logo
كانّ 78 يكرّم القلق الإنساني: نادية مليتي وفاغنر مورا يحصدان جوائز التمثيل

كانّ 78 يكرّم القلق الإنساني: نادية مليتي وفاغنر مورا يحصدان جوائز التمثيل

النهارمنذ 8 ساعات

في اختتام الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كانّ السينمائي، خطف الأداء الإنساني العميق الأضواء، متجلياً في تتويج نجمين من مشارب وتجارب متباعدة، يشتركان في الجرأة والصدق والقدرة على تجسيد هشاشة الإنسان وسط عواصف هويته وتاريخه.
من باريس إلى سلفادور... الجرأة
نادية مليتي، الطالبة الرياضية البالغة 23 عاماً، دخلت السينما من بوابة كانّ مباشرة، حيث نالت جائزة أفضل ممثلة عن أدائها الأول في فيلم "الأخت الصغيرة" للمخرجة حفصية حرزي، وهو عمل مقتبس من رواية سيرة ذاتية للكاتبة فاطمة دعاس.
في هذا الفيلم، جسّدت مليتي شخصية فاطمة، فتاة مسلمة تبلغ 17 عاماً، تصطدم باكتشاف مثليتها الجنسية وسط بيئة اجتماعية ودينية محافظة. الممثلة الشابة، التي اختيرت عبر اختبار أداء، وصفت قراءتها للكتاب بأنها "تجربة هزّتني... شعرت بالقرب منها، من خلفيتها، من سعيها للتحرر"، مؤكدة أنّ هذا الدور كان أشبه بمرآة داخلية، أكثر منه تمريناً تمثيلياً.
وفي الضفة الأخرى من العالم، حاز الممثل البرازيلي فاغنر مورا (48 عاماً) جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "العميل السري" لمواطنه كليبر ميندونسا فيليو.
في هذا الفيلم، يؤدّي مورا دور أستاذ جامعي تطارده السلطات في ظلّ دكتاتورية عسكرية غامضة. هذا العمل هو أول فيلم يصوّره الممثل في بلاده منذ عام 2012. وعن دوره، قال: "الشخصية التي أؤديها لا تريد سوى العيش بكرامة. للأسف، في الأوقات البائسة، يصبح التمسك بالكرامة فعلاً خطيراً".
مورا، الذي اشتهر عالمياً بعد تجسيده لشخصية بابلو إسكوبار في مسلسل "ناركوس"، عاد في هذا الفيلم إلى جذوره المسرحية والسينمائية البرازيلية، بعد مسيرة حافلة بين هوليوود وأوروبا، من "Elite Squad" إلى "Elysium"، مؤكداً أنّ العودة إلى البرازيل كانت أكثر من مجرد موقع تصوير: كانت عودة إلى السؤال الأساسي عن الحرية والعدالة.
تكريم مزدوج للجرأة في الحكي والتمثيل
ما جمع بين نادية مليتي وفاغنر مورا لم يكن فقط اعتلاءهما منصة التتويج، بل اختيارهما - كلٌ في سياقه - أن يمثّلا شخصيات تسير على الحافة: فتاة تسعى لاكتشاف ذاتها داخل قيود الهوية، ورجل يتمسّك بقيمه في وجه قمع سلطوي.
في لحظة تتصارع فيها السينما مع الرقابة والرقمنة والرقص فوق الألغام السياسية، بدا أن مهرجان كانّ هذا العام اختار أن يكرّم القلق الإنساني بوجهه الأكثر رهافة.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

بناهي ينتصر في كانّ… رحلة مناضل من سجون إيران إلى 'السعفة'
بناهي ينتصر في كانّ… رحلة مناضل من سجون إيران إلى 'السعفة'

النهار

timeمنذ ساعة واحدة

  • النهار

بناهي ينتصر في كانّ… رحلة مناضل من سجون إيران إلى 'السعفة'

بعد إثني عشر يوماً من المنافسة الحامية بين مجموعة أعمال سينمائية، أُسنِدت مساء السبت الماضي "السعفة الذهب" إلى المخرج الإيراني جعفر بناهي، 65 عاماً، عن فيلمه "حادث بسيط"، وذلك في ختام الدورة الثامنة والسبعين من مهرجان كانّ السينمائي (13 - 24 أيار). جاءت الجائزة تتويجاً لاختيار لجنة التحكيم التي ترأستها الممثّلة الفرنسية جولييت بينوش ذات الروابط المتينة بالسينما الإيرانية، منذ تعاونها مع عباس كيارستمي. وكأن القدر شاء أن يكرّس مساراً بدأه كيارستمي نفسه حين نال أولى "السعفات" الإيرانية عن "طعم الكرز"، وها هو بناهي، بعد ثمانية وعشرين عاماً، يعود ليحمل "السعفة" الثانية إلى بلاده. بناهي الفائز الثاني بـ"السعفة"، يتكبّد مرارة الظلم والسجن. فقد سبق له أن شهد هذا المصير المخرج التركي الكردي يلماز غونيه، الذي فاز بها عام 1982 عن فيلمه "يول"، الذي كتبه أثناء وجوده خلف القضبان. وبعد فراره إلى فرنسا، أكمل هناك مونتاج الفيلم، ليصل به إلى مهرجان كانّ ويحرز الجائزة الكبرى، مسجّلاً به شهادة على دور الفنّ في مواجهة القهر والاستبداد. هذه هي المرة الأولى، منذ 15 عاماً، يخرج فيها بناهي من إيران، للمشاركة في مهرجان سينمائي. ورغم أنها ليست زيارته الأولى لفرنسا منذ رفع حظر السفر عنه، إذ سبق أن زارها قبل عامين بعد الإفراج عنه من السجن إثر إضراب عن الطعام، فظهوره هذا العام يحمل طابعاً استثنائياً، ليس فقط لرمزية الحدث، إنما لما يحمله من انتصار شخصي وفنّي يتحقّق بعد عذابات طويلة. بعد تسلّمه "السعفة"، قال بناهي الذي ظلّ جالساً في كرسيه للحظات، بأنه شاهد وجوه الذين كانوا معه في السجن فرداً فرداً. في 2010، حجزت السلطات الإيرانية جواز سفر بناهي، ووجّهت إليه تهمة "نشر الدعاية المناهضة للنظام"، وقضت بسجنه ست سنوات، مانعةً اياه من العمل في السينما لمدة عشرين عاماً؛ وهو حظر لم يرضخ له. ومنذ ذلك التاريخ، دخل السجن وخرج منه أكثر من مرة، وكان آخر اعتقال له قبيل عرض فيلمه السابق "لا دببة" في البندقية، حيث شارك العمل في المسابقة بينما كان مخرجه خلف القضبان، ليفوز حينها بجائزة لجنة التحكيم الخاصة. رغم المضايقات التي لا تُعدّ ولا تُحصى والتي تعرّض لها بناهي على يد السلطات الإيرانية، لم يتوان عن مواصلة عمله السينمائي. والمفارقة أن فترة الحظر المفروضة عليه، التي كان يفترض أن تغلق باب السينما في وجهه، تحوّلت إلى فسحة إنتاج مكثّفة، إذ أنجز خلالها ستّة أفلام، صوّرها جميعها سراً في مسقطه طهران. من بينها "تاكسي" (2015) الذي نال عنه جائزة "الدبّ الذهب" في مهرجان برلين، إلى جانب عدد من الجوائز الدولية التي لم يتمكن من تسلّمها شخصياً بسبب منع السفر. وكان من المعتاد أن تترك له المهرجانات كرسياً شاغراً، كتعبير رمزي عن حضوره الغائب، في كلّ مرة شارك فيها بفيلم، قبل أن يعود مساء السبت، ليتسلّم بنفسه أول جائزة كبرى له مذ تتويجه بـ"الأسد الذهب" في مهرجان البندقية عن فيلمه "الدائرة" في بداية مسيرته، مطلع الألفية. وبهذا الفوز، ينضمّ بناهي إلى نادٍ صغير من المخرجين الذين حصدوا الجوائز الثلاث الكبرى في كانّ وبرلين والبندقية. شاهدنا "حادث بسيط" في النصف الثاني من المهرجان، وحظي باحتفاء نقدي من البعض وبفتور من البعض الآخر، في دورة انطوت على العديد من الأفلام الخلافية. وقد حرصت جهة الإنتاج، المؤلَّفة في معظمها من فريق فرنسي، على إبقاء العمل طيّ الكتمان حتى لحظة عرضه، إدراكاً لحساسية الموضوع الذي يتناوله الفيلم، وما قد يثيره من تبعات. فهل كانت الجائزة ذات امتداد سياسي، رغبة من لجنة التحكيم في اغتنام الفرصة لجعل التتويج لحظة رمزية، احتفاءً بفنّان لم ينكسر رغم كلّ القيود؟ سؤال مشروع، لا سيما في زمن تزحف فيه الفاشية إلى الفنّ، وفي مهرجان اعتاد أن يكرّم الأعمال التي تقف في وجه القمع منتصرةً لحرية التعبير. وقد يكون هذا البُعد مؤثّراً في قرار لجنة تحكيم تضم فنّانين ذوي حساسيات عالية تجاه ممارسات كم الأفواه ومصادرة الحرية. فكانت الجائزة للفيلم ولعذابات الشخص الذي يقف خلفه. مع ذلك، فالفيلم يستحق التقدير، حتى وإن تكن المنافسة محتدمة بين عدد من الأفلام الممتازة، التي كان لكلّ منها ما يؤهله لنيل "السعفة". غير أن من العبث، في النهاية، مقارنة أعمال تختلف جوهرياً في الشكل والمضمون، إذ لكلّ تجربة خصوصيتها. لكن هذه، ببساطة، هي لعبة المهرجانات. الجوائز الأخرى جاءت على النحو الآتي: 'قيمة عاطفية" للنروجي يواكيم ترير نال "الجائزة الكبرى"، ثانية الجوائز من حيث الأهمية. دراما عائلية تدور على علاقة أب مخرج سينمائي بابنتيه بعد غيابه الطويل ووفاة الأم. يحمل الفيلم بصمة فنية دقيقة، يدمج السخرية بالألم ويتناول مواضيع الفقد والمصالحة. المنزل العائلي يصبح مسرحاً للمشاعر المكبوتة والذكريات المؤلمة، ويتحول إلى رمز للتاريخين الشخصي والعام. الفيلم يبرز الفنّ كوسيلة للتعبير والغفران، مقدّماً رؤية حسّاسة لعلاقات الأسرة المتشابكة، ومؤكداً مكانة ترير كأحد كبار مخرجي السينما المعاصرة. "صوت السقوط" للألمانية ماشا شيلينسكي، فاز بجائزة لجنة التحكيم. الفيلم عن أربع فتيات شابات يعشن مراهقتهن في أربعة عصور متباعدة، لكن في المكان نفسه: مزرعة نائية في شمال ألمانيا. يعبرن سنوات التكوّن وسط جدران تحتفظ بذاكرة الزمن. ورغم تعاقب القرون وتبدّل ملامح الدار، يظل صدى الماضي يتردد بين أركانها. وكأن حياة كلّ واحدة منهن تنسج خيطاً خفياً يصل بين الأزمنة، لتُكمل إحداهن ما بدأته الأخرى، في حوار صامت يتجاوز الزمن. تشارك الفيلم الجائزة (مناصفة) مع "صراط" للمخرج الفرنسي الإسباني أوليفييه لاشيه الذي كان أحد أقرب الأفلام إلى قلوب بعض النقّاد. يأخذ المشاهد في رحلة بصرية وروحية عبر الصحراء، حيث يبحث أب إسباني عن ابنته المختفية. الصحراء هنا فضاء فلسفي يعبّر عن عبور داخلي وتحول وجودي. أما الحفل في قلب الصحراء فيمثّل حرية تحرر من القيود الاجتماعية والسياسية. المخرج البرازيلي كليبير مندونسا فيلو وفيلمه "عميل سري" كانت له جائزة الإخراج. عمل بديع يستعرض فترة الديكتاتورية العسكرية في البرازيل عام 1977 من خلال قصّة مارسيلو (فاغنر مورا - فاز بجائزة التمثيل)، الرجل الأرمل الذي يعود إلى مسقط رأسه وسط جوّ من الخوف والترقّب. يتميز العمل ببنيته المعقّدة وتداخل السرد بين الماضي والراهن، مع انتقال سلس بين الدراما والفانتازيا. "أمّهات شابات" للأخوين البلجيكيين لوك وجان بيار درادين، نال جائزة السيناريو. فيلم عن خمس مراهقات يجمعهن سقف دار للأمومة، حيث يجدن الدعم في مواجهة تحديات الأمومة المبكرة. ومن أجواء قريبة، استمدّت المخرجة والممثّلة الفرنسية التونسية حفصية حرزي حكاية فيلمها "الصغيرة الأخيرة" (مراهقة من ضواحي باريس تنتمي إلى بيئة عربية إسلامية تقليدية تكتشف مثليتها). الفيلم جلب لناديا مليتي، في دور فاطمة، جائزة التمثيل التي كانت متوقّعة للممثّلة الفرنسية ليا دروكير عن دور المحقّقة في "قضية 137" لدومينيك مول. أخيراً، ابتدعت لجنة التحكيم "جائزة خاصة" لرد الاعتبار إلى "انبعاث" للمخرج الصيني بي غان (في عام 2068، تستفيق امرأة من جراحة دماغية في عالم منهار، وتروي لتمثال آلي حكايات صينية توقظ مشاعرها). عمل قَسَم النقّاد بين مَن اعتبره تحفة فنية ومَن رأى فيه نصّاً كيتشياً.

كانّ 78 يكرّم القلق الإنساني: نادية مليتي وفاغنر مورا يحصدان جوائز التمثيل
كانّ 78 يكرّم القلق الإنساني: نادية مليتي وفاغنر مورا يحصدان جوائز التمثيل

النهار

timeمنذ 8 ساعات

  • النهار

كانّ 78 يكرّم القلق الإنساني: نادية مليتي وفاغنر مورا يحصدان جوائز التمثيل

في اختتام الدورة الثامنة والسبعين لمهرجان كانّ السينمائي، خطف الأداء الإنساني العميق الأضواء، متجلياً في تتويج نجمين من مشارب وتجارب متباعدة، يشتركان في الجرأة والصدق والقدرة على تجسيد هشاشة الإنسان وسط عواصف هويته وتاريخه. من باريس إلى سلفادور... الجرأة نادية مليتي، الطالبة الرياضية البالغة 23 عاماً، دخلت السينما من بوابة كانّ مباشرة، حيث نالت جائزة أفضل ممثلة عن أدائها الأول في فيلم "الأخت الصغيرة" للمخرجة حفصية حرزي، وهو عمل مقتبس من رواية سيرة ذاتية للكاتبة فاطمة دعاس. في هذا الفيلم، جسّدت مليتي شخصية فاطمة، فتاة مسلمة تبلغ 17 عاماً، تصطدم باكتشاف مثليتها الجنسية وسط بيئة اجتماعية ودينية محافظة. الممثلة الشابة، التي اختيرت عبر اختبار أداء، وصفت قراءتها للكتاب بأنها "تجربة هزّتني... شعرت بالقرب منها، من خلفيتها، من سعيها للتحرر"، مؤكدة أنّ هذا الدور كان أشبه بمرآة داخلية، أكثر منه تمريناً تمثيلياً. وفي الضفة الأخرى من العالم، حاز الممثل البرازيلي فاغنر مورا (48 عاماً) جائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم "العميل السري" لمواطنه كليبر ميندونسا فيليو. في هذا الفيلم، يؤدّي مورا دور أستاذ جامعي تطارده السلطات في ظلّ دكتاتورية عسكرية غامضة. هذا العمل هو أول فيلم يصوّره الممثل في بلاده منذ عام 2012. وعن دوره، قال: "الشخصية التي أؤديها لا تريد سوى العيش بكرامة. للأسف، في الأوقات البائسة، يصبح التمسك بالكرامة فعلاً خطيراً". مورا، الذي اشتهر عالمياً بعد تجسيده لشخصية بابلو إسكوبار في مسلسل "ناركوس"، عاد في هذا الفيلم إلى جذوره المسرحية والسينمائية البرازيلية، بعد مسيرة حافلة بين هوليوود وأوروبا، من "Elite Squad" إلى "Elysium"، مؤكداً أنّ العودة إلى البرازيل كانت أكثر من مجرد موقع تصوير: كانت عودة إلى السؤال الأساسي عن الحرية والعدالة. تكريم مزدوج للجرأة في الحكي والتمثيل ما جمع بين نادية مليتي وفاغنر مورا لم يكن فقط اعتلاءهما منصة التتويج، بل اختيارهما - كلٌ في سياقه - أن يمثّلا شخصيات تسير على الحافة: فتاة تسعى لاكتشاف ذاتها داخل قيود الهوية، ورجل يتمسّك بقيمه في وجه قمع سلطوي. في لحظة تتصارع فيها السينما مع الرقابة والرقمنة والرقص فوق الألغام السياسية، بدا أن مهرجان كانّ هذا العام اختار أن يكرّم القلق الإنساني بوجهه الأكثر رهافة.

جعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"
جعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"

المدن

timeمنذ 9 ساعات

  • المدن

جعفر بناهي يحصد "السعفة الذهبية" عن فيلمه "مجرد حادث"

فاز المخرج الإيراني المعارض جعفر بناهي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي، وذلك عن فيلمه "مجرد حادث" الذي صُوّر في السر، ويقدّم قصة أخلاقية حول سعي مجموعة من السجناء السابقين للانتقام من جلاديهم. هنا قراءة في الفيلم. أهم الأحداث في حياة الناس قد تقع صدفة، أو عبر سلسلة من المصادفات. "حادث"، كما يقولون. التقاء شخص ما، الوصول إلى مكان ما في وقتٍ محدد دون غيره، الدخول أو عدم الدخول إلى مكان سيحدث فيه شيء ما لاحقاً. آلاف التفاصيل الصغيرة قد تُغيّر، وعادةً ما تفعل، حياة الناس. في الفيلم الجديد للإيراني جعفر بناهي، "مجرد حادث" (المعروض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان كانّ السينمائي في دورته الـ78 وقد فاز بجائزة السعفة الذهبية)، لا علاقة لهذا "الحادث" بالحبكة، لكنه يُطلق العنان لها. وعواقبه لا تُحصى وخطيرة للغاية. عائلة -أبّ وأمّ وابنتهما الصغيرة- تسافر في سيارة عندما يدوس الأبّ بالخطأ على كلبٍ. يتسبّب الاصطدام في تعطّل السيارة، ويضّطرون للتوقّف عند ورشة ميكانيكا. عندما يسمع وحيد (وحيد مبصر)، أحد العاملين هناك، صوت الأبّ ووقع أقدام ساقه الاصطناعية، ينتابه القلق ويكاد يجنّ. لا نعرف السبب في البداية، لكن الرجل يختبئ أولاً، ثم يقرّر اتباع السيارة التي أصلحها لتوّه إلى منزل العائلة إياها، ويقضي الليلة أمام بابهم، وفي صباح اليوم التالي، يتبع الأبّ المعني، وفي منتصف الشارع، يصدمه بشاحنته ويدفعه إلى داخلها. سنفهم المنطق لاحقاً عندما نرى وحيد يحفر قبراً في قلب الصحراء ويلقي بالرجل المقنّع الذي لا يزال حيّاً هناك، مخطّطاً لدفنه دون أي تفسير، حتى يُجبر على تقديم سبب، فيتّهم الرجل بأنه هو نفسه الملقّب بـ"الساق الخشبية" (إبراهيم عزيزي)، حارس السجن الذي عذبّه وأذلّه قبل سنوات. يُقسم الرجل أنه ليس هو، وأن ساقه الاصطناعية حديثة، وأنه لا علاقة له بالشخص الذي يدّعيه الناس خطاً ولأن وحيد كان مُغطى الرأس أثناء التعذيب، لا يستطيع الجزم تماماً بأن الرجل هو مَن يظنّه، إلا من خلال صوت ساقه. ثم يأتي ما سيُحدّد مسار الحبكة من تلك اللحظة: اتباع مبدأ إحسان الظنّ حتى ثبوت العكس. يُركّز "مجرد حادث" على رحلة البطل في سيارته باحثاً عن ناجين آخرين من التعذيب والإساءة على يد "الساق الخشبية" لمساعدته على إثبات هويته الحقيقية. يسافر المتهم في السيارة مُقيّداً ومعصوباً ومُخدّراً، فلا يرى أو يسمع ما يحدث هناك، والمتلخّص في جمع عدة أشخاص يُمكنهم الإقرار بأن الرجل الذي يُريد قتله هو الشخص المنشود. لكن الأمر ليس سهلاً، فجميعهم لديهم نفس شكوك البطل: المصوّرة شِفا (مريم أفشاري)، والعروس (هاديس باكباتن) برفقة زوجها المستقبلي (مهيد بناهي، ابن شقيق المخرج)، وشريك المصوّرة السابق (محمد علي إلياسمهر)، جميعهم عانوا من هذا "الساق الخشبية" ولديهم آراء مختلفة حول ما يجب فعله مع الرجل. لكن ولا واحد منهم يستطيع الجزم بأنه هو. الفيلم إنتاج مشترك بين إيران وفرنسا ولوكسمبورغ. ومرة ​​أخرى، أنجز بناهي، الناقد للجمهورية الإسلامية والذي سُجن عدة مرات، الفيلم من دون إذن تصوير رسمي من السلطات الإيرانية. وكما يقول بناهي الذي شارك شخصياً في مهرجان كانّ للمرة الأولى منذ 15 عاماً: "أنا لا أصنع أفلاماً سياسية، بل أفلاماً إنسانية". هنا ينجز أكثر أعماله إنسانية، مُقدّماً شخصيات قد تختلف ظروفها تماماً عن ظروف مشاهديها، لكن معضلاتها، وخياراتها بين الغفران والقصاص، تغمرهم تماماً. يبني بناهي، كعادته في العديد من أفلامه -وفي معظم السينما الإيرانية- دراما مؤثرة، تتكشّف أحداثها داخل السيارة، وفي المدينة، وعلى الطريق، وفي محطات مختلفة على طول الرحلة. هناك، تبرز الاختلافات بين جميع هذه الشخصيات، الذين يعرفون بعضهم البعض بفضول، باستثناء وحيد، الذي يتعرّف عليهم عبر صلة مشتركة (التعذيب). هناك مَن يعتقد أنه لا ينبغي معاملة الجلّاد كما عُومل ("لسنا مثلهم"، يقول)؛ وهناك مَن يفتقر إلى هذه الشكوك الأخلاقية ويرغب في قتله، بينما ينتقل البطل من شعور أوّلي بالانتقام الفوري إلى مزيد من الشكوك. حتى لو كان الرجل هو الرجل المنشود، فهل الانتقام بقتله مبرَّر؟ بناهي، الذي ذاق السجن عدة مرات وبطرق مختلفة، لديه خبرة في مواقف عنيفة ومربكة ومؤلمة غالباً ما تولّد رغبة في الانتقام. في الواقع، هذه مشاعر يألفها بالتأكيد العديد من السجناء السياسيين عندما يرون في الشارع أشخاصاً أساؤوا معاملتهم أو عذّبوهم. لكن المعضلة الأخلاقية المطروحة في الفيلم تدور حول عدة عوامل في آنٍ واحد: التثبّت من هويّة أحدهم شيء، واتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله بشأنه، شيء آخر. ثم، تظهر مسائل متعلقة بالإجراءات الشرطية، مثل الحاجة إلى قتل الرجل لعدم ترك أي دليل على ما حدث، أو الخوف من تحقيق محتمل وأعمال انتقامية. أضف إلى ذلك حقيقة أنهم سيكتشفون قريباً أن الجلّاد المزعوم لديه عائلة، وتصبح الأمور أكثر توتراً وغموضاً. "مجرد حادث" فيلمٌ قوي ومتزايد في حدّته، يملك لحظات كوميدية وخفيفة الظل، حيث تسير العديد من المحادثات والمشاجرات في هذا الاتجاه. لكن شيئاً فشيئاً، يكتسب الفيلم التوتّر والظلام حتى يصل إلى سلسلة من المشاهد النهائية المرعبة، تشكّك حتى في المنطق السائد بين الشخصيات. يبدو أن بناهي لم يعد يخشى الانتقام - أو أنه لا يكترث - لذا يُقدّم ربما أكثر انتقاداته المباشرة للحكومة الإيرانية في مسيرته المهنية، مع أن حبكة القصّة تدور في جوهرها حول نوع من التأمّل الداخلي لمَن عانوا أو ما زالوا يعانون آثار القمع والديكتاتورية. وكما أن ضحية أي نظام ديكتاتوري يُصارع عاطفياً لمجرد رؤية جلّاديه في الشارع، يطرح أبطال بناهي (وربما بناهي نفسه أيضاً) على أنفسهم السؤال ذاته، ويتأمّلونه تدريجياً في خضم رحلة طويلة من النهار إلى الليل. في هذه الحالة، حرفياً.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store