صورة بألف جرح
«من الصعب جدًّا على الإنسان أن يكون بلا أطراف؛ ولا يدرك قيمتها إلا بعد فقدانها». محمود عجور.هذه الصورة الفائزة بجائزة «وورد برس فوتو» للعام 2025، تجسّد مأساة طفل غزّي يُدعى محمود عجور، ابن التسع سنوات، الذي كان يحلم ذات يوم أن يحلِّق في سماوات الفضاء الرحبة كطيّار ماهر.أتُرى في تاريخ البشرية طيّارًا فقَد يديه وما زال يطمح أن يُعانق السحاب؟يا إله السماوات والأرض، كما منحت جعفر الطيّار أجنحةً تحمله في رياض الجنة، هب لمحمود أجنحةً معنويةً تُمكّنه من التحليق فوق آلام الأرض وأوجاعها.في عينيه الجميلتين يسكن حزنٌ شاسعٌ كاتساع الكون؛ لا قطرات دموع تترقرق في مقلتيه، ولا صوت أنين يتسلل من حنجرته. إنه فقط يُحدق بصمت عميق في مستقبلٍ اختُطف منه بوحشية، متسائلًا بحيرة طفولية عن هذا الإجرام الصهيوني المستمر، وعن هذا التواطؤ الدولي المخزي.إن هذه الصورة أبلغ من أي تعليق قد أخطّه بكلماتي القاصرة؛ فكل ذرة في كيان محمود، وكل نظرة في عينيه، تحكي قصة قرنٍ كامل من الظلم المرير الذي تجرّعه الشعب الفلسطيني ولا يزال. هي صورة ستنضم إلى سلسلة لا تنتهي من الصور التي نالت الجوائز المرموقة، وأشاد بها الحكام في خطاباتهم الرنانة، وتغَنّى بها الكتّاب في مقالاتهم البليغة... لكنها -للأسف- كسابقاتها، لم توقف المأساة المستمرة، ولم تُنقذ طفلًا واحدًا من براثن الظلم والعدوان.خلال لحظات الرعب التي عاشتها أسرة محمود في غزة، وبينما كانت السماء تُمطر عليهم قذائف الاحتلال الصهيوني، هرول الطفل ملتفتًا إلى الخلف، يستحث عائلته على الإسراع للنجاة بأرواحهم، غير أن شظية غادرة اخترقت جسده الصغير، فاقتلعت ذراعه اليمنى من أسفل الكتف، ومزقت ذراعه اليسرى تمزيقًا بالغًا استوجب بترها لاحقًا. اضطر الأطباء، وسط الفوضى والنقص الحاد في المستلزمات الطبية، إلى إجراء عملية جراحية له دون توفير التخدير الكافي أو الرعاية الطبية المناسبة، فتجرع آلامًا تفوق ما يمكن أن يتحمله طفل في مثل سنه. وحين استعاد وعيه بعد العملية، كانت كلماته الأولى تنبض بالبراءة والاحتياج الفطري: «ماما، بدي أحضنك.»!ورغم فداحة المُصاب الذي ألمّ بمحمود، إلا أنه كان - بالمقارنة مع مصير مئات الآلاف من أبناء غزة - من القلائل المحظوظين؛ إذ أتيحت له فرصة مغادرة القطاع المحاصَر لتلقّي العلاج المتخصص في قطر وتركيب أطراف صناعية تعينه على استئناف حياته. في المقابل، لا يزال أربعة آلاف طفل فلسطيني ممن فقدوا أطرافهم يرسفون في أسر المعاناة، يراودهم حلم بعيد المنال بالحصول على أدنى درجات الرعاية الطبية أو الظفر بطرف صناعي يعيد لهم بعضًا من كرامة الحياة.كانت المصوِّرة الصحفية سمر أبو عون، التي دأبت منذ عام 2010 على توثيق معاناة الشعب الفلسطيني بعدستها المحترفة، وتتعاون مع العديد من المؤسسات الإعلامية المرموقة، تسعى جاهدة لالتقاط صور تنقل للعالم حقيقة المجزرة المستمرة في قطاع غزة. غير أن القدر أجبرها أيضًا على مغادرة القطاع رفقة أطفالها الأربعة، بعد أن فجعت بفقدان ثلاثين فردًا من عائلتها ومئة وستين زميلًا من أبناء مهنتها. وبتدبير من القدر، كانت تقطن في ذات المبنى السكني الذي تعيش فيه والدة محمود. عندما استأذنت الصبي لالتقاط صورته، تردد في البداية محاطًا بهالة من الخجل، قبل أن تنجح في كسب ثقته وموافقته. وهكذا التُقطت الصورة التي انتشرت لاحقًا لتتصدر الصفحة الأولى من صحيفة «نيويورك تايمز» العالمية.تُظهِر الصورة محمود وهو يعاني من طفح جدري الماء المؤلم، بينما تتفانى والدته في محاولة تخفيف حكته المستمرة بلمسات يديها الحانية، في مشهد يختزل أسمى معاني الأمومة والصمود الإنساني وسط الدمار المحيط.تربعت هذه الصورة على عرش المنافسة، متفوقة على ستين ألف صورة أخرى تزاحمت في ساحة المسابقة. وتكمن روعتها في قدرتها الاستثنائية على تجسيد مأساة غزة بلغة بصرية مختلفة، خالية من مشاهد الدماء المتناثرة والأشلاء المبعثرة وفوهات الانفجارات المدوية؛ إذ نجحت في نقل الرعب المستوطن في قلوب أطفال غزة، وعبرت بصمت بليغ عن المذبحة المستمرة هناك، مختزلة مأساة شعب بأكمله في عيني طفل مبتور الأطراف، ينظر بحسرة إلى مستقبل اغتاله المجرمون قبل أن يبدأ.في مشهد يومي متكرر، يفقد عشرة أطفال فلسطينيين أحد أطرافهم. وبحسب تقارير الأمم المتحدة الموثقة، لم تشهد أي حرب في التاريخ البشري المدوّن معدلات بتر للأعضاء تضاهي ما تخلفه عمليات الإبادة الجماعية الجارية في قطاع غزة، في استثناء مروع يسجله التاريخ بحروف من ألم.رأت لجنة التحكيم في صورة محمود شهادة بصرية رقيقة على فاجعة تخترق جدران الوعي والضمير الإنساني، ورأت فيها عملًا صحفيًّا متكاملًا يدفع المشاهد إلى الغوص في أعماق مأساة هذا الطفل، ومن خلال تفاصيلها يستشعر الأبعاد الكارثية للحرب على المدنيين العُزّل. ولم يفت لجنة التحكيم أن تشير إلى السياق الأشمل الذي تندرج ضمنه قصة محمود؛ فوفقًا لبيان المسابقة الرسمي، فإن صورة محمود «تروي قصة فتى واحد، لكنها في الوقت ذاته تسلط الضوء على حرب ستظل تداعياتها المأساوية تلقي بظلالها الثقيلة على أجيال متعددة قادمة».على مدار سبعين عامًا، التقطت عشرات الآلاف من الصور التي وثقت معاناة الشعب الفلسطيني بعدسات آلاف المصورين الشجعان، بيد أن هذه الصورة تميزت بخصوصية لافتة؛ إنها تتسلل بهدوء إلى أعماق الوجدان، وتستوطن الروح، وتحفر في الذاكرة ندوبًا لا تُمحى.منذ اندلاع شرارة الحرب، كانت سمر تطرح على نفسها سؤالًا مُلِحًّا يؤرقها: ما هي الصورة التي، إذا ما وقعت عليها أنظار العالم، قد تضع حدًا لهذه المجزرة المستمرة؟ وها هي سمر قد عثرت أخيرًا على ضالتها المنشودة... غير أن هذه الصورة، وللأسف الشديد، لن تكون وحدها كفيلة بإيقاف رحى الحرب، في مواجهة عدو متغطرس، همجي النزعة، يرتوي من دماء الضحايا ويتغذى على آلامهم.قد تكون سمر قد حققت أعظم إنجاز مهني في مسيرتها الصحفية، لكنه إنجاز يلفه الحزن العميق؛ لا مكان فيه للاحتفال، بل هو غارق في بحار الدموع، ومثقل بجبال الألم، ومشبع بمرارة الإحباط والخذلان.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


جو 24
منذ 2 أيام
- جو 24
وسط تصاعد الخلاف مع ترامب.. استقالة رئيسة "سي بي إس نيوز"
جو 24 : فقدت شبكة "سي بي إس نيوز" الأميركية شخصية بارزة جديدة في ظل نزاعها المستمر مع الرئيس دونالد ترامب. فقد أعلنت الرئيسة التنفيذية للشبكة، ويندي ماكماهون، استقالتها الاثنين، حسب ما أفادت عدة وسائل إعلام أميركية، نقلاً عن مذكرة داخلية وُجهت إلى الموظفين. ووصفت ماكماهون، في المذكرة، الأشهر الماضية بأنها كانت "صعبة"، وفق تقرير في صحيفة "واشنطن بوست". كما أشارت إلى أنه بات من الواضح وجود تباين في الرؤى بينها وبين الشركة بشأن التوجه المستقبلي للمؤسسة الإعلامية. برنامج "60 دقيقة" يذكر أن بيل أوينز، المنتج التنفيذي لبرنامج "60 دقيقة" الشهير، كان غادر "سي بي إس نيوز" الشهر الماضي، بعد أن رفع ترامب دعوى قضائية بمليار دولار ضد البرنامج الإخباري. ويتهم ترامب برنامج "60 دقيقة" بالتلاعب في تحرير مقابلة مع كامالا هاريس، منافسته الديمقراطية في حملة الانتخابات الرئاسية العام الماضي، "ما أدى إلى التأثير على مشاعر الناخبين"، وفق قوله. سعي للتوصل إلى تسوية فيما ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن محامين يشككون في فرص نجاح هذه الدعوى. إلا أن شاري ريدستون، المساهم المسيطر في الشركة الأم لشبكة "سي بي إس نيوز"، وهي "باراماونت غلوبال"، لا تزال تسعى للتوصل إلى تسوية مع الرئيس. وقد يكون ذلك مرتبطاً أيضاً بخطط اندماج شركة "باراماونت" مع "سكاي دانس ميديا"، وهو اتفاق بمليارات الدولارات لا يزال بانتظار موافقة السلطات، حسب وكالة أسوشييتد برس. تابعو الأردن 24 على

الدستور
منذ 3 أيام
- الدستور
أمسية تجمع الشاعر حيدر محمود والناقد الدكتور زياد الزعبي في حوارية الشعر والذكريات
عمان جمعت أمسية تكريمية ثقافية، نظمها بيت الشعر العربي التابع لرابطة الكتاب الأردنيين، مساء يوم السبت الماضي في مقر الرابطة بعمان، عضوي الرابطة الشاعر الكبير حيدر محمود والناقد الدكتور زياد الزعبي، في حوارية تعانق فيها الشعر وحديث الذكريات.وفي الأمسية التي حضرها عدد كبير من الشعراء والمثقفين والمهتمين، استهل الشاعر محمود مشاركته بمقولته «الأردنيون النشامى مهجة رقت ولكن في الوغى استبسالها».واستذكر علاقته بالناقد الزعبي والتي تعود إلى عام 1982 حينما قدم له دراسته المعمقة عن شاعر الأردن «عرار»، والتي نال عليها درجة الماجستير في الآداب، منوها بأن أهمية تلك الدراسة تتجلى بكونها مختلفة عن سابقاتها من دراسات تتعلق بـ»عرار» واحتوت قصائد جديدة لم تكن منشورة بعد.وأشار إلى أنه كان حينها مديرا عاما لدائرة الثقافة والفنون التي تبنت مخرجات الدراسة وقامت بنشرها على أوسع نطاق، مؤكدا أن «عرار» هو شاعر الأردن ولن يحل مكانه أحد.الشاعر محمود الذي استفاض في حديث الذكريات مستعيدا «نوستالجيا» الحالة الثقافية في سابق الأيام وأمسيات شعرية جمعته مع الشاعرين الراحلين عبد الرحيم عمر والدكتور خالد محادين، وقصائد من دواوينه السابقة، لفت إلى انه رغم انحيازه لتعدد المنابر الثقافية، إلا أن الهيئات الثقافية التي تكاثرت الآن بحاجة إلى تدقيق. واستهل الشاعر محمود قراءاته الشعرية بقصيدة وجدانية من شعر التفعيلة بعنوان «الجائزة» ومطلعها «جائزة الشاعر أن يرضى عنه الشعر...» ليتبعها بقصيدة عاطفية تحاكي نوعا من الغناء الأندلسي القديم بعنوان «سيرانادا» من ديوان سابق له حمل عنوان «اعتذاري عن خلل فني طارئ».وختم مشاركته الشعرية في الأمسية التكريمية التي شهدت تفاعلا كبيرا وحضورا إعلاميا، بقصيدة وجدانية محملة بترميز عال من صدى أرواح شعراء الصعاليك بعنوان «النشرة بالتفصيل» التي قدم لها ببيت للشاعر الجاهلي الشنفرى.وكان الناقد الزعبي سبق الشاعر محمود في مشاركته بالأمسية مستهلا بقوله «سأتجاوز في هذه الأمسية عن الحكاية النقدية في شعر حيدر محمود إلى الحكاية السيرية»، مستذكرا بداية علاقته الشخصية بالشاعر محمود.ونوه بموضوعية الشاعر محمود في مواجهة النقد العلمي الموضوعي الرصين.وقال إن أهم ما قدمه الشاعر محمود هو قدرته المدهشة على أن يأخذ لغة الناس ويعيدها إليهم بصورة فنية رائعة، وكذلك قدرته على «موسقة» اللغة التي تحمل أبعادا وطنية رصينة وجميلة، مشيدا بعناصر مفرداته التي جعلته حاضرا دوما في المشهد الثقافي والسياسي والشعبي.وكان نائب رئيس الرابطة الباحث الدكتور رياض ياسين، قال خلال تقديمه للأمسية التكريمية للأديبين الشاعر محمود والناقد الزعبي، «نكتب لنُحاكي الجمال الكامن في أعماقنا، ذاك الجمال الذي لا يُرى بالعين، بل يُلمَس بالروح. إنّه ليس لونًا ولا شكلًا، بل همسة خفيّة تسكن القلب، وتتجلّى حين نمسك القلم، فالكتابة ليست سوى مرآة للروح، تُظهِر ملامحها الدفينة، وتُطلق صوتها الحرّ من عقال الصمت».وأضاف» نكتبُ لأنّ في داخلنا ضوءًا يتوق للانسكاب، ولأنّ الكلمات تملك قدرة سحرية على بعث الجمال من رحم الألم، وعلى تحويل الحزن إلى نشيد، والفرح إلى نثرٍ مُضيء».ونوه بأن هذه الأمسية التكريمية لبيت الشعر العربي في الرابطة تشهد حضور عملاقين وفارسين في الأدب يتصدران المشهد ورمزين يستحضر كلٌّ منهما ذاكرة وطن، وتجربة أمة، وحسًّا إبداعيًّا لا يعرف المهادنة.وقال إن الرابطة شقت طريقها كمنبر حرّ، ينشد التوازن بين الجمال والمعرفة، بين الإبداع كنبض روحي، والفكر كأداة إدراك، وكانت وما تزال فضاءً يتجلى فيه المعنى، ويتشكل فيه الضمير الجمعي للمثقفين في الأردن، أولئك الذين يدركون أن حرية التعبير ليست شعارًا، بل امتحان دائم للروح، وأن الدفاع عن قضايا الكُتّاب هو في جوهره دفاع عن إنسانية الإنسان.أما أمين بيت الشعر الشاعر لؤي أحمد، فقال في مشاركة له بالأمسية إن الشاعر حيدر محمود يعد ذاكرة الشعر الوطنية، مشيرا إلى ما قدمه من قصائد تغنت في الأردن ورموزه وقيادته الهاشمية، ونهلت من مفردات ومكنونات بيئته الشعبية، كما تغنت بفلسطين وقضيتها.وفي ختام الأمسية كرم الدكتور ياسين الشاعر محمود والناقد الزعبي بقلادتي الرابطة التكريميتين وشهادتي تقدير من بيت الشعر، فيما سلم الشاعر احمد شهادة تقدير للدكتور ياسين على تقديمه وإدارته للأمسية.


أخبارنا
منذ 3 أيام
- أخبارنا
أمسية تجمع الشاعر حيدر محمود والناقد الدكتور زياد الزعبي في حوارية الشعر والذكريات
أخبارنا : جمعت أمسية تكريمية ثقافية، نظمها بيت الشعر العربي التابع لرابطة الكتاب الأردنيين، مساء السبت في مقر الرابطة بعمان، عضوي الرابطة الشاعر الكبير حيدر محمود والناقد الدكتور زياد الزعبي، في حوارية تعانق فيها الشعر وحديث الذكريات. وفي الأمسية التي حضرها عدد كبير من الشعراء والمثقفين والمهتمين، استهل الشاعر محمود مشاركته بمقولته "الأردنيون النشامى مهجة رقت ولكن في الوغى استبسالها". واستذكر علاقته بالناقد الزعبي والتي تعود الى عام 1982 حينما قدم له دراسته المعمقة عن شاعر الاردن "عرار"، والتي نال عليها درجة الماجستير في الآداب، منوها بأن أهمية تلك الدراسة تتجلى بكونها مختلفة عن سابقاتها من دراسات تتعلق بـ"عرار" واحتوت قصائد جديدة لم تكن منشورة بعد. وأشار إلى أنه كان حينها مديرا عاما لدائرة الثقافة والفنون التي تبنت مخرجات الدراسة وقامت بنشرها على أوسع نطاق، مؤكدا أن "عرار" هو شاعر الأردن ولن يحل مكانه أحد. الشاعر محمود الذي استفاض في حديث الذكريات مستعيدا "نوستالجيا" الحالة الثقافية في سابق الأيام وأمسيات شعرية جمعته مع الشاعرين الراحلين عبد الرحيم عمر والدكتور خالد محادين، وقصائد من دواوينه السابقة، لفت الى انه رغم انحيازه لتعدد المنابر الثقافية، إلا أن الهيئات الثقافية التي تكاثرت الآن بحاجة الى تدقيق. واستهل الشاعر محمود قراءاته الشعرية بقصيدة وجدانية من شعر التفعيلة بعنوان "الجائزة" ومطلعها "جائزة الشاعر أن يرضى عنه الشعر..." ليتبعها بقصيدة عاطفية تحاكي نوع من الغناء الأندلسي القديم بعنوان "سيرانادا" من ديوان سابق له حمل عنوان "اعتذاري عن خلل فني طارئ" . وختم مشاركته الشعرية في الأمسية التكريمية التي شهدت تفاعلا كبيرا وحضورا إعلاميا، بقصيدة وجدانية محملة بترميز عال من صدى أرواح شعراء الصعاليك بعنوان "النشرة بالتفصيل" التي قدم لها ببيت للشاعر الجاهلي الشنفرى. وكان الناقد الزعبي سبق الشاعر محمود في مشاركته بالأمسية مستهلا بقوله "سأتجاوز في هذه الأمسية عن الحكاية النقدية في شعر حيدر محمود الى الحكاية السيرية"، مستذكرا بداية علاقته الشخصية بالشاعر محمود. ونوه بموضوعية الشاعر محمود في مواجهة النقد العلمي الموضوعي الرصين. وقال إن أهم ما قدمه الشاعر محمود هو قدرته المدهشة على أن يأخذ لغة الناس ويعيدها اليهم بصورة فنية رائعة، وكذلك قدرته على "موسقة" اللغة التي تحمل أبعادا وطنية رصينة وجميلة، مشيدا بعناصر مفرداته التي جعلته حاضرا دوما في المشهد الثقافي والسياسي والشعبي. وكان نائب رئيس الرابطة الباحث الدكتور رياض ياسين، قال خلال تقديمه للامسية التكريمية للأديبين الشاعر محمود والناقد الزعبي، "نكتب لنُحاكي الجمال الكامن في أعماقنا، ذاك الجمال الذي لا يُرى بالعين، بل يُلمَس بالروح. إنّه ليس لونًا ولا شكلًا، بل همسة خفيّة تسكن القلب، وتتجلّى حين نمسك القلم، فالكتابة ليست سوى مرآة للروح، تُظهِر ملامحها الدفينة، وتُطلق صوتها الحرّ من عقال الصمت". وأضاف" نكتبُ لأنّ في داخلنا ضوءًا يتوق للانسكاب، ولأنّ الكلمات تملك قدرة سحرية على بعث الجمال من رحم الألم، وعلى تحويل الحزن إلى نشيد، والفرح إلى نثرٍ مُضيء". ونوه بأن هذه الامسية التكريمية لبيت الشعر العربي في الرابطة تشهد حضور عملاقين وفارسين في الادب يتصدران المشهد ورمزين يستحضر كلٌّ منهما ذاكرة وطن، وتجربة أمة، وحسًّا إبداعيًّا لا يعرف المهادنة. وقال إن الرابطة شقت طريقها كمنبر حرّ، ينشد التوازن بين الجمال والمعرفة، بين الإبداع كنبض روحي، والفكر كأداة إدراك، وكانت وما تزال فضاءً يتجلى فيه المعنى، ويتشكل فيه الضمير الجمعي للمثقفين في الأردن، أولئك الذين يدركون أن حرية التعبير ليست شعارًا، بل امتحانًا دائمًا للروح، وأن الدفاع عن قضايا الكُتّاب هو في جوهره دفاع عن إنسانية الإنسان. أما أمين بيت الشعر الشاعر لؤي أحمد، فقال في مشاركة له بالأمسية إن الشاعر حيدر محمود يعد ذاكرة الشعر الوطنية، مشيرا الى ما قدمه من قصائد تغنت في الاردن ورموزه وقيادته الهاشمية، ونهلت من مفردات ومكنونات بيئته الشعبية، كما تغنت بفلسطين وقضيتها . وفي ختام الأمسية كرم الدكتور ياسين الشاعر محمود والناقد الزعبي بقلادتي الرابطة التكريميتين وشهادتي تقدير من بيت الشعر، فيما سلم الشاعر احمد شهادة تقدير للدكتور ياسين على تقديمه وإدارته للأمسية.