
أعمدة سرية أسفل الأهرامات.. "اكتشاف خيالي" يتحطم على صخرة العلم
جو 24 :
على قدر الانتشار الواسع الذي اكتسبه الحديث عن اكتشاف علماء لمدينة سرية أسفل الأهرامات، كانت الانتقادات اللاذعة لهذا الاكتشاف الذي وصفه خبراء -تحدثوا للجزيرة نت- بأنه "لا يستند لأي أساس علمي".
ولم ينشر الباحثون أصحاب هذا الاكتشاف نتائجهم في أي دورية علمية، مفضلين -على غير عادة العلماء- إشعال شرارة الحديث عنه من خلال مؤتمر صحفي عُقد منتصف مارس/آذار بإيطاليا، وحظي بتغطية واسعة من وسائل الإعلام.
ورغم الحماس الأولي لهذا الاكتشاف على مستوى المهتمين بالحضارة المصرية القديمة من غير المتخصصين، كونه يرتبط ارتباطا قويا بـ"أسطورة قاعات آمونتي"، فإن هذا الحماس لم يلبث أن فتر، بعد أن تدخل العلماء المتخصصون في النقاش، ليؤكدوا أن الأدوات العلمية، التي يزعم أصحاب الاكتشاف المزعوم استخدامها، لا يمكن أن تساعدهم على الوصول إلى أي نتائج.
وقال أصحاب الاكتشاف المزعوم، بقيادة الباحثين كورادو مالانجا من جامعة بيزا الإيطالية، وفيليبو بيوندي من جامعة ستراثكلايد الأسكتلندية، في مؤتمرهم الصحفي، إنهم استخدموا تقنية رادار جديدة تعرف باسم "الرادار ذو الفتحة الصناعية" (سار)، تجمع بين بيانات الرادار من الأقمار الصناعية والاهتزازات الدقيقة من الحركات الزلزالية الطبيعية، وتساعد هذه الطريقة في تكوين صور ثلاثية الأبعاد لما يوجد تحت سطح الأرض من دون الحاجة إلى الحفر.
وزعموا أنهم نجحوا عبر توظيف تلك الأداة في اكتشاف 8 هياكل أسطوانية تسمى أعمدة، تمتد على عمق نحو 2100 قدم تحت الأهرامات، وكل عمود محاط بمسارات لولبية تتصل بهيكلين على شكل مكعب بحجم 80 مترا، وفوق هذه الهياكل، اكتشفوا 5 هياكل متعددة المستويات متصلة بممرات، تبدو وكأنها نقاط وصول إلى مدينة على عمق أكثر من 4 آلاف قدم تحت سطح الأرض، تتألف من غرف ضخمة تعادل في حجمها الأهرامات نفسها.
وقالت المتحدثة باسم الفريق البحثي، نيكول شيكولو، في تصريحات صحفية إن "وجود هذه المدينة يرتبط ارتباطا وثيقا بأسطورة قاعات آمونتي".
ما أسطورة قاعات آمونتي؟
وأعطى هذا الارتباط الذي حرص الفريق البحثي على ترديده قيمة تبدو أسطورية لاكتشافهم المزعوم، لدرجة أن ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي اعتبروه أهم اكتشاف في التاريخ الحديث، وشاركت عضوة الكونغرس الأميركية، آنا بولينا لونا، منشورا عنه على حسابها بمنصة إكس، مما زاد من انتشار الحديث عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وقاعات آمونتي أو قاعات الأمنت هي جزء من الأساطير المصرية القديمة المرتبطة بالعالم الآخر والحياة بعد الموت، وتعتبر رمزا لمكان خفي أو غامض تحت الأرض يُقال إنه يحتوي على أسرار وكنوز الحكمة والخلود.
وترتبط قاعات آمونتي في الأساطير المصرية بالمعبود "تحوت"، الذي كان يعتبر رمزا للحكمة والمعرفة والكتابة، وتُوصف هذه القاعات بأنها تحتوي على سجلات مهمة تضم أسرار الكون والمعرفة المفقودة، وأحيانا يتم الإشارة إليها باسم قاعات السجلات، ويُقال إنها تضم كتابات أو وثائق تاريخية وروحية تخفي أسرار الحضارات القديمة، بما في ذلك أسرار مصر القديمة نفسها.
ولم يتم العثور على أي دليل أثري حقيقي يثبت وجود هذه القاعات، مما يجعلها جزءا من الأساطير والتقاليد الروحية التي تحيط بالحضارة المصرية القديمة، وهذا ما أكسب الحديث عن الاكتشاف المزعوم انتشارا واسعا، لكنه لم يلبث أن اصطدم بالتدقيق العلمي في تفاصيله من جانب العلماء.
الموجات الصوتية الأداة الأفضل
ويقول البروفيسور لورنس كونييرز، أستاذ علم الآثار الجيوفيزيائي، والمتخصص في مجال رادار اختراق الأرض بجامعة كولورادو الأميركية في تصريحات للجزيرة نت، إن "موجات الرادار التي يزعم الباحثون استخدامها تنتقل إلى ما لا نهاية في الهواء أو الفضاء، ولكن بمجرد اصطدامها بالمواد الصلبة أو السائلة، فإنها تتباطأ وتضعف، وعادة ما يكون ذلك على أعماق ضحلة جدا في الأرض، ربما متر أو مترين، وفي حالات نادرة جدا، يمكن أن تصل إلى بضع عشرات من الأمتار، وليس 4 ألاف قدم، كما قال الباحثون".
وتابع: "لقد سمعت عن أطوال موجية طويلة جدا تصل إلى ما يقرب من 300 متر في رمل الكوارتز، ولكن هذا لم يستُخدم في هذا الكشف".
ولم يغلق كونييرز باب الاجتهاد في البحث عن الهياكل التي ادعى العلماء العثور عليها، مضيفا: "بالتأكيد، بنى الناس في جميع أنحاء العالم أهرامات أو تلالا ذات بنية مماثلة، وغالبا ما بنوها فوق أماكن خاصة، أو فوق شيء على الأرض كان مهما لهم، ففي المكسيك وأميركا الوسطى، بنوها فوق مداخل الكهوف، وفي أماكن أخرى، بنوها فوق أسطح هياكل قائمة بالفعل، لذا، هذا مرجح، ويمكن العثور عليها بالموجات الصوتية (وليس الرادار)".
ويتعجب من أن "الباحثين أصحاب الاكتشاف المزعوم قد جربوا استخدام تلك الموجات، ولا أعرف إلى أي النتائج قد توصلوا، لكن لسببٍ ما، تُركز دعايتهم الجديدة على الرادار، وهو أداة لا يمكن أن تساعد".
ملاحظات شكلية
ويتفق جمال العشيبي، باحث ما بعد الدكتوراه في مجال الأركيولوجيا بجامعة إكس-مرسيليا بفرنسا، مع ما ذهب إليه كونييرز من محدودية قدرات الأداة التي زعم الباحثون استخدامها. وقال للجزيرة نت إنه "بناء على المتاح من معلومات أعلنها الباحثون، فإن الادعاء باختراق أعماق تصل إلى 650 مترا أو 1200 متر عبر الرادار من الفضاء غير واقعي علميا، إذ إن رادارات النبضية الفضائية -مثل الرادار ذي الفتحة الصناعية- لها قدرة اختراق محدودة، لا تتجاوز عادة 5 إلى 40 مترا في الظروف المثالية (تربة جافة جدا، صخرية، غير موصلة). وفي الواقع العملي، فإنه في مناطق رطبة أو طينية (حجر جيري كارستي) مثل منطقة الأهرامات بالجيزة، تتقلص هذه القدرة إلى أقل من 10 أمتار".
وأوضح أنه "علاوة على ذلك، فإن هناك افتقارا للمعلومات التقنية الدقيقة، فمن غير المعروف نوع الرادار المستخدم (رادار النطاق إكس-باند) أو (رادار النطاق إل-باند)، وحتى خصائص التردد أو الطول الموجي، ولم يتم إعلان أي معلومات عن ظروف المعايرة ومعالجة البيانات ولا منهجية تقليل الضجيج وتفسير النتائج، وهذا الغموض يطرح مشكلة في الشفافية العلمية ويُضعف الثقة بصحة النتائج".
وأضاف أن "ما يزيد هذه الشكوك، علاوة على ما سبق، أن الدراسة لم تُنشر بعد في أي مجلة علمية تخضع لمراجعة الأقران، فما عُرض حتى الآن كان في مؤتمر صحفي فقط، وهو ما يفتقر إلى التحقق المستقل من صحة البيانات".
وإلى جانب هذه الملاحظات الشكلية، يرى العشيبي أن "هناك مبالغة في تفسير البيانات، حيث إن ربط الصور الجوفية بوجود مدينة تحت الأرض، أو قاعة السجلات الأسطورية، أو هياكل مضيئة ذات ذبذبات، يفتقر إلى الأساس العلمي، بالإضافة إلى أنه لا توجد إشارات ملموسة إلى فحوصات تكميلية (تنقيبات، أو عينات، أو اختبارات مغناطيسية أو زلزالية) ولا حتى تحليل جيولوجي يوضح إن كانت هذه الهياكل طبيعية أم اصطناعية، حيث إنه من المرجح أن تكون هذه الادعاءات متعلقة بأشكال الكارست الشائعة عادة في تكوينات الحجر الجيري مثل هضبة الجيزة بشكل طبيعي نتيجة تسرب مياه النيل وتآكل هذه الصخور بالتجوية الكيميائية".
أخطاء بالجملة
وتكررت الملاحظات نفسها التي أبداها العشيبي في تعليق جلين شينان، الباحث المتخصص في الاستشعار عن بعد بكلية العلوم والتكنولوجيا بمقاطعة نجاريغو جنوب شرق أستراليا، الذي قال للجزيرة نت إن "تحديد نوع الرادار مهم، إذ إن الرادار ذا الموجة الطويلة -مثل النطاق إل- يمكن أن يصل لأعماق كبيرة إلى حد ما، أما نطاق إكس، فهو طول موجي قصير، كما أن المتغير الرئيسي في عمق الاختراق هو محتوى الماء في المادة، لذلك في الظروف الجافة جدا قد يمتد الاختراق أكثر، ولكن، بالتأكيد ليس إلى العمق الذي يبدو أن هؤلاء المؤلفين يقترحونه".
وأضاف: "أما بالنسبة للدقة، فصور الرادار ذي الفتحة الصناعية (سار) معروفة بضجيجها، ولم أجد أي إشارة فيما هو معلن إلى أساليب المعالجة المسبقة مثل ترشيح البقع، ولا أعلم بوجود أي تجارب أخرى لتحديد الهياكل على هذا العمق، ولا أي مقالات أخرى تحدد الهياكل تحت السطحية على الإطلاق، ويبدو أن اكتشاف الأجسام تحت السطحية التي تختلف اختلافا جذريا عن الصخور والتربة المحيطة، مثل الألغام المضادة للدبابات، ممكن، ولكن فقط على عمق ضحل وبدون دقة ثلاثية الأبعاد".
واتفق شينان مع ما ذهب إليه البروفيسور كونييرز من أن الطريقة الوحيدة لتوثيق اكتشاف، مثل الذي أعلنه الباحثون هي الحفر، موضحا أنه "حتى الرادار المخترق للأرض (الذي يعمل من جهاز مثبت على الأرض، وليس في المدار) لن يكون قادرا على رصد الهياكل على هذا العمق الذي ذكره الباحثون".
صمت رسمي
ومن جانبها، لم تعلق وزارة الآثار المصرية على الاكتشاف المزعوم، غير أن عالم الآثار المصري الشهير الدكتور زاهي حواس انتقد بشدة ما ذهب إليه الباحثون، واصفا في تعليق كتبه على صفحته الرسمية بموقع فيسبوك بأن ما رددوه "ادعاءات لا أساس لها وتفتقر إلى أي دليل علمي".
وقال إنه "لا توجد أي بعثات تعمل في هرم خفرع الآن"، وشدد على أن المجلس الأعلى للآثار لم يمنح أي تصاريح للعمل داخل هرم الملك خفرع.
ولم يدعِ الباحثون أن اكتشافهم المزعوم جاء نتاج حفريات في المنطقة، بل إن خبيرا أثريا -طلب عدم نشر اسمه- قال للجزيرة نت: "يبدو أن الفريق البحثي تعمد الإثارة لدفع السلطات المصرية إلى منحهم موافقة للحفر في المنطقة، لا سيما أنهم أعلنوا في مؤتمرهم الصحفي أنهم يأملون مواصلة أبحاثهم من منطقة الأهرامات، ورددوا أن الحصول على الموافقة من السلطات للحفر في المنطقة أمر صعب للغاية".
(الجزيرة)
تابعو الأردن 24 على

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


خبرني
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- خبرني
انفجار شمسي نادر يسبب اضطرابا في الاتصالات
خبرني - في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 14 مايو/أيار، أطلقت الشمس توهجا شمسيا قويا من الفئة "X"، وهي أشد الفئات. وبحسب المركز الأمريكي للتنبؤ بالطقس الفضائي، فإن التوهج يأتي من منطقة جديدة ناشئة للبقع الشمسية تُعرف باسم "AR4087". بلغ هذا الانفجار ذروته في الساعة 4:25 صباحًا بتوقيت الساحل الشرقي الأمريكي (0825 بتوقيت غرينتش)، متسببا في انقطاع قوي لموجات الراديو عالية التردد من المستوى R3 على امتداد مناطق واسعة من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، والتي كانت آنذاك تواجه الشمس. ويُصنَّف هذا النوع من التوهجات الشمسية ضمن الفئة (X)، وهي الأعلى ضمن تصنيف علمي يبدأ من الفئة (A) ثم (B) و (C) و (M) وصولاً إلى (X)، حيث تمثل كل درجة زيادة بمقدار عشرة أضعاف في الطاقة، وقد تم تسجيل شدة هذا التوهج عند (X2.7)، وهو ما يجعله في الطرف الأدنى من الفئة الأعلى ، لكنه لا يزال نادر الحدوث. والانفجار الشمسي أطلق أشعة سينية وأشعة فوق بنفسجية شديدة باتجاه الأرض بسرعة الضوء، مما أدى إلى تأين مفاجئ للغلاف الجوي العلوي وحدوث اضطرابات في الاتصالات اللاسلكية، خاصةً لدى مشغلي الراديو في المناطق المتأثرة. وحتى الآن، لم يتم التأكد مما إذا كان هذا التوهج قد صاحبه انبعاث كتلي إكليلي، وهي سحب ضخمة من البلازما والمجال المغناطيسي الشمسي. وتُعرف هذه الانبعاثات بقدرتها على إثارة العواصف الجيومغناطيسية والشفق القطبي إذا ما اصطدمت بالمجال المغناطيسي للأرض. ومع أن المنطقة (AR4087 ) لا تزال على حافة قرص الشمس، فإن الأرض ليست حاليا في مرمى هذه الانبعاثات، ولكن هذا قد يتغير قريبا. والمنطقة الشمسية (AR4087) آخذة في الدوران نحو الأرض وقد أطلقت بالفعل عدة توهجات خلال الساعات الماضية، من بينها توهج من الفئة (M5.3)، وهو ما يشير إلى احتمالية تصاعد النشاط خلال الأيام القادمة. وقال فينسنت لدفينا، أحد متتبعي الشفق القطبي، في منشور على منصة إكس: "الأمور بدأت تصبح مثيرة، خصوصًا مع اقتراب هذه المنطقة النشطة من مواجهة الأرض مباشرة، لقد أطلقت المنطقة (AR) نفسها توهجًا من الفئة (M5.3) قبل ساعات قليلة، فما الذي تخبئه الأيام القادمة؟ سننتظر ونرى". وفي حال استمرار هذا النشاط خلال الأسبوع المقبل، فقد تتأثر الأرض بانفجارات شمسية أشد وطأة، مما يعزز فرص ظهور الشفق القطبي وربما حدوث اضطرابات مغناطيسية أوسع.


خبرني
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- خبرني
ما الذي يحدث عندما تعتقد أن الذكاء الاصطناعي يختلق أكاذيب عنك؟
خبرني - تخيل هذا المشهد: أنت في البيت مع عائلتك وفجأة يبدأ هاتفك بالرنين... أشخاص تعرفهم يحذرونك من شيء شاهدوه عنك على وسائل التواصل الاجتماعي. سوف ينتابك شعور غير جيد. في حالتي، كان ذلك لقطة شاشة (screenshot)، تم أخذها على ما يبدو من روبوت الدردشة الخاص بإيلون ماسك "غروك"، -لم أستطع التحقق منها- لكنها كانت تضعني في قائمة لأسوأ من ينشرون المعلومات المضللة على منصة إكس (تويتر سابقاً)، إلى جانب بعض من أكبر أصحاب نظريات المؤامرة في الولايات المتحدة. لم يكن لدي أي شيء مشترك معهم، وبصفتي صحفية، فإن تلك القائمة لم تكن قائمة العشرة التي أرغب أن أكون فيها. إمكانية الدخول إلى "غروك" غير متاحة في المملكة المتحدة، لذا طلبت من كل من "تشات جي بي تي"، و "بارد" من غوغل، أن يُعدا القائمة ذاتها، باستخدام الأمر نفسه. فرفض كلاهما الأمر، ورد "بارد" بالقول إنه سيكون "أمراً غير مسؤول" القيام بذلك. لقد كتبت الكثير من التقارير الصحفية عن الذكاء الصناعي والقوانين المنظمة له، وأحد أكبر الهموم ومصادر القلق لدى الناس هو كيفية مواكبة قوانيننا لهذه التكنولوجيا المتغيرة بسرعة والمزعجة للغاية. ويتفق خبراء من دول عدة على أن البشر يجب أن يكونوا قادرين طوال الوقت على تحدي أفعال الذكاء الاصطناعي، ومع مرور الوقت تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد على صنع محتوى يتحدث عنا وعلى اتخاذ قرارات أيضاً تتعلق بحياتنا. لا يوجد حتى الآن قانون رسمي في المملكة المتحدة ينظم عمل الذكاء الاصطناعي، لكن الحكومة تقول إن أي قضايا تتعلق بنشاطه يجب أن تطوى ضمن عمل الهيئات التنظيمية الحالية. قررت أن أحاول وضع الأمور في نصابها الصحيح. وكان أول اتصال لي مع منصة إكس، التي تجاهلتني، كما تفعل مع معظم الاستفسارات الإعلامية. ثم حاولت مع جهتين منظمتين في المملكة المتحدة. أول جهة كانت مكتب مفوض المعلومات وهو الهيئة الحكومية المكلفة بحماية البيانات، لكنه اقترح أن أتوجه إلى "أوفكوم"، التي تعمل على تطبيق قانون السلامة على الانترنت. وأبلغتني "أوفكوم" أن القائمة لا يغطيها القانون لأنها لا تعتبر نشاطاً إجرامياً. وقالت: "المحتوى غير القانوني... يعني أن المحتوى يجب أن يرقى إلى مستوى الجنحة الجنائية، وبالتالي فإنه لا يغطي الأخطاء المدنية كالتشهير. وسيتعين على الشخص أن يتبع الإجراءات المدنية لاتخاذ رد ما". وهذا يعني بشكل أساسي أنني بحاجة إلى محامي. هنالك عدد من القضايا القانونية المرفوعة حالياً أمام القضاء حول العالم، ولكن ليس هناك سابقة حتى الآن. ففي الولايات المتحدة، رفع مذيع في محطة إذاعية يُدعى مارك وولترز دعوى قضائية على الجهة المنشئة لـ "تشات جي بي تي" وهي "أوبن إيه آي"، بعد أن ذكر روبوت الدردشة على نحو خاطئ بأنه احتال على مؤسسة خيرية. وهدد عمدة إحدى المدن في استراليا بفعل الشيء نفسه بعد أن قال روبوت الدردشة نفسه بغير وجه حق إنه ثبتت إدانته بتلقي الرشوة. لكنه في الحقيقة كان أحد المبلغين عن الرشوة، ويبدو أن الذكاء الاصطناعي ربط بين النقاط الخطأ في المعلومات الموجودة عنه. وقد انتهت القضية بتسوية بين الطرفين. تواصلت مع محاميتين لديهما خبرة في الذكاء الاصطناعي، الأولى لم تعطني مجالا للخوض في الموضوع. والثانية أخبرتني أنني في "منطقة غير مواتية" في إنجلترا وويلز، مؤكدة أن ما حدث معي من الممكن اعتباره تشهيراً، لأنه تم التعريف بهويتي، وتم نشر القائمة. لكنها قالت أيضاً إن المسؤولية تقع على عاتقي لإثبات أن المحتوى ضار. وفكرة قيامي بإثبات أنني صحفية متهمة بنشر المعلومات المضللة كانت خبرا سيئا بالنسبة لي. لا أعلم كيف انتهى بي الأمر أن أكون على تلك القائمة، أو من رآها بالتحديد. وكان من المحبط جداً أنني لم أستطع الوصول إلى "غروك "بنفسي. إن روبوتات الدردشة الخاصة بالذكاء الاصطناعي معروفة بأنها "تهلوس"، وهو التعبير الذي تستخدمه شركات التكنولوجيا العملاقة لاختلاق الأشياء. وحتى الجهات المنشئة لها لا تعرف السبب وراء ذلك. وهي تحمل إخلاء للمسؤولية يقول إن انتاجهم قد لا يكون محل ثقة، وإنك قد لا تحصل بالضرورة على نفس الإجابة مرتين. التطور النهائي في المؤامرة تحدثت إلى زملائي في وحدة التحقق من صحة المعلومات في بي بي سي، وهو فريق من الصحفيين يقوم بالتحقق من صحة المعلومات والمصادر. فقاموا ببعض التحقيق، وهم يعتقدون أن لقطة الشاشة (Screenshot) التي اتهمتني بنشر المعلومات المضللة وأطلقت كل هذه الحكاية ربما كانت مزورة في المقام الأول. وأنا أدرك المفارقة التي حصلت في الموضوع. لكن خبرتي فتحت أعيني على واحد فقط من التحديات الكامنة أمامنا مع لعب الذكاء الاصطناعي دوراً قوياً بشكل متزايد في حياتنا. إن المهمة الماثلة أمام الجهات المنظمة للذكاء الاصطناعي هي التأكد بشكل دائم من وجود طريقة مباشرة تمكن البشر من تحدي الكمبيوتر. وإذا كان الذكاء الاصطناعي يكذب في الحديث عنك- فمن أين تبدأ؟ ظننت أنني أعرف الجواب، لكن مع ذلك كان الطريق صعباً.


جو 24
١٠-٠٥-٢٠٢٥
- جو 24
علماء يابانيون يحولون أعضاء الجسد البشري إلى حاسوب
جو 24 : في وقت تزداد فيه سيطرة التكنولوجيا على كل جوانب حياتنا ووجود الأجهزة حولنا طوال الوقت، قد يبدو غريبا أن يتجه العلم لاستخدام الجسم البشري نفسه كأداة للحوسبة. لكن دراسة حديثة من جامعة أوساكا اليابانية منشورة في دورية "آي تريبل إي أكسيس" العلمية تقلب الموازين وتطرح السؤال الصعب، ماذا لو كانت العضلات قادرة على التفكير؟ وماذا لو استطعنا استخدام أجسامنا لأداء الحسابات؟ طرح يو كوباياشي، المؤلف الرئيسي والوحيد في الدراسة، فكرة ثورية ضمن ما يُعرف باسم "الحوسبة بخزانات الأنسجة البيولوجية". يستخدم في هذا النهج الأنسجة الرخوة داخل الجسم البشري، وبشكل خاص العضلات، كبيئة حيوية لمعالجة المعلومات، تشبه في عملها طريقة عمل نماذج تعلم الآلة المعروفة باسم الشبكات العصبية. وتقول مي مبروك، أستاذة المعلوماتية الحيوية الطبية بجامعة النيل الأهلية المصرية، وغير المشاركة في الدراسة، في تصريحات حصرية للجزيرة نت: "نحن لا نتحدث عن حاسوب داخل الجسم، بل عن جسم يتحول نفسه إلى حاسوب. فمن الممكن أن تتفوق الحوسبة عبر العضلات في بعض المجالات، خصوصا في الأمور التي تتعلق بالجسم البشري أو التي تحتاج إلى استجابة طبيعية وسريعة". عضلات تفكر الحوسبة بالخزّانات هي طريقة ذكية لمعالجة المعلومات، تقوم على مبدأ بسيط، بدلا من تصميم نظام يفهم البيانات خطوة بخطوة، نمرر البيانات من خلال "خزّان" مُعقد، مثل شبكة من العقد المتصلة عشوائيا. ويتفاعل هذا الخزان مع البيانات ويحفظ آثارا من الماضي، ثم يأتي دور طبقة بسيطة تُسمى "القراءة" لاستخراج النتيجة المطلوبة. وتشرح مبروك: "العضلة ليست مجرد لحم، إنها عقل صغير! ففي هذه الدراسة، استخدم الباحثون عضلات اليد كأنها عقل صغير يقوم بعمليات حسابية. فعندما يحرك الإنسان يده، تتحرك العضلات بطريقة معقدة، وتُضغَط وتتمدد" وتضيف "هذه الحركات الدقيقة تمثل 'لغة العضلة' التي تُستخدم لمعالجة معلومات، وكأن العضلة تُفكّر من خلال حركتها!". الحوسبة بالخزانات الفيزيائية تستخدم جسما فيزيائيا بدلا من شبكة إلكترونية، فيستقبل الجسم الإشارة ويتفاعل معها بطرق معقدة، مثل تفاعل سطح الماء بالتموجات عند رمي حجر فيه. هذه التفاعلات تعالج البيانات بطريقة طبيعية، ثم تُقرأ النتائج باستخدام أدوات بسيطة. والفرق أن الخزان هنا ليس جزءا من برنامج حاسوبي، بل مادة أو جسم يتحرك ويستجيب فيزيائيا. المعالج التقليدي أم العضلة؟ تستخدم أجهزة الحاسوب العادية أشياء مثل الأسلاك والرقائق لمعالجة المعلومات. ففي الدراسة، جرّب العلماء شيئا جديدا، حيث استخدموا أنسجة عضلية حقيقية (من خلايا حية) بدلا من الأسلاك والرقائق. لماذا؟ تتفاعل أنسجة العضلات بشكل طبيعي مع الإشارات (مثل النبضات الكهربائية أو المواد الكيميائية)، ويمكن استخدام هذه التفاعلات لإجراء "حسابات" بسيطة، تماما مثل جهاز حاسوب عادي. فمثلا يمكن أن يرسل العلماء إشارات كهربائية دقيقة إلى العضلة، ثم يقيسون رد فعل العضلة (كيف تنقبض أو تتغير)، ويمكن أن يمثل هذا التفاعل إجابات (مثل "نعم" أو "لا"، أو أرقاما). وفي التجارب الحقيقية التي قام بها كوباياشي كان الأمر أكثر تعقيدا، حيث طلب من المشاركين تحريك معصمهم بزوايا مختلفة (20°، 40°، 60°). أثناء ذلك، استخدم جهاز موجات فوق صوتية، مثل السونار المستخدم في الكشف عن الأجنة، لتصوير العضلات أثناء الحركة، ثم استخرج الباحث ألف نقطة حركة مميزة من الصور باستخدام تقنيات رؤية حاسوبية متطورة. وكل صورة عضلية أنتجت ما يُعرف باسم "مجال التشوه"، وهو الوضع المكاني للنقاط المميزة في لحظة معينة. هذا يشبه ما تفعله بعض الطبقات في الشبكات العصبية الحاسوبية ضمن نماذج تعلم الآلة، إذ تحول الإشارة إلى فضاء عالي الأبعاد. تخيل أنك ترمي كرة مطاطية في غرفة مليئة بالجدران المائلة والوسائد، سترتد الكرة كل مرة بطريقة مختلفة حسب قوة الرمية واتجاهها. هنا، لم تحسب الجدران أي شيء، لكنها حوّلت الإشارة بطريقة مفيدة، وهذا هو "الحساب غير المباشر" الذي اعتمدت عليه هذه الطريقة. وتوضح مبروك: "ربما تتفوق الحواسيب التقليدية في السرعة والدقة، لكنها لا تملك ما تملكه عضلاتنا من المرونة، والذاكرة القصيرة، والاستجابة الطبيعية للبيئة. الدراسة أثبتت أن العضلة يمكنها محاكاة نماذج رياضية معقدة وتقديم نتائج أدق من الطرق التقليدية في بعض الحالات". الإنسان الآلة واحدة من أهم نتائج الدراسة أن الأنسجة الرخوة موجودة في جميع أنحاء الجسم، وهذا يعني إمكانية بناء أنظمة حوسبة "موزعة" داخل الجسد. ويمكن لتلك الأجهزة أن تستفيد من الجسد نفسه كمورد حسابي، بدلا من تحميل الأجهزة الذكية بكميات ضخمة من الشرائح والمعالجات. لقد أصبح جسدك، دون أي جهاز إضافي، قادر على تحليل إشارات معقدة، ويتحكم في أجهزة طبية فقط من خلال حركته الطبيعية. يوضح كوباياشي في دراسته أن استخدام هذه الفكرة قد يحسّن من أداء الأجهزة القابلة للارتداء، مثل الساعات الذكية أو الأجهزة الطبية التي تراقب الحالات الصحية، دون الحاجة لمعالجات ضخمة. لكن العضلات ليست ثابتة، فهي تتحرك بحرية، تتمدد وتنقبض، وتتغير اتجاهاتها، مما يجعل تتبع النقطة نفسها بدقة عالية على مدى عدة ثوانٍ أمرا صعبا تقنيا، فأي انزياح بسيط أو ضياع لنقطة مميزة داخل العضلة قد يُفسد سلسلة البيانات المطلوبة للحوسبة. كذلك، تختلف عضلات كل إنسان عن الآخر، فسُمك العضلة، ودرجة الليونة أو الصلابة، وشكل الألياف العضلية واتجاهها، وكمية الدهون تحت الجلد، قد تختلف من شخص لآخر. وبالتالي، فإن الوصول إلى مرحلة دمج هذه التقنية في أجهزة قابلة للارتداء يتطلب حلولا هندسية دقيقة تحترم طبيعة الجسم البشري وتضمن سلامته، بحسب مبروك. وعند الوصول إلى هذا الحد من الدمج بين الجسم والتكنولوجيا، تقول مبروك: "من يملك البيانات التي تُولدها عضلاتنا؟ وهل يمكن التحكم في أجسامنا عن بُعد يومًا ما؟ مثل هذه الأسئلة الأخلاقية تزداد أهمية كلما اقتربنا من الدمج بين الإنسان والتكنولوجيا. عندما نبدأ باستخدام أجزاء من جسم الإنسان، مثل العضلات، للقيام بعمليات حسابية، قد يصبح من الصعب التفرقة بين ما هو بشري وما هو آلي". هذه المخاوف لم تعد مجرد افتراضات بعيدة ورفاهية فكرية، بل قد تصبح قضايا فعلية في المستقبل القريب، مع تطور الذكاء الهجين الذي يمزج بين الإنسان والآلة. المصدر : مواقع إلكترونية تابعو الأردن 24 على