logo
أسباب العزلة المطلقة.. أغرب وقائع مجمع الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان

أسباب العزلة المطلقة.. أغرب وقائع مجمع الكرادلة لاختيار بابا الفاتيكان

صحيفة الخليج٠٦-٠٥-٢٠٢٥

يعدّ المجمع المغلق لاختيار بابا الفاتيكان، أحد أكثر التجمعات سرية في العالم؛ حيث يقسم الكرادلة على عدم البوح بأي تفاصيل تجري داخله، بل ويتعرضون لعقوبة الحرمان الكنسي إذا انتهكوا هذه القاعدة. وهو ما يعني منعهم من التواصل مع العالم الخارجي تماماً حتى يتم انتخاب البابا الجديد، لكن هذه السرية المطلقة لم تكن موجودة طوال الوقت، بل تطوّرت بعد وقائع تاريخية مثيرة شهدتها عملية اختيار البابا.
وفي رقم قياسي غير مسبوق، من المتوقع أن يبدأ 133 كاردينالاً من 70 بلداً عبر خمس قارات، التصويت حتى يحصل أحدهم على أغلبية الثلثين فيصبح زعيماً روحياً جديداً لنحو 1,4 مليار كاثوليكي في العالم؛ حيث سيتم قطع الاتصالات داخل الفاتيكان حتى انتخاب البابا الجديد، كما أن الأطباء والسائقين والطواقم العاملة في المطبخ والتنظيف ملزمون أيضاً السرية وقد أدوا اليمين على ذلك.
مجمع السنوات الثلاث
الواقعة التاريخية التي بدأ منها الكثير من تلك الطقوس شديدة السرية، تعود لعام 1268، في مدينة فيتربو قرب روما، وكان الاجتماع الانتخابي الأطول على مدار التاريخ، وانقسم الكرادلة بشدة حول البابا الجديد؛ حيث أراد الأساقفة الإيطاليون بابا إيطالياً، وأراد الفرنسيون فرنسياً، ولم يتزحزح أيٌّ من الطرفين عن موقفه لما يقرب من ثلاث سنوات.
ولكسر الجمود، أغلق السكان المحليون قاعة الكرادلة في قصر بابوي، واقتصر طعامهم على الخبز والماء، وسدوا النوافذ بالطوب، حتى أنهم أزالوا السقف لتعريضهم لعوامل الطقس، وقد منح هذا الإغلاق الطويل الانتخابات البابوية اسمها الحديث «المجمع الكونكلافي»، أي القاعة المغلقة «بمفتاح» باللاتينية.
العزلة التامة
بعد اختيار البابا غريغوري العاشر، عقب هذا الاجتماع الطويل سعى إلى تجنب تكرار ما حدث بفرض بعض القواعد الأساسية التي لا تزال تحكم المجمعات حتى اليوم، بما في ذلك العزلة التامة، والتصويت اليومي، ودرجة من عدم الراحة.
وكثيراً ما اعتبر حكام أوروبا المتحمسين في عصور سابقة، أن اختيار البابا بالغ الأهمية بحيث لا يمكن تركه للكنيسة وحدها، وعلى سبيل المثال عندما اجتمع الكرادلة عام 1549، أبلغهم مبعوث الإمبراطور الروماني شارل الخامس أن «أقوى رجل في أوروبا» سيعرف أصغر التفاصيل التي تجري داخل المجمع المغلق، كما يقول المؤرخ الأمريكي فريدريك بومغارتنر.
العديد من طقوس السرية تعتبر حديثة نسبياً، فلم تصبح كنيسة سيستينا الموقع الوحيد للانتخابات البابوية إلا عام 1878. ولم تكن عادة استخدام الدخان الأسود للدلالة على عدم نجاح الاقتراع، أو الدخان الأبيض لإعلان اختياره موجودة قبل ذلك الحين. كما نقل الباباوات مقرّهم إلى أفينيون في فرنسا، لبضعة عقود في القرن الرابع عشر.
يقول المؤرخ ألبرتو ميلوني: «يُعتبر مجمع الكرادلة مصدراً للرويات التي تتحدث عن وقائع غامضة، بينما يستكشف الكرادلة تفضيلات روحانية في التصويت». لكن المؤرخ ميلوني يرى أن المجمع الانتخابي هو استجابة لمطلب عملي، ألا وهو ضمان انتقال سريع وسلمي بين الباباوات.
ما حدث في القرن الحادي عشر
في المسيحية المبكرة، كان اختيار أسقف روما عملية متداخلة، غالباً ما شملت رجال الدين المحليين، والشخصيات النافذة، والشعبية. ولم يكن الكرادلة موجودين حتى القرن الحادي عشر، وكان عددهم في البداية 12 فقط، ثم ازداد تدريجياً، حتى وصل إلى 133 كاردينالاً حالياً. ويحتاج فوز مرشح إلى حصوله على ثلثي عدد الأصوات، وهو شرط قائم منذ القرن الثاني عشر.
واستمرت الاجتماعات الحديثة عادةً ما بين يومين وخمسة أيام. لكن كان أقصر اجتماع عُقد على الإطلاق، عام 1503، لم يستمر سوى بضع ساعات.
واقعة عام 1378
ـ فشل المجمع عام 1378، فبعد أن عادت البابوية لتوها إلى روما بعد 70 عاماً من اتخاذها مقراً في أفينيون الفرنسية، طالب حشد روماني غاضب بتعيين بابا روماني، واستجاب الكرادلة المرعوبون، لكن العديد منهم كان غير راضٍ على اختيارهم البابا أوربان السادس، وعيّنوا بابا فرنسياً منافساً، هو كليمنت السابع، الذي عاد إلى أفينيون، وفي محاولة فاشلة لإنهاء الانقسام، انتخبت مجموعة من الكرادلة بابا ثالثاً عام 1409، وكان مقره في بيزا. ثم عزل مجمع مسكوني في ألمانيا خلفاء الباباوات الثلاثة، ومهد الطريق لانتخاب بابا جديد في عام 1417.
عُقد أول مجمع في كنيسة سيستينا عام 1492، وهو العام الذي عبر فيه كريستوفر كولومبوس المحيط الأطلسي. وشابت الانتخابات الأولى في الكنيسة مشكلة كبرى؛ حيث أورد مؤرخون أن البعض اتهم البابا ألكسندر السادس، وهو أحد أفراد عائلة ثرية، برشوة زملائه الكرادلة بالأراضي والمال والمناصب المربحة في جهاز الفاتيكان من أجل اختياره.
وبعد أن أصبحت كنيسة سيستينا مكاناً ثابتاً للاجتماعات السرية، تقاسم الكرادلة أماكن النوم في الشقة المزخرفة باللوحات الجدارية التي كان يملكها ألكسندر السادس في الفاتيكان. ولكن لم تكن الغرف مريحة، حيث كان كل ستة كرادلة يتشاركون الغرفة، مع حواجز مؤقتة للخصوصية. وكانت دورات المياه شحيحة.
ويقول لوتشيانو جاليانو، أحد كبار المديرين في متاحف الفاتيكان، التي تضم شقة ألكسندر السادس: «إنه مقعدٌ مثقوب. عندما كان الكرادلة يصوتون، كان الموظفون يأتون لتنظيف الغرف وتجهيزها لليوم التالي».
يوحنا بوليس الثاني ودار الضيافة
واستمر هذا الترتيب حتى عام 1978، وهو عام انعقاد المجمعين، ففي أغسطس/ آب انتُخب البابا يوحنا بولس الأول، وفي أكتوبر/ تشرين الأول، بعد وفاته، وقد شعر الكاردينال البولندي كارول جوزيف فويتيلا، الذي أصبح البابا التالي، باسم يوحنا بولس الثاني بالفزع من الظروف المعيشية الصعبة، ويقول أحد المؤرخين: «كان عاماً شديد الحرارة. لنقل إنهم لم يستمتعوا بالإقامة في هذه الغرف. بعد الاجتماع الثاني في أكتوبر، كان حلم يوحنا بولس الثاني هو تجهيز مكان خاص للاجتماع السري».
فاز يوحنا بولس الثاني، أول بابا غير إيطالي منذ 455 عاماً، بعد جدال حاد بين مرشحين إيطاليين بارزين، مما ساهم في قرار الكرادلة بانتخاب أجنبي، وفقاً للمؤرخ ميلوني. وأمر البابا البولندي ببناء دار ضيافة للكرادلة.
وينزل الكرادلة الناخبون تقليدياً في دار ضيافة سانتا مارتا في الفاتيكان، التي تضمّ حمامات خاصة وخدمة غرف، لكن ليس فيها غرف كافية للجميع، حيث عيّن البابا فرنسيس الراحل عدداً كبيراً من الكرادلة، مما أدى إلى نقص غرف النوم، وهو ما يعني أن بعضهم سيبيتون في مبنى قريب، وهم الكرادلة الناخبون أي الذين تقل أعمارهم عن 80 عاماً. وعيّن البابا فرنسيس نحو 80% من الكرادلة الناخبين الحاليين، لكنّ الخبراء يعتقدون أنهم لن يختاروا بالضرورة خلفاً يسير على خطاه.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية تداعيات الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران
عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية تداعيات الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران

صحيفة الخليج

timeمنذ يوم واحد

  • صحيفة الخليج

عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية تداعيات الاستهداف العسكري الإسرائيلي لإيران

أبوظبي - وام بحث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال اتصالات هاتفية اليوم، مع محمد إسحاق دار، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في جمهورية باكستان الإسلامية، وأنطونيو تاجاني، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي، وهاكان فيدان، وزير خارجية الجمهورية التركية، وبيتر زيجارتو، وزير خارجية المجر، وأسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، مجمل التطورات الإقليمية في أعقاب الاستهداف العسكري الإسرائيلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وناقش سموه مع الوزراء تداعيات الأوضاع الراهنة على أمن واستقرار المنطقة، والسلم والأمن الإقليميين. كما تناولت الاتصالات الهاتفية أهمية دعم الحلول الدبلوماسية، والحوار لحل الأزمات، بما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية مجمل التطورات في المنطقة
عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية مجمل التطورات في المنطقة

البيان

timeمنذ يوم واحد

  • البيان

عبدالله بن زايد يبحث هاتفياً مع عدد من وزراء الخارجية مجمل التطورات في المنطقة

بحث سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، خلال اتصالات هاتفية اليوم، مع معالي محمد إسحاق دار، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في جمهورية باكستان الإسلامية، ومعالي أنطونيو تاجاني، نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الإيطالي، ومعالي هاكان فيدان، وزير خارجية الجمهورية التركية، ومعالي بيتر زيجارتو، وزير خارجية المجر، ومعالي أسعد الشيباني، وزير الخارجية السوري، مجمل التطورات الإقليمية في أعقاب الاستهداف العسكري الإسرائيلي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وناقش سموه مع أصحاب المعالي الوزراء تداعيات الأوضاع الراهنة على أمن واستقرار المنطقة، والسلم والأمن الإقليميين. كما تناولت الاتصالات الهاتفية أهمية دعم الحلول الدبلوماسية، والحوار لحل الأزمات، بما يسهم في الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي.

رئيس الدولة يبحث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء إيطاليا التطورات في المنطقة
رئيس الدولة يبحث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء إيطاليا التطورات في المنطقة

الإمارات اليوم

timeمنذ 3 أيام

  • الإمارات اليوم

رئيس الدولة يبحث هاتفياً مع الرئيس الفرنسي ورئيسة وزراء إيطاليا التطورات في المنطقة

بحث صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله - خلال اتصالين هاتفيين - مع رئيس الجمهورية الفرنسية، إيمانويل ماكرون، ورئيسة وزراء الجمهورية الإيطالية، جورجيا ميلوني، العلاقات الاستراتيجية وسبل تعزيزها في مختلف الجوانب، بما يحقق المصالح المشتركة للجميع. كما بحث سموه مع الرئيس الفرنسي ورئيسة الوزراء الإيطالية، خلال الاتصالين، التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وتداعيات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على الأمن والاستقرار الإقليميين، مشددين على أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، وتكثيف الجهود لخفض التصعيد في المنطقة، وحل الخلافات من خلال الوسائل الدبلوماسية، بما يحفظ أمن المنطقة واستقرارها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store