logo
زياد الرحباني.. خاطب الوعي وانتقد الطائفية بأعماله الفنية

زياد الرحباني.. خاطب الوعي وانتقد الطائفية بأعماله الفنية

الجزيرة٣٠-٠٧-٢٠٢٥
ملحن وكاتب ومؤلف مسرحي وعازف وصحفي وسياسي لبناني، وُلد في بيروت مطلع يناير/كانون الثاني 1956، وهو الابن البكر للفنانة فيروز. أبدى مبكرا موهبة استثنائية، وألّف أول كتبه بعنوان "صديقي الله" في سن الثالثة عشرة، ودخل عالم المسرح عام 1973 حين قدم أولى مسرحياته "سهرية" ولم يكن قد بلغ الـ17 بعد.
تميّز بأسلوبه الموسيقي المتفرّد الذي مزج بين الموسيقى الشرقية والجاز، وترك بصمته في الأغنية العربية المعاصرة عبر ألحان أبرزها "سألوني الناس" التي غنتها والدته. توفي يوم 26 يوليو/تموز 2025.
المولد والنشأة
وُلد زياد عاصي الرحباني في الأول من يناير/كانون الثاني 1956 في بلدة أنطلياس، الواقعة شمالي العاصمة بيروت.
نشأ في كنف أسرة فنية استثنائية، فوالدته هي نهاد رزق وديع المعروفة باسم فيروز إحدى أيقونات الغناء العربي، ووالده الملحن الراحل عاصي الرحباني، أحد أبرز أعمدة الموسيقى اللبنانية والعربية.
الدراسة والتكوين
تلقى زياد الرحباني تعليمه في مدارس فرنسية ببيروت المعروفة بانضباطها الأكاديمي وانفتاحها الثقافي، وتأثر بالفكر الفلسفي والنقدي الغربي، إلى جانب انغماسه في البيئة الفنية التي نشأ فيها.
منذ طفولته، أبدى شغفا بالموسيقى وبدأ العزف على البيانو تحت إشراف موسيقيين مقربين من والده وعمه.
كان يقضي ساعات يوميا في التمرين، مما مكنه من تطوير أسلوبه الخاص في التأليف والعزف. ورغم تجربته في العزف على العود والطبلة، مال لاحقا إلى الآلات الغربية مثل البيانو الرقمي والساكسوفون، متأثرا برواد الجاز والبلوز من مثل مايلز ديفيس وديف بروبك، واستلهم منهم أساليب في التوزيع والارتجال.
جمع زياد في تكوينه بين روح الموسيقى الشرقية وبنية الموسيقى الغربية، مما منحه هوية موسيقية فريدة مهدت لانطلاقته في عالم المسرح والموسيقى، بعيدا عن النمط الأكاديمي التقليدي.
التجربة المسرحية
لمع اسم زياد الرحباني في المسرح وهو لم يتجاوز الـ17 من عمره حين قدّم أولى مسرحياته "سهرية" عام 1973، والتي تميزت بمزيج من السخرية الحادة والنقد الاجتماعي والسياسي، وعكست واقع المواطن اللبناني بهمومه اليومية وتعقيداته المجتمعية. واستخدم في المسرحية لغة عامية قريبة من الناس، وهو ما رسّخ مكانته باعتباره صوتا نقديا جريئا ومختلفا في المسرح اللبناني.
تابع بعد ذلك إنتاج أعمال مسرحية بارزة، من بينها:
"نزل السرور" عام 1974: وهي مسرحية سياسية كوميدية تناولت الفوارق الطبقية عبر قصة عمال يستولون على مطعم شعبي، في سعيهم لتحقيق العدالة.
"فيلم أميركي طويل" عام 1980: جرت أحداثها في مستشفى للأمراض النفسية، وعكست أزمات لبنان الطائفية والسياسية والاقتصادية في أوج الحرب الأهلية التي استمرت إلى حتى عام 1990.
"شي فاشل" عام 1983: قدم فيها نقدا لاذعا للواقع اللبناني بعد الحرب عبر حوارات تدور بين شخصيات منهكة في مقهى شعبي.
"بخصوص الكرامة والشعب العنيد" عام 1993: عاد فيها الرحباني إلى المسرح بعد غياب عشر سنوات، وتناولت بأسلوب ساخر مفاهيم الكرامة والوطن.
"لولا فسحة أمل" (1994): وهي مسرحية مكملة لسابقتها.
التجربة الموسيقية
لم تقتصر تجربة الرحباني على خشبة المسرح، بل امتدت إلى عالم الموسيقى وبرز فيه ملحنا موهوبا منذ بداياته. ففي العام نفسه الذي قدّم فيه أولى مسرحياته، لحّن أولى أغاني والدته فيروز "سألوني الناس"، وكانت بمثابة انطلاقة فعلية له في مجال التلحين.
ولاحقا، أصبح الرحباني أحد أبرز من جددوا في الأغنية الفيروزية الحديثة، عبر ألحان حملت بصمته الخاصة، ومزجت بين الإحساس الشرقي والأسلوب الغربي. ومن بين أشهر أعماله: "كيفك إنت"، "صباح ومساء"، "وعودك رنان"، و"بكتب اسمك يا حبيبي" التي أصبحت من كلاسيكيات أرشيف فيروز.
وإلى جانب الأغاني، خاض زياد تجربة الألبومات الموسيقية المستقلة، وأطلق عدة أعمال موسيقية مميزة منها:
"إلى عاصي" عام 1986: وهي تحية موسيقية مؤثرة أهداها إلى روح والده.
"أنا مش كافر" بين عامي 1995 و1996.
"مونودوز" عام 2001: وهي عمل موسيقي بالكامل بدون كلمات، وتميز بمزجه الفريد بين الموسيقى الشرقية وأنماط الجاز.
التجربة الصحفية
خاض الرحباني تجربته الصحفية في منتصف سبعينيات القرن الـ20، عبر كتاباته في "جريدة السفير" اللبنانية، إذ قدّم سلسلة مقالات ساخرة تحت عنوان "بالصميم"، تميزت بلغتها الشعبية القريبة من الناس، واعتمد فيها اللهجة اللبنانية العامية لنقد الواقع السياسي والاجتماعي بأسلوب لاذع ومباشر.
وفي عام 2006، انضم إلى "جريدة الأخبار" منذ انطلاقتها، وكتب فيها مقالات أسبوعية امتدت حتى عام 2014، مستفيدا من الخط التحريري اليساري للصحيفة، الذي انسجم مع رؤاه السياسية.
واتسم أسلوبه في المقالة بالحوار الداخلي (مونولوغ)، فقد كان يعالج القضايا اللبنانية والعربية من منظور نقدي شخصي، يمزج بين التهكم والأسى.
الوفاة
توفي زياد الرحباني يوم 26 يوليو/تموز 2025 عن عمر ناهز 69 عاما، بعد معاناة طويلة مع مرض تليف الكبد، وشارك الآلاف في تشييعه من أمام مستشفى "خوري" في بيروت.
كما رفع المشاركون في الجنازة العلم الفلسطيني وارتدوا الكوفيات، في إشارة إلى مواقف الرحباني المناصرة للقضية الفلسطينية، وظهرت ملصقات تجمع صورته مع الناشط اللبناني جورج عبد الله.
انطلق موكب تشييعه من بيروت إلى بلدة المحيدثة في قضاء المتن، وأقيمت مراسم الدفن في كنيسة "رقاد السيدة"، قبل أن يُوارى الثرى في مدافن العائلة.
نعاه عدد من المسؤولين اللبنانيين، بينهم رئيس الجمهورية جوزيف عون ، الذي وصفه بـ"الضمير الحي"، ورئيس الحكومة نواف سلام الذي اعتبره رمزا فنيا وفكريا. كما أشاد به الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب واصفا إياه بـ"الثائر الإنساني" الحالم بلبنان ديمقراطي بلا طائفية.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

"غرق السلمون" للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن
"غرق السلمون" للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن

الجزيرة

time٣٠-٠٧-٢٠٢٥

  • الجزيرة

"غرق السلمون" للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن

ربّما يعرف كثيرون واحة الراهب الممثّلة والمخرجة والفنّانة التشكيليّة، لكن تبقى الروائيّة غائبة عن أذهان الناس عند ذكر اسمها. لواحة الراهب 4 روايات وهي "مذكرات روح منحوسة" عن دار العين بمصر، "الجنون طليقا" و"حاجز لكفن" و"غرق السلمون" عن دار نوفل هاشيت أنطوان بلبنان. تركز واحة الراهب في مشروعها الروائي الذي لا يتجزّأ عن مشروعها الإنساني السياسي على الظلم الواقع على المواطن السوري العادي من نظام حكم الأسد الذي كان في السلطة عند صدور روايات واحة الأربع. ومن يعرف واحة الراهب يعرف تماما موقفها السياسي الواضح من نظام الأسد، وهو ما أفصحت عنه في مقالاتها ومقابلاتها التلفزيونية بالإضافة إلى رواياتها. في روايتها الأحدث "غرق السلمون" تناقش واحة الراهب فساد السلطة من منبعها، أي من منزل شخصية تعمل لدى السلطات السورية لتدخلنا إلى عالم الحكام الخاص، حياتهم اليومية، مخاوفهم، علاقاتهم الأسرية، كيف يمضون وقتهم في منازلهم مع عوائلهم، كيف يمارسون نشاطاتهم كأفراد عاديين بعيدا عن الكراسي المعلقة في سماوات نسمع عنها ولا نعرف عنها إلا النزر المتواضع. تستخدم واحة الراهب في روايتها أسلوب الراوي الأول العليم والمتعدد، إذ تفرد المساحة لغالبية الشخوص الأساس في العمل ليتحدثوا بألسنتهم عن حيواتهم، مشاعرهم، طفولتهم، تطلعاتهم ونظرتهم الخاصة لكل ما يدور حولهم من أحداث، خالقة مسافة حرية لكل شخصية بعيدا عن سلطة الكاتبة وبعيدا أيضا عن سلطة الراوي العليم. تبين واحة الراهب بهذه التقنية مدى وضوحها وشفافيّتها في مشروعها الأدبي، فهي وإن كانت تهاجم سلطة نظام الأسد، لكنها أبقت على تلك الفسحة الإنسانية لشخوص السلطة، سمحت لهم بالحديث عن أنفسهم من دون إقحام لرأيها الشخصي بهم. فنرى كل شخصية حصلت على مساحة مقبولة من السرد بلسانها، لا لتبرير إجرام بعضهم، ولكن للطرح الحر، وترك الحكم للقارئ. مشروع واحة يعد هذا النوع من الكتابة سردا شجاعا، إذ يصعب على الكاتب أحيانا أن يتجرد من كينونته، عواطفه، وانفعالاته ويترك المجال لشخوصه للكتابة عن ذواتها بواقعية أو غير واقعية قد يكون الكاتب مختلف تماما مع تفاصيلها. فمشروع واحة، وتحديدا في هذه الرواية هو ليس الهجوم، بل الاستفادة من إخفاقات الماضي لبناء وطنا لا يبكي أبناءه يوميا. واليوم، وبعد سقوط نظام الأسد، كم هو مهم لنا كقراء عرب نعيش في منطقة تغلي سياسيا أن نقرأ عملا كغرق السلمون لنعتبر من الأمس المظلم، ننسى خلافاتنا، أحقادنا، ثأرنا، لنتحد كوطن واحد، شعب واحد، وأسرة واحدة. وهل أسمى من هكذا قيم يقدمها لنا الأدب؟ الرواية لم تناقش معاناة السوريين في نظام الأسد فقط، بل تطرقت إلى مواضيع أخرى مهمة وهو موضوع الانعتاق، التي قد تبدو بظاهرها انعتاق سياسي بحت، لكنها في الواقع تناقش الانعتاق من قيود كثيرة وقاسية تفرضها علينا الحياة، كسلطة الأب والأخ على الابنة، أو سلطة العائلة بشكل عام إن صح التعبير، سلطة الزوج، سلطة المجتمع ونظرته للمرأة المطلقة، والأهم، سلطة الذات الأكثر قسوة علينا من أية سلطة خارجية. تهتم واحة الراهب بشخوص روايتها. هي الأم التي تعتني بكل تفصيلة تشكل بناء حيواتهم. تُلبسهم، تُطعمهم، تخاف عليهم، لتأتي كل شخصية محملة بالكثير من المعاني والثيمات التي تتقاطع مع شخوص أخرى في الرواية مشكلة دائرة متصلة من الأحداث تدفع دفتي الرواية إلى الأمام. هل تغرق سمكة السلمون؟ "غرق السلمون" عنوان جذّاب. لماذا السلمون؟ تلك السمكة التي تسبح عكس التيار، كأمل، واحدة من شخوص العمل الأساس، التي عتقت نفسها من مشنقة البيت، الأب المتسلط، الأخ السائر على نهج والده، الزوج اللاحس لأحذية السلطة، الوطن الذي بات يضيق عليها، والنفس الضعيفة العاجزة دوما عن العيش. وهل تغرق سمكة السلمون؟ نعم، عندما لا يكفي الأكسجين المذاب في الماء تغرق السمكة، فما كان أكسجين أمل المذاب؟ وهل غرقت؟ الرواية تجيب عن هذه التساؤلات. ناقشت الرواية أيضا آلة صنع الطاغية وكيف يتبدل حال الفرد منا أحيانا وفقا لما يعيشه من أزمات. فربيع الحالم، الشاب المناضل في الثورة السورية، العاشق لأمل هل هو نفسه الذي أصبح داعشيا؟ ورند، شقيق أمل، ذاك الشاب الطموح، كيف مزقته أنياب والده وألقت به في لج المسلحين في العراق؟ إنها آلة الطغيان التي لا تسرف الوقت في المضغ، بل تبتلع لقمة واحدة وتبصق طغاة جددا. لغة الرواية مقتل رواية "غرق السلمون" كان اللغة. استخدمت الراهب لغة متكلفة جدا لا تناسب مواضيع الرواية الحساسة والتي تمس الإنسان بشكل مباشر. قررت واحة الراهب السرد بلغة كانت غير مفهومة وتحديدا في فصول السرد الذاتي المونولوجي بشخصية أمل عن تجسدها بصورة سمكة السلمون. لغة متخشبة خالية من المعنى أتت بصورة أحاج غير مفهومة وغير مترابطة أدت وللأسف فصل اندماج القارئ مع العمل. هذه اللغة المسرفة بعدم الوضوح في تلك الفصول تحديدا ناقصت كثيرا من متعة قراءة العمل وإن كان موضوع الرواية شديد العمق والأهميّة. أقدر كثيرا جهد الكاتبة وسعيها الحثيث في استخدام لغة راقية وأدبية، لكن اللغة الأدبية لا تعني بالضرورة تعجيز القارئ على الفهم، ولا تعني أبدا استخدام النعوت القديمة غير المتداولة في اللغة الحديثة، ولا يعني الإسهاب في أوصاف لا تقدم ولا تؤخر في سيلان الحدث والعمل كله، بل تعطل القارئ وتفصله عن تلك الحميمية التي تبنى عادة بين القارئ والنص على جسر اللغة الذي يشيده الكاتب وهذا ما، وللأسف، أخفقت به الراهب في هذه الرواية. أكثر ما يزعجني كقارئ قبل أن أكون ناقدا، أن نصا بهذه الجودة من الأفكار تشوهه اللغة غير المناسبة له وغير المتكافئة مع وحدته ومغزاه. السؤال هنا، هل طرح هذه المشكلة من حرر النص في دار النشر؟

زياد الرحباني.. خاطب الوعي وانتقد الطائفية بأعماله الفنية
زياد الرحباني.. خاطب الوعي وانتقد الطائفية بأعماله الفنية

الجزيرة

time٣٠-٠٧-٢٠٢٥

  • الجزيرة

زياد الرحباني.. خاطب الوعي وانتقد الطائفية بأعماله الفنية

ملحن وكاتب ومؤلف مسرحي وعازف وصحفي وسياسي لبناني، وُلد في بيروت مطلع يناير/كانون الثاني 1956، وهو الابن البكر للفنانة فيروز. أبدى مبكرا موهبة استثنائية، وألّف أول كتبه بعنوان "صديقي الله" في سن الثالثة عشرة، ودخل عالم المسرح عام 1973 حين قدم أولى مسرحياته "سهرية" ولم يكن قد بلغ الـ17 بعد. تميّز بأسلوبه الموسيقي المتفرّد الذي مزج بين الموسيقى الشرقية والجاز، وترك بصمته في الأغنية العربية المعاصرة عبر ألحان أبرزها "سألوني الناس" التي غنتها والدته. توفي يوم 26 يوليو/تموز 2025. المولد والنشأة وُلد زياد عاصي الرحباني في الأول من يناير/كانون الثاني 1956 في بلدة أنطلياس، الواقعة شمالي العاصمة بيروت. نشأ في كنف أسرة فنية استثنائية، فوالدته هي نهاد رزق وديع المعروفة باسم فيروز إحدى أيقونات الغناء العربي، ووالده الملحن الراحل عاصي الرحباني، أحد أبرز أعمدة الموسيقى اللبنانية والعربية. الدراسة والتكوين تلقى زياد الرحباني تعليمه في مدارس فرنسية ببيروت المعروفة بانضباطها الأكاديمي وانفتاحها الثقافي، وتأثر بالفكر الفلسفي والنقدي الغربي، إلى جانب انغماسه في البيئة الفنية التي نشأ فيها. منذ طفولته، أبدى شغفا بالموسيقى وبدأ العزف على البيانو تحت إشراف موسيقيين مقربين من والده وعمه. كان يقضي ساعات يوميا في التمرين، مما مكنه من تطوير أسلوبه الخاص في التأليف والعزف. ورغم تجربته في العزف على العود والطبلة، مال لاحقا إلى الآلات الغربية مثل البيانو الرقمي والساكسوفون، متأثرا برواد الجاز والبلوز من مثل مايلز ديفيس وديف بروبك، واستلهم منهم أساليب في التوزيع والارتجال. جمع زياد في تكوينه بين روح الموسيقى الشرقية وبنية الموسيقى الغربية، مما منحه هوية موسيقية فريدة مهدت لانطلاقته في عالم المسرح والموسيقى، بعيدا عن النمط الأكاديمي التقليدي. التجربة المسرحية لمع اسم زياد الرحباني في المسرح وهو لم يتجاوز الـ17 من عمره حين قدّم أولى مسرحياته "سهرية" عام 1973، والتي تميزت بمزيج من السخرية الحادة والنقد الاجتماعي والسياسي، وعكست واقع المواطن اللبناني بهمومه اليومية وتعقيداته المجتمعية. واستخدم في المسرحية لغة عامية قريبة من الناس، وهو ما رسّخ مكانته باعتباره صوتا نقديا جريئا ومختلفا في المسرح اللبناني. تابع بعد ذلك إنتاج أعمال مسرحية بارزة، من بينها: "نزل السرور" عام 1974: وهي مسرحية سياسية كوميدية تناولت الفوارق الطبقية عبر قصة عمال يستولون على مطعم شعبي، في سعيهم لتحقيق العدالة. "فيلم أميركي طويل" عام 1980: جرت أحداثها في مستشفى للأمراض النفسية، وعكست أزمات لبنان الطائفية والسياسية والاقتصادية في أوج الحرب الأهلية التي استمرت إلى حتى عام 1990. "شي فاشل" عام 1983: قدم فيها نقدا لاذعا للواقع اللبناني بعد الحرب عبر حوارات تدور بين شخصيات منهكة في مقهى شعبي. "بخصوص الكرامة والشعب العنيد" عام 1993: عاد فيها الرحباني إلى المسرح بعد غياب عشر سنوات، وتناولت بأسلوب ساخر مفاهيم الكرامة والوطن. "لولا فسحة أمل" (1994): وهي مسرحية مكملة لسابقتها. التجربة الموسيقية لم تقتصر تجربة الرحباني على خشبة المسرح، بل امتدت إلى عالم الموسيقى وبرز فيه ملحنا موهوبا منذ بداياته. ففي العام نفسه الذي قدّم فيه أولى مسرحياته، لحّن أولى أغاني والدته فيروز "سألوني الناس"، وكانت بمثابة انطلاقة فعلية له في مجال التلحين. ولاحقا، أصبح الرحباني أحد أبرز من جددوا في الأغنية الفيروزية الحديثة، عبر ألحان حملت بصمته الخاصة، ومزجت بين الإحساس الشرقي والأسلوب الغربي. ومن بين أشهر أعماله: "كيفك إنت"، "صباح ومساء"، "وعودك رنان"، و"بكتب اسمك يا حبيبي" التي أصبحت من كلاسيكيات أرشيف فيروز. وإلى جانب الأغاني، خاض زياد تجربة الألبومات الموسيقية المستقلة، وأطلق عدة أعمال موسيقية مميزة منها: "إلى عاصي" عام 1986: وهي تحية موسيقية مؤثرة أهداها إلى روح والده. "أنا مش كافر" بين عامي 1995 و1996. "مونودوز" عام 2001: وهي عمل موسيقي بالكامل بدون كلمات، وتميز بمزجه الفريد بين الموسيقى الشرقية وأنماط الجاز. التجربة الصحفية خاض الرحباني تجربته الصحفية في منتصف سبعينيات القرن الـ20، عبر كتاباته في "جريدة السفير" اللبنانية، إذ قدّم سلسلة مقالات ساخرة تحت عنوان "بالصميم"، تميزت بلغتها الشعبية القريبة من الناس، واعتمد فيها اللهجة اللبنانية العامية لنقد الواقع السياسي والاجتماعي بأسلوب لاذع ومباشر. وفي عام 2006، انضم إلى "جريدة الأخبار" منذ انطلاقتها، وكتب فيها مقالات أسبوعية امتدت حتى عام 2014، مستفيدا من الخط التحريري اليساري للصحيفة، الذي انسجم مع رؤاه السياسية. واتسم أسلوبه في المقالة بالحوار الداخلي (مونولوغ)، فقد كان يعالج القضايا اللبنانية والعربية من منظور نقدي شخصي، يمزج بين التهكم والأسى. الوفاة توفي زياد الرحباني يوم 26 يوليو/تموز 2025 عن عمر ناهز 69 عاما، بعد معاناة طويلة مع مرض تليف الكبد، وشارك الآلاف في تشييعه من أمام مستشفى "خوري" في بيروت. كما رفع المشاركون في الجنازة العلم الفلسطيني وارتدوا الكوفيات، في إشارة إلى مواقف الرحباني المناصرة للقضية الفلسطينية، وظهرت ملصقات تجمع صورته مع الناشط اللبناني جورج عبد الله. انطلق موكب تشييعه من بيروت إلى بلدة المحيدثة في قضاء المتن، وأقيمت مراسم الدفن في كنيسة "رقاد السيدة"، قبل أن يُوارى الثرى في مدافن العائلة. نعاه عدد من المسؤولين اللبنانيين، بينهم رئيس الجمهورية جوزيف عون ، الذي وصفه بـ"الضمير الحي"، ورئيس الحكومة نواف سلام الذي اعتبره رمزا فنيا وفكريا. كما أشاد به الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب واصفا إياه بـ"الثائر الإنساني" الحالم بلبنان ديمقراطي بلا طائفية.

النـــظـــــــرة الأخـــيـــــرة
النـــظـــــــرة الأخـــيـــــرة

جريدة الوطن

time٢٨-٠٧-٢٠٢٥

  • جريدة الوطن

النـــظـــــــرة الأخـــيـــــرة

ودعت الفنانة اللبنانية الكبيرة فيروز، الإثنين، ابنها الفنان المسرحي والموسيقي زياد الرحباني الذي توفي السبت، عن عمر ناهز 69 عاما، وسط تجمّعَ المئات من محبيه وبحضور فني وسياسي حاشد في جبل لبنان شرق العاصمة بيروت. وحضرت المغنية والمسرحية الشهيرة فيروز برفقة ابنتها ريما لوداع ابنها الراحل زياد في كنيسة «رقاد السيدة» حيث أقيمت مراسم الدفن في منطقة بكفيا. وخرجت فيروز من الكنيسة بعد إلقاء النظرة الأخيرة على نجلها زياد حيث كانت بجانبها ابنتها ريما وعقيلة رئيس الجمهورية، نعمت عون. وتوجهت بعدها إلى صالون الكنيسة لتقبل التعازي، وهو الظهور الأول لفيروز منذ سبتمبر 2020، حين التقت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زارها في منزلها في منطقة الرابية شمال بيروت. ونشرت الفنانة اللبنانية حينها صورا جمعتها بالرئيس الفرنسي، الذي منحها وسام جوقة الشرف وهو أعلى تكريم رسمي في فرنسا، عبر صفحاتها الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي. يشار أن لفيروز 4 أبناء: ليال وزياد وهلي وريما. وقد فقدت ابنتها ليال وهي في صباها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store