العلم الأردني .. راية السيادة وعنوان الهوية
يحتفل الأردنيون في السادس عشر من نيسان من كل عام بـ "يوم العلم الأردني"، وهو مناسبة وطنية تجسد الانتماء والولاء للراية التي توحد القلوب قبل الجغرافيا، وتمثل رمز السيادة والاستقلال والكرامة الوطنية.
"في عام 2021، وبالتزامن مع احتفالات المملكة بمئوية تأسيس الدولة الأردنية، أقرّ مجلس الوزراء اعتماد السادس عشر من نيسان يومًا رسميًا لـ"يوم العلم الأردني"، ليُضاف إلى قائمة المناسبات الوطنية التي تعزز الهوية الأردنية الجامعة. ومنذ ذلك الحين، يحيي الأردنيون هذه المناسبة سنويًا بكل فخر واعتزاز، تجديدًا للولاء والانتماء، وتأكيدًا على أن هذا العلم لم يكن يومًا مجرد قطعة قماش تُرفع، بل هو راية خُطّت بتضحيات الشهداء، وارتفعت على جباه الأحرار، ورافقت مسيرة الوطن في ميادين البناء والتعليم والعلم.
يُعد العلم الأردني رمزًا لسيادة المملكة الأردنية الهاشمية، وتجسيدًا لهويتها الوطنية وتاريخها العريق. يتكوّن العلم من ثلاثة أشرطة أفقية متساوية الألوان: الأسود والأبيض والأخضر، تعلوها من الجهة اليسرى قُطبة مثلث أحمر يحتوي على نجمة سباعية بيضاء. وقد استُلهمت هذه الألوان من رايات الثورة العربية الكبرى؛ فالأسود يرمز إلى الدولة العباسية، والأبيض إلى الدولة الأموية، والأخضر إلى الدولة الفاطمية، بينما يرمز المثلث الأحمر إلى الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين بن علي.
أما النجمة البيضاء ذات السبعة رؤوس، فتمثل السبع المثاني في القرآن الكريم، وتحمل في طياتها دلالات الوحدة والحرية والأمل. يعكس العلم الأردني عمق التاريخ الوطني، ويجسّد طموحات الشعب نحو مستقبل مشرق، معززًا بذلك مشاعر الانتماء والاعتزاز الوطني لدى جميع الأردنيين. إنه علم يحمل رسالة، ويُجسّد وحدة الأمة، ويذكر الأجيال بأنهم جزء من مسيرة حضارية وثقافية تستمد جذورها من التاريخ وتطلّ إلى المستقبل.
وتشهدت اليوم محافظات المملكة كافة فعاليات وطنية احتفالية بهذه المناسبة، تنوعت بين رفع العلم على المباني الحكومية والمدارس والجامعات، وتنظيم مسيرات كشفية، وفقرات فنية وثقافية تؤكد على معاني الولاء والانتماء. وقد عبر المواطنون من مختلف الأعمار عن فخرهم بهذه المناسبة، مؤكدين أن العلم الأردني هو عنوان العزّة والمستقبل. في وقت تعصف فيه بالمنطقة تحديات كثيرة، يبقى العلم الأردني مظلة جامعة لكل الأردنيين، يجمع أبناء الوطن على اختلاف أصولهم ومنابتهم، ويعكس روح الدولة الأردنية التي قامت على مبادئ الثورة والعدل والحرية.
رسالة إلى الأجيال
في يوم العلم، تتجدد العزائم وتعلو الهامات، ويُجدد الأردنيون عهد الوفاء لوطنهم وقيادتهم. إنها مناسبة لا للاحتفال فقط، بل للتأمل في ما تحقق، والاستعداد لما هو آت، تحت قيادة وراية واحدة، وعَلَمٍ واحد... هو علم الأردن.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


صراحة نيوز
منذ 3 ساعات
- صراحة نيوز
علم الأردن… رمزية الألوان ودلالات الهوية الوطنية
صراحة نيوز ـ يُعد علم المملكة الأردنية الهاشمية من أبرز الرموز الوطنية التي تجسد التاريخ، والهوية، والنضال العربي. يتكون العلم من ثلاثة مستطيلات أفقية متساوية، تُمثل الألوان: الأسود، والأبيض، والأخضر، ويقطعها مثلث أحمر من جهة السارية، يحمل في وسطه نجمة بيضاء سباعية. الألوان ومعانيها: الأسود: يُمثل راية الدولة العباسية، ويعبّر عن قوة الدولة الإسلامية في عهدها. الأبيض: يرمز إلى الدولة الأموية، ودلالة على النقاء والسلام. الأخضر: يُجسد راية الدولة الفاطمية، ويرتبط أيضاً بالخير والخصوبة. الأحمر: لون المثلث، وهو لون راية الثورة العربية الكبرى، التي انطلقت عام 1916 ضد الحكم العثماني، ويعبّر عن التضحيات والدماء الزكية في سبيل الحرية. النجمة السباعية: تقع في قلب المثلث الأحمر، وهي نجمة بيضاء بسبعة رؤوس، ترمز إلى السبع المثاني في القرآن الكريم، وتعبّر عن الوحدة، والهدف المشترك، ومبادئ الثورة العربية الكبرى. علم الأردن ليس مجرد قطعة قماش ترفرف في السماء، بل يحمل في طياته تاريخاً من الكفاح والكرامة، ويُجسد وحدة الشعب الأردني تحت قيادة هاشمية، بقيت دوماً نصيرة للحق العربي وقيم العدالة والحرية.

عمون
منذ يوم واحد
- عمون
عيد الاستقلال: سيادة راسخة وجيش يُفاخر به الوطن
في الخامس والعشرين من أيّار من كل عام، يحتفل الأردنيون بذكرى الاستقلال المجيد، ذلك اليوم الخالد في الوجدان الوطني، الذي شهد ميلاد الدولة الأردنية الحديثة عام 1946، تحت راية الهاشميين الأبرار، وفي ظلّ قيادة حكيمة أرست دعائم السيادة والقرار الوطني الحر. إنه يومٌ تتجلّى فيه معاني العزّة والكرامة، ويزهو فيه الوطن بمنجزاته التي تحققت بسواعد أبنائه ودماء شهدائه وتضحيات رجالاته الأوائل الذين سطّروا بمداد المجد صفحة مشرقة في سجل التاريخ. ذكرى الاستقلال ليست مجرد محطة زمنية نحتفي بها، بل هي رمز لنهجٍ متجددٍ في البناء والتقدم، واستذكار لمسيرة نضال وطني حافلة بالبطولات، استلهم فيها الأردنيون قيم الثورة العربية الكبرى، وواصلوا السير على نهجها بقيادة الهاشميين الذين حملوا لواء الأمة، فكان الأردن صوتًا للحق، وواحة أمن واستقرار، ومنارة للوسطية والاعتدال. وفي هذا اليوم الأغر، تتوحد مشاعر الانتماء والفخر، ويجدد الأردنيون عهد الولاء للوطن وقيادته الهاشمية المظفرة، مستلهمين من ذكرى الاستقلال العزم لمواصلة مسيرة الإنجاز، وتحقيق المزيد من التقدم في ظل راية العز والمجد، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه. لقد بدأت رحلة الاستقلال منذ أن وطئت أقدام الأمير عبدالله بن الحسين، طيب الله ثراه، أرض معان الطاهرة في عام 1920، في مشهد مهيب استقبله فيه الأردنيون بقلوب تنبض بالأمل، وترحيب شعبي عارم جسّد توقهم العميق لقيام كيان وطني حر مستقل، يُعبّر عن إرادتهم ويصون كرامتهم. ومع تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921، انطلقت مسيرة البناء الوطني على قواعد راسخة من الانتماء والعدالة والمساواة، حيث شرعت الدولة الناشئة بتشييد مؤسساتها المدنية والعسكرية، في إطار مشروع نهضوي يقوده الهاشميون بعزم لا يعرف الوهن، وإرادة صلبة واجهت التحديات الداخلية والإقليمية بثبات وإيمان. وتُوّجت تلك المسيرة المجيدة في الخامس والعشرين من أيّار عام 1946، بإعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية، وتتويج الأمير عبدالله بن الحسين ملكًا دستوريًا عليها، إيذانًا بميلاد الدولة الأردنية الحديثة، التي انطلقت بثقة نحو المستقبل، حاملةً رسالة الأمة، ومتمسكة بثوابتها، وراسخة في وجدان أبنائها عنوانًا للفخر والكرامة والسيادة الوطنية. ومنذ نشأة الدولة، كان الجيش العربي الأردني العنوان الأبهى للبطولة والفداء، والسياج المنيع الذي حمى السيادة الوطنية وصان الكرامة القومية. جيش العقيدة والرسالة، الذي تأسس على مبادئ الثورة العربية الكبرى، حمل لواء العز ووقف بشجاعة نادرة في ميادين الحق، فكتب صفحات مشرقة من المجد والإباء. وفي حرب عام 1948، تجلّى هذا المجد حين وقف الجيش الأردني، وحيدًا في وجه العدوان، مدافعًا عن القدس ومقدساتها، مسطرًا أروع البطولات في مواقع خالدة كباب الواد واللطرون، حيث امتزج دم الجند الأردني الطاهر بتراب الأرض المقدسة، لتظلّ القدس عربية الهوى والهوية. وكان قرار تعريب قيادة الجيش العربي عام 1956، الذي اتخذه المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال، طيّب الله ثراه، محطة مفصلية في تاريخ السيادة الوطنية، أنهى بها كل مظاهر التبعية، وأعلن من خلالها أن القرار الأردني بات حرًّا مستقلًا، وأن الجيش الأردني لن يكون إلا لأمته ووطنه، قائدًا ومسؤولًا، وشريكًا أصيلًا في مسيرة العزة والبناء. وتُعد معركة الكرامة الخالدة في الحادي والعشرين من آذار عام 1968، محطة ناصعة في سجل المجد والفخار للجيش العربي الأردني، وعنوانًا للفداء الذي لا يلين، حيث سطّر جنودنا الأبطال ملحمة بطولية ستظل محفورة في ذاكرة الوطن والأمة. فقد قدّموا فيها درسًا خالدًا في التضحية والثبات، وقفوا فيه كالطود الأشم في وجه الغطرسة الإسرائيلية، وأذاقوا العدو طعم الهزيمة والانكسار، في أول انتصار عربي حقيقي بعد نكسة حزيران. في الكرامة، استُعيدت كرامة الأمة، وتبددت ظلال اليأس، وعادت الثقة بالقدرة على المواجهة والانتصار. كانت معركة الكرامة شهادة حية على أن الأردن، بقيادته الهاشمية وجيشه العربي الباسل، ليس ساحة عبور أو ممرًا لأجندات الآخرين، بل رقم صعب في معادلات الإقليم، وركن راسخ من أركان الأمن والاستقرار في المنطقة. لقد برهنت الكرامة أن السيادة لا تُوهب، وأن الكرامة تُنتزع، وأن هذا الوطن لا ينكسر ما دامت إرادة أبنائه صلبة، وقيادته ثابتة، وجيشه الباسل قابض على الزناد دفاعًا عن الأرض والهوية والمصير. لقد مضى الأردنيون، جيلاً بعد جيل، على عهد الوفاء الصادق للعرش الهاشمي، في مسيرةٍ راسخة الجذور، متينة الروابط، ضاربة في عمق الانتماء والإخلاص. وكما آزَر الأجدادُ الملكَ المؤسس عبدالله الأول، طيب الله ثراه، في تأسيس الدولة، واصطف الآباء خلف الحسين الباني، رحمه الله، في ترسيخ أركانها، فإن أبناء هذا الجيل، بوعيهم وولائهم، يواصلون المسير خلف راية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، مستلهمين من قيادته الحكيمة رؤى المستقبل وعزيمة التغيير. ففي عهد جلالته، دخل الأردن مرحلة جديدة من التحديث الشامل، سياسيًا واقتصاديًا وإداريًا، مرحلة أعاد فيها جلالته رسم ملامح الدولة العصرية، القائمة على سيادة القانون، وتكافؤ الفرص، والانفتاح على العالم، وتمكين الإنسان الأردني ليكون شريكًا فاعلًا في بناء الوطن وصناعة قراره. لقد كان نهج جلالة الملك في الإصلاح والتحديث ترجمة حية لطموحات الأردنيين، وتأكيدًا على أن الأردن ماضٍ في تطوره بثقة وثبات، متسلّحًا بإرثٍ هاشميّ عريق، وإرادة شعب لا تلين، وإيمان راسخ بأن المستقبل يُصنع بالإرادة والعمل والولاء لتراب هذا الوطن وقيادته المظفّرة. وقد شهدت القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي، منذ أن تسلّم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله ورعاه، سلطاته الدستورية عام 1999، نقلة نوعية شاملة في مجالات الاحتراف والتأهيل والتسليح، فارتقت إلى مصاف الجيوش المتقدمة، مدعومة برؤية ملكية ثاقبة تُعلي من شأن الكفاءة والانضباط، وتُكرّس عقيدة عسكرية راسخة في الدفاع عن الوطن والذود عن قضايا الأمة. وتوازى هذا التطور مع حضور أردني مشرف على الساحة الدولية من خلال المشاركة الفاعلة في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، حيث شكّل الجنود الأردنيون نموذجًا مشرقًا في الالتزام بالشرعية الدولية واحترام حقوق الإنسان، ما عزّز من مكانة الأردن بين الأمم، وكرّس صورته دولة راعية للأمن والاستقرار العالميين. وفي عيد الاستقلال التاسع والسبعين، يكتسي الوطن حلة الفرح والعزّ، وتتزين المدن الأردنية بالأعلام الزاهية والأنوار المضيئة، في مشهد وطني بهيج يعبّر عن اعتزاز الأردنيين بتاريخهم، ووفائهم لراية الاستقلال الخفّاقة. وتُقام بهذه المناسبة الغالية احتفالات رسمية وشعبية تعكس روح الانتماء، ويُشهد فيها على عروض عسكرية وجوية مهيبة، تُجسّد ما بلغه الجيش العربي من احترافية واقتدار، وما ترسّخ من قوة ومنعة في سبيل حماية الوطن وصون إنجازاته. وفي ساحات الوطن ومسارحه، تنبض الفعاليات الثقافية والفنية بألوان التعدد والتكامل، لتُعبّر عن هوية أردنية جامعة، وعن تلاحم شعبي أصيل يجمع أبناء الوطن تحت راية واحدة، قيادة هاشمية حكيمة، ووطن لا تنكسر عزيمته، ولا تلين إرادته. إنه عيد الاستقلال، يومٌ يحتفل فيه الأردنيون بمجدهم، ويجددون فيه عهد الولاء والانتماء، مؤكدين أن مسيرة الوطن ماضية إلى الأمام، بالعزم ذاته الذي خطّه الآباء، وبالإصرار ذاته الذي يُجسّده الأبناء، نحو مستقبل أكثر إشراقًا وأملاً، في ظل القيادة الهاشمية الرشيدة. إن عيد الاستقلال ليس مجرّد مناسبة وطنية نمرّ بها كل عام، بل هو محطة وعيٍ متجددة، نستلهم منها معاني الانتماء الحقيقي، ونُجدّد من خلالها العهد مع الأردن: أرضًا وهوية، قيادةً وشعبًا. هو التزام راسخ بمواصلة مسيرة الإصلاح والبناء، وموقف وجداني يؤكّد أن الأوطان العظيمة لا تُشيَّد إلا بتضحيات المخلصين، ولا تُصان إلا حين تتكاتف القيادة مع الشعب، وتتآزر العزائم خلف راية واحدة. وفي عيد الاستقلال، نستحضر أن الإنجاز لا يكون إلا برؤية واضحة، وأن الاستمرار في البناء يتطلب مؤسسات فاعلة تستلهم توجّهاتها من قيادة هاشمية شجاعة، راهنت دومًا على الإنسان الأردني، واعتبرته المحور والأساس في مشروع الدولة الحديثة. فبرعاية جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، حفظه الله، تمضي الدولة نحو المستقبل بثقة، مؤمنة بأن التقدم ليس صدفة، بل ثمرة وعيٍ وإرادةٍ وعملٍ جماعي يؤمن بأن الأردن، كما وُلد حرًّا، سيبقى شامخًا وعصيًّا على الانكسار. إنه عيد الاستقلال... عيدُ الإرادة الصلبة، والوحدة المتينة، والعمل الدؤوب من أجل أردن يليق بتاريخه، ويتّسق مع طموحات أبنائه، ويظل دومًا في طليعة الأمم حريةً وكرامة. كل عامٍ والأردن بخير… سيادة راسخة، وقيادة ملهمة، وشعب وفيّ، وجيش نذر نفسه ليكون درع الوطن وسيفه.


أخبارنا
منذ 2 أيام
- أخبارنا
لارا سامي خمش : الوقف: مشروعيته في الإسلام
أخبارنا : يُعد الوقف إحدى الركائز الحضارية العميقة في البناء الاجتماعي والاقتصادي للأمة الإسلامية، إذ لا يقتصر على كونه آلية للتكافل أو نظامًا خيريًا تقليديًا، بل يُعبّر عن منظومة متكاملة من القيم المستندة إلى مبادئ العطاء الإنساني المستدام. يقوم الوقف على حبس الأصل وتخصيص منفعته في سبيل الله، وهو ما يجعله شكلاً فريدًا من أشكال الملكية العامة الدائمة التي لا تخضع للبيع أو الهبة أو الإرث، وإنما تُخصص لخدمة المنافع العامة بصورة مستمرة. وهذا يعني إن مفهوم الوقف في الإسلام لا يمكن اختزاله في البعد الخيري فحسب، بل يُعد تعبيرًا عن فلسفة اجتماعية واقتصادية تعكس الرؤية الإسلامية للعدالة التوزيعية والمسؤولية الجماعية. ويتميّز الوقف بأنه يتجاوز حدود الزمان والمكان، لكونه نظامًا دائمًا تُنقل ملكيته من الفرد إلى المجتمع، ويُستثمر ريعه في تلبية حاجات إنسانية متنوعة كالتعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية، مما يُسهم في بناء مجتمع متماسك ومستدام. وقد مثّل الوقف أحد أعمدة الحضارة الإسلامية، حيث تجلّت من خلاله القدرة الفريدة للإسلام على تحويل المبادئ الأخلاقية إلى مؤسسات عملية ذات أثر مستمر. ولهذا فقد عرّفه الفقهاء، في المذهب الحنفي، بأنه «نزع ملكية المال من يد مالكه وتخصيصه لله تعالى، على نحو يجعل منافعه دائمة ومستمرة لصالح البشرية»، مما يعكس عمق البُعد الاجتماعي والروحي لهذه المؤسسة. ويتضح من هذا التعريف أن الوقف لا يُنظر إليه كفعل فردي عابر، بل كمؤسسة ذات طبيعة قانونية واجتماعية مركبة، ترتكز على إخراج المال من حيازة المالك إلى حيازة جماعية مشروطة لا يملك أحد التصرف فيها إلا بما يوافق شرط الواقف. وتُبرز هذه الرؤية الفقهية للوقف عنصرين جوهريين: الاستدامة، من خلال حبس الأصل، والتخصيص، من خلال توجيه العائد إلى مصارف مشروعة. وهذا التوازن بين الحفاظ على رأس المال وتحقيق المنفعة ينسجم مع مقاصد الشريعة في تعظيم النفع ودفع الضرر، ما يجعل الوقف إحدى الأدوات التشريعية التي جمعت بين التعبد والمصلحة العامة. ثلاثة مرتكزات لمشروعية الوقف أولًا: القرآن الكريم رغم أن لفظ «الوقف» لم يرد صراحة في القرآن الكريم، إلا أن جوهره ومقاصده حاضرة بجلاء في عدد كبير من الآيات التي تحث على الإنفاق في سبيل الله، وتدعو إلى البذل والعطاء، ومنها قوله تعالى: لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ آل عمران: 92 وقوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ البقرة: 261 وتشير هذه الآيات إلى تأصيل مبدأ البذل من أجود ما يملك الإنسان، وهو ما يتجلى بوضوح في الوقف الذي يشترط غالبًا أن يكون من أطيب الأموال وأغلاها قيمة. وتؤكد الآيات كذلك على الطابع المضاعف للثواب الناتج عن الإنفاق في سبيل الله، مما يدفع الإنسان المسلم إلى اعتماد الوقف كأداة دائمة لتحقيق هذا الأجر المضاعف. وبالرغم من عدم التصريح باللفظ، إلا أن التوجيه القرآني نحو «الإنفاق المستمر» و»العطاء النافع» يمثل أرضية تشريعية صلبة لمشروعية الوقف بوصفه أحد أشكال الصدقة الجارية التي تخدم المجتمع وتُبقي العمل الصالح ممتدًا إلى ما بعد وفاة صاحبه. ثانيًا: السنة النبوية أكدت السنة النبوية على مشروعية الوقف من خلال التطبيق العملي والتشجيع عليه، إذ كان النبي محمد ? أول من أوقف أرضًا لبناء مسجد قباء، وغرس بذلك النموذج الأول لمفهوم «حبس الأصل وتسبيل المنفعة». ويُستدل من الحديث الشريف: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له» أن الصدقة الجارية – والتي فسرها العلماء بأنها الوقف – تُعد من الأعمال المستدامة التي تبقى آثارها بعد الوفاة. وتُظهر هذه السنة الفعلية والتقريرية بوضوح كيف أن الوقف يُعد من الأدوات الشرعية التي تحفظ استمرارية الخير في المجتمع. تعكس السنة النبوية في هذا السياق الطابع العملي والتطبيقي للتشريع الإسلامي، حيث لا يكتفي بتقديم المبادئ المجردة، بل يقرنها بنماذج تطبيقية فعلية. فمبادرة النبي ? إلى إنشاء الوقف وتوجيه الصحابة إليه - كما فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في وقفه لأرض خيبر - تؤكد على تأصيل هذا النظام في التجربة الإسلامية الأولى. كما أن الحديث الشريف يضع الوقف في صدارة الأعمال الصالحة التي يستمر نفعها بعد وفاة الإنسان، مما يمنحه بُعدًا أخرويًا إضافة إلى نفعه الدنيوي، ويُكرّس لمفهوم «الاستدامة في الأجر» من خلال الاستدامة في الأثر المجتمعي. ثالثًا: الاجتهاد الفقهي أسهم الفقهاء عبر العصور في بناء منظومة الوقف من خلال اجتهادات مستندة إلى النصوص العامة للكتاب والسنة، بالإضافة إلى القواعد الفقهية الكبرى مثل قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». ورغم اختلاف التفاصيل الفقهية بين المذاهب، إلا أن هناك إجماعًا على أن مشروعية الوقف تتطلب النية الصادقة لوجه الله، وأن تُوجه منافعه إلى أهداف مشروعة تعود بالنفع العام. هذه الاجتهادات أثبتت قدرة الفقه الإسلامي على تطوير أدوات تنظيمية فعالة تحقّق المقاصد العليا للشريعة في مجالات العدالة والتكافل والاستدامة. تميز الفقه الإسلامي بمرونته في التعاطي مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، وقد ظهر ذلك جليًا في تطور أحكام الوقف. فمن خلال قاعدة «شرط الواقف كنص الشارع» أُعطي الواقف سلطة كبيرة في توجيه ريعه بما يحقق غايات متعددة. كما أن تنوع الأوقاف تاريخيًا – من أوقاف العلم والصحة إلى أوقاف الحيوانات والعابرين – يدل على اتساع دائرة المصالح المعتبرة شرعًا التي يمكن للوقف أن يخدمها. إن تضافر النصوص مع الاجتهاد الفقهي يؤسس لشرعية الوقف ضمن بنية متكاملة من مقاصد الشريعة التي توازن بين حقوق الفرد والصالح العام. الوقف: عبادة اختيارية لا إلزام فيها الوقف لا يُعد فريضة واجبة، وإنما هو من أعظم القربات المستحبّة التي يتقرب بها العبد إلى ربه. فهو يعكس صورة حضارية راقية لمسؤولية الفرد تجاه مجتمعه، كما يسهم في إعادة توزيع الثروات، وتوفير الخدمات الحيوية للفئات الأقل حظًا، ويعزز من مفاهيم العدالة الاجتماعية والرحمة في الإسلام. بهذه الخصائص، يبرز الوقف كأداة تنموية متقدمة تجمع بين الأجر الأخروي والمنفعة الدنيوية. الطابع الاختياري للوقف يمنحه خصوصية متميزة، إذ يُمارس بدافع من الإيمان والضمير الأخلاقي، لا من باب الالتزام القانوني أو الجبري، مما يجعل أثره في النفوس والمجتمعات أكثر عمقًا وتجذرًا. وقد نجح الوقف تاريخيًا في سد ثغرات كبرى في الخدمات العامة دون أن يُثقل كاهل الدولة، بما يجعله من أهم أدوات «الاقتصاد المجتمعي» الذي يعتمد على المبادرات الذاتية والمؤسسات المدنية في تلبية الحاجات العامة. وهو بذلك يُعد تجسيدًا حيًّا لمبدأ «التنمية من الداخل»، التي تقوم على وعي الأفراد والتزامهم الاجتماعي والأخلاقي.