logo
استهداف المطار والموانئ في اليمن.. مأزق الحوثيين ومعاناة المدنيين.. تقرير

استهداف المطار والموانئ في اليمن.. مأزق الحوثيين ومعاناة المدنيين.. تقرير

حضرموت نتمنذ 2 أيام

يعتمد الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على اليمن استراتيجية استهداف البنى التحتية والحيوية في مناطق سيطرة الحوثيين، بهدف إضعاف الجماعة وشل قدرتها على شن هجماتها على إسرائيل، التي تنفذها بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، في إطار 'معركة إسناد غزة'. فالإسرائيليون يدركون صعوبة استهداف جماعة الحوثيين نتيجة بعد المسافة، حيث تضطر الطائرات الإسرائيلية لقطع أكثر من ألفي كيلومتر لتنفيذ الضربات الجوية ضد مواقع وأهداف في الأراضي اليمنية.
بالإضافة إلى ذلك، يعاني الإسرائيليون من عدم امتلاك بنك أهداف عسكرية محددة نتيجة ضعف المعلومات الاستخبارية عن اليمن. كما أن الإسرائيليين شعروا بزيادة تعقيد مهامهم العسكرية في مواجهة الحوثيين بعد الاتفاق الأخير المبرم بين الحوثيين والإدارة الأميركية في السادس من مايو/ أيار الحالي برعاية سلطنة عمان، الذي أُوقفت بموجبه الغارات الأميركية على اليمن بالتزامن مع إيقاف الحوثيين هجماتهم ضد السفن الأميركية في البحر الأحمر وخليج عدن.
– استهداف البنى التحتية في اليمن
هذه المعطيات جعلت الهجمات الإسرائيلية ضد اليمن تعتمد بشكل رئيس على قصف الأهداف الحيوية والبنى التحتية التي تمثل المصادر المالية لاقتصاد الحوثيين، وعلى رأسها الموانئ والمطارات، ولذا، فإن معظم الغارات الإسرائيلية التي استهدفت اليمن خلال عشر جولات سابقة، بدءا من يوليو/تموز 2024، قد تركزت على موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة، ورأس عيسى النفطي، والصليف) بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي ومحطات توليد الطاقة وخزانات الوقود.
وسعت إسرائيل من خلال هجماتها إلى تعطيل مطار صنعاء الدولي، حيث شنت عدة غارات عليه في جولات مختلفة. لكن أبرز هذه الهجمات هي الغارات التي استهدفت المطار في 6 مايو الحالي، والتي دُمّر خلالها مدرجه وصالات المغادرة والوصول وسبع طائرات كانت رابضة في المطار، منها ثلاث تابعة للخطوط الجوية اليمنية، فيما أشار مدير مطار صنعاء خالد الشريف إلى أن الخسائر الناتجة عن هذه الغارات تقدر بنصف مليار دولار. ومن بين أربع طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية ويسيطر عليها الحوثيون، نجت واحدة كانت في مطار عمَّان الأردني خلال الغارات، لكن الطيران الإسرائيلي عاد لاستهدافها، الأربعاء الماضي، بعد أن شن أربع غارات على مطار صنعاء، ما يعني بقاء ثلاث طائرات فقط من أسطول الخطوط الجوية اليمنية لكن تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً.
وقالت الحكومة المعترف بها دولياً على لسان وزير الإعلام معمر الإرياني إنّ القيمة السوقية للطائرات الأربع التي دُمّرت تقدَّر اليوم بـ130 مليون دولار، مشيراً إلى أنه 'رغم استهداف ثلاث طائرات سابقاً، رفضت المليشيا توجيهات رئيس الخطوط اليمنية بإخراج الطائرة الأخيرة، حتى دُمّرت'. وباستهداف الطائرات اليمنية ومدرج مطار صنعاء، يكون الإسرائيليون قد نجحوا فعلاً في إخراج المطار عن الخدمة وتعطيل الرحلات الجوية في مناطق سيطرة الحوثيين، الأمر الذي من شأنه أن يفاقم حجم الأزمة الإنسانية في هذه المناطق التي تضم أكثر من 75% من سكان اليمن، حيث سيقوض قدرة المدنيين على السفر، ويحد من حركة الإغاثة الإنسانية المحتملة، إذ كان المطار يستخدم للرحلات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية كبرنامج الغذاء العالمي وأطباء بلا حدود واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها.
الموانئ اليمنية الواقعة في مناطق سيطرة الحوثيين هي الأخرى كانت هدفاً للغارات الإسرائيلية والأميركية. ففي يوليو/تموز 2024، أطلق الجيش الإسرائيلي عملية 'الذراع الطويلة' التي استهدفت مواقع حيوية وعسكرية في مناطق سيطرة الحوثيين، أبرزها ميناء الحديدة ومستودعات النفط ومحطات الكهرباء. وفي سبتمبر/أيلول 2024، شنت إسرائيل غارات جوية واسعة النطاق على مواقع غربي اليمن، بما في ذلك ميناء الحديدة وميناء رأس عيسى. كما نفذ الجيش الإسرائيلي في ديسمبر/كانون الأول 2024 سلسلة غارات أخرى على اليمن تحت اسم عملية 'المدينة البيضاء'، استهدفت خلالها منشآت الطاقة وموانئ ومطارات في كل من الحديدة وصنعاء.
وفي 17 إبريل/نيسان الماضي، استهدف الطيران الأميركي منشآت شركة النفط اليمنية، حيث استُهدف ميناء رأس عيسى النفطي، ودُمرت جميع منصات التعبئة وأنابيب تفريغ السفن. وتجدد الاستهداف في 25 إبريل الماضي، ما أدى إلى إخراج المنشآت عن الخدمة مجدداً، وتضررت سفينة نقل البنزين 'سيفن بيرلس' وأصيب ثلاثة من طاقمها يحملون الجنسية الروسية. وجرت مباشرة أعمال الصيانة يوم 26 إبريل الماضي وإعادة المنشآت للخدمة خلال ساعات، لكن الطيران الأميركي عاود في اليوم نفسه تنفيذ غارات جديدة على المنشآت، ما اضطر السفن الموجودة عند الأرصفة للتراجع إلى غاطس الميناء. وفي 5 مايو الحالي، استهدف الطيران الإسرائيلي ميناء الحديدة بست غارات جوية على الأقل.
استهداف الموانئ لم ينحصر على الغارات الجوية، بل تعداها إلى فرض وزارة الخزانة الأميركية، نهاية إبريل الماضي، عقوبات استهدفت ثلاث سفن متورطة في نقل مشتقات نفطية إلى موانئ خاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين في اليمن، في ما اعتبرته خرقاً لقرار الحظر الأميركي المفروض على الجماعة.
– تفاقم حجم الأزمة الإنسانية
وفاقم استهداف الموانئ حجم الأزمة الإنسانية في البلاد، وأزمة انعدام الأمن الغذائي نتيجة لتقليص القدرات الخاصة بمناولة الشحنات الإنسانية والتجارية، وأدى إلى المزيد من المشكلات في سلاسل الإمداد إلى اليمن، وزاد من تعقيد تدفق السلع، وارتفاع تكلفة النقل إلى السوق اليمنية، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية محلياً، خصوصاً أن اليمن يعتمد على آلية الاستيراد بنسبة أكثر من 90% لتوفير احتياجاته من المواد الغذائية والسلع.
وكانت مؤسسة موانئ البحر الأحمر في حكومة الحوثيين قد أعلنت في مؤتمر صحافي، الأحد الماضي، أن الخسائر الناجمة عن الغارات الأميركية والإسرائيلية على موانئ الحديدة، الخاضعة لسيطرتها في غرب اليمن، تبلغ ما يقارب 1.4 مليار دولار. وقالت المؤسسة، في بيان، إن سلسلة الغارات التي طاولت موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، خلال الفترة بين يوليو/تموز 2024 ومايو 2025، 'ألحقت أضراراً بالغة بالبنية التحتية والمنشآت التشغيلية لهذه الموانئ، وتسببت في خسائر تجاوزت 1.387 مليار دولار، من بينها أكثر من 531 مليون دولار أضراراً مباشرة، و856 مليون دولار خسائر غير مباشرة، نتيجة توقف الخدمات وتعطل تدفق الإمدادات'. وأضاف البيان، الذي نقلته وكالة سبأ التابعة للحوثيين، أن الغارات تسببت 'في تدمير الأرصفة (1، 2، 5، 6، 7، 8)، ورافعتين رئيسيتين، ومحطات كهرباء ومولدات، ومرافق خدمية ولوجستية، بما فيها الأرصفة العائمة والقاطرات والمستودعات، التي كانت مخصصة لتفريغ المواد الغذائية والإغاثية والدوائية'. وتواصلت 'العربي الجديد' مع قيادات عليا في جماعة أنصار الله (الحوثيين) لكنها تحفظت عن الإدلاء بأي تصريح صحافي.
ورأى الصحافي المقرب من جماعة الحوثيين رشيد حداد، في حديث لـ'العربي الجديد'، أنه من الضروري كسر احتكار الأجواء اليمنية، وإتاحة المجال للطيران العربي للعودة إلى نشاطه في مطار صنعاء لدواع إنسانية، فتدمير الطائرة الأخيرة التابعة للخطوط الجوية اليمنية يضع الجميع أمام مسؤولية الآلاف من العالقين اليمنيين في مطارات العالم. ولذلك فإن الضرورة تحتم على دول التحالف بقيادة السعودية رفع الحظر الجوي عن مطار صنعاء بشكل كلي، والسماح بعودة خطوط الملاحة الجوية العربية، خصوصاً أن هناك شركات طيران عربية كانت قد أبدت استعدادها لتسيير رحلات جوية من القاهرة إلى مطاري عدن وصنعاء.
– رفع الحصار عن مطار صنعاء
وأضاف أن الأمر يتطلب استجابة سريعة للحد من التداعيات الإنسانية الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء على الملف الإنساني، خصوصاً أن المطار كان يقوم برحلات إنسانية مجدولة، تجرى بتراخيص من قبل دول التحالف بقيادة السعودية. وأشار إلى أن 'هذه الخطوة ستعكس نيات السعودية للسلام وتسهم في تعزيز بناء الثقة بين صنعاء والرياض. فبعد تدمير عدد من الطائرات التابعة للخطوط الجوية اليمنية، أصبح البديل رفع الحصار عن مطار صنعاء، وفتح المجال للطيران العربي للعودة إلى مطار صنعاء، والأمر حتى الآن مرهون بقرار سعودي، كون السعودية هي من كانت تمنح تراخيص مرور لطيران اليمنية، أكان لتنفيذ رحلات إلى صنعاء أو إلى عدن'.
بدوره، قال المحلل السياسي وفيق صالح، في حديث لـ'العربي الجديد'، إن الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت موانئ الحديدة ومطار صنعاء الدولي ما أدى إلى تدمير شبه كلي للبنية التحتية في الموانئ، وكذلك تدمير مدرج مطار صنعاء وعدد أربع طائرات تابعة لأسطول الخطوط الجوية اليمنية، 'وضعت جماعة الحوثيين في مأزق شديد في ما يتعلق بإغلاق المنافذ البحرية والجوية أمام الحوثيين، وقد بدت فعلياً بوادر هذه الضغوط من خلال عجز الكثير من سفن الشحن التجاري من الوصول إلى موانئ الحديدة، بعد أن دُمّرت خزانات الوقود والرافعات كافة، وتضررت البنية التحتية في الميناء'.
وأضاف أن 'صعوبة الشحن البحري إلى الحديدة بعد الدمار الذي طاول الميناء هو الأمر الذي تخشاه جماعة الحوثيين، لأن ذلك سيؤدي إلى تحول المستوردين وخطوط الشحن البحري إلى التوجه عبر موانئ عدن والمكلا، وهذا سيحرم الحوثيين من أهم رافعة مالية تغذي الجماعة، وتمنحها ترسيخ شبكة الهيمنة والنفوذ في المناطق التي تسيطر عليها'. وأشار المحلل السياسي إلى أن 'الضربة الإسرائيلية الأخيرة على مطار صنعاء الدولي وتدمير الطائرة الرابعة التابعة لأسطول الخطوط الجوية اليمنية قضيا نهائياً على أحلام الجماعة في إعادة تسيير رحلات جوية عبر مطار صنعاء إلى الخارج، كون الخطوط الجوية اليمنية لم تعد تملك سوى ثلاث طائرات فقط، ولن تجازف بإرسالها إلى مطار صنعاء لتدميرها كما حصل مع الأسطول السابق'. وأضاف أن 'مقامرة الحوثيين بالمنشآت الحيوية والبنية التحتية لليمنيين، من دون أن يرف لجماعة الحوثي جفن، توضح حجم الاستهتار الحوثي بمقدرات الشعب، ومستوى العقلية المليشياوية التي تهيمن على السلوك الحوثي في تعامله مع مصالح اليمنيين'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محمود عباس: على حماس تسليم الرهائن والتخلي عن حكم غزة
محمود عباس: على حماس تسليم الرهائن والتخلي عن حكم غزة

الأمناء

timeمنذ ساعة واحدة

  • الأمناء

محمود عباس: على حماس تسليم الرهائن والتخلي عن حكم غزة

دعا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الأحد، حركة حماس للتخلي عن حكم غزة، وتسليم الرهائن المحتجزين لديها لوقف "هدر الدماء" في القطاع. وقال عباس، في اتصال مرئي مع اللجنة الوزارية العربية الإسلامية: "على حماس التخلي عن حكم قطاع غزة، الذي استولت عليه بالقوة من خلال انقلابها على الشرعية الفلسطينية في عام 2007، فهذا الانقلاب يجب أن ينتهي، وأن تنتهي معه آثاره السلبية التي أضرت بالقضية الفلسطينية". وأضاف الرئيس الفلسطيني: "لا بد من تسليم الرهائن لوقف هدر الدم الفلسطيني والإفراج عن الأسرى، يجب وقف إطلاق النار بأي ثمن، وتوفير إدخال المساعدات الإغاثية والإنسانية وتولي فلسطين مسؤولياتها المدنية والأمنية في قطاع غزة". كما جدد عباس مطالبة حركة حماس "بضرورة الالتزام بالتزامات منظمة التحرير الفلسطينية وسياساتها، وفق مفهوم دولة واحدة وقانون واحد وسلاح شرعي واحد، إذا أرادت أن تصبح عضوا كفصيل سياسي في منظمة التحرير الفلسطينية، وبدون هذا فإننا لا يمكن أبدا أن نقبل بعضويتها". وتابع عباس: "نحن مستعدون لأن نستلم مسؤولياتنا مباشرة، بالتعاون مع الأشقاء العرب والأطراف الدولية ذات العلاقة، لأنه يهمنا أن يعم السلام والأمن في قطاع غزة، وهو شيء مهم جدا ونتمنى النجاح الكامل لجهودكم". كما أكد على ضرورة "الضغط على حكومة الاحتلال للإفراج عن الأموال الفلسطينية المحتجزة، والتي تبلغ حوالي ملياري دولار، وكذلك بذل الجهود الفلسطينية والعربية والدولية لتوفير الدعم المالي والاقتصادي وفق برنامج الحكومة الذي قدمته". كما قال إن السلطة أجرت "إصلاحات حكومية ودستورية واسعة، مؤكدين أن سياستنا قائمة على نبذ الإرهاب والعنف، ورفض استهداف المدنيين بغض النظر عن جنسيتهم أو انتمائهم".

كيف يمكن لسورية أن تخوض «المعركة ضد الفقر» فعلاً لا قولاً؟
كيف يمكن لسورية أن تخوض «المعركة ضد الفقر» فعلاً لا قولاً؟

قاسيون

timeمنذ 3 ساعات

  • قاسيون

كيف يمكن لسورية أن تخوض «المعركة ضد الفقر» فعلاً لا قولاً؟

في خضم البحث عن سبل القضاء على الفقر في سورية، تبرز على وسائل الإعلام ودوائر النقاش الاقتصادي وجهات نظر متباينة بشكل كبير حول النهج الأمثل لتعافي سورية. يمكن تلخيص هذه النقاشات في تناقض جوهري بين من يدعو إلى «فتح الاقتصاد» وتبني مبادئ ما يسمى باقتصاد السوق الحر، ومن يرى أن الحل يكمن في سياسات موجهة وهادفة تتطلب تدخلاً واسعاً من الدولة. يتبنى فريق من الاقتصاديين والمسؤولين، بما في ذلك شخصيات من السلطة الجديدة، رؤية تدعو إلى «نظام سوق حر تنافسي». ويُقدم هذا التوجه على أنه تحول ضروري بعيداً عن السياسات «الاشتراكية» المزعومة السابقة، مع دعوات صريحة لخصخصة واسعة النطاق للأصول العامة وتخفيض الضرائب على المستثمرين. في المقابل ثمة في المجتمع السوري رأي معارض قوي، يستند إلى النتائج التي نراها ماثلة أمامنا اليوم لسياسات «التحرير الاقتصادي» التي طبقت في سورية سابقاً، حيث أدى الدفع القوي الذي قام به الأسد نحو سياسات السوق المفتوح في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى عواقب اجتماعية كارثية لعبت دوراً رئيسياً في انفجار الأزمة عام 2011. ما هو واقع الفقر في سورية اليوم؟ يعكس الواقع الاقتصادي والإنساني في سورية اليوم صورة واضحة للفقر المدقع وتبعاته المباشرة، حيث تشير جميع تقارير الأمم المتحدة إلى تدهور غير مسبوق في مستويات المعيشة: اعتباراً من عام 2024، يعيش 90% من السكان، أي نحو 20.7 مليون إنسان، تحت خط الفقر. وتمثل هذه النسبة زيادة كارثية عن 33% قبل عام 2011. ويعيش جزء كبير من السكان (نحو 15.8 مليون إنسان)، في فقر مدقع. وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في سورية بشكل حاد، حيث انخفض إلى أقل من نصف قيمته في عام 2010. ويبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي حالياً 25% فقط من مستواه في عام 2010. ويقدر إجمالي «الناتج المحلي الإجمالي المفقود» من عام 2011 إلى عام 2024 بنحو 800 مليار دولار أمريكي (بأسعار عام 2010)، وهو مبلغ يعادل 35 عاماً من الناتج المحلي الإجمالي للفرد بالمستويات الحالية. فقدت الليرة السورية نحو 99% من قيمتها منذ عام 2011. وبلغ الحد الأدنى الشهري لتكاليف معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد خلال الربع الأول من العام الجاري نحو 8,051,604 ليرة سورية (نحو 895 دولار أمريكي)، بينما لا يزال الحد الأدنى الرسمي للأجور ثابتاً حتى الآن عند 278,910 ليرة سورية شهرياً (نحو 30 دولار). وصلت البطالة في صفوف الشباب إلى نحو 60% بحلول عام 2022. وفُقدت أكثر من 3 ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس الأولى من انفجار الأزمة (2011-2016)، مع تقديرات بفقدان 500,000 إلى 600,000 وظيفة سنوياً خلال ذروة سنوات القتال العسكري. ولا تتمكن دخول الأسر السورية حتى اليوم، من مواكبةارتفاع الأسعار سواء من العمل أو التحويلات الخارجية. فوق ذلك، يواجه 89% من السكان انعدام الأمن الغذائي، مع معاناة 60% من انعدام الأمن الغذائي الشديد. ويعتمد 70% على الأقل من السوريين على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وبشكل عام، يقدر أن 16.7 مليون شخص (أي ثلاثة أرباع السكان) بحاجة إلى مساعدة إنسانية. وعلى هذا النحو، ارتفعت حالات سوء التغذية الحاد بين الأطفال السوريين بنسبة 48% بين عامي 2021 و2022. ويعاني أكثر من 500,000 طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الذي يهدد حياتهم، مع وجود مليونين آخرين على وشك أن يصبحوا مصابين بسوء التغذية. أما الآثار السلبية القطاعية طويلة الأمد فتعكس صورة أكثر شمولاً، حيث وُلد أكثر من 75% من أطفال سورية البالغ عددهم 10.5 مليون طفل في ظل الحرب. وتلجأ العديد من الأسر إلى آليات يائسة للتكيف، بما في ذلك عمالة الأطفال والزواج المبكر للفتيات الصغيرات. ولا يزال أكثر من 40% من إجمالي نحو 20,000 مدرسة في البلاد مغلقاً، ما يترك أكثر من 2.4 مليون طفل خارج الفصول الدراسية وأكثر من مليون طفل معرضين لخطر التسرب. كما دُمر ثلث المراكز والعيادات الصحية بالكامل أو جزئياً، وباتت نصف خدمات الإسعاف غير عاملة. ويفتقر أكثر من نصف السكان (نحو 14 مليون سوري) إلى الوصول الكافي لخدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية. وتعرض أكثر من 50% من محطات معالجة المياه وشبكات الصرف الصحي لأضرار أو أصبحت خارج الخدمة. وباتت القدرة التشغيلية لتوفير المياه النظيفة في محافظات البلاد الأربع عشرة تقل عن 50%، وتنخفض إلى 23% عند انقطاع الكهرباء. هل الحرب سبب وحيد للفقر؟ إن المستويات الحالية للفقر في سورية ليست مجرد نتيجة للصراع المسلح الذي شهدته البلاد، بل نتاج لعوامل مركبة منها السياسات الاقتصادية المتبعة، والتراجع المتعمد لدور الدولة، وعوامل خارجية مثل العقوبات الاقتصادية، التي تفاعلت معاً لتخلق واقعاً مأساوياً. عندما سرّع الأسد الابن من التوجه النيوليبرالي منذ بداية حكمه، حاملاً شعار الدفع القوي نحو اقتصاد السوق الحر، شهدت البلاد «ثورة مراسيم» تضمنت أكثر من 1200 قانون جديد بهدف «دمج الاقتصاد السوري في التدفقات الاقتصادية العالمية». ونتيجة مباشرة لذلك، انخفضت حصة القطاع العام من الناتج المحلي الإجمالي في سورية إلى الثلث فقط. والأهم من ذلك، أن هذا التحرير الاقتصادي جاء على حساب التصنيع، مفضلاً الأنشطة ذات العائد المرتفع في قطاع الخدمات، مع ذهاب الفوائد إلى النخب الأكثر ثراءً وفساداً في البلاد. بطبيعة الحال، كانت العواقب الاجتماعية لهذا التوجه كارثية - الذي يحاول البعض تصويره اليوم على أنه «حديث وعصري» - كارثية. وعلى وجه التحديد، ارتفعت نسبة السوريين الذين يعيشون تحت خط الفقر الأدنى (دولار واحد في اليوم) من 13.8% في عام 2005 إلى 24% في عام 2010، بينما ارتفعت نسبة من يعيشون تحت خط الفقر الأعلى (2.15 دولار في اليوم) من 30% في 2005 إلى 44% في 2010. وكان خلق فرص العمل ضئيلاً، بمتوسط نمو 0.5% فقط سنوياً بين عامي 2004 و2008، وهو أقل بكثير من 3-4% التي كانت لازمة لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل. وكان هذا «الإصلاح» المزعوم بمثابة برنامج اقتصادي نيوليبرالي ضيق أعطى الأولوية لمعدلات النمو على التوزيع العادل. ومن السمات البارزة للسياسات النيوليبرالية التي اتبعت في سورية قبل الحرب وأثنائها كانت تخفيض الدعم الحكومي للسلع الأساسية وتقليص الإنفاق الاجتماعي. ففي عام 2008 مثلاً، أقدمت الحكومة على رفع الدعم عن المشتقات النفطية بشكل حاد، ما أدى إلى زيادة سعر وقود الديزل بنسبة 257% دفعة واحدة. وترتب على ذلك ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج الزراعي والصناعي، حيث وجدت شريحة واسعة من المزارعين والصناعيين أنفسهم عاجزين عن تحمل تكاليف الوقود اللازمة لتشغيل معداتهم. وانعكس هذا القرار سريعاً على أسعار السلع الأساسية التي قفزت إلى مستويات غير مسبوقة، مما أدى إلى موجة غلاء أثقلت كاهل المواطنين وبخاصة الفقراء. وبالمثل، شهدت الخدمات العامة تراجعاً ملحوظاً في مستواها وتغطيتها نتيجة «تقشف» الدولة في الإنفاق الاجتماعي. فقد انخفض الإنفاق الحكومي على الصحة مثلاً إلى نحو 0.4% فقط من الناتج المحلي قبل عام 2010، وهو رقم متدنٍ للغاية مقارنة بالمعدلات العالمية (التي تتراوح عادة بين 5% و12%). وينطبق الأمر نفسه على قطاع التعليم الذي شهد ازدحاماً في المدارس الحكومية وضعفاً في جودتها، في وقت لم يكن معظم السوريين قادرين على تحمل كلفة التعليم الخاص. هذه السياسات - التي جاءت بإيحاء من توجهات اقتصاد السوق والرغبة في تقليص دور الدولة - أسهمت بشكل مباشر في زيادة معدلات الفقر قبل الحرب، رغم ما أظهرته الأرقام الكلية من نمو اقتصادي في تلك الفترة. وهذا يدل على أن ثمار ذلك النمو لم تصل إلى معظم الشعب، بل تركزت في يد نخبة اقتصادية ضيقة استفادت من الخصخصة والانخراط في شبكات الفساد. وهكذا أسهمت هذه السياسات في تفكيك كثير من مقومات شبكة الأمان الاجتماعي التي كانت تحمي السوريين. كيف يمكن محاربة الفقر عملياً؟ في ضوء ما ذكرناه، يبدو واضحاً أن القضاء على الفقر في سورية لن يتحقق بمجرد نمو اقتصادي عابر أو وعود نظرية، بل يحتاج إلى رؤية وطنية شاملة تعالج جذور المشكلة وتتبنى نموذجاً سورياً خاصاً يضع مصلحة السوريين في صدارة الأولويات. حيث أثبتت التجربة السورية خلال العقود الماضية أن ترك الأمور لقوى السوق والاعتماد على جهاز دولة مترهل دون إصلاح، كلاهما طريقان مسدودان. وعليه، فإن المقاربة العملية للقضاء على الفقر يجب أن تقوم على دور قوي وفعال للدولة من جهة، وعلى إعادة توجيه دفة الاقتصاد نحو تلبية احتياجات المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية من جهة أخرى. لا غنى عن دور محوري للدولة في المرحلة المقبلة لضمان توجيه الموارد نحو أولويات إعادة الإعمار والتنمية البشرية. وهذا لا يعني العودة إلى اقتصاد مغلق مزعوم، بل المقصود أن تكون الدولة مخططاً ومنظماً رئيسياً يحدد القطاعات الاستراتيجية التي يجب النهوض بها ويحفز الاستثمار فيها دون التفريط بها، ويعيد بناء البنية التحتية المدمرة. الدولة القوية والعادلة هي وحدها التي تستطيع وقف الاحتكارات وضبط الأسواق ومكافحة الفساد وتبديد الموارد. وفي الحالة السورية، ينبغي على الدولة استعادة دورها في التخطيط الاقتصادي طويل المدى لضمان تنويع الاقتصاد وإيجاد فرص عمل منتجة، بدلاً من تركز النشاط في التجارة والأنشطة الريعية. ومن أجل تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية والتخفيف الفوري من معاناة السوريين الأكثر فقراً، لا بد من اعتماد سياسات صريحة لإعادة توزيع الدخل والثروة داخل المجتمع السوري. لقد أدت سنوات الحرب والفساد إلى تراكم الثروة لدى فئة ضيقة من المنتفعين الفاسدين، فيما انزلقت الغالبية العظمى إلى ما دون خط الفقر. وعليه، ينبغي أن تتضمن الرؤية لسورية الجديدة إجراءات مثل إصلاح النظام الضريبي ليصبح تصاعدياً بحق، يفرض ضرائب أعلى على الشركات الكبرى وأصحاب الدخل المرتفع، مقابل تخفيف العبء عن الفقراء ومحدودي الدخل. كما يتعين مكافحة التهرب الضريبي الذي حرم الخزينة من موارد كانت كفيلة بتمويل برامج اجتماعية مهمة، والوقوف الفوري لجميع عمليات تبديد مصادر إيرادات الدولة التي تصاعدت مؤخراً. لا يمكن كسر حلقة الفقر السوري دون رفع فعلي لمستويات دخل الأسر السورية، وبخاصة شريحة العاملين بأجر. فالأجور الحالية - حتى بعد الزيادات المتتالية التي أعلنت خلال السنوات الماضية - تلتهمها ارتفاعات الأسعار السريعة التي لا يوجد من يضبطها اليوم. الطريق نحو القضاء على الفقر في سورية يتطلب نهجاً متكاملاً ومدروساً يضع العدالة الاجتماعية في صلب أولوياته. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال دور قوي وفعال للدولة، ليس كجهة تتخلى عن المسؤولية الاقتصادية، بل كمهندس لإعادة بناء الاقتصاد وحماية مواطنيها. من يريد أن ينتشل المواطنين حقاً من الفقر، فهو محكوم بأن يركز جهوده على إعادة توزيع الثروة لصالح الغالبية المنهوبة، ورفع القوة الشرائية الفعلية للأجور، ودعم الإنتاج المحلي السوري وتطويره لحماية الصناعات الوطنية واستعادة عوامل الاكتفاء الذاتي. كما أن بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، لا يمكن أن ينجز دون ضمان مستوى عال من الرقابة الشعبية والمشاركة المجتمعية الواسعة في صنع القرار الاقتصادي. وفي حين أن رفع العقوبات الاقتصادية الدولية يمكن أن يساهم نظرياً في تسهيل حياة السوريين، إلا أن النجاح في النهاية يعتمد بشكل أساسي على التغيير الداخلي الجذري، والقطع تماماً مع سياسات السلطة السابقة التي جرّفت جهاز الدولة السوري. سورية بحاجة ماسة إلى التحول من نموذج اقتصادي يخدم النخب إلى نموذج يعزز النمو الشامل، حيث تقاس الإنجازات الاقتصادية بمدى تحسينها لمعيشة السوريين. والفشل في تبني هذا النهج الشامل والموجه نحو العدالة الاجتماعية سيؤدي إلى استمرار دورة الفقر وعدم الاستقرار، مع تداعيات كارثية على الأجيال القادمة.

إيران تتوعد بالرد إذا «استغل» الأوروبيون تقرير وكالة الطاقة
إيران تتوعد بالرد إذا «استغل» الأوروبيون تقرير وكالة الطاقة

المدينة

timeمنذ 3 ساعات

  • المدينة

إيران تتوعد بالرد إذا «استغل» الأوروبيون تقرير وكالة الطاقة

حذرت إيران أمس، من أنها سترد إذا «استغلت» القوى الأوروبية التي هددت بإعادة فرض عقوبات على خلفية البرنامج النووي، تقريرا للأمم المتحدة يظهر أن طهران كثفت إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب.وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بأن إيران سرعت وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة القريبة من مستوى 90% المطلوب للاستخدام العسكري، وذلك في تقرير غير معدّ للنشر اطلعت عليه وكالة فرانس برس السبت، قبل أسبوع من اجتماع مجلس محافظي الوكالة في فيينا.ولفتت الوكالة إلى أن المخزون بلغ 408,6 كلغ في 17 أيار/مايو بزيادة 133,8 كلغ خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة مقارنة بزيادة مقدارها 92 كلغ خلال الفترة السابقة.وأكد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أمس، في بيان أنه أبلغ في مكالمة هاتفية مع المدير العام للوكالة رافايل جروسي أن «إيران سترد بشكل مناسب على أي تحرك غير لائق من جانب الأطراف الأوروبية» في إشارة إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا.وحذرت الدول الثلاث من أنها قد تعيد فرض العقوبات إذا هدد برنامج إيران النووي أمن القارة.ودعا عراقجي غروسي في المكالمة التي جرت السبت إلى عدم إتاحة الفرصة «لبعض الأطراف» لإساءة استخدام التقرير «لتحقيق أهدافها السياسية» ضد إيران، بحسب البيان.وندّدت وزارة الخارجية الإيرانية السبت بتقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، واصفة إياه بأنّه «سياسي وغير متوازن».وتتهم دول غربية وإسرائيل، إيران بالسعي إلى تطوير سلاح ذري، وهو ما تنفيه الجمهورية الإسلامية، مؤكدة الطابع السلمي لبرنامجها النووي.وجدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الجمعة تأكيده أنه «لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي»، مشيرا إلى أن البلدين «قريبان جدا من اتفاق».وأعلن عراقجي أنه تلقّى «عناصر مقترح أمريكي» من نظيره العماني خلال زيارته لطهران.وكتب في منشور على موقع أكس أن إيران سترد «بما يتماشى مع المبادئ والمصالح القومية وحقوق» شعبها.وأجرت طهران وواشنطن خمس جولات من المباحثات بوساطة عمانية منذ أبريل، مع تأكيد الجانبين إحراز تقدم، على رغم تباين معلن بينهما بشأن احتفاظ إيران بالقدرة على تخصيب اليورانيوم.وأوردت صحيفة نيويورك تايمز السبت أن كارولاين ليفيت المتحدثة باسم البيت الأبيض قالت «أرسل المبعوث الخاص ويتكوف اقتراحا مفصلا ومقبولا للنظام الإيراني، ومن مصلحته قبوله».وأشارت الصحيفة نقلا عن مسؤولين مطلعين على المحادثات الدبلوماسية أن الاقتراح عبارة عن سلسلة من النقاط الموجزة وليس مسودة كاملة.وأبرمت إيران عام 2015 اتفاقا مع القوى الكبرى بشأن برنامجها النووي، أتاح فرض قيود على أنشطتها وضمان سلميتها، لقاء رفع عقوبات كانت مفروضة عليها.وفي 2018، سحب ترامب خلال ولايته الأولى بلاده بشكل أحادي من الاتفاق وأعاد فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية التي عمدت بعد عام من ذلك، الى التراجع تدريجا عن غالبية التزاماتها الأساسية بموجبه.وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن إيران هي القوة غير النووية الوحيدة التي تقوم بتخصيب اليورانيوم عند مستوى 60 في المئة.ويلوح ترامب الساعي إلى اتفاق جديد، بالخيار العسكري في حال فشل المساعي الدبلوماسية.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store