
الأمين المساعد للبحوث الإسلامية: "كل جرم بحق طفل هو جرم لحق المجتمع بأكمله"
ألقى الدكتور محمود الهواري، الأمين المساعد للدعوة والإعلام الديني بمجمع البحوث الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر، تحت عنوان «الطفولة واجبات منسية»
أكد الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أهمية العناية بالأطفال وحمايتهم من الأخطار التي تحدق بهم، دون انتظار وقوع كارثه لكي نهتم برعايتهم، لأن الأطفال من أفضل نعم الله على خلقه، التي جعلها الله عز وجل زينة للحياة الدنيا فقال سبحانه: ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾، مشيرًا إلى أن كل جرم في حق الطفولة هو جرم في حق المجتمع بأكمله، لأنه فعل يحاول صاحبه أن يشوه به مستقبلنا، لأن الطفولة هي بذرة المستقبل المشرق الذي نأمله، ودون طفولة نقية صحيحة سيصبح مجتمعنا دون تنمية وبناء حقيقي، وعلينا أن نتعاون لمنع كل المحاولات التي تنتهك براءة أطفالنا، سواء كان هذا الانتهاك ماديًا أو معنويًا.
قال الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية: إن واقعنا بما فيه من أحداث ما يزال يعلن أننا لم نقدر الطفولة حق قدرها، ولم نفهم الواجب علينا تجاهها، وأن الإسلام لم ينتظر ميلاد الطفل حتى يأمر بتربيته، بل إن نظرة الإسلام أعمق وأسبق؛ تبدأ من قبل الزواج، باختيار الرجل امرأة صالحة، واختيار المرأة زوجا صالحا، ولم تغفل الشريعة عن معايير الناس، ولكنها وجهت هذه المعايير، فقال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»، وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد»، ثم يصحب الإسلام الوالدين في رحلة تربية وتوجيه طويلة عميقة مستمرة لا تتوقف حتى يكبر، ولا ينقطع عن الأولاد نصح الوالدين ما داموا أحياء، بل إن النصح يستمر معهم حتى الآخرة، وفي القرآن «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»، وفي السنة «كفى بالمرء إثما أن يضيع من يقوت»، مبينًا أن القصة المشهورة عن عمرَ بنِ الخطابِ – رضي اللهُ عنهُ – حينمَا جاءَهُ رجلٌ يشكُو إليهِ عقوقَ ابنِه، فأحضرَ عمرُ الوالدَ وابنَهُ وأنَّبَهُ على عقوقِهِ لأبيهِ، ونسيانِهِ لحقوقِهِ، فقالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنينَ أليسَ للولدِ حقوقٌ على أبيهِ؟ قالَ: بلَى، قالَ: فمَا هِيَ يا أميرَ المؤمنينً؟ قال عمرُ: أنْ ينتقِيَ أُمَّهُ، ويحسنَ اسمَهُ، ويعلمَهُ الكتابَ (أي القرآن)، قالَ الولدُ: يا أميرَ المؤمنينَ إنّ أبِي لم يفعلْ شيئًا مِن ذلكَ، أمّا أُمِّي فإنّها زنجيةٌ كانتْ لمجوسِي، وقد سمَّانِي جُعلًا (أي خنفساء)، ولم يعلمنِي مِن الكتابِ حرفًا واحدًا! فالتفتَ عمرُ إلى الرجلِ وقالَ لهُ: جئتَ إليَّ تشكُو عقوقَ ابِنِكَ، وقد عققتَهُ قبلَ أنْ يعقَّكَ، وأسأتَ إليهِ قبلَ أنْ يسيءَ إليكَ، وتبين هذه القصة كثيرًا من الواجبات المنسية في حق الطفولة.
وأوضح الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن ترك بعض الآباء والأمهات أولادهم للشاشات الصغيرة والكبيرة، دون مراجعة ولا مراقبة، وكل همهم أنهم استراحوا من ضجيجهم وصياحهم، أو أن أبناءهم فرحون ومستمتعون، لم ينتبه هؤلاء الآباء والأمهات إلى أننا أسلمناهم لهذه الشاشات تفعل فيهم ما تشاء، بما فيها من عري، وشذوذ، وأفكار منحرفة، وسلوكيات شائهة، وكثير من حالات الانتحار أو ارتكاب الجرائم كانت بسبب بعض الألعاب الإلكترونية التي وصلت بالأطفال إلى هذه المرحلة، بالإضافة إلى ما تتعرض له بعض الأسر من حالات ابتزاز بسبب سقوط أبنائها فريسة لبعض قراصنة البرامج الإلكترونية، نتيجة أنها لم تنتبه أن أبناءها تعرضوا لصفحات مجهولة وقنوات مأجورة، ونسوا أن تربية الطفل ليست لعبة، ولا للتسلية، وإنما هي بناء إنسان، نافع لنفسه ولأسرته ولوطنه وأمته.
وحذر الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، من استخدام الأبناء وسيلة ضغط في الخلافات الأسرية بين الأب والأم، دون اعتبار لمشاعرهم، وصاروا ضحية، وصارت مجالس الرؤية مجالس كراهية وانتقام وقتل للأطفال، ونسوا هؤلاء الآباء والأمهات أن الإسلام دين جميل يأمر بالخير في كل الأحوال «فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ» هذا هو الواجب بين الزوجين، صحبة بمعروف، فإن تعذر ذلك عليهما، كان تسريح بإحسان وفراق على خير، أما الخلافات الزوجية التي يكون فيها إساءة لفظية أو معنوية، أو اعتداء جسديّ، ضحيتها الحقيقية هم الأنباء، ولم يسأل هؤلاء الآباء والأمهات أنفسهم بأيِّ ذنبٍ يُحرَم الطفل أن يعيش بين أبوين متفاهمين؟، كما لا يجوز أن يكون الانفصالُ بين الوالدين داعيًا لأن يُربَّى الطفل على عقوق أحدهما أو عدم الإحسان إلى الآخر.
وبين الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن مؤسساتنا التربوية والاجتماعية والدينية، والإعلامية، والثقافية، يقع على عاتقها الكثير تجاه الطفولة، لأن تشويه الطفولة وضياعها سيعود سلبًا على المجتمع بأكمله، فعليها أن تتبنى البرامج والصيغ التربوية ما يبني الفكر الناقد، والبصيرة الواعية، والأخلاقيات العاصمة، وأن تتيح لأطفالنا ما يكتشفون به مواهبهم، وما يدركون به قدراتهم، وعلى المعلم أن يربي أطفالنا قبل تعليمهم، وأن يراجع اخلاقيات طلابه قبل معلوماتهم، وعلى المؤسسات الاجتماعية والدينية أن تكثف برامجها وأنشطتها التي ترمم القيم في نفوس النشء قبل أن تجرفها الريح بعيدًا، لأن أعداء أمتنا يعلمون جيدًا أن هدم مجتمعاتنا يبدأ بوأد القيم في نفوس أبنائنا، كما يحتاج صناع الإعلام والدراما من كتاب ومخرجين إلى مراجعة ما يقدمونه، من سلبيات ونماذج سيئة، عليهم أن ينظروا إلى قيم المجتمع قبل النظر إلى العائد المادي، لأن المكسب الحقيقي هو بناء الإنسان وليس تنمية ثرواته، فالألفاظ والسلوكيات التي تدخل بيوتنا وتنتشر في شوارعنا من المسؤول عنها؟، إن الطفولة أمانة فحافظوا عليها في كل ما يقدم لها وما تستقبله منكم.
وفي ختام خطبته ذكر الأمين المساعد لمجمع البحوث الإسلامية، أن من أخطر ما يتعرض له أبناؤنا هي النظرة المجتمعية أنهم لا قيمة ولا قدر لهم، ما يدفعهم إلى إثبات عكس ذلك، ما يكون سببًا لوقوعهم فريسة لكثير من الأفكار السامة التي تدمر عقولهم، وعلى المجتمع أن يحترم عقول الأطفال، كما أنه من واجبنا أن نوفر لأطفالنا بيئة آمنة ونقية ليستمتعوا بطفولتهم ببراءة كاملة، وأن نحميهم من كل ما قد يعكر صفو هذه المرحلة أو يشوهها؛ لأن مستقبل أمتنا في بناء جيل قوي متماسك ولا يكون ذلك إلا من خلال جهد متكامل من المجتمع بكل أفراده ومؤسساته.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الزمان
منذ 25 دقائق
- الزمان
«فتراحموا».. موضوع خطبة الجمعة اليوم للتوعية بقيمة التراحم بين الزوجين
حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة الجمعة اليوم بعنوان: "فتراحموا"، 'فتراحموا' وذلك للتوعية بقيمة التراحم بين الزوجين. كما أشارت الوزارة إلى أن الهدف المنشود من هذه الخطبة والمراد توصيله للجمهور هو: (التوعية بقيمة التراحم بين الزوجين وفضلها، والتحذير من مخاطر وآثار العنف الأسري على الفرد والأسرة والمجتمع). علمًا بأن الخطبة الثانية تتناول خطورة الوصم الاجتماعي وآثاره السلبية. وأكدت الأوقاف على جميع الأئمة الالتزام بموضوع خطبة اليوم الجمعة نصًا أو مضمونًا على أقل تقدير، وألا يزيد أداء الخطبة عن خمس عشرة دقيقة للخطبتين الأولى والثانية. نص خطبة الجمعة الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، الحَمْدُ للهِ غَافِرِ الذَّنْبِ، وَقَابِلِ التَّوْبِ، شَدِيدِ العِقَابِ، ذِي الطَّوْلِ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المَصِيرُ، ونَشْهَدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، ونَشْهدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ وَخَلِيلُهُ، صَاحِبُ الخُلُقِ العَظِيمِ، النَّبِيُّ المُصْطَفَى الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ. وَبَعْدُ: فَإِنَّ الأُسْرَةَ هِيَ الـْمَأْوَى الَّذِي نَلْجَأُ إلَيْهِ مِنْ قَسْوَةِ الْحَيَاةِ، وَالـْمَلَاذُ الَّذِي نَسْتَمِدُّ مِنْهُ الدِّفْءَ وَالْحَنَانَ، الأُسرَةُ هِيَ الرَّوْضُ النَّدِيُّ الَّذِي تَنْبُتُ فِيهِ بُذُورُ المَحَبَّةِ وَالوِئَامِ؛ وَلِذَلِكَ وَصَفَهَا اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ أَبْلَغَ وَصْفٍ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. عِبَادَ اللهِ، تَأَمَّلُوا مَعي هَذِهِ الْآيَةَ الكَرِيمَةَ الْبَدِيعَةَ، والْكَلِمَاتِ الرَّبَّانِيَّةَ الْعَذَبَةَ: {لِتَسْكُنُوا إلَيْهَا}، أَيُّ سَكَنٍ هَذَا؟! إنَّهُ سَكَنُ الرُّوحِ إلَى الرُّوحِ، وَاطْمِئْنَانُ النَّفْسِ إلَى النَّفْسِ، إِنَّهُ الْأَمَانُ الَّذِي يُوَاجِهُ بِهِ الزَّوْجَانِ تَقَلُّبَاتِ الْحَيَاةِ وصُعُوبَاتِها، إِنَّهُ الْحضْنُ الدَّافِئُ الَّذِي يَمْحُو تَعَبَ النَّهَارِ، وَيَكُفُّ دَمْعَ اللَّيْلِ، ثُمَّ يُفِيضُ الْحَقُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَيْنَا بِجَمَالٍ آخَرَ: {وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، لَيْسَتَا مُجَرَّد كَلِمَتَيْنِ عَابِرَتَيْنِ، بَلْ هُمَا عَمُودَا الْخَيْمَةِ الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهَا سَعَادَةُ الأُسْرَةِ وَاسْتِقْرَارُهَا، الْحُبُّ الـْمُتَدَفِّقُ، وَالْحِرْصُ عَلَى إدْخَالِ السُّرُورِ عَلَى قَلْبِ الشَّرِيكِ، الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ، وَالِابْتِسَامَةُ الصَّادِقَةُ، وَالْهَدِيَّةُ الرَّائِقَةُ الَّتِي تَحْمِلُ أَصْدَقَ الْمَعَانِي. أَيُّهَا النَّاسُ، امْلَأُوا بُيُوتَكُمْ سَكَنًا وَمَوَدَّةً وَرَحْمَةً «وَتَرَاحَمُوا»؛ فَإِنَّ الرَّحْمَةَ التَّجَاوُزُ عَنْ الزَّلَّاتِ، وَتُحْمُّلُ الْأَخْطَاءِ، وَالْإِنْصَاتُ بِقَلْبٍ مَفْتُوحٍ لِلشَّكْوَى، وَتَقْدِيمُ الْعَوْنِ وَالسَّنَدِ فِي أَوْقَاتِ الضَّعْفِ، الرَّحْمَةُ هِيَ أَنْ تُشْعَرَ بِأَلَمِ شَرِيكِكَ كَأَنَّهُ أَلَـمُكَ، وَبِفَرَحِهِ كَأَنَّه فَرَحُكَ، هِيَ أَنْ تَكُونَ لَهُ لَيِّنًا فِي الْعِتَابِ، رَفِيقًا فِي الشِّدَّةِ، مُعِينًا عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ. عِبَادَ اللهِ، «فَترَاحَمُوا» فَكَمْ مِنْ بُيُوتٍ تَحَوَّلَتْ إلَى سَاحَات لِلنِّزَاع؟! وَكَمْ مِنْ قُلُوبٍ تَبَاعَدَتْ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ يَوْمًا أَقْرَبُ مَا تَكُونُ؟! وَكَمْ مِنْ أَطْفَالٍ شُرِّدَتْ؛ بِسَبَبِ غِيَابِ هَذَا الَّتِرَاحُمِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ دِينُنَا الْحَنِيفُ؟! «فتَرَاحَمُوا» أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ، تَنَازِلُوا عَنْ بَعْضِ الْحُقُوقِ طَوَاعِيَةً، فَالصُّلْحُ خَيْرٌ، تَغَافَلُوا عَنْ الصَّغَائِرِ، فَالْحَيَاةُ أَقْصَرُ مِنْ أَنَّ نَقْضِيهَا فِي تَتَبُّعِ الْعَثَرَاتِ، تَبَادَلُوا كَلِمَاتِ الْحُبِّ وَالثَّنَاءِ، فَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَلَهَا فِي الْقَلْبِ أَثَرٌ لَا يُمْحَى، وَلَا تَنْسَوا «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ». أيها الكرام «فتَرَاحَمُوا» فِي تَرْبِيَةِ الْأَبْنَاءِ، كُونُوا قُدْوَةً حَسَنَةً لَهُمْ فِي الِاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ الْـمُتَبَادَلِ، عَلِّمُوهُمْ لُغَةَ الْحِوَارِ الْهَادِئِ، وَكَيْفِيَّةَ الِاعْتِذَارِ عِنْدَ الْخَطَأِ، وَكَيْفُ يَكُونُون سَنَدًا لِإخْوَتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ، تَرَاحَمُوا فِي تَدْبِيرِ شُؤُون الْمَنْزِلِ، تَقَاسَمُوا المَسْؤُولِيَّاتِ بِرُوحِ الْفَرِيقِ الْوَاحِدِ، فَكُلٌّ مِنْكُمْ لَهُ دَوْرٌ لَا يَقِلُّ أَهَمِّيَّةً عَنِ الْآخَرِ فِي بِنَاءِ عُشِّ الزَّوْجِيَّة السَّعِيد. أَيُّهَا النُّبَلَاءُ، «فَتَرَاحَمُوا» فَإِنَّ الْعُنْفَ الْأُسَرِيَّ آفَةٌ تُهَدِّدُ نَسِيجَ مُجْتَمَعِنَا، وَتُؤَثِّرُ سَلْبًا عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِنَا، وَعَلَى اسْتِقْرَارِ أُسَرِنَا، وَعَلَى تَقَدُّمِ أُمَّتِنَا، فَكَمْ مِنْ طِفْلٍ نَشَأَ فِي بِيئَةٍ عَنِيفَةٍ فَأَصْبَحَ مُعَقَّدًا نَفْسِيًّا، أَوْ جَانِحًا مُنْحَرِفًا؟! وَكَمْ مِنْ امْرَأَةٍ عَاشَتْ عُمُرَهَا فِي خَوْفٍ وَقَلَقٍ، تَحْمِلُ فِي قَلْبِهَا جُرُوحًا لَا تَنْدَمِلُ؟! وَكَمْ مِنْ أُسْرَةٍ تَفَكَّكَتْ وَتَشَتَّتْ بِسَبَبِ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ الْـمُشِينَةِ؟! فَدِينُنَا الْإِسْلَامِيُّ الْعَظِيمُ يَدْعُونَا إِلَى الَّتِرَاحُمِ وَالإِكْرَامِ، إِلَى الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ، إِلَى الْقَوْلِ اللِّينِ وَالْفِعْلِ الطَّيِّبِ، قَالَ اللهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، فَكَيْفَ يَلِيقُ بِنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ نَتَعَامَلَ مَعَ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيْنَا بِالْقَسْوَة وَالْعُنْفِ؟ أَيُّهَا المُكْرَمُون، فَلْنَجْعَلْ مِنْ بُيُوتِنَا وَاحِاتٍ مِنْ الْمَوَدَّةِ وَالرَّحْمَةِ، وَحَدَائِقَ غَنَّاء بِالْحُبِّ وَالْإِحْسَانِ؛ لِنَزْرَعَ فِي القُلُوبِ بُذُورَ السَّعَادَة وَالِاطْمِئْنَانِ، ولِنَحْصُدَ ثَمَرًا طَيِّبـًا فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ. الخطبة الثانية.. الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، والصَّلَاةُ والسلامُ على خَاتَمِ الأنْبِياءِ والمُرْسَلينَ، سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ (صَلَّىَ الله عليهِ وَسَلَّمَ)، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أجْمَعِينَ، وبَعْدُ: فإنَّ الْوَصْمَ الِاجْتِمَاعِيَّ سُمٌّ قَاتِلٌ يَفْتِكُ بِالْقُلُوبِ الضَّعِيفَةِ، وَيَدْفَعُ الْـمُتَعَافِينَ إلَى الِانْتِكَاسِ، وَيُحْبِطُ التَّائِبِينَ، أَيُّهَا الكِرَامُ، لِنَكُنْ سَنَدًا وَعَوْنًا لِإِخْوَانِنَا، لَا عِبْئًا عَلَيْهِمْ، لَنَمُدَّ إِلَيْهِمْ يَدَ الْعَوْنِ وَالْمَحَبَّةِ، لَا يَدَ الشَّمَاتَةِ وَالنَّبْذِ، ولَنَنْظُرْ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالْإِنْسَانِيَّة، لَا بِعَيْنِ الْخَوْفِ وَالِاشْمِئْزَازِ، فَكُلُّنَا خَطَّاءُ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ! فَيَا مَنْ تَصِمُونَ النَّاسَ بِأَلْقَابٍ رَدِيئَةٍ، (مَرِيض نَفْسِي، مُدْمِن…) تَأَمَّلُوا هَذَا النَّهْيَ الإِلَهِيَّ البَالِغَ الأَكِيدَ: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ}. ويَا مَنِ ابْتُلِيتَ بِمَرَضٍ نَّفْسِيٍّ أَبْشِرْ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَرَضَ ابْتِلَاءٌ وَاخْتِبَارٌ، فكَمْ مِنْ نَبِيٍّ مَسَّهُ الضُّرُّ فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ فَكَانَتْ لَهُ الْعَاقِبَةُ خَيْرًا، لَا تَجْعَلْ نَظْرَةَ نَابِيَةً، أَوْ كَلِمَةً جَارِحَةً تَهُزُّ ثِقَتَكَ بِنَفْسِكَ، أَنْتَ لَسْتَ وَصْمَةَ عَارٍ، بَلْ أَنْتَ إنْسَانٌ لَكَ حَقُّ الْعَيْشِ بِكَرَامَةٍ وَتَقْدِيرٍ وَاحْتِرَامٍ. ويَا أَيُّهَا الْـمُتَعَافي مِنْ الْإِدْمَانِ، يَا مَنْ انْتَفَضَتْ مِنْ بَرَاثِنِ الظَّلَامِ، وَكَسَرْتَ قُيُودَ الْوَهْمِ، لَا تَلْتَفِتُ إلَى الْوَرَاءِ، وَلَا تَدَعْ شَبَحَ الْمَاضِي يُخَيِّمُ عَلَى حَاضرِكَ وَمُسْتَقْبَلِكَ، وَاعْلَمْ أَيُّهَا الحَبِيبُ أَنَّ التَّوْبَةَ الصَّادِقَةَ تَمْحُو مَا قَبْلَهَا، وَأَنَّ اللهَ جَلَّ جَلَالُهُ يَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ؛ فاثْبُتْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِقَامَةِ، وَاجْعَلْ مِنْ تَجْرِبَتِكَ نُورًا يَهْدِي التَّائِهِينَ! وَيَا كُلَّ مَنْ أَفَاقَ مِنْ غَفْلَتِهِ، وَنَبَذَ جَرَائِمَهُ، أَرَاكَ مَهْمُومًا، مُكَبَّلًا بِنَظَرَاتِ الشَّفَقَةِ المَمْزُوجَةِ بِالرِّيبَةِ، أَرَاكَ تَتَوَارَى خَجَلًا، تَخْشَى أنْ تَكْشِفَ عَنْ جُرْحِكَ الَّذِي بَدَأَ يَلْتَئِمُ، لَا تَيْأَسْ، قِفْ عَلَى بَابِ الْكَرِيمِ الْأَكْرَمِ، أَصْلَحْ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ يُصْلِحِ اللهُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَك الْقَبُولُ، ويَكْفِيكَ هَذَا النِّدَاءُ الْإِلَهِيُّ الْمُدَاوِي لِحَالِكَ «يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ». اللَّهُمَّ طَهِّرْ نُفُوسَنَا، وَاجْعَلْنَا عَوْنًا لِإِخْوَانِنَا عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.


24 القاهرة
منذ 27 دقائق
- 24 القاهرة
هسكنك في طيبة.. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة بعد توقيفه للحصول على شقة سكنية
في مشهد إنساني لافت، استوقف عامل نظافة، اليوم الجمعة، محافظ الأقصر المهندس عبد المطلب عمارة عقب خروجه من مسجد سيدي أبو الحجاج بمدينة الأقصر، طالبًا الحصول على وحدة سكنية تؤويه هو وأسرته، فكان رد المحافظ سريعًا ومطمئنًا بقوله: هسكنك في طيبة.. قدّم طلبك وإن شاء الله خير، موجهًا الجهات المختصة بمتابعة الحالة والتعامل مع الطلب باهتمام. هسكنك في طيبة.. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة بعد توقيفه للحصول على شقة سكنية المرأة الحديدية من الأقصر.. قصة أم كرمتها حرم الرئيس وتحوّلت إلى رمز للأمل جاء ذلك عقب أداء المحافظ صلاة الجمعة بمسجد سيدي أبو الحجاج، برفقة عدد من القيادات التنفيذية والأمنية، حيث ألقى خطبة الجمعة الشيخ مبارك علي محمد، إمام وخطيب المسجد، والتي جاءت تحت عنوان تراحموا، داعيًا خلالها إلى ضرورة التحلي بالرحمة والتكافل، مؤكدًا أن الرحمة من شُعب الإيمان ومن دلائل الرقي المجتمعي. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يؤدي الصلاة وسط الأهالي بمسجد سيدي أبو الحجاج ويستمع لمطالب المواطنين وعقب انتهاء الشعائر، حرص محافظ الأقصر على لقاء عدد من المواطنين والاستماع إلى مطالبهم واحتياجاتهم بشكل مباشر، في لفتة تؤكد حرصه على التواصل المجتمعي الفعّال. محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة محافظ الأقصر يستجيب لطلب عامل نظافة مشاركة واسعة من القيادات التنفيذية والأمنية شارك في أداء صلاة الجمعة إلى جانب المحافظ، اللواء الدكتور هشام الشيمي السكرتير العام المساعد للمحافظة، واللواء أحمد رمضان رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحي، وحاتم جابر سكرتير مدينة الأقصر، إلى جانب عدد من القيادات الأمنية والتنفيذية والشعبية. الواقعة التي لاقت تفاعلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، عكست جانبًا من التفاعل الإنساني بين المواطن والمسؤول، في وقت يتطلع فيه الأهالي لمزيد من المبادرات المجتمعية التي تراعي احتياجات البسطاء.


وضوح
منذ 28 دقائق
- وضوح
'عربات جدعون'.. محاولة لطمس القضية وصمود غزة يُفشل المؤامرة
بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير في خضمّ الصراع بين الفلسطينيين أصحاب الأرض وبين المحتل الإسرائيلي، تتكرّر محاولات الصهيونية العالمية لطمس القضية الفلسطينية وإلغائها من الوعي الجمعي العربي والعالمي، ولكنها كثيرًا ما ترتطم بصخرة الإيمان والكرامة، وبصمود شعبٍ جسور لا يعرف الانكسار، هو شعب فلسطين الأبي. 'عربات جدعون'.. عنوان ديني لحرب إبادة تجسيدًا لمساعي الاستئصال والاقتلاع، أطلقت إسرائيل على عمليتها العسكرية الجارية في قطاع غزة اسم 'عربات جدعون'، في إشارة إلى القائد التوراتي جدعون بن يوآش، الذي ينسب إليه في الأساطير التوراتية انتصارٌ إعجازي على الأعداء. وهكذا يتشح العدوان بغلالة دينية تمنحه طابعًا 'مقدسًا' في نفوس جنوده، وتبريرًا ضمنيًا لسفك الدماء، بذريعة الحرب على 'الشر'. لكن هذا الاسم، مهما بدا ضاربًا في رمزية القتال، لن يطمس حقيقة أن ما يجري هو محاولة مكشوفة لدفن الحقوق، وسحق إرادة شعب، واستغلال عالمي للإعلام والرأي العام لتزييف الحقائق وتشويه القضية. القصف مستمر.. والمجزرة تتواصل منذ السبت 17 مايو 2025، شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ سلسلة غارات مكثفة على قطاع غزة، استهدفت أكثر من 150 موقعًا، مخلّفة عشرات الشهداء والجرحى، وموجة جديدة من الرعب والدمار. وبحسب مصادر ميدانية، باتت القوات الإسرائيلية تسيطر فعليًا على ما بين 35 و40 في المائة من أراضي القطاع، وسط خطط معلنة لتوسيع السيطرة العسكرية. وفي حديثه لوسائل الإعلام، أكد د. مروان السلطان، مدير المستشفى الإندونيسي شمال غزة، أن المستشفى استقبل في الساعات الأولى من السبت 58 شهيدًا و133 مصابًا، مشيرًا إلى أن 'الوضع كارثي، وعددٌ كبير ما زال تحت الركام'. الإعلام الغربي يغضّ الطرف.. والضمير العالمي يتراجع من أخطر أوجه هذه العملية هو التعتيم الإعلامي الذي رافقها منذ اللحظات الأولى. فقد غابت التغطيات المباشرة من بعض القنوات الكبرى، أو اكتفت بالإشارة إلى أن 'إسرائيل تردّ على هجمات'، متجاهلة عشرات الشهداء من المدنيين، وغضّت الطرف عن المجازر التي تُرتكب بحق شعب محاصر منذ سنوات. وبات واضحًا أن القضية الفلسطينية لم تعد تتصدّر الأخبار العاجلة كما في السابق، حيث تراجعت خطوط الدفاع الدولية، وتحوّلت 'الخطوط الحمراء' إلى رماد، في ظل صمتٍ دولي مخجل. ذاكرة الشعوب أقوى من القنابل ومع ذلك، فإن محاولات محو القضية الفلسطينية من الوعي لا تزال تصطدم بثوابت راسخة، أبرزها صمود غزة الذي يكتبه التاريخ بحبر من دم وكرامة. فحتى وإن تواطأت الأبواق الإعلامية، وتخاذلت بعض المواقف السياسية، فإن الشعب الفلسطيني يجدد العهد مع قضيته في كل لحظة. فكلما أُطلقت 'عربات جدعون' جديدة، نهض جيلٌ جديد يحمل الراية، ويصرخ: 'لن ننسى، ولن نغفر، ولن نخضع، مهما تخلى عنا الجميع'، فاللقاء مع الحق آتٍ، ونصر الله قادم، و'عند الله تجتمع الخصوم'. السفير د. أحمد سمير عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة السفير الأممي للشراكة المجتمعية رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية