانا بقناة الديار على يوتيوب قهرت السائقة اللبنانية البطلة الموهوبة ستيفاني حبيقة (22 سنة) المشاكل الميكانيكية الجمّة التي واجهتها خلال تجارب الجولة الثانية من بطولة بريطانيا لـ"راديكال كلوب تشالنج 750 " التي جرت على حلبة سيلفرستون البريطانية الشهيرة واحتلّت المركزين الثالث توالياً في سباقي الجولة الثانية على متن سيارة "راديكال " وفي فئة "أس آر 1". وصعدت النجمة اللبنانية الواعدة الى منصة التتويج مرتين وتسلّمت كأسي المركز الثالث بعد اصرار وعزيمة للصعود الى منصة التتويج. وكانت حبيقة، ابنة بلدة بسكنتا المتنية الشمالية، احرزت المركز الثالث في الجولة الأولى من البطولة التي جرت على حلبة "براندز هاتش" البريطانية في شهر نيسان الفائت في أول مشاركة لها في البطولة . فحبيقة هي السائقة اللبنانية الوحيدة التي تشارك في البطولة وتنافس السائقين الشباب اذ ان البطولة يشارك فيها السائقون والسائقات معاً ونجحت حبيقة في مقارعة السائقين الرجال في فئة "أس أر1". وبعد السباق، قالت ستيفاني "انا مسرورة لحلولي في المركز الثالث مرتين خلال يومين متتاليتين في مشاركتي الثانية ضمن بطولة "راديكال". وانا مسرورة لكوني أنافس السائقين الرجال واتفوّق على بعضهم. ولقد احرزت كأسي المركز الثالث في السباقين وأدائي يتطوّر من سباق الى آخر. لقد عانيت في السباق الاول مع دخول سيارة الأمان مرات عدة وفي نهاية المطاف احرزت المركز الثالث. والسباق الثاني كان اسهل وكرّرت احراز المركز الثالث. بصورة عامة كانت مشاركتي على حلبة سيلفرستون أصعب من مشاركتي في الجولة الأولى على حلبة براندز هاتش. هدفي المشاركة في سباقات فئتي"جي تي 3" و"جي تي 4" بالمستقبل. ولقد أعطاني وجود والدي الحبيب ايلي الى جانبي في سيلفرستون دفعاً معنوياً كبيراً وانا اشكره واشكر والدتي على المساندة الدائمة". هذا، وستخوض حبيقة الجولة الثالثة من البطولة، المتضمنة سبع جولات، على حلبة سنيترتون في منتصف شهر حزيران المقبل. على صعيد آخر وفي انجاز جديد، أحرزت حبيقة لقب بطولة بريطانيا للجامعات بالكارتنغ في سباق التحمّل مع فريق جامعة "باث"حيث تتابع تحصيلها العلمي وهي المتمرسّة في سباقات الكارتنغ حيث شاركت عام 2019 في بطولة لبنان للكارتنغ وحققت نتائج مميزّة وصعدت مرات عديدة الى منصة التتويج. وكانت حبيقة مثّلت لبنان في تشرين الأول الفائت في سباق الكارتنغ الذي أقيم في مدينة فالنسيا الاسبانية ضمن فاعليات "مسابقات الرياضة الميكانيكية" ("فيا" موتورسبورت غايمز) التي نظمها الاتحاد الدولي للسيارات (فيا) على مدى خمسة أيام. كما شاركت عام 2023 في بطولة العالم للسيدات في الكارتنغ وحققت نتائج جيدة ولافتة.