logo
نشر قوات تركية في الصومال... دلالات عسكرية وسياسية

نشر قوات تركية في الصومال... دلالات عسكرية وسياسية

Independent عربية٢٥-٠٤-٢٠٢٥

أفادت وسائل الإعلام الصومالية بوصول طائرتين عسكريتين تركيتين تقلان نحو 500 جندي إلى مطار آدم عدي الدولي في العاصمة الصومالية مقديشيو، في خطوة تعكس تنامي التعاون العسكري بين أنقرة ومقديشو.
وتشير التقارير إلى أن العدد الإجمالي للقوات التركية المتوقع نشرها في الصومال قد يتجاوز 2500 جندي، وعلى رغم عدم صدور بيان رسمي يحدد الأرقام بدقة، فإن مصادر إعلامية تركية أشارت إلى إمكان وصول العدد الإجمالي إلى 5 آلاف جندي خلال هذا العام.
ويأتي وصول هذه القوات في وقت تكثف فيه الحكومة الصومالية عملياتها ضد "حركة الشباب"، مدعومة بغطاء جوي من الطائرات الحربية التركية التي تشارك في تنفيذ ضربات ضد أهداف تابعة للحركة.
وكان البرلمان التركي وافق في يوليو (تموز) 2024 على مقترح وقعه الرئيس رجب طيب أردوغان ويقضي بالسماح بنشر قوات تركية في الصومال مدة عامين، في خطوة تهدف إلى دعم جهود الحكومة الفيدرالية الصومالية في مكافحة الإرهاب بالتعاون مع شركاء إقليميين ودوليين.
ويرى مراقبون أن مهمة القوات التركية لا تقتصر على مكافحة الإرهاب وحسب، بل لها دلالات سياسية وعسكرية واقتصادية، بخاصة وأن الاتفاقات الأخيرة بين مقديشو وأنقرة جاءت متزامنة مع الخلاف الصومالي الإثيوبي من جهة، والتوترات الإقليمية في حوض البحر الأحمر من جهة أخرى.
وسعت مقديشو إلى إقامة تحالفات إقليمية لدرء التدخل الإثيوبي في السواحل الصومالية في أعقاب مذكرة التفاهم التي وقعتها أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال (صوماليلاند) من أجل الحصول على منافذ بحرية بغرض إقامة قاعدتين عسكريتين، في مقابل الاعتراف باستقلال أرض الصومال والسعي في المحافل الدولية إلى توفير أكبر قدر من الاعتراف بالإقليم الصومالي غير المعترف به دولياً.
المخاوف الأمنية
من جهته يرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد أن وصول القوات التركية إلى مقديشو جاء استجابة لطلب عاجل من الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، بهدف كبح تقدم "حركة الشباب" الصومالية المصنفة كمجموعة إرهابية، والتي نفذت خلال الفترة الماضية عدداً من العمليات العسكرية ضد الدولة الصومالية.
ويرى سيد أن سيطرة هذه الحركة على مقاليد الحكم قد تؤدي إلى زعزعة أكبر للاستقرار الوطني الصومالي والإقليمي، فضلاً عن تهديد المصالح التركية في البلاد، بخاصة أنشطتها في مجال التعدين واستكشاف البترول في السواحل الصومالية، ومن ثم لم تتردد أنقرة في دعم جهود الحكومة الصومالية أمنياً وعسكرياً واقتصادياً، وذلك من خلال الإسهام في الاستثمار بالبنية التحتية وإنعاش الاقتصاد، وكذلك التعاون في المجال العلمي عبر منح الطلاب الصوماليين فرصاً للالتحاق بالجامعات التركية، إضافة إلى الاتفاق على التعاون العسكري الذي يصل قوامه إلى 2500 جندي، موضحاً أن تركيا قوة إقليمية ذات مصالح حيوية وجيوسياسية اقتصادية، وتسعى إلى استغلال الفرص وتوسيع نفوذها في مناطق عدة في العالم مثل البحر المتوسط والبحر الأحمر والشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ويضيف المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن الصومال تمتلك أطول شاطئ على المحيط الهندي ومساحة جغرافية إستراتيجية تمتد إلى مداخل البحر الأحمر ومنطقة خليج عدن، مما يضاعف أهميتها الإستراتيجية في المخططات الدولية والإقليمية، بخاصة في ظل التوترات القائمة في حوض البحر الأحمر الذي يعد ممراً إستراتيجياً للملاحة الدولية.
ووفق سيد فإن الصومال تحتاج إلى الدعم والتعاون التركي في مجالات عدة، كما ترى مقديشو أن تركيا تعتبر حليفاً أميناً يمكن الاعتماد عليه في الدفاع عن المصالح الصومالية، بخاصة في مواجهة الأطماع التوسعية الإثيوبية والكينية، ولا سيما وأنها تمتلك سجلاً حافلاً في الدفاع عن حلفائها، كما هو الحال مع الحكومة الليبية في إنقاذ طرابلس من السقوط بيد قوات خليفة حفتر، ووقوفها إلى جانب أذربيجان في استعادة أراضيها في ناغورنو قره باغ بعد احتلال أرميني دام 30 عاماً.
تحالف آمن
ويرى سيد أن أنقرة أثبتت قدرتها على التنسيق في أماكن النزاعات كما في سوريا وأذربيجان وليبيا، وغالباً ما تجد صيغة للتعاون وعدم الاصطدام حتى عندما تكون في موقف معارض لدول أخرى، مستبعداً أي احتمال للتصادم بين تركيا ودول الإقليم، بخاصة وأن الاتفاق جرى بين دولتين مستقلتين ولا يستهدف دولة بعينها، بقدر ما يركز على المصالح الحيوية للعاصمتين في مجالات حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب.

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويؤكد المتحدث أن ثمة حساسية نشأت أخيراً في محيط دول البحر الأحمر من الوجود العسكري الأجنبي المتعاظم في المنطقة مما اضطرها إلى تشكيل ما يسمى بمنتدى دول البحر الأحمر، لكنه لا يزال في طور التأسيس ولم يكتمل بعد من حيث الأطر والهياكل التي تمكنه من تشكيل منظومة أمنية إقليمية متماسكة، إضافة إلى أن تركيا سبقت هذا المنتدى في ترسيخ نفوذها داخل المنطقة، إذ تمتلك حضوراً اقتصادياً في إثيوبيا وأمنياً وعسكرياً في السودان وتعاوناً شاملاً مع الصومال منذ أعوام، ولذلك من الصعب إقصاء تركيا من معادلة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، ومن غير المرجح أن تُشكل مشاركتها قلقاً مباشراً لتلك الدول ما لم تتعارض مصالحها الحيوية، وفق ما ذكر المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن سيد.
دلالات جيوسياسية
من جهته يرى المحلل السياسي الصومالي عيدي محمد أن مهمة البعثة العسكرية التركية ترتكز على مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة نظراً إلى المصالح الإستراتيجية التي تربط مقديشو بأنقرة، مشيراً إلى تنامي الاستثمارات التركية في الصومال وبخاصة في مجالات استكشاف البترول والتعدين، فضلاً عن الإسهام في مجالات البناء وإنشاء البنى التحتية.
ويؤكد محمد أن الوجود العسكري التركي وإن اقتصرت مهمته على الجانب الأمني الخاص بمكافحة الإرهاب وحماية المصالح التركية في الصومال، فإن له دلالات جيوسياسية عدة من بينها حماية السواحل الصومالية من الاطماع الإقليمية، بما فيها المساعي الإثيوبية إلى احتلال السواحل الصومالية وإقامة قواعد عسكرية دائمة من خلال التفاهم مع الإقليم الانفصالي شمال البلاد.
ويشير محمد إلى أن القوة العسكرية التركية ستسهم في حماية وحدة الصومال وسيادته على أراضيه كافة، إضافة إلى إسهامها في ضمان التطبيق الأمين لاتفاق أنقرة بين أديس أبابا ومقديشو والذي ينص على استفادة إثيوبيا من خدمات الموانئ تحت السيادة الصومالية.
ويوضح المحلل السياسي أن الوجود العسكري التركي قد يفتح فرصاً للتنسيق مع القوى الإقليمية والدولية الموجودة في البحر الأحمر، وبخاصة القواعد الأجنبية في جيبوتي، بغرض تأمين مداخل البحر الأحمر باعتباره ممراً ملاحياً دولياً، ولا سيما وأن 12 في المئة من التجارة العالمية البحرية ونحو 40 في المئة من التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا تمر عبره.
وأشار المتحدث إلى أن انتشار القوات التركية في الصومال سيقلص حجم التهديدات التي تشكلها الجماعات المتطرفة في منطقة القرن الأفريقي والبحر الأحمر، بخاصة وأن "حركة الشباب" الصومالية التي تمثل ذراعاً لـ "تنظيم القاعدة" في شرق القارة السمراء، عززت من تمركزها وصعدت من عملياتها في الفترة الأخيرة، بما في ذلك استهداف مطار مقديشوا أثناء وجود رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، مما تطلب ضرورة توجيه ضربات قاسمة ضد هذه الحركة بالتنسيق مع القوات التركية، في ظل تردد معلومات عن تطوير الحركة إمكاناتها العسكرية وتقدمها في جبهات عدة.
وينفي عيدي أن يكون للقوات التركية أي دور سلبي في التوترات التي تشهدها منطقة حوض البحر الأحمر، إذ تتمتع الدولة التركية بعلاقات مميزة مع كل من السعودية والأردن وإريتريا والسودان، إضافة إلى تطبيع علاقاتها أخيراً مع مصر، ومن ثم فإن الاتفاق الصومالي التركي لنشر القوات لم تواجهه أية عواقب من قبل الدول المطلة على البحر الأحمر، مقارنة بالموقف الحاسم من الخطط الإثيوبية الهادفة لإقامة قواعد عسكرية في البحر الأحمر.

Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

محادثات بين أردوغان والشرع في إسطنبول
محادثات بين أردوغان والشرع في إسطنبول

Independent عربية

timeمنذ يوم واحد

  • Independent عربية

محادثات بين أردوغان والشرع في إسطنبول

أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان محادثات مع نظيره السوري أحمد الشرع في إسطنبول اليوم السبت، وفق ما ذكرت شبكة "سي أن أن ترك" ووسائل إعلام رسمية. تأتي الزيارة خلال اليوم التالي لإصدار إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب توجيهات، ذكرت فيها أنها سترفع العقوبات عن سوريا فعلياً. وتعهد ترمب برفع هذه الإجراءات لمساعدة البلاد على إعادة الإعمار بعد الحرب الأهلية المدمرة. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأظهرت لقطات فيديو بثها التلفزيون التركي أردوغان وهو يصافح الشرع لدى خروجه من سيارته داخل قصر دولمة بهجة، على ضفاف مضيق البوسفور في أكبر مدن تركيا. وذكرت وكالة الأناضول للأنباء أن المحادثات حضرها وزيرا خارجية البلدين ووزير الدفاع التركي ورئيس جهاز الاستخبارات التركي. وقالت الوكالة العربية السورية للأنباء الرسمية (سانا) إن الوفد السوري ضم أيضاً وزير الدفاع مرهف أبو قصرة. وذكر مصدر أمني تركي خلال وقت سابق أن رئيس جهاز الاستخبارات التركي إبراهيم كالين أجرى قبل أيام محادثات مع الشرع في سوريا، حول تسليم وحدات حماية الشعب الكردية السورية سلاحها واندماجها ضمن قوات الأمن السورية.

السلطات التركية توقف 65 جنديا وشرطيا بتهمة ارتباطهم بفتح الله غولن
السلطات التركية توقف 65 جنديا وشرطيا بتهمة ارتباطهم بفتح الله غولن

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

السلطات التركية توقف 65 جنديا وشرطيا بتهمة ارتباطهم بفتح الله غولن

أوقفت تركيا 65 جندياً وشرطياً صباح اليوم الجمعة، للاشتباه في ارتباطهم بالداعية الإسلامي الراحل فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل عام 2016. وأفادت وكالة "الأناضول" الرسمية بأن 56 جندياً في الخدمة الفعلية من القوات المسلحة التركية ألقي القبض عليهم، فيما لا يزال البحث جارياً عن سبعة آخرين. في الأثناء، قالت قناة "هالك تي في" إنه جرى توقيف تسعة شرطيين، "معظمهم في إسطنبول". اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وأضافت وكالة "الأناضول" "في عملية ضد منظمة فيتو (المصطلح التركي لحركة غولن المعروفة باسم 'حزمت') الإرهابية في 36 محافظة تركزت في إسطنبول، قبض على 56 من أصل 63 جندياً في الخدمة الفعلية صدرت في حقهم أوامر توقيف". وبعدما كان غولن حليفاً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتهمته السلطات التركية بأنه يترأس منظمة "إرهابية"، فيما كان الداعية يؤكد أن حركته هي عبارة عن شبكة من المنظمات الخيرية والشركات. وحتى بعد وفاته، تعهدت تركيا ملاحقة أتباعه في كل أنحاء العالم.

الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا
الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا

Independent عربية

timeمنذ 3 أيام

  • Independent عربية

الطائرات المسيرة والقصور الذي تجاوزته روسيا

ما إن بلغت العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا مرحلتها الحرجة بعد محاصرة القوات الروسية العاصمة كييف، وجلس الوفدان الروسي والأوكراني في ضيافة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إسطنبول أواخر فبراير (شباط) 2022 بحثاً عن تسوية سلمية، حتى حشدت الدول الغربية قواها بحثاً عن حل آخر أوعز به بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني -وقتها- إلى الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي. ولم يكن هذا الحل سوى رفض ما عاد به الوفد الأوكراني من إسطنبول، بنتائج إيجابية كانت تتفق مع مطالب الوفد الروسي، فضلاً عما قبل به زيلينسكي من ضرورة التركيز على استمرار القتال في ساحة المعارك. وذلك ما كان عملياً نقطة التحول صوب ما يشهده العالم من كوارث إنسانية تتواصل حتى اليوم، للعام الرابع على التوالي. حرب المسيرات وها هو "الرئيس المخلص"، الذي جاء على صهوة حصانه بصيحته حول قدرته على وقف الحرب، وإعلانه أن "هذه الحرب لم تكن لتبدأ، لو كان في موقعه بالبيت الأبيض"، مؤكداً قدرته على وقفها في غضون 24 ساعة. وبعيداً من كل ما قيل ويقال في هذا الصدد، نتوقف لنشير إلى ما يشغل بال العسكريين اليوم، وبعد نجاح موسكو في إنهاء احتفالاتها بالذكرى الـ80 للنصر على ألمانيا الهتلرية دون خسائر تذكر. وكانت أوكرانيا أطلقت عدداً هائلاً من طائراتها المسيرة، نجح الجانب الروسي في إسقاط 524 منها عشية السابع من مايو (أيار) الجاري، أي قبل إعلان موسكو هدنة أعياد النصر التي استمرت ثلاثة أيام. تلك هي الطائرات المسيرة بكل ما جادت به عقول أبنائها من أشكال وأنواع متعددة، متباينة في التصميم والشكل والقدرات. وذلك بعد ما تأكد عن تخلف روسيا في هذا المضمار، بالمقارنة مع بلدان لا تضاهيها في التقدم التكنولوجي والإمكانات والقدرات التقنية. وها هو العقل العسكري الروسي، يستطيع بسرعة خاطفة تجاوز اللحظة، بما حفلت به من مآسٍ وأحزان، وبلوغ ما كان يصبو إليه خلال أشهر معدودات. وجاءت العملية الروسية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، التي تحولت إلى حقل تجارب وساحة قتال استعاد فيها المقاتل الروسي، وغيره من أبناء بلده المتعدد القوميات والأعراق، أمجاد أسلافه بانتصارهم المجيد في الحرب العالمية الثانية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وننقل عن المقدم أوليج إيفانيكوف مستشار الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية ومرشح العلوم التاريخية، ما قاله لموقع حول إن الصراع العسكري الحالي سيكون الأخير الذي يشارك فيه هذا العدد الكبير من المشاة، إذ تستخدم المسيرات مختلفة الأنواع والقدرات بالفعل في السماء والأرض وأعلى الماء وتحته. وسوف تصبح هذه الظاهرة في المستقبل واسعة الانتشار، بما ستظهر به من تقنيات أكثر حداثة. وهكذا تحولت كل هذه الطائرات المسيرة والروبوتات وأنظمة الحرب الإلكترونية التي كانت مجرد توقعات للعلماء وأفلام الخيال العلمي، إلى واقع عملي يستخدم في ساحات المعارك. وبالمثل، ستكون الحرب المقبلة مختلفة تماماً، ولن تتطلب هذا العدد الكبير من جنود المشاة بل سيكون الطلب على مشغلي الطائرات المسيرة، بحسب ما يتوقع المقدم الروسي مستشار الأكاديمية الروسية لعلوم الصواريخ والمدفعية. وأعلنت وزارة الدفاع الروسية، عشية الهدنة الاحتفالية التي استمرت لمدة ثلاثة أيام، أن قوات الدفاع الجوي أسقطت في يوم واحد فقط 524 طائرة مسيرة من أنواع مختلفة، إضافة إلى صواريخ وقنابل موجهة في مناطق مختلفة من روسيا. حتى مع الأخذ في الاعتبار حقيقة وجود عدد من الضربات، فقد اعتُرف بعمل المدفعية المضادة للطائرات على أنه رائع استطاع إبطال مفعول أكبر هجوم متزامن بالطائرات من دون طيار والصواريخ والطائرات في التاريخ حتى الآن. وبناء على رد فعل الخبراء الدوليين، لا يمكن لأية دولة في العالم أن تفتخر بمثل هذه النتيجة. ونقلت صحيفة "واشنطن بوست" عن مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأوكرانية اعترافه بأن "الهجمات على موسكو من غير المرجح أن تنجح بسبب الدفاعات الجوية الروسية المعززة"، ومن الواضح أنه حتى أكثر الشخصيات "عناداً" في القوات المسلحة الأوكرانية تدرك أنها لن تكون قادرة على تحقيق نتائج عسكرية بهذه الطريقة، ولا يمكن لأي طبيب إنقاذها من الآثار الجانبية، على حد قول الصحيفة الأميركية. بعض من التاريخ المعاصر وعن صحيفة "موسكوفسكي كومسوموليتس" واسعة الانتشار، ننقل ما قاله نائب مدير مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات قسطنطين ماكينكو حول أن استخدام الأسلحة عالية الدقة، وبالكلف المطلوبة لاستخدامها، أصبح أكثر اقتصاداً من استهلاك كتلة من الذخيرة غير الخاضعة للرقابة، وتسمح لك التقنيات الحديثة أيضاً بتصغير الأسلحة عالية الدقة، مما يجعلها أرخص كلفة. وأضاف قوله إننا ندخل عصر الصراعات العسكرية الصغيرة التي لا نهاية لها في جميع أنحاء العالم، وهنا في المستقبل، قد نتحدث عن الانقراض الكامل للأسلحة التي لا يمكن السيطرة عليها. ولم يغفل المتخصص الروسي الحديث القصور الذي كثيراً ما شاب القطاع العسكري في روسيا خلال تسعينيات القرن الماضي، ومنه تأخر القوات المسلحة الروسية في إدخال وتطوير التكنولوجيات "غير المأهولة"، قائلاً إنه لا يرجع في المقام الأول إلى بعض الأسباب التكنولوجية، لكن نتيجة مشكلات في تحديد أولويات التنمية. وأضاف أنه طرح هذه القضية قبل 15-20 عاماً ضمن مؤتمر صحافي على القائد العام للقوات الجوية، إذ تساءل عن أسباب تخلف روسيا في تطوير الطائرات من دون طيار، وعلى وجه الخصوص في صناعة طائرات من دون طيار، وهو ما أجاب عنه بجدية واضحة "لماذا نحتاج إليها؟ لدينا ما يكفي من الطائرات والطيارين"، وأعاد إلى الأذهان ما شاب قطاع الطيران إبان تولي أناتولي سيرديوكوف منصب وزارة الدفاع من قصور، وكان سيرديوكوف في السابق مسؤولاً مدنياً عن قطاع "الموبيليا وتجارة الأثاث" في لينينغراد (سان بطرسبورغ)، وقال إنه وفي عهد هذا الوزير الذي جاء من أروقة قطاع التجارة أوقف القبول في مدارس الطيران، وكان هناك عدد قليل من الطيارين، خلال وقت لم تكن هناك طائرات من دون طيار في القوات المسلحة الروسية. وفي هيئة الأركان العامة احتدم الجدل بحثاً عن إجابة لتساؤلات مفادها، لمن يعطي قيادة الطيران غير المأهول، للطيارين أو المسافرين البريين؟ ومن يحتاج إليها أكثر؟ واتضح أنه لا أحد في حاجة إليها، وأعاد إلى الأذهان زيارة لإسرائيل قال إنه اضطر إلى القيام بها منذ نحو 10 أعوام، وأضاف أنه زار آنذاك إحدى شركات "IAI" التي تشارك، من بين أمور أخرى، في إنتاج الطائرات من دون طيار. وقال إن أكثر ما أدهشه خلال ذلك الوقت أن كل من صنع هذه الأجهزة في إسرائيل تقريباً مهاجر من الاتحاد السوفياتي ويتحدث الروسية جيداً، مما يعيد إلى الأذهان وطأة تهجير اليهود التي أسهمت في قيام دولة إسرائيل وما نجم عن ذلك من متاعب وكوارث يعاني العرب منها حتى يومنا هذا. لكنه سرعان ما تدارك ذلك ليقول إنه حُقق تقدم حقيقي على صعيد مواجهة وتجاوز هذه المسألة قبل هذا التاريخ في جزيرة "كرونشتادت"، غير بعيد من سان بطرسبورغ، التي تمكنت أخيراً من الحصول على جهاز "أوريون" العادي الذي تسلمته القوات المسلحة هذا العام للمرة الأولى. وعاد ليقول "إننا هنا نحتاج أيضاً إلى فهم أن ذلك وفي واقع الأمر مجرد نظير للطائرة من دون طيار الأميركيةGeneral Atomics Predator ، بدأ إنتاجه بصورة دورية في الولايات المتحدة عام 1995، وهناك أيضاً أوقف تشغيله لأعوام عدة. أي إننا متأخرون 20-25 عاماً عن شركائنا الأميركيين في هذا المجال". أوكرانيا متخلفة عن روسيا هذا واعترفت المصادر الأوكرانية بتخلف كييف عن موسكو في مجالات تطوير واستخدام الطائرات من دون طيار، على رغم أن أوكرانيا كانت حققت تقدماً نسبياً على الجانب الروسي خلال الأسابيع الأولى من "العملية العسكرية الروسية الخاصة"، بما استطاعت تحقيقه من مشترياتها للطائرات المسيرة من تركيا وإسرائيل، فضلاً عما تدفق عليها من أسلحة غربية منذ ذلك الحين. وأشارت مطبوعة "زيركالو نديلي" (مرآة الأسبوع) الأوكرانية في مقال كتبه يوري كاسيانوف إلى أن "الأوكرانيين يحبون التباهي بنجاحاتهم المزعومة في تطوير واستخدام الطائرات من دون طيار. في الواقع، تخسر أوكرانيا حرب المسيرات بصورة يائسة، خلال وقت عادت روسيا لتتقدم عليها كثيراً من حيث عدد وخصائص القتال للطائرات من دون طيار". وقالت أيضاً إن "روسيا تعمل على إنشاء أفواج من الأنظمة غير المأهولة كجزء من البحرية، وستعمل هذه الأفواج في الجو والبر والبحر، وستكون مسلحة بمسيرات سطحية وتحت الماء وبرية وجوية، وستؤدي مهام الاستطلاع والضرب في منطقة عمليات الأسطول". وذلك فضلاً عن أنه من المقرر كذلك أن يكون هناك ما لا يقل عن خمسة أفواج من هذا القبيل، ثلاثة منها ستكون جزءاً من الأساطيل في الجزء الأوروبي من روسيا، واثنان منها سيكونان جزءاً من أسطول المحيط الهادئ. ومن المقرر أيضاً أن تُسلح هذه الأفواج بقوارب مسيرة (UBC) ومركبات مسيرة تحت الماء، وطائرات من دون طيار متوسطة وطويلة المدى "فوربوست" و"أورلان" إضافة إلى الذخائر على غرار "لانسيت"، وطائرات استطلاع وهجوم من أنواع مختلفة. ومن اللافت في هذا الصدد أن صحيفة "واشنطن بوست"، أكدت ما تدفق عن المصادر الأوكرانية من اعترافات بما قالته حول أن الجيش الأوكراني لا يستطيع منافسة الجيش الروسي من حيث استخدام الطائرات من دون طيار على الجبهات كافة. وذكرت الصحيفة، نقلاً عن جندي من القوات المسلحة الأوكرانية يحمل اسماً رمزياً "سويفت"، أن الطائرات الأوكرانية من دون طيار لا تملك القدرة على حمل كميات من المتفجرات يمكن مقارنتها في القوة بشحنة قنبلة يدوية. وهذا يحول دون قدرتها على إلحاق أضرار كبيرة بالمعدات الروسية. وأضاف قوله إنها "مثل لعبة الشطرنج". ونقلت الصحيفة الأميركية عن الجندي الأوكراني ما قاله حول إن "الجيش الروسي يحقق الفوز"، وذلك فضلاً عما قاله حول إن خسائر نظام كييف من الطائرات من دون طيار خلال شهر واحد تصل إلى الآلاف، وتوصل زميله إلى استنتاج مفاده أن "القوات المسلحة الأوكرانية لا تملك ما يكفي منها أبداً". وفي هذا الصدد كانت روسيا استعادت كثيراً من قدراتها الصناعية العسكرية، استناداً إلى ما استطاعت إعادته إلى الحياة العملية من مصانع عسكرية كانت القيادة السوفياتية والروسية السابقة حولتها إلى صناعة الأدوات المنزلية والمعدات غير العسكرية منذ أعوام البيريسترويكا، وما تلاها من تسعينيات القرن الماضي. ويذكر مراقبون كثر ما اتخذه الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين من قرارات حول تقليص تعداد القوات المسلحة الروسية إلى نصف المليون، فضلاً عن تحويل كثير من قطاعات الحياة في روسيا إلى الأنماط المدنية، مما أعاد ويعيد بوتين النظر فيه، منذ أعوام ولايته الثانية وإعلانه حول رفضه لتوسع الـ"ناتو" شرقاً، إلى جانب رفضه لعالم القطب الواحد، وضرورة التحول إلى عالم متعدد الأقطاب، في خطابه الشهير الذي ألقاه في مؤتمر ميونيخ للأمن الأوروبي خلال فبراير (شباط) 2007.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store