logo
بين الدين والرأسمالية: كيف تَصنع الأنظمة القمعية «المَاعِز الأليف»؟

بين الدين والرأسمالية: كيف تَصنع الأنظمة القمعية «المَاعِز الأليف»؟

التغيير٠٣-٠٣-٢٠٢٥

بين الدين والرأسمالية: كيف تَصنع الأنظمة القمعية «المَاعِز الأليف»؟
إبراهيم برسي
في عالم تُمارَس فيه الهيمنة ليس فقط عبر العنف المباشر، بل من خلال تشكيل الوعي ذاته، يصبح السؤال الأساسي: كيف تُنتج الأنظمة القمعية الطاعة، ليس فقط كحالة مفروضة بالقوة، بل كشيء يُستبطن في النفوس؟
إن الطاغية لا يُولد، بل يُصنع، كما أن الجماهير لا تُقمع، بل تُروّض.
في فضاء الهيمنة، لا تُفرض السيطرة بالحديد والنار فحسب، بل عبر منظومة سرديات تتسلل إلى الوعي، تعيد تشكيل الإدراك، وتحكم تصور الذات في علاقتها بالسلطة. ليست المسألة، إذن، مجرد قمع مباشر، بل هندسة للخضوع، حيث لا يكتفي النظام بفرض الطاعة، بل يعمل على جعلها جزءًا من بنية التفكير، بحيث يبدو التمرد عبثًا، والخضوع ضرورة.
وهكذا تتم صناعة 'الماعز الأليف'، الكائن الذي لا يحتاج إلى سياط الجلاد كي يركع، بل يركع طوعًا، ويدافع عن قيوده باعتبارها أمانًا، ويرى في الطغيان قدرًا لا مفر منه.
هذه الصناعة لا تتم من فراغ، بل عبر منظومة متكاملة من الأدوات التي تعمل على قولبة الإنسان منذ طفولته. ومن بين هذه الأدوات يأتي الدين، حين يتحول من تجربة روحية إلى أداة ضبط تُعيد إنتاج الطاعة، وتقدمها كفضيلة مطلقة.
فالمواطن المُطيع ليس مجرد شخص يخضع لسلطة الأمر الواقع، بل هو كائن تم تشكيله بحيث لا يرى في نفسه سوى انعكاس لما يُملى عليه، عاجز عن التخيّل خارج حدود السرديات المفروضة عليه.
وليست هذه الحالة طبيعية، بل يتم إنتاجها عبر خطاب ديني يُقدّم الطاعة كمبدأ مطلق، حيث يُعاد تفسير النصوص الدينية لتُنتج إنسانًا خاضعًا، يرى في أي محاولة للخروج عن النظام القائم تمردًا على 'الإرادة الإلهية'.
وهكذا، لا يعود الدين وسيلة للتحرر الروحي، بل يتحول إلى قيد يُكبّل الفرد، حيث يتم غرس فكرة أن 'كل سلطة هي من عند الله'، وأن مواجهة الظلم قد تعني الوقوع في الفتنة، وكأن العبودية أكثر أمانًا من الحرية!
وليس هذا بالأمر الجديد؛ فقد دعمت الكنيسة الكاثوليكية طغيان الملوك بوصفهم 'ظل الله على الأرض'، كما استُخدمت فتاوى الطاعة في بعض البلدان الإسلامية لترسيخ مقولة أن الحاكم لا يُسأل عما يفعل، مما جعل التمرد يبدو كفرًا، والخضوع ضربًا من التقوى.
وهكذا، يصبح الظلم مشيئة إلهية، ويُعاد تأويل الاستبداد كاختبار للصبر، لا كحالة يجب تفكيكها. وهكذا تتم صناعة 'الماعز الأليف'، الفرد الذي يرى في الطغيان مشيئة إلهية، وفي الفقر امتحانًا، وفي الجوع نعمة، وفي الحرية خطرًا على الاستقرار!
لكن الأمر لا يتوقف عند التوظيف الديني فقط، بل يمتد ليشمل بُعدًا نفسيًا أكثر تعقيدًا، حيث يصبح الطغيان ذاته مصدرًا للراحة.
يذكر إريك فروم، في كتابه الخوف من الحرية، أن كثيرين يهربون من الحرية، لا لأنهم يحبون الطغيان، بل لأن الحرية نفسها مخيفة؛ إنها مسؤولية، عبء ثقيل يتطلب قدرة على اتخاذ القرار ومواجهة العواقب.
وهكذا، يُصبح الفرد الذي يخضع باسم الدين ليس مجرد ضحية، بل شريكًا في استدامة النظام الذي يقهره. حينها، لا يحتاج النظام القمعي إلى استخدام العنف المفرط، فالجمهور نفسه يصبح حارسًا للقمع، يراقب نفسه بنفسه، ويفرض على الآخرين ذات القيود التي كُبّل بها.
وهكذا تتم صناعة 'الماعز الأليف'، الكائن الذي يخاف من الحرية أكثر مما يخاف من سجّانه!
وبينما تعمل الأنظمة القمعية على تكييف الدين ليناسب أهدافها، فإن الرأسمالية تُكمل هذا الدور من زاوية أخرى، حيث لا تُشكّل فقط نظامًا اقتصاديًا، بل تتحول إلى ماكينة ضخمة لإنتاج الوعي المشوّه، وخلق إنسان يرى نفسه في حدود ما يستهلكه.
مارك فيشر، في كتابه الواقعية الرأسمالية، يشير إلى أن أحد أخطر أشكال الهيمنة هو جعل أي بديل غير قابل للتخيّل؛ حيث يُقدَّم النظام القائم وكأنه 'الطبيعة الثانية'، وكأن أي محاولة للخروج منه ليست فقط مستحيلة، بل غير منطقية.
في هذه الحالة، يتحول الإنسان إلى مستهلك سلبي، لا يرى في نفسه سوى رقم في معادلة العرض والطلب، فاقدًا للقدرة على التفكير في ذاته كفاعل سياسي، وكشخص يمكن أن يُعيد تشكيل الواقع.
يُختزل وجوده إلى كونه ترسًا في ماكينة الإنتاج والاستهلاك، يقيس نجاحه بعدد الأشياء التي يمتلكها، لا بقدرته على التأثير في مجتمعه. وهكذا، يصبح التسوق شكلًا من أشكال الحرية الزائفة، ويتحول الدين إلى سلعة، والهوية إلى ماركة، والفكر إلى إعلان تجاري.
وهكذا تتم صناعة 'الماعز الأليف'، الفرد الذي يرى في التسوق حرية، وفي تراكم الديون طموحًا، وفي نجاحه الفردي تعويضًا عن فشل مجتمعه بأكمله!
ولأن هذه السيطرة لا يمكن أن تُترك للصدفة، فإن النظام يحتاج إلى آليات مؤسسية لترسيخها، وأبرزها التعليم والإعلام.
فمنذ الطفولة، يُقال للطفل: 'الكبير لا يُناقش'، وحين يكبر، يتعلم أن 'الحاكم لا يُسأل عما يفعل'. وهكذا، يتحول الخضوع إلى قيمة متوارثة، يُنقل من جيل إلى جيل، حتى يصبح جزءًا من النسيج الاجتماعي نفسه.
أما الإعلام، فإنه لا يُعنى بإيصال الحقيقة، بل بإنتاج الحقيقة، أو بالأحرى، إنتاج نسخة واحدة منها، نسخة تخدم القائمين على السلطة.
يصبح الإعلام سلاحًا، لا لقمع المعارضين فحسب، بل لمنع إمكانية تخيّل عالم مختلف. يتحول إلى آلة دعائية تعمل على تطبيع الظلم، وإعادة إنتاجه في صورة قدر لا يُرد، أو 'واقع لا يمكن تغييره'.
وهكذا تتم صناعة 'الماعز الأليف'، الكائن الذي يستهلك الأخبار كما يستهلك البضائع، يصدق كل ما يُقال له، ويردد الخطاب الرسمي وكأنه وحي!
إن إدراك العطب هو الخطوة الأولى في مقاومته، إذ أن النظام لا يسقط عندما يشتد قمعه، بل عندما يُسائل الناس شرعيته.
وكما قال فرانز فانون: 'كل جيل يجب أن يكتشف مهمته، إما أن ينجزها أو يخونها'.
غير أن المقاومة لا تبدأ فقط من التمرد المسلح أو المواجهة المباشرة، بل من تفكيك منظومة الهيمنة في الفكر والسلوك، من مساءلة الخطابات التي تجعل الطاعة تبدو طبيعية، من إعادة تعريف الممكن، من فهم أن ما يبدو ثابتًا ليس إلا توافقًا مؤقتًا بين القوة والخضوع.
إن أخطر ما في الهيمنة ليس فقط أنها تقمع، بل أنها تجعلنا نحب قيودنا، نخاف من فقدانها، نرى في الطاعة خلاصًا من قلق الحرية.
لكن 'الماعز الأليف' ليس قدرًا محتومًا، بل خيار يمكن كسره، شرط أن نجرؤ على إعادة اختراع ذواتنا من جديد!

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

كامل إدريس.. الماسخ المكرور!
كامل إدريس.. الماسخ المكرور!

التغيير

timeمنذ 2 أيام

  • التغيير

كامل إدريس.. الماسخ المكرور!

ظاهرة توزيع الوزارات على النطيحة والمتردية، واضطراب حكومة بورتسودان، لم تغب حتى عن فطنة وفراسة (القونات) والمغنين الانتهازيين الذين خبروا حكمة الشاب الثائر في أن الكوز كائن متحوّل! وعلموا أن انتفاخ الجيوب بالدولارات والتكسب من وراء التعيينات الوزارية لا يحتاج سوى جهد (شوية مع دول، وشوية مع دول)!! والصحفي الهندي عزالدين لا يرضى لنفسه أن يكون من (الخوالف)، فبينما ضجّ الرأي العام في وسائط التواصل الاجتماعي مجمعًا بأغلبية على رفض تعيين الجنرال وحكومة بورتسودان السيد كامل إدريس رئيسًا للوزراء المرتقب، كتب صحفي المساجلات الجوفاء، في صفحة أكس/ تويتر (عاد البعض في بورتسودان إلى الأسطوانة المشروخة.. يسمعون ويرددون، أخذوا يسرحون في الوسائط بخبر تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، وبعض هذا البعض من الدائرة المحيطة بالرئيس البرهان من ساسة بورتسودان!! أتعجب لهذا العبث والهرجلة التي تسود العاصمة الإدارية بشكل مزعج، يكشف عن اضطراب وانقسام في مركز القرار، فقد أصدر مجلس السيادة قبل أسبوعين قرارًا بتكليف السفير دفع الله الحاج رئيسًا للوزراء، ومن المفترض أن يتسلم موقعه نهاية هذا الشهر، فكيف يعودون إلى مسلسل 'كامل إدريس الماسخ المكرور'؟؟ كامل يشبه حمدوك، ولذا رشحناه في أكتوبر 2021، لكنه لا يصلح لقيادة الحكومة في أتون حرب مستعرة. لا يستطيع. البرهان لا يعرفه، ولا كباشي. احترموا دماء الشهداء يا هؤلاء، واستشعروا عذابات أهل السودان) أنتهي.. حدثنا الحكيم الهندي أن تعيين السيد كامل إدريس من قبيل (الماسخ المكرور) إذ إن بالبلاد حربًا مستعرة وهو لا يستطيع، بل لا يصلح لقيادة البلاد في هذا الظرف، فهو شبيه حمدوك، رئيس الوزراء السابق، أي كلاهما ضعيف! والأخطر من ذلك، بحسب تصريحات الهندي، أن الدكتور كامل إدريس المرشح لرئاسة الوزارة، مجهول النسب المعرفي للجنرال البرهان وكذلك للجنرال كباشي، وأنه قد تم تعيينه من قبل السياسيين والدائرة المحيطة بالبرهان، في تأكيد على قبضة الحركة الإسلامية وجماعة علي كرتي على خناق الجنرال وقادة الجيش، وكذلك السيطرة على القرارات والتعيينات الوزارية في حكومة بورتسودان. وهو القول الفصل الذي فترت الأقلام وبحت الحناجر في قوله خلال عامي الحرب الكريهة بين الجيش و(خارج رحمه) الدعم السريع. وقبل أن نثمِّن شجاعة الصحفي عزالدين وحرصه على عدم زيادة عذابات أهل السودان، إذا به، في أقل من سويعات، عاد (الكائن المتحوّل) بأثواب جديدة (ن كان هناك من ميزة وحيدة لتعيين البروفيسور كامل إدريس رئيسًا للوزراء، فهي انتهاء عهد (الشبيحة) وسماسرة السياسة في بورتسودان) انتهي.. يا للعجب!! أولم تُحدثنا أنت أن تعيين الرجل له علاقة ب(الشبيحة) في بورتسودان، وتحسّرت على الجنرالات خيالات المآتة! الخائرين عن مواجهتهم! أي سوط جعل الصحفي يبلع صوته في عجالة؟! هل كتائب جهاز الأمن أم كتائب الجنرالات؟ ولا ينقضي للعجب وطَر، عاد الهندي في فيلم (الماسخ المكرور) ليحدثنا أنه صديق البطل والزعيم المرتقب! فالبطل في الأفلام الهندية لا يُهزم، وخارق في الانتصارات، وبالطبع معبود الجماهير! وكذلك هندي الإنقاذ! كتب صديق البطل مجدداً (أستمعت إلى رؤية السيد رئيس الوزراء الجديد البروفسور كامل الطيب إدريس خلال اتصال هاتفي جرى بيننا عصر اليوم. أوضحت له وجهة نظري بشأن تعيينه في ظل تعقيدات كبيرة في المشهد السياسي والعسكري في السودان وكيفية التعامل معها، ودعوت له بالتوفيق والسداد. علاقتي ببروف كامل تمتد لنحو عشرين عامًا) انتهي.. شهد الله، الإخوان المسلمون وكُتّابهم يكذبون ويداهنون كما يتنفسون، ولا يستحون ولو قيل لهم بينكم والموت فرسخًا!! الآن يخاطب الهندي الدكتور كامل إدريس بكامل الألقاب، بلغة العالم ببواطن الأمور، يبارك المنصب بعد أن تيقن أنه قد توهّط في كرسي الوزارة، وأن لا أحدًا ينتظر رأيه في تعيينه، ولا الشبيحة به يعبأون! وأدرك أن أقصر الطرق للتعيينات الوزارية من باب الإعلام، أن تكون (للاعيسر) الوزير حوارًا في الطريق، فهذه أسرع الدروب الواصلة والموصلة إليها. قولًا واحدًا، إن صدق الهندي في عمر صداقته للسيد الوزير كامل إدريس، فهذا أدعى للرأي العام ألا يثق في الرجل، بعد أن حدثنا أنه ضعيف (لا يصلح لقيادة الحكومة في أتون حرب مستعرة)! فهل توقفت الحرب بعد تعيينه المتسارع يا ترى؟ أم قد أسرّ السيد الوزير لصديقه أنه المخلّص للبلاد من حربها؟! ونحن، كأهل السودان المعذّب، لا عداوة لنا مع الوزير شخصية! ولا ندري مدي صحة قول الذين يمسكون عليه أدلة وسوابق مهنية، تطعن في أهليته، لكننا نعلم يقيناً أن الحكومة التي عُيِّن فيها لا تعبأ بالسلام، ولو استمرت حربها مئة عام بحسب زعمهم، ولا يهمها الدمار الشامل للوطن، ولا كرامة السودانيين التي أُهينت وتُمرّغت بالتراب في دول الجوار. كما نجزم بأن كل الذين انضموا لركابها جبناء عن مصلحة الشعب، ولو قدموا من بلدان السلام. فهي حكومة يستميت وزراؤها على كراسي السلطة، وتتضخم جيوبهم من استمرار حرب عنصرية وقبلية مقيتة بدعم دعاة استمرارها، ولذا نقول بقول رسول الله صلى الله عليه سلم (دعوها فإنها منتنة)

مآخذ على المبعوث الأممي «العمامرة»..!
مآخذ على المبعوث الأممي «العمامرة»..!

التغيير

timeمنذ 2 أيام

  • التغيير

مآخذ على المبعوث الأممي «العمامرة»..!

مآخذ على المبعوث الأممي «العمامرة»..! د. مرتضى الغالي 'رمطان العمامرة' المبعوث الأممي للشرق الأوسط و'المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في السودان' إذا كان يظن إنه سيسهم في حل أزمة السودان بامتداحه سلطة بورتسودان الانقلابية وتقريظه لها وتبنيه لأطروحاتها التي تتجاهل حماية المدنيين ومستقبل التسوية.. إذا كان يظن ذلك فإنه لن يكون (وسيطاً مقبولاً) بل لن يكون حتى (محضَر خير).. إنما سيصبح (حجر عثرة وشنكلة) في طريق حل أزمة السودان.. ومن الأفضل له وللسودان أن يكف عن السودان مساعيه ووساطته ورحلاته.. وكان الله يحب المحسنين..! لقد اجمع كثير من المراقبين على انتقاد الترحيب المتعجّل لهذا الرجل بخطة عرجاء قدمها 'إبراهيم جابر' رجل الانقلاب ومندوب الكيزان في الجيش.. ووصفها بـ(خارطة طريق) لسلطة بورتسودان الانقلابية..! كما انتقد هذه الخارطة وموقف العمامرة منها العديد من القوى السياسية والمدنية في السودان، حيث اعتبرت ترحيب العمامرة العشوائي بهذه (الخارطة العشوائية القاصرة) انحيازاً صريحاً لحكومة الانقلاب..!! بل لقد جاء الانتقاد لهذه الخارطة ولترحيب العمامرة بها أيضاً من دوائر إقليمية وعالمية..! هذه (الخارطة المفخّخة) التي قدمتها سلطة بورتسودان غير الشرعية هي خارطة جانحة وفاشلة (حتى من الناحية الفنية البحتة) حيث أنها تتجاهل أطراف ومكوّنات متداخلة في النزاع المسلح.. كما إنها تتجاهل عن عمد و(بخبث أفعواني) القوى المدنية في السودان..! وبهذا يضع العمامرة نفسه في (مركب مثقوبة) ويقف في عداء مع مكوّنات وأطراف سودانية عديدة ويظهر انحيازه لطرف واحد من إطراف الحرب هو سلطة الانقلاب والكيزان.. وهذا ليس من التقاليد المرعيّة للوسطاء الدوليين والأميين..! فما هي يا ترى دوافع العمامرة لاتخاذ مثل هذا الموقف بكل ما فيه من عجلة تفتقر للرويّة والحياد وتمثل انحيازاً مكشوفاً لطرف دون أطراف أخرى؛ ولسلطة غير شرعية حتى في نظر الاتحاد الأفريقي ودوائر إقليمية وعالمية عديدة.. دعك من الشعب السوداني وقواه المدنية..! هذه (الخارطة العرجاء) تمثل قولاً وفعلاً موقف تحالف السلطة الانقلابية مع جهة سياسية معلومة للجميع.. أما الشعب بنازحيه ومشرديه فهو آخر ما يمكن أن يهتم به أصحاب هذا التحالف..! لقد تجاهلت (خارطة إبراهيم جابر الكفيفة) أوضاع وحياة ومصائر 14 مليون لاجئ ونازح، كما تجاهلت حالة المجاعة التي يرزح تحت وطأتها 24 مليون سوداني حسب مصادر المنظمات الأممية والعالمية المتخصّصة.. فأين ذلك من ترحيب العمامرة وابتساماته لقادة الانقلاب..؟! هل أصبحت منظمة الأمم المتحدة تجيز الانقلابات العسكرية على الحكومات المدنية..؟! أم أن ذلك من تخريجات العمامرة وحده… أم تراه تناسى أنه أدخل رأسه في (البُرمة السودانية) باعتباره ممثلاً لمنظمة الأمم المتحدة ولأمينها العام..؟! هذا الرجل سبق له أن أسند تفاؤله بحل أزمة السودان على (مداميك خاطئة) ومآلات معكوسة.. مثل حكاية المرأة التي اشتكت لصديقتها عن تأخر عودة زوجها للبيت، وتوجّسها من أن يكون تزوج بإمرأة أخرى.. فقالت لها صديقتها: (تفاءلي خيراً يا زولة.. إمكن صدمتو عربية)..! لقد كشف تصريح سابق للسيد العمامرة أنه لم يكن صريحاً أو على اقل تقدير أنه لم يكن مُطلعاً بقدر كافٍ على الأوضاع السودانية.. عندما قال إن الوضع الإنساني يسجل تحسناً نسبياً في بعض المناطق (بفضل التعاون بين المسؤولين والمنظمات الإنسانية)..! وحقيقة الأمر هو أن مسؤولي سلطة بورتسودان يعرقلون جهود المنظمات الإنسانية ويشنون عليها حرباً بغير هوادة.. بل يسرقون الإغاثة ويعرضونها للبيع في الأسواق..! لقد تم توجيه انتقادات للعمامرة أيضاً بسبب تبنيه لفكرة العودة إلى مرجعيات ما قبل الحرب؛ حيث أن ما قبل الحرب.. هو القبول بالانقلاب العسكري على السلطة المدنية..! كما أخذ عليه أنه رغم طول الحوار المطوّل الذي أجرته معه صحيفة الشرق الأوسط لم يتحدث مرّة واحدة عن المكوّن المدني، واقتصر حديثه على سلطة الانقلاب وجيش البرهان والدعم السريع..! نرجو من العمامرة كمبعوث أممي ألا يتعامل مع أزمة السودانية بمنطق الدول التي تناصر البرهان وانقلابه..! ويجب ألا يفوت على الأطراف الخارجية والأممية أن سلطة البرهان (سلطة انقلابية غير شرعية) لا تحُظى حتى باعتراف الاتحاد الأفريقي..! ومع ذلك يتحدث المبعوث الأممي عن البرهان ويسميه (رئيس مجلس السيادة) في حين كان ينبغي اعتباره قائداً للجيش 'بحكم الواقع المؤسف'.. حتى لو أغفلنا أن قيادة الجيش جميعها (قيادة كيزانية).. وهذه من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى تيلسكوب أو إلى (مشكاة فيها مصباح.. المصباح في زجاجة)…! الله لا كسّب الإنقاذ والانقلابيين وأنصار الحرب.. حيثما كانوا..!

طريق الحُوار والتفاوض مع أصحاب قرار الحرب وإستمرارها من الإسلاميين لصالح البلد
طريق الحُوار والتفاوض مع أصحاب قرار الحرب وإستمرارها من الإسلاميين لصالح البلد

التغيير

timeمنذ 3 أيام

  • التغيير

طريق الحُوار والتفاوض مع أصحاب قرار الحرب وإستمرارها من الإسلاميين لصالح البلد

لن يختلف إثنان علي الوضع الكارثي الذي تعيشه بلادنا اليوم بسبب الحرب وإفرازاتها في السُودان وماخلقته وتخلقه من واقع ومايترتب عليه حاضراً ومُستقبلاً ، الإستسلام لهذا الواقع ، أو مُحاولة الحلول فيه باي إتجاهات تؤدي لمزيّد من الخسائر والإصطفافات والإنقسامات لن تفيّد بلادنا والشعب السُوداني باي حال وباي صورة من الصور ، إنّ مسيّرة الصرّاع السياسِي الطويل والإختلافات والحروب لم تُعلمّنا غير أن الوطن ومصلحته يظلان فوق الجميّع وأهمّ من كُل الإعتبارات وماعداها ، وأن خُسرانه يظل هو الخُسارة الأفدح والجُرم الأكبر ، وأن المُساهمة في هذا تُعتبر هزيّمة ليس بعدها هزيّمة. في بحثنا الدائم عن الحلول لبلادنا والمُحافظة عليها وعلي شعبنا ومن أجل مصلحته في وقف آلة الموت والدمّار وإبعاد شبح الإنقسامات والتمزيّق والتفتت ، علينا السيّر في كُل الطرق الصعبة والوعرّة وتقدّيم مصلحة بلادنا والشعب علي ماعداها ، وتحكيّم وتغليب صوت العقل والحِكمة في إتخاذ قرارات تكفل إنهاء الصرّاع وجلب السلام الحقيقي والشامل والأمن والإطمئنان لكافة السُودانيين ، وأن يكون السيّر في هذا الإتجاه والتوصل للحلول فيه هو بإرادتنا كسُودانيين مهما إختلفنا سياسياً وليس مستورداً أو مفروضاً علينا وفقاً لمصالح آخرين غير سودانيين في المُجتمعين الإقليّمي والدولي. جرّبنا السيّر في طريق الصرّاع والحرب فماذا كانت النتائج؟؟ ، الإجابة إبادة وموت وإنتهاكات وجراحات ودموع وتشريّد ونزوح وقهر وجوع ومرض وفقر وعذابات لاحدّود لها لشعبنا ، وتدميّر لبلادنا وتمزيّق وتشظّي وتفتيت مُتعمّد لها ، ولانزال ينتظرنا مصيّر أسؤا لا قدر الله في حال إستمرارها أي الحرب وهذه الصرّاعات ؟؟ ، ماذا يتبقي لنا كي نخسره إذاً في ظل كُل هذا الواقع ، وما المأمول أن يأتي علي حساب إستمرار هذه المُعاناة وإستدامتها أو إستطالة أمدها ؟؟ ، ماذا سيّفيد صرّاعنا السياسِي ورفض حتي أي إتجاه للحوار والتفاوض حول مايُنهي هذا الصرّاع ويوقف كُل هذا الموت والدمّار والمُعاناة للسُودانيّن؟؟ ، ماذا ستفعل السُلطة التي يقتتل بسببها أبناء الوطن ويموت الشباب والطاقات الحيوية التي يتم توجيهها في إتجاهات خاطئة ، وتُرمّل النساء وتشب أجيّال من اليتامي وأصحاب العاهات المُستديّمة والجروح الغائرة ولأجل لاشئ؟؟ ، كيف يمكن التحول للبناء حتي في حال وقف الحرب والشعب والمُجتمعات مُنقسّمة ومُتناحرة بسببها؟؟؟ ، إلي متي نظل نستمع فقط لصوت الرفض للآخرين المُختلفين وعدم القبول حتي بالجلوس سوياً لمُناقشة أمر إختلافاتنا هذه؟؟ الخلافات بين الإسلاميين وبقية القوي السياسِية الأخري من جهة ، والإختلافات حتي بين الإسلاميين من جهة فيما بينهم ، ثم الإختلاف مابيّن القوي الديمُقراطية والثورية ومايطلق عليها مدنية أيضاً فيّما بينهم ، والإختلاف مابيّن حتي قوي الهامش والحركات التي تمثلها فيّما بينهم ، والإختلاف مابيّن العسكريين والمدنيين ، ومابيّن العسكريين والعسكريين ، ومابين مُربعات قوي الثورة فيّما بينهم ، ثم الإختلاف الأكبر مابيّن القوي المُجتمعيّة ومكوناتها ، كُل هذا أساسه عدم القبول بالآخر المختلف ، ورفض الحوار والتنازل له ، وعدم الإتفاق علي الأولويات ومصالح السُودانيين والنزول إليها ، عدم تحكيّم العقل في إتجاهات للإلتقاء ومشترك يجمعنا كسُودانيين وجدنا ونعيش في ذات الوطن والبلد…. الاعداء يتفاوضون ويتحاورون لأجل مصالح فمابالنا بأن لايلتقي سودانيون يحملون ذات الجنسيّة والصفة ويعيشون علي ذات التراب؟؟ ، الخلاف السيّاسي مقدور عليه إن توحدت الإرادة نحو الوطن ومصالح السُودانيّن ، والتوصل لتفاهمات تُوقف هذه الحرب والإبادة وهذه المُعاناة ، والإتجاه لحاضر و مُستقبل أفضل يصنعه السُودانيّون بأنفسهم… إنها دعوة للحوار مابيّن القوي الرافضة للحرب و أصحاب قرار الحرب سواء إسلاميين أو غيرهم مدنيّن و عسكريين ، ودعوة لوقف العدائيات واللغة الخشنة وكُل الإجراءات التي تُعيّق نجاح هذا الإلتقاء والحوار غير المشروط ، جنده الرئيسي أولاَ هو وقف إطلاق النار والحرب والعمل لمصالح كافة السُودانيين وإنهاء مُعاناتهم ، ثم الذهاب إلي عمليّة سياسية لا إقصاء فيها تأتي فيها بقيّة التفاصيّل بحيث تضمّن المُحافظة علي وجود ووحدة البلاد والتداول السِلمي للسُلطة فيها والعدالة القائمة علي عدم التعدّي وعدّم الإسراف في القتل والإنتقام ولكنها تُحصن المُستقبل ضد إعادتها مُجدداً ، و التأسيس الجديد للبلاد بمايضمن كافة حقوق السُودانيين ومواطنتهم فيه علي قدر المساواة. هذه الدعوة أعلم أن بعض المُتشددين والموتورين ومن تنقصهم النظرة الأشمّل ستجد مقاومة أو رفض أو مُماحكة أو محاولات للعرقلة ، ولكن تصميّمنا علي الإلتفات فقط لمصالح السُودانيين والوطن يجعلنا نمضي فيه بلا اي حسابات غير وقف إبادة السُودانيين وإنهاء حالة الحرب والإقتتال فيه ، ندعوا كُل العُقلاء في كُل الأتجاهات ، إسلاميين ، قوي ديمُقراطية ، يمين ويسار و وسط ، عسكريين وفصائل مُسلحة ومدنيّن لدعم هذا الأتجاه والسيّر فيه ، فالوطن للجميّع ومصلحته فوق مصالح الجميّع……

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store