
محطات تاريخية لاستقلال أوروبا عن الوصاية الأمريكية.. من خطة مارشال لإعمار القارة العجوز مرورًا برفض غزو العراق واتفاقية بيسكو الدفاعية.. هل تكسر رسوم ترامب الجمركية ظهر التحالف الأوروبى - الأمريكى؟
لم تكن العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة يومًا بمنأى عن التوترات، رغم الشراكة الاستراتيجية التي جمعت بين الطرفين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فمنذ خطة مارشال التي ساعدت على إعادة إعمار القارة العجوز، مرورًا بتأسيس حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وحتى القرارات الأحادية التي اتخذتها واشنطن في العقود الأخيرة، ظلت العلاقة تتأرجح بين التعاون الوثيق ومحاولات الاستقلال الأوروبي، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا.
هذا التقرير يرصد أبرز المحطات التي سعت فيها أوروبا إلى رسم مسار مستقل عن "الهيمنة الأمريكية".
خطة مارشال.. البداية الأمريكية للحضور الأوروبي
بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت أوروبا منهكة اقتصاديًا وعسكريًا، فيما برزت الولايات المتحدة قوة عظمى لم تمس الحرب أرضها، وجاءت خطة مارشال عام 1947، التي حملت اسم وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جورج مارشال، كبرنامج ضخم لإعادة إعمار أوروبا بدعم مالي سخي تجاوز 13 مليار دولار، ساهم في تعافي الاقتصادات الأوروبية ووقف تمدد الشيوعية.
لكن هذا الدعم لم يكن خاليًا من النفوذ السياسي، فقد أسس لحالة من "التبعية الناعمة" لأوروبا تجاه واشنطن، وهو ما بدأ يتجلى تدريجيًا مع تشكّل ملامح الحرب الباردة.
الناتو.. شراكة دفاعية أم ارتباط مقيد؟
في عام 1949، تأسس حلف شمال الأطلسي (الناتو) كتحالف دفاعي بقيادة أمريكية هدفه التصدي للتهديد السوفيتي، وشكل الحلف مظلة أمنية لبلدان أوروبا الغربية، لكنه في الوقت نفسه رسخ مركزية الدور الأمريكي في السياسات الدفاعية الأوروبية.
وعلى الرغم من التعاون الوثيق داخل الناتو، إلا أن الانقسامات كانت تبرز كلما اتخذت واشنطن قرارات أحادية باسم الحلف، ما دفع بعض الدول للتفكير في خيارات بديلة.
فرنسا وديغول.. أول تمرد سياسي وعسكري
في عام 1966، أحدث الرئيس الفرنسي شارل ديغول زلزالًا داخل حلف الناتو بإعلانه انسحاب بلاده من القيادة العسكرية الموحدة للحلف، و لم يكن الانسحاب انسلاخيًا تامًا، إذ ظلت فرنسا عضوًا سياسيًا في الناتو، لكنه كان احتجاجًا صارخًا على ما وصفه ديغول بـ"الهيمنة الأمريكية" و"العلاقة الخاصة" بين واشنطن ولندن، داعيًا إلى سيادة فرنسية كاملة في الشؤون الدفاعية.
مؤتمر برشلونة 1995.. محاولة لشراكة إقليمية مستقلة
شهد عام 1995 انعقاد مؤتمر برشلونة، الذي أطلق ما عُرف بـ"الشراكة الأورومتوسطية"، في محاولة أوروبية لتأسيس علاقات متوازنة مع دول جنوب المتوسط بعيدًا عن المقاربات الأمريكية، خاصة في قضايا الهجرة، الأمن، والتنمية.
ورغم أن الشراكة لم تُترجم إلى مشروع طويل الأمد، فإنها عكست مساعي أوروبا لصياغة سياسة خارجية ترتكز على مصالحها الجغرافية والجيوسياسية، دون المرور الدائم عبر واشنطن.
2003.. رفض غزو العراق يكشف انقسامًا عميقًا
أحد أبرز اللحظات التي أظهرت استقلال القرار الأوروبي، جاء في عام 2003 حين رفضت فرنسا وألمانيا غزو الولايات المتحدة للعراق. الرئيس جاك شيراك والمستشار غيرهارد شرودر أعلنا معارضتهما الشديدة، مشترطين ضرورة تفويض من مجلس الأمن قبل أي تدخل عسكري.
هذا الموقف عزز من حضور محور أوروبي يسعى لتوازن سياسي في مواجهة ما وُصف حينها بسياسة "الكاوبوي" الأمريكي في الشرق الأوسط.
اتفاقية "بيسكو" 2017.. نحو قوة دفاعية أوروبية موحدة
في عام 2017، وقعت 23 دولة من الاتحاد الأوروبي اتفاقية "بيسكو" (PESCO) لتشكيل إطار للتعاون العسكري الأوروبي، يُمكّن التكتل من تنفيذ مهام أمنية دون الاعتماد الكلي على الولايات المتحدة.
تُعد الاتفاقية الخطوة الأبرز نحو بناء ذراع دفاعي مستقل، خصوصًا مع تنامي التحديات الأمنية في البحر المتوسط، شمال أفريقيا، والشرق الأوسط، وتزايد الشكوك الأوروبية بشأن مدى التزام واشنطن بالدفاع عن القارة في ظل تنامي التيارات الانعزالية الأمريكية.
السفارة الأمريكية في القدس.. تصدع في الرؤية السياسية
عام 2018، قررت إدارة ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وهي الخطوة التي رفضتها أغلب العواصم الأوروبية، واعتُبرت "مجازفة غير محسوبة" قد تؤجج التوترات في الشرق الأوسط. عبر هذا الرفض، بدا أن أوروبا تحاول الإمساك بخيط توازن دبلوماسي، في مقابل القرارات الأحادية الأمريكية.
الاتفاق النووي الإيراني.. تمسك أوروبي وسط انسحاب أمريكي
في نفس العام، انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران، في خطوة وصفتها القوى الأوروبية الكبرى (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) بأنها "ضارة وخطيرة"، مؤكدة استمرارها في الالتزام بالاتفاق. وبهذا القرار، ظهرت مجددًا الفجوة بين رؤيتين: أمريكية ترتكز على العقوبات القصوى، وأوروبية تفضل الحوار والدبلوماسية.
الخلافات التجارية.. صراع على قواعد اللعبة الاقتصادية
لم تتوقف مظاهر التوتر عند السياسة والأمن. ففي عهد الرئيس دونالد ترامب، فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية على واردات الحديد والألمنيوم الأوروبية، ما أدى إلى توتر اقتصادي حاد. ورغم مساعي بروكسل للضغط باتجاه إعفاء دائم، لم تُحرز تقدمًا ملموسًا، ما دفع الاتحاد الأوروبي للبحث عن شراكات تجارية بديلة، خاصة مع الصين والدول الآسيوية.
هل تنجح أوروبا في الخروج من عباءة واشنطن؟
رغم تعدد المحاولات الأوروبية لإعادة ضبط العلاقة مع الولايات المتحدة، فإن الواقع الجيوسياسي يفرض تحديات معقدة، فالاتحاد الأوروبي يفتقد حتى الآن لجيش موحد، وصوت سياسي متجانس، وسياسات خارجية متكاملة.
لكن في المقابل، فإن تنامي النزعة القومية داخل أمريكا، وتقلص دورها كضامن لأمن أوروبا، قد يدفع الأخيرة إلى تسريع خطاها نحو استقلال استراتيجي أكبر. فهل تكون هذه المحطات مقدمات لاستقلال أوروبي حقيقي؟ أم أن التشابك العابر للأطلسي أعمق من أن يفكك؟

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


وكالة نيوز
منذ 40 دقائق
- وكالة نيوز
ترتفع أسهم الولايات المتحدة ستيل على نعمة ترامب الظاهرة للتعامل مع نيبون
قام المستثمرون بتفسير تعليقات ترامب على أنها تعني أن نيبون ستيل قد حصل على موافقته على استيلاءها على الصلب الأمريكي. أعرب رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب عن دعمه لعرض نيبون ستيل بقيمة 14.9 مليار دولار للولايات المتحدة ، قائلاً إن 'شراكتهم المخططة' ستخلق فرص عمل وتساعد الاقتصاد الأمريكي. ارتفعت أسهم الولايات المتحدة من ستيل بنسبة 21 في المائة يوم الجمعة بعد تعليقات ترامب حيث فسر المستثمرون منصب الرئيس على الحقيقة الاجتماعية ليعني أن نيبون ستيل قد حصل على موافقته على استحواذه المخطط منذ فترة طويلة ، وهي آخر عقبة كبيرة على الصفقة. وقال ترامب في منصب عن الحقيقة الاجتماعية يوم الجمعة: 'ستكون هذه شراكة مخططة بين الولايات المتحدة Steel و Nippon Steel ، والتي ستخلق ما لا يقل عن 70،000 وظيفة ، وتضيف 14 مليار دولار إلى الاقتصاد الأمريكي'. ذكرت وكالة أنباء رويترز هذا الأسبوع أن نيبون ستيل قد قالت إذا تمت الموافقة على الاندماج ، فستستثمر بمبلغ 14 مليار دولار في عمليات الولايات المتحدة للصلب ، بما في ذلك ما يصل إلى 4 مليارات دولار في مصنع فولاذي جديد. وأضاف ترامب أن الجزء الأكبر من هذا الاستثمار سيحدث في الأشهر الـ 14 المقبلة وقال إنه سيحمل تجمعًا في الولايات المتحدة في بيتسبرغ يوم الجمعة المقبل. وقال نيبون ستيل إنه صفق قرار ترامب بالموافقة على 'الشراكة'. لم يرد البيت الأبيض على الفور على أسئلة حول الإعلان. استمر سعر سهم الصلب في الولايات المتحدة بعد ساعات ووصل إلى 54 دولارًا ، فقط خجول من سعر عرض Nippon Steel بقيمة 55 دولارًا لكل سهم في أواخر عام 2023. في حين لم يتم إصدار أي تفاصيل ، أعرب المستثمرون عن ثقتهم في أن الشروط ستكون مشابهة لتلك المتفق عليها في عام 2023. قال المستثمرون إنه في نهاية المطاف ، لن يتم تداول الفولاذ في النهاية بشكل علني وأنهم سيحصلون على دفع نقدي مقابل أسهمهم. مثيرة للجدل سياسيا كانت الصفقة واحدة من أكثرها متوقعة في وول ستريت بعد أن تحولت إلى الساحة السياسية مع المخاوف من أن الملكية الأجنبية ستعني خسائر الوظائف في ولاية بنسلفانيا ، حيث توجد الصلب الأمريكي. لقد صرحت في انتخابات العام الماضي والتي شهدت عودة ترامب إلى البيت الأبيض. قال سناتور ولاية بنسلفانيا ديف ماكورميك ، الذي أطلق على الصفقة أيضًا 'شراكة' ، يوم الجمعة إنه 'انتصار كبير لأمريكا ومؤسسة الصلب الأمريكية' ، والتي ستحمي أكثر من 11000 وظيفة في بنسلفانيا ودعم إنشاء 14000 على الأقل. وجاءت آخر القطع من الصفقة بسرعة بشكل مدهش. ذكرت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) ، التي تستعرض صفقات لمخاطر الأمن القومي ، للبيت الأبيض هذا الأسبوع أنه يمكن معالجة مخاطر الأمن ، وفقًا لما ذكرته رويترز ، ونقل القرار النهائي إلى مكتب ترامب. بعد مراجعة سابقة بقيادة CFIUS ، الرئيس السابق جو بايدن محظور الصفقة في يناير على أساس الأمن القومي. الشركات مقاضاة ، بحجة أنهم لم يتلقوا عملية مراجعة عادلة. رفض البيت الأبيض بايدن هذا الرأي. جادل الشركات بايدن عارضت الصفقة عندما كان يترشح لإعادة انتخابه للفوز بالدعم من اتحاد عمال الصلب المتحدة في ولاية بنسلفانيا في ساحة المعركة. دافعت إدارة بايدن عن المراجعة باعتبارها ضرورية لحماية سلاسل الأمن والبنية التحتية والتوريد. عارض ترامب في البداية الصفقة ، بحجة أن الشركة يجب أن تكون مملوكة وتشغيلها في الولايات المتحدة. كان عمال الصلب المتحدة ضد الصفقة في الآونة الأخيرة في يوم الخميس عندما حثوا ترامب على منع الصفقة على الرغم من تعهد الاستثمار بقيمة 14 مليار دولار من ترامب. بالنسبة للمستثمرين ، بما في ذلك صناديق التحوط البارزة ، فإن الأخبار تتهجى الإغاثة بعد أكثر من عام من انتظار القرار. وقال أحد المستثمرين حديثًا: 'كان هناك فايف هائل في كل مكان في كل مكان' ، مضيفًا: 'لقد فهمنا نفسية دونالد ترامب ولعبناها لصالحنا هنا.' قال المستثمرون إن ترامب يبدو أنه قد فاز بعد زيادة تعهد الاستثمارات الجديدة. وقال مستثمر آخر 'هذه الصفقة تضمن أن صناعة الصلب ستستمر في بيتسبيرغ لأجيال'.


الدستور
منذ 2 ساعات
- الدستور
أستاذ قانون: رسوم ترامب الجمركية تهدد التوازن التجارى بين أمريكا وأوروبا
قال مجيد بودن، أستاذ القانون التجاري، إن الرسوم الجمركية التي تفرضها الإدارة الأمريكية على الاتحاد الأوروبي لا تستند إلى قواعد التجارة الدولية، وتعد أداة تفاوضية تهدف إلى تحقيق مكاسب سريعة في ملف العجز التجاري. وأوضح عبر مداخلة هاتفية لقناة "إكسترا نيوز"، أن هذه الرسوم تعد إجراءً تكتيكيًا من جانب ترامب لإجبار الاتحاد الأوروبي على الدخول في مفاوضات تصب في صالح الولايات المتحدة، مؤكدًا أن الاتحاد الأوروبي يتبع سياسة مختلفة تقوم على التهدئة وعدم الرد بالمثل، لكنه يتمسك في الوقت ذاته بموقف صلب تجاه هذه السياسات. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تسجل عجزًا تجاريًا بنحو 200 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما يدفع ترامب لمحاولة تقليص هذا العجز، ليس عبر تعزيز التصدير كما هو متوقع، بل من خلال فرض رسوم جمركية تهدف إلى جني عائدات مباشرة. وأضاف، أن الميزان التجاري في قطاع الخدمات يميل لصالح الولايات المتحدة، خاصة في مجالات التكنولوجيا الحديثة التي تهيمن عليها شركات مثل غوغل وآبل ومايكروسوفت، مما يدفع أوروبا للمطالبة بإيجاد توازن تجاري أكثر عدالة من خلال تعزيز الصناعات والخدمات الأوروبية. وفي ما يتعلق بتأثير هذه الرسوم على الأسواق، أكد أن هذه السياسات أدت بالفعل إلى تراجع مؤشرات البورصات الأوروبية، وقد يتكرر الأمر في السوق الأمريكي، حيث يرى المستثمرون أن هذه الإجراءات تضر بقيمة الشركات وتقلل من أرباحها المحتملة لصالح الخزانة الأمريكية. ولفت إلى أن هذه الرسوم قد ترفع أسعار السلع على المستهلك الأمريكي، رغم أن الإدارة الأمريكية تسوّق لها باعتبارها حماية للطبقات المتوسطة، موضحًا أن ترامب يراهن على دفع الشركات الأوروبية إلى الاستثمار داخل الولايات المتحدة لتجنب الرسوم، ما يعكس تحولًا في مفهوم التجارة الحرة الذي لطالما تبنته أمريكا.


يمني برس
منذ 2 ساعات
- يمني برس
مجلة أمريكية تفضح القوات البحرية الأمريكية وتكشف ماحدث لها خلال المواجهة مع اليمن
أكدت مجلة ناشونال إنترست الأمريكية أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرمه الرئيس ترامب مع 'الحوثيين' يمثل هزيمة عسكرية نكراء لأمريكا. وتشير إلى أن المهمة في البحر الأحمر ضد 'الحوثيين' كانت أعنف عملية قتالية تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. كما أعلنت عن تغيير قائد حاملة الطائرات ترومان عند وصولها إلى نورفولك في ولاية فيرجينيا خلال الأسابيع المقبلة.