
تقاسم مفضوح للأدوار بين واشنطن وتل أبيب في سوريا
حقيقتان، تكشفت عنهما الحروب والمعارك المتناسلة في الإقليم الأكبر، منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تكرستا في غزة ولبنان بداية، قبل أن يُعاد تأكيدهما في حرب الاثني عشر يومًا على إيران، وصولًا لاستباحة سوريا أرضًا وجوًا وشعبًا وهويةً قومية، فما الذي نعنيه بذلك؟ ولنبدأ من الفصل السوري الأخير.
رسميًا، أظهرت الولايات المتحدة حماسة مفاجئة في مسلسل انفتاحاتها متعدد الحلقات على النظام الانتقالي في دمشق.
وقال رئيسها في الرئيس السوري أحمد الشرع، ما لم يقله فيه، أقرب حلفائه وأصدقائه إليه. رفعت العقوبات عن سوريا وعن "هيئة تحرير الشام"، في خطوة لم تحظَ بها منظمة التحرير بعد أوسلو، وبالرغم من أوسلو ومندرجاته.
لم يقف الأمر عند هذا الحد، فما لم يقله ترامب، توسع في شرحه صديقه الأكثر وعيًا بخبايا المنطقة وتاريخها، توماس بارّاك، رجل الأعمال المُحمّل بحقائب ثلاث: (سفير في أنقرة، مسؤول عن الملفين السوري واللبناني)، فقال ما قال في "هجاء" سايكس- بيكو، وأثار حنين القوميين العرب والقوميين السوريين الاجتماعيين بخاصة، عند استحضاره زمن "بلاد الشام"، وتلويحه بالعودة إليه، إن استمر لبنان على تردده ومراوحته في موضوع نزع سلاح حزب الله، مقترحًا تلزيمه لـ"سوريا الجديدة"، التي بدا في حديثه عنها، أنها تحظى بمكانة مركزية في الإستراتيجية الأميركية الجديدة للمنطقة والشرق الأوسط الجديد.
وبدا لوهلة، أن واشنطن نجحت في لجم تل أبيب، ودفعها للأخذ بمقاربتها حيال "سوريا ما بعد الثامن من ديسمبر/كانون الأول".. خفَت حديث جدعون ساعر عن "حلف الأقليات"، وتراجعت التهديدات للنظام الجديد، الموسوم إسرائيليًا بـ"الإرهابي"، وبدأت الوفود الإسرائيلية تلاقي نظيراتها السورية في عواصم عدة، سرًا وعلانية، مباشرة، أو بصورة غير مباشرة، لتندلع التكهنات والتخمينات، حول طبيعة ومضامين الاتفاق الذي سينتهي إليه هذا المسار.
كل هذا الجدل، وما استبطن من فرضيات، تهاوى دفعة واحدة، وعلى نحو مروّع، وثبت أن إسرائيل ما زالت على إستراتيجيتها لتفتيت سوريا وتوزيعها على القبائل والمذاهب والطوائف والأقوام، وأن نهمها للاستيلاء على مزيد من الأراضي والقمم الإستراتيجية ومساقط المياه، لم يتأثر أو يتراجع نظير وعود السلام والتطبيع، وأن حوادث يمكن أن تظل في حدودها المحلية الضيقة، تُتخذ كسانحة لإخراج جميع هذه المخططات السوداء من الأدراج، كما حصل في السويداء.
كنا نظن، أن إسرائيل التي رفضت من قبل صيغة "الأرض مقابل السلام" التي أجمع عليها "العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر"، ما زالت متمسكة بمعادلة سبق لنتنياهو نفسه، أن طوّرها شخصيًا، ونافح عنها مرارًا وتكرارًا: "السلام مقابل السلام".
لم تطلب القيادة السورية الجديدة أكثر من إنفاذ هذه المعادلة، بعثت ما يكفي من رسائل "حسن النية" وقبلت بصيغة "أصعب" لاستعادة اتفاق 1974، كل ذلك لم يجدِ نفعًا، مع حكومة اليمين الفاشي.
كل تلك الوعود والنوايا ورسائل الطمأنينة، لم تنفع مع المهجوسين بالغيتو والجدران "وكراهية الأغيار"، فتكشفوا دفعة واحدة عن معادلة جديدة، ناظمة لعلاقاتهم، لا مع سوريا وحدها، بل مع العرب وجوارهم الإقليمي كذلك: "السلام مقابل الاستسلام".. "السلام مقابل الخنوع" دون قيد أو شرط.
عند هذه المحطة من تطور المشهد الإسرائيلي- السوري، شخصت أنظار مراقبين إلى واشنطن- رئيسها وموفدها بشكل خاص- لترصد مفاعيل "اختلاف وجهات النظر"، وتقيس "تباين الأولويات".. هؤلاء كانت خيبتهم كبيرة، بل وكبيرة جدًا.. إسرائيل تدمر عشرات المواقع السيادية في قلب دمشق، وعلى مبعدة أمتار من مكاتب الرئيس الذي قال فيه ترامب إنه "شاب، طيب وشجاع وقوي"، وتنذر بتحويل سوريا إلى جحيم لا يطاق، وتسعى في خلق الأرضية المناسبة لتأليب السوريين على بعضهم البعض، وتأليبهم على حكمهم الجديد، توطئة لاستحداث الخراب والتفتيت والتقسيم، ولتدشين "حرب المئة عام" بين الطوائف والمذاهب والأقوام المُشكّلة للإقليم.
لا تنديد ولا إدانة، حتى على المستوى الشفهي المفرغ من أي مضمون، لا تحميل مسؤولية لإسرائيل من أي نوع، لا إنذارات بوقف استباحاتها لسوريا الجديدة التي تعهد الرئيس بمساعدتها لتساعد نفسها.. كل ما في الأمر، "سوء فهم وتفاهم"، وتصريحات معبّرة عن "التفاؤل" بقرب التوصل لوقف إطلاق النار، تمامًا مثلما فعلوا في غزة، طوال عامين كاملين من حرب التطويق والتجويع، والترويع، والتطهير، والإبادة.موقف واشنطن من العدوان الإسرائيلي الأخير على سوريا، يشرح بالنار والقذائف والصواريخ، ما ظلّ مبهمًا في تصريحات توماس بارّاك حول "سايكس-بيكو" و"بلاد الشام". تصريحاته الأخيرة أكدت على هذا النهج حيث قال إن الحكومة السورية يجب أن تتحمل المسؤولية ويجب أن تتم محاسبتها وأن أميركا لا تمتلك نفوذًا على قرارات إسرائيل.
الرجل ضاق ذرعًا بخرائط ما بعد الحرب العالمية الأولى، والدول الوطنية "المصنّعة" التي نشأت في إثرها، ولكنه بالطبع، ليس من أنصار "الأمة الواحدة ذات الرسالة الخالدة"، ولا هو من أتباع "الهلال الخصيب ونجمته القبرصية" لأنطون سعادة، إنه يعيد إنتاج خرائط أسلافه من المحافظين الجدد الأشد تطرفًا، الذين دعموا فكرة إعادة رسم خرائط المنطقة، وترسيم حدودها، على خطوط الدم بين الطوائف والأقوام والمذاهب.
بهذا المعنى، يبدو الرجل "محقًا" في هجائه لسايكس- بيكو الذي أنتج "دول الفسيفساء" القومية والعرقية، واستحضار "بلاد الشام"، ومنح سوريا مكانة مركزية فيها.
لكن السؤال الذي لم يشغل بالنا كثيرًا: عن أي سوريا يتحدث الرجل؟ نعرف الآن أن أعين الرجل متسمّرة نحو دولة سورية سنيّة، تكون مركزًا لحواضر سنيّة ممتدة من حوض الرافدين إلى شرق المتوسط، أما بقية المناطق والطوائف، فتلكم أجرام تدور في هذا الفلك، أو تنفصل عنه، الأمر متروك لتطورات السياسة والميدان.
"مركزية سوريا الجديدة" في تصور بارّاك وصحبه، نابعة من قدرتها على أن تكون دولة حاجزة "Buffer State"، بين قوتين إقليميتين كبيرتين، تحظيان بـ "إرث إمبراطوري"، طامعتين وتدخليتين، ولا تحتفظان بودّ ظاهر حيال إسرائيل.
مركزية الدولة السنيّة، العابرة للحدود، تخدم هدفًا آخر: دفع بقية الطوائف والأقوام، للبحث عن مستقبلاتها البديلة، وتشكيل أحزمة من الدويلات والإمارات، التي لا وظيفة لها سوى حماية إسرائيل والاستقواء بها.
بارّاك، لم يطور نظريته، أو يتبنى نظريات غيره، من فراغ. من الناحية الفكرية والإستراتيجية، الرجل ينهل من إرث مديد لمدرسة في التفكير الأميركي اليميني المحافظ.
ومن الناحية العملية، فإنه يرى حراكًا عميقًا ممتدًا في الإقليم منذ سنوات، يعيد تعريف مفاهيم الولاء والانتماء، يستبدل ما هو "عمودي" منها كالولاء للدولة مثلًا، إلى ما هو "أفقي"، عابر لحدود الدول، ويجمع منتسبي الأعراق والأديان والطوائف حتى وهم موزعون على عدة دول، بعضهم إلى بعض.
أمرٌ كهذا، يقع في صميم الحلم الصهيوني، ويحتل مكانة إستراتيجية في تل أبيب، أما واشنطن، فلن تمانع إن عمل "أزعر الحيّ" على تسريع ولادة هذه الكائنات الشوهاء، وهي إن اختلفت مع تل أبيب، فربما يتعلق الخلاف بـ"المعدلات والسرعات".
نتنياهو الذي لا يفهم سوى خيار "القوة" و"البلطجة" يستعجل الولادة، ويسابق الزمن لتسجيل مكاسب في رصيده الشخصي، وليس لديه إلى جانب خيار القوة، أي أفق سياسي، أو "أدوات ناعمة". فيما ترغب واشنطن في الوصول إلى الهدف ذاته، ولكن بتدرج أكبر، وباستخدام الدبلوماسية وسلاح العقوبات، للحفاظ على بعض من ترابط مع حلفائها من عرب وأتراك.
واشنطن، وفي توزيع مفضوح للأدوار مع تل أبيب، سواء كان متفقًا عليه أو من باب "تحصيل الحاصل"، تجهد لقطف ثمار البلطجة الإسرائيلية، بعد توفير الحماية وكل عناصر القوة والاقتدار، وبعد قليل من "العتب" و"التلاوم".
واشنطن في عقلها الباطن والظاهر، تدرك تمام الإدراك، أن إسرائيل تقوم بوظيفة جرافة "الدي-9" التي اشتهرت في غزة، في تعبيد الطرق لأحلامها الإستراتيجية، فلا ينخدعن أحدٌ بحكاية الخلافات بين نتنياهو وترامب، أو بين تل أبيب وواشنطن، فذلك تقاسم مفضوح للأدوار.
من منظور واشنطن، وبقدر أقل تل أبيب، فإن تشكيل الشرق الأوسط الجديد، هو سلسلة متصلة من التهدئات والتسويات التي تفصل بين جولة وأخرى من جولات الحرب والمواجهة مع الخصوم، جميع الخصوم، والطريق إليه مفروش بسلسلة من الحروب والمعارك بين الحروب، ولا بأس بهذا المعنى، من انخراط واشنطن في وساطات ومفاوضات، وسيظل قادتها ورسلها يعبرون عن تفاؤلهم بقرب الوصول إلى تهدئة هنا أو اتفاق لوقف النار هناك، وقد تمتد حبال التخدير والخداع لأسابيع وأشهر، ولسنوات إن اقتضى الأمر، ما دامت النتيجة في مصلحة إسرائيل، وما دامت المكاسب تتعاظم مع كل تقدم تحرزه دبابة الميركافا.
في هذا السياق، أُبرمت اتفاقات في غزة ولبنان، بوساطة أميركية نشطة: ويتكوف في غزة، وهوكشتاين في لبنان.. اتفاقات وُجدت لكي تُنتهك، ومن قبل إسرائيل حصرًا، وبدعم والتزام من واشنطن، وبتبنٍّ كامل للرواية والرؤية الإسرائيليتين.
وقد يُخرق وقف النار مع إيران في أي لحظة، وستنبري واشنطن منافحة عن إسرائيل وحقها في الدفاع عن نفسها، وستُبرم اتفاقات أخرى، على الجبهات ذاتها، أو على جبهات أخرى، وسيتم خرقها جميعًا، وستظل واشنطن على تبريرها للرواية الإسرائيلية، وسيظل وسطاؤها على تفاؤلهم بقرب التوصل إلى اتفاقات وتفاهمات جديدة.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
"فتات جوي".. إسقاط المساعدات على غزة يُشعل غضب الناشطين
أثارت عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية جوا في قطاع غزة، بالتزامن مع استمرار المجازر الإسرائيلية بحق المجوعين الباحثين عن الطعام، غضبا واسعا في أوساط الناشطين عبر منصات التواصل الاجتماعي، الذين اعتبروها "استعراضات مخزية" لا ترقى إلى مستوى الاستجابة الإنسانية. واعتبر مدونون وناشطون أن هذه العمليات لا ترقى إلى مستوى الاستجابة الإنسانية الحقيقية، بل تعد جزءا من حملة تضليل إعلامي تهدف إلى تحسين صورة الاحتلال أمام العالم، في وقت تتفاقم فيه الكارثة الإنسانية في القطاع، وتتزايد فيه التحذيرات من مجاعة جماعية وشيكة. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق أن عمليات إسقاط المساعدات التي تنفذها دول أجنبية ستُستأنف "كجزء من الجهود الجارية للسماح بدخول المساعدات إلى غزة وتسهيل وصولها". ومن جانبهم يرى مغردون أن هذا الإعلان يشكل محاولة مكشوفة لتخفيف الضغوط الدولية المتزايدة، وتبرئة الاحتلال من تهمة استخدام التجويع كسلاح جماعي ضد الفلسطينيين، مؤكدين أن ما يجري من إنزالات جوية واستعراضات عبر شاحنات المساعدات ما هو إلا "بروباغندا" تهدف إلى إسكات العالم. ووصف آخرون الإنزالات الجوية بأنها "مسرحيات دعائية لا تسمن ولا تغني من جوع" لافتين إلى أن الكميات التي تلقى من الجو لا تتجاوز في أحسن الأحوال حمولة شاحنتين أو ثلاث، في حين أن القطاع المحاصر بحاجة إلى مئات الشاحنات يوميا لسد رمق أكثر من مليوني إنسان. وأشاروا إلى أن إحدى الطائرات ألقت مساعدات في مناطق إخلاء "خطيرة" في خان يونس، حملت فقط "7 مشاطيح" أي أقل من حمولة شاحنة واحدة، واصفين ما جرى بأنه "فتات جوي لا يصل إلى الجائعين، بل يتم تكديسه في أماكن مغلقة". إعلان وكتب أحد النشطاء "الإنزالات طريقة غير مجدية مطلقا، لا بكميتها ولا بطريقة وصولها للمجوعين". وقال آخر "3 طائرات أسقطت 25 طنًا من المساعدات، أي ما يعادل شاحنتين فقط، لا تكفي لإطعام شارع واحد. المعادلة بسيطة: افتحوا المعابر". ورأى ناشطون أن الإنزالات الجوية تجري بطريقة "استعراضية ومهينة" مشيرين إلى أن ما تم إلقاؤه على المجوعين لا يتجاوز حمولة شاحنتين أو ثلاث، بينما تريد إسرائيل تصدير "خبر السماح بالإنزالات" باعتباره تحولا إنسانيا. وأكدوا أن ما يجري من عمليات إنزال جوي للمساعدات "ما هو إلا خداع مفضوح" مشددين على أن المطلوب حاليًا هو "تكثيف الضغط، قولا وفعلا، لفضح سياسة التجويع الممنهجة التي يتعرض لها سكان قطاع غزة". وقال أحدهم "السماح بالإنزالات هو الخبر الذي تريد تل أبيب (إسرائيل) تصديره للعالم. هي لا تسعى لحل الأزمة بل لتعويمها وتطويل أمدها". واعتبر عدد من المدونين أن الإنزالات الجوية ليست حلا إنسانيا، بل أداة ضمن هندسة التجويع، تستخدم لامتصاص الغضب العالمي بعد انتشار صور المجاعة في غزة، وتصوير الاحتلال على أنه يستجيب للكارثة بينما يستمر فعليا في صناعتها. وانتقد ناشطون أيضا عدم ملاءمة الإنزالات الجوية لواقع غزة الميداني، حيث تحولت إلى مدينة من الخيام المتلاصقة، في ظل سيطرة الاحتلال على 70% من مساحتها، مما تسبب في وقوع إصابات وقتلى نتيجة سقوط المساعدات على رؤوس الناس وخيامهم. وشدد آخرون على أن الإنزالات الجوية تُسهم في إطالة أمد الأزمة وتعويمها بدلا من حلها، موضحين أن الاحتلال -تحت ضغط صور المجاعة القاسية- يسعى لتقديم هذه الإنزالات كخطوة لـ"كسر المجاعة" بينما هي مجرد صور استعراضية وموهومة. وأجمع مدونون على أن الهدف العميق لهذه الإنزالات هو "ضرب الصورة الذهنية للفلسطيني أمام الشعوب الحرة" من خلال إذلاله، وتشويه كرامته، وتصويره كمن تخلى عن حقه في الحرية والمقاومة مقابل كيس طحين يُلقى عليه من السماء.


الجزيرة
منذ 21 دقائق
- الجزيرة
ناشطون يطلقون حملة شعبية لوقف تجويع غزة ورفع الحصار عنها
أطلق ناشطون وحقوقيون من دول متعددة حملة شعبية استجابة للكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي يعيشها قطاع غزة ، حيث يتعرض أكثر من مليوني إنسان المجاعة ممنهجة بفعل الحصار والحرب. وتهدف الحملة التي تحمل عنوان " أوقفوا مجاعة غزة" (Stop Gaza Starvation) إلى كسر الصمت الدولي وتحريك الضمير الجمعي، ومطالبة الدول والمؤسسات والشعوب الحرة باتخاذ خطوات جماعية وعملية لكسر الحصار ووقف التجويع. وأكد القائمون على الحملة أنها لا تتبع أي جهة رسمية أو فصيل سياسي، بل تنتمي فقط إلى ضمير الإنسان الحر، وتستمد شرعيتها من عدالة القضية، وإجماع أحرار العالم على رفض تجويع المدنيين. ومن أبرز الموقعين على بيان إطلاق الحملة الرئيس التونسي السابق منصف المرزوقي ومحمد الحلايقة نائب رئيس الوزراء الأردني السابق وعصام البشير نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي والبرلماني المصري السابق أيمن نور ورئيس مجلس النواب العراقي الأسبق أسامة النجيفي والوزير والبرلماني الأردني السابق أمجد المجالي، إلى جانب العديد من الشخصيات الإعلامية والنقابية والدينية والأكاديمية من أكثر من 30 دولة. وقال المنصف المرزوقي إن الوضع في غزة لم يعد قابلا للتحمل إنسانيا وسياسيا، وإضافة إلى هذا هناك محاولة للالتفاف على الجريمة عبر رمي الناس من الجو بصناديق قد تقتل المدنيين، في حين أن فتح المعابر البرية هو الحل، لكنها ما زالت تسمح بالمرور بالتقتير. وأضاف المرزوقي في تصريح للجزيرة نت أن العالم كله يتجند لدعم غزة ولسنا وحدنا، ولكننا نوجه نداءنا بالأساس إلى الشعوب العربية، ونطالبها بمحاصرة سفارات أميركا ومصر سلميا بطبيعة الحال، للضغط على هذه الدول من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عاجل. وقال "على شعوبنا أن تخرج من حالة الصدمة التي تعانيها، وأن تستعيد ثقتها في نفسها وفي قدرتها على التأثير وتتحرك بسرعة، لأن الوقت يمر وآلاف الأطفال يتضورون جوعا في غزة، وهذا أمر لا يمكن أن يستمر". واستشهد 14 فلسطينيا في قطاع غزة خلال الساعات الـ24 الماضية جراء التجويع الممنهج الذي تمارسه إسرائيل ضمن حرب إبادة جماعية، مما رفع إجمالي وفيات المجاعة وسوء التغذية إلى 147 شهيدا -بينهم 88 طفلا- منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. ومطلع مارس/آذار الماضي تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى مع حماس ، والذي بدأ في 19 يناير/كانون الثاني الماضي، واستأنفت الإبادة، ومنذ ذلك الحين ترفض جميع المبادرات والمطالبات الدولية والأممية لوقف إطلاق النار. ورغم التحذيرات الدولية والأممية والفلسطينية من تداعيات المجاعة في غزة فإن إسرائيل تواصل إغلاق معابر القطاع بشكل كامل أمام المساعدات الإنسانية والإغاثية والطبية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي، في تصعيد لسياسة التجويع التي ترتكبها منذ بدء الحرب. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 تشن إسرائيل بدعم أميركي حرب إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 204 آلاف شهيد وجريح فلسطيني -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم عشرات الأطفال.


الجزيرة
منذ 23 دقائق
- الجزيرة
الأمم المتحدة: واحد من كل 3 فلسطينيين بغزة لم يأكل منذ أيام
قال وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ توم فليتشر اليوم الاثنين إن واحدا من كل 3 أشخاص في غزة لم يأكل منذ أيام، داعيا إلى إيصال المساعدات بشكل سريع وإرساء وقف دائم لإطلاق النار. جاء ذلك في بيان لفليتشر بشأن الأوضاع الإنسانية في غزة، وسط حملة إسرائيلية ممنهجة لتجويع الفلسطينيين في قطاع غزة. وأكد فليتشر أن غزة تعيش أزمة إنسانية أمام أعين العالم، مشيرا إلى أن الذين يحاولون الحصول على المساعدات الغذائية يتعرضون لإطلاق النار، والأطفال يتضورون من الجوع. وأضاف "لا ينبغي منع المساعدات أو تأخيرها، كما يجب وقف استهداف الأشخاص خلال محاولتهم الحصول على المساعدات الغذائية". وفيما يتعلق بقرار إسرائيل اتخاذ خطوات للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، أكد فليتشر على ضرورة تقديم مساعدات ضخمة لمنع المجاعة والأزمة الصحية التي وصلت إلى أبعاد كارثية. تجويع وإبادة وأمس الأحد، بدأ سريان ما ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه تعليق تكتيكي محلي للأنشطة العسكرية في مناطق محددة بقطاع غزة للسماح بمرور المساعدات الإنسانية، وذلك في ظل الإبادة الجماعية والتجويع اللذين تمارسهما تل أبيب بحق أكثر من 2.2 مليون فلسطيني في القطاع المحاصر. وانتقدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) الإنزال الجوي الإسرائيلي للمساعدات في غزة، مؤكدة أنه لن ينهي المجاعة المتفاقمة، وفق ما صرحت به مديرة الإعلام والتواصل في الوكالة جولييت توما لصحيفة نيويورك تايمز. وتعيش غزة أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخها، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل بدعم أميركي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وتغلق إسرائيل منذ الثاني من مارس/آذار 2025 جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، مما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع. وحسب أحدث حصيلة لوزارة الصحة في غزة صباح أمس الأحد، بلغ عدد وفيات المجاعة وسوء التغذية 147 فلسطينيا -بينهم 88 طفلا- منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وخلفت الحرب على غزة أكثر من 204 آلاف شهيد وجريح فلسطيني -معظمهم أطفال ونساء- وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين، بينهم عشرات الأطفال.