
إسرائيل تواجه خصوماً لا تستطيع هزيمتهم
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، طغت حرب الصور على حرب السلاح. من مستشفيات قطاع غزة المدمرة، وأطفالها الجائعين، إلى المقابر الجماعية والآباء اليائسين الذين ينبشون الأنقاض، كل بكسل يُلتقط بهاتف ذكي يترك أثراً أعمق من أي صاروخ.
هذه الصور الخام، غير المفلترة، والتي لا يمكن إنكارها، لها تأثير يفوق أي مؤتمر صحفي أو خطاب رسمي. ولأول مرة في تاريخها، لا تستطيع إسرائيل حذفها أو إغراقها بالدعاية، بحسب الكاتب العراقي جاسم العزاوي، في مقال له في موقع الجزيرة الإنجليزي.
الصور تفضح السرديات
وأشار العزاوي إلى أن الصور المفزعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وهو يذبح الناس في أماكن توزيع المساعدات، دفعت الصحفي الإسرائيلي جدعون ليفي في صحيفة "هآرتس" إلى أن يكتب متسائلا: "هل ترتكب إسرائيل إبادة جماعية في غزة؟، الشهادات والصور الخارجة من غزة لا تترك مجالاً لكثير من التساؤلات".
حتى الكاتب الأميركي المؤيد لإسرائيل بشدة، توماس فريدمان، لم يعد يصدق السردية الإسرائيلية. ففي مقال نُشر بتاريخ 9 مايو/أيار، خاطب الرئيس الأميركي دونالد ترامب: "هذه الحكومة الإسرائيلية ليست حليفتنا"، موضحاً أنها "تتصرف بطريقة تهدد المصالح الأميركية الجوهرية في المنطقة".
في السابق، كانت السردية الإسرائيلية محمية بأبواب غرف التحرير وثقل الشعور بالذنب الغربي. لكن الهاتف الذكي حطم تلك الأبواب. ما نراه اليوم لم يعد ما تقوله لنا إسرائيل ، بل ما تُظهره لنا غزة.
منصات بلا سياق، لكنها قاتلة
ويرى العزاوي أن المنصات التي تنقل هذه الصور —مثل تيك توك، وواتساب، وإنستغرام، وإكس— لا تعطي الأولوية للسياق، بل للشيوع والانتشار. وبينما قد يدير كبار السن وجوههم، فإن الأجيال الشابة ملتصقة بتدفق المعاناة، تمتص كل بكسل، وكل صفارة إنذار، وكل لحظة دمار. الرأي العام العالمي مضطرب، وهذا لا يصب في مصلحة إسرائيل. فإسرائيل لم تعد في حالة حرب مع جيرانها فقط، بل هي في حرب مع العدسة ذاتها.
الصدمة النفسية داخل إسرائيل
ويشير العزاوي في مقاله إلى أن الآثار النفسية لهذه الحرب البصرية تتردد عميقاً داخل المجتمع الإسرائيلي. لعقود، نشأ الإسرائيليون على أنهم رواة عالميون للمعاناة، لا موضوعاً للتمحيص الدولي. لكن الآن، مع تدفق الفيديوهات التي تُظهر القصف الإسرائيلي، وأحياء غزة تسوى أرضا، والأطفال الجوعى الهزلى، بات العديد من الإسرائيليين في مواجهة مأزق أخلاقي متزايد.
هناك شعور بعدم الارتياح، حتى عند المعتدلين، بأن هذه الصور المؤثرة تنال من تفوّق إسرائيل الأخلاقي الذي تسوقه دوما. ولأول مرة، يشمل النقاش العام في المجتمع الإسرائيلي خوفاً من المرآة: مما يراه العالم الآن، ومما يُجبَر الإسرائيليون على مواجهته.
تآكل الدعم الدولي
دولياً، كان الأثر أكثر زعزعة لمكانة إسرائيل الدبلوماسية. الحلفاء القدامى، الذين كانوا يدعمونها بلا قيد، يواجهون الآن ضغوطاً داخلية متزايدة من مواطنين لا يستهلكون البيانات الرسمية، بل البث الحي من تيك توك وصور إنستغرام.
وحتى البرلمانيون في أوروبا وأميركا الشمالية بدأوا يتساءلون علناً عن شحنات الأسلحة، واتفاقيات التجارة، والدعم الدبلوماسي —ليس بسبب تقارير رسمية عن جرائم الحرب الإسرائيلية، بل لأن صناديق بريدهم تغصّ بصور أشلاء متناثرة وأطفال يتضوّرون جوعاً.
لقد امتد ميدان المعركة إلى البرلمانات، والجامعات، والمجالس البلدية، وغرف التحرير. هذه هي ارتدادات حرب لا تستطيع إسرائيل كسبها بالقوة الغاشمة. ولإعادة السيطرة على السردية، ضغطت إسرائيل على منصات التواصل الاجتماعي لتقييد المحتوى غير المرغوب فيه. ومع ذلك، تكافح حتى أكثر حملاتها الدبلوماسية تطوراً لمجاراة سرعة انتشار الصور.
الخوف من المحاكمة
ويذهب الكاتب إلى أنه خلف الأبواب المغلقة، لم تعد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية قلقة فقط بشأن العلاقات العامة، بل باتت تخشى الملاحقة القضائية. لقد حذر الجيش الإسرائيلي جنوده من التقاط صور سيلفي أو تصوير أنفسهم وهم يهدمون منازل الفلسطينيين، لأن هذه المواد تُستخدم الآن كأدلة من منظمات حقوق الإنسان الدولية.
وقد استُخدمت فعلا صور وفيديوهات من وسائل التواصل الاجتماعي من ناشطين لاستهداف جنود إسرائيليين في الخارج. وفي عدة حالات، اضطر إسرائيليون إلى الفرار من دول كانوا يزورونها بعد أن تم تقديم شكاوى ضدهم بتهم ارتكاب جرائم حرب.
في عصر الهواتف الذكية، لم يعد الاحتلال مرئياً فقط، بل قابل للإدانة.
الزمن تغير
في السابق، كانت إسرائيل تخوض حروباً يمكنها تفسيرها وتبريرها. أما الآن، فهي تخوض معركة لا يمكنها سوى التفاعل معها، وغالباً بعد فوات الأوان، وبطريقة مرتبكة. الهاتف الذكي يلتقط ما تخفيه الصواريخ. وسائل التواصل تنشر ما تحاول الإحاطات الرسمية حجبه. الصور المؤلمة، المحفوظة رقمياً، تضمن ألا ننسى أي مجزرة أو عمل وحشي.
قوة الصورة
وخلص الكاتب إلى أن صور الصراع لا تنقل المعلومات فقط؛ بل يمكن أن تعيد تشكيل تصوراتنا وتؤثر على مواقفنا السياسية. الصورة الشهيرة للفتاة الفيتنامية المحترقة بالنابالم، بعد هجوم شنّه الجيش الفيتنامي الجنوبي المتحالف مع الولايات المتحدة، كان لها تأثير هائل على المجتمع الأميركي. فقد ساهمت في تغيير كبير في الرأي العام وسرّعت قرار الحكومة الأميركية بإنهاء الحرب في فيتنام.
اليوم، في غزة، لا يتوقف تدفق الصور المؤثرة. وبالرغم من كل جهود إسرائيل، فإن الرأي العام العالمي أصبح على نحو واسع النطاق ضد حربها الإباديّة.
لقد غيّرت الهواتف الذكية تماماً طبيعة النزاع، بوضع الكاميرا في يد كل شاهد. وفي هذا العصر الجديد، تكافح إسرائيل لهزيمة سجل وتوثيق بصري لا يرحم، وغير مفلتر، ويطالب بتحقيق العدالة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 3 ساعات
- الجزيرة
عباس: حماس لن تحكم غزة والحل الوحيد تمكين الدولة الفلسطينية
قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأحد إن "الحل الوحيد القابل للتطبيق" في غزة هو "الانسحاب الكامل لإسرائيل وتمكين الدولة الفلسطينية" من تولي مسؤولياتها في القطاع "بدعم عربي ودولي فاعل"، مؤكدا أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) "لن تحكم" القطاع. جاء ذلك خلال لقائه في مقر إقامته بالعاصمة الأردنية عمان، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية (وفا). وبحث عباس مع بلير خلال اللقاء "آخر المستجدات في الأرض الفلسطينية، والتطورات السياسية والإنسانية الجارية". وأكد الرئيس الفلسطيني على "ضرورة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، والإفراج عن جميع الرهائن (الإسرائيليين) والأسرى (الفلسطينيين)، وضمان إدخال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى قطاع غزة دون عوائق". كما أشار إلى أن "حركة حماس لن تحكم قطاع غزة في اليوم التالي". وقال إن على حماس "تسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية ، والانخراط في العمل السياسي من خلال الالتزام ببرنامج منظمة التحرير السياسي، وبرنامجها الدولي، وبالشرعية الدولية، ومبادئ النظام الواحد والقانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد". وتعاني الساحة الفلسطينية انقساما سياسيا وجغرافيا منذ عام 2007، حيث تسيطر حماس على قطاع غزة، في حين تدير الضفة الغربية حكومات تشكلها حركة فتح بزعامة الرئيس عباس. وشدد عباس على "ضرورة وقف جميع الإجراءات الأحادية، وفي مقدمتها التوسع الاستيطاني، ورفض الضم (للضفة الغربية)، ووقف الاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية". كما أكد على أهمية إطلاق عملية سياسية جادة لتنفيذ حل الدولتين، استنادا إلى قرارات الشرعية الدولية، ومبادرة السلام العربية وعبر عقد مؤتمر دولي للسلام في نيويورك. ومنذ أيام، تشهد العاصمة القطرية الدوحة جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين وفدي حماس وإسرائيل، بوساطة قطرية ومصرية، وبمشاركة أميركية، بهدف التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى. وفي وقت سابق الأحد، أكدت حركتا حماس و الجهاد الإسلامي أن "أي مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل يجب أن تفضي لإنهاء حرب الإبادة على غزة وانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع وفتح المعابر وإعادة الإعمار". كما يتوقع أن يعقد مؤتمر دولي عن حل الدولتين في نيويورك، برئاسة السعودية وفرنسا، في 28 يوليو/تموز الجاري وفق ما صرح به وكيل وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية عمر عوض الله، السبت لإذاعة "صوت فلسطين" الرسمية.


الجزيرة
منذ 4 ساعات
- الجزيرة
الإعلام الإسباني يرفض رواية إسرائيل ويكشف جرائمها بغزة
تميز الإعلام الإسباني عن باقي وسائل الإعلام الغربية الأخرى بعدم الانحياز للرواية الإسرائيلية في الحرب على الفلسطينيين في قطاع غزة. اقرأ المزيد المصدر: الجزيرة


الجزيرة
منذ 5 ساعات
- الجزيرة
المستشار الألماني يرفض خطة إسرائيل إنشاء "مدينة إنسانية" برفح
أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس الأحد معارضته لخطة إسرائيل إنشاء ما تسميه "مدينة إنسانية" في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة. وشدد ميرتس -في تصريحات لقناة "إيه آر دي" الألمانية- على أنه ليس راضيا منذ أسابيع عن ممارسات الحكومة الإسرائيلية في قطاع غزة. وأوضح أنه أعرب مرارا عن عدم رضاه، وأنه ناقش هذه المواضيع أيضا مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية لمسؤوليته عن ارتكاب جرائم حرب في غزة. وعبّر ميرتس، عن أمله في التوصل إلى حل الدولتين للقضية الفلسطينية بالتعاون مع الأميركيين. وقال "للشعب الفلسطيني الحق في امتلاك مكان يستطيع العيش فيه، أما ما يحدث حاليا في قطاع غزة فهو أمر لا يمكن قبوله". وتتعرض ألمانيا لانتقادات واسعة باعتبارها من أبرز داعمي إسرائيل سياسيا وعسكريا في حرب الإبادة الجماعية التي تشنها ضد قطاع غزة. وتواصل إسرائيل، بدعم أميركي مطلق، حرب إبادة جماعية في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 ، خلّفت أكثر من 196 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، فضلا عن مئات آلاف النازحين وأزمة إنسانية وصحية غير مسبوقة.