
نظام الحصص والقرعة في الحج.. كيف يُحدد من يحج ومن ينتظر؟
Getty Images
الرغبة حاضرة، والقدرة ممكنة، لكن الحظ وحده يفتح باب الحج ضمن نظام الحصص والقرعة.
في كل موسم حج، تتكرر المشاهد ذاتها: آلافٌ يتقدّمون، قلة تقبل، وكثيرون ينتظرون فرصةً أخرى. فرغم الرغبة والقدرة، لا يُتاح للجميع أداء الفريضة، إذ تخضع عملية تنظيم الحج لنظام دولي دقيق يعرف بـ"نظام الحصص". تُحدّد المملكة العربية السعودية لكل دولة عددا ثابتا من الحجاج يُحسب وفق قاعدة "حاج واحد لكل ألف مسلم من السكان"، وذلك بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي. وداخل دول كثيرة، تُجرى قرعة لاختيار الأسماء المقبولة من بين المتقدمين، وفق معايير عمرية وزمنية تختلف من بلد إلى آخر.
ما قبل النظام: ازدحامٌ بلا سقف عددي
Getty Images
قبل نظام الحصص، الحج كان مفتوحاً بلا قيود عددية، حتى فرضت الكوارث والازدحام الحاجة إلى تنظيم صارم.
حين أُقرّ نظام الحصص رسميا عام 1987، لم يكن ذلك قرارا إداريا فحسب، بل استجابة ضرورية لتزايد سكاني في أوساط المسلمين حول العالم، وبالتالي ارتفاع متزايد في أعداد الراغبين بأداء الفريضة. الهدف كان واضحا: الحد من مخاطر الازدحام والتدافع وضبط موسم الحج ضمن قدرات البنية التحتية المتاحة. لكن كيف كانت الأمور تُدار قبل هذا النظام؟ وماذا حصل حتى أصبح ضبط الأعداد حاجة ملحة؟ في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح أحمد الحلبي، المختص بشؤون الحج والعمرة، أن التنظيم لم يكن قائما على نسب أو أرقام، بل كان مفتوحا أمام من استطاع إليه سبيلا. "في السابق لم تكن هناك نسبة محددة لأعداد الحجاج القادمين إلى مكة كل عام، ولكن مع تزايد الأعداد ومحدودية القدرة الاستيعابية للشعائر المقدسة، كان لا بدَّ من تنظيم لهذه الأعداد"، يقول الحلبي، مضيفا: "لو عدنا قليلا للسنوات التي سبقت القرار، لوجدنا أن أعداد الحجاج الذين قدموا تجاوزت المليون. محدودية المساحة هي التي فرضت الحاجة إلى التنظيم. مساحة مشعر منى أقل من 8 كيلومترات، والمستغل منها هو 61% فقط أي أقل من 5 كيلومترات بقليل، وذلك لأن بقية المناطق في منى جغرافيتها صعبة، وهناك حدود شرعية لمشعر منى، ولا يمكن الطلب من الحجاج المكوث خارج هذه المساحة بسبب ضوابط شرعية تتطلب وجودهم هناك في وقت معيَّن لإكمال حجهم". ومع ازدياد الضغط على المشاعر المقدسة في السبعينيات، بدأت المملكة محاولات لتنظيم الحشود. لكن لم يكن ذلك كافياً لتجنّب الكارثة التي ستأتي لاحقا. صباح يوم العاشر من ذي الحجة، الموافق 2 يوليوز 1990، شهد الحج إحدى أفظع الكوارث في تاريخه الحديث. داخل نفق المعيصم — نفق مشاة يبلغ طوله نحو 550 متراً ويربط مكة بمنطقة منى — وقع حادث تدافع مروّع. أثناء توجه الحجاج لأداء شعيرة رمي الجمرات، تسبّب انهيار حاجزٍ على جسر فوق النفق في سقوط عدد من الحجاج، ما أدى إلى إغلاق مخرجه واحتجاز آلاف الأشخاص في داخله. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتعطل نظام التهوية، تحوّل النفق إلى مصيدة قاتلة، أسفرت عن وفاة 1,426 حاجا، معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان. يرى الحلبي أن الحادثة كشفت بوضوح حجم الخلل في إدارة الحشود، قائلا: "الحوادث عادة تحصل في منطقة الجمرات، والسبب هو غياب التوعية من قبل مكاتب شؤون الحجاج في دولهم. مجموعة من الحجاج يريدون التوجه إلى جسر الجمرات في وقت واحد فتحدث الحوادث. بعدها بدأت عملية تفويج الحجاج، أي تقسيمهم على أفواج لأداء هذا الجزء من المناسك. لم تنظر الحكومة السعودية إلى هذا الأمر من منطلق تنظيمي فقط، بل راعت فيه المذاهب الفقهية للحجاج، وجاء ذلك بعد اجتماعات مع مكاتب الحجاج وهيئات الحج".
السياسة تتسلل إلى تفاصيل التنظيم
Getty Images
إيرانيون يشيّعون جثامين عدد من الحجاج الإيرانيين الذين قضوا في حادث التدافع خلال موسم الحج، وذلك خلال موكب جنائزي في العاصمة طهران، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2015.
ومنذ ذلك الحين، بات نظام الحصص أداةً أساسية لإدارة موسم الحج وضمان سلامة الملايين. ورغم أن النظام يُحسب نظرياً بمعادلة بسيطة، فإن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تتداخل السياسة والظروف الطارئة مع تفاصيل التنظيم. في عام 2016، غابت بعثة الحجاج الإيرانيين بالكامل بعد توتر دبلوماسي كبير بين طهران والرياض على خلفية حادثة منى عام 2015، حين تُوفي المئات في تدافعٍ مأساوي قرب الجمرات، من بينهم عددٌ كبير من الإيرانيين. عجز الطرفان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات أدى إلى غياب الإيرانيين عن موسم الحج في ذلك العام. أما في صيف 2017، فقد تزامنت بداية موسم الحج مع اندلاع أزمة الخليج، وقطع العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم إعلان الرياض أن الحصة القطرية محفوظة، فإن غياب البعثة الرسمية القطرية وقيود السفر التي فُرضت عملياً صعبت مشاركة الحجاج القطريين، ما انعكس بتراجع كبير في أعدادهم. وفي عامي 2020 و2021، واجه موسم الحج ظرفاً استثنائياً تمثل في جائحة فيروس كورونا. ولأول مرة منذ قرون، أُغلقت أبواب الحج أمام الحجاج من خارج المملكة، واقتصر على أعداد محدودة من داخلها، التزاماً بالتدابير الصحية ولمنع تفشي الوباء. وفي حالات أخرى، تنعكس الأزمات السياسية الداخلية على ترتيبات الحج. ففي سوريا، وبعد قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012، أُسند تنظيم حصة الحج إلى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، ما أثار جدلاً سياسياً ودينياً واسعاً حول الجهة المخولة بتمثيل السوريين. وفي ليبيا، أدى الانقسام بين حكومتين متنافستين إلى إرباك في توحيد القوائم وتوزيع الحصص بين شرق البلاد وغربها.
كيف تُجرى القرعة؟ ومن يُشرف عليها؟
Getty Images
قرعة الحج تُنظم محلياً وفق معايير تختلف بين الدول، كالسن وسنوات الانتظار، وسط التزام بالشروط السعودية.
بمجرد أن تُحدّد المملكة العربية السعودية حصة كل دولة من الحجاج، تنتقل مسؤولية التنفيذ إلى الحكومات والهيئات المحلية في تلك الدول، حيث تختلف الآليات التنظيمية باختلاف الأنظمة والممارسات. ويوضح أحمد الحلبي أن لكل دولة حرية مطلقة في تنظيم قوائم حجاجها، شرط التزامها بالمعايير السعودية. ويقول: "كل دولة لديها نظام مختلف، ولديها الحرية في تحديد من هم الحجاج من المتقدمين، ولكن يجب على كل حاج أن يكون مستوفياً للشروط. لا يمكن أن يحصل أي شخص على تأشيرة الحج ما لم يكن مستوفياً كافة الاشتراطات المطلوبة، أهمها ارتباطه بهيئة تنظيمية كمكاتب الحج وارتباطه بسكن محدد في المدينة ومكة". ولتحديد من سيُمنح فرصة أداء الفريضة، تلجأ معظم الدول إلى نظام القرعة. وتختلف طريقة تطبيق هذا النظام من بلد إلى آخر، لكن الهدف يبقى واحدًا: إرساء شكل من العدالة في توزيع الفرص. ويشرح الحلبي كيف يطبّق هذا النظام في بعض الدول، قائلاً: "نأخذ مثلاً حجاج تركيا، يتم تسجيل الحاج الراغب بأداء الفريضة على موقعٍ تابع لرئاسة الشؤون الدينية. في حال ظهر اسمه في القرعة يمضي في إنجاز أوراقه، وفي حال لم يظهر، يبقى اسمه فيها للسنة المقبلة. ومصر أيضاً تعتمد نظام القرعة منذ زمن". هكذا، لا يعدّ الحصول على موافقة لأداء الحج مسألة إمكانيات مالية أو لوجستية فقط، بل هو أيضاً مسألة انتظار، ومعايير، ونظم بيروقراطية قد تستمر لسنوات، لا سيما في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة. في مصر، تشرف وزارة الداخلية على تنظيم قرعة الحج، وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة في كل محافظة، وسط حضور رسمي وشعبي يؤكد الشفافية. يشترط على المتقدم ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يكون قد أدى الفريضة سابقاً، مع تقديم كشوفات طبية تثبت أهليته الجسدية. أما في المغرب، فتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الملف، حيث يفتح باب التسجيل الإلكتروني سنويا، مع إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الحج خلال السنوات العشر الأخيرة. في العراق، تشرف الهيئة العليا للحج والعمرة على قرعة إلكترونية تشمل جميع المحافظات. ويُشترط أن يكون المتقدم لم يؤدِ الفريضة سابقاً والأولوية لكبار السن، وتُعتمد قرعة مركزية تُعلن نتائجها عبر الموقع الرسمي، وسط متابعة إعلامية واسعة. في لبنان، تتولى هيئة شؤون الحج والعمرة تنظيم القرعة من خلال آلية تعتمد معيارين أساسيين: السن، وعدد المواسم السابقة التي لم يحج فيها المتقدم. تعطى الأولوية لمن لم يؤدِ الفريضة منذ عشرين موسماً هجرياً (2004–2024) ، وفي حال عدم اكتمال العدد، تفتح الدفعة تدريجياً لمن لم يحج منذ تسعة عشر موسماً، فثمانية عشر، وهكذا. أما في إندونيسيا، وهي الدولة ذات الحصة الأكبر عالمياً، فقد يصل الانتظار إلى 15 عاماً أو أكثر بسبب الإقبال الكثيف. وفي إقليم جنوب سولاويزي وحده، قد تمتد قائمة الانتظار حتى 43 عاماً، بحسب حكومية إندونيسية لوسائل إعلام محلية. فرغم نظام التسجيل المبكر والرقابة الإلكترونية، تبقى القوائم طويلة، ما يجعل أداء الفريضة هناك حلماً مؤجلاً لملايين المسلمين. وبخصوص دور مكاتب الحج والسياحة الدينية، فيوضح الحلبي: "لا علاقة للمكاتب بتحديد الحصص أو في عملية القرعة. عادةً الهيئات الحكومية للحج في الدول هي من تقوم بالقرعة، ومن يَظهر اسمه فيها يتعامل مع مكتب للحج لتنظيم الأمور اللوجستية من حجوزات وأوراق رسمية وغيرها. كما يكون دورهم توعية الحجاج حول كيفية القيام بمناسك الحج وتدريبهم وتعريف كل مشعر من الشعائر المقدسة لهم".
توسّعاتٌ تفتح نقاشاً جديداً
Getty Images
منذ 2011، توسّع السعودية الحرم لرفع طاقته، وتهدف ضمن رؤية 2030 لاستقبال 30 مليون معتمر و5 ملايين حاج سنوياً.
وفي خضم هذه التحديات، تواصل المملكة العربية السعودية التوسع في البنية التحتية للحرم والمشاعر المقدسة. منذ العام 2011، ومع بدء التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد الله، ومرورا باستكمالها في عهد الملك سلمان، زادت القدرة الاستيعابية للحرم إلى أكثر من 1.8 مليون مصل. يؤكد الحلبي: "عدد الحجاج والمعتمرين يصل إلى 15 مليونا عام 2025، وفي عام 2030 ضمن رؤية السعودية يصل إلى 30 مليوناً. أما بالنسبة للحجاج، فتسعى المملكة لأن يصل العدد السنوي إلى 5 ملايين حاجٍ عام 2030. جاء رفع العدد السنوي بعد عمليات التوسعة التي لم تنتهِ بعد، وهناك دراسات تقوم بها الجهات المعنية اليوم للمزيد من التوسعات للشعائر المقدسة".

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الأيام
٠٩-٠٥-٢٠٢٥
- الأيام
ليو الرابع عشر: ماذا وراء الأسماء التي يختارها باباوات الفاتيكان بعد انتخابهم؟
Reuters انتُخب الكاردينال روبرت بريفوست بابا للفاتيكان، وسيُعرف باسم البابا ليو الرابع عشر، يُعدّ هذا الرجل، البالغ من العمر 69 عاماً، أول أمريكي يتولى هذا المنصب، وسيقود كاثوليك العالم الذين يبلغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة. وُلد بريفوست في شيكاغو، ويُنظر إليه على أنه مُصلح، إذ عمل لسنوات عديدة مُبشراً في بيرو قبل أن يُعيّن رئيساً للأساقفة هناك. كما يحمل بريفوست الجنسية البيروفية، وعُرف عن شخصيته المودة، إذ عمل مع المجتمعات المهمّشة وساهم في بناء جسور التواصل في الكنيسة. لماذا اختار البابا اسماً مختلفاً؟ أول ما يقوم به البابا الجديد عقب انتخابه، اختيار اسم جديد، أي تغيير اسم معموديته. ويُعد هذا الإجراء جزءاً من تقليد عريق، على الرغم من عدم الالتزام به في بعض الأحيان. لأكثر من 500 عام، استخدم الباباوات أسماءهم الخاصة، ثم تغيّرت هذه الأسماء إلى أسماء رمزية لتبسيطها أو للإشارة إليهم كباباوات سابقين. وعلى مر السنين، اختار الباباوات في الغالب أسماء أسلافهم سواءً المباشرين أو البعيدين، بدافع الاحترام أو الإعجاب، أو للإشارة إلى رغبتهم في السير على خطاهم ومواصلة البابويات التي اعتبروها مهمة. على سبيل المثال، قال البابا فرنسيس إنه اختار اسمه تكريماً للقديس فرنسيس الأسيزي، وأوضح أنه استلهم هذا الاسم من صديقه البرازيلي الكاردينال كلاوديو هومز. Reuters أبدى الأمريكيون فرحتهم بانتخاب أول بابا من الولايات المتحدة لماذا اختار البابا الجديد "ليو الرابع عشر" إسماً له؟ Reuters لم يُحدد البابا الجديد بعد سبب اختياره لاسم ليو الرابع عشر، لكن العديد من الباباوات على مر السنين استخدموا اسم ليو. إذ كان أول من استخدم الاسم البابا ليو الأول، المعروف أيضاً باسم القديس ليو الكبير، الذي تولى منصب البابا بين عامي 440 و461 ميلادياً. وكان البابا ليو الأول، هو البابا الخامس والأربعين في التاريخ، واشتهر بالتزامه بالسلام. فبحسب الأسطورة، حدثت معجزة ظهور القديسين بطرس وبولس خلال لقاء البابا ليو الأول وملك الهون أتيلا عام 452 ميلادياً، وحينها تراجع الملك عن غزو إيطاليا. وهو ما صورته اللوحة الجدارية للفنان الإيطالي رافاييل في "ستانزا دي رافائيلو" داخل القصر الرسولي في الفاتيكان. من هو أخر بابا اختار اسم ليو؟ Getty Images عُرف الملك ليو الثالث عشر بتفانيه في سبيل العدالة الاجتماعية أما أخر بابا اختار اسم ليو فكان البابا ليو الثالث عشر، وهو البابا الإيطالي فينتشنزو جيواكينو بيتشي. انتُخب ليو الثالث عشر عام 1878، وكان البابا السادس والخمسين بعد المائتين على عرش القديس بطرس، وقاد الكنيسة الكاثوليكية حتى وفاته عام 1903. عُرف البابا ليو الثالث عشر بتكريسه للسياسات والعدالة الاجتماعية، إذ أصدر رسالة عامة بعنوان "Rerum Novarum" - وهي عبارة لاتينية تعني "الجديد". وتضمنت تلك الرسالة مواضيع مثل حقوق العمال والعدالة الاجتماعية. ما هي أشهر الأسماء البابوية استخداماً؟ على الرغم من أن اسم ليو من بين أكثر الأسماء البابوية شيوعاً، إلا أن اسم يوحنا هو الأكثر استخداماً بين الباباوات. وتم اختيار هذا الاسم أول مرة عام 523 من البابا القديس يوحنا الأول. بينما كان آخر بابا يختار هذا الاسم هو الإيطالي أنجيلو جوزيبي رونكالي، الذي انتُخب بابا للفاتيكان وحمل اسم يوحنا الثالث والعشرون عام 1958. وفي عام 2014، أعلن البابا فرنسيس، أن يوحنا الثالث والعشرون يُعدّ قديساً.


الأيام
٣٠-٠٤-٢٠٢٥
- الأيام
نظام الحصص والقرعة في الحج.. كيف يُحدد من يحج ومن ينتظر؟
Getty Images الرغبة حاضرة، والقدرة ممكنة، لكن الحظ وحده يفتح باب الحج ضمن نظام الحصص والقرعة. في كل موسم حج، تتكرر المشاهد ذاتها: آلافٌ يتقدّمون، قلة تقبل، وكثيرون ينتظرون فرصةً أخرى. فرغم الرغبة والقدرة، لا يُتاح للجميع أداء الفريضة، إذ تخضع عملية تنظيم الحج لنظام دولي دقيق يعرف بـ"نظام الحصص". تُحدّد المملكة العربية السعودية لكل دولة عددا ثابتا من الحجاج يُحسب وفق قاعدة "حاج واحد لكل ألف مسلم من السكان"، وذلك بالتنسيق مع منظمة التعاون الإسلامي. وداخل دول كثيرة، تُجرى قرعة لاختيار الأسماء المقبولة من بين المتقدمين، وفق معايير عمرية وزمنية تختلف من بلد إلى آخر. ما قبل النظام: ازدحامٌ بلا سقف عددي Getty Images قبل نظام الحصص، الحج كان مفتوحاً بلا قيود عددية، حتى فرضت الكوارث والازدحام الحاجة إلى تنظيم صارم. حين أُقرّ نظام الحصص رسميا عام 1987، لم يكن ذلك قرارا إداريا فحسب، بل استجابة ضرورية لتزايد سكاني في أوساط المسلمين حول العالم، وبالتالي ارتفاع متزايد في أعداد الراغبين بأداء الفريضة. الهدف كان واضحا: الحد من مخاطر الازدحام والتدافع وضبط موسم الحج ضمن قدرات البنية التحتية المتاحة. لكن كيف كانت الأمور تُدار قبل هذا النظام؟ وماذا حصل حتى أصبح ضبط الأعداد حاجة ملحة؟ في مقابلة مع بي بي سي عربي، يوضح أحمد الحلبي، المختص بشؤون الحج والعمرة، أن التنظيم لم يكن قائما على نسب أو أرقام، بل كان مفتوحا أمام من استطاع إليه سبيلا. "في السابق لم تكن هناك نسبة محددة لأعداد الحجاج القادمين إلى مكة كل عام، ولكن مع تزايد الأعداد ومحدودية القدرة الاستيعابية للشعائر المقدسة، كان لا بدَّ من تنظيم لهذه الأعداد"، يقول الحلبي، مضيفا: "لو عدنا قليلا للسنوات التي سبقت القرار، لوجدنا أن أعداد الحجاج الذين قدموا تجاوزت المليون. محدودية المساحة هي التي فرضت الحاجة إلى التنظيم. مساحة مشعر منى أقل من 8 كيلومترات، والمستغل منها هو 61% فقط أي أقل من 5 كيلومترات بقليل، وذلك لأن بقية المناطق في منى جغرافيتها صعبة، وهناك حدود شرعية لمشعر منى، ولا يمكن الطلب من الحجاج المكوث خارج هذه المساحة بسبب ضوابط شرعية تتطلب وجودهم هناك في وقت معيَّن لإكمال حجهم". ومع ازدياد الضغط على المشاعر المقدسة في السبعينيات، بدأت المملكة محاولات لتنظيم الحشود. لكن لم يكن ذلك كافياً لتجنّب الكارثة التي ستأتي لاحقا. صباح يوم العاشر من ذي الحجة، الموافق 2 يوليوز 1990، شهد الحج إحدى أفظع الكوارث في تاريخه الحديث. داخل نفق المعيصم — نفق مشاة يبلغ طوله نحو 550 متراً ويربط مكة بمنطقة منى — وقع حادث تدافع مروّع. أثناء توجه الحجاج لأداء شعيرة رمي الجمرات، تسبّب انهيار حاجزٍ على جسر فوق النفق في سقوط عدد من الحجاج، ما أدى إلى إغلاق مخرجه واحتجاز آلاف الأشخاص في داخله. ومع ارتفاع درجات الحرارة وتعطل نظام التهوية، تحوّل النفق إلى مصيدة قاتلة، أسفرت عن وفاة 1,426 حاجا، معظمهم من دول جنوب وجنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا وباكستان. يرى الحلبي أن الحادثة كشفت بوضوح حجم الخلل في إدارة الحشود، قائلا: "الحوادث عادة تحصل في منطقة الجمرات، والسبب هو غياب التوعية من قبل مكاتب شؤون الحجاج في دولهم. مجموعة من الحجاج يريدون التوجه إلى جسر الجمرات في وقت واحد فتحدث الحوادث. بعدها بدأت عملية تفويج الحجاج، أي تقسيمهم على أفواج لأداء هذا الجزء من المناسك. لم تنظر الحكومة السعودية إلى هذا الأمر من منطلق تنظيمي فقط، بل راعت فيه المذاهب الفقهية للحجاج، وجاء ذلك بعد اجتماعات مع مكاتب الحجاج وهيئات الحج". السياسة تتسلل إلى تفاصيل التنظيم Getty Images إيرانيون يشيّعون جثامين عدد من الحجاج الإيرانيين الذين قضوا في حادث التدافع خلال موسم الحج، وذلك خلال موكب جنائزي في العاصمة طهران، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2015. ومنذ ذلك الحين، بات نظام الحصص أداةً أساسية لإدارة موسم الحج وضمان سلامة الملايين. ورغم أن النظام يُحسب نظرياً بمعادلة بسيطة، فإن الواقع أكثر تعقيداً، إذ تتداخل السياسة والظروف الطارئة مع تفاصيل التنظيم. في عام 2016، غابت بعثة الحجاج الإيرانيين بالكامل بعد توتر دبلوماسي كبير بين طهران والرياض على خلفية حادثة منى عام 2015، حين تُوفي المئات في تدافعٍ مأساوي قرب الجمرات، من بينهم عددٌ كبير من الإيرانيين. عجز الطرفان عن التوصل إلى اتفاق بشأن الترتيبات أدى إلى غياب الإيرانيين عن موسم الحج في ذلك العام. أما في صيف 2017، فقد تزامنت بداية موسم الحج مع اندلاع أزمة الخليج، وقطع العلاقات بين السعودية وقطر. ورغم إعلان الرياض أن الحصة القطرية محفوظة، فإن غياب البعثة الرسمية القطرية وقيود السفر التي فُرضت عملياً صعبت مشاركة الحجاج القطريين، ما انعكس بتراجع كبير في أعدادهم. وفي عامي 2020 و2021، واجه موسم الحج ظرفاً استثنائياً تمثل في جائحة فيروس كورونا. ولأول مرة منذ قرون، أُغلقت أبواب الحج أمام الحجاج من خارج المملكة، واقتصر على أعداد محدودة من داخلها، التزاماً بالتدابير الصحية ولمنع تفشي الوباء. وفي حالات أخرى، تنعكس الأزمات السياسية الداخلية على ترتيبات الحج. ففي سوريا، وبعد قطع العلاقات بين الرياض ودمشق عام 2012، أُسند تنظيم حصة الحج إلى "الائتلاف الوطني السوري" المعارض، ما أثار جدلاً سياسياً ودينياً واسعاً حول الجهة المخولة بتمثيل السوريين. وفي ليبيا، أدى الانقسام بين حكومتين متنافستين إلى إرباك في توحيد القوائم وتوزيع الحصص بين شرق البلاد وغربها. كيف تُجرى القرعة؟ ومن يُشرف عليها؟ Getty Images قرعة الحج تُنظم محلياً وفق معايير تختلف بين الدول، كالسن وسنوات الانتظار، وسط التزام بالشروط السعودية. بمجرد أن تُحدّد المملكة العربية السعودية حصة كل دولة من الحجاج، تنتقل مسؤولية التنفيذ إلى الحكومات والهيئات المحلية في تلك الدول، حيث تختلف الآليات التنظيمية باختلاف الأنظمة والممارسات. ويوضح أحمد الحلبي أن لكل دولة حرية مطلقة في تنظيم قوائم حجاجها، شرط التزامها بالمعايير السعودية. ويقول: "كل دولة لديها نظام مختلف، ولديها الحرية في تحديد من هم الحجاج من المتقدمين، ولكن يجب على كل حاج أن يكون مستوفياً للشروط. لا يمكن أن يحصل أي شخص على تأشيرة الحج ما لم يكن مستوفياً كافة الاشتراطات المطلوبة، أهمها ارتباطه بهيئة تنظيمية كمكاتب الحج وارتباطه بسكن محدد في المدينة ومكة". ولتحديد من سيُمنح فرصة أداء الفريضة، تلجأ معظم الدول إلى نظام القرعة. وتختلف طريقة تطبيق هذا النظام من بلد إلى آخر، لكن الهدف يبقى واحدًا: إرساء شكل من العدالة في توزيع الفرص. ويشرح الحلبي كيف يطبّق هذا النظام في بعض الدول، قائلاً: "نأخذ مثلاً حجاج تركيا، يتم تسجيل الحاج الراغب بأداء الفريضة على موقعٍ تابع لرئاسة الشؤون الدينية. في حال ظهر اسمه في القرعة يمضي في إنجاز أوراقه، وفي حال لم يظهر، يبقى اسمه فيها للسنة المقبلة. ومصر أيضاً تعتمد نظام القرعة منذ زمن". هكذا، لا يعدّ الحصول على موافقة لأداء الحج مسألة إمكانيات مالية أو لوجستية فقط، بل هو أيضاً مسألة انتظار، ومعايير، ونظم بيروقراطية قد تستمر لسنوات، لا سيما في الدول ذات الكثافة السكانية المرتفعة. في مصر، تشرف وزارة الداخلية على تنظيم قرعة الحج، وتنقل وقائعها على الهواء مباشرة في كل محافظة، وسط حضور رسمي وشعبي يؤكد الشفافية. يشترط على المتقدم ألا يقل عمره عن 25 عاماً، وألا يكون قد أدى الفريضة سابقاً، مع تقديم كشوفات طبية تثبت أهليته الجسدية. أما في المغرب، فتتولى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إدارة الملف، حيث يفتح باب التسجيل الإلكتروني سنويا، مع إعطاء الأولوية لمن لم يسبق له الحج خلال السنوات العشر الأخيرة. في العراق، تشرف الهيئة العليا للحج والعمرة على قرعة إلكترونية تشمل جميع المحافظات. ويُشترط أن يكون المتقدم لم يؤدِ الفريضة سابقاً والأولوية لكبار السن، وتُعتمد قرعة مركزية تُعلن نتائجها عبر الموقع الرسمي، وسط متابعة إعلامية واسعة. في لبنان، تتولى هيئة شؤون الحج والعمرة تنظيم القرعة من خلال آلية تعتمد معيارين أساسيين: السن، وعدد المواسم السابقة التي لم يحج فيها المتقدم. تعطى الأولوية لمن لم يؤدِ الفريضة منذ عشرين موسماً هجرياً (2004–2024) ، وفي حال عدم اكتمال العدد، تفتح الدفعة تدريجياً لمن لم يحج منذ تسعة عشر موسماً، فثمانية عشر، وهكذا. أما في إندونيسيا، وهي الدولة ذات الحصة الأكبر عالمياً، فقد يصل الانتظار إلى 15 عاماً أو أكثر بسبب الإقبال الكثيف. وفي إقليم جنوب سولاويزي وحده، قد تمتد قائمة الانتظار حتى 43 عاماً، بحسب حكومية إندونيسية لوسائل إعلام محلية. فرغم نظام التسجيل المبكر والرقابة الإلكترونية، تبقى القوائم طويلة، ما يجعل أداء الفريضة هناك حلماً مؤجلاً لملايين المسلمين. وبخصوص دور مكاتب الحج والسياحة الدينية، فيوضح الحلبي: "لا علاقة للمكاتب بتحديد الحصص أو في عملية القرعة. عادةً الهيئات الحكومية للحج في الدول هي من تقوم بالقرعة، ومن يَظهر اسمه فيها يتعامل مع مكتب للحج لتنظيم الأمور اللوجستية من حجوزات وأوراق رسمية وغيرها. كما يكون دورهم توعية الحجاج حول كيفية القيام بمناسك الحج وتدريبهم وتعريف كل مشعر من الشعائر المقدسة لهم". توسّعاتٌ تفتح نقاشاً جديداً Getty Images منذ 2011، توسّع السعودية الحرم لرفع طاقته، وتهدف ضمن رؤية 2030 لاستقبال 30 مليون معتمر و5 ملايين حاج سنوياً. وفي خضم هذه التحديات، تواصل المملكة العربية السعودية التوسع في البنية التحتية للحرم والمشاعر المقدسة. منذ العام 2011، ومع بدء التوسعة السعودية الثالثة في عهد الملك عبد الله، ومرورا باستكمالها في عهد الملك سلمان، زادت القدرة الاستيعابية للحرم إلى أكثر من 1.8 مليون مصل. يؤكد الحلبي: "عدد الحجاج والمعتمرين يصل إلى 15 مليونا عام 2025، وفي عام 2030 ضمن رؤية السعودية يصل إلى 30 مليوناً. أما بالنسبة للحجاج، فتسعى المملكة لأن يصل العدد السنوي إلى 5 ملايين حاجٍ عام 2030. جاء رفع العدد السنوي بعد عمليات التوسعة التي لم تنتهِ بعد، وهناك دراسات تقوم بها الجهات المعنية اليوم للمزيد من التوسعات للشعائر المقدسة".


المغرب اليوم
٢١-٠٣-٢٠٢٥
- المغرب اليوم
شركة يونايتد إيرلاينز الأميريية تلغى رحلاتها لمطار هيثرو البريطانى جراء انقطاع التيار الكهربائى
أعلنت شركة الطيران الأمريكية "يونايتد إيرلاينز" أنه سيتم إلغاء الرحلات المقررة اليوم الجمعة، إلى مطار هيثرو البريطانى عقب إغلاقه جراء انقطاع التيار الكهربائى بسبب حريق اندلع فى محطة كهرباء فرعية مجاورة. وأضافت الشركة - في تصريحات خاصة لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في نشرتها - أن سبع رحلات تابعة لها عادت عقب إغلاق مطار هيثرو إلى مطارات الإقلاع أو توجهت إلى مطارات أخرى.. مشيرة إلى أنها ستتواصل مع عملائها من أجل تقديم خيارات سفر بديلة. وكان حريق قد اندلع في محطة كهرباء فرعية بمدينة "هايز" على بعد حوالي ميل ونصف من مطار هيثرو قبيل منتصف الليل، مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة وإغلاق المطار حتى منتصف ليل اليوم.. كما تم إجلاء نحو 150 شخصا، وفرض طوق أمني بطول 200 متر.