logo
الأميرُ النائم.. والساهرون على حُلمه .. بقلم فاطمة ناعوت

الأميرُ النائم.. والساهرون على حُلمه .. بقلم فاطمة ناعوت

الاقباط اليوممنذ 5 أيام
بقلم فاطمة ناعوت
بالأمس انكسرَ أملُ أُمٍّ ظلّت تهدهده عشرين عامًا، وانطفأت شمعةُ رجاء جاهدَ أبٌ ألا يخبو وهجُها. هذا المقالُ ليس رثاءً لشاب غادر إلى حيث يمضى الأبناءُ إلى رحاب الله، تاركين فى قلوب ذويهم صدوعًا لا تُرأبُ، بل هو تحية إجلال لأمٍّ وأبٍ حصدا من النُبل والإيمان بالله ما جعلهما أيقونةً تُضىء فى كتاب التاريخ، ودرسًا نتأملُه ونتعلَّم منه معنى الأمومة والأبوّة.
لم يكن الأميرُ الوليد بن خالد بن طلال رقمًا فى سجلّات غيبوبة استطالت سنواتٍ وعقودًا حتى ارتقى إلى فردوس الرحمن الرحيم حيثُ لا ألم ولا غياب، بل كان حكايةً تُروى من حكايا الرجاء
والنبل والعطاء الفريد، تَجسّد فى أمٍّ وأبٍ لم يسلّما ولدهما للموت السهل، رغم وصايا الأطباء، بل حملاه معًا على أجنحة الدعاء، ووشّياه بأغطية الحنوّ، لا عامًا ولا عشرةً، بل عشرين
عامًا عددًا محطمين كل توقعات الطبّ وسجلات السكتات الدماغية التى لا تتجاوز أعمارُها العامين مع العناية الفائقة، ليثبتا للعلمِ وللعالمِ أن الحُبَّ ينجحُ فيما يخفقُ فيه العلمُ والعلماءُ.
عام 2005، كان الأميرُ صبيًّا جميلا فى الخامسة عشرة من عمره يدرسُ العلومَ العسكرية فى لندن، ينتظرُه مستقبلٌ مشرقٌ فى وطنه مثلما ينتظرُه والداه بشغفٍ أن يعودَ إليهما مصقولا بالعلم ليخدم وطنه. لكن
الآمالَ تبعثرت عند ناصية حادثٍ مروّع أسقط الجسدَ فى غيبوبة ونزيف دماغى، فأوصى الأطباءُ برفع أجهزة التنفس لغياب الأمل فى النجاة. لكن الوالدين رفضا الخضوع لليأس، وتمسّكا بحبال رحمة الله. فمادام
القلبُ ينبضُ، فليس من حقِّ إنسانٍ أن يوقف الخفقَ ويستلبَ الحياة. وإن كان لا يشعر بنا، فنحن نشعرُ به، وإن كان لا يرانا، فنحن لا نكفُّ عن تأمله والدعاء له. ومَن قال إنه لا يشعرُ بنا، فلعلَّ رجفةَ الجفن
هذه شكرٌ، وحركةَ السبابة هذه صلاة وتشهّد، ونبضة الوريد تلك علّها نجوى امتنان لأمٍّ وأبٍ لا يبرحان سريره فى المستشفى السعودى أيامًا وأسابيعَ وسنواتٍ وعقودًا؛ يغسلان وجهَه بالعطور، ويشذبان لحيتَه،
ويمشطان شعره، كأنما يستعدُّ لحفل التخرّج، ثم العُرس. كان الوالدان النبيلان يجهزّان ابنهما الأمير النائم كلَّ يومٍ للحياة لا للموت، فكيف لا يشعر بهما ويمتنُّ لهما، رغم أنف الغيبوبة والصمت وإغماضة العينين؟!.
كان يمكن أن يُنسَى، لكنّه لم يُنسَ. وكيف يُنسى وجواره والدان لم يصدّقا مواتَ الغيبوبة، بل آمنا بالحياة المختبئة خلف السكون!، كانا يكلمانه، كما لو كان يُنصِتُ، ويرسمان له أحلام الغد، كيما يتأهب لتحقيقَها. والده، الأميرُ
خالد بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، لم يطلب معجزةً، لكنه آمن بها. رفض بحسم نزع الأجهزة الطبية عن وليده، لأن قلبه كان معلّقًا برحمة الله، لا بتقارير الأطباء. فالحياةُ الطافرةُ من وجه ابنه رغم إطباق العينين، لم تخبُ، بل تنتظر.
عشرون عامًا، لم تُطفأ أنوارُ غرفته، ولم يغبِ اسمُه عن الألسن ولا الدعاء. أبسط حركة من إصبعه كانت عُرسًا، أوهن خفقة جفن كانت قصيدة، وكل ومضة تحسُّن كانت عيدًا مؤجلاً.
هذه الأمُّ لم ترفع عينيها عن عينى وليدها، ولا رفعت يدَها عن قلبه لتطمئن إلى استمرار خفقه الذى تتوكأ عليه لتحيا. رهنت حياتَها صلاةً عند سرير وليدها، تروى زهرة الأمل بدموعها تنتظرُ صابرةً أن يناديها: أمى!.
وهذا الأبُ، الذى صار وجهه مرآة لأعلى درجات الإيمان برحمة الله. لم يرَ فى ابنه جسدًا ساكنًا، بل مشروع معجزةٍ مؤجلة تنتظرُ المشيئة العليّة. لم ينقطع عن زيارة ابنه يومًا: يلاطفه ويسامره ويدعو له ويلتقط معه الصور على رجاء الصحو.
الحادث الأليمُ، الذى وقع فى لندن والأميرُ فى وهج الصبا، لم يكن نهاية، بل بداية الرحلة الأكثر نبلا بين السُّرر البيضاء وأنابيب المحاليل والتقارير الطبية والسهر على نائم لا يصحو، وأسرة مُحبّة تسهرُ واصلةً الليلَ بالنهار عشرين عامًا دون كلل ولا قنوط، وملايين القلوب التى أحبّته دون لقاء، وعرفته من صورته فى زىّ الكلية العسكرية يحلم بمستقبل زاهٍ فى الدفاع عن وطنه.
واليوم، وقد ترجّل الأميرُ، ليغادر كما الملوك: بهدوء المطمئن الذى نامَ على وسادةٍ من صلوات ودعاء، ومشى إلى الله على طريقٍ مروىٍ بدموع أمٍّ وأبٍ أديا واجبهما على خير ما يؤدَى. هو الآن فى ضيافة الرؤوف الرحيم الذى وسعت
رحمتُه كلَّ شىء. نام الأميرُ بعد عشرين عامًا من التهيؤ لليقظة. نام لأن الحياة استكملت قصيدتَها فيه. أما والداه، فقد نالا وسامًا من نور، لا يُمنح إلا للقلوب التى أحسنت صون الأمانة. أحسن اللهُ عزاءهما وأحسن مقامه فى عليّين.
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

سرّ النجاة ومفتاح السعادة 10 ثمرات لتقوى الله
سرّ النجاة ومفتاح السعادة 10 ثمرات لتقوى الله

الجمهورية

timeمنذ ساعة واحدة

  • الجمهورية

سرّ النجاة ومفتاح السعادة 10 ثمرات لتقوى الله

أكد فضيلة الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، أن التقوى هي الغاية الكبرى من أحكام الإسلام ، وهي لبّ الرسالات السماوية ، مشيرًا إلى قول النبي ﷺ: "اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" [رواه الترمذي]. وأوضح أن من حقق مراد الشريعة ب التقوى في كل شأن من شؤون حياته، نال ثمارًا عظيمة تعود عليه بالسعادة في الدنيا، والنجاة في الآخرة، ومن أبرز هذه الثمرات: ثمرات التقوى كما وردت في القرآن الكريم: محبة الله قال تعالى: "إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَّقِينَ". الرحمة الإلهية قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ". معية الله ونصره قال: "إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ". الأمن من الخوف والحزن قال: "فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ". نور وبصيرة في القلب قال: "إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا". البركة في الرزق والسعة فيه قال: "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ". تفريج الهموم والكروب قال: "وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا". النجاة من كيد الأعداء قال: "وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا". حُسن العاقبة والخاتمة قال: "وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ". قبول الأعمال

4 فواكه صيفية تنظف الكلى وتمنع الالتهابات.. لن تتوقع تأثيرها
4 فواكه صيفية تنظف الكلى وتمنع الالتهابات.. لن تتوقع تأثيرها

مصراوي

timeمنذ ساعة واحدة

  • مصراوي

4 فواكه صيفية تنظف الكلى وتمنع الالتهابات.. لن تتوقع تأثيرها

كتبت- نرمين ضيف الله في أيام الصيف، تزداد احتياجات الجسم للترطيب والدعم الطبيعي لأجهزته الحيوية. الكلى، كجهة أساسية لتصفية الدم وتنظيم السوائل، يمكن أن تستفيد كثيرًا من بعض الفواكه الصيفية التي تعمل كـ"غسالة" طبيعية، تنظفها دون أدوية وتعزز مقاومتها للالتهابات. في التقرير التالي يستعرض لكم مصراوي أبرزها وفق ما جاء في "OnlyMyHealth". البطيخ البطيخ يحتوي على أكثر من 90% ماء، ويعمل كمدر طبيعي للبول يُحفّز الكلى على طرد السموم عبر التبول، دون إجهاد. كما يحتوي على السيترولين المضاد للأكسدة، الذي يُحسن الدورة الدموية ويقلّل من حمض الأمونيا بالجسم، مما يخفف الضغط على الكلى. التوت بأنواعه (العنب البري، الفراولة) تحتوي التوتات على مضادات أكسدة قوية مثل الأنتوسيانين والفيتامين C، ما يُقلل الالتهاب ويحمي خلايا الكلى. التوت الأحمر (cranberry) معروف بقدرته على منع البكتيريا من الالتصاق بجدران المسالك البولية وتقليل خطر العدوى التي قد تؤثر على الكلية الفراولة منخفضة البوتاسيوم وغنية بالألياف، مما يدعم صحة الكلى أيضًا. التفاح التفاح غني بالألياف القابلة للذوبان، وخاصة البيكتين، والتي تلتقط وتربط السموم في الجهاز الهضمي، مما يقلل الضغط على الكلى. كما أن التفاح يحتوي على مضادات الالتهابات ويساهم في الحفاظ على توازن حمض-قاعدة في الجسم، مع محتوى منخفض من البوتاسيوم، مما يجعله مثالياً لتنظيف الكلى بلطف. البابايا تحتوي على إنزيم بابين الذي يساعد على هضم البروتين، مما يقلل عبء الكلى. كذلك تحتوي على فيتامين C والفلافونويدات التي تحارب الالتهاب وتحسن التقييد التأكسدي، خيارًا ممتازًا لدعم الكلى وتنقيتها في الصيف.

أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟
أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟

مصرس

timeمنذ ساعة واحدة

  • مصرس

أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟

حذر الدكتور أسامة قابيل، من علماء الأزهر الشريف، من محاولات بعض الأشخاص ترويج تحليل تعاطي الحشيش، مؤكدًا أن هذا القول باطل شرعًا، وضلال بيِّن، يُخالف النصوص الصريحة من القرآن والسنة. وقال الدكتور أسامة قابيل في تصريحات له: "من يُحلل الحشيش يُخادع الناس، ويُضلل العقول، ويُزيف الدين.. الحشيش من المُسكرات، وسيدنا النبي صلى الله عليه وسلم قال بوضوح: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام"، فلا مجال للهوى أو التأويل في أمرٍ كهذا". وأضاف: "أتساءل: هل يرضى من يُحلل الحشيش أن يشربه أولاده؟ هل يقبل أن يدخنه أحفاده أمامه؟ إن كان لا يقبل هذا على أهل بيته، فكيف يُبيحه لغيرهم؟!". وأكد أن الخطر الأكبر ليس فقط في تعاطي الحشيش، بل في محاولات تزيينه وإلباسه ثوب الحلال، وهو ما يُعد جريمة أخلاقية ودينية، مضيفا: "الحرام إذا ذوق بالكلام، انفتح باب للفتن، وضاع الحق، وساد الباطل". وتابع: "من أراد أن يتكلم في الدين، فليتقِ الله، وليقل خيرًا أو ليصمت، فدمار العقول والمجتمعات يبدأ بكلمة مضللة قد يظنها البعض فتوى!".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store