logo
تراتيل في حضرة الصمت

تراتيل في حضرة الصمت

جو 24٢٣-٠٧-٢٠٢٥
أ.د. عبدالله يوسف الزعبي
جو 24 :
أيها الصمت الساكن في أروقة النفس
يا شيخ الحكمة
وآية زكريا ثلاث ليال سوياً
ومريم حين لن تكلّم اليوم إنسيأً
إذ تحمل في المهد صبياً
أيها الصمت
ذاتك صلاة للخاشعين في هدأة الليل
أيها الكبرياء الهادئة في حنايا القلب
أيها السرّ الذي يموت إذا نطق، وتذبل معانيه إن أُفصح وقال
أنت ظلّ البصيرة حين تنحسر الأضواء
ومأوى الروح حين تتعب من ضجيج الحرف
فيك يهمس القلب بما لا يُقال
وتبكي العيون دموعاً بلا حسيس
أنت لست فراغًا كما يظن الظنون
بل ملء، ذروة، وقمة لا يبلغها إلا من ارتقى الوعي
مع ثقل التجربة ونضج الألم
أنت اللغة حين يعجز اللغو
وأنت الخطاب حين تعرض الخُطب
ناطق فصيح بجوامع الكلم وسحر البيان
الصمت معركة أزلية
ونزال أبدي مع الذات
منذ البدء، حين كانت الكلمة
وحتى النهاية على مشارف الخلود
صراع لا مبتدأ له ولا خبر
لا حروف فيه ولا علّة
كلّه تلاوةٌ وهمس وحفيف
تجويدٌ لا يُسمع
إخفاءٌ وإدغام
بغنةٍ وغير غنة
الصمت، يا صاح، ليس فراراً بل قراراً
ودعاء بشموخ الطود
حديث خفي مع الله زلفى
همهمةٌ عذبة
وتسبيح يبغي الحسنات
شقيق الجلال، خليل الإيمان
رفيق العقل في رحلة الذات
الكون صمت كلّه
عدا الأرض وحدها التي اختارت الكلام
أما السماوات... فضاء أنيق
هدوء سرمدي لا يشوبه أثير
والنجوم تستريح في سقف السكون
الصمت نسمة لطيفة على ناي ونقرة وتر رشيقة
وقار، هو نقاء
وتُقى تلامس الشغاف
إنه إنصات لنداء الوعي
هو نُبل في حضرة الألم
ونجاة قبل الندم
الصمت الصديق لا يخون
وشاعر دونما قافية أو بحر من علم العروض
عجباً لك، يا صمتي الثرثار!
حين ألوذ بك
أكاد أُصاب بهذيان الحكمة
في عالمٍ تملؤه الألسن
وتفيض غرقاً فيه الكلمات
حيث أفواه لا تغلق وألسنة لا تُقهر
حيث تلوك الشفاه ذاتها، ليلاً ونهاراً
عالم الحداثة يهذي جنوناً
يتكلم كثيراً، ويعقل قليلاً
يرفع رايات الحق ويد تستل سكين
يعزف الحرية لحناً والقيد في المعصمين
ما عاد للسكينة موطئ ولا للحكمة مجلس
بين صليل الأسواق وضجيج الدم
خرج الإنسان على الناموس
تمرّد على الميزان
والكلمات شهود زور في محكمة الحياة
أيها الصمت
أراك، كما قيل فيك ،لغة الله، وما عداه ترجمة ركيكة
أجل، قد أُرهقت الأرض من صخب البشر
وضاعت ملامح الفطرة في زحمة الهراء
فيك وحدك ألتمس النجاة
من عالم ينكر الله
ويقتل الحياة
قد آن آن أن نلوذ بك
ففيك، تنصت الحياة
وفيك، وحدك، نسمع الصدى الأخير
فاثبتْ، يا صمتي الحزين
ولا تفارقني
قد وعدتني بالوفاء حتى آخر اللقاء
قد عاهدتني بالبقاء حين وفاء
في آخر النفس والنبض
وحين لا غير لي سواك.
تابعو الأردن 24 على
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

شكرًا أجهزتنا الأمنية ..
شكرًا أجهزتنا الأمنية ..

عمون

timeمنذ ساعة واحدة

  • عمون

شكرًا أجهزتنا الأمنية ..

‏عندما يتعلق الأمر بالحديث عن أجهزتنا الأمنية، فإننا نبدأ الكلام بالتحية. ‏التحية العسكرية التي تليق بالشعار الذي يحمله رجل الأمن على (البيريه) فوق الحاجب تمامًا، على هامته العالية المرفوعة أبدًا .. وعلى جبينه الوضاح. ‏أقول هذا بفخر واعتزاز وعرفان واحترام لأجهزتنا الأمنية بكل صنوفها ومسمياتها ومهامها، ونحن نسدل الستارة على فعاليات مهرجان جرش في دورته 39، والتي حملت شعار 'هنا الأردن ..ومجده مستمر'.. ‏وقد جسد رجال الأمن هذا الشعار قلبًا وقالبًا في وقفة العز والفخار، وفي شموخهم، وفي دماثة خلقهم وبشاشتهم وقيمهم التي تشربوها في مدرسة الهاشميين.. ‏أقول هذا باعتزاز بالرجال الذين طوقونا بكرم أخلاقهم، وتعاملهم المهني والاحترافي، وكانوا مصدر الأمن والأمان لنا، ولأمواج زوار المهرجان الذي يعدون بعشرات الآلاف ، حيث المهرجان حديقة للعائلة الأردنية وفضاء لزواره من الدول العربية والأجنية. ‏نعم، لقد كانوا العون للمشاركين من 36 دولة عربية وأجنبية، وكانوا السند لإدارة المهرجان، وكانوا العين الساهرة ليزرعوا الطمأنية ورودا على مداخل المدرجات، يؤوبون المكان قبل الزوار، ويغادرون بعد أن يتأكدوا أن كل شيء على ما يرام. ‏نعم، لقد مثل رجال الأمن قيم الوطن بحس عال من المسؤولية، وكانوا رمزًا للانضباط، وترجموا شعار 'هنا الأردن ومجده مستمر'، بوعي وأمانة وارث الحضارة في مضمونها الثقافي والإنساني. ‏هذا هو أردن الرجال، أردن التاريخ، والأقحوان، والسنابل، والدحنون، والسندِيان، لغة الأرض إذ تَبوح بأسرارها، وتُنشِد موالَها، وكلام البلادِ إذ تلظِم قصائدَها... ‏هنا الأردن، موئِل الأحرار، تَحرسه ذاكرة الحضارات... ‏وفي ختام المهرجان الأشهر عربيًا المتواصل منذ أربعة عقود والذي يمثل عنوانًا ثقافيًا وطنيًا وعالميًا، ونحن على موعد لإيقاد شعلة المهرجان في دورته الأربعين في العام المقبل، لا يسعني إلا أن أكرر الشكر الموصول لأجهزتنا الأمنية الذين زرعوا المكان بسنابل الطمأنية، نقول لهم جميعًا ، شكرًا ‏..ونودعهم بالتحية العسكرية. ‏وخالص الدعاء أن يحمي الله الأردن، أرضًا وشعبًا، ويظللَه بالعز والفخار والأمن والأمان، وأن يديم ملك القائد القدوة، صاحب الجلالة الهاشمية الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وأن يمتعه بموفور الصحة والعافية وولي عهده الميمون.

الرواشدة: عدد المشاركين والزوار لمهرجان جرش فاق التوقعات
الرواشدة: عدد المشاركين والزوار لمهرجان جرش فاق التوقعات

عمون

timeمنذ ساعة واحدة

  • عمون

الرواشدة: عدد المشاركين والزوار لمهرجان جرش فاق التوقعات

عمون - أصدرت وزير الثقافة مصطفى الرواشدة بيانًا ختاميًا تزامنًا مع إطفاء شعلة الدورة الـ 39 من مهرجان جرش للثقافة والفنون أمس السبت. ورفع الرواشدة في بيانه، إلى مقام حضرة صاحب الجلالة الهاشمية، الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه، أسمى آيات الشكر والعرفان، لرعايته السامية للمهرجان، الذي حملت دورته هذا العام شعار "هنا الأردن.. ومجده مستمر". وأكد أنّ المهرجان يعبّر في برنامجيه الثقافي والفني، عن اهتمام جلالة الملك بقطاع الثقافة والفنون، ويؤكّد قيم الدولة الأردنية في أهمية هذا القطاع، والصورة الحضارية لبلدنا من خلال مشاركة ضيوف الأردن والفرق المحلية والعربية والأجنبية وتوسيع مدى التبادل الثقافي مع الدول الشقيقة والصديقة...؛ فإنّها لمناسبةٌ عزيزة أن نشكر كلّ من أسهم في إنجاح هذه الدورة المميزة والاستثنائية من دورات المهرجان الذي يُعدّ عنوانًا وطنيًّا عربيًّا وعالميًّا، وقارب على الأربعين عامًا من عمره، وسيظلّ موئلًا لكل الإبداعات الفنية والثقافية على الدوام. وأوضح أنّ هذه الدورة نهضت من دورات المهرجان بالرسالة والأهداف، وكانت فرصةً كبيرةً ومساحةً مهمةً من مساحات الوعي والحوار والتنوير؛ خصوصًا وقد ترسخت الصورة الزاهية لهذا المهرجان. وتابع أن انطلاقة المهرجان كانت بحجم الطموح وتوجيهات صاحب الجلالة حفظه الله بإيلاء قطاع الثقافة والفنون الأهمية التي يستحق، واهتمام دولة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان بترجمة هذه الرؤى الملكيّة في كتاب التكليف السامي، والمتعلقة بتوسيع قاعدة المهرجانات والندوات والفعاليات ذات العلاقة. وشهدت الدورة حضورًا كبيرا لكلّ الهيئات الثقافية الشريكة مع المهرجان، منها: نقابة الفنانين الأردنيين، رابطة الكتاب الأردنيين، اتحاد الكتاب والأدباء الأردنيين، الجمعية الفلسفية الأردنية، رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين، ومؤسسة شومان. كما شهدت الدورة حضور المجتمع المحلي لمحافظة جرش، والجامعات الأردنية، والعديد من المؤسسات والمبدعين، والجمعيات الثقافية والفنية؛ مما رسّخ البرنامج الثقافي والفني للمهرجان، وعزّز من حضوره في العديد من الملتقيات والندوات والمؤتمرات التي قرأت مواضيع فكرية وفنية ذات علاقة بالواقع الذي تعيشه المنطقة والإقليم والعالم؛ ما يجعل من كل هذا النتاج أرشيفًا مهمًّا يضاف إلى خزانة الأدب والثقافة والفكر الثمينة التي يتمتع بها أردننا ويحمل من خلالها مشعل وبوصلة الوعي إلى العالم؛ فالشكر موصول لكلّ هذه الجهات على ما قدّمت من جهدٍ جاد ومخلص في إنجاح فعاليات المهرجان. وباختتام هذه الدورة، وجه الوزير الشكر لكلّ الوزارات والمؤسسات والهيئات الثقافية والسفارات العربية والأجنبية التي أسهمت في إنجاح هذه الدورة. كما قدم الشكر لجيشنا العربي المصطفوي، درع الوطن وسياجه وحامي مكتسباته الثقافية والتاريخية، والشكر لأجهزتنا الأمنية التي كانت صمام الأمن والأمان والعين الساهرة لبثّ الطمأنينة من خلال أداء واجباتهم باحتراف ومهنية وانتماء، وبكل حضارية التعامل مع الضيوف والزوار. كما شكر أبناء مدينة جرش، ومحافظها، ومجتمعها المحلي، وبلديتها، ومؤسساتها وهيئاتها الثقافية والشبابية، حيث كانوا بمستوى المسؤولية الوطنية في استقبال ضيوف جرش والأردن؛ بما عرف عن بلدنا من حفاوة الاستقبال وبشاشة الترحيب، إضافة لسفارات الدول الشقيقة والصديقة التي عرّفت بتراثها وثقافتها ورسالتها الوطنية في المهرجان، كما لا ننسى شكر الفنانين والكتاب والمثقفين الذين قدموا خلاصة فكرهم ومقترحاتهم الجمالية في النصوص الكتابية والبصرية والموسيقية والحرفية؛ وقد عبّروا عن روح المكان الجرشي الأردني في تنوعه ومساحته التي كانت أرضيةً ثريةً ومتميزةً في الحوارات والتثاقف بين المشاركين. كما لم يفوت الوزير الرواشدة أن تشكر المرسسات الوطنية من القطاع الخاص، كما نشكر الناقل الرسمي/ الملكية الأردنية، ووزارة السياحة والآثار.. وهيئة تنشيط السياحة، ودائرة الآثار العامة. ووجهت الرواشدة شكره أيضًا إلى اللجنة العليا ولإدارة المهرجان، والعاملين في المواقع، واللجان الذين بذلوا جهدهم لإبراز صورة الأردن المضياف، والمؤسسات الإعلامية المرئية والمسموعة والمكتوبة، الشركاء الاستراتيجيين الذين حملوا رسالة الأردن وخطابه، ولوسائل الإعلام العربية والأجنبية الذين نقلوا صورة المهرجان بمهنية عالية. وقال الوزير إنّ المهرجان حقق نجاحًا مهمًّا، واتسمت هذه الدورة بزيادة عدد المشاركين والزوار والحضور الكبير الذي فاق التوقعات، بسبب تبسيط إجراءات الدخول التي جرت بسلاسة من خلال تطوير طريقة تسويق البطاقات، والدخول إلى المدرجات. وبين أنّ الدورة تميزت بمشاركة عالمية واسعة وكبيرة للفرق الفنية التي قدّمت إبداعاتها على الساحة الرئيسة. كما تميزت بمشاركة أردنية كبيرة في البرنامجين الفني والثقافي، والذي لم يقتصر في فعالياته على المدينة الأثرية، بل امتد إلى ست محافظات، بتنوع الفقرات المقدمة. وكان الجديد في المهرجان احتضانه لمهرجان المونودراما، وندوات حول جماليات المكان، وذاكرته، وسمبوزيوم الرسم والحروفية، والمؤتمرات العلمية التي أقامتها الجمعية الفلسفية، وبرنامج "قامات جرشية" الذي تناول سيرة عدد من الشخصيات السياسية والثقافية في محافظة جرش. وتمّ التركيز خلال برنامج المهرجان على الصناعات الثقافية/ التمكين، بمشاركة الشباب في برنامج (بشاير)، وتمكين المرأة من خلال مساحات تسويق الأعمال التقليدية والشعبية والحرفية في شارع الأعمدة. وبلغ عدد الفنانين والمثقفين والحرفيين والتشكيليين والمسرحيين المشاركين في المهرجان نحو (2050) مشاركًا من (36) دولة، من الأردن والدول العربية والأجنبية. وبلغت الفعاليات نحو (420) فعالية، كما بلغ عدد العاملين في الموقع لخدمة البنى التحتية والتنظيمية والفنية نحو 1350 عاملًا، وعدد الفنانين نحو 2000 فنان ومثقف.

بيتُ الشعر في الشارقة قصيدةٌ عربية مكتملة البهاء
بيتُ الشعر في الشارقة قصيدةٌ عربية مكتملة البهاء

سواليف احمد الزعبي

timeمنذ 2 ساعات

  • سواليف احمد الزعبي

بيتُ الشعر في الشارقة قصيدةٌ عربية مكتملة البهاء

#سواليف كتب .. أ.د. خليل الرفوع الجامعة القاسمية بحكمةِ صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكمُ #الشارقة وحكيمُها أنشِئَ #بيت_الشعر بدائرة الثقافة في رحاب إمارة الشارقة العاصمة الدائمة للعلم والأدب والفكر، ومن رؤية سموه يتجدد بيت الشعر تألقًا ليظللَ الشعراءَ بغيمة البيان ونَدى الجمال، ومن سحائب فكر سموه ورؤيته في عظمة اللغة العربية انطلق القائمون على بيت الشعر ليؤسسوا قواعَد بيانيةً راسخةً في فجر العربية، وتاريخ الشعر، وسحر الكلمة، ليكونَ من ثمة البناءُ مكتملَ البهاء أناقةً كما هي الشارقة في روحها وجمالها. إن ما يقوم به بيت الشعر هو تنشيطُ جمالِ حركيةِ الكلمة الشعرية، والفعل الثقافي، وإبراز صوت القصيدة في عالم تحيكُ خيوطَه عولمةُ المادة المتحجرة، بيتُ الشعر رافدٌ جمالي في مشروع الشارقة الثقافي، ففيه أمسيات أسبوعية تنشر شذى القصيدة ونداها في وجدان الحضور، وفيه: تعقد ندوات فكرية نقدية، وتمنح جوائز ثقافية، وتلقى محاضرات لتطوير مواهب المبدعين، وتعطى دورات في تعلم العروض، وتُحَّكمُ وتطبع دواوين الشعراء والمجلات الثقافية، وغير ذلك من مبادرات ومشاريع وإصدارات، وتبقى أمسية الثلاثاء في كل أسبوع منذ افتتاح بيت الشعر الأكثر تألقًا في البوح البياني، وفيها قصائد تلقى على ألسنة شعراء من مختلف أرجاء الوطن العربي وغيره من الأوطان أمامَ حضور يحرص على الاستماع والاستمتاع والتأمل. من بيت شعر الشارقة انطلقت بيوت الشعر العربية لتمتد على مساحة الوطن؛ لتنشر أصالة القصيدة في روح الأمة من المفرق في الأردن حتى نواكشط في موريتانيا، مرورًا بعَمَّان والأقصر والقيروان والخرطوم ومراكش وتطوان، وهي مدن بفعل الحراك الشعري أضحت مناراتٍ يهتدي بها وإليها الشعراء وعشاق البيان، وعلى منصاتها تُلقى أجمل القصائد لعلها تعيد وحدة الأمة بالكلمة تحت غيمة القصيدة وأحرفها الندية. ولسمو الشيح الدكتور سلطان بن محمد القاسمي راعي الثقافة ومفجر ينابعها رأيٌ في دلالة معنى الشعر، وهو العلم، إذ كان العرب منذ بدايات القصيدة الأولى به يتواصلون وينشرون أخبارهم وفلسفتهم الوجودية، وهو رأي آتٍ من موسوعة تاريخية أدبية عروبية يمثلها سموه، وقد رُوِيَ عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: ' كان الشعرُ علمَ قومٍ لم يكن لهم علمٌ أصحُّ منه'، وقال الناقد الكبير محمد بن سلام الجُمحي:' كان الشعرُ في الجاهلية عند العرب ديوانَ علمهِم ومنتهى حِكمهم به، به يأخذون وإليه يصيرون'، هكذا فُهِمَ الشعرُ منذ عتباتِ القصيدة الأولى، فبالشعر يعلمُ الناسُ أخبارَ الآخرين ومعارفَهم ومشاعرَهم، وبذا فهو تعبير عن وجدان الأمة ووقع الوجود عليها؛ ولذا قيل عن الشعر: إنه ديوان العرب، وهل بغير الشعر عرفنا أخبارَ العرب وأنماطَ حياتهم وقيمَهم وأخلاقَهم، وعلاقاتِهم مع الأمم المجاورة، وكيف يفكرون ويعشقون ويكرهون، نعم إنه علمُ قوم لم يكن لهم علم أصح منه. كان للعرب أسواقٌ أدبية في العصر الجاهلي وما تلاه من عصور، وفي رأيي أن المقاربة بين أسواق العرب قديمًا وبين بيت شعر الشارقة وبيوت الشعر في المدن العربية في هذا الزمن غير دقيقة؛ فلا يمكن تشبيهها بتلك الأسواق القديمة لسبب واضح دالٍّ: كان في كل زمن قديم سوق مرتبطة بالتجارة وبمواسم الحج، فكانت في العصر الجاهلي سوق عُكاظ جنوب مكة، تعقد قبيل أيام الحج، وفي ذات الزمن كان الشعر يلقى في مضارب القبيلة، وفي بلاط الحِيرة حيث المناذرة في العراق، وخيام جِلَّق والجَابية حيث الغساسنة في بلاد الشام، والغريب أنه لم يظهر من هاتين المملكتين إلا شاعر واحد في الحيرة هو عدي بن زيد العبادي التميمي، وفي عصر الرسول صلى الله عليه وسلم كان الشعر يلقى في المساجد أو في ساحات الفتح بلا مواسم محددة، وفي العصر الأموي كان يلقى في سوق المِرْبَد في البصرة، وفي سوق كُنَاسة في الكوفة حيث شعراء النقائض يفتخرون بعصبية قبلية طبعت هاتين المدينتين بطوابعهما، وهما أقرب إلى ما نسميه في أيامنا المسرح، يتوافد إليهما الجماهير للتسلية وليستمعوا إلى آخر ما قاله جرير والفرزدق وقليل من الشعراء الآخرين، كما كان الشعر يلقى في بلاط الخلافة في دمشق، وبعدها في بلاط الدولة العباسية والفاطمية والحمدانية والزنكية والأيوبية، وأغلب ذلك الشعر طبع بالمدح وهجاء الخصوم، لقد كان لتلك الأسواق القديمة دور طليعي في تأسيس الفكر العربي والأسلوب اللغوي، لكنها لم تك ذات أثر في نشر القصيدة بين العرب على امتدادهم الأفقي. وقد أقبل الناس على حفظ الشعر بفعل الرواة وصفاء الذهن، وانتشار العربية الفصيحة بين العرب، ولم يكن لهم غير الشعر وسيلة للهو أو الترفيه. فالمقاربة بين بيت الشعر في الشارقة وما تولد عنه من بيوت شعر عربية وبين الأسواق الأدبية قديمًا مقاربة توضيحية لكنها غير صحيحة؛ لأن ما تقوم به بيوت الشعر العربية من جهد معرفي تعليمي في نشر الشعر زمن تهلهل الذائقة الأدبية، ورعاية المواهب أضعاف ما قامت به الأسواق قديمًا، ويكفي الإشارة إلى عقد الأمسيات الشعرية أسبوعيًّا لشعراء من أقطار متباعدة، وكذلك الحضور من دول عربية مختلفة جمعتهم العروبة وجمال القصيدة، ولعل حضورًا لأية أمسية من أمسيات الثلاثاء الساعة التاسعة في بيت شعر الشارقة يكشف عن صحة ما نقول، هذا ما تنهض به دائرة الثقافة في الشارقة بجهد مديرها المبدع الأستاذ عبدالله بن محمد العويس والمتابعة الدائبة من صديق الشعر ومؤصِّل رواقه الشاعر محمد البريكي. وبعدُ، فلبيت الشعر في الشارقة وما تولد عنه من بيوت شعرية تقديرٌ فائق لما يوليه من رعاية للشعر والشعراء على امتداد مساحات الوطن العربي، وهو منصة للإبداع والعلم والفكر وضبط جودة القصيدة؛ لأنها ستنشد في جمهورٍ محبٍّ لجمالية صورة الكلمة، وتلقى أمام متابعي الحراك الشعري تدبرًا وتأملًا وتأثرًا ونقدًا، وإزاء ذلك فالمؤمّل من مبدعي القصيدة عدمُ التركيز على الصورة الفنية وحسب، بل إعطاء إيحائية اللغة وانزياحات الأسلوب ومموسقة النص ألقاءً بيانيًا، وما يدفع أي نص للخلود هو: الجمع الجمالي بين فتنة اللغة وتجديد الصورة وتنغيم الإيقاع معًا، لعل تأثيرًا في بنية العقل العربي تُحدِثُه القصيدة العربية المعاصرة.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store