logo
انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست بابا للفاتيكان

انتخاب الكاردينال الأميركي روبرت بريفوست بابا للفاتيكان

العربي الجديد٠٩-٠٥-٢٠٢٥

أعلن الفاتيكان، اليوم الخميس، أن الكاردينال الأميركي روبرت فرنسيس بريفوست أصبح أول بابا يتحدر من الولايات المتحدة، وقد اتخذ له اسم ليون الرابع عشر. والبابا الجديد مولود في شيكاغو، وكان مساعداً مقرباً من البابا الراحل فرنسيس، ويعرف في أوساط حكومة الفاتيكان بأنه شخصية معتدلة قادرة على التوفيق بين وجهات النظر المتباينة.
وتصاعد الدخان الأبيض في الساعة 16:08 (بتوقيت غرينتش) من مدخنة كنيسة سيستينا في الفاتيكان، الأمر الذي يعني انتخاب بابا جديد من جانب الكرادلة الناخبين الـ133 الذين التأموا في مجمع منذ بعد ظهر أمس الأربعاء. وتجمع آلاف المسيحيين في ساحة القديس بطرس انتظاراً لتصاعد الدخان من مدخنة الكنيسة.
وُلد البابا ليون الرابع عشر في شيكاغو عام 1955، لكنه قضى معظم حياته المهنية في بيرو، حيث خدم مبشراً وأسقفاً، وحصل على الجنسية البيروفية. في عام 2015، عيّنه البابا فرنسيس أسقفاً على أبرشية تشيكلايو في بيرو، وفي عام 2023، تم تعيينه رئيساً لدائرة الأساقفة في الفاتيكان، وهي الهيئة المسؤولة عن تعيين الأساقفة في جميع أنحاء العالم.
ويُعتبر البابا ليون الرابع عشر من المؤيدين لنهج البابا فرنسيس الإصلاحي، وقد اتخذ مواقف نقدية تجاه سياسات الهجرة التي تبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث أعاد نشر تغريدات تنتقد حظر اللاجئين وخطاب ترامب المعادي للمهاجرين، كما دخل في جدال علني مع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس، منتقداً تفسيره اللاهوتي لمفهوم "ترتيب المحبة" الذي استخدمه فانس لتبرير سياسات الهجرة التقييدية.
ووجّه البابا ليون الرابع عشر "نداء سلام إلى جميع الشعوب" في أول كلمة ألقاها من شرفة بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان. وقال الرأس الجديد للكنيسة الكاثوليكية: "السلام معكم!". واستطرد بعد تصفيق حارّ من آلاف المحتشدين في ساحة القديس بطرس: "أريد أنا أيضاً أن تدخل تحيّة السلام هذه إلى قلوبنا، أن تصل إلى أسركم، إلى كلّ الأشخاص أينما كانوا، إلى كلّ الشعوب، إلى المعمورة كافة".
وتوسل أول بابا يتحدر من الولايات المتحدة في تاريخ الفاتيكان بنبرة مطمئنة، داعياً إلى "بناء الجسور" عبر "الحوار"، و"المضي قدماً بدون خوف، متحدين، يداً بيد مع الله وبعضنا مع بعض". وفي خطابه الذي ألقاه بالإيطالية المطعّمة بلكنة أميركية، وجّه تحيّة بالإسبانية إلى أبرشيته السابقة في البيرو التي حاز جنسيتها.
وأشاد أيضاً بذكرى سلفه البابا فرنسيس الذي عيّنه كاردينالا ورقّاه في أسمى المناصب في الفاتيكان. وقال: "ما زال ذاك الصوت الضعيف لكن الجريء في آذاننا، صوت البابا فرنسيس يمنح بركته لروما" في أحد الفصح عشيّة وفاته، "فشكراً للبابا فرنسيس".
وأمس الأربعاء، تصاعد دخان أسود من مدخنة الكنيسة بعد فشل أول اقتراع أجراه الكرادلة، ويعد هذا المجمع الانتخابي من بين الأكثر تنوعاً من حيث الجنسيات، إذ يضم 133 كاردينالاً من 70 دولة، تمثل القارات الخمس، في سابقة هي الأولى من نوعها. وقد عيّن البابا الراحل فرنسيس ما نسبته 81% من هؤلاء، وهو ما يمنح تياره الإصلاحي حضوراً وازناً في المجمع. ومن بين أبرز الأسماء التي كانت مرشحة لخلافة فرنسيس، الكرادلة الإيطالي بييترو بارولين، والفرنسي جان-مارك أفلين، والمالطي ماريو غريش، والإيطالي بييرباتيستا بيتسابالا، والفيليبيني لويس أنطونيو تاغلي.
أخبار
التحديثات الحية
تحديد موعد اختيار البابا الجديد.. طقوس الانتخاب وأبرز المرشحين
ولا تقتصر أهمية انتخاب البابا الجديد على الأوساط الكاثوليكية فحسب، بل تمتد إلى الجغرافيا السياسية والدبلوماسية الدولية، لا سيما في ظل تصاعد النزعات الشعبوية وعودة دونالد ترامب إلى الساحة الدولية والحرب الدائرة في غزة. وكان فرنسوا مابيل، مدير المرصد الجيوسياسي للشؤون الدينية، قد قال إن "الكرادلة قد يأخذون بعين الاعتبار التحولات السياسية العالمية ويفضّلون شخصية ذات خبرة واسعة في العلاقات الدولية".
ويشهد الحدث متابعة إعلامية عالمية، مع توافد أكثر من خمسة آلاف صحافي لتغطية وقائعه، بينما حظي الحدث باهتمام شعبي واسع، إذ تابعه المئات في ساحة القديس بطرس عبر شاشات عملاقة. وصدر الدخان الأبيض من المدخنة المخصصة على سطح كنيسة سيستينا ليشير إلى نتيجة الاقتراع، وفق تقليد متّبع منذ قرون.
(فرانس برس، العربي الجديد)

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

زعيم «أنصار الله» يتوعد بعمليات «أكثر تأثيراً على العدو الإسرائيلي»
زعيم «أنصار الله» يتوعد بعمليات «أكثر تأثيراً على العدو الإسرائيلي»

القدس العربي

timeمنذ 10 ساعات

  • القدس العربي

زعيم «أنصار الله» يتوعد بعمليات «أكثر تأثيراً على العدو الإسرائيلي»

صنعاء ـ «القدس العربي»: قال زعيم حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، أمس الخميس، إن «العدوان الإسرائيلي على مطار صنعاء لن يوقف العمليات اليمنية المساندة للشعب الفلسطيني»، موضحًا أن «ظروف الحرب في بلدنا لا يمكن أن تخضع اليمن لا رسمياً ولا شعبياً عن أداء مهامه المقدسة»، مؤكدًا سعيهم «إلى التصعيد لنصرة الشعب الفلسطيني، والعمليات في المرحلة المقبلة ستكون أكثر فاعلية وتأثيراً على العدو الإسرائيلي». وذكر أن قواتهم «نفذت هذا الأسبوع عمليات عسكرية بـ 14صاروخًا فرط صوتي وباليستياً وطائرة مسيّرة إلى عمق فلسطين المحتلة». وقال في خطاب متلفز بثته قناة المسيرة التلفزيونية التابعة للحركة، إن عملياتهم هذا الأسبوع «استهدفت أهدافًا للعدو الإسرائيلي في يافا وحيفا وعسقلان وأم الرشراش في فلسطين المحتلة»، مؤكدًا أن «البحر الأحمر لا يزال مغلقاً، ولا تزال الملاحة ممنوعة على العدو الإسرائيلي». وأضاف: «لا توجد أي حركة للسفن المرتبطة بالعدو الإسرائيلي في مسرح العمليات في البحر الأحمر عبر باب المندب إلى خليج عدن والبحر العربي». واعتبر الحوثي أن العدوان الإسرائيلي هو نتيجة لفاعلية موقفهم، قائلًا: «لو كان موقفنا لا فاعلية له ولا تأثير لتجاهله العدو الإسرائيلي مع انشغاله ومحاولة أن يستفرد بالشعب الفلسطيني»، مضيفًا أن «العدو الإسرائيلي يرى ويعيش تحت وطأة وتأثير الموقف الفاعل لبلدنا، وهذه نعمة كبيرة». وقال عبد الملك الحوثي، الذي تسيطر حركته على معظم شمال ووسط وغرب اليمن: «فاعلية وتأثير الموقف اليمني المتكامل وتناميه من أهم الشواهد على فشل العدوان الأمريكي في تصعيده في جولته الثانية»، مضيفًا أن «فشل العدوان الأمريكي ضد بلدنا يعتبر نجاحاً كبيراً بتوفيق الله ونصراً عظيماً من الله لشعبنا العزيز». وتابع: «هناك إجماع في الغرب على فشل العدوان الأمريكي في الجولة الثانية من التصعيد ضد بلدنا اسناداً لإسرائيل»، معتبرًا أن «تصريح نائب الرئيس الأمريكي يدل على نصر عظيم لبلدنا في مواجهة العدوان الأمريكي». وأوضح أن «تصريح نائب الرئيس الأمريكي يؤكد أن على الولايات المتحدة أن تتقبل هذا الواقع بحيث لم يعد في إمكانهم أن يهيمنوا بمثل ما كانوا عليه سابقاً»، مضيفًا أن «الأمريكي أدرك أن تورطه يستنزفه ويعرضه للمخاطر وللفضائح في الهزائم العسكرية والفشل وغير ذلك». وأشار زعيم حركة «أنصار الله» إلى أن «الأمريكي وصل إلى قناعة أنه غير قادر على حسم المعركة لصالحه في اليمن، وإنما يتورط لزمن طويل يستنزفه ذلك». واستهدف العدوان الإسرائيلي، الأربعاء، مطار صنعاء الدولي للمرة الثانية منذ استئناف تصعيده على قطاع غزة، ودمر طائرة للخطوط الجوية اليمنية كانت الوحيدة العاملة في المطار. وكان في غاراته على المطار عينه في السادس من مايو/أيار قد استهدف تدمير ثلاث طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية كانت رابضة هناك. وتشن حركة «أنصار الله» هجمات متكررة بالصواريخ والطائرات المسيّرة ضد أهداف متعددة في إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، وذلك «تضامنًا مع غزة» الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي بدعم أمريكي منذ عشرين شهرًا. وردًا على تلك الهجمات، شنت إسرائيل عدة هجمات جوية على منشآت حيوية وبُنى تحتية للطاقة في مناطق خاضعة لسيطرة الحركة في اليمن، خلفت خسائر بشرية ومادية كبيرة. وأعلنت «أنصار الله» في الرابع من مايو، فرض حظر جوي على إسرائيل، فيما أعلنت في 20 من الشهر عينه فرض حصار بحري على ميناء حيفا الإسرائيلي. وفي الرابع من مايو، استطاع صاروخ فرط صوتي لـ«أنصار الله» الوصول إلى محيط مطار بن غوريون مخترقًا منظومة الدفاع الجوية الإسرائيلية.

رسالة ابن عمي إلى كارل ماركس
رسالة ابن عمي إلى كارل ماركس

العربي الجديد

timeمنذ 12 ساعات

  • العربي الجديد

رسالة ابن عمي إلى كارل ماركس

ستجد صورته هُنا وهُناك: على حائط حديقة في مدينة إزمير المُطلّة على شاطئ بحر إيجة، أو على جدار زقاق ضيق مبلّط بالحجر في نيودلهي، أو على عمود رخام أبيض في برلين. هو يعيش بيننا، لا نستطيع إنكار ذلك مهما حاولنا، هو معنا، ننادمه في أحيان، وننساه في أحيان أخرى، ولكنه يعود، وهذه العودة ننتظرها دائمًا. ولو تأملتَ في عدد من الكُتب والدراسات التي صدرت وتصدر تباعًا بمختلف لُغات العالم وأخذتَ عيّنات من كتبه، على سبيل المثال: رأس المال، البيان الشيوعي، الثامن عشر من برومير - لويس بونابرت، نقد برنامج غوتا، مخطوطات ماركس عام 1844، رسائله مع رفيق دربه فريدريك أنجلز، سيرة حياته، أشعاره، نعم، كتب كارل ماركس شعرًا في شبابه، والتي يتمُّ تناولها من جانب أعداد متزايدة من الناس، لتأكدتَ من أنه بيننا لا يجلس على مقعد الغياب. من هنا تذكّرتُ ابن عمي "محمد دحنون" ورسالته العابرة للقارات، والتي نشرها في صحيفة بيروتية في لبنان، وهذه منادمة لطيفة على كل حال. في ظني، محاولة جعل ماركس يتحدث لغة حديثة شعبية وبسيطة ومفهومة للجميع ليست مهمة مستحيلة، وأجرؤ على القول إن المتسول الذي يقف على أرصفة المدن المكتظة بالناس المتخمين ويطالب بحقه: من مال الله، يفهم - على بساطته وأميته - ما أراده ماركس من ماركسيته أفضل منا نحن الذين ندعي فهم ماركس ونظريته. فأنت تستطيع الآن أن تعكف على قراءة ماركس، وستكون سعيدًا إذا فهمته. ولو عدت إلى الإرهاصات الأولى لتكوّن المنهج الماركسي في التفكير ستجد أمامك كتيب (مبادئ الشيوعية) الذي ألفه فريدريك أنجلز في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1847 كصيغة أولى لتعريف الشيوعية. وهي صيغة جميلة في أسئلة وأجوبة. يطرح أنجلز السؤال ثم يجيب. عرض هذه الصيغة على رفيق دربه فكانت أول وثيقة واضحة المعالم عن المفهوم الجديد للعالم الذي تبلور في عقل الشابّين. تمّت صياغة شكل البيان ونُشر تحت عنوان (البيان الشيوعي) بصيغته المعروفة لأول مرة في طبعة خاصة باللغة الألمانية في لندن في شهر شباط/فبراير من عام 1848. كان كارل ماركس في الثلاثين وفريدريك أنجلز في الثامنة والعشرين من العمر. في الرابع عشر من شهر آذار/مارس من عام 1883 وعلى الساعة الثالثة إلا ربعًا ظهرًا توقف قلب ماركس عن الخفقان، فانضم حشد إلى جنازته، حشد صغير مؤلف من أحد عشر شخصًا، بمن فيهم موظف الدفن، متجهين إلى مثواه الأخير، والذي حمل أشهر عباراته والتي نقشت على لوحة القبر: الفلاسفة فسروا العالم بطرق مختلفة، ولكن المسألة تكمن في تغييره. ماركس حكيم بأشواق شرقية، عمل على تغيير العالم، لكنه أمضى الشطر الأكبر من حياته هاربًا من الشرطة، ومن الدائنين، وحول عمله الأهم، يقول: لم يكتب أحد هذا الكم من الكتابة عن المال، وهو لا يملك إلا قليلًا جدًا من المال. وحاصل بيع كتاب "رأس المال" لن يكفي لتسديد ثمن التبغ الذي دخنته وأنا أكتبه. المتسول الذي يطالب بحقه من مال الله يفهم ما أراده ماركس من ماركسيته أفضل منا نحن الذين ندعي فهم ماركس ونظريته وأختم برسالة ابن عمي: (بدايةً، أودّ أن أقول لك إنّني ضحكت كثيرًا حين قالوا إنّك عدت. سألت: من أين؟ بالطبع، لم يخطر في بالي جواب ميتافيزيقي. تركتهم، البعض كان سعيدًا بعودتك والبعض الآخر كان قلقًا من تلك العودة. بالنسبة إليّ، لم أشاهدك تغادر كي أصدق أمر عودتك المزعومة. ليس في الأمر استخفاف ببصر الآخرين ولا ببصيرتهم، كلّ ما في الأمر أنّني لم ألتق بآخر من أمثالك كان قادرًا أن يقنعني مثلك. في الحقيقة، عليّ أن أكون صادقًا معك. فإضافة إليك، هنالك آخرون تمكّنوا من إقناعي بهذا القدر أو ذاك. وعلى رغم بقائك الأوّل في هذه المسألة، إلّا أنني كنت أودّ أن أعرّفك إليهم. العزيز كارل، أعلم أنّ بداية التسعينيات من القرن المنصرم كانت عصيبة عليك، لم يكن لك إلّا أن تشك في كل شيء، في نفسك ربما، وفي الآخرين حتمًا. تعلم أنّني لم أستطع أن أمدّ إليك يد المساعدة في تلك الفترة العصيبة، لأنّني، كما تعلم، كنت مشغولًا في الإعداد لفحص الشهادة الابتدائيّة. أرجو ألّا تزعل منّي، فقد كان مستقبلي على المحك. أعرف أنّك حريص على مستقبلي. وبما أنّي مؤمن حتى العمق بالمثل القائل: "الصديق وقت الضيق"، فقد جنّدت لدعمك، في تلك الفترة، شخصًا أوليه كلّ الثقة الممكنة وائتمنته على جميع أسراري، دون أن أخبره إياها! صدّقني، إنّه الشخص الذي أختاره للمهمات الصعبة في حياتي، فهو لا يضيّع البوصلة. بالطبع، لا أقول لك هذا الكلام من باب المنّة أو التفاخر السخيفين، كل ما في الأمر أنّي أودّ أن أؤكد لك أنّي لم أتخلَّ عنك في الأوقات الصعبة. أعلم أنّ هناك بعض الخبثاء ممن همسوا في أذنك بكلام سخيف عن أنّي تخلّيت عنك. أريد أن أقول لك إنّ هؤلاء هم في الحقيقة من أنكروك بالطريقة السهلة نفسها التي من خلالها آمنوا بك. أنا لم أؤمن ولم أنكر، أنا اقتنعت وأغنيت قناعاتي! وأخيرًا كارل، أظنّ أنّك تريد أن تعرف من هو ذاك الشخص الذي حدّثتك عنه. إنّه ببساطة أبي. ذلك الشخص شبه الأمّي، الذي يكتب "شكرًا" بالنون، ذلك الشخص الشريف الذي لم ينفك يدافع عنك، ويعلن أنّك على حق، في عمله وتعامله. كنت معه. ونحن معك.

الحرب الأخيرة أو انتحار إسرائيل
الحرب الأخيرة أو انتحار إسرائيل

العربي الجديد

timeمنذ 13 ساعات

  • العربي الجديد

الحرب الأخيرة أو انتحار إسرائيل

يخوض الكيان الصهيوني حربه على غزّة، ولا حربَ تبدو بعدها، ولا نهايةَ قريبةً في الأفق. ويترافق هذا مع حربٍ من نوع آخر، يمكن توصيفها عمليةَ انتحار ذاتي، عنوانها الرئيس تفكيك مؤسّسات "الدولة" وتجريف نظامها السياسي، تحت تأثير عوامل ذاتية وموضوعية، محورها الأساس شخص "موهوب" آتاه الله بعض ما وهب إبليس من قدرة عبقرية على الشرّ، شرّ باتجاه الذات وباتجاه الآخر، من دون أيّ اعتبار لأيّ قيمة وطنية أو إنسانية. في الأفق، تبدو الأخطار المحيطة بهذا الكيان أكثر كارثيةً ممّا يبدو عليه الأمر، فهو مشروعٌ لم يكن وطنياً بالمطلق، بل ارتبط بجملة من المحدّدات الجيوسياسية التي حكمت وجوده، وأيّ تغيير جذري يلحق به سيكون له هزّات ارتدادية عنيفة تلحق بمحيطه أولاً، ويصل مداها إلى أبعد نقطة في الكرة الأرضية، لهذا كان زلزال 7" أكتوبر" (2023) حدثاً يشبه في حجمه حجم حرب عالمية في تأثيراته وامتداداته، وستتلوه إعادة بناء نظام عالمي جديد تماماً، وستقوم كيانات جديدة، وتختفي أخرى. من هنا يصبح النظر في حال الكيان اليوم نوعاً من قراءة "طالع" المنطقة العربية والعالم. وصْف "تفكيك" الكيان، وإن كان يبدو كبيراً وخطيراً، لم يعد استعماله حِكراً على خصوم الكيان ومناهضي الصهيونية، بل غدا جارياً على ألسنة من بقي من عقلاء الصهاينة، وسط جو هستيري مشحون بالأحلام التوراتية، المهووسة بأوهام ما يسمّونه "وعد الرب" بتوسيع حدود "أرض الميعاد" لتشمل فلسطين كلّها، وبعضاً من سورية ومصر والعراق، ولبنان كلّه، وهو حلم لفئة تعاني حمّى سياسية ودينية منفصلة عن الواقع، وهي تشبه أحلام الراعي الذي كان مستلقياً تحت جرّة السمن خاصّته، ويحلم ببيع الجرّة، وبالزواج وتكوين أسرة وإنجاب ولد أو أكثر، حتى إذا عصا أوامره أحد منهم، ضربه بالعصا "هكذا"... ولم يشعر الراعي إلا والسمن يسيل على وجهه ولحيته، منهياً بعصاه أحلام يقظته، بعد أن حطّمت عصاه الجرّة وتبعثر ما فيها. هذا هو حلم الصهيونية الدينية وأصحاب الحلم التوراتي المجنّح، الذين يتحدّثون عن "إسرائيل الكُبرى"، وهم اليوم عالقون في إخضاع "إسرائيل الصُغرى" وهضمها. أصحاب هذا الحلم التوراتي المجنّح لدينا جماعة منهم، يحلمون بانتهاء إسرائيل وخلاص الأمّة منها بالدعاء وانتظار انتصار الدم الغزّي بأشلاء نسائه وأطفاله وشيوخه على آلة حرب مجنونة، لم تزل تتسلح بذخائر الغرب وأسلحته ودعمه اللوجستي والعملياتي والسياسي والقانوني. الحلمَين كلاهما يستندان إلى "منطق" أعرج (إن جاز التعبير)، تختلط فيه الرغائب بالأحلام بالغيبوبة السياسية والعلمية، فلا غلاة متديّنيهم لديهم من القوة ما يمكّنهم من إقامة حلمهم "الأكبر" ولا متديّنينا (أو بعضهم أقلّها) لديهم من الخطط والبرامج العملية ما يُحقّق أحلامهم بزوال "إسرائيل". الكيان الذي "يستمتع" بقتل أطفال "الأغيار"، لا يمكنه أن يكون سويّاً في "تربية" أطفاله، أو حتى كباره بعيداً من أحلام الراعي و"رعيّته"، التي سلّمت زمام أمرها لوليّ أمر ليس له من الأمر شيء (!)، وبعيداً من مخرجات حمّى "الحريديم" والصهيونية الدينية، من سموتريتشيين وبن غفيريين، هناك وقائع تجري في الأرض لا تخطئها عين الخبير والمراقب الذكي، يمكن إجمالها في بضع نقاط. أولاً، خيارات الكيان كلّها سيئة، فهو لا يستطيع إيقاف الحرب ولا المضي فيها، ولا التقدّم ولا التأخّر، ولا الثبات. كلّ خيار من هذه الخيارات سيئ وقاتل، وباهظ الثمن، ليس على من يقود دفّة الكارثة "النتن ياهو" فقط، بل على كلّ المشروع الصهيوني. فبعد ستمائة يوم من الحرب الوحشية على قطاع محاصر برّاً وجوّاً وبحراً، عربياً وأجنبياً، لم يتمكن رابع أقوى جيش في العالم، مسنوداً بقوى نووية عظمى، من حسم عدوانه، ولم يزل متلعثماً في تعريف معنى نصر لم يبلغه بعد، ولن يبلغه إلا إذا اقترن بحالة من ينتصر على نفسه بقتلها. وتلك مسألة تحتاج إلى عشرات الصفحات لبسطها، فالكيان الذي "يستمتع" بقتل أطفال "الأغيار"، لا يمكنه أن يكون سويّاً في "تربية" أطفاله، أو حتى كباره. إن إمعانك في نفي الآخر وتغييبه هو بمعنى من المعاني تغييب لذاتك، ونفي لها، لا يمكن لبشر سوي أن يتعايش مع كوابيس حرب دموية خارجة عن كلّ قوانين الأرض والسماء، كتلك التي يخوضها وحوش الصهاينة في غزّة، من دون أن تتسلّل وحشيتها إلى جيناتهم وأرواحهم، فتحوّلهم كائنات لا تطيق نفسها، ولا تستطيع أن تتعايش لا مع ذاتها ولا مع غيرها، مع ما يتبع هذه الحرب من كلفة مادية ومعنوية، وأضرار نفسية واقتصادية واجتماعية مهولة. الكيان الصهيوني اليوم لا ينتحر ويتفكّك وحده، بل سيجرّ معه كثيرين ممّن حملوه وساندوه طوال العقود الثمانية الماضية ثانياً، يرافق هذا المأزق متعدّد الرؤوس، مأزق آخر نشأ قبل "7 أكتوبر" وتفاقم معه، وهو جنوح الكيان برمّته إلى حالة مهووسة من المشاعر الدينية المسيحانية، وسيطرة رجال مغسولة أدمغتهم بأساطير الحاخامات ونصوص التلمود، على أهم مفاصل "الدولة"، يقودهم ويتساوق معهم "زعيم" مسكون بجنون العظمة والنرجسية، فيما هو غارق حتى أذنيه بقضايا خيانة الأمانة والفساد، ومطلوب مجرم حربٍ وفق ما بقي من عدالة في القانون الدولي، هذا "الزعيم" وفي سبيل تحقيق أحلامه التي تشبه أحلام صاحبنا الراعي، هو أشبه ما يكون بالمرياع (قائد قطيع الغنم)، الذي يقود قطيعه إلى حافة الهاوية، من دون أن يقوى أحد من القطيع على وقفه عند حدّه، فهو بحسب غير كاتب ومحلّل سياسي "يفكّك" مؤسّسات "الدولة"، التي قام عليها النظام الديمقراطي في الكيان، ولم يعد يقيم وزناً للقانون الذي يحكمه، ولديه الاستعداد لسحق كلّ من يقف في وجهه وتصفيته، من دون نظر إلى المخاطر الوجودية التي تهدّد وجود الكيان أصلاً، إنه بحسب تعبيراتهم غدا "ملكاً" ودكتاتوراً محاطاً بمؤيّدين يرونه بمثابة إله صغير، ولا يهم إن كان هذا الإله يقود القطيع إلى خراب يرونه خلاصاً. ثالثاً، خطورة ما يجري في الكيان لن يقتصر أثره على الكيان نفسه، فثمّة كيانات أخرى مرتبطة معه بعلاقات "وجودية"، وما يجري عليه من تفكّك وتحلّل سيجري عليها. لهذا نرى استماتة هذه الكيانات في "الدفاع" عنه، وإسناده وحماية ظهره، ومدّه بما يحتاج إلى الصمود من حاجات لوجستية ودعم سياسي، علماً أن هذا الدعم بدأ يتداعى ولو ظاهرياً، ذلك أن حلفاء الكيان (خاصّة في الغرب) لم يعودوا يستطيعون حمل كلفة توحّشه وإجرامه أمام شعوبهم، وتلك لحظة فارقة، ففي الوقت الذي يصبح حمل الكيان مكلفاً أكثر من قدرتهم على دفع هذه الكلفة، سيضطرّون إلى رميه عن ظهورهم، وربّما نحن نقترب سريعاً من هذه اللحظة الفارقة. الكيان اليوم لا ينتحر وحده، ولا يتفكّك وحده، بل سيجرّ معه في رحلة الهاوية كثيرين ممّن حملوه وساندوه طوال العقود الثمانية الماضية، حتى قبل أن يكمل سنته الثمانين، مع استذكارٍ هنا لعقدة العقد الثامن، التي تحدّث عنها كثيرون بوصفها نذير شؤم على مستقبل الكيان.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store