logo
تقرير سوسن عكيلة... أم أنهكتها الحرب ببترٍ وفقدٍ ونزوحٍ لا ينتهي

تقرير سوسن عكيلة... أم أنهكتها الحرب ببترٍ وفقدٍ ونزوحٍ لا ينتهي

غزة/ هدى الدلو:
بين جدران نزوحٍ متكرّر، لا تحمل سوسن عكيلة (50 عامًا) سوى ذكرياتٍ ثقيلة، وندوبٍ في الجسد والقلب لا تندمل. هي أمٌ قاست الحرب بأشكالها كافة؛ هجّرتها من بيتها، وبترت أصابع يدها، وخطفت منها من كانوا سندها في الحياة: نورهان وفهمي.
قبل الحرب، كانت سوسن تعيش حياة بسيطة وهادئة وسط أسرتها في منطقة جحر الديك، أمًّا لسبعة أبناء، كرّست حياتها لعائلتها، تقضي يومها بين الطهي والغسيل والدعاء بأن يكبر أبناؤها بأمان.
لكن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة قلب حياتها رأسًا على عقب. فمنذ الساعات الأولى، تحوّلت الأحياء السكنية إلى أهداف نارية، واضطرت سوسن وعائلتها إلى النزوح. تقول لصحيفة "فلسطين" بأسى: "طلعنا من بيتنا نركض، ما معنا غير هوياتنا وكم قطعة ملابس.. ما كنا نعرف وين نروح".
وجدت العائلة مأوى مؤقتًا في منزل أحد الأقارب وسط مدينة غزة، لكن الأمان لم يدم طويلًا. "القصف ما بيفرّق بين بيت وبيت، بين مدني ومقاتل.. كلنا أهداف"، تقول سوسن وهي تسترجع أصعب لحظات حياتها.
في يوم 15 ديسمبر 2024، كانت سوسن تجلس مع نورهان، ابنة زوجها، في باحة المنزل، حيث لجأت العائلة بعد نزوحهم. كانتا تغسلان الملابس يدويًا، بلا كهرباء أو مياه دافئة، في واقعٍ لا يشبه شيئًا من الحياة الآمنة. وفجأة دوّى انفجار، باغتتهما قذيفة دبابة إسرائيلية.
تقول سوسن لصحيفة "فلسطين": "ما حسّيت إلا وأنا مرمية، الدم بكل مكان، ونورهان ما كانت تتحرك… حسّيت إن قلبي انكسر، مش بس أصابعي اللي راحت. نورهان كانت بنتي، كانت كل شي إلي".
نُقلت إلى المستشفى، وهناك أُعلنت استشهاد نورهان على الفور. أما سوسن، فقد بُتر إصبعان من يدها اليمنى. وتتابع: "كنت حاسة إني فقدت إيدين، مش إصبعين. لأن نورهان كانت إيدي التانية، إذا طلعت مشوار لحالي أحس إني مشلولة… بس ربنا اختارها".
ولم تكد تلملم جراحها، حتى اضطرّت إلى النزوح من جديد، وهذه المرة إلى جامعة الأزهر، بحثًا عن ملاذ يقي أبناءها موتًا يتربّص بهم في كل زاوية.
لكن الحزن لم يتركها، إذ جاءها بعد أيام خبر استشهاد فهمي، ابن زوجها. تقول: "ما صدقت... كان أحنّ علي من أولادي، دايمًا يسأل عني، وما يخليني أحتاج شي".
وبصوت متهدّج، تضيف: "أنا ما بخاف من الحرب، بخاف من اللي بتأخده الحرب.. من الناس الطيبين اللي راحوا، من وجع ما بنام منه، من الفراغ اللي مالي قلبي وبيتي".
ورغم الجراح التي لا تُرى، تحاول سوسن الوقوف من جديد، لأجل من تبقى من أبنائها، ولأجل نفسها التي لم تُهزم رغم كل ما خسرته. تقول: "بحاول أعيش، أكون قوية… بس وجعي ما بنشاف، هو جواتي، كل يوم بيزيد".
بعد الإصابة، باتت تعيش واقعًا قاسيًا ينهك ما تبقّى من جسدها وروحها. لم تكن خسارتها لأصابع يدها مجرد بتر، بل سلبًا لوظيفتها كأم وربة منزل اعتادت أن تخدم أبناءها في كل تفاصيل حياتهم.
"صرت أعتمد على غيري بكل شي.. ما بقدر أغسل، ولا أعجن، ولا حتى أمسك السكينة أقطّع خضار، ولا أمشط شعري لحالي. كل حركة بتوجعني وبتذكرني بأيادي كانت تساعدني وراحوا"، تقول سوسن بصوت تخنقه الحسرة.
ومع انعدام الكهرباء، وغياب التجهيزات الأساسية، أصبحت المهام اليومية عبئًا مضاعفًا، تقول: "كنت دايمًا أحب أطبخ لأولادي بإيدي.. اليوم بوقف قدّام الطنجرة، بعيط، لأن حتى فتحة الغطا صعبة عليّ، وكل شي صار يعتمد على المساعدة".
وتتابع: "حتى لما أقعد أطبخ على النار، بحسها نار الله الموقدة، مش نار الطبخ.. الحرارة تلسع مكان البتر، والوجع بيضاعف، بحس النار مش بس تحت الطنجرة، كأنها جوّه إيدي".
رغم بساطة الفعل، فإن الوقوف لإعداد الطعام بات مهمة شاقة، كل حركة تُعيد لها إحساس الفقد والخسارة. "الطبخ كان مهرب من التعب، كان متعتي.. اليوم صار عذابي".
قبل الحرب، كانت سوسن تعمل في حضانة أطفال، تملأ يومها بحبهم، توزّع ضحكتها وحنانها على الصغار. تقول إن أصواتهم كانت تعيد إليها شبابها، لكن الحرب غيّرت كل شيء. خطفت منها روحها قبل أن تخطف نورهان وفهمي، وأخذت منها يدها التي كانت بها تطبطب وتطعم. واليوم، تعيش بين ندوب الجسد ونزيف الروح.
المصدر / فلسطين أون لاين
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

تقرير "النَّمر" في مرمى القسَّام... المقاومة تفجُّر هيبة الرَّدع الإسرائيليِّ في غزَّة
تقرير "النَّمر" في مرمى القسَّام... المقاومة تفجُّر هيبة الرَّدع الإسرائيليِّ في غزَّة

فلسطين أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين أون لاين

تقرير "النَّمر" في مرمى القسَّام... المقاومة تفجُّر هيبة الرَّدع الإسرائيليِّ في غزَّة

غزة/ علي البطة: في تحول لافت، أسقطت المقاومة الفلسطينية، وتحديدا كتائب القسام، الهيبة العسكرية لناقلات "النمر"، المدرعة الأشد تحصينا وتطورا في ترسانة الاحتلال الإسرائيلي. سلسلة من العمليات النوعية في خان يونس جنوبي قطاع غزة، أظهرت قدرة المقاومة على اختراق أعمق المنظومات العسكرية للاحتلال، وتجاوز انظمة الحماية المتقدمة مثل نظام "تروفي"، عبر تكتيك "المسافة صفر" الذي أربك حسابات الاحتلال وأحدث اختراقا في منظومة الردع. تكرار استهداف هذه المدرعات، وتدميرها، لم يكن مجرد إنجاز ميداني، بل رسالة استراتيجية بأن المقاومة تتحكم في مسار الاشتباك، وتفرض معادلات جديدة على جيش طالما تباهى بتفوقه التكنولوجي. فـ"النمر"، التي كانت تروج كرمز للتفوق العسكري الإسرائيلي، باتت اليوم عنوانا لهشاشة غير مسبوقة في بنية الردع والقرار، وفق ما يقول خبراء في الشؤون العسكرية. ففي 25 يونيو الفائت، فجرت كتائب القسام ناقلتين بعبوات شديدة الانفجار غي منطقة معن جنوب شرق خان يونس، ما أدى إلى مقتل سبعة من جنود الاحتلال، بينهم ضابط. أعقب ذلك في 27 يوليو كمين مركب في بلدة عبسان الكبيرة، أدى لتدمير ثلاث ناقلات ومقتل عدد آخر من جنود الاحتلال. العملية الأخيرة اعتمدت على عبوتين زرعتا داخل قمرتي القيادة للناقلتين، ما تسبب في احتراقهما بالكامل، ثم جرى استهداف ناقلة ثالثة بقذيفة "الياسين 105". تكرار هذا المشهد يكشف عن ضعف في جاهزية قوات الاحتلال للتعامل مع نوعية العمليات الجديدة التي تفرضها المقاومة. تعطيل النظام الدفاعي الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد يؤكد أن القسام تعتمد تكتيك "المسافة صفر"، وهو ليس تعبيرا مجازيا بل خطة عسكرية فعالة تستهدف تعطيل نظام "تروفي" المضاد للصواريخ، والذي يفشل في التصدي للتهديدات من مسافة تقل عن 10 أمتار. يضيف أبو زيد لصحيفة "فلسطين" أن نجاح المقاومة في الاقتراب من الناقلات بشكل مباشر يعطل النظام الدفاعي المثبت عليها، ما يسمح بإلحاق دمار كامل بها. وهذا يبرر تكرار الهجمات المباشرة على الناقلات الثقيلة مثل "النمر"، رغم كلفتها العالية. "النمر" التي تبلغ تكلفتها نحو 3 ملايين دولار، وتتمتع بدروع مزدوجة، غابت عن الميدان لفترة طويلة. إلا أن تهديدات القسام وسرايا القدس بأسر جنود دفعت الاحتلال لإعادتها إلى محاور القتال في غزة من جديد، كوسيلة إضافية للحماية في بيئة فقد فيها الثقة بالناقلات الأقدم. يرى أبو زيد أن الاحتلال بات يفتقر إلى "ترف الخيارات"، إذ استنزفت قواته، ولم يعد يمتلك ألوية احتياط قادرة على تعويض الخسائر، مما اضطره لإعادة نشر ناقلات النمر التي طالما تجنب استخدامها، لثقلها وكلفتها ومحدودية تحركها في الأحياء. نمط قتال خاص من جانبه، يشير الخبير العسكري اللبناني إلياس حنا، إلى أن ما يحدث في غزة ليس حربا تقليدية بل مواجهة استنزاف طويلة، حيث باتت المقاومة تفرض نمط قتال خاص بها، قائم على الكمائن والتفجيرات والاشتباكات من مسافة قريبة. ويؤكد حنا في تصريحات لقناة الجزيرة، أن المقاومة تدير القتال من بيئة حضرية ضيقة تمنع تحرك المدرعات والدبابات، ما يجعلها أهدافا سهلة. كما أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يفتقر لأمن العمليات، خاصة عندما تعمل الوحدات الهندسية والعسكرية منفردة، كما حصل في عبسان ومعن بخان يونس. ويشير أبو زيد إلى أن العمليات الأخيرة أكدت أن ناقلات "النمر"، التي كانت رمزا للفخر العسكري الإسرائيلي، باتت اليوم عنوانا لإخفاق متكرر. فتدميرها أكثر من مرة في غضون شهر واحد أحرج المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، وفتح تساؤلات حول قدرة الردع. ويؤكد أن تكرار استهداف هذه الناقلات يظهر هشاشة الأسلوب القتالي الإسرائيلي في بيئة لا تشبه حروبه السابقة. ويتابع الخبير الاردني، أن المقاومة نجحت في فرض معادلة اشتباك جديدة، تقوم على العمل الميداني الدقيق وتكتيكات المفاجأة والكمائن النوعية، بينما يجبر الاحتلال على الزج بوسائل قتالية باهظة الثمن دون ضمانات حقيقية للحماية أو الانتصار. ويضيف أبو زيد، بات واضحا أن "النمر"، التي طالما روج لها كأيقونة للتفوق العسكري الإسرائيلي، أصبحت رمزا لهزائم متكررة في غزة، فقد حولتها المقاومة الفلسطينية، بإمكانات محدودة إلى هدف مكشوف، وأسقطت جزءا من هيبة القوة الإسرائيلية. المصدر / فلسطين أون لاين

الاحتلال يخطر بهدم منزل الشَّهيد عبد الرؤوف المصري في طوباس
الاحتلال يخطر بهدم منزل الشَّهيد عبد الرؤوف المصري في طوباس

فلسطين أون لاين

timeمنذ يوم واحد

  • فلسطين أون لاين

الاحتلال يخطر بهدم منزل الشَّهيد عبد الرؤوف المصري في طوباس

أخطرت قوات الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، بهدم منزل عائلة الشهيد عبد الرؤوف المصري في بلدة عقابا شمال محافظة طوباس، وهو أحد منفذي عملية الأغوار التي نُفذت قبل عدة أشهر. وذكرت مصادر محلية، أن قوة من جيش الاحتلال اقتحمت بلدة عقابا الليلة الماضية، وسلّمت عائلة الشهيد إخطارًا بهدم منزلها. وكانت قوات الاحتلال اقتحمت بلدة عقابا، في كانون الأول/ديسمبر الماضي، وأخذت قياسات منزلي الشهيدين القساميين أحمد وليد أبو عرة وعبد الرؤوف المصري، والأسير القسامي أيمن ناجح الياسين، تمهيدًا لهدمها، بتهمة المشاركة في عملية الأغوار الشمالية. واستشهد المصري (٣٧ عامًا)، عقب حصار الاحتلال منزله في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، واشتباكه معه. ونفّذ الشهيد المصري عملية إطلاق نار برفقة الشهيد أحمد أبو عرّة في أغسطس/ آب الماضي قرب مستوطنة "ميحولا" في الأغوار الشمالية، أسفرت عن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخر. وعقب العملية، أعلنت كتائب القسام تبنيها في بيان قالت فيه: "بعون الله وقوته وتوفيقه؛ تمكن مجاهدو القسام في ضفة العياش ظهر الأحد 06 صفر 1446هـ – الموافق 11 أغسطس 2024م؛ من تنفيذ عملية إطلاق نار من المسافة صفر؛ استهدفت مركبة الجندي الصهيوني "يوناتان دويتش" (23 عامًا) قرب مغتصبة ميحولا، وأردوه قتيلًا على الفور." المصدر / فلسطين أون لاين

بعد ضجة فيديو غزة.. الأردن يفرج عن الناشط أيمن عبلي ومحاميه يوضح التهم
بعد ضجة فيديو غزة.. الأردن يفرج عن الناشط أيمن عبلي ومحاميه يوضح التهم

فلسطين أون لاين

timeمنذ 2 أيام

  • فلسطين أون لاين

بعد ضجة فيديو غزة.. الأردن يفرج عن الناشط أيمن عبلي ومحاميه يوضح التهم

متابعة/ فلسطين أون لاين قرر مدعي عام عمّان قرر إخلاء سبيل الناشط الأردني والممثل أيمن عبلي بكفالة مالية، بعد يومين من توقيفه على ذمة التحقيق، وذلك على خلفية محتوى منشور على حسابه في "إنستغرام" تناول الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة. وأوضح محامي الناشط الأردني أحمد عبد الله منكو، عبر حسابه على "الانستجرام"، أن توقيف عبلي جرى يوم الخميس الماضي، بناءً على شكوى وردت إلى وحدة الجرائم الإلكترونية، ووجهت له تهمة "نشر ما من شأنه المساس بالسلم المجتمعي"، بموجب المادة 17 من قانون الجرائم الإلكترونية. وأضاف، أن استدعاء عبلي جاء على خلفية فيديو تم تداوله عبر حسابه على إنستغرام، تحدث فيه عن المجاعة في قطاع غزة، مشيرة إلى أنه راجع وحدة الجرائم الإلكترونية طواعية ولم يُعتقل من الشارع كما تم تداوله. وأكدت المصادر أن عبلي أدلى بإفادته أمام المدعي العام، والذي قرر توقيفه على ذمة التحقيق، معتبرة أن ما أُثير من شائعات حول القضية "عارٍ عن الصحة ويشوبه اللبس"، وشددت على أن عبلي، كمواطن أردني، له ما له من الحقوق وعليه ما عليه من الواجبات، ويخضع للقانون كأي مواطن آخر. واختتمت محامي الناشط الأردني، بالقول إن فريق الدفاع سيتابع القضية أمام المحكمة المختصة، داعية إلى عدم الانسياق وراء الإشاعات التي قد تسهم في اغتيال شخصية عبلي، مؤكدة في الوقت ذاته ثقتها في نزاهة القضاء الأردني وحرصه على تحقيق العدالة وأوقفت السلطات الأردنية عبلي بعد أيام من تداول فيديو له يتحدث فيه عن الأوضاع الإنسانية في غزة، وهو ما لقي تفاعلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال أيمن عبلي في تسجيله قبل اعتقاله إنه 'في ظل المجاعة والقتل والجوع والدمار الذي يعانيه إخواننا في غزة، نحن قدمنا لهم خدمة أننا حرفيا شبعناهم. أهل غزة شبعانين بس عارف شو شبعانين؟ شبعانين خذلان منا، إحنا خذلناهم بطريقة لا يمكن للبشرية أن تتصورها'. وأضاف المؤثر الأردني الذي يتابعه أكثر من 2 مليون شخص على 'إنستغرام' أن 'الاندفاع الذي حدث في بداية الحرب على غزة من العيب والحرام أن يتراجع. بعض الناس يقولون: أنا مجرد فرد، ماذا يمكنني أن أفعل إذا الحكومات نفسها عاجزة؟' أقول: ليس مطلوبا منك النتائج، أنت مطالب بأن تؤدي واجبك فقط، أن تشكر الله على النعمة التي أنعم بها عليك، سواء كانت متابعين أو منصبا، وأن تستخدم هذه النعمة للحديث عن المظلومين'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store