
نعم شرق أوسط جديد
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قضى أطول مدة فوق كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، عمل بقوة على إنهاء القضية الفلسطينية، وأعلن أن أرض فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر هي ملك للشعب اليهودي وحده، وأصدر قانوناً تأسيسياً يشرّع لذلك، وأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية، هو مغادرة كل الشعب الفلسطيني لكل أرض إسرائيل. في الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض نتنياهو تصوراً لما سماه الشرق الأوسط الجديد، التي تمتلك فيه إسرائيل الهيمنة المطلقة. القوة العسكرية هي القلم الناري الذي يرسم خريطة الهيمنة الإسرائيلية.
اهتبل نتنياهو هجوم حركة «حماس» على إسرائيل، فشنَّ حرب إبادة عنيفة شاملة على غزة، وقتل القادة السياسيين والعسكريين للحركة، ثم وجَّه آلته العسكرية إلى لبنان، وقتل قيادة «حزب الله»، ودمَّر البنية السياسية والعسكرية للحزب. دفع نتنياهو بعد ذلك بقواته لاحتلال ما بقي من مرتفعات الجولان السورية، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، شنَّ حرباً واسعة لتدمير السلاح السوري. تملك نتنياهو بعد كل ما حققه، زهوٌ نرجسيٌّ جنونيٌّ، وأعلنَ بلسانٍ يقذف رصاصَ الغرور، ولغةِ جسدٍ متعاليةٍ متحدية، أنَّه صنع شرقَ أوسط جديداً، تهيمن فيه إسرائيل وحدها، على كل ما فيه. منذ تأسيسها سنة 1948، لم تخض إسرائيل حرباً على أرضها، وبعد الضربات القوية الواسعة، التي قام بها الاستشهاديون الفلسطينيون، بنت إسرائيل الأسوارَ العالية، لتكون كل أرضها «الغيتو الجديد»، الذي يحميها من الهجمات الفدائية الفلسطينية. طرأت على المنطقة أحداث وحروب، رسَّخت الإحساس بالأمن المطلق في نفوس كلّ الإسرائيليين، فقد طُويت الصفحةُ العربية، التي كُتب فيها لسنوات سطور تحرير كامل فلسطين، وصمتتِ الأصواتُ العربية الهادرة، التي كانت ترتفع ليلاً ونهاراً داعية لتحرير كامل فلسطين المغتصبة من البحر إلى النهر.
حدث تاريخي هائل، هوى كمطرقة الفيلسوف الألماني المتمرد فريدريك نيتشه، على علامات مسار الزمان والمكان في المنطقة. الثورة الإيرانية سنة 1979 التي أسقطت نظام الشاه صديق إسرائيل الحميم. علاقة آية الله روح الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، مع القضية الفلسطينية كان لها تاريخ طويل. عندما أعلن شاه إيران اعترافه بإسرائيل سنة 1960، وأقام علاقة دبلوماسية معها، هاجمه الخميني علناً، وكال له تهماً تخرجه من ملّة الإسلام. اعتقل الشاه الخميني، لكنَّه أُرغم على الإفراج عنه بضغط من المظاهرات الشعبية الواسعة، التي عمَّت البلاد مطالبة بالإفراج عنه. قام الرئيس جمال عبد الناصر بدعم الخميني، وأرسل له 150 ألف دولار. بعد أيام قليلة من انتصار الثورة الإيرانية، أمر الخميني بطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من طهران، وسلم مقرّها لمنظمة التحرير الفلسطينية. عمَّت الفوضى البلاد بعد الثورة، وتفككت القدرات العسكرية وانهارت الإدارة وتشققت البنية التحتية. أغرى كل ذلك الرئيس العراقي صدام حسين بشن حرب واسعة على إيران التي لم تعد تمتلك مؤسسة عسكرية قادرة على الحرب.
استنجد قادة الثورة الإيرانية بصديقهم القديم العقيد معمر القذافي قائد ليبيا، فأرسل لهم كميات كبيرة من السلاح، وعلى رأسِها الصواريخ الطويلة المدى السوفياتية. لم يكن لدى إيران خبراء عسكريون، لهم القدرة على تشغيل تلك الصواريخ، فأرسلت طرابلس إلى طهران ضباطاً ليبيين قاموا بإطلاقها على بغداد. هذه البلاد (إيران) التي لم تكن تمتلك صواريخ، وليس لديها مَن يتقن تشغيلها، صارت اليوم تصنع الصواريخ القوية الذكية ذات الرؤوس العنقودية، وتدك كلَّ أرض إسرائيل، وتراوغ القدرات الدفاعية الإسرائيلية العالية التقنية. نتنياهو، اعتقد جازماً أنَّ الإجهازَ على القدرات العسكرية الإيرانية، ومنظومتها العلمية وبخاصة في المجال النووي، هو الضربة القاضية على خصمه الوحيد الباقي على حلبة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ووجود حليفه دونالد ترمب في البيت الأبيض، سيكون ذراعه الحديدية الضاربة. شن نتنياهو هجوماً جوياً واسعاً وقوياً على إيران؛ بذريعة تدمير برنامجها لصناعة قنابل نووية.
لكن نتنياهو لم يدر بخلده أنَّه قد سعى إلى حتفه بظلفه. أمطرت إيران إسرائيل بمئات الصواريخ، وحلَّ الدمار والموت وعمَّ طوفان الرعب في وجدان جميع الإسرائيليين. لقد غربت شمس التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق في المنطقة، وحرقت صواريخ إيران حلم نتنياهو، بالهيمنة على كامل الشرق الأوسط الجديد، الذي رسم خريطته بقلم زهوه النرجسي.
نعم، نحن نعيش اليوم شرق أوسط جديداً، لا تتفرد فيه إسرائيل بالهيمنة المطلقة، بقوة السلاح والدعم الأميركي غير المحدود. الخليج العربي يشهد اليوم نهوضاً اقتصادياً وعلمياً، ودولة باكستان الإسلامية، برزت قوةً عسكريةً وعلميةً فاعلة، وجيل عربي وإسلامي جديد، مسكون بالقضية الفلسطينية. ديڤيد بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل، كان يكرر في خطاباته القول: «إن العرب لن ينسوا أبداً هذه الأرض، التي يؤمنون أنها بلادهم المقدسة، وأننا أخذناها منهم بقوة السلاح، وعلينا أن نطوّر قدرتنا العسكرية بلا كلل»، لقد فشل مشروع شرق أوسط نتنياهو الجديد، وبزغ لون زمن جديد في المنطقة.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الشرق الأوسط
منذ 22 دقائق
- الشرق الأوسط
قطر ترى «فرصة» للتوصل إلى هدنة في غزة
كشف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أمس (الجمعة) أن الوسطاء يتواصلون مع إسرائيل وحركة «حماس» للاستفادة من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل هذا الأسبوع، من أجل الدفع باتجاه التوصل إلى هدنة في قطاع غزة. وقال الأنصاري في مقابلة مع «وكالة الصحافة الفرنسية» «إذا لم نستغل هذه الفرصة وهذا الزخم، فستكون فرصة ضائعة من بين فرص كثيرة أتيحت في الماضي القريب. لا نريد أن نشهد ذلك مرة أخرى». وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعرب أمس (الجمعة) عن تفاؤله بإمكان إرساء وقف جديد لإطلاق النار في غزة، مشيراً إلى احتمال التوصل إلى اتفاق «وشيك» يشمل إسرائيل وحركة «حماس» اعتباراً من «الأسبوع المقبل». وأفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، اليوم (السبت)، بأن الاستجابة الصحية في قطاع غزة تواجه تحديات تشغيلية جسيمة. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة «حماس» الفلسطينية، مع وصول الأزمة الإنسانية في قطاع غزة إلى «أبعاد مروعة». وقال إن وقف إطلاق النار الأخير بين إسرائيل وإيران هو ما يدعو إلى الأمل، ولكنه أشار إلى أن سكان غزة يتعرضون للقتل في أثناء البحث عن الطعام. وأضاف غوتيريش: «يجب ألا يكون البحث عن الغذاء حكماً بالإعدام»؛ مشيراً بشكل غير مباشر إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية التي تديرها «مؤسسة غزة الإنسانية» المثيرة للجدل في غزة. ووفقاً لأرقام الأمم المتحدة، قُتل ما لا يقل عن 410 فلسطينيين بالقرب من نقاط «مؤسسة غزة الإنسانية» لتوزيع الغذاء منذ نهاية مايو (أيار).


صحيفة سبق
منذ ساعة واحدة
- صحيفة سبق
"آكشن إيد": مراكز المساعدات في غزة تحولت إلى فخ مميت للمدنيين
أعربت منظمة "آكشن إيد" الدولية عن صدمتها الشديدة مما وصفته بـ"الدمار المستمر" الناتج عن مخطط توزيع المساعدات في قطاع غزة، الذي تشرف عليه "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل. وقالت المنظمة في بيان صدر اليوم السبت، إن أكثر من 516 شخصًا استُشهدوا خلال محاولتهم الوصول إلى نقاط توزيع المساعدات منذ إطلاق هذه المراكز قبل أكثر من شهر، مؤكدة أن هذه النقاط، بدل أن تكون ملاذًا إنسانيًا، تحولت إلى مصيدة قاتلة لسكان القطاع المحاصر. ووصفت المنظمة ما يحدث بأنه انتهاك صارخ للمبادئ الإنسانية الأساسية، مطالبة إسرائيل بالامتثال الفوري للقانون الدولي الإنساني، وضمان تدفق المساعدات الحيوية بأمان ودون عوائق. وأكدت أن المناطق العسكرية التي يديرها متعاقدون مسلحون لا يمكن أن تحل محل نظام إنساني حقيقي وفعال. وقالت رهام جعفري، مسؤولة التواصل والمناصرة في "آكشن إيد – فلسطين": "بينما ينشغل العالم بتطورات الصراع، يُترك سكان غزة لمواجهة الجوع والموت، في مناطق خطرة تُطلق فيها النيران على المدنيين بدلًا من تقديم الغذاء". وأضافت: "هذه ليست عملية إنسانية، بل فخ موت". وطالبت المنظمة بانسحاب كامل لقوات الاحتلال من غزة، ووقف دائم للحرب، لضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعلي وآمن إلى مستحقيها.


العربية
منذ ساعة واحدة
- العربية
مقتل شخص باستهداف مسيرة لسيارة جنوب لبنان
استهدفت طائرة مسيّرة إسرائيليّة، اليوم السبت، سيارة في بلدة كونين، في جنوب لبنان، ما أدى إلى مقتل شخصٍ. غارة من مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في بلدة كونين جنوب #لبنان #العربية — العربية (@AlArabiya) June 28, 2025 ويوم أمس الجمعة، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية أن امرأة قتلت وأصيب 25 شخصا آخرين عقب سلسلة غارات إسرائيلية على جنوب لبنان، بينما قالت إسرائيل إن هؤلاء أصيبوا جراء انفجار ذخائر في مواقع لحزب الله استهدفها جيشها. في حين ذكر الإعلام المحلي أن شقة استهدفت بضربة من مسيّرة، لكن الجيش الإسرائيلي نفى هذا الأمر. ورغم سريان وقف لإطلاق النار منذ نوفمبر، تشنّ إسرائيل باستمرار غارات على لبنان، خصوصا في الجنوب توقع قتلى. وتكرر أنها لن تسمح لحزب الله بإعادة بناء قدراته بعد الحرب التي تكبّد فيها خسائر كبيرة على صعيد بنيته العسكرية والقيادية. وكانت الوكالة الوطنية للإعلام أفادت في وقت سابق بتعرض منطقة النبطية لضربات عنيفة متتالية، قالت وزارة الصحة إنها أسفرت عن إصابة سبعة أشخاص بجروح. لاحقا، أعلنت الوزارة أن غارة إسرائيلية "بمسيرة على بلدة شقرا أدت إلى إصابة أربعة مواطنين بجروح". وكان الجيش الإسرائيلي أفاد بأن طائرته قصفت في منطقة الشقيف المجاورة للنبطية "موقعا كان يُستخدم لإدارة أنظمة النيران والحماية لحزب الله"، ويعد "جزءا من مشروع تحت الأرض تم إخراجه عن الخدمة" نتيجة غارات سابقة. وأشار إلى أنه رصد "محاولات لإعادة إعماره، ولذلك تمت مهاجمة البنى التحتية الإرهابية في المنطقة"، محذرا من أن "وجود هذا الموقع ومحاولات إعماره تشكل خرقا فاضحا للتفاهمات بين إسرائيل ولبنان". تهديد للاستقرار وندّد مسؤولون لبنانيون بالغارات. واعتبر رئيس الجمهورية جوزيف عون في بيان أن "إسرائيل تواصل ضربها عرض الحائط بالقرارات والدعوات الإقليمية والدولية إلى وقف العنف والتصعيد في المنطقة، ما يستوجب تحرّكا فاعلا من المجتمع الدولي لوضع حدّ لهذه الاعتداءات". وقال رئيس الوزراء نواف سلام إن "الاعتداءات الإسرائيلية.. تمثّل خرقا فاضحا للسيادة الوطنية ولترتيبات وقف الأعمال العدائية.. كما تشكّل تهديدا للاستقرار الذي نحرص على صونه". وفي رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، طلبت بموجبها تجديد ولاية قوة اليونيفيل لمدة عام، اعتبارا من نهاية أغسطس، طالبت وزارة الخارجية اللبنانية بـ"انسحاب إسرائيل من كل الأراضي اللبنانية التي تحتلّها ووقف انتهاكاتها المتواصلة لسيادته ووحدة أراضيه". واتهم الجيش الإسرائيلي حزب الله بمواصلة "تخزين قذائفه الصاروخية العدوانية بالقرب من المباني السكنية وسكان لبنان وتعريضهم للخطر"، محمّلا الحكومة اللبنانية "مسؤولية ما يجري داخل أراضيها في ضوء عدم مصادرة أسلحة حزب الله الثقيلة وقذائفه الصاروخية". ونصّ وقف إطلاق النار بوساطة أميركية على انسحاب حزب الله من المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني (على مسافة حوالي 30 كيلومترا من الحدود) وتفكيك بناه العسكرية فيها، مقابل تعزيز انتشار الجيش وقوة اليونيفيل. كما نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من مناطق تقدمت إليها خلال الحرب، لكن إسرائيل أبقت على وجودها في خمس مرتفعات استراتيجية، يطالبها لبنان بالانسحاب منها. وتكرر إسرائيل أنها ستواصل العمل "لإزالة أي تهديد" ضدها، ولن تسمح للحزب بإعادة تأهيل بنيته العسكرية. وتوعّدت الشهر الحالي بمواصلة شنّ ضربات ما لم تنزع السلطات سلاح حزب الله.