logo
بيير لوتي.. شغف بشمال إفريقيا والشرق تشكل في المغرب

بيير لوتي.. شغف بشمال إفريقيا والشرق تشكل في المغرب

يا بلادي٠٩-٠٤-٢٠٢٥

بين القرنين الثامن عشر والعشرين، كان المغرب وجهة مفضلة للعديد من الكتّاب والمستكشفين. فقد أصبحت المغامرة البريطانية إميلي كين شريفة وزان، بينما وثقت العالمة الإثنوغرافية الفرنسية أوديت دو بويغودو الثقافة البدوية في المغرب، واتخذ بول بولز من طنجة منزلاً ثانياً له. أما في القرن التاسع عشر، فقد استحوذت المنطقة على اهتمام الضابط الفرنسي بيير لوتي، الذي لم تتوقف أعماله عن الإشادة بالثقافات العربية والفارسية، وبالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وُلد لويس ماري جوليان فيو (1850 – 1923) في روشيفور سور مير بفرنسا، وهو معروف أكثر باسمه الأدبي المستعار، بيير لوتي. كان لوتي موسيقياً ناشئا، ولم يتخيل أبدا أنه سيكرس الجزء الأكبر من حياته للبحرية. موهوب في الرسم والفنون، تم قبوله في المدرسة البحرية وهو في السابعة عشرة من عمره، وارتدى الزي العسكري في نهاية القرن التاسع عشر، حيث كانت فرنسا تنتشر عسكريا في عدة مستعمرات.
ظل بيير لوتي متأثرا بشكل خاص بوفاة شقيقه الأكبر، غوستاف، الجراح البحري الذي ذهب في مهمة إلى جزيرة بولو كوندور (الهند الصينية). أدت عمليات الشحن للضابط الشاب إلى أول رحلة له وترقيته إلى رتبة ملازم أول في سن التاسعة عشرة. بعد عام، أبحر إلى جزيرة الفصح، ثم انطلق لاكتشاف تاهيتي.
تتمثل مهام بيير لوتي بشكل عام في إعداد رسومات توضيحية لتقارير وزارة البحرية الفرنسية. وللحصول على المزيد من الموارد ودعم أسرته المثقلة بالديون، كان يبيع أيضاً رسوماته للأسبوعيات "L'Illustration" و"Le Monde illustré".
ضابط مسافر وقع تحت سحر المغرب
بعيداً عن الرؤية الاستعمارية لعصره، وعلى الرغم من زيه العسكري، لم يكن بيير لوتي يوما مستغرقا في الروح العسكرية المرتبطة بطبيعة مهامه. من طفولته التي ألهبتها شغفه بالفن والكتابة، احتفظ بعادة تدوين يومياته، دون أن يعلن عن نفسه ككاتب. في الواقع، لم يحمل كتابه الأول الذي نُشر في عام 1879، "Azyadé"، اسمه. أما كتابه الثاني، الذي صدر في عام 1880 بعنوان "زواج لوتي"، فقد ذكر فيه كاتب "Azyadé" كاسم للمؤلف.
لم يعتمد الكاتب اسم لوتي كاسم أدبي مستعار إلا في عام 1881، واستلهمه من الاسم الذي أطلقته عليه سيدات الحاشية للملكة التاهيتية بوماري الرابعة (1827 – 1877). في نفس العام، كانت "رواية سباهي" هو العمل الذي حمل توقيع بيير لوتي لأول مرة. علاوة على ذلك، قادته إحدى مهامه إلى ساحة الحرب الفرنسية الصينية (1881 – 1885). تم ترقيته إلى رتبة ملازم سفينة، وكتب عن احتلال هوي (1883) في أعمدة صحيفة لو فيغارو.
مع مرور المهام، أصبح بيير لوتي مسافراً حول العالم. زار تركيا واليابان والهند وفارس والقدس والجزائر والمغرب. مفتونا بالبيئة الجديدة عليه في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، قال إنه يمتلك "روحاً نصفها عربي"، متأثراً بمختلف الجوانب الثقافية التي أصبحت نمط حياته. كتابه " في المغرب" (1890) يوثق رحلته الغنية في المملكة. في كتاب ثانٍ بعنوان "فاس" ومقتبس من الأول، يروي استقباله في السفارة الفرنسية ولقاءه مع السلطان الحسن الأول (1873 – 1894).
يقدم الكتابان سردا دقيقا لانبهار الضابط المسافر، الذي يصف المدن والمناطق، بدءا من المدينة الشمالية. "من سواحل جنوب إسبانيا، من الجزيرة الخضراء، من جبل طارق، يمكن رؤية هناك، على الضفة الأخرى من البحر، طنجة البيضاء. إنها قريبة جدا من أوروبا، هذه المدينة المغربية الأولى، الموضوعة كحارس على النقطة الأكثر شمالية من إفريقيا؛ في ثلاث أو أربع ساعات، تأخذك السفن إليها، ويأتي إليها عدد كبير من السياح كل شتاء"، يكتب في "في المغرب".
من عرض البحر، تبدو مدينة طنجة "شبه مبتهجة" في نظر بيير لوتي، الذي يلاحظ الفيلات المحيطة المبنية على الطراز الأوروبي في حدائق، متناقضة مع المباني التي "ظلت ذات طابع إسلامي أكثر بكثير من المدن الجزائرية، بالإضافة إلى الجدران البيضاء الثلجية، والقصبة العالية المسننة، والمآذن المغطاة بالبلاط القديم". متمايزاً أيضاً عن معاصريه، يحرص الكاتب على فرض مسافة بينه وبين الأرض التي لا ينتمي إليها.
في كتابه، يلاحظ أنه لن يكون هناك "اعتبارات حول سياسة المغرب، مستقبله، والوسائل التي يمكن بها دفعه نحو الحركة الحديثة". ويؤكد "أولاً، هذا لا يهمني ولا يعنيني، ثم، خاصة، القليل الذي أفكر فيه هو عكس ما هو شائع".
"التفاصيل الحميمة التي كشفتها لي ظروف خاصة، حول الحكومة، الحريم والمحكمة، حرصت حتى على عدم تقديمها (رغم موافقتي عليها داخلياً)، خوفاً من أن تكون مادة لثرثرة لبعض الحمقى. إذا كان المغاربة الذين استقبلوني لديهم الفضول لقراءتي، آمل على الأقل أن يقدروا تحفظي الدقيق."
وكتب "وحتى في هذه الأوصاف البحتة التي أردت أن أقتصر عليها، أبدو مشكوكا في تحيزي لهذا البلد الإسلامي، أنا الذي، لا أعرف بأي ظاهرة من الأجداد البعيدة أو الوجود السابق، شعرت دائما بروح نصفها عربي: صوت الفلوت الصغيرة الأفريقية، الطبول والطبول الحديدية، يوقظ فيّ ذكريات لا يمكن سبرها، ويسحرني أكثر من أكثر الألحان تعقيداً".
في المغرب، يتذكر الكاتب أنه "لم يلتق سوى بأناس مضيافين، ربما يكونون قليلاً منغلقين، ولكنهم مبتسمون ومهذبون حتى في الشعب، في الحشود". وقال "في كل مرة حاولت أن أقول بدوري أشياء لطيفة، شكروني بهذه الحركة العربية الجميلة، التي تتضمن وضع يد على القلب والانحناء، بابتسامة تكشف عن أسنان ناصعة البياض".
في مذكراته عن السفر إلى المغرب، يروي بيير لوتي بشكل خاص رحيله من طنجة إلى فاس، مرورا بالقصر الكبير، على ظهور البغال والخيول التي قدمها له الحسن الأول. كما يصف الطريق إلى المدينة الروحية، لاستقبال ولقاء مع السلطان. على طريقه، يتذكر الأنهار و"مسارات الماعز، التي تم رسمها على مر الزمان بواسطة مرور القوافل".
يدرك الكاتب ارتباطه العاطفي بالمنطقة، مقدرا رؤيتها لا تزال محمية من نمط الحياة الأمريكي أو الأوروبي، وكتب "يزداد شعوري بالراحة عندما أشعر بأن جار هويسمان [كاتب فرنسي وناقد فني، مولع بالسفر والنوم في القطارات] بعيد جدا عني، والذي هو، بالمناسبة، نوع مرسوم بيد ماهرة للرجل المعاصر المتقدم في السن، المسافر المهم في القطارات السريعة":
في نهاية الرحلة على ظهور الخيل والبغال إلى فاس، يتزايد تقدير بيير لوتي تجاه الحسن الأول. ينتهي به الأمر إلى إظهار إعجاب ممزوج باحترام تجاهه. وكتب "أقدر له كونه جميلا؛ لعدم رغبته في وجود برلمان أو صحافة، أو سكك حديدية أو طرق؛ لركوبه خيولا رائعة؛ لمنحي بندقية طويلة مزينة بالفضة وسيفاً كبيراً مزخرفاً بالذهب. أعجب بتجاهله العالي والهادئ للاضطرابات المعاصرة".
"مثلما أعتقد أن الإيمان بالأيام القديمة، الذي لا يزال يصنع الشهداء والأنبياء، جيد للحفاظ عليه وحلو للناس في ساعة الموت. فما الفائدة من بذل كل هذا الجهد لتغيير كل شيء، لفهم واحتضان العديد من الأشياء الجديدة، طالما أنه يجب علينا أن نموت، طالما أنه يجب علينا حتماً أن نلفظ أنفاسنا الأخيرة في مكان ما، تحت الشمس أو في الظل، في ساعة لا يعرفها إلا الله؟"
اعتراف في فرنسا
بعد رحلته إلى المغرب، توجه بيير لوتي إلى الجزائر في عام 1891. في ذلك العام، تم انتخابه من قبل الأكاديمية الفرنسية ليشغل المكان الذي شغره الكاتب والمسرحي أوكتاف فويله (1821 – 1890)، الذي توفي. في قلب هذه المؤسسة المرموقة، جلس الضابط البحري والآن الكاتب المعترف به في 7 أبريل 1892، وألقى خطاباً طويلاً تكريما لفويله، دون أن ينسى الضيافة التي تأثر بها في شمال أفريقيا وفي أرض الإسلام.
في هذا الخطاب، عاد أيضا إلى بداياته المجهولة في الأدب: "بعد ظهور هذه الأعمال الأولى، المليئة بالأخطاء وقلة الخبرة، مررت بباريس، بين رحلتين طويلتين. بالفعل متفاجئ جداً، وسعيد قليلاً أيضاً، لمعرفة أنه تم قراءتي، شعرت بمفاجأة حقيقية وسعادة عندما أعطوني بطاقة أوكتاف فويله التي تقول إنه مهتم بمعرفتي ويدعوني لزيارته".
في ذلك العام، أضاف بيير لوتي عملين آخرين إلى مكتبته: "كتاب الرحمة والموت" و"شبح الشرق". في الوقت نفسه، استمر في الخدمة في البحرية. في عام 1889، تم ترقيته إلى رتبة قائد فرقاطة. أصبح قائد سفينة اعتباراً من عام 1906. بعد 42 عاماً من الخدمة، تم قبوله في التقاعد في 14 يناير 1910.
إذا كان بيير لوتي قد خلع زيه، فإنه بقي مرتبطاً برحلاته، مدفوعا بطموح تكريس نفسه أكثر لشغفه الأول، الكتابة والسفر. لكن الهدنة ستكون قصيرة، حيث سيعود لارتداء زيه في عام 1914، للانضمام طوعياً في بداية الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918).
بعد مهمة مع الجيش الإيطالي، تم تسريح بيير لوتي في عام 1918 لأسباب صحية. واصل نشر الكتب، بما في ذلك "بعض جوانب الدوار العالمي"، "فاصل قصير من السحر في وسط الرعب" و"مذابح الأرمن". أثناء حياته، كان آخر منشور له في عام 1921. في العام التالي، حصل الكاتب على وسام الصليب الأكبر من وسام جوقة الشرف.
توفي بيير لوتي في 10 يونيو 1923 في هينداي وتم تخصيص جنازة وطنية له. تم جمع أعماله بعد وفاته ونشرها من قبل ابنه، صموئيل فيو. "ضابط شاب فقير" سيكون أول يوميات يتم تحريرها بعد وفاة مؤلفها، ليصدر في عام 1923. في عام 1925، تم نشر "يوميات 1878 – 1881". أما الثالث والأخير، "يوميات 1882 – 1885"، فقد ظهر في عام 1929.
منذ ذلك الحين، تم تخليد أعمال بيير لوتي، بعد أن تم تحويل منزله السابق في روشيفور إلى متحف ومعرض. المكان يجسد تركيزا لاهتمامات الكاتب وافتتانه بالشرق وشمال إفريقيا، كاشفا كل شيء عن تأثيرات الساحل الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط على الضابط البحري السابق.
بعد سنوات طويلة من الإغلاق، يفتح المكان أبوابه للجمهور في يونيو 2025، مما يتيح للزوار فرصة اكتشاف الأشياء التي جلبها بيير لوتي من رحلاته.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سحر مغربي غريب يغزو أرقى صالونات باريس؟
سحر مغربي غريب يغزو أرقى صالونات باريس؟

أريفينو.نت

timeمنذ 4 أيام

  • أريفينو.نت

سحر مغربي غريب يغزو أرقى صالونات باريس؟

أريفينو.نت/خاص يواصل فن 'التدلاكت' المغربي الأصيل، ذلك الطلاء الجيري الفريد من نوعه، رحلته لغزو قلوب وعقول عشاق الديكور في أوروبا، وبشكل خاص في فرنسا، حيث أصبح رمزًا للأناقة والجودة ويلبي مختلف الأذواق والتطلعات في عالم التصميم الداخلي. من كنوز مراكش إلى قصور أوروبا: تاريخ التدلاكت وخصائصه الفريدة وُلد فن التدلاكت العريق في كنف منطقة مراكش الحمراء، ويستمد اسمه من الفعل العربي 'دلك' الذي يحمل معاني التدليك والفرك والصقل والتسوية. وقد استُخدم هذا الطلاء الاستثنائي على مر العصور لتزيين الرياضات الفخمة والحمامات التقليدية والقصور الشامخة. يتميز التدلاكت بملمسه الأملس الناعم وقدرته العالية على مقاومة الماء والفطريات، بالإضافة إلى بريقه الأخاذ. يتكون هذا الطلاء التقليدي من جير مدينة مراكش الشهير، وماء الجير، والصابون البلدي الأسود، مع إضافة أصباغ طبيعية تمنحه ألوانًا ساحرة. وقد جرت العادة على استخدامه لعزل صهاريج المياه، وفي إبداعات الحرف الفنية والزخرفية لتغطية وعزل النوافير والأحواض وبرك السباحة والمغاسل، وتزيين جدران وأرضيات وأسقف وواجهات الحمامات (بما في ذلك مقصورات الاستحمام وأحواض الغسيل) في الرياضات والقصور المغربية العتيقة. أسرار الحرفة التقليدية: 'لوفيغارو' تكشف عن طريقة تحضير التدلاكت الأصيل تتطلب صناعة التدلاكت مهارة ودقة متناهيتين، حيث يجب على الحرفي أن يتمتع ببراعة فائقة وقدرة على مزج المكونات بالنسب المضبوطة. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة 'لوفيغارو' الفرنسية عن تفاصيل تحضير التدلاكت لسطح تبلغ مساحته 10 أمتار مربعة، حيث يتم سكب المكونات التالية في وعاء نظيف: 20 كيلوغرامًا من الجير الهوائي المسحوق (أو على شكل معجون)، مع التركيز على استخدام جير مراكش الأصلي، و20 لترًا من مسحوق الرخام الناعم (بمقياس 0.06)، وكمية مناسبة من الماء، وما بين 15% إلى 20% من الأصباغ الطبيعية لإعطاء اللون المطلوب للتدلاكت (مع إمكانية تعديل الكمية للوصول للدرجة اللونية المرغوبة)، بالإضافة إلى مادة الكازين (وهي نوع من الغراء) لتقوية درجة التصاق الطلاء بالسطح. بعد ذلك، يتم خلط جميع هذه المكونات باستخدام خلاط كهربائي مثبت في طرف مثقاب حتى يتشكل معجون متجانس يتميز بالليونة والنعومة، ويشبه في قوامه عجينة 'الكريب' الشهيرة. لمسات فنية متقنة وتكلفة معقولة: مراحل تطبيق التدلاكت وميزانيته تلي هذه المرحلة عملية ترك الخليط ليرتاح لمدة تتراوح بين يوم ويومين كاملين قبل الشروع في استخدامه. ويُطبق التدلاكت على السطح المراد تزيينه على شكل طبقتين رقيقتين (يتراوح سمك كل طبقة بين 2 و 2.5 ملم)، ثم يتم تنعيمها وصقلها بعناية باستخدام حصاة نهرية ملساء، أو مالج خاص، أو ملعقة 'ماريز' مسطحة. وكمرحلة أخيرة حاسمة، 'عندما يبدأ الطلاء بالجفاف'، يتم تلميعه بالصابون البلدي الأسود، وهي العملية التي تكسبه خاصية مقاومة الماء وتحافظ على رونقه. أما من ناحية التكلفة، فيجب الأخذ في الاعتبار تخصيص ميزانية تقديرية تتراوح ما بين 15 و 25 يورو لكل متر مربع لتغطية نفقات المواد الأساسية كالجير والأصباغ والغراء.

الدورة ال28 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة تجسد ارتباط المغرب بجذوره الإفريقية
الدورة ال28 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة تجسد ارتباط المغرب بجذوره الإفريقية

البوابة الوطنية

timeمنذ 5 أيام

  • البوابة الوطنية

الدورة ال28 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة تجسد ارتباط المغرب بجذوره الإفريقية

تحتفي الدورة ال28 من مهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة، التي ترأست صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء حفل افتتاحها مساء الجمعة 16 ماي، بإفريقيا بكل جماليتها وتنوعها وحيويتها وروحانيتها. فانطلاقا من العرض الإبداعي الافتتاحي الذي تم تقديمه على المنصة الكبرى لباب الماكينة، تجسد هذا البعد الإفريقي حاملا دلالات كبيرة في إطار موضوع "انبعاثات". وأفاد بلاغ لمؤسسة "روح فاس" بأن العرض يسلط الضوء على إفريقيا كأرض خصبة تشكل الطبيعة والإنسان فيها جزءا من بيئة ألفية تقدم نموذجها الحضاري للعالم، مع إبراز دور فاس كمصدر روحي ومحور لحركات التجديد الثقافي والديني على الصعيد القاري. ونقل البلاغ عن رئيس مؤسسة "روح فاس" عبد الرفيع زويتن قوله "أردنا الاحتفاء بإفريقيا، القارة التي يحرص شبابها على الحفاظ على تقاليدها العريقة والاحتفاء بها، ونقل تراثها إلى الأجيال القادمة، مساهما بذلك في نهضتها الثقافية". وأضاف أن "هذا التكريم يعزز ارتباط المهرجان والمغرب بجذوره الإفريقية، ويتماشى تماما مع التزام المغرب لفائدة التعاون جنوب-جنوب وفقا للرؤية الملكية". وأشار المصدر ذاته، الذي أفاد بأن البرنامج الغني لهذا الحدث سينقل رواد المهرجان خلال الأيام المقبلة من النشوة إلى التأمل، إلى أن المهرجان سيعرف حضور فنانين من جميع أنحاء القارة، من المنطقة المغاربية (المغرب) إلى غرب إفريقيا (السنغال ومالي وغانا) وشرق القارة (بوروندي) وما وراءها، من المحيط الهندي (مايوت) والبحر الكاريبي (هايتي) وعالم الجالية. وستتقاسم مجموعات متجذرة في تقاليدها الأصلية طقوسا مليئة بالمشاعر. وهكذا، ستؤدي نساء مايوت (جزر القمر) السبت بجنان السبيل أغاني ورقصات "ديبا" وهي قصيدة صوفية ترافق عودة الحجاج من مكة المكرمة (الساعة الخامسة مساء). وفي نفس اليوم، على الساعة 11 مساء ستعتلي المنصة فرقة "أساتذة الطبول من بوروندي" الشهيرين بكونهم أفضل قارعي طبول على مستوى العالم، والتي ستعزف بإيقاعاتها وصخبها سيمفونية من الذكريات ودعوة حقيقية إلى النشوة. وأضاف المصدر ذاته أنه مساء كل يوم بجنان السبيل، ستتواصل الليالي الصوفية لمجموعات من المغرب وإفريقيا جنوب الصحراء: ويتعلق الأمر ب"فنانين ماستر من جاجوكا" (الأحد)، وأغاني الكاسايد المريدية من السنغال (الإثنين)، والتقليد التيجاني (الثلاثاء)، والطريقة العيساوية، (الأربعاء) والملحون (الخميس)، والحمدوشية بمكناس (الجمعة)، من أجل إبراز تنوع وثراء الطقوس الصوفية الإفريقية وتنوع تعبيراتها. وأكد المصدر ذاته أن عددا من الفنانين سيقومون بإحياء تراثهم الموسيقي من أجل نقله إلى الأجيال الجديدة، كما هو الحال بالنسبة لأداما سيديبي من مالي، آخر عازف محترف لآلة "السوكو"، وهي آلة كمان ذات وتر واحد يعزف عليها الرعاة، الذي سيلتقي بعازف الكمان كليمان جانينيه تلميذ عازف الجاز الشهير ديدييه لوكوود. وتسلط مجموعات أخرى الضوء على إبداعات إفريقية معاصرة مثيرة مثل "الشفاء الروحي"، لعازف الساكسفون اللامع وعازف آلات متعددة جوي أوميسيل (الثلاثاء في 5 مساء بجنان سبيل). يقد م هذا الموسيقي الهايتي والكندي ، الغارق في موسيقى الجاز الأفروبي النيجيري والجاز الروحي، طقسا روحيا يدمج قوة الثورة الهايتية لعام 1804 مع الروح العميقة لموسيقى الجاز الحرة السوداء لستينيات القرن الماضي بنيويورك. من جهته، يعتبر جون كوامي أوسي كورانكي (الثلاثاء 20 ماي على الساعة 5 مساء في جنان سبيل) شخصية رائدة في العزف على قيثارة السبيريوا، وهي قيثارة غانا التقليدية التي بدأ تعلمها مع جده. من خلال "فن قيثارة السيريباوا" وموسيقاه الساحرة، يقدم نفسه كحارس لتقاليد منفتحة على الحداثة واللقاءات الفنية. وستكون اللحظة القوية لهذا البرنامج الإفريقي هي الحفل الموسيقي الختامي للمهرجان (السبت 24 ماي بباب الماكينة) مع "الليلة الكبرى للجريوتات من مملكة أشانتي القديمة إلى إمبراطورية المالينكي"، بقيادة بالاكي سيسوكو أوركسترا مالي، برفقة أوسي كورانكي. ويتغنى الغريوتس، الحاملون لمعارف تقليدية ورواة القصص والشعراء وعلماء الأنساب والمستشارون والموسيقيون، بالحب وروعة نهر النيجر والزمن والموت. وأيا كان الموضوع، فإن ألحانهم وكلماتهم متناغمة، لأن الأمر يتعلق دائما بالمعنى. ولجعل الحفل أكثر جمالية وفي متناول الجميع، ستنظم بشوارع فاس المجاورة لباب بوجلود، عروض ترفيهية مجانية يقدمها فنانون من فرقة "روح أفريقيا"، مع عرض "زاولي دي منافلا"، وهي رقصة الأقنعة التقليدية من ساحل العاج، إضافة إلى عرض ل"الرقص على العصي". وتتواصل هذه النسخة، التي تنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، إلى غاية 24 ماي الجاري. (ومع: 18 ماي 2025)

دراويش إسطنبول يهزون وجدان فاس
دراويش إسطنبول يهزون وجدان فاس

الجريدة 24

timeمنذ 6 أيام

  • الجريدة 24

دراويش إسطنبول يهزون وجدان فاس

قدمت مجموعة الطقوس الصوفية بإسطنبول، مساء الأحد بفاس، تجربة روحية استثنائية، نقلت جمهور الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة إلى أعماق التقاليد الصوفية لمولانا جلال الدين الرومي. وفي رحاب باب الماكينة العريقة، تألقت طقوس السماع بشكل كبير ، وسافرت بالحاضرين في تأمل كوني يدعو إلى السكينة وسمو الروح. ووجدت هذه الدورة المنظمة تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، حول موضوع "انبعاثات" ، في أداء الفرقة التركية تجسيدا لاستمرارية وحيوية التقاليد الروحية. لم تكن الأمسية مجرد عرض فني، بل كانت بمثابة ولوج إلى أسرار التصوف، حيث امتزجت الموسيقى والحركات والأزياء وحتى الصمت لخلق أجواء من الخشوع والسمو الروحي. وفي صلب هذه التجربة، سحر الدراويش الراقصون الحضور بأدائهم الدائري المتناسق، وهم يرتدون أرديتهم البيضاء الطويلة (التنور)، رمز الطهارة والكفن الرمزي للأنانية، وتيجانهم المخروطية المصنوعة من اللباد (الس ك ة) التي تمثل شاهد القبر للذات. دورانهم، الذي يبدأ ببطء ثم يتسارع تدريجيا، لم يكن استعراضا جسديا فحسب بل تجسيدا حي ا للنظام الكوني. فقد أحال إلى دوران الكواكب حول الشمس، وحركة الذرات، وفي النهاية، إلى الروح البشرية التي تدور حول مركزها الإلهي، شوق ا إلى التوحيد. وقدمت الفرقة طقوس السماع كمعمار رمزي معقد، مستلهم من تعاليم الشاعر والمتصوف الكبير الرومي، حيث تحمل كل مرحلة من الطقس، وكل "سلام" (تحية)، دلالة روحية عميقة. وتجسد الدورات الأولى، التي تؤدى بالمشي البطيء، مراحل الخلق كما يراها التصوف: من العالم المعدني، مرور ا بالنباتي والحيواني، وصول ا إلى الإنسان الواعي. وهي رحلة ترمز لسفر الروح عبر مراتب الوجود نحو أصلها الأول. أما وضعية اليدين لدى الدراويش فهي شديدة البلاغة، حيث تكون اليد اليمنى موجهة نحو السماء لتلقي النعمة الإلهية، بينما تشير اليد اليسرى نحو الأرض، دلالة على نقل هذه الطاقة إلى العالم والناس. وهكذا يصبح الدرويش قناة، جسر ا بين السماء والأرض، لا يحتفظ بشيء لنفسه، بل ينشر الحب والنور الذي يتلقاه. وتمثل هذه الحركات جوهر التصوف القائم على نكران الذات والمحبة الكونية. وزادت الأجواء المقدسة من عمق الأمسية بفضل الموسيقى والأناشيد المصاحبة للرقص. وقد شكلت ألحان الناي (ن يه) وأنغام الإيقاع (ك د م وبندير) وأصوات التلاوة لآيات قرآنية وأشعار الرومي وأذكار (ذكر)، نسيجا صوتيا مفعما بالجمال والإحساس. فالموسيقى هنا ليست مجرد خلفية، بل تمثل عنصرا جوهريا في الطقس، مصممة لرفع الروح وفتح القلب وتسهيل بلوغ حالتي التأمل والنشوة الصوفية (و جد). وعموما، تمثل اللوحات والطقوس التي تقدمها فرقة الطقوس الصوفية لإسطنبول تجسيدا حي ا لفلسفة الرومي، التي تدعو للتسامح، والأخوة بين البشر، وتجاوز الفروقات العقائدية والثقافية نحو جوهر المحبة الإلهية. فكل تفصيلة، من أبسط حركة إلى ترتيب الدراويش على الخشبة، تساهم في صياغة خطاب روحي قديم، يمنح الجمهور أكثر من مجرد إحساس جمالي، بل دعوة حقيقية لمسار داخلي. وفي هذه الليلة الخالدة، تمكن جمهور فاس، المحلي والدولي، من التماس عمق تقليد روحي لا يزال، رغم قدمه، يحمل مفاتيح الفهم والرقي الروحي لعالم اليوم، في انسجام تام مع روح "انبعاثات" التي تطبع هذه الدورة الثامنة والعشرين لمهرجان فاس للموسيقى العالمية العريقة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store