logo
«مسيد شيخ الأمين» يمنح آلاف الجوعى في الخرطوم الطعام المجاني

«مسيد شيخ الأمين» يمنح آلاف الجوعى في الخرطوم الطعام المجاني

الشرق الأوسطمنذ 6 ساعات
في حي «بيت المال» الشهير بمدينة أم درمان، إحدى مدن العاصمة الثلاث، اختفت معظم مظاهر الحياة منذ أيام الحرب التي عصفت بالعاصمة الخرطوم، فسادَ فيها الجوع والمَسغبة، وبمواجهة ذلك، فتح «مسيد شيخ الأمين» (مركز ديني لتحفيظ القرآن الكريم) أبوابه يومياً للفقراء والمحتاجين، يقدم لهم وجبات طعام متكاملة بلا مقابل، وبجانبها الدواء، راسماً مشهداً إنسانياً في غاية النبل، لقيمة «التكافل» في ظل واقع الانهيار الذي عاشته البلاد.
ورغم أن الجيش استعاد الخرطوم، وبدأت المدينة تلتقط أنفاسها تدريجياً، لكن آثار الحرب عقَّدت صعوبة العيش، وما زال الحصول على «الطعام» مهمة قاسية لكثير من الأُسر وكبار السن والأطفال، الذين فقدوا مصادر دخلهم وأرصدتهم، في ظل ارتفاع طاحن بأسعار السلع، فإن «المسيد» لا يزال يقدم خدمة الإطعام لمئات الجوعى الذين يقصدونه يومياً لتلقّي وجباتهم.
الطعام على النار والناس ينتظرونه (الشرق الأوسط)
منذ بداية النزاع المسلَّح بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، توقفت خدمات الدولة والحياة تقريباً، وفرّ ملايين السكان من الخرطوم، لكن «المسيد» - تسمية محلية للمراكز الدينية الأهلية لتحفيظ القرآن - الذي أنشأه الشيخ الأمين عمر الأمين، أحد «أقطاب الطرق الصوفية» في السودان، استمر في القيام بدور إنساني لافت تعدَّى الدور التقليدي للمسيد الذي تحوَّل لـ«تكية»، وهي مكان ديني يقدَّم فيه الطعام مجاناً لروادها وضيوفها.
لا تزال «تكية» شيخ الأمين تُعِد يومياً وتوزِّع وجبات لأكثر من 800 شخص، من كل شرائح المجتمع دون تمييز ديني أو جِهوي أو عِرقي، تقدِّم الطعام للجائع، مواطناً كان أم أجنبياً، يكفي فقط أن تكون محتاجاً لتحصل على وجبة ساخنة، بل تنقل وجبات أخرى إلى منازل بعض الأُسر، وفق تقديرات يُشرف عليها شيخ الأمين شخصياً.
شيخ الأمين بملابس عصرية أكسبته حُب الشباب (موقعه على «فيسبوك»)
زارت «الشرق الأوسط» التكية، وحضرت وجبة إفطار هناك، وتضم أصنافاً متعددة من الأطعمة، بما في ذلك اللحوم، وشهدت إشراف أعداد من الشباب على المطبخ الذين يُعِدون الأطعمة، يُعرَفون بـ«المقدمين»، و«الخلفاء»، و«الفقيرات»، وهي تسميات وتقسيمات داخلية في الطريقة الصوفية.
قال الخليفة أيمن عمر، وهو شقيق شيخ الأمين، لـ«الشرق الأوسط»، إن تكلفة إعداد الطعام اليومي تتجاوز 3.5 مليون جنيه سوداني (نحو 1200 دولار)، وسط ارتفاع مستمر بأسعار السلع. وأضاف: «هذه المصروفات تُغطى بالكامل من مال شيخ الأمين الخاص، دون دعم من أي منظمة أو جهة رسمية».
وإبان ذروة الحرب، والعاصمة مقسمة بين الطرفين المتقاتلين، كان المسيد يذبح 4 خراف يومياً، أو عجلاً كل يومين، ويشتري كميات كبيرة من اللحم من المذابح. هكذا قال الشيخ أيمن، وتابع: «رغم صعوبة الحركة، كنا نقوم بذلك ونواجه المخاطر»، وأضاف: «اليوم، وبعد انحسار الاشتباكات، لا تزال التكية تعمل بالنشاط نفسه تقريباً».
سيدات يُلقبن بـ«الفقيرات» يعملن على القدور الضخمة لإعداد الوجبات (الشرق الأوسط)
في مطبخ التكية، تعمل النساء الملقّبات بـ«الفقيرات» (لفظة تعني الفقيهات بالدارجة السودانية) في صناعة وطبخ الطعام، بينهن نجلاء عبد المنعم وزينب مهدي، وهما سيدتان التزمتا المسيد منذ أكثر من 14 عاماً. تقول نجلاء، لـ«الشرق الأوسط»: «جذَبَنا إلى المسيد طريقة وأسلوب شيخ الأمين وتعاملاته». وتضيف: «هو شخص كريم، يتحدث بلغة الشباب، ويهتم بمشاكلهم، لذلك يجد قبولاً كبيراً بينهم».
وخرج «شيخ الأمين» بفكرة «المسيد» من شكلها ومضمونها التقليدي إلى رحاب العصر، بدأها بنفسه بصورة مختلفة عن شيوخ الطرق الصوفية، إذ يرتدي ملابس فاخرة بألوان زاهية، ويعيش حياة عصرية، ما جعله يحظى بقبول واسع، ولا سيما بين الشباب، الذين انجذبوا لخطابه الديني الاجتماعي المختلف والمتسامح.
لم يكن الطريق مفروشاً بالورود، فأثناء الحرب قُتل أربعة من شباب المسيد برصاص طائش أثناء تحضيرهم الطعام، ودُفن أحدهم قرب المسيد بعد تعذر الوصول إلى المقابر، ولا يزال قبره شاهداً على تراجيديا القتال الذي اجتاح العاصمة.
عملية إعداد الوجبات (الشرق الأوسط)
واجه شيخ الأمين، أثناء الحرب، اتهامات بالتعاون مع قوات «الدعم السريع»، بلغت مِن الحِدة أنْ طالب نشطاء ومواقع تواصل اجتماعي بقصف المسيد بمن فيه، وذلك على خلفية زيارات لبعض قادة «الدعم السريع» للمسيد، أثناء سيطرتهم على المنطقة، لكن الشيخ نفى بشكل قاطع ذلك، وقال إن المسيد يقدم خدمته لمن يحتاج إليها، دون أن يسأل عن هويته أو ولائه.
وبعد استعادة الجيش الخرطوم، وبعد أن أصبحت منطقة «ود البنا»، حيث المسيد تحت إدارة الجيش، أكد الشيخ، في مقطع فيديو، دعْمه للجيش السوداني، وجدد عزمه على مواصلة «التكية» دورها الإنساني بموافقة القيادة العسكرية، ولا يزال وفياً للعهد الذي قطعه للمحتاجين.
يستند شيوخ المتصوفة في السودان إلى إرث طويل من الإطعام، ويَعدّون «الخبز» أحد أسرار الحياة. وهناك مقولة منسوبة لـ«العبيد ود ريا»، أحد كبار شيوخهم: «لو ما عجيني، منو البجيني»، والعجين هنا مقصود به «عجين الخبز» والمعنى: لولا الطعام لا أحد يأتيني.
أيمن «شقيق شيخ الأمين» يتابع العمل بنفسه (الشرق الأوسط)
ومن هذا الإرث ينتج ويقدم مسيد شيخ الأمين، إلى جانب الوجبات للناس، «الخبز» من مخبز خاص ملحق بالمسيد. يقول محمد ود الشيخ، المسؤول عن المخبز، لـ«الشرق الأوسط»، إنهم يخبزون 10 جوالات من دقيق القمح يومياً، لإنتاج آلاف من قطع الخبز التي تُوزَّع على المواطنين وعلى تكايا ومراكز أخرى.
من داخل ساحة التكية يوجد السيد بابو لآل، وهو مواطن هندي يقيم في السودان منذ سنوات، قال، لـ«الشرق الأوسط»: «لستُ مسلماً، لكن شيخ الأمين يعاملني بصفتي إنساناً ويرسل لي الطعام إلى البيت، ومنذ بداية الحرب وحتى الآن، لم أجُع يوماً... هذا المسيد هو أفضل مكان في العالم».
مواطن هندي يقيم في السودان يحصل على وجباته من المسيد (الشرق الأوسط)
وبعد تراجع العمليات العسكرية في الخرطوم وسيطرة الجيش، فإن آثار الحرب لا تزال تضغط على كاهل الناس، وما زال معظمهم بلا دخلٍ ولا طعام ولا خدمات. وإزاء هذا الواقع المظلم، يبرز مسيد شيخ الأمين و«تكايا» أخرى، بصفتها تجربة استثنائية في الإغاثة الشعبية ذات الطابع الديني، تُقدم للناس الطعام والدواء، بل تعليم الأطفال، فيثير الإعجاب والجدل معاً. من هذا الإعجاب أن معهد أوسلو لأبحاث السلام رشّح غرف الطوارئ - تجمعات شبابية طوعية نظمت تكايا الإطعام - لجائزة نوبل للسلام.
العشرات ينتظرون طعامهم بفارغ الصبر (الشرق الأوسط)
ففي زمن الحرب، يصبح الخبز رحمة، واللقمة رسالة، والتكية التي قد تبدو بسيطة في عيون البعض، صارت عند كثيرين ملاذاً من الجوع، ومساحة للنجاة، وربما أكثر من ذلك أيضاً.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مركز الملك سلمان للإغاثة يدعم الأمن الغذائي والخدمات الصحية في 6 دول حول العالم
مركز الملك سلمان للإغاثة يدعم الأمن الغذائي والخدمات الصحية في 6 دول حول العالم

صحيفة سبق

timeمنذ 3 ساعات

  • صحيفة سبق

مركز الملك سلمان للإغاثة يدعم الأمن الغذائي والخدمات الصحية في 6 دول حول العالم

يواصل مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية تنفيذ مشاريعه الإنسانية والإغاثية في عدد من الدول، مستهدفًا الفئات الأكثر احتياجًا واللاجئين والمتضررين، وذلك ضمن جهوده المتواصلة للتخفيف من معاناة الشعوب المحتاجة. في السودان، وزّع المركز (1050) سلة غذائية في محلية الدندر بولاية سنار، استفاد منها (8400) فرد، ضمن المرحلة الثالثة من مشروع دعم الأمن الغذائي في السودان للعام (2025م). وفي لبنان، نفذ جهاز إسعاف جمعية سبل السلام الاجتماعية في منطقة المنية شمال البلاد، بتمويل من المركز، (40) مهمة إسعافية خلال الأسبوع الماضي، شملت نقل المرضى من وإلى المستشفيات، واستفاد منها اللاجئون السوريون والفلسطينيون والمجتمع المستضيف، وذلك ضمن مشروع دعم الخدمات والنقل الإسعافي بمناطق اللاجئين. أما في أفغانستان، فقد وزّع المركز (465) سلة غذائية للعائدين الجدد من إيران إلى مركز ولاية هرات، استفاد منها (2,790) فردًا، ضمن مشروع الأمن الغذائي والطوارئ في أفغانستان لعام (2025-2026م). وفي اليمن، نفذ المركز المرحلة الثانية من مشروع إعادة إدماج الأطفال المرتبطين سابقًا بالنزاع المسلح "كفاك" في وادي حضرموت، حيث جرى تأهيل (25) طفلًا عبر برامج نفسية واجتماعية ورياضية وثقافية، إضافة إلى التحاقهم بالمدارس وتقديم الرعاية الصحية لهم. كما تم تدريب أولياء أمورهم في مجالي الخياطة وصناعة المعجنات وتزويدهم بأدوات التمكين الاقتصادي، بهدف تحسين سبل معيشتهم. وفي الأردن، وزّع المركز (847) قسيمة غذائية للأسر الأكثر احتياجًا من اللاجئين السوريين والفلسطينيين والمجتمع المضيف في محافظات عجلون وجرش والمفرق، استفاد منها العدد نفسه من الأسر. كما وزّع المركز في سوريا (345) كرتون تمر للنازحين من محافظة السويداء إلى بلدتي أم ولد ونامر في محافظة درعا، استفاد منها (345) أسرة. وتأتي هذه الجهود ضمن سلسلة من المشاريع التي تنفذها المملكة عبر ذراعها الإنساني مركز الملك سلمان للإغاثة، لمساعدة المحتاجين والمتضررين في مختلف أنحاء العالم، وتعزيز الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية، ودعم الفئات الأشد ضعفًا.

المملكة توزّع (1050) سلة غذائية بولاية سنار في السودان
المملكة توزّع (1050) سلة غذائية بولاية سنار في السودان

الرياض

timeمنذ 4 ساعات

  • الرياض

المملكة توزّع (1050) سلة غذائية بولاية سنار في السودان

وزّع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية أمس الأول، (1050) سلة غذائية للفئات الأكثر احتياجًا والنازحة في محلية الدندر بولاية سنار في جمهورية السودان، استفاد منها (8400) فرد، ضمن المرحلة الثالثة من مشروع دعم الأمن الغذائي في السودان للعام (2025م). ويأتي ذلك في إطار المشاريع الإنسانية والإغاثية التي تنفذها المملكة عبر ذراعها الإنساني مركز الملك سلمان للإغاثة للتخفيف من معاناة الفئات المحتاجة والمتضررة في مختلف أنحاء العالم.

"وفاء سوداني".. وافد يسمي مولوده البكر باسم كفيله بعد 15 عامًا
"وفاء سوداني".. وافد يسمي مولوده البكر باسم كفيله بعد 15 عامًا

صحيفة سبق

timeمنذ 5 ساعات

  • صحيفة سبق

"وفاء سوداني".. وافد يسمي مولوده البكر باسم كفيله بعد 15 عامًا

تصوير: سعد الكايد في لفتة وفاء، قرر وافد سوداني يعمل في رعي الإبل بمحافظة تيماء تسمية مولوده البكر باسم كفيله السعودي، بعد أكثر من 15 عامًا من العمل معه، رغم أن الاسم غير دارج في المجتمع السوداني. الوافد "بشير" ارتبط بعلاقة أخوّة وصداقة متينة مع المواطن عياد طراد العنزي، بدأت بعقد عمل وانتهت برابطة إنسانية عميقة، شارك خلالها تفاصيل الحياة اليومية في البادية، حيث الزمن بطيء والمعاني أصيلة. وقبل أيام، رُزق "بشير" بمولوده البكر، فاختار من دون تردد اسم "عياد"؛ تقديرًا لما وجده من معاملة كريمة، وتعبيرًا عن امتنانه لكفيله الذي اعتبره سندًا وأخًا. مقربون من الطرفين أكدوا أن هذا الموقف لم يكن مفاجئًا، بل هو امتداد لعلاقة طويلة اتسمت بالثقة والاحترام. فيما عبّر عياد العنزي عن سعادته قائلاً: "المواقف هي التي تُظهر معادن الرجال، وما فعله "بشير أبو عياد" محل فخر واعتزاز". وتعكس هذه القصة أن الوفاء لا يرتبط بجنسية، وإنما بالمواقف الأصيلة التي تبقى راسخة مهما تغيّرت الظروف.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store