logo
يونس مجاهد يكتب. الصحافة والثقافة

يونس مجاهد يكتب. الصحافة والثقافة

LE12١٠-٠٤-٢٠٢٥

video.video-ad {
transform: translateZ(0);
-webkit-transform: translateZ(0);
}
هذا التحدي سيظل يواجه الصحافة بإستمرار، وعلى الصحافي أن يختار نموذج المثقف، كما جسدته تجربة الحركة الوطنية في الصحافة، رغم الصعوبات التي يطرحها هذا الاختيار، أو نموذج التاجر، الذي حتما لن يكون صحافيا، بل شيئا آخر.
يونس مجاهد
إذا كانت
غير أن ما يهمنا في هذا المقال، هو البحث في التراكم
ويمكن استلهام التجربة المغربية، في هذا المجال، إذ أن ميلاد الصحافة الوطنية، في بلادنا، تم على يد مثقفين وسياسيين، منذ ثلاثينيات القرن الماضي، حيث مارسوا العمل الصحافي، في إطار النضال الوطني، معتبرين أن الصحافة وسيلة ناجعة في الرفع من وعي الشعب وفي التربية والتثقيف.
ونجد في كتاب 'الحركات الاستقلالية في المغرب العربي'، لعلال الفاسي، تفاصيل غنية عن إرتباط الصحافة، برسالة هادفة، حيث كانت تشكل جزءا أساسيا في بنية تنظيمات الحركة الوطنية وامتدادا لها، في إطار حركة مقاومة الاستعمار.
وكتب الصديق عبد العزيز الطريبق، كتاباً باللغة الفرنسية، تحت عنوان 'الصحافة والسياسة في شمال المغرب من 1912 إلى 1956″، يحتوي على معطيات مهمة جداً، حول الارتباط العضوي الذي كان حاصلا، لدى زعماء الحركة الوطنية في هذه المنطقة، بين الصحافة والسياسة والثقافة.
فقد أسس زعماء سياسيون، وهم أيضاً مثقفون، أغلبهم درس بالمشرق أو في أوروبا، مثل عبد السلام بنونة وعبد الخالق الطريس ومحمد داود والتهامي الوزاني والمكي الناصري… جمعيات وأحزابا.
غير أن الجريدة، كانت هي المحور الذي تدور حوله نضالات هذه الحركة النهضوية، التي كما حصل في العديد من المدن المغربية، أسست أيضا معاهد الدراسة والتعليم ومراكز التربية والتثقيف.
ويقدم الطريبق، في هذا الكتاب، أرقاماً مثيرة، نقلا عن المهدي بنونة، حول النسخ التي كانت تطبع، ففي منطقة لا يتجاوز عدد سكانها 700 ألف، خلال مرحلة الثلاثينات، 70 في المائة منهم أمي، كانت الجرائد، وهي كثيرة، تطبع بين 500 و1000 نسخة، بينما كانت جريدة 'الأمة' تطبع حتى 3000 نسخة، تباع كلها، وجريدة 'المهدية' كانت تطبع بين 2000 و2500 نسخة.
وحظيت صورة الذين يكتبون في الصحافة بمكانة خاصة، واستمرت في بلادنا، حيث كانت المهنة تحظى بتقدير خاص، ولها حظوة متميزة، كما هو الشأن في العديد من المجتمعات، فالصحافيون هم أيضا قادة سياسيون وباحثون وروائيون وشعراء… بالإضافة إلى عملهم الصحافي، في تقصي الأخبار والبحث في الملفات الشائكة، وكتابة الرأي، وغيرها من المهام المعروفة في المهنة. وقد دافع عالم الإجتماع، ماكس فيبر، الذي كان يكتب في الصحافة، عن هذه المهنة، في خطابه 'السياسة كمهنة'، الذي ألقاه في ميونيخ سنة 1919، وتصدى للانتقادات القوية التي تعرضت لها الصحافة في ألمانيا، حيث قارن الصحافة بمهنة العالِم.
فعلى عكس العالِم، يتعين على الصحفي إنجاز عمله بسرعة كبيرة، ويمكن القول إنه يعمل 'حسب الطلب'، مما يمنحه مسؤولية عامة أكبر من تلك التي يتحملها العالِم، بسبب التأثير المباشر الذي قد تُحدثه كتاباته.
وخصص أستاذ علم الإجماع في جامعة كرونوبل، جيل باستن، لإشكالية التكامل أو التنافر، بين الصحافة وعلم الاجتماع، مقالا تحت عنوان ' الصحافة والعلوم الاجتماعية، شغب أم مشاكل؟'، استعرض فيه الجدل الذي أثاره هذا الموضوع بين الصحافيين والمتخصصين في علم الاجتماع، موضحاً أن العديد من الدراسات الاجتماعية سجلت التقارب بين المهنتين، نظرا للجوئهما إلى نفس الأدوات في البحث والتقصي والمراجعة والتدقيق، بالإضافة إلى التأثير المباشر للصحافة في الرأي العام والظواهر الاجتماعية.
وهو الرأي الذي لا يتقاسمه عالم الاجتماع بيير بورديو، الذي كانت أحكامه دائما قاسية تجاه العمل الصحافي، نظرا، حسب وجهة نظره، لإكراهات البحث عن الزيادة في أعداد القراء والمستمعين والمشاهدين، بطريقة تجارية، الأمر الذي يجعل الصحافة خاضعة لإكراهات أخرى غير البحث عن الحقيقة.
وهو نفس التحذير الذي يشير إليه ماكس فيبر، عندما يعتبر أن الخطر المحدق بالصحافة هو أن ترضخ للإغراءات التي تحيط بها من كل جانب، وهو ما يظل راسخا كصورة لها لدى الجمهور، فالرضوخ للإكراهات التجارية، ينتج صحافة سيئة.
هذا التحدي سيظل يواجه الصحافة بإستمرار، وعلى الصحافي أن يختار نموذج المثقف، كما جسدته تجربة الحركة الوطنية في الصحافة، رغم الصعوبات التي يطرحها هذا الاختيار، أو نموذج التاجر، الذي حتما لن يكون صحافيا، بل شيئا آخر.
*
قيدوم الصحفيين المغاربة ورئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

مأزق التنظيم الذاتي وسقط ُالمتاع
مأزق التنظيم الذاتي وسقط ُالمتاع

هبة بريس

timeمنذ 3 أيام

  • هبة بريس

مأزق التنظيم الذاتي وسقط ُالمتاع

يونس مجاهد هل يمكن الجزم بأن التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، في المغرب، يعرف مأزقا حقيقيا، اليوم؟ ثمة مؤشرات تنذر بذلك، لأن فلسفة هيئات أخلاقيات الصحافة تقوم على الإنخراط الجماعي لمكونات المهنة في مشروع التخليق، بشكل طوعي، كقناعة ذاتية راسخة، يتقاسمها المهنيون من صحافيين وناشرين، بهدف تحصين مهنتهم من الممارسات السيئة، وتقديم ضمانات للجمهور، مفادها أن المهنة قادرة على تنظيف صفوفها، وعلى تقويم الإعوجاج فيها، بشكل تلقائي. إن المبدأ السامي الذي يتحكم في هذه الفلسفة، هو أن شرعية وجود مهنة الصحافة، تتمثل في التزامها بالأخلاقيات، أي أنها بدون احترامها لقواعد العمل الصحافي وأخلاقياته، ليست سوى سقطُ متاع. وهو تعبير عربي معروف، يشير إلى ما سقط من المتاع، أي الذي لا فائدة منه، أو هو عبارة عن متلاشيات، لكنه في الصحافة يرمز لنشر التفاهات والإشاعات، وفي السلوك البشري يشير إلى تدهور القيم وانعدام الضمير. وحول هذا المعنى قال الشاعر قطري بن الفجاءة، الذي واجه الأمويين والحجاج بن يوسف الثقفي؛ وَما لِلمَرءِ خَيرٌ في حَياةٍ – إِذا ما عُدَّ مِن سَقَطِ المَتاعِ. فنجاح التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة، لا يمكن أن يفرض من خارج الحقل الصحافي، ولا أن يملى من طرف أية جهة خارجية، وما حصل في تجربة بلادنا تأكيد لهذه الفرضية، حيث بادرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، في بداية تسعينيات القرن الماضي، إلى تأسيس لجنة حكماء آداب المهنة، وفي بداية القرن الحالي، أسست الهيئة المستقلة لاحترام أخلاقيات الصحافة وحرية التعبير، وواصلت عملها لإنشاء المجلس الوطني للصحافة، انطلاقا من قناعات مبدئية، والتزام صادق بضرورة تقديم المثال في السلوك والأخلاق. غير أن المأزق الذي يعيشه المغرب، اليوم، سبق أن عاشته بعض البلدان، حيث انهارت هيئات التنظيم الذاتي للصحافة، بسبب رفض بعض مكوناتها الإلتزام بأخلاقيات المهنة. يقول جمال الدين الناجي، في كتابه 'موجز آداب المهنة'، إن أي ميثاق أخلاقي قد ينهار ويتهاوى إذا لم يتم احترامه من طرف المهنيين، فالنسبة للأطباء مثلا، قد يتم التشطيب عليهم من المهنة، الأمر الذي لا يحصل مع الصحافيين. ويذكر أنه في سنة 1995، قدمت اللجنة الاستشارية لحقوق الانسان في فرنسا رأيها، بخصوص موضوع أخلاقيات الصحافة، مقترحة على المنظمات المهنية التمثيلية، أن تضيف في الميثاق، النص على أن الالتزام باحترام هذه الاخلاقيات، هو الذي يضمن الحصول على بطاقة الصحافة، وأن انتهاكها يعني عمليا سحبها وعدم تجديدها. أما في بريطانيا فقد تم حل مجلس شكاوى الصحافة، بعد الفضائح الأخلاقية التي عرفها هذا القطاع، على إثر تشكيل الحكومة للجنة تحقيق، برئاسة قاضي كبير، برايان ليفيسون، حيث نظمت هذه اللجنة جلسات إنصات، ومن بين من استمعت لهم، رئيس الوزراء البريطاني، آنذاك، ديفيد كاميرون، ووزير المالية، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس الوزراء الاسبق جون ميجور، والزعيم العمالي ايد ميليباند… وأنجزت اللجنة تقريرا حول 'ثقافة وممارسة وأخلاقيات الصحافة'، الذي اعتبر أن الصحافة يجب أن تكون مسؤولة أمام الجمهور في عملها وأن تحترم حقوق الآخرين، لأنه من غير المقبول أن تستخدم صوتها وسلطتها ونفوذها للإساءة للمجتمع، ثم يتم تجاهل هذه الممارسات، والإفلات من المحاسبة. واقترحت اللجنة التعامل مع الشكاوى ضد الصحف، من خلال عملية تحكيم رخيصة وسهلة، دون الحاجة إلى الذهاب إلى المحكمة، وأن على الهيئة الجديدة، لأخلاقيات الصحافة، فرض غرامة على الصحف، تصل إلى مليون جنيه إسترليني، أي حوالي مليون ونصف المليون دولار أمريكي، في حالة انتهاك أخلاقيات المهنة. وتولى البرلمان البريطاني مهمة مواصلة هذا الجدل، حيث صادق على إنشاء نظام الاعتراف، وهو نظام مصمم لإطلاق عهد جديد من التنظيم الذاتي يتمتع بالمصداقية. وفي آخر تقرير للجنة الاعتراف بالصحافة، صادر في فبراير من السنة الجارية، ورد فيه؛ 'لا يزال المواطنون العاديون عرضة للخطر، حيث تُرك الجمهور تحت رحمة ممارسات تجارية، غير منضبطة لبعض الصحف، التي تُخفي مصالحها المالية وراء شعار 'حرية التعبير'. أولئك الذين يرددون شعار 'حرية التعبير' كثيرًا ما ينسون أنها ليست مجرد حق، بل أيضًا مسؤولية.' وعاشت مقاطعة الكيبيك أزمة مماثلة، حيث كان ريمون كوريفو، الذي شغل مسؤولية رئاسة مجلس الصحافة، قد نظم جولة استماع إلى مطالب وتطلعات الجمهور تجاه الصحفيين، وأصدر كتاب 'بؤس التنظيم الذاتي'، اعتبر فيه أن هذا التنظيم في حاجة إلى مراجعة شاملة في طريقة تشكيل أعضائه، كما أن مسطرة النظر في الشكاوى طويلة ومعقدة، لكن عند نشر الكتاب، واجه مقاومة من ممثلي وسائل الإعلام، مما دفعه إلى الاستقالة من رئاسة المجلس. وتجمع مختلف التجارب التي تمت مراجعتها في مجالس الصحافة، أن نظام التأديب تجاه منتهكي أخلاقيات الصحافة، ينبغي أن يكون صارما وإلزاميا، لحماية المهنة والمجتمع، لأن شرعية هذه المهنة تكمن في أخلاقياتها، ويمكن القول أيضا، إن شرعية وجود الهيئات المهنية في الصحافة، رهين بمدى انخراطها التلقائي في منظومة التخليق، بين أعضائها، أولا، ثم بين باقي مكونات الحقل الصحافي والإعلامي، ثانيا.

صناعة قوس قزح
صناعة قوس قزح

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

صناعة قوس قزح

كتب / يونس مجاهد لا يمكن لأي باحث في قضايا الصحافة والإعلام، في تاريخ المغرب الحديث، أن يتجاهل الدور الذي لعبته النقابة الوطنية للصحافة المغربية، منذ أن تأسست سنة 1963، حيث ساهمت بشكل متميز في الحركية التي عرفها هذا الحقل، سواء في دفاعها عن حرية الصحافة والرأي، أو في وقوفها القوي لحماية الصحافة الوطنية. ففي مختلف التطورات التي شهدها حقل الصحافة والإعلام، سجلت هذه النقابة حضورها كفاعل أساسي، حيث قاومت التراجعات التي شهدها المغرب، في سنوات الرصاص، بخصوص قانون الصحافة والنشر، واستمرت في مطالبتها بحذف الرقابة على الصحف، وتمكنت بعد مسلسل قضائي طويل، من طرد صحافة 'ماص' الاستعمارية، التي حولها الملك الراحل الحسن الثاني، بعد ذلك، إلى مجموعة 'ماروك سوار. لقد استمرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، حاضرة وفاعلة، رغم الظروف السياسية الصعبة، التي عاشها المغرب، التي أدت إلى اعتقال ونفي عدد من قادتها، بفضل التلاحم والتضامن القوي، بين مكوناتها، التي كانت تجمع بينهم الروح الوطنية والقيم الأخلاقية الراقية. ويذكر جمال محافظ، في كتابه 'الصحافيون المغاربة، والأداء النقابي في الاعلام'، أن علال الفاسي الذي كان يرجع له الفضل في فكرة تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كان يرى أنه يتعين على هذه المنظمة أن تذهب أبعد من إدماج المكونات الحزبية والنقابية للحركة الوطنية، بل كان يقول بحتمية إضافة الصحافة المستقلة وصحافة رجال الاعمال. وهو ما تم العمل به، حيث أشرف عبد الرحمن اليوسفي، على التحضير لعملية التأسيس، وعند أول اجتماع للمكتب، تدخل ليطلب الاستغناء عن الاقتراع السري، لاختيار الكاتب العام، واقترح أن يتولى هذه المسؤولية، الكاتب الصحافي، عبد الكريم غلاب، عن جريدة 'العلم'، كرمز للصحافة الوطنية. حصل كل هذا في عِزّ الخلاف السياسي بين حزب الاستقلال، وحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. وتكرر هذا الموقف، بشكل آخر، عندما تم تكليف محمد اليازغي، بالكتابة العامة لهذه النقابة، سنة 1984، حيث اعتبر أعضاء المكتب، آنذاك، أن توليه هذه المسؤولية، تعبير منهم عن التضامن مع جريدتي 'المحرر' و 'ليبراسيون' اللتين منعتا خلال الإضراب العام وأحداث الدار البيضاء، لسنة 1981. ولم يكن المكتب الوطني للنقابة في تلك الفترة يتشكل من أغلبية الصحف التي تنتمي لما كان يسمى بالصف الوطني الديمقراطي. توالت على النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أجيال من القادة والأطر، ساهمت كلها، نساءا ورجالا، في مواصلة رسالتها، حيث ساهمت بشكل متميز في المناظرة الوطنية الأولى للإعلام، سنة 1993، التي شغل محمد العربي المساري، منسقها العام، وكان يتحمل مسؤولية الكتابة العامة للنقابة المذكورة، بعدها جاءت محطات وطنية أخرى، مثل مناظرة الصخيرات سنة 2005، والحوار الوطني 'الإعلام والمجتمع'، سنة 2010، حيث كانت مساهمة هذه النقابة أساسية. تواصلت هذه المسيرة النضالية في للدفاع عن حرية الصحافة وعن الخدمة العمومية في الاعلام العمومي، وغيرها من المطالب الديمقراطية، ونظمت هذه النقابة إضرابات واحتجاجية، إلى حدود السنوات الأخيرة الماضية، حول العديد من المطالب والقضايا، وتمكنت من فتح حوار شامل مع المسؤولين في كل القطاعات، لذلك نجحت في تحقيق العديد من المكتسبات. وحظي موضوع أخلاقيات الصحافة بأهمية قصوى في عملها، حيث حققت تراكمات في هذا المجال، توجت بالتجربة التأسيسية للتنظيم الذاتي للمهنة. كما ظلت التقارير السنوية، التي تصدرها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، مرجعا لا محيد عنه لمتابعة تطورات الصحافة والإعلام في المغرب، ناهيك عن الأدوار الطلائعية التي لعبتها على صعيد المنظمات الدولية والإفريقية والعربية. ولم يكن هذا ليتم، لولا أسلوب العمل الجماعي، واحترام الديمقراطية الداخلية، والالتزام بمنهجية التعددية والحق في الاختلاف، وإلى عهد قريب تواصلت صناعة خاصية هذه الهيئة، التي هي عبارة عن قوس قزح، الذي لم ينبثق عفويا، بل جاء بالوفاء للتاريخ وللروح الديمقراطية والتضحية والترفع. إن حياة التنظيمات وحركيتها الداخلية، تخضع للمد والجزر، وخصصت لهذه الظاهرة دراسات وأبحاث في علم الإجتماع، من أهمها كتاب 'الفاعل والمنظومة'، الذي أنجزه كل من أرهارد فرايدبيرغ وميشيل كروزيي، الذي يعتبر أنه يجب على الأفراد اكتساب قدرة جماعية خاصة، لإدارة الصراعات الداخلية التي تتيح لهم التنظيم بشكل أفضل، وعلى المنظومة تطوير نفس القدرات، لكن هذه القدرة التنظيمية ليست بنفس القوة لدى جميع أعضاء المنظمة، وذلك حسب لعبتهم الخاصة. تسمى هذه المهنجية التحليل الاستراتيجي، إذ تعتبر أن الإنسان هو الذي يجب أن يتحمل المسؤولية الأولى في التغيير، لأن هامش الحرية الذي يتمتع به يجعله مسؤولا، ويمكنه أن يؤثر في المنظومة. لذلك فإن التطورات التي يمكن أن تشهدها المنظمات النقابية والأحزاب السياسية، قد تكون إيجابية أو سلبية، حسب أدوار الفاعلين فيها، فليس هناك خط منتظم للتقدم، في التاريخ، بل هناك أيضا خط التراجع والنكوص، فالتغيير التاريخي ليس تراكميا، كما يقول الفيلسوف ميشيل فوكو، بل هو عبارة عن قطائع لا متصلة، أي أن اتجاه التقدم نحو الأفضل ليس حتميا، بالضرورة.

صحافة وإعلام. يونس مجاهد يكتب. صناعة قوس قزح
صحافة وإعلام. يونس مجاهد يكتب. صناعة قوس قزح

LE12

time١٥-٠٥-٢٠٢٥

  • LE12

صحافة وإعلام. يونس مجاهد يكتب. صناعة قوس قزح

ففي مختلف التطورات التي شهدها *يونس مجاهد لا يمكن لأي باحث في قضايا الصحافة والإعلام، في تاريخ المغربالحديث، أن يتجاهل ففي مختلف التطورات التي شهدها حقل الصحافة والإعلام، سجلت هذه النقابة حضورها كفاعل أساسي، حيث قاومت التراجعات التي شهدها المغرب، في سنوات الرصاص، بخصوص قانون الصحافة والنشر، واستمرت في مطالبتها بحذف الرقابة على الصحف، وتمكنت بعد مسلسل قضائي طويل، من طرد صحافة 'ماص' الاستعمارية، التي حولها الملك الراحل الحسن الثاني، بعد ذلك، إلى مجموعة 'ماروك سوار. لقد استمرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية، حاضرة وفاعلة، رغم الظروف السياسية الصعبة، التي عاشها المغرب، التي أدت إلى اعتقال ونفي عدد من قادتها، بفضل التلاحم والتضامن القوي، بين مكوناتها، التي كانت تجمع بينهم الروح الوطنية والقيم الأخلاقية الراقية. ويذكر جمال محافظ، في كتابه 'الصحافيون المغاربة، والأداء النقابي في الاعلام'، أن علال الفاسي الذي كان يرجع له الفضل في فكرة تأسيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية، كان يرى أنه يتعين على هذه المنظمة أن تذهب أبعد من إدماج المكونات الحزبية والنقابية للحركة الوطنية، بل كان يقول بحتمية إضافة الصحافة المستقلة وصحافة رجال الاعمال. وهو ما تم العمل به، حيث أشرف عبد الرحمن اليوسفي، على التحضير لعملية التأسيس، وعند أول اجتماع للمكتب، تدخل ليطلب الاستغناء عن الاقتراع السري، لاختيار الكاتب العام، واقترح أن يتولى هذه المسؤولية، الكاتب الصحافي، عبد الكريم غلاب، عن جريدة 'العلم'، كرمز للصحافة الوطنية. حصل كل هذا في عِزّ الخلاف السياسي بين حزب الاستقلال، وحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية. وتكرر هذا الموقف، بشكل آخر، عندما تم تكليف محمد اليازغي، بالكتابة العامة لهذه النقابة، سنة 1984، حيث اعتبر أعضاء المكتب، آنذاك، أن توليه هذه المسؤولية، تعبير منهم عن التضامن مع جريدتي 'المحرر' و 'ليبراسيون' اللتين منعتا خلال الإضراب العام وأحداث الدار البيضاء، لسنة 1981. ولم يكن المكتب الوطني للنقابة في تلك الفترة يتشكل من أغلبية الصحف التي تنتمي لما كان يسمى بالصف الوطني الديمقراطي. توالت على النقابة الوطنية للصحافة المغربية، أجيال من القادة والأطر، ساهمت كلها، نساءا ورجالا، في مواصلة رسالتها، حيث ساهمت بشكل متميز في المناظرة الوطنية الأولى للإعلام، سنة 1993، التي شغل محمد العربي المساري، منسقها العام، وكان يتحمل مسؤولية الكتابة العامة للنقابة المذكورة، بعدها جاءت محطات وطنية أخرى، مثل مناظرة الصخيرات سنة 2005، والحوار الوطني 'الإعلام والمجتمع'، سنة 2010، حيث كانت مساهمة هذه النقابة أساسية. تواصلت هذه المسيرة النضالية في للدفاع عن حرية الصحافة وعن الخدمة العمومية في الاعلام العمومي، وغيرها من المطالب الديمقراطية، ونظمت هذه النقابة إضرابات واحتجاجية، إلى حدود السنوات الأخيرة الماضية، حول العديد من المطالب والقضايا،وتمكنت من فتح حوار شامل مع المسؤولين في كل القطاعات، لذلكنجحت في تحقيق العديد من المكتسبات. وحظي موضوع أخلاقيات الصحافة بأهمية قصوى في عملها، حيث حققت تراكمات في هذا المجال، توجت بالتجربة التأسيسية للتنظيم الذاتي للمهنة. كما ظلت التقارير السنوية، التي تصدرها بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، مرجعا لا محيد عنه لمتابعة تطورات الصحافة والإعلام في المغرب، ناهيك عن الأدوار الطلائعية التي لعبتها على صعيد المنظمات الدولية والإفريقية والعربية. ولم يكن هذا ليتم، لولا أسلوب العمل الجماعي، واحترام الديمقراطية الداخلية، والالتزام بمنهجية التعددية والحق في الاختلاف، وإلى عهد قريب تواصلت صناعة خاصية هذه الهيئة، التي هي عبارة عن قوس قزح، الذي لم ينبثق عفويا، بل جاء بالوفاء للتاريخ وللروح الديمقراطية والتضحية والترفع. إن حياة التنظيمات وحركيتها الداخلية، تخضع للمد والجزر، وخصصت لهذه الظاهرة دراسات وأبحاث في علم الإجتماع، من أهمها كتاب 'الفاعل والمنظومة'، الذي أنجزه كل من أرهاردفرايدبيرغ وميشيل كروزيي، الذي يعتبر أنه يجب على الأفراد اكتساب قدرة جماعية خاصة، لإدارة الصراعات الداخلية التي تتيح لهم التنظيم بشكل أفضل، وعلى المنظومة تطوير نفس القدرات، لكن هذه القدرة التنظيمية ليست بنفس القوة لدى جميع أعضاء المنظمة، وذلك حسب لعبتهم الخاصة. تسمى هذه المهنجية التحليل الاستراتيجي، إذ تعتبر أن الإنسان هو الذي يجب أن يتحمل المسؤولية الأولى في التغيير، لأن هامش الحرية الذي يتمتع به يجعله مسؤولا، ويمكنه أن يؤثر في المنظومة. لذلك فإن التطورات التي يمكن أن تشهدها المنظمات النقابية والأحزاب السياسية، قد تكون إيجابية أو سلبية، حسب أدوار الفاعلين فيها، فليس هناك خط منتظم للتقدم، في التاريخ، بل هناك أيضا خط التراجع والنكوص، فالتغيير التاريخي ليس تراكميا، كما يقول الفيلسوف ميشيل فوكو، بل هو عبارة عن قطائع لا متصلة، أي أن اتجاه التقدم نحو الأفضل ليس حتميا، بالضرورة. *رئيس اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة والنشر

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store