logo
أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!

أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!

الاتحاد٢٠-٠٤-٢٠٢٥

أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!
عرفت الكاتب والأديب والمناضل الوطني «جمعة اللامي» من قرابة أربعين عاماً، بل يزيد، وتشرفت فيما بعد بزمالته في جريدة الاتحاد، وصداقته في الحياة، هو نسيج لوحده، لكنك قلما تصادفه ولا يضفي شيئاً من روحه الجانحة صوب الحياة أو شيئاً من معارف قراءاته أو تجربته ونظرته العميقة في الأدب والفلسفة والتاريخ والتراث العربي.
«أبو عمّار» الذي ولد في ميسان عام 1947، وفيها كانت بواكير دراسته، وحس انتمائه الوطني والأممي، انتقل في بداية الستين إلى مدينته بغداد تلك التي كان يحبها حد البكاء فرحاً بها أو خوفاً عليها، وتنقلت معه في غربته القسرية ثم غربته المختارة ثم في كل أوجاعها.
نشر أعماله الأدبية في صحف ومجلّات عراقية ولبنانية ومصرية منذ منتصف الستينيات، بعدها عمل في الصحافة رئيس تحرير مجلّة «وعي العمّال» النقابيّة، ومدير تحرير مجلّة «ألف باء» الثقافية، سجن خلال سنوات الانقلابات العسكرية والتوجهات الحزبية، والصراعات الإيدولوجية بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، وفي السجن اكتمل وعيه السياسي، وموهبته الأدبية، ألّف كتاب «المسيح والجراد»، لكنه ضاع مع المطاردات، ثم مجموعته القصصية «من قتل حكمة الشامي؟»، التي دَوّن فيها ما كان يلاقيه الكُتّاب والسياسيون والمناضلون من قساوة السجن والسجّان، غادر بعدها ليصدر مجلة «ميسان» من قبرص إذا لم تخنّي الذاكرة، لكنه لم يستمر طويلاً، لأسباب شخصية وتمويلية وعدم الاستقرار، جاء إلى الإمارات في أواخر السبعين، فقال: هنا.. أنا لبغداد أقرب!
عاش «أبو عمّار» هنا بين أهله ومحبيه، فمثله صعب أن تعاديه، ويندر من لا يحبه، كان ودوداً بصمت، لكن له نزعات المثقف والكاتب ومُحب الحياة، كان كثيراً ما يتوق لحريته المطلقة، وكثيراً ما كان يعشق أن يعود لطفولته التي نضجت مبكراً، وكثيراً ما كان يجد نفسه مرتدياً معطف «غوغل» أو معتمراً قبعة «غيفارا» أو ما كان يَسِم المناضل اليساري في أدبيات العالم.
كان صوت «أبو عمّار» همساً، وتكاد لا تسمعه، وحدها سيكارته كان تدل على وقت أقدامه، لم أرَه غاضباً، كان غضبه بصمت أيضاً، وفي القضايا التي تمس الثوابت من الأمور.. عدا ذاك كانت كلها كقبض الريح!
قدم الكثير لصحيفة الاتحاد، وكان يتبنى الكُتّاب الواعدين، ومن هم «على الدرب»، ويأتي فرحاً - أتذكره- حاملاً أوراقهم وما خطت يدهم ليدافع عن نشرها في الصحيفة، كذلك قدم الكثير لصحيفة الخليج، فقد طالت سنوات عمله وإبداعه فيها، كذلك قدم للشارقة الكثير، من إنتاجاته؛ «ذاكرة المستقبل: مقابسات الشارقة»، و«خطط سلطان: تأمُّلات في المشروع الثقافي القاسمي»، لقد احتضنته الشارقة حتى وفاته، وبرعاية كريمة ومقدرة من صاحب السمو حاكمها المثقف والأديب، كأب حانٍ، وراعٍ مسؤول، وكان «أبو عمّار» كما أتذكره تكاد تطفر عيناه بالدمع شكراً لتلك اللفتة والعناية والوصاية الأبوية، وقدم الكثير للإمارات من خلال مساهماته وأبحاثه وكتبه الكثيرة، منها «زايد.. وحلم مأرب»، «الإبل في الإمارات»، الحرّية والثقافة: ذاكرة المستقبل» وغيرها.
«أبو عمّار» لك الرحمة، ولروحك السكينة الأبدية، فقد عشت عاشقاً متصوفاً، وزاهداً متجولاً، عرف ربه باليقين، وآمن بقيمة الإنسان ومعنى الأوطان، فليتها كانت بكت ولا كفّت ميسان، لرجل عاش ومات كما يليق بالإنسان الأممي، الشريف على الدوام.. والصادق إلى الأبد.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!
أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!

الاتحاد

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • الاتحاد

أبو عمار .. يا بُكاء ميسان!

أبو عمار .. يا بُكاء ميسان! عرفت الكاتب والأديب والمناضل الوطني «جمعة اللامي» من قرابة أربعين عاماً، بل يزيد، وتشرفت فيما بعد بزمالته في جريدة الاتحاد، وصداقته في الحياة، هو نسيج لوحده، لكنك قلما تصادفه ولا يضفي شيئاً من روحه الجانحة صوب الحياة أو شيئاً من معارف قراءاته أو تجربته ونظرته العميقة في الأدب والفلسفة والتاريخ والتراث العربي. «أبو عمّار» الذي ولد في ميسان عام 1947، وفيها كانت بواكير دراسته، وحس انتمائه الوطني والأممي، انتقل في بداية الستين إلى مدينته بغداد تلك التي كان يحبها حد البكاء فرحاً بها أو خوفاً عليها، وتنقلت معه في غربته القسرية ثم غربته المختارة ثم في كل أوجاعها. نشر أعماله الأدبية في صحف ومجلّات عراقية ولبنانية ومصرية منذ منتصف الستينيات، بعدها عمل في الصحافة رئيس تحرير مجلّة «وعي العمّال» النقابيّة، ومدير تحرير مجلّة «ألف باء» الثقافية، سجن خلال سنوات الانقلابات العسكرية والتوجهات الحزبية، والصراعات الإيدولوجية بسبب انتمائه للحزب الشيوعي العراقي، وفي السجن اكتمل وعيه السياسي، وموهبته الأدبية، ألّف كتاب «المسيح والجراد»، لكنه ضاع مع المطاردات، ثم مجموعته القصصية «من قتل حكمة الشامي؟»، التي دَوّن فيها ما كان يلاقيه الكُتّاب والسياسيون والمناضلون من قساوة السجن والسجّان، غادر بعدها ليصدر مجلة «ميسان» من قبرص إذا لم تخنّي الذاكرة، لكنه لم يستمر طويلاً، لأسباب شخصية وتمويلية وعدم الاستقرار، جاء إلى الإمارات في أواخر السبعين، فقال: هنا.. أنا لبغداد أقرب! عاش «أبو عمّار» هنا بين أهله ومحبيه، فمثله صعب أن تعاديه، ويندر من لا يحبه، كان ودوداً بصمت، لكن له نزعات المثقف والكاتب ومُحب الحياة، كان كثيراً ما يتوق لحريته المطلقة، وكثيراً ما كان يعشق أن يعود لطفولته التي نضجت مبكراً، وكثيراً ما كان يجد نفسه مرتدياً معطف «غوغل» أو معتمراً قبعة «غيفارا» أو ما كان يَسِم المناضل اليساري في أدبيات العالم. كان صوت «أبو عمّار» همساً، وتكاد لا تسمعه، وحدها سيكارته كان تدل على وقت أقدامه، لم أرَه غاضباً، كان غضبه بصمت أيضاً، وفي القضايا التي تمس الثوابت من الأمور.. عدا ذاك كانت كلها كقبض الريح! قدم الكثير لصحيفة الاتحاد، وكان يتبنى الكُتّاب الواعدين، ومن هم «على الدرب»، ويأتي فرحاً - أتذكره- حاملاً أوراقهم وما خطت يدهم ليدافع عن نشرها في الصحيفة، كذلك قدم الكثير لصحيفة الخليج، فقد طالت سنوات عمله وإبداعه فيها، كذلك قدم للشارقة الكثير، من إنتاجاته؛ «ذاكرة المستقبل: مقابسات الشارقة»، و«خطط سلطان: تأمُّلات في المشروع الثقافي القاسمي»، لقد احتضنته الشارقة حتى وفاته، وبرعاية كريمة ومقدرة من صاحب السمو حاكمها المثقف والأديب، كأب حانٍ، وراعٍ مسؤول، وكان «أبو عمّار» كما أتذكره تكاد تطفر عيناه بالدمع شكراً لتلك اللفتة والعناية والوصاية الأبوية، وقدم الكثير للإمارات من خلال مساهماته وأبحاثه وكتبه الكثيرة، منها «زايد.. وحلم مأرب»، «الإبل في الإمارات»، الحرّية والثقافة: ذاكرة المستقبل» وغيرها. «أبو عمّار» لك الرحمة، ولروحك السكينة الأبدية، فقد عشت عاشقاً متصوفاً، وزاهداً متجولاً، عرف ربه باليقين، وآمن بقيمة الإنسان ومعنى الأوطان، فليتها كانت بكت ولا كفّت ميسان، لرجل عاش ومات كما يليق بالإنسان الأممي، الشريف على الدوام.. والصادق إلى الأبد.

«مجنون زينب» يختتم المقامة اللّامية
«مجنون زينب» يختتم المقامة اللّامية

صحيفة الخليج

time٢٠-٠٤-٢٠٢٥

  • صحيفة الخليج

«مجنون زينب» يختتم المقامة اللّامية

عرفت الروائي والقاصّ والصحفي جمعة اللّامي عام 1985 في مكتبه في جريدة «الخليج» حين كان مقرّها في شارع الوحدة في الشارقة. رجل هادئ، عميق الإصغاء لمن يحدّثه، وفي ملامح وجهه طيف من الحزن، وكان آنذاك يكتب في الصفحة الأخيرة من «الخليج» بالتناوب اليومي إلى جانب سلمى مطر سيف، ومحمد مهيب جبر، ومحمد الحربي، ورأفت السويركي، وأحمد عمرابي.. وفي الجريدة آنذاك صف محترم من الكتّاب الإماراتيين والعرب وضعوا للجريدة السمة الثقافية المميّزة بشكل خاص بين الصحف الإماراتية والعربية. في الذاكرة نعرف جمعة اللّامي واحداً من أبرز كتّاب القصة القصيرة في العراق في نهاية ستينات وأوائل سبعينات القرن العشرين إلى جانب كاتب عراقي مهم هو واحد من روّاد هذا الفن القصصي في الوطن العربي، وأعني به: محمد خضير، وتحديداً في مجموعته القصصية «المملكة السوداء». في عام 1979 خرج جمعة اللّامي من العراق بعد حادثة شاهدها بأم عينه حين رأى ضابطاً كبيراً في الجيش ينهال بالضرب على رجل لا حول له ولا قوّة في الدفاع عن نفسه، كما قال اللامي في حديث له مع بروين حبيب في برنامجها «نلتقي مع بروين حبيب». يقول اللامي: نزلت من سيارتي، وحاولت منع الضابط من ضرب الرجل، وانتحيت جانباً، وجلست، وقلت بيني وبين نفسي: «حدّ الله بيني وبين المكان الذي يضرب فيه الإنسان على هذا النحو» لأنه تجاوز بسيارته سيارة الضابط الغاضب. لم يمكث جمعة اللّامي (أبو عمار) في بيروت طويلاً، فانتقل إلى الكويت لفترة قصيرة، لتكون الإمارات منذ عام 1980، وإلى رحيله قبل أيام في الشارقة، هي مقام حياته، وعمله، وذاته التي عاشت بكرامة ووفّرت له وطناً لإنسانيته وقلمه. عمل جمعة اللّامي في الصحافة الثقافية الإماراتية في جريدتي «الخليج» والاتحاد، ورعى بقلمه وتوجيهه الأدبي ونقديته الهادئة المثقفة جيلاً من الكتّاب الإماراتيين الشباب الذين وجدوا فيه صديقاً ورفيق قلم وكتاب بعيداً عن صورة المعلم والأستذة التي تتناقض أصلاً مع شخصيته المتحررة المستقلة. في جريدة «الخليج» له علامة ثقافية وصحفية من خلال عموده «ذاكرة للمستقبل»، وكان العمود أسبوعياً، ثم تحوّل إلى يومي ضمن شخصية صحفية قائمة على التميّز وقوّة اللغة وصفائها الفكري والجمالي. ينحدر «أبو عمار» من مدينة العمارة جنوبي العراق، مدينة التنوّع الثقافي والعرقي والديني والاجتماعي، ويتحدث اللّامي عن أثر أمّه في حياته دائماً كما لو أنه يحمي مقامته اللّامية من النسيان: «كنت أعيش في بطن إنسانة كبيرة قالت لي: لقد سقطت مني وأنا في حقل الحنطة، فأغمي عليّ، ولكني انتبهت، ووجدتك إلى جانبي». عاش «أبو عمار» حياة كاتب عصامي، يحترم قلمه وكينونته الأدبية ومكانة أدبه وعائلته وتاريخه الثقافي والسياسي بدءاً من سجن «نقرة السلمان» الذي كتب فيه مجموعة بعنوان «المسيح والجراد».. أين هي الآن؟ وهل تخرج إلى النور بعدما ذهب «مجنون زينب» إلى الغياب؟

رحيل القاص العراقي جمعة اللامي بعد مسيرة حافلة بالإبداع
رحيل القاص العراقي جمعة اللامي بعد مسيرة حافلة بالإبداع

صحيفة الخليج

time١٨-٠٤-٢٠٢٥

  • صحيفة الخليج

رحيل القاص العراقي جمعة اللامي بعد مسيرة حافلة بالإبداع

غيب الموت، الخميس، القاص العراقي المخضرم جمعة اللامي، بعد مسيرة حافلة بالإبداع والعطاء في مجال القصة والسرد والثقافة، إذ يعد من أوائل القصاصين العراقيين والذي عمل طويلاً في صحيفتي «الخليج» و«الاتحاد»، حيث أقام في دولة الإمارات منذ عام 1980 وحتى رحيله عن 78 عاماً. ولد جمعة عجيل درويش راشد اللامي في 1 يوليو عام1947 بمحافظة ميسان العراقية، وأمضى طفولته بين مدينتي العمارة والطيب، ثم انتقل إلى بغداد سنة 1960، حيث بدأ الكتابة، ونشر أول نتاجاته الأدبية في عام 1965. وعمل الراحل في الصحافة منذ عام 1968، وفي فترة السبعينات شغل منصب مدير تحرير مجلة «ألف باء»، ليقرر بعدها مغادرة العراق، والاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ سنة 1980. وتولى اللامي مناصب عدة في صحيفتي «الخليج» و«الاتحاد»، وعمل كاتباً متفرغاً في جريدة «الخليج» حتى عام 2009. كما شغل منصب خبير ثقافي لدائرة الثقافة والإعلام في إمارة عجمان (2007 ـ 2010). كما تولى رئاسة مركز الشارقة-ميسان العالمي للحوار والتنمية الثقافية. ويملك الراحل عشرات الكتب والمؤلفات والمجاميع القصصية، إضافة إلى أعمال بارزة في الرواية والبحوث والدراسات. ومن أبرز الأعمال الأدبية للراحل المجموعة القصصية «من قتل حكمة الشامي»، و«اليشن» في عام 1968. و«الثلاثيات» في عام 1979. و«التراجيديا العراقية». كما ألف الراحل روايات بارزة عدة، أشهرها «المقامة اللامية»، «مجنون زينب»، «عيون زينب» و«الثلاثية الأولى». وللكاتب الراحل العديد من الدراسات المهمة، منها «زايد: حلم مأرب: دراسة ثقافية تاريخية في الشخصية العربية»، و«الإبل في الإمارات: دراسة ثقافية تاريخية أدبية إنثروبولوجية»، و«المسألة الفلاحية في العراق»، و «قضية ثورة: الصراع والوحدة في منظمة التحرير الفلسطينية». وطوال مسيرته الإبداعية، حصل اللامي على جوائز وتكريمات عدة، إذ فاز بالمركز الأولى في القصة القصيرة من المؤتمر الأول للكتاب الشباب ـ بغداد 1977. كما حصل على جائزة السلطان قابوس للإبداع في عام 2006م. كما نال جائزة العنقاء الذهبية الدولية عام 2007م، وقلادة بغداد للإبداع سنة 2011.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store