logo
قصة الحضارة (170): عرفت حضارة كريت مصارعة الثيران كلعبة

قصة الحضارة (170): عرفت حضارة كريت مصارعة الثيران كلعبة

موقع كتابات٠٧-١١-٢٠٢٤

خاص: قراءة- سماح عادل
حكي الكتاب عن حضارة كريت، وكيف اتصفت بحضارة مدينة، وكيف كانت ألعابهم وحشية وعنيفة مثل مضارعة الثيران. وذلك في الحلقة السبعين بعد المائة من قراءة 'قصة الحضارة' الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي 'ويل ديورانت' وزوجته 'أريل ديورانت'، ويتكون من أحد عشر جزء.
سلطة الملك..
يستأنف الكتاب الحكي عن حضارة كريت: 'ويستند سلطان الملك، كما يستدل من الآثار، على القوة والبطش، وعلى الدين والقانون. وهو يغوي الآلهة ويستخدمها لمعونته ليجعل طاعة الناس إياه أيسر عليهم وأقل كلفة، ويلقن كهنته الناس أنه من نسل فلكانوس، وأنه تلقى من هذا الإله القوانين التي يصدرها، وإذا ما كان الملك قديرا أو سخيا فإن هؤلاء الكهنة يخلعون عليه من جديد السلطة الإلهية، ويتخذ الملك البلطة المزدوجة وزهرة الزنبق رمزاً لسلطانه كما فعلت روما وفرنسا فيما بعد. وهو يستخدم في تصريف شؤون الدولة، كما تشير بذلك أكداس الألواح، طائفة من الوزراء وموظفي الدواوين والكتبة.
وهو يجبي الضرائب عيناً، ويختزن في جرار ضخمة موارده من حب وزيت وخمر، ومن هذه الموارد يؤدي رواتب رجاله عيناً. وهو يقضي وهو جالس على عرشه في القصر أو من مجلسه في بيته الملكي الصغير فيما يرفع إليه من القضايا التي مرت بمحاكمه. وقد بلغ من شهرته في أحكامه أنه يصبح في الدار الآخرة بعد موته قاضي الموتى الذين لا مفر من عرض قضاياهم عليه، كما يؤكد لنا هومر. ونحن نسميه في كتابنا مينوس ولكننا لا نعرف حقيقة اسمه. ولعل هذا لقب لا اسم شبيه بلفظ قيصر يطلق على عدد كبير من الملوك. '
حضارة المدن..
وعن تصنيفه لتلك الحضارة يكمل الكتاب: 'تدل هذه الحضارة في ذروة مجدها على أنها حضارة مدن لا حضارة ريف. وتحدثنا الإلياذة عن 'مدائن' كريت 'التسعين'، ويعجب اليونان الذين يقتحمونها من كثرة سكانها. بل إن الدارس ليقف اليوم مرتاعاً أمام شوارعها المحطمة المرصوفة ذات المجاري، وأمام أزقتها المتقاطعة، وحوانيتها التي يخطئها الحصر؛ وميادينها المتجمعة حول مركز من مراكز التجارة أو الحكم، حيث نرى الرجال محتشدين يتحدثون وهم ساكتون وادعون.
وليست كنوسس وحدها هي المدينة العظيمة ذات القصور الواسعة التي تغري الخيال على أن يبالغ في عظمة المدينة التي كانت بلا ريب أكبر مصدر لثروة هذه القصور وأول ما يستفيد من ثروتها. ويقابل كنوسس على شاطئ الجزيرة الجنوبي مدينة فستوس، ومن مينائها 'تحمل قوة الريح والأمواج إلى أرض مصر السفن ذات المقدمات القاتمة، كما يقول هومر'. وفي هذه المدينة تتجمع تجارة كريت المينوية الذاهبة إلى الجنوب، مضافاً إليها السلع التي يأتي بها تجار الشمال الذين ينقلون بضائعهم إليها بطريق البر ليتجنبوا أخطار الطريق البحري الطويل.
وتصبح فستوس بعدئذ لكريت كما كانت بيريوس لليونان، تحب التجارة أكثر من حبها الفن؛ ومع هذا فإن قصر أميرها صرح فخم، يرقي إليه بطائفة من الدرج يبلغ اتساعها خمساً وأربعين قدماً، ولا تقل أبهاؤه وأفنيته عن مثيلاتها في كنوسس؛ ففناؤه الأوسط مربع مرصوف يبلغ اتساعه عشرة آلاف قدم مربعة، وحجرة الاستقبال فيه تبلغ مساحتها ثلاثة آلاف، أي أكبر من الردهة العظيمة، ردهة البلطة المزدوجة، في العاصمة الشمالية.
وعلى بعد ميلين من فستوس في اتجاه الشمال الغربي منها تقع حاجيا تريادا؛ وإلى بيتها الملكي الصغيركما يسميه علماء الآثار يلجأ أمير فستوس ليتقي حر الصيف. وكان طرف الجزيرة الشرقي في الأيام المينوية غنياً بالبلدان الصغيرة: سواء أكانت ثغوراً مثل زكرو ومكلوس، أو قرى مثل بريسوس، وبسيرا، أو أحياء لسكنى العظماء مثل بليكسترو، أو مراكز صناعية مثل جورنيا. والشارع الرئيسي في بليكسترو حسن الرصف كثير المجاري، تقوم على جانبيه بيوت رحبة؛ منها بيت يحتوي على ثلاث وعشرين حجرة في الطابق الذي بقي منه حتى الآن. ولجورنيا أن تفخر بما كان فيها من شوارع واسعة مرصوفة بالجبس وبيوت مشيدة بالحجارة من غير ملاط، وحانوت حداد لا يزال كيره باقياً إلى الآن، وحانوت نجار وجد فيه صندوق يحتوي على عدد، ومصانع تعج بصناع المعادن؛ وصناع الأحذية والمزهريات، وتكرير الزيت، والنسيج، وإن العمال الذين يكشفون عن تلك الآثار في هذه الأيام ويجمعون ما فيها من مناضد ذات ثلاثة قوائم، وجرار، وفخار، وأفران، ومصابيح، ومدى، و'هاونات'، وأدوات للصقل. وخطاطيف، ودبابيس، وخناجر، وسيوف'.
مدينة الآلات..
وعن تسميتها بمدينة الآلات يواصل الكتاب: ' نقول إن العمال الذين يكشفون الآن عن تلك الآثار ويجمعونها لتعتريهم الدهشة من كثرة ما كانت تخرجه مصانعها من أدوات مختلفة الأنواع ويطلقون عليها أسم 'مدينة الآلات'. وإذا قيست شوارع المدينة إلى شوارعنا في هذه الأيام بدت لنا ضيقة، فهي لا تزيد على أزقة من طراز أزقة المدن الشرقية الواقعة قرب المدارين، والتي تخشى حر الشمس اللافح، أما بيوتها المستطيلة الشكل المشيدة من الخشب أو الآجر أو الحجر، فلا ترتفع في الغالب إلى أكثر من طابق واحد.
غير أن ما وجد في كنوسس من النقوش الباقية من العصر المينوي الأوسط يصور بيوتاً من طابقين أو ثلاثة، بل ومن خمسة أحياناً، في أعلاها حجرة مفردة أو برج صغير في بعض المواضع؛ وفي الأطباق العليا وإلى سطح المنزل حيث ينام الكريتيون في الليالي الشديدة الحرارة. أما إذا قضوا الليل في داخل البيوت فإنهم يضيئون بيوتهم بمصابيح زيتية تصنع من الصلصال أو حجر الصابون، أو الجبس أو الرخام، أو البرنز حسب ثروة أصحابها.'
ألعاب الكريتيين..
وعن ألعابهم يضيف الكتاب: 'ولسنا نعلم عن ألعاب الكريتي إلا شيئاً واحداً أو شيئين لا أهمية لهما؛ فإذا كان داخل الدار فإنه يحب لعبة شبيهة بلعبة الشطرنج، فقد خلف لنا في خرائب قصر كنوسس لوحة لعب فخمة ذات إطار من العاج وعليها مربعات من الفضة والذهب، واثنتين وسبعين قطعة من المعادن النفيسة والأحجار الكريمة. فإذا كان الكريتي في الحقول فإنه يعمد إلى الصيد بجرأة وحماسة ومعه قطط نصف برية، وكلاب صيد أصيلة ضامرة. وإذا كان من سكان الحواضر شجع الملاكمين، وتراه يصور على مزهرياته وفي نقوشه البارزة أنواعاً مختلفة من المباريات، يتلاكم فيها ذوو الأوزان الخفيفة بأيديهم العارية وأقدامهم، وذوو الأوزان المتوسطة يتلاكمون بقوة، وعلى رؤوسهم خوذ مزدانة بالريش، وذوو الأوزان الثقيلة يدلِّون بخوذهم وأقنعة خدودهم وقفازاتهم الطويلة المبطنة، ويواصلون الملاكمة حتى يسقط أحدهم على الأرض من فرط الإعياء، ويقف الثاني فوقه يتباهى بما أحرزه من نصر.
ولكن أكثر ما يثير حماسة الكريتي أن يشق طريقه بين الجموع التي تملأ المدرج في يوم من أيام الأعياد ليرى الرجال والنساء يواجهون الموت أمام هجمات الثيران الهائجة. وكثيراً ما يصور مراحل هذا الصراع الوحشي الشديد، يصور الصائد الجريء يقتنص الثور بأن يقفز فوق عنقه وينزل ساقيه على جانبيه وهو يشرب الماء من إحدى البرك؛ ويصور المروض المحترف وهو يلوي رأس الثور حتى يتعلم شيئاً من الخضوع لحيل المدرب البغيضة؛ ثم المجتلد الماهر النحيل الجسم الخفيف الحركة وهو يلتقي بالثور في الحلبة، ويمسك بقرنيه، ويقفز في الهواء، ينقلب فوق ظهر الحيوان، ثم ينزل برجليه على الأرض بين ذراعي فتاة تضفي على المنظر من جمالها ورشاقتها.
ولقد أصبح هذا الصراع حتى في كريت المينوية من الألعاب القديمة التي طال بها العهد؛ فقد عثر في كيدوشيا على أسطوانة من الصلصال يعزى تاريخها إلى عام 2400 ق. م، وتمثل صراع ثور لا يقل في شدته أو خطورته عما هو مصور في المظلمات السالفة الذكر. وإذا ما قلبنا الفكر في هذه اللعبة الدالة على شجاعة الإنسان وتعطشه لسفك الدماء، والتي ما تزال منتشرة في هذه الأيام، وعرفنا أنها قديمة قدم الحضارة نفسها، وإذا ما فعلنا ذلك أدركت عقولنا المولعة بتبسيط الأمور والاستهانة بها- وإن كان هذا الإدراك لا يدوم إلا لحظات ما في الطبيعة البشرية من تناقض وتعقيد'.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

قصة الحضارة (195): أصلح صولون النظام الاقتصادي في أثينة
قصة الحضارة (195): أصلح صولون النظام الاقتصادي في أثينة

موقع كتابات

time١٣-٠٣-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

قصة الحضارة (195): أصلح صولون النظام الاقتصادي في أثينة

خاص: قراءة- سماح عادل حكي الكتاب عن الثورة الصولونية في أثينة التي تنتمي للحضارة اليونانية. وكيف صالحت ما بين الفقراء والأغنياء..وذلك في الحلقة الخامسة والتسعين بعد المائة من قراءة 'قصة الحضارة' الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي 'ويل ديورانت' وزوجته 'أريل ديورانت'، ويتكون من أحد عشر جزء. الثورة الصولونية.. انتقل الكتاب إلي الحديث عن الثورة الصولونية: 'قد يبدو عجيبا أن يقوم في هذا الدرك الذي تدهورت إليه شؤون أثينة والذي يتكرر كثيرا في تاريخ الأمم، أن يقوم رجل يستطيع بغير عنف أو خطب قاسية مريرة أن يقنع الأغنياء والفقراء على السواء بأن يسووا أمورهم فيما بينهم تسوية لم تحل دون الفوضى الاجتماعية فحسب بل إقامة نظاما سياسيا واقتصاديا جديدا خيرا من النظام السابق، بقي ما بقيت أثينة مدينة مستقلة ألا إن ثورة صولون السلمية لمن المعجزات التاريخية التي تبعث الشجاعة والأمل في النفوس! كان والد صولون من الأشراف الكرام المحتد، ومن أرفعهم بيتا، وأنقاهم دما، ينتهي نسبه إلى الملك كدروس، بل إنه كان يتبع نسبه إلى بوسيدن نفسه. وكانت أمه ابنة عم بيسستراتس الطاغية الذي خرق دستور صولون في أول الأمر ثم عاد بعدئذ فثبت دعائمه. وقد انغمس صولون في شبابه فيما كان ينغمس فيه أهل زمانه: فكان يقرض الشعر ويتغنى بملاذ 'الصداقة اليونانية'، وفعل ما فعله ترتاروس فأثار حماسة الناس بشعره ودفعهم إلى فتح سلاميس. ثم صلحت أخلاقه في سن الكهولة صلاحا يتناسب تناسبا عكسيا مع شعره، فأصبحت أشعاره فاترة ونصائحه جيدة. مثل قوله في أشعاره: 'إن الكثيرين من الناس أغنياء، ولكنهم لا يستحقون هذا الغنى، على حين أن من هم خير منهم يقاسون آلام الفاقة. ولكنا لن نستبدل حال هؤلاء الأغنياء بحالنا، لأن ميزتنا باقية دائمة، أما ميزتهم فإنها تنتقل من إنسان إلى إنسان'، وثروة الغني 'ليست أعظم من ثروة من لا يملك إلا معدته ورئتيه وقدميه، وهي الأعضاء التي تأتيه بالسرور ولا تأتيه بالألم؛ وليست خيرا من محاسن الفتى أو الفتاة أو نضرة شبابه أو شبابها، أو من وجود ينسجم مع صروف الأيام'. انقسام.. يواصل الكتاب: 'ولما حدث في أثينة شقاق وانقسام بقي هو على الحياد، وكان ذلك لحسن الحظ قبل أن تقرر الشرائع المعزوة له أن هذهِ الحيطة جريمة، ولكنه لم يتردد قط في التشهير بالوسائل التي سلكها الأغنياء لإذلال الفقراء، ودفعِهم إلى أحضان الفاقة. وإذا كان لنا أن نأخذ بأقوال أفلوطرخس فإن والد صولون قد 'بدد ثروته في التصدق على الناس والإحسان إليهم'. واشتغل صولون بالتجارة وأصبح من التجار الناجحين ذا مصالح كثيرة في أقطار بعيدة، أكسبته خبرة واسعة وأمكنته من الأسفار والتنقل في بلاد بعيدة، وكان يسير في عمله على المبادئ التي يدعو إليها في قوله، واشتهر بين جميع طبقات الناس بالاستقامة. وكان ما يزال صغير السن نسبيا، في الرابعة والأربعين أو الخامسة والأربعين، حين أقبل عليه في عام 594 ممثلو الطبقات الوسطى يدعونه إلى قبول ترشيحهم إياه ليكون أركوناً بالاسم، على أن يُمنح سلطة مطلقة لإخماد نار حرب الطبقات، ووضع دستور جديد للبلاد، وإعادة الاستقرار إلى الدولة. ووافقت الطبقات العليا على هذا الاختيار وهي كارهة، وكان الباعث لها على الموافقة ثقتها بأن رجلا مثله من أصحاب المال لا بد أن يكون رجلا محافظا'. وعن حدوث إصلاحات يضيف الكتاب: 'وكانت أعماله الأولى أعمالا بسيطة ولكنها كانت من قبيل الإصلاحات الاقتصادية الشاملة؛ وقد خيب آمال المتطرفين بإحجامه عن إعادة تقسيم الأراضي. ولو أنه فعل هذا لأدى ذلك إلى الحرب الأهلية وإلى الفوضى التي تدوم جيلا كاملا، وإلى عودة الفوارق مسرعة، ولكن صولون استطاع بفضل قانونه الشهير قانون السيسكثيا أو 'رفع الأعباء' أن يلغي كما يقول أرسطاطاليس 'جميع الديون القائمة سواء أكانت للأفراد أم للدولة'، وهكذا حرر أراضي أتكا من جميع الرهون بجرة قلم؛ هذا إلى أنه أطلق سراح جميع مَن استرقوا أو التصقوا بالأرض، وكل مَن بيعوا رقيقا في خارج البلاد وطلب إليهم أن يعودوا إلى مواطنهم، وحرم مثل هذا الاسترقاق في المستقبل. وخليق بنا أن نذكر من خصائص الخلق في هذا المقام أن بعض أصدقاء صولون قد عرفوا ما يعتزمه من إلغاء الديون فاشتروا أراضي واسعة مرتهنة ثم احتفظوا بها فيما بعد من غير أن يؤدوا ما عليها من رهون. ويحدثنا أرسطاطاليس بأسلوب تهكمي بأن هذا كان منشأ ثروات طائلة كثيرة العدد 'ظن الناس' فيما بعد 'أنها ترجع إلى أزمنة لا يذكرها الناس لقدم عهدها'. وقال بعض الناس إن صولون قد تغاضى عن هذا العمل وإنه استفاد منه حتى تبين بعدئذ أنه وهو الدائن الكبير قد خسر بقانونه الشيء الكثير. واحتج الأغنياء بأن هذا التشريع كان في حقيقة الأمر مصادرة لأموالهم، ولكنه أصم أذنيه عن سماع احتجاجهم؛ ولم تمضِ عشرة أعوام على صدوره حتى أجمع الناس؛ أو كادوا يجمعون، على أنه أنجى أتكا من الثورة. وثمة إصلاح آخر من إصلاحات صولون لا نستطيع أن نتحدث عنه حديثاً يقينياً واضحاً. وفيه يقول أرسطاطاليس إن صولون قد 'استبدل بالنقود الفيدونية أي النقود الأجنبية التي كانت مستعملة في أتكا حتى ذلك الوقت 'نظام عوبية النقدي على نطاق واسع وجعل قيمة المينا مائة درخمة بعد أن كانت من قبل سبعين'. ويقول أفلوطرخس في بيانه عن هذا الإصلاح، وهو أوفى من بيان أرسطاطاليس، 'إن صولون جعل المينا تصرف بمائة درخمة بعد أن كانت ثلاثا وسبعين، وبهذا أصبحت قيمة القطع التي تدفع أقل مما كانت قبل وإن كان عددها واحدا، وكان في هذا نفع كبير للذين يريدون أن يوفوا بديونهم، ولم يكن فيه خسارة على الدائنين'. إن أفلوطرخس الظريف الكريم وحده هو الذي استطاع أن يجد طريقة لتضخم العملة ينقذ بها المدينين دون أن يلحق الضرر بالدائنين إلا هذا الضرر الوحيد وهو أن نصف العمى في بعض الحالات خير بلا ريب من العمى كله' . عفو عام.. كما يحكي الكتاب عن العفو العام: 'وكان أبقى من هذهِ الإصلاحات الاقتصادية تلك القرارات التاريخية التي أنشئ بمقتضاها دستور صولون. وقد قدم لها صولون بعفو عام أطلق به سراح كل من سجن، وأعاد إلى البلاد كل من نفي منها لجرائم سياسية إذا لم تكن هذهِ الجرائم هي محاولة اغتصاب مقاليد الحكم في البلاد. ثم واصل عمله بأن ألغى إلغاء صريحا أو ضمنيا معظم شرائع دراكون؛ إلا أنه أبقى منها على القانون الخاص بعقاب القتلة وقد طبقت قوانين صولون على جميع السكان الأحرار بلا تمييز بينهم. فأصبح الأغنياء والفقراء على السواء مقيدين بقيود واحدة تفرض عليهم عقوبات واحدة. الطبقات.. وعن إعادة التقسيم الطبقي يتابع الكتاب: 'وإذ كان صولون قد عرف أنه لم يستطع تنفيذ إصلاحاته إلا بمعونة طبقتي التجار والصناع، ورغبة منه في أن يجعل لهم حظا في حكومة البلاد، فقد قسم سكان أتكا أربع مجموعات على أساس ثروتهم: الأولى أصحاب الخمسمائة بشل وهو الذين يصل دخلهم السنوي إلى خمسمائة مكيال من الحاصلات أو ما يعادلها، والثانية هم الهبي الذين يتراوح دخلهم بين ثلاثمائة وخمسمائة بشل. والثالثة جماعة الزوجتاي الذين يتراوح دخلهم بين مائتين وثلاثمائة، والرابعة جماعة الثيتي وتشمل غير هؤلاء كلهم من الأحرار. وكانت مظاهر الشرف والتكريم تتناسب مع ما يؤدى من الضرائب فلا يستمتع إنسان بالأولى دون أن يتحمل عبء الثانية؛ يضاف إلى هذا أن الضرائب التي تؤديها الطبقة الأولى كانت تفرض على ما يعادل دخلها السنوي اثني عشر مرة؛ والطبقة الثانية على ما يعادل دخلها عشر مرات، والثالثة على ما يعادل دخلها خمس مرات فقط؛ أي أن ضريبة الأملاك كانت في واقع الأمر ضريبة دخل تصاعدية. أما الطبقة الرابعة فكانت معفاة من الضرائب المقررة المباشرة. وكانت الطبقة الأولى وحدها هي التي يمكن اختيار رجالها إلى الأركونية وإلى قيادة الجيش؛ أما الطبقة الثانية فكان من حقها أن يختار أفرادها إلى المناصب وإلى فرق الفرسان في الجيش، وكانت الطبقة الثالثة تختص بالعمل في فرق المشاة الثقيلة؛ وأما الرابعة فكان يطلب إليها أن تمد الدولة بالجنود العاديين. وقد أضعف هذا التقسيم الفذ نظام القرابة الذي كانت تعتمد عليهِ قوة الألجركية؛ وأحل محله مبدأ جديدا هو مبدأ 'التمقراسيه'، أي حكم ذوي الشرف أو المنزلة، ويحدد صراحة ما لهم من ثروة تُفرض عليها الضرائب. وكان حكم 'بلوتوقراطي يتولاه المثرون' شبيه بهذا الحكم منتشراً خلال القرن السادس كله وبعض القرن الخامس في معظم المستعمرات اليونانية'. مجلس الشيوخ.. وعن أهمية مجلس الشيوخ يكمل الكتاب: 'وقد أبقى دستور صولون على رأس الدولة مجلس الشيوخ القديم مجلس الأريوبجوس، بعد أن جرده من بعض ما كان له من سلطان وما كان يمتاز به من عزلة، وبعد أن أصبح مفتوح الأبواب لجميع أفراد الطبقة الأولى، ولكنه ظل مع ذلك صاحب السلطة العليا المهيمن على سلوك الناس وعلى موظفي الدولة. ثم أنشأ بولا أو مجلسا جديدا مؤلفا من أربعمائة عضو يلي مجلس الشيوخ في السلطة تختار له كل طبقة من الطبقات الأربع مائة عضو. وكان هذا المجلس يختار جميع الأعمال التي تعرض على الجمعية ويبحثها ويعدها. ووضع صولون في منزلة أدنى من هذا النظام الألجركي الأعلى الذي استرضى به الأقوياء، أنظمة ديمقراطية في أساسها، ولعله كان مدفوعا إلى ذلك بحسن النية ورغبة العمل على خير الطبقات الدنيا. فقد أعاد إلى الحياة الإكليزيا الجمعية القديمة التي كانت قائمة في أيام هومر ودعا كل المواطنين إلى الاشتراك في مناقشاتها. وكانت هذه الجمعية تختار كل عام من بين ذوي الخمسمائة بشل الأركونين الذين كانوا حتى ذلك الوقت يعينون من قبل مجلس الأريوبجوس؛ وكان من حقها أن تستجوب هؤلاء الموظفين في أي وقت، وتتهمهم، وتعاقبهم؛ وإذا ما انقضت مدة توليهم مناصبهم، كانت تبحث في مسلكهم في السنة التي تولوا العمل فيها، وكان لها إذا شاءت أن تحرمهم حقهم في أن يكونوا أعضاء في مجلس الشيوخ.

ما سبب المطالبة بإيقاف تصوير مسلسل سوري قبيل شهر رمضان؟
ما سبب المطالبة بإيقاف تصوير مسلسل سوري قبيل شهر رمضان؟

شفق نيوز

time٢٨-٠٢-٢٠٢٥

  • شفق نيوز

ما سبب المطالبة بإيقاف تصوير مسلسل سوري قبيل شهر رمضان؟

مع بدء تداول صور على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر عددا من الممثلين السوريين المعروفين أثناء تصوير مسلسل اسمه "قيصر"، انهمرت تعليقات غاضبة ومستاءة من هذا العمل الفنّي من قبل كثير من السوريين. لم يستمر الأمر طويلا حتى تصاعدت الأحداث (حول المسلسل وتصويره وليس أحداث المسلسل ذاته)؛ إذ علّق على الموضوع شخص على فيسبوك يعتقد أنه صاحب لقب "قيصر" الحقيقي، المصوّر العسكري السوري فريد المذهان، كما تداولت مواقع إخباريّة سوريّة محليّة "قرار" إيقاف تصوير المسلسل، الذي يدور حول سجن صيدنايا سيء السمعة - المعروف بـ"المسلخ البشري". كل هذا حدث قبل يوم أو اثنين من بداية شهر رمضان، الذي تنافس فيه عادة الدراما السوريّة مسلسلات كثيرة من إنتاج دول عربيّة عدّة. تنتج شركة باور بروداكشن "Power Production" المسلسل، ويخرجه صفوان مصطفى نعمو، ويضمّ ثلاثين حلقة، وفق ما جاء في مواقع تناولت خبر انطلاق مرحلة التصوير. شارك في كتابة السيناريو عدد من الكتّاب السوريين، مثل نجيب نصير وعدنان عودة وزهير الملا ومؤيد النابلسي. وقيصر هو الاسم المستعار لمنفذ واحدة من أهمّ عمليات تسريب وثائق كشفت عن ممارسة التعذيب في السجون السورية. قرر المصوّر العسكري فريد المذهان الانشقاق عام 2013، وخلال سنوات من العمل السري، سرّب آلاف الصور التي أصبحت أدلة دامغة على جرائم نظام الأسد، وبعد مغادرته البلد حصل على لقب "قيصر" لحمايته. ورُّوج لمسلسل "قيصر" على أنه أول عمل درامي سوري بعد سقوط نظام الأسد. لكنّ كثيرين وصفوا المسلسل بأنه "متاجرة بالمعاناة السورية". وأثار الإعلان عن بدء تصوير مسلسل "قيصر"، الذي يحاكي قصص التعذيب في سجون الأسد، انتقادات عديدة، أولاً بسبب سرعة إعداد سيناريو يتناول واقعا عانى السوريون منه طويلاً، وثانياً بسبب مشاركة الممثل السوري غسان مسعود المعروف بمواقفه المدافعة عن النظام السابق. وكانت لمشاركة غسان مسعود نصيب كبير من الانتقاد؛ إذ تداول كثيرون فيديو لمقابلة قديمة معها، وهو يدافع عن النظام السوري السابق وعن دور الجيش السوري. ووصفه كثيرون بالفنان "المكوّع" - أي الذي غيّر مواقفه بعد سقوط بشار الأسد. ويبدو أن العمل لم يكتب من قبل كتّاب اجتمعوا في ورشة واحدة؛ ففي اتصال مع بي بي سي نيوز عربي، تحدث الكاتب السوري نجيب نصير عن مشاركته في العمل، قائلاً إنه وافق على المشاركة لأنه كان قد كتب في السابق 15 حلقة، فكثّفها في ثلاث حلقات وقدّمها، قائلا إنه لم يكن يعلم أن اسم المسلسل "قيصر". وقال إنّ ما عالجه هو "الناحية القانونية أو الشرعية لمسألة السجن السياسي، ووضع السجين وتفاعله مع العائلة والمجتمع بعد خروجه من السجن". وقال نصير إنه يؤيد وجهة النظر التي انتقدت تحويل الواقع إلى المسلسلات. وقال إنه يؤمن بأنه "لا يمكن كتابة عمل فني يتناول حدثاً جرى أمس أو منذ عام، لأن المدة غير كافية". وأوضح أن ما كتبه "لا يصب في ذات الاتجاه"، أي توثيق يوميات أو تجربة المعتقل السياسي، بل يذهب إلى مناقشة السؤال القانوني عن الاعتقال السياسي من جهة، والحالة النفسية والاجتماعية للسجين بعد خروجه من المعتقل، أي تأثير التعذيب وليس التعذيب بحد ذاته. وقال إنه ليس مهتماً بتأريخ المرحلة الحالية. وأشار أن القصة التي قدمها في المسلسل تنتهي أحداثها عام 2008 - أي قبل ثلاث سنوات من اندلاع الانتفاضة ضد النظام السوري. أما بالنسبة للاعتراض على غسان مسعود، قال نصير إنه "ضد إقصاء أحد، وإنه من السهل توجيه الاتهام بشأن مواقف الأشخاص السابقة"، معلّقا: "هذا مواطن عليك احترام كامل حقوقه وإن كان مخطئاً". ولفت إلى أن هذا الكلام "لا يفيد بل يزيد من شعور الانتقام ولا يساهم في بناء مجتمع". ابنة معتقل مغيّب ترفض "تزوير الحقيقة" نشر حساب على منصة فيسبوك يّعتقد أن صاحبه هو فريد المذهان ، الذي كشف منذ فترة أنه "قيصر" المسؤول عن تهريب الوثائق التي فضحت سجون عهد بشار الأسد. وجاء في المنشور أنه – فريد المذهان – لم يعط أي موافقة لإنتاج أي عمل فني يحمل اسم قيصر - اسمه. وقال في منشوره القصير، الذي تفاعل معه الآلاف: "قيصر أيقونة وجزء من تاريخ سوريا العظيمة. وأي استخدام لهذا الاسم من أعمال إبداعية سورية أم عربية أم أجنبية، تقع مسؤوليته على عاتق المستخدمين". لكن أحدهم علّق: "قصة السجون قصّة عامة، ولا يملك أحد حقوق ملكيّتها". ونشرت الصحفية والناشطة السورية، وفا بنت علي مصطفى (أبو صامد) - المعتقل والمغيّب منذ 12 عاما - فيديو على فيسبوك طالبت من خلاله إيقاف العمل تماما، ومنع تصوير أي عمل داخل السجون. ومعروف عن وفا أنها تكرس وقتها للدفاع عن قضيّة المغيّبين قسريا والمعتقلين، وكانت قد عادت لسوريا مؤخرا، واستقبلها أبناء وبنات مدينتها، مصياف، وحملوها على الأكتاف، وكانت ضمن وفد التقى رئيس سوريا في المرحلة الانتقاليّة، أحمد الشرع، مؤخرا لمناقشة هذه القضيّة. ووصفت وفا الإعلان عن تصوير مشاهد المسلسل داخل السجون الحقيقية بأنه "كارثة". وقالت: "مازال آلاف السوريون يسألون عن تفاصيل حقيقة ما حدث لأهاليهم" داخل السجون. وأضافت إنه في الوقت التي لا تستطيع فيه معرفة حقيقة ما حدث لوالدها، ترفض أن يقوم "أي مخرج أو أي ممثل سوري بتزوير الحقيقة". ونقلت مواقع سورية بيان "اللجنة الوطنية للدراما" في سوريا وجاء فيه "انطلاقا من التزامنا برأي شعبنا الكريم واحترام تطلعاته، فقد تقرر إيقاف تصوير المسلسل مؤقتاً حتى يتم تغيير اسمه وإعادة النظر في قائمة المشاركين فيه". وأضافت اللجنة في بيانها: "نؤكد أن المحتوى الدرامي للعمل لا يتناول قضية قيصر المعروفة عالمياً، والتي تمس ضمير وإنسان كل سوري حر، وإنما يحمل طابعاً درامياً مختلفاً لا يمت لهذه القضية بصلة".

قصة الحضارة (191): صور الشاعر 'هزيود' حال فقر الفلاحين في أثينة
قصة الحضارة (191): صور الشاعر 'هزيود' حال فقر الفلاحين في أثينة

موقع كتابات

time١٨-٠٢-٢٠٢٥

  • موقع كتابات

قصة الحضارة (191): صور الشاعر 'هزيود' حال فقر الفلاحين في أثينة

خاص: قراءة- سماح عادل حكي الكتاب عن أثينة وتصورات الشاعر هزيود عن قصة الخلق، وعن مدينة دلفي. وذلك في الحلقة الواحد والتسعين بعد المائة من قراءة 'قصة الحضارة' الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي 'ويل ديورانت' وزوجته 'أريل ديورانت'، ويتكون من أحد عشر جزء. هزيود وقصة الخلق.. ويواصل الكتاب الحكي عن الشاعر الأثيني 'هزيود': 'ويقول هزيود إن الجنس البشري عاش على وجه الأرض قبل سقوط الإنسان على هذا النحو مئات من السنين يرسل في حلل السعادة. ذلك بأن الآلهة قد خلقت أولا في أيام كرونس جيلا ذهبيا كانوا كالآلهة يعيشون بلا كدح ولا قلق، تنتج لهم الأرض من نفسها الطعام، وتغذي بكلئها قطعانهم الكثيرة، ويقضون كثيراً من الأيام فرحين مسرورين لا تدركهم الشيخوخة، حتى إذا أقبل عليهم الموت آخر الأمر كان كأنه نوم خال من الآلام والأحلام. ثم خلق الآلهة في نزوة من نزواتهم القدسية جيلا فضيا أحط منزلة من الجيل الأول، يحتاج أفراده في نموهم إلى مائة عام، فإذا كمل هذا النمو عاشوا معذبين زمنا قليلا يدركهم بعده الموت. ثم خلق زيوس جيلا نحاسيا، رجالا أعضاؤهم وأسلحتهم وبيوتهم من النحاس، شن بعضهم على بعض كثيرا من الحروب حتى 'سلط عليهم الموت الأسود فغادروا ضياء الشمس اللامعة'. ثم عاود زيوس التجربة وخلق جيل الأبطال الذين حاربوا في طيبة وطروادة؛ ولما مات أولئك الرجال 'سكنوا بأرواحهم الخالية من الهم في جزائر الأبرار'، وجاء من بعدهم شر الناس كلهم، الجبل الحديدي، وهم خلق أدنياء فاسدون فقراء لا يعرفون النظام، يكدحون بالنهار ويقاسون الشدائد والأهوال بالليل؛ لا يوقر أبناؤهم آباءهم، يعصون الآلهة ويبخلون عليهم، كسالى مشاغبون، يحارب بعضهم بعضاً، يرشون ويرتشون، لا يثق بعضهم ببعض، ويفتري بعضهم على بعض، ويطأون بأقدمهم وجوه الفقراء منهم. ويقول هزيود في حسرة: 'ألا ليتني لم أولد في هذا العهد بل ولدت قبله أو بعده!' وهو يتمنى أن يعجل زيوس بدفن هذا الجيل الحديدي في باطن الأرض'. الشرور.. ويضيف الكتاب عن تصورات هزيود: 'هذا هو اللاهوت التاريخي الذي يفسر بهِ هزيود ما في زمانه من فقر وظلم. وقد كان يرى هذهِ الشرور بعينيهِ ويلمسها بيديه؛ ولكن الشاعر لم يكن يشك في أن الماضي الذي ملأه أبطالاً وآلهة كان أنبل وأجمل من هذا الجيل؛ ولسنا نرتاب في أن الناس لم يكونوا على الدوام فقراء معذبين أذلاء كما كان الزراع الذين عرفهم في بؤوتية. وهولا يعرف أن أخطاء الطبقة التي ينتمي إليها قد أثرت في نظرتهِ، وأن آراءه في الحياة والعمل والنساء والرجال آراء ضيقة، أرضية، تكاد أن تكون تجارية. وما أبعد هذهِ الصورة من صورة أعمال الناس التي تطالعنا في شعر هومر، وهي صورة إن كان فيها الإجرام والفزع فإن فيها أيضاً العظمة والنبل! لقد كان هومر شاعراً، يعرف أن ومضة من الجمال تمحو آلافاً من الخطايا؛ أما هزيود فكان فلاحاً يصعب عليه ما تتكلفه الزوجة، ويغضب من وقاحة النساء اللائي يجلسن حول المائدة مع أزواجهن. ويكشف لنا هزيود في صراحة فظة عما كان في المجتمع اليوناني القديم من انحطاط قبيح عن الفقر المدقع الذي كان يعانيه رقيق الأرض وصغار الزراع الذين يقوم على سواعدهم مجد الأشراف والملوك وعبث الحروب. وكان هومر يتغنى بالأبطال والأمراء للأشراف من الرجال والنساء. ثورات الفلاحين.. وعن تمرد الفلاحين يكمل الكتاب: 'أما هزيود فلم يكن يعرف أمراء، بل كان يتغنى في قصائدهِ بالسوقة من الرجال ويوائم بين نغماته وبين موضوعه. فنحن نستمع في شعرهِ إلى قعقعة ثورات الفلاحين التي أنتجت في أتكا من بعد إصلاحات صولون وطغيان بيسستراتس . لقد كانت الأرض في بؤوتية، كما كانت في البلوبونيز، في حوزة نبلاء غائبين عنها يقيمون في المدن أو بالقرب منها. وقد شُيدت أكثر المدن رخاء وازدهارا نحو بحيرة كبسيس، وهي الآن جافة ولكنها كانت فيما مضى تمد بالماء شبكة معقدة من قنوات الري وأنفاقه. وقد غزت هذا الإقليم المغري الجذاب في أواخر عصر هومر شعوب اشتق اسمهم من جبل بيئون في إبيروس الذي أقاموا بيوتهم بالقرب منه. وقد استولوا على قيرونيا وبقربها قضى فليب على حرية اليونان، وطيبة عاصمتهم في مستقبل الأيام، ثم استولوا أخيرا على أركمنوس العاصمة المينياوية القديمة. وقد انضوت هذهِ المدن وغيرها في أيام اليونان الأقدمين تحت لواء طيبة في اتحاد بؤوتي يصرف شئونه العامة رجال من أهل هذا الحلف يُختارون في كل عام، ويحتفل أهله مجتمعين في كورونية بعيد الجامعة البؤوتية. وكان من عادة الأثينيين أن يسخروا من البؤوتيين ويتهموهم بأنهم أغبياء ويعزوا بلادة ذهنهم إلى إفراطهم في الأكل وإلى جو بلادهم الكثير الضباب والأمطار. وقد يكون في هذا الوصف والتعليل بعض الصدق، لأن البؤوتيين يضطلعون في تاريخ اليونان بدور لا ترتاح له النفوس. من ذلك أن طيبة مثلاً قد ساعدت الغزاة الفرس، وظلت شوكة في جانب أثينة مئات السنين. ولكننا نضع في الكفة الأخرى، كفة الحسنات، أبطال بلاتية الشجعان الأوفياء، ونضع هزيود الكادح المثابر، وبندار الذي بلغ السماكين، وأباميننداس الأبي الشريف النفس، وفلوطرخس الحبيب إلى النفوس. ومن واجبنا أن نكون على حذر فلا نرى منافسي أثينة بأعين الأثينيين.' دلفي.. وينتقل الكتاب إلي الحكي عن مدينة دلفي: 'بعد أن يغادر الإنسان قيرونيا مدينة أفلوطرخس يصعد وهو يعرض حياته للخطر فوق اثني عشر ميلاً يلتقي عند آخرها بفوقيس، ثم يصل عند سفح جبل بارنسس نفسه إلى دلفي مدينة اليونان المقدسة. وعلى بعد ألف قدم من تحتها ينبسط سهل كريسيا الذي تتلألأ فيه بأوراقها الفضية عشرة آلاف شجرة زيتونة؛ وعلى بعد خمسمائة قدم أخرى تحت هذا السهل يمتد في الأرض جون صغير من خليج كورنثة، تمر فيه السفن وهي مقبلة من بعيد، تتهادى في بطء وصمت فوق المياه الساكنة الخداعة. ومن وراء الجون سلاسل أخرى من الجبال تكسوها عند مغيب الشمس حلة أرجوانية. وعند منعطف في الطريق يلتقي السائح بنبع كستاليا في خانق بين الصخور العمودية. وتروي القصص أن أهل دلفي ألقوا إيسوب من فوق هذهِ الصخور المرتفعة وأضافوا بقولهم هذا خرافة أخرى إلى خرافاتهِ؛ كما يروي التاريخ أن فلوميلوس الفوقي طارد اللكريين المنهزمين من فوق هذهِ الصخور في الحرب المقدسة الثانية. ومن فوقها قمتا برنسس التوأمتان حيث سكنت ربات الشعر بعد أن ملت المقام في جبل هِلِكُن. ولم يكن اليونان الذين يتسلقون مئات الأميال فوق الصخور الوعرة ليقفوا على قمة الجبل متزنين على لسان بارز من الصخر بين المرتفعات التي يكسوها الضباب من جهة والبحر الذي تسطع عليه الشمس من جهة أخرى، ويحيط بهم من جميع الجهات جمال الطبيعة وأهوالها، لم يكن هؤلاء اليونان يشكّون في أن من تحت هذهِ الصخور إله رهيب. وكثيرا ما زلزلت الأرض في هذا المكان وقذفت الرعب في قلوب الفرس النهابين، ومن بعدهم بمائة عام في قلوب الفوقيين النهابين، وبعد مائة عام أخرى في قلوب الغالبين النهابين. وعن تصورات اليوناينيين عن الكوارث الطبيعية: 'وكانت الزلازل في اعتقاد اليونان من فعل الإله يحمي بها قراره. وكان العباد المتدينون يؤمون هذا المكان من أقدم الأزمنة التي تتحدث عنها التواريخ اليونانية ليجدوا في الرياح التي تهب بين الأخاديد، أو الغازات التي تنبعث من باطن الأرض، صوت إلههم وإرادته. وكانت الصخرة العظيمة، التي تكاد تسد الفتحة التي تنبعث منها الغازات وسط بلاد اليونان كلها في اعتقاد الأهلين، ومن ثم كانت هي سرة العالم أو أمفالوسه كما كانوا هم يسمونها. وقد شادوا فوق هذهِ السرة مذابحهم لجي أمهم الأرض في الأيام القديمة، ثم لأبلو مالكها الأزهر فيما بعد. وكانت تحرس الأخدود في الزمن القديم أفعى رهيبة فتصد عنه الرجال؛ حتى قتلها فيبوس بسهم وأصبح هو أبلو البيثيين الذي يعبد في هذا الضريح. ولما أن دمرت النيران في عام 48 هيكلا قديما أعاد بناءه الأشراف الألكميونيون المنفيون من أثينة بأموال اكتتبت بها بلاد اليونان كلها وبأموالهم هم، وجعلوا له واجهة من الرخام. وأحاطوه برواق دوري الطراز، وأقاموه من الداخل على أعمدة أيونية. وقلما رأت بلاد اليونان ضريحا مثله من قبل. وكان طريق مقدس ملتف حول الجبل يؤدي إلى المزار، ويزدان في كل خطوة بالتماثيل والأروقة والخزانات أي الهياكل الصغيرة التي أقامها عند تخومه المقدسة في أولمبيا، ودلفي، وديلوس المدن اليونانية لتودع فيها أموالها أو لتكون هبات منها إلى الإله. وقد أقامت كورنثة وسكسيون خزائن من هذا النوع في دلفي وأقامت مثلها فيما بعد أثينة، وطيبة، وسيريني، وأقامت أحسن منها نيدوس وسفنوس وفي وسطها كلها شيد ملهى مواجه لجبل برنسس ليذكر الناس أن التمثيل كان في اليونان أصلا من الأصول الدينية. وكان يعلو فوق هذه كلها ملعب يمارس فيه اليونان أحب الشعائر إليهم وهي عبادة الصحة، والشجاعة، والجمال، والشباب'. عيد أبلو.. وعن عيد أبلو يحكي الكتاب: 'وفي وسعنا أن نتخيل منظر هذا المكان في عيد أبلو، فنصور لأنفسنا الحجاج المتحمسين يزحمون الطريق الموصل إلى المدينة المقدسة، وتغص بهم وبصخبهم وضجيجهم النزل والخيام التي أقيمت على عجل لتأويهم، وهم يمرون في حذر وارتياب بين الحوانيت التي يعرض فيها التجار الماكرون بضاعتهم، ثم يصعدون في مواكب دينية أو حاجين إلى هيكل أبلو يطلبون إليه الرضوان، ويقربون إليه القرابين أو الضحايا، ويرتلون الأناشيد؛ أو يتلون الأدعية والصلوات، ويجلسون خاشعين في الملهى، ثم يصعدون في خطى ثقيلة متعبة تبلغ الخمسمائة عداً ليشهدوا الألعاب البيثية أو ليتطلعوا في دهشة إلى البحر والجبال. لقد كانت الحياة يوماً من الأيام تسير على هذا النهج المليء بالحمية والحماسة'.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store