
الأشد صعوبة وقسوة: زيارة هي الأولى لمعتقلي غزة تحت الأرض في قسم "ركيفت" بسجن الرملة
استعرضت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير، شهادات جديدة تضاف إلى سجل الشهادات الصادمة والمروعة عن تفاصيل عاشها معتقلو غزة، خلال عمليات اعتقالهم والتحقيق معهم ونقلهم من سجن إلى سجن، ومن معسكر إلى معسكر على مدار أشهر عدة من الاعتقال.
وكشفت الهيئة ونادي الأسير عن زيارات هي الأولى لمعتقلي غزة في القسم الواقع تحت سجن (نيتسان- الرملة)، أو ما يسمى بقسم (ركيفت)، الذي خصصه الاحتلال للأسرى الذين أطلق عليهم أسرى (النخبة) الذين هم جزء ممن تمت زيارتهم ويصنفهم الاحتلال (بالمقاتلين غير الشرعيين).
وتطرقا إلى الجرائم الممنهجة التي ارتُكبت بحق معتقلي غزة، والتي كانت في مجملها جرائم تعذيب عاشوها لحظة بلحظة منذ اعتقالهم، وهذه الشهادات تم الحصول عليها من خلال زيارات هي الأولى التي تمكنت من إجرائها الطواقم القانونية مؤخراً، خلالها تمت زيارة مجموعة من المعتقلين في ظروف مشددة، وتحت مستوى عالٍ من الرقابة في قسم "ركيفت"، القابع تحت سجن (نيتسان – الرملة).
زيارة تحت الأرض لمعتقلي غزة في قسم (ركيفت)
في تفاصيل الزيارة التي تمت لمجموعة من المعتقلين، فإن الزيارة بدأت بإدخال الطواقم القانونية إلى مدخل بناية تشبه المخزن وهي قديمة، تم فتح باب وهو مدخل لدرج تحت (الأرض) بحسب ما وصف المحامون، مليئة بالصراصير والحفر في الأرض والجدران، تمت الزيارات بمرافقة السجانين وتحت رقابة مشددة، فيها تمت الإشارة إلى المحامين بأنه يُمنع إخبار المعتقلين بأي شيء يتعلق بعائلاتهم، أو شيء يحدث في الخارج، كانت علامات الرعب والخوف ظاهرة على هيئات المعتقلين الذين تمت زيارتهم، وفي البداية كانت هناك صعوبات كبيرة في فتح حديث مع أي معتقل، لمستوى الرقابة التي فُرضت على الزيارة، ولكن بعد محاولات جرت من المحامين، تمكّنوا من طمأنة المعتقلين، والتأكيد لهم أنهم محامون جاءوا لزيارتهم.
واستعرضا بعض إفادات المعتقلين وما تضمنته من تفاصيل صادمة، هي امتداد لعشرات الشهادات والإفادات التي تم الحصول عليها من معتقلي غزة منذ بدء الإبادة.
إفادة المعتقل (س.ج): "اعتُقلتُ في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2023، ونُقلت فوراً إلى التحقيق الذي استمر لمدة 6 أيام، كانت الأشد والأصعب، تعرضتُ خلالها لتحقيق (الديسكو) و(البامبرز)، وطوال الأيام الـ6 كنتُ أسمع فقط موسيقى صاخبة جدا، وطوال هذه الأيام أُجبرت على استخدام (الحفاظات) لقضاء حاجتي، تم تغييرها مرتين فقط، وحرمتُ من الطعام، وكان الماء قليلا جدا، نصف كأس في اليوم، وطوال فترة التحقيق كنت مقيد اليدين، ومعصوب العينين، ولاحقاً جرى نقلي من معسكر (سديه تيمان) إلى سجن (عسقلان)، حيث مكثت لمدة 45 يوماً، ثم جرى نقلي إلى معتقل المسكوبية لمدة (85) يوماً، ثم إلى سجن (عوفر)، وأخيراً إلى قسم "ركيفت" في سجن (نيتسان الرملة)".
وأشار المعتقل إلى أن ظروف الاعتقال في قسم "ركيفت" الرملة هي الأشد صعوبة مقارنة بجميع السجون التي نُقل إليها على مدار فترة اعتقاله، في كل زنزانة يوجد ثلاثة أسرى، واحد من بينهم ينام على الأرض، الخروج إلى الفورة أي (ساحة السجن) تتم يوماً بعد يوم، خلالها نبقى مقيدين، علماً أن هذه المساحة لا تدخلها الشمس، وطوال وجودهم في (الفورة) يتعرضون للإهانة والإذلال، كما يُمنع عليهم رفع رؤوسهم طوال (الفورة).
"لا نعلم متى تشرق الشمس ومتى تغيب"
المعتقل (و.ن): "اعتُقلتُ في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024، استجوبني جيش الاحتلال قبل نقلي إلى معسكر في غلاف غزة، تعرضتُ للتحقيق من المخابرات، وتم تهديدي وضربي، ولاحقاً تم نقلي إلى سجن (الرملة)، أُعاني اليوم مشكلات صحية، وآلاما شديدة في جسدي، والأمر الذي يزيد معاناتي هو إجبارنا على الجلوس على الركبتين لفترة طويلة، كما أنني تعرضت لاعتداء جنسي من خلال ضربي عبر جهاز التفتيش على أجزاء حساسة من جسدي، اليوم نحن في عزلة تامة عن العالم الخارجي، فلا نعلم متى تشرق الشمس ومتى تغيب، يتم تزويدنا بملابس مهترئة وتالفة لكننا مضطرون إلى ارتدائها، محرمون من توفير ملابس داخلية، إلى جانب كل هذا يجبروننا على شتم أمهاتنا، ونتعرض للضرب والقمع، فتسبب ضربي خلال عملية نقلي إلى السجن بكسر أحد أصابعي، مع العلم أن السجانين يستخدمون أسلوب كسر الأصابع وقد حدث ذلك مع أكثر من معتقل".
كسر الأصابع أسلوب لتعذيب المعتقلين
في السياق، أشار المعتقل (خ. د): إلى أنه تعرض لتحقيق (الديسكو)، ولاحقا للتحقيق من مخابرات الاحتلال، وتكرر ذلك من 3-4 مرات، وتعمدوا شبحه على الكرسي لفترات طويلة، ورميه على الأرض وهو مقيد، واستمر التحقيق معه لمدة 30 يوما في زنازين سجن (عسقلان)، وطوال هذه المدة تعرض للضرب المبرح، يعاني اليوم مرض (الجرب -السكايبوس)، وقد أصيب به خلال احتجازه في سجن (عوفر) واستمر معه المرض بعد نقله إلى سجن (الرملة)، واليوم يعاني إلى جانب مرض (الجرب) أوجاعا شديدة في الصدر تزداد حدتها جراء عمليات التقييد التي تتم إلى الخلف، وأشار المعتقل إلى أن إدارة السجن تعاقب الأسرى من خلال كسر إصبع الإبهام.
كاميرات داخل الزنازين توثق تحركات المعتقلين على مدار الساعة
أما المعتقل (ع.غ) فقد أفاد: "احتُجزتُ لمدة (35) يوما في معسكر (سديه تيمان)، تعرضتُ لتحقيق (الديسكو) لمدة خمسة أيام، عند اعتقالي كنت أعاني إصابة ولم أتلقَّ أي علاج، وأُصبتُ بحمى شديدة في بداية الاعتقال، وكنت طوال الوقت أصرخ من شدة الألم في جسدي، هذا بالإضافة إلى كوني أعاني ممشكلات في القلب وقد تعرضت لفقدان الوعي عدة مرات، فكانوا يكتفون فقط بالتأكيد على أنني على قيد الحياة، في المرحلة الأولى من الاعتقال لم تكن لدي ملابس أو غطاء، فكنت أشعر بالبرد الشديد كوني محتجزا في (بركس) مفتوح من عدة جهات، ما فاقم معاناتي، على مدار 15 يوماً كنت مقيد اليدين ومعصوب العينين طوال الوقت، ثم جرى نقلي لاحقاً إلى قسم (ركيفت) في سجن (الرملة)، في جميع الغرف هنا كاميرات توثق تحركاتنا بشكل دائم، وتُمنع علينا الصلاة، ويهددوننا طوال الوقت بالقتل، تشكّل عملية إخراجنا إلى الفورة فرصة للسجانين للاعتداء علينا بالضرب المبرح وإهانتنا ونحن مقيدو الأيدي، لا نرى الشمس نهائياً، نجبر على شتم أمهاتنا، والسجان هو من يقرر وقت الاستحمام والمدة، كل ثلاثة أيام يتم تزويد كل زنزانة بلفة ورق للحمام، كما أن كميات الطعام قليلة جداً، نعلم أن هذا وقت الفجر من خلال سحب السجانين للفرشات والأغطية".
سجن ركيفت -الرملة واحد من بين سجون ومعسكرات استحدثها الاحتلال منذ الإبادة أو أعيد فتحها مجدداً لاحتجاز معتقلي غزة، نذكر أبرزهم: (سديه تيمان)، و(عناتوت)، ومعسكر (عوفر)، و(ركيفت)، ومعسكر آخر افتُتح لمعتقلي الضفة وهو معسكر (منشة)، وشكلت هذه المعسكرات العناوين البارزة لجرائم التعذيب، حيث حوّلها الاحتلال إلى حيزات لتعذيب المعتقلين جسدياً ونفسياً بشكل لحظي.
يُذكر أن عدد معتقلي غزة الذين اعترفت بهم إدارة سجون الاحتلال حتى بداية شهر نيسان/ إبريل 2025، بلغ 1747 ممن صنفتهم (بالمقاتلين غير الشرعيين)، وهذا المعطى لا يشمل جميع معتقلي غزة المحتجزين في المعسكرات التابعة لجيش الاحتلال، فقط يشمل من هم تحت إدارة السجون.
المصدر: وكالة قدس نت للأنباء - رام الله

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


فلسطين أون لاين
منذ 8 ساعات
- فلسطين أون لاين
تحليل خطاب بلا مخرج.. نتنياهو يرسّخ الحرب ويتهرّب من الصفقة
غزة/ محمد أبو شحمة: مع استمرار حالة الغضب الدولي الكبيرة وغير المسبوقة ضد دولة الاحتلال الإسرائيلي، بسبب استمرار عدوانها على قطاع غزة وتوسعها في ارتكاب المجازر ضد المدنيين، ومع تواصل حالة الانقسام العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي، خرج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بخطاب حمل جملة من التضليل والأكاذيب. ولم يقدم نتنياهو خلال خطابه أي جديد للمجتمع الإسرائيلي أو لعائلات الأسرى الإسرائيليين الذين يعيشون حالة من الغضب الشديد تجاه سياساته وتجاهله لقضية أبنائهم، وعدم حرصه على سلامتهم، واستمراره في تعريضهم للخطر من خلال توسيعه لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وتعرض نتنياهو لانتقادات حادة بسبب تجاهله المتعمد لقضية الأسرى، مقابل تمسكه بمشروع توسعي يخدم أجندة اليمين المتطرف، الأمر الذي اعتُبر تجسيدًا لحالة الانهيار التي يمر بها، وسط تصاعد الغضب الشعبي واتساع رقعة الفشل العسكري. ورغم الغضب المتواصل ضد نتنياهو، يصرّ على تجاهل مطالب أهالي الأسرى والسياسيين في دولة الاحتلال بوقف العدوان على قطاع غزة، والذهاب إلى المفاوضات لإبرام صفقة، خاصة أن استمرار الحرب لم يخدم (إسرائيل) ولم يُحقق أي نتائج بعد اقترابها من دخول عامها الثاني. وأكد الكاتب والمحلل السياسي أحمد الطناني أن بنيامين نتنياهو يصر على تقديم وصفة لتأبيد الحرب في قطاع غزة، مستمرًا في تبجّحه المعتاد بقدرة الضغط العسكري على تحقيق ما يسميه "النصر المطلق". وقال الطناني لصحيفة "فلسطين": "نتنياهو ردّ بوضوح على الأصوات التي تطالب المقاومة بوقف القتال وتحميلها مسؤولية استمرار الحرب بحجة حقن الدماء، إذ أكد أن خطته تمضي قدمًا نحو فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على قطاع غزة، حتى في حال تحقيق شروطه، واستكمال مسار تهجير سكان القطاع ضمن ما يُسميه خطة ترامب، وهي النسخة المحدثة من مشروع الترانسفير الصهيوني". وأضاف أن نتنياهو، بهذا التصريح، يُسقط الوهم الذي يروّجه دعاة الاستسلام، ويُظهر بوضوح أن وقف المقاومة لن يُنهي الحرب، بل سيسهّل تنفيذ أهدافها الأخطر. وفي مواجهة هذه العنجهية الإجرامية، شدد الطناني على أن ما يملكه الفلسطينيون هو تحويل هذه المخططات الإسرائيلية الطموحة إلى مساحات استنزاف متواصلة، بكل وسيلة ممكنة، من شأنها أن تُجبر نتنياهو وقادة الحرب الإسرائيليين على إعادة التفكير في الكلفة السياسية والعسكرية لفرض هذه الوقائع بالقوة. وأشار إلى أن خطاب نتنياهو الأخير لم يخلُ من رسائل توحي بإمكانية التوصل إلى حل، لكن وفق رؤيته الضيقة، حيث تحدث عن "صفقة جزئية" تتمحور حول استعادة الأسرى الإسرائيليين بأقل ثمن ممكن، ودون تقديم أي التزامات سياسية. وأوضح الطناني أن هذا الطرح لا يُلغي احتمال التوصل إلى اتفاق، لكنه يُبرز مدى مركزية مطلب "وقف الحرب" في أي مفاوضات، وأثره المباشر في تحديد مستقبل قطاع غزة، وربما مستقبل الاستقرار في المنطقة بأسرها. وأكد أن نتنياهو يحاول تكرار المناورة ذاتها التي استخدمها في مايو 2024 قبيل اجتياح رفح، حين تحدّى الضغط الدولي ومضى في تنفيذ خططه العدوانية، إلا أن الوقائع اليوم تغيّرت، فـ"مايو 2025 ليس كمايو 2024"، وكذلك الموقف الدولي والإسرائيلي الداخلي. وأضاف أن الأنظار تتجه الآن إلى الموقف الأميركي، وتحديدًا إلى السياسات "الترامبية" التي طالما تميزت بالتقلّب والمفاجآت، متسائلًا: هل سيتعامل ترامب مع تجاهل نتنياهو لمطلبه بوقف التصعيد بنفس الضعف الذي أبداه بايدن؟ هذا ما ستكشفه الأيام القليلة المقبلة. وشدد الطناني على أهمية عدم الانجرار خلف صخب الخطابات وغبار "عربات جدعون"، مؤكدًا أن الأفق ما زال حاضرًا، وأن خطوط المواجهة لم تفقد حرارتها بعد. المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ يوم واحد
- فلسطين أون لاين
تقرير عيَّن حنين... شهادة حيَّة على وجع غزَّة الَّذي لا يمحى
غزة/ هدى الدلو: في أحد أيام غزة الثقيلة، كانت حنين الدُرَّة، الفتاة العشرينية، تقف أمام مرآتها، تتأمل ملامحها، وتحلم بمستقبل مشرق.. لكن قصفًا إسرائيليًا مفاجئًا حوّل تلك اللحظة إلى كابوس دائم، حين أصيبت بشظية في وجهها، أدت إلى تشويه ملامحها وفقدان إحدى عينيها. تُعرّف نفسها لصحيفة "فلسطين" حنين موسى الدُرَّة، طالبة في الجامعة الإسلامية، تخصص شريعة وقانون، من مواليد عام 2004. تمنيت أن أعيش حياة بسيطة، سعيدة، هادئة، وأن أنهي دراستي الجامعية، وأحلف القسم العظيم، وأزاول مهنة المحاماة. تمنيت أن أفي بوعدي لأمي - رحمها الله - التي كانت تدعو الله أن يوفقني، وأن تراني في أعلى المراتب". كانت تلك الطموحات على وشك الاكتمال، لولا أن آلة الحرب الإسرائيلية حالت دون ذلك. لم تكن تعلم أن نيران الحرب ستصل إلى بيتها، بل إلى عينها تحديدًا، فذلك اليوم غيّر مجرى حياتها إلى الأبد. تسرد قائلة: "في يوم 20/5/2024، كتب هذا التاريخ بالدم، لا بدمع العين فقط. كنت جالسة في الطابق الأول من المنزل، بينما باقي أفراد عائلتي في الطابق الأرضي، وكانت الساعة الواحدة ظهرًا، وفجأة انهال البيت فوق رأسي؛ لقد تم استهدافنا بصواريخ الاحتلال الإسرائيلي.. كل شيء أصبح مظلمًا. كنت أتساقط تارة يمينًا وتارة يسارًا، تارة إلى الأعلى وتارة إلى الأسفل، أرتطم من جدار إلى آخر، أصرخ: 'أغثني يا الله!' كل شيء يتساقط علينا بقوة؛ الغبار خانق، الزجاج والشظايا القاتلة في كل مكان". "بعد وقت لا أعلم كم لبثته تحت ركام المنزل، أفقت ولا زلت تحت تأثير الصدمة: أين أنا؟ ماذا حدث؟ أين المنزل؟ وأين أفراد عائلتي؟ من أين هذه الدماء في وجهي؟" تتابع: "كانت عيني تؤلمني، وأنفي وساقي أيضًا. لم أكن أستوعب ما حدث. كنت خائفة، ولا أقوى على النظر أو الحركة. جمعت كل قوتي، وحاولت أن أرفع الحجارة والركام عن جسدي المصاب. خرجت بأعجوبة، وبعد بضع خطوات هزيلة فقدت الوعي." رحلة علاج مضنية استيقظت في المستشفى وكل شيء مظلم حولها. كان مستشفى كمال عدوان في شمال القطاع قد فقد أكثر من 90% من قدرته على تقديم الرعاية. وبصعوبة بالغة، تم نقلها إلى مستشفى العربي الأهلي (المعمداني) وسط غزة، الذي كان مزدحمًا بالشهداء والجرحى، حتى إنها لم تجد سريرًا أو مقعدًا فارغًا، وتم فحصها وهي ملقاة على الأرض. بعد قليل، قامت إحدى الطبيبات بإجراء الفحوصات والصور، وتبيّن أنها فقدت عينها اليسرى إلى الأبد، وأصيبت بكسر في الأنف والفك، إضافة إلى وجود العديد من الشظايا في سائر جسدها. تقول: "قامت الطبيبة بإجراء بعض العلاجات الأولية، كتنظيف العين وتقطيب وجهي بـ 35 غرزة، وقررت ضرورة إجراء عملية زراعة عين، وأخرى تجميلية للأنف والوجه، لكن ضعف الإمكانيات حال دون ذلك." "منذ بداية الحرب ونحن نعيش ظروفًا نفسية صعبة لا توصف؛ من خوف وقصف ونزوح وتشرد وفقد ووجع. أحداث وتفاصيل لا أرغب في الحديث عنها، وأتمنى لو تُمحى من ذاكرتي." فقدان السند صُدمت شقيقتها من حجم الإصابة، بينما حاول والدها التماسك ليربت على قلبها. وتقول: "لولا وجود والدي بجانبي لما تمكنت من تجاوز الإصابة... لكنه رحل في نوفمبر من العام نفسه، فشعرت بأنني فقدت روحي؛ كان الأم والأب بعد وفاة والدتي في 2012، وكان سندي وقوتي." تواجه حنين تحديات نفسية وجسدية كبيرة، وتقول: "أشعر بأنني فقدت جزءًا من هويتي، لم أعد أتعرف على نفسي في المرآة. وجهي مشوه، وأحتاج إلى عملية تجميلية بالليزر. هناك شظية في رأسي لا يمكن إزالتها، وتسبب صداعًا مزمنًا، وضغطًا على العين اليمنى، وكهرباء في وجهي." تُعاني كباقي جرحى القطاع من نقص حاد في المعدات الطبية. وتضيف: "المستشفيات تفتقر إلى الأدوية والمستلزمات. أحتاج إلى لاصقات طبية لمنع تلوث العين والأنف إلى حين إجراء العمليات." كلما وقفت أمام المرآة، لتضع لمساتها الأخيرة قبل الخروج، تعود ذاكرتها إلى صوت الانفجار، ويجتاحها ألم لا يُوصف. التمسك بالحلم رغم كل شيء، لا تزال حنين متمسكة بالأمل: "أحلم بأن أسافر لتلقي العلاج، وأركب عينًا صناعية، وأكمل دراستي في الشريعة والقانون. أريد أن أستعيد ثقتي بنفسي، وأكون صوتًا للجرحى والمصابين في غزة." وتختم حديثها بتصميم: "هل تذكرون حلمي بأن أصبح محامية؟ أنا أعدكم بأن أفي بوعدي لأمي، وأن أنجح، وسأكون عونًا للضعفاء والفقراء والمحتاجين." المصدر / فلسطين أون لاين


فلسطين أون لاين
منذ يوم واحد
- فلسطين أون لاين
تقرير "أمُّ محمَّد"... مسنَّة تعيش على الماء وسط تفشِّي المجاعة بغزَّة
غزة/ محمد القوقا: في أحد أركان منزل متصدع غرب مدينة غزة، تجلس أم محمد عاشور، فلسطينية تبلغ من العمر 76 عامًا، على كرسي بلاستيكي مكسور، تحاول أن تروي عطشها بكوب ماء، هو كل ما تملكه للبقاء على قيد الحياة منذ أكثر من أسبوع. تقول أم محمد، بصوت منخفض ويدين مرتجفتين من الوهن: "أعيش على الماء فقط، دون أي مبالغة. إذا توافر لي رغيف خبز، أقتات عليه ليومين". وتشير إلى أن سعر كيلو الطحين تجاوز 100 شيكل، أي ما يعادل نحو 27 دولارًا، وهو مبلغ لا تستطيع تأمينه. "حتى لو استطعت شراءه، الكمية لا تكفيني ليومين"، تضيف. أم محمد، التي ولدت عام 1949، بعد عام من نكبة الشعب الفلسطيني، تقول لصحيفة "فلسطين"، إنها لم تشهد في حياتها جوعًا كالذي تعيشه اليوم. "صرنا على وشك أكل التراب"، تقول والدموع في عينيها. أم محمد اضطرت إلى كسر صمتها، رغم طبيعتها التي تميل إلى الصبر والانزواء، لتوجه نداءً للعالم العربي والإسلامي. "نحن زعلانون منكم! أنتم لا تشاركوننا معاناتنا. لو أن أربع أو خمس دول فقط اتحدت ووقفت في وجه الاحتلال، لما حصل كل هذا!" وتتابع بغضب واضح: "هل يُعقل أن شخصًا واحدًا – بنيامين نتنياهو – يتحكم بالعالم، ولا أحد يستطيع إيقافه؟ حرام عليكم يا مسلمين! قتلوا شبابنا وأطفالنا، وجوعوا الناس، ودمروا كل شيء". سبقت كلماتها إعلان المكتب الإعلامي الحكومي في غزة عن دخول 87 شاحنة مساعدات مساء أول من أمس، وهي الدفعة الأولى منذ أن أغلقت (إسرائيل) معابر القطاع في 2 مارس/آذار، وسط حرب إبادة مستمرة منذ أكثر من 18 شهرًا. ورغم أهمية هذه الشاحنات، إلا أنها لا تغطي سوى جزء ضئيل من الاحتياجات اليومية. ويقول مسؤولون محليون إن غزة تحتاج بين 500 إلى 800 شاحنة إغاثة يوميًا لتلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية لنحو 2.4 مليون نسمة محاصرين في ظروف قاسية. ووفق بيانات رسمية، أودت سياسة الحصار والتجويع بحياة 326 شخصًا بسبب سوء التغذية، بينهم أطفال ومرضى، كما سُجلت أكثر من 300 حالة إجهاض خلال 80 يومًا، بسبب نقص الغذاء والعناية الطبية. وتُظهر أرقام صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة أن سلطات الاحتلال منعت دخول نحو 44,000 شاحنة مساعدات منذ مارس، مما فاقم الأزمة الصحية والغذائية في القطاع. وتشير منظمات إنسانية إلى أن مناطق قطاع غزة باتت تُصنف على أنها "بيئات مجاعة". أم محمد، التي تعرضت يدها للكسر خلال نزوحها جنوبًا في بداية الحرب، لم تتلقَ العلاج المناسب بسبب انهيار النظام الصحي. "الأطباء يقولون إنني بحاجة إلى كسر اليد من جديد ثم إجراء عملية، لكن لا توجد إمكانيات"، تشرح بصعوبة. وتستذكر كيف سقطت مؤخرًا من شدة الهزال أمام منزلها، فحملها جارها إلى الداخل. "لم أعد أقوى على المشي. نفسي آكل حبة بندورة، أُتمضمض بها!"، تقول وهي تضحك بخفة ممزوجة بالألم. وبينما تحاول أم محمد التماسك أمام عدسة الهاتف المحمول الذي يوثق قصتها، تشير إلى أن المأساة الحقيقية ليست فقط في الجوع، بل في "الإهمال العالمي والصمت العربي". قصة أم محمد ليست فريدة من نوعها. ففي غزة، لا يهدد الموت السكان فقط عبر القصف، بل أيضًا عبر المجاعة، والعزلة، والانهيار الكامل للمنظومة الإنسانية. وبينما تتصاعد التحذيرات الدولية من كارثة وشيكة، يبقى السؤال معلقًا: كم من "أمهات محمد" يجب أن يسقطن من الجوع حتى يتحرك الضمير الإنساني؟. المصدر / فلسطين أون لاين