
التغير المناخي يُفاقم "أخطر أنواع البرق"
هذا النوع من البرق يتميز بأن تياره الكهربائي يستمر مدة طويلة نسبيا؛ عادة أكثر من 40 ملي ثانية. أما البرق العادي، فيستمر وقتا قصيرا جدًا، من 1 إلى 10 ملي ثانية، ومن ثم فإن البرق طويل التيار أكثر قدرة على إشعال الحرائق من البرق القصير المعتاد.
وفي السنوات القليلة الماضية، بدأ العلماء في الاهتمام بهذه النوعية من البرق، ورصدت الدراسات أن البرق طويل التيار قد يكون السبب في نحو 90% من حرائق الغابات الناجمة عن البرق في الولايات المتحدة الأميركية خلال الفترة من 1992 إلى 2018.
يأتي ذلك على الرغم من أن هذا النوع من البرق، يشكل أقل من 10% من إجمالي البرق المعتاد.
مشكلة في نهاية القرن
في هذا السياق، اهتم فرانثيسكو خ. بيريث-إنفرنون، ورفاقه من معهد الفيزياء الفلكية في محافظة أندلوسيا الإسبانية، بالبحث خلف معدلات هذا النوع من البرق، ومن ثم فإن ذلك قد يعطينا إشارة عن تطور معدلات الحرائق الطبيعية في العالم.
وبحسب دراسة نشرها الفريق قبل عدة سنوات، جمعوا خلالها بيانات من الأقمار الصناعيّة لرصد البرق من نوع طويل التيار وربطه ببيانات الحرائق وكيفية اندلاعها، ظهرت علاقة واضحة بين البرق طويل التيار وتفاقم التغير المناخي.
استخدم الباحثون نماذج مناخية لتحليل الوضع خلال فترتين، الأولى في الماضي (2009-2011)، والثانية مستقبلية (2090-2095) مبنية على سيناريوهات عدة للاحترار العالمي.
العالم العربي في أمان نسبي
وبحسب الدراسة، كانت هناك زيادة متوقعة بنسبة نحو 41% في معدل برق طويل التيار عالميًا بحلول نهاية القرن.
وكانت أكبر زيادة متوقعة في مناطق مثل أميركا الجنوبية، والساحل الغربي لأميركا الشمالية، وأميركا الوسطى، وأستراليا، وجنوب وشرقي آسيا، وأوروبا.
أما المدن القطبية الشمالية، فقد أظهرت تغييرات أقل، ويجري الأمر كذلك على المنطقة التي تشمل عالمنا العربي، ولكن على الرغم من أن البرق طويل التيار قد لا يتغيّر بشكل كبير في منطقتنا، إلا أن زيادة شدة العواصف قد ترفع احتمالات حرائق ناتجة عن البرق.
احترار الكوكب
لكن، كيف يمكن للتغير المناخي أن يكون سببا في زيادة معدلات هذا النوع من البرق؟ الإجابة تتعلق بالأثر غير المباشر للاحترار العالمي، فمع ارتفاع درجات الحرارة، يرتفع الهواء الساخن الرطب في تزايد إلى طبقات الجو العليا، وهناك يبرد ويتكثف ويكون سحابا ضخما، فيه شحنات كهربائية متعاكسة (موجبة وسالبة).
وجود رطوبة شديدة وتيارات صاعدة قوية، يتسبب في مزيد من الطاقة الزائدة داخل السحب، إذ تجعل البرق أكثر قوة واستمرارية، مما يرفع من عدد ضربات البرق طويل التيار المرتبط بحرائق الغابات.
وإلى جانب ذلك، فإن تغير المناخ يؤدي إلى نشوء مزيد من العواصف الرعدية في بعض المناطق، وخاصة في الصيف، ومع وجود برق أكثر، تزيد فرص حدوث البرق طويل التيار، وعليه يزداد عدد الحرائق.
دراسة معمقة
لهذه الأسباب، يهتم العلماء بفحص هذا النوع من البرق بتمعن أكبر مع تفاقم أزمة المناخ، وبحسب دراسة نشرها أخيرا الاتحاد الأوروبي لعلوم الأرض، فإننا بحاجة إلى طريقة جديدة لدراسة البرق طويل التيار في أنظمة محاكاة متقدمة.
يأتي ذلك في سياق أن البرق عادة يطلق كميات محددة من أكاسيد النيتروجين، ولأن التيار يدوم أطول في حالة البرق طويل التيار، فهو يساهم في إنتاج أكبر لكمية أكاسيد الكربون في الجو، مما يؤثر على نوعية الهواء، ويمكن رصده لبناء حسابات كمية أدق.
وتتفق أكثر من 90% من الأعمال البحثية في نطاق التغير المناخي على أن النشاط الإنساني يلعب دورا في الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الأرض حاليا.
ومع استخدام الوقود الأحفوري في السيارات والطائرات ومصانع الطاقة، ينفث البشر كمّا هائلا من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، مما رفع تركيزه بشكل لم يحدث منذ مئات الآلاف من السنين، وهو الغاز الذي يتمكن من حبس حرارة الشمس داخل الغلاف الجوي.
وبات واضحا للعلماء يوما بعد يوم، أن معدلات تطرف الظواهر المناخية، من أمطار غزيرة وعواصف قاسية وموجات حارة وضربات جفاف تستمر سنوات عدة، صارت تتزايد بما يكسر الأرقام القياسية عاما بعد عام، الأمر الذي يتطلب اتفاقا عالميا عاجلا، على الأقل لمنع المشكلات من التفاقم.
هاشتاغز

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


الجزيرة
منذ 2 ساعات
- الجزيرة
علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام
في وقت تتسابق وكالات الفضاء العالمية نحو العودة إلى سطح القمر، يبرز خطر غير متوقع، ليس ناتجا عن إشعاعات أو درجات حرارة قاسية، بل عن غبار مجهري يكسو سطح القمر. ولا يُرى هذا الغبار بالعين المجردة، لكنه شديد الالتصاق، وحاد كالإبر، وسام كيميائيا، ويشكل تهديدا حقيقيا لمعدات رواد الفضاء وصحتهم، وبشكل خاص خلال رحلات الفضاء الطويلة المستقبلية، والتي قد تتضمن بقاء على سطح القمر. وفي مواجهة هذا "العدو الخفي"، يعمل فريق من جامعة سنترال فلوريدا الأميركية، على تطوير طلاء نانوي ذكي قادر على التصدي لهذا الغبار قبل أن يلتصق بالمعدات أو بالرواد. تكنولوجيا نانوية لمشكلة قديمة وحتى الآن، تعتمد معظم الجهود للسيطرة على هذا الغبار الحاد جدا، واللزج جدا، والسام جدا، على دراسات أُجريت على الأرض، ولكن المميز في هذا المشروع هو سعي أعضائه لفهم أعمق للتفاعلات داخل بيئة تحاكي القمر لتوجيه التصميم نحو الطلاء المثالي. ولتحقيق ذلك يتم إجراء تجارب داخل غرفة تفريغ تحاكي بيئة القمر، باستخدام مادة محاكية لغبار القمر الذي يعرف بـ"ريغوليث"، بهدف معرفة كيف تتفاعل الجزيئات مع الأسطح المصممة، خاصة في ظروف الإشعاع الشمسي والجسيمات المشحونة. ويقول البروفيسور لي زهاي، مدير مركز تكنولوجيا النانو وقائد المشروع في تقرير رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: "سنضع الطلاءات والأسطح المصممة داخل الغرفة المفرغة مع غبار القمر المحاكى، وندرس كيفية تفاعل الغبار معها، وسنستخدم أيضا مصادر إشعاع ومجهرا ذريا لفهم التفاعلات على مستوى الجزيئات". ويوضح أن هذه البيانات ستساعد الفريق على تعديل خصائص الأسطح مثل الصلابة، والبنية الدقيقة، والتوصيلية الكهربائية، للوصول إلى تصميم مثالي يقلل من التصاق الغبار. رواد الفضاء في خطر والدور المهم لزهاي وفريقه هو توفير الطلاء المناسب، ثم يتم تسليمه إلى أستاذة الفيزياء الدكتورة لورين تيتارد لدراسة التفاعل باستخدام المجهر الذري، وإلى أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم الدكتورة أدريان دوف التي تجري التجارب في بيئة محاكاة القمر. وتقول الدكتورة أدريان دوف، أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم: "غبار القمر أحد أكبر التحديات التي تواجهنا في رحلات الفضاء الطويلة، المشكلة ليست فقط في تنظيفه، بل في الحد من التصاقه منذ البداية. نحن نستخدم هذا المشروع كفرصة لتطبيق بحث علمي مباشر لحل مشكلة حقيقية". وتوضح أنها عملت لسنوات على دراسة تفاعلات غبار القمر، وتتابع: "أحد أساليبنا لقياس قوة الالتصاق هو تغطية سطح بالغبار، ثم تدويره بسرعة عالية باستخدام جهاز طرد مركزي لمعرفة متى تبدأ الحبيبات بالانفصال". وتقارن دوف بين غبار القمر والرمال العادية قائلة: "عندما نزور الشاطئ ونعود مغطين بالرمال، يمكننا مسحها بسهولة، لكن غبار القمر لا يُشبه هذا، إنه أخشن، وأصعب في التنظيف، بل وقد يخدشك بسهولة". تعاون متعدد التخصصات ومن جانبها، تقول الدكتورة لورين تيتارد، المتخصصة في المجهر الذري: "نحن نطور منصة جديدة تربط بين علم النانو والفضاء بطريقة مبتكرة، وسنجري القياسات في ظروف تحاكي بيئة الفضاء، والبيانات التي نحصل عليها ستستخدم لتحسين تصميم الأسطح". ويشارك في المشروع أيضا الدكتور طارق الجوهري، أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية، الذي يعمل على تصميم محاكاة حاسوبية تدرس تفاعلات الغبار مع الأسطح. ويقول "نحن نحاول فهم كيفية انتقال الشحنات الكهربائية بين الجزيئات، وما إذا كانت تتراكم أو تتبدد، هذا الجانب أساسي لتصميم إستراتيجيات الحماية السلبية". ويأمل الباحثون أن يضعوا حدا لأثر هذا الغبار "المزعج" عبر تقنيات نانوية ذكية تحمي المعدات والأطقم، دون الحاجة إلى التنظيف اليدوي أو التأثير على الأجهزة الحساسة. ويقول الباحثون: "إذا كان الغبار لا يُمكن تجنبه، فربما يمكن منعه من الالتصاق، وهذا ما نأمل في تحقيقه قبل أن تخطو البشرية خطوتها التالية على سطح القمر".


الجزيرة
منذ 6 ساعات
- الجزيرة
قنبلة "ليتل بوي" السلاح النووي الذي دمر ثلثي هيروشيما
"ليتل بوي" هي أول قنبلة نووية صُنعت في التاريخ، وأول سلاح نووي يُستخدم فعليا في الحروب، ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس/آب 1945، وتسببت بانفجار بلغت قوته التدميرية ما يعادل 15 ألف طن من مادة تي إن تي. وأسفر الانفجار عن تدمير ثلثي مدينة هيروشيما ومقتل نحو 70 ألف شخص على الفور، بينما تسببت التأثيرات طويلة الأمد للإشعاع النووي في ارتفاع متواصل لعدد الضحايا ليصل في نحو 5 أعوام إلى ما لا يقل عن 200 ألف شخص. وكان إطلاق أميركا قنبلة "ليتل بوي" عاملا حاسما في استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية ، إذ قبلت استسلاما غير مشروط بعد نحو أسبوع واحد من القصف، ومع مطلع سبتمبر/أيلول من العام نفسه، تم توقيع وثيقة الاستسلام التي أنهت الحرب رسميا. وعلى الرغم من إنتاج 5 قنابل أخرى من طراز "ليتل بوي"، لم يُستخدم أي منها في أي عمليات عسكرية لاحقة، وبقيت قنبلة هيروشيما واحدة من قنبلتين نوويتين فقط استُخدمتا في الحروب عبر التاريخ، وأما الثانية فهي قنبلة "فات مان"، التي ألقيت على ناغازاكي اليابانية في الأسبوع نفسه. خلفية تاريخية انطلقت الأبحاث الأولى الناجحة في مجال الانشطار النووي من ألمانيا، إذ اكتشف العالمان الألمانيان أوتو هان وفريتز ستراسمان في ديسمبر/كانون الأول 1938 عملية الانشطار النووي، التي تحدث عن طريق قصف اليورانيوم بالنيوترونات (جسيمات دون ذرية متعادلة الشحنة توجد في نوى الذرات). وتُسبب عملية القصف انقسام نواة اليورانيوم إلى نصفين متساويين تقريبا، منتجة بذلك نظيرا أخف مع إطلاق قدر كبير من الطاقة، كما ينتج عن الانقسام بعض النيوترونات الحرة التي تحفز تفاعلا متسلسلا يؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار هائل. وسرعان ما انتقلت نتائج تلك الأبحاث إلى الولايات المتحدة، ولاقت هناك اهتماما بالغا. وفي عام 1939، سعت مجموعة من العلماء الأميركيين، كان العديد منهم لاجئين من دول أوروبية، إلى إنشاء مشروع يهدف إلى تطوير عمليات الانشطار النووي لأغراض عسكرية. استطاع العلماء إقناع ألبرت آينشتاين بالانضمام إليهم واستغلال نفوذه لإقناع الرئيس الأميركي حينئذ فرانكلين روزفلت بالمشروع. وفي مطلع عام 1940، وافقت الحكومة على البرنامج وخصصت له موازنة قدرها 6 آلاف دولار أميركي. وفي ديسمبر/كانون الأول 1941، وُضع المشروع تحت إشراف مكتب البحث والتطوير العلمي الحكومي في الولايات المتحدة. وفي أعقاب انخراط أميركا في الحرب العالمية الثانية، مُنحت وزارة الحرب مسؤولية المشاركة في تنفيذ المشروع. وفي سبتمبر/أيلول 1942، عُين الفريق ليزلي ريتشارد غروفز مسؤولا عن جميع أنشطة الجيش المتعلقة بالمشروع، لا سيما الهندسية منها. مشروع مانهاتن بدأت الولايات المتحدة عام 1942 فعليا تطوير القنبلة الذرية الأولى التي عُرفت باسم "ليتل بوي" (أي الصبي الصغير)، وذلك في إطار مشروع سريّ أُطلق عليه اسم "مشروع مانهاتن". وأنشأ فيلق مهندسي الجيش الأميركي العديد من المصانع ومرافق التصنيع والمختبرات لتنفيذ المشروع، وكانت البداية في منطقة مانهاتن بنيويورك ، نظرا لأن الأبحاث المبكرة في غالبها أُجريت في المنطقة ضمن النشاطات العلمية لجامعة كولومبيا. ولاحقا، أُنشئت العديد من مرافق البحث والتطوير التي خدمت المشروع في مناطق أخرى في أنحاء البلاد، إذ اعتنت منشأة تينيسي بتخصيب اليورانيوم ، بينما ركز مرفق هانفورد بواشنطن على إنتاج البلوتونيوم (عنصر كيميائي مشع يستخدم في الأسلحة النووية)، وقدمت مختبرات الأبحاث في جامعتي شيكاغو وكاليفورنيا إسهامات كبيرة في تطوير الأبحاث. وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 1942 نفذ علماء مشروع مانهاتن أول تفاعل نووي متسلسل ذاتي الاستدامة في مختبر شيكاغو. واختيرت منطقة لوس ألاموس بولاية نيومكسيكو لإنشاء مختبر القنابل بناء على اقتراح عالم الذرة ورئيس الفريق العلمي للمشروع، جيه روبرت أوبنهايمر. وفي أبريل/نيسان 1943، بدأ مئات العلماء والمهندسين والفنيين بالتوافد إلى مختبرات لوس ألاموس. كانت مهمة تلك المختبرات تطوير أسلوب لتجميع المواد الانشطارية المنتجة بهدف الوصول إلى كتلة فوق حرجة من معدن نقي، يمكن استخدامها لإحداث انفجار نووي. كما شمل عمل الفريق تصميم سلاح نووي قادر على دمج المواد القابلة للانشطار، مع الحفاظ على حجم يسمح بحمله وإلقائه من طائرة. بمرور الوقت، أظهرت الحكومة الأميركية اهتماما أكبر بالمشروع، ورفعت المبلغ المخصص له من 6 آلاف دولار أميركي إلى ملياري دولار. وفي أغسطس/آب 1943، أبرمت الولايات المتحدة و بريطانيا اتفاقية تهدف إلى التعاون في مجال الطاقة الذرية أثناء فترة الحرب، إلى جانب تسريع إنجاز مشروع مانهاتن. وبموجب الاتفاقية تأسست لجنة مشتركة تضم كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و كندا ، مما سمح لعلماء بريطانيين وكنديين بالانضمام إلى المشروع. التصميم ومبدأ العمل استطاع فريق علماء مشروع مانهاتن بحلول صيف عام 1945 إنجاز التصميم النهائي للقنبلة النووية "ليتل بوي"، والذي اعتمد على جهاز تفجير يشبه المدفع. تحتوي العلبة الرئيسية للمدفع على مدك من كربيد التنغستن، يؤدي مهمة مزدوجة هي زيادة عدد الكتل الحرجة في نواة اليورانيوم وتثبيت النواة لحظة الاصطدام لتعزيز عائد التفجير. وكان "اليورانيوم المخصب-235" هو العنصر المستخدم لإحداث التفجير أو التفاعل الانشطاري، ولم يكن بحوزة الولايات المتحدة حينئذ منه سوى كمية تكفي لصنع قنبلة واحدة فقط. ويعتمد مبدأ القنبلة الذرية "ليتل بوي" على إحداث تفاعل انشطاري بفعل اصطدام كتلتين من "اليورانيوم المخصب-235″، وذلك بواسطة جهاز دفع مما ينتج عنه تكوين كتلة حرجة يبدأ بها التفاعل المتسلسل. وصممت الكتلة الأولى على شكل رصاصة من "اليورانيوم المخصب-235″، تنطلق عبر أسطوانة مدفع ملساء فتصطدم بالكتلة الأخرى، التي صُممت على شكل نتوء صلب يبلغ طوله 7 بوصات وقطره 4 بوصات، وأثناء الاصطدام تتطابق الأسطوانة بدقة فوق النتوء، مما ينجم عنه تفاعل انشطاري يُنتج كتلة حرجة. وتتكون الكتلة الحرجة عندما ترتطم النيوترونات بنواة يورانيوم، مسببة انشطار النواة، وتصاحبها كمية هائلة من الطاقة، إضافة إلى نيوترونين أو أكثر. وتعمل النيوترونات الناتجة عن الانقسام على الدفع نحو انشطار المزيد من نوى اليورانيوم، محدثة تفاعلا متسلسلا يستمر حتى تُصبح الطاقة المُنطلقة عن عمليات الانشطار هائلة، مما يؤدي إلى انفجار القنبلة. وقد ضَمن تركيب المدفع أن يصل "اليورانيوم-235" إلى الكتلة الحرجة بسرعة، مما يمنع الحرارة الناتجة عن التفاعل الأول (الانشطار الأول) من تفجير كل الوقود قبل استهلاكه لإنتاج مجموعة من التفاعلات المتسلسلة. النقل والتجميع كان إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما أول تجربة فعلية لقنبلة "ليتل بوي"، إذ لم يُختبر القذف من المدفع من قبل، واكتفى العلماء باختبارات معملية ناجحة على نطاق محدود، منحتهم الثقة بنجاح هذه الطريقة. وتعذر إجراء اختبار شامل لها، لأن إنتاج قنبلة واحدة يتطلب استخدام كل "اليورانيوم-235" المنقى الذي تملكه البلاد، وكان فصله عن "اليورانيوم-238" في اليورانيوم الطبيعي عملية مكلفة وصعبة. مع ذلك، أجرى العلماء اختبارات عديدة على قنابل تحتوي على معظم المكونات، ولم يتم استخدام شيء من "اليورانيوم-235" المُنقّى، وخُصص جميع ما أُنتج حينئذ للقنبلة التي قُصفت بها هيروشيما. ووفرت الاختبارات التي أُجريت على نماذج "اليورانيوم-235" الأولية، ضمانات بنجاح التفجير بواسطة المدفع. وكان تصميم قنبلة "ليتل بوي" شديد الحساسية، فبمجرد تعبئة الوقود الانشطاري، أصبح تعرضها لأي اشتعال كافيا للتسبب بانفجارها بالكامل. ولتجنب وقوع حادث كارثي قبل الوقت المحدد للتفجير، لم يتم تجميع أجزائها في الولايات المتحدة، بل نُقلت جميعها بشكل منفصل وعلى مراحل إلى جزيرة تينيان في المحيط الهادي جنوب اليابان. نُقل اليورانيوم المخصب بشكل منفصل على متن 3 طائرات من طراز "سي-54 سكاي ماستر" إلى جزيرة تينيان الخاضعة للسيطرة الأميركية. وكانت باقي أجزاء القنبلة بما في ذلك مدفع القذف وعلبة الهدف والبرميل وقذيفة اليورانيوم قد نقلت في 16 يوليو/تموز 1945 بالقطار من لوس ألاموس إلى سان فرانسيسكو ثم شُحنت كلها على متن الطرادة الثقيلة "يو إس إس إنديانابوليس" إلى تينيان، إلى جانب عدد من علماء وفنيي لوس ألاموس. وصل كل من اليورانيوم المخصب والأجزاء الأخرى للقنبلة في 26 يوليو/تموز 1945 إلى الجزيرة، وجُمعت تحت إشراف الكابتن في البحرية الأميركية ويليام بارسونز، وأُجل الجزء الأخير من التجميع حتى اللحظة الأخيرة، لمنع انفجار عرضي ناتج عن تماس كهربائي أو اصطدام. التفجير وآثاره المدمرة حُملت "ليتل بوي" صباح السادس من أغسطس/آب عام 1945 على متن طائرة أميركية من طراز "بي-29″، ورافقتها طائرتان أخريان بهدف المراقبة. وكان يقود القاذفة "بي-29" العقيد بول تيبيتس، وقبل إقلاعها بقليل، طلب من عامل الصيانة كتابة اسم والدته، إينولا غاي، على مقدمة الطائرة التي عُرفت لاحقا بهذا الاسم. وبمجرد أن أقلعت "إينولا غاي" متجهة إلى مدينة هيروشيما، أضاف الكابتن ويليام بارسونز، المختص بالأسلحة، مكونات الإطلاق النهائية إلى "ليتل بوي". وعند تجميع القنبلة بالكامل، بلغ وزنها الإجمالي 9700 رطل (نحو4400 كيلوغرام) وطولها 10 أقدام وقطرها 28 بوصة، بينما وصل وزن نواة اليورانيوم المغلف نحو 64 كيلوغراما. وعند الساعة 8:15 صباحا بالتوقيت المحلي، أُطلقت قنبلة "ليتل بوي" فوق هيروشيما، وبعد 43 ثانية، انفجرت على ارتفاع 1900 قدم. ورغم أن أقل من 2% من "اليورانيوم- 235" حقق انشطارا، فإنه أحدث انفجارا هائلا، قُدِّرت قوته بـ15 ألف طن من مادة تي إن تي. وعلى الفور، ارتفعت درجة الحرارة إلى نحو 7 آلاف درجة مئوية، صاحبها وميض ساطع وغطت المدينة سحابة سوداء ضخمة على شكل فطر ارتفعت إلى أكثر من 12 كيلومترا. وتسبب الانفجار في اندلاع حرائق عديدة في أنحاء المدينة، سرعان ما اندمجت مُشكّلة عاصفة نارية كبيرة، اجتاحت رقعة واسعة من المدينة، وتحولت مساحة بلغت نحو 5 أميال مربعة من مركز المدينة إلى رماد. وتدمرت بفعل القنبلة نحو 70% من مباني المدينة، وتعطلت محطات الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والهواتف وخطوط التلغراف. ونظرا لانقطاع الاتصالات اللاسلكية والتلغرافية مع هيروشيما، لم تستطع الحكومة اليابانية معرفة ما حدث على وجه اليقين، وهو الأمر الذي أخّر وصول إغاثة من الخارج ساعات بعد الهجوم. وكانت عملية الإغاثة الداخلية متعذرة، فقد دمرت القنبلة 26 مركز إطفاء من أصل 33 في المدينة، مما أسفر عن مقتل أو إصابة 3 أرباع رجال الإطفاء بجروح بالغة، وهو الأمر الذي أعاق تنفيذ إجراءات عاجلة لاحتواء الحرائق. من جهة أُخرى، أُصيب القطاع الطبي في المدينة بالشلل، إذ تعرضت جميع المستشفيات للتدمير أو الضرر الشديد باستثناء مستشفى واحد، ولم ينج من الإصابة الشديدة أو القتل سوى 30 فقط من بين 298 طبيبا مسجلا، كما قُتل أو أصيب أكثر من 1800 شخص من أصل 2400 من طاقم التمريض. وقدر الأرشيف الوطني الأميركي عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم نتيجة الانفجار والحرارة وآثار الإشعاع الأولي بنحو 70 ألف شخص، بما في ذلك 20 طيارا أميركيا كانوا محتجزين في المدينة. ونتيجة للآثار المدمرة طويلة الأمد للإشعاعات النووية، والتي من أخطرها السرطانات التي انتشرت بشكل ملحوظ في المدينة، تجاوز عدد ضحايا هيروشيما في نهاية عام 1945 ما مجموعه 100 ألف فرد، وفي 5 سنوات تجاوز إجمالي عدد الضحايا 200 ألف، بحسب بيانات الأرشيف.


الجزيرة
منذ 2 أيام
- الجزيرة
احذر فالحيتان لها آذان.. كيف تستخدم الاستخبارات الحيوانات للتجسس؟
قبل أكثر من 6 عقود من الآن، وتحديدا في عام 1964، جرى اصطياد 5 دلافين وتدريبها لتصبح أبطال 3 مواسم متتالية في برنامج تلفزيوني أميركي يُسمى "فليبر (Flipper)". حقق البرنامج شعبية كبيرة، وأصبحت الدلافين تحظى بمحبة الأطفال الأميركيين. في الوقت نفسه تقريبا، أصبح الدلفين، هذا الكائن البحري الذي جُسّد بصورة ودودة ممتعة ومسلية خلال برنامج فليبر، بطلا لمغامرة أخرى أكثر إثارة في معامل وكالة المخابرات المركزية الأميركية " سي آي إيه". بذلت وكالة المخابرات المركزية الأميركية قصارى جهدها لتصبح الدلافين جزءا من نظام تسلحها في الحرب الباردة. هذا ما كشفته وثيقة رُفعت عنها السرية جزئيا من وثائق عام 1976 حول تدريب الدلافين البحرية للأهداف العسكرية والاستخباراتية لأغراض جمع المعلومات من المناطق الساحلية، وربما أكثر من ذلك. ليست الدلافين فقط التي حاولت أجهزة المخابرات الدولية استغلالها وتوريطها في صراعاتها، فلم تنجُ العديد من المخلوقات غير البشرية، سواء أكانت تعيش في البر أو البحر أو الجو، من محاولات استغلال الجيوش وأجهزة المخابرات الدولية. خلال الحرب العالمية الأولى ، حاول الجيش البريطاني تدريب طيور النورس على التبرز على مناظير الغواصات الألمانية، لإعاقة الرؤية لدى طواقم الغواصات. لم تكن تلك المحاولة ناجحة تماما، بعكس توظيف الحمام المُدرب على حمل رسائل مشفرة عبر خطوط القتال، حيث كان لدى الجيش البريطاني زهاء 20 ألف طائر في الخدمة بحلول عام 1918. خلال الحرب العالمية الثانية ، عرف العالم الاستخدام المنظم وواسع النطاق للكلاب في الكشف عن الألغام والمتفجرات وغيرها من المهام الحسية، وهي ممارسة لا تزال قائمة إلى اليوم. وخلال حرب فيتنام بدأت البحرية الأميركية في برنامجها لتدريب الثدييات البحرية الذي ظل مغلفا بإطار من السرية حتى مطلع التسعينيات. ولا تزال البحرية الأميركية إلى اليوم تدير برنامجا خاصا لـ"خدمة الحيوانات" مقره في القاعدة البحرية في سان دييغو، بكاليفورنيا، حيث تقوم الحيوانات البحرية المدربة بدوريات في المياه المحظورة وتفتش عن الأجسام المشبوهة. وللغرابة، لم تَسْلم الحشرات من محاولات تجنيد أجهزة الاستخبارات. يشير تقرير صادر عام 1972 إلى مساعي مختبرات الجيش الأميركي استغلال "القدرات الحسية للحشرات" مثل بق الفراش والبعوض والقراد للكشف عن الأشخاص. ولا تزال العديد من أجهزة الاستخبارات حول العالم تستثمر في برامج لتدريب الحيوانات وتوظيف قدراتها الحسية للأغراض العسكرية والاستخباراتية. "القطط" عملاء لـ"سي آي إيه" في الواقع، اشتهرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بمحاولاتها المستميتة للإبداع في التجسس في الستينيات. وقد تجلت وحشية هذه المحاولات وقسوتها خلال عملية عُرفت باسم "القطة الصوتية" (Acoustic Kitty). وكما كتب "توم فاندربيلت"، الكاتب الأميركي، لمجلة "سميثسونيان (smithsonianmag)" آنذاك: "بهدف التجسس على خصوم الحرب الباردة، نشرت الحكومة الأميركية عملاء غير بشريين، مثل الغربان والحمام وحتى القطط". تشير المجلة إلى أن هذا المشروع لم يكن قطّ موضوع جلسة استماع في الكونغرس، إلا أن بعض الوثائق والمصادر من داخل أروقة الاستخبارات تشير إلى أن المشروع كان حقيقيا. فقد اعتقدت وكالة المخابرات الأميركية أنه في ظل التدريب المناسب، يمكن أن تتحول القطط ببعض الجهد إلى "جواسيس". أرادت الوكالة أيضا استغلال سمة "الفضول" في القطط، والتي لن تجعل أي شخص يشك في وجود قطة في مكان ما. بُنيت الخطة على افتراض أن قطة موصولة بأسلاك لتسجيل الصوت سيمكنها بسهولة أن تكون قادرة على القدوم والذهاب دون أن يلاحظها أو يشك فيها أحد، وباستخدام الإشارات الصوتية، يمكن التحكم فيها لتتحرك وتصل إلى المكان الذي يمكنها فيه تسجيل الأصوات المطلوبة، مثل المحادثات بين القادة السوفيات. لم يكن إنشاء قطة عالية التقنية مهمة بسيطة أو سهلة في عصر التسجيل الصوتي البدائي وأجهزة الحاسوب التي كان يصل حجمها إلى حجم غرفة، ويزيد من صعوبة الأمر هنا أنه يجب أن تظل القطط تبدو قططا طبيعية بدون نتوءات غريبة أو ندوب تثير الشكوك. لتحقيق هذا، قامت وكالة المخابرات المركزية بإنشاء جهاز إرسال يبلغ طوله 3/4 بوصة لوضعه في قاعدة جمجمة القط بشكل جراحي، وحينما تقوم القطط بالتسلل ستتمكن الأجهزة المزروعة في جسد القطة من التنصت على الأنشطة المطلوب مراقبتها. تمت الإشارة إلى المشروع ذاته من قبل "جيفري تي ريتشلسون"، المؤلف الأميركي والباحث الأكاديمي الذي تخصص في دراسة كيفية جمع المعلومات الاستخباراتية، في كتابه "سحرة لانغلي" (The Wizards of Langley)، وهو أول كتاب يؤرخ لجهود وكالة المخابرات المركزية الأميركية المكثفة لاستغلال العلم والتكنولوجيا لأغراض التجسس. ويقدر أن الوكالة الأميركية ضخت حوالي 10 ملايين دولار في تصميم القطط الأولى وتشغيلها وتدريبها ضمن المشروع، لكن المشكلة الكبرى التي واجهها المسؤولون هنا هي أنه لم يكن هناك طريقة لضبط حركة القطط أو تقييدها بالشكل المرغوب، حيث كانت القطط تتجول عندما تشعر بالملل أو التشتت أو الجوع. عولجت مشكلات الجوع لدى القطة من خلال عمليات جراحية أخرى. تشير التقديرات إلى أن نفقات الجراحة والتدريب الإضافية أدت إلى رفع التكلفة الإجمالية إلى 20 مليون دولار. كل هذه التكاليف والتدريبات والجهود جعلت المسؤولين يظنون أن القطة جاهزة أخيرا لبدء تنفيذ مهمتها في العالم الحقيقي، وعندما حان وقت بدء المهمة، أطلق عملاء وكالة المخابرات المركزية سراح عميلهم من مؤخرة شاحنة وشاهدوه بفارغ الصبر وهو ينطلق في مهمته. اندفعت القطة تجاه السفارة، لكن ما حدث لم يكن ليخطر ببال رجال المخابرات، فقبل أن تصل القطة إلى السفارة اصطدمت بسيارة أجرة عابرة وماتت قبل أن تبدأ في تنفيذ مهمتها المرجوة. ألغت وكالة المخابرات المركزية الأميركية المشروع في النهاية، ووفقا لوثائق منقحة جزئيا في أرشيف جامعة جورج واشنطن، خلصت الوكالة إلى أنه على الرغم من جهد وخيال أصحاب فكرة استخدام القطط في التجسس، لن يكون من العملي الاستمرار في محاولة تدريب القطط لأغراض التجسس نظرا لصعوبته وتكلفته المرتفعة، فضلا عن عوائده غير المضمونة في نهاية المطاف. تجنيد الدلافين لا يقف الأمر عند القطط، ففي أغسطس/آب عام 2015، نقلت تقارير صحفية أن حركة حماس الفلسطينية اكتشفت أن الإسرائيليين استخدموا الدلافين في التجسس. وفقا للتقارير الفلسطينية، فإن الاحتلال الإسرائيلي قام بتجنيد حيوان مائي أليف، وهو الدلفين، وثبّت معدات تصوير وأجهزة تجسس على ظهره. وكما أشرنا لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستخدم خلالها الدلافين في التجسس، ففي ستينيات القرن الماضي، أظهرت الوثائق أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية بحثت في استخدام الدلافين من أجل "اختراق الموانئ" والتجسس على خصومها. وللمفاجأة، لم تقتصر مهمات الدلافين على التجسس فقط، فقد استخدمتها البحرية الأميركية سابقا في عمليات إزالة الألغام. أكثر من ذلك، حاول المسؤولون الأميركيون استخدام دلافين قارورية الأنف لشن هجمات تحت الماء ضد سفن العدو. كانت هناك أيضا اختبارات حول ما إذا كانت الدلافين يمكنها حمل أجهزة استشعار لرصد الغواصات النووية السوفياتية أو البحث عن آثار أسلحة مشعة أو بيولوجية من المنشآت القريبة. جاء خلال وثيقة منشورة على موقع "سي آي إيه" بتاريخ الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 1964 تحت عنوان "مشروع أوكسي غاز" (Project Oxygas) القول: "أنفقت الوكالة والبحرية قدرا كبيرا من الوقت والمال في تطوير المشروع لكن النتائج المتحققة كانت "هامشية" في أحسن الأحوال. على سبيل المثال، قد تتجاوز تكلفة توصيل السباحين والمعدات المتخصصة وحدها سنويا نحو 5 ملايين دولار، والنتيجة ليست مرضية بدرجة كافية. ورغم ذلك، أكدت الوثيقة أن "التقدم في العملية يشجع على إيلاء المزيد من الانتباه لهذا المشروع. ورغم أنه لا يمكن توقع أن يحل الدلفين محل الرجل في الماء تماما، فلربما كان باستطاعة الدلفين أن يوفر جزءا كبيرا من جهودنا البشرية". بحلول عام 1967، كانت "سي آي إيه" تنفق مئات الآلاف من الدولارات على 3 برامج استخباراتية، تشمل تدريب واستخدام الدلافين والطيور والقطط والكلاب ليصبحوا عملاء. في السياق ذاته يذكر تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن البحرية الأميركية دربت الدلافين وأسود البحر منذ حرب فيتنام، بوصف ذلك جزءا من برنامج استخدام الثدييات البحرية، حيث دُرب ما يقرب من 70 دولفينا قاروري الأنف و30 أسدا في قاعدة سان دييغو. تتميز الدلافين وأسود البحر بالذكاء والقدرة على التعلم ومواكبة التدريبات، وقد تفوقت حواسها الطبيعية على قدرات أي آلة أو حاسوب أنشئ بواسطة البشر. وتتمتع الدلافين، بالإضافة إلى قدرتها على الغوص بعمق كبير، بإمكانية "تحديد الموقع بالصدى"، التي تسمح لها باكتشاف أماكن الألغام المدفونة تحت الماء. أما أسود البحر فهي تتمتع ببصر ممتاز، وقد ساعدت الجيش الأميركي في العثور على بعض المعدات المفقودة. يوضح تقرير الغارديان مثلا أن الدلافين استُخدمت بالفعل للمساعدة في إزالة الألغام في الخليج العربي أثناء حروب الخليج و غزو الولايات المتحدة للعراق في عام 2003. لا يزال استخدام الدلافين في الحروب والصراعات البشرية قائما حتى الآن. ففي شهر أبريل/نيسان عام 2019 أبلغ صيادون نرويجيون عن حوت يتصرف بشكل غير طبيعي ويستمر في مطاردة قواربهم بصورة غير معتادة. سرعان ما تبين أن هناك سرجا غريبا ملفوفا حول جسم الحوت كتب عليه "معدات سانت بطرسبرغ"، مما أثار تكهنات جديدة حول برنامج عمليات خاصة للثدييات البحرية تحت إدارة البحرية الروسية. لاحقا في عام 2022، نشرت إذاعة "إن بي آر" تقريرا حول استخدام الجيش الروسي دلافين مدربة بشكل خاص للدفاع عن قاعدة بحرية مهمة قبالة شبه جزيرة القرم. أضاف التقرير أن هناك صورا ملتقطة بواسطة الأقمار الصناعية تظهر وجود الدلافين عند مدخل ميناء سيفاستوبول، الذي يستضيف القاعدة البحرية "الأكثر أهمية" للبحرية الروسية في البحر الأسود. لم تكن تلك سابقة على أي حال، فمن المعلوم أن البحرية السوفياتية أدارت العديد من برامج استخدام الثدييات البحرية خلال الحرب الباردة، بما في ذلك تدريب الدلافين بالقرب من سيفاستوبول. يُضيف تقرير "إن بي آر" أن هذه الوحدة بالذات انتقلت إلى الجيش الأوكراني عندما انهار الاتحاد السوفياتي، لكن الوحدة ظلت غير فاعلة حتى استعادتها روسيا بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم في عام 2014، وأحيت البرنامج مرة أخرى. حتى الحمام لم يَسْلم! تعددت القصص والروايات التي تفسر سبب اختيار الحمام رمزا للسلام، لكن ربما لم تكن هذه القصص والروايات مقنعة بما يكفي للمسؤولين العسكريين ورجال المخابرات، الذين قرروا إقحام الطائر المسالم في الحروب والنزاعات وعمليات التجسس. يعود استخدام الحمام في الاتصالات إلى آلاف السنين، حتى قبل ظهور خطوط التلغراف، حيث كان الحمام يصل بالرسائل من مكان إلى آخر مهما طالت المسافة الفاصلة بينهما. بعد توصيل رسالته، يمتلك الحمام قدرة خاصة تمكنه من أن يجد طريقه عائدا للنقطة الأولى التي انطلق منها حاملا رد الطرف الآخر. لكن مهمة الحمام في مساعدة البشر على التواصل لم تقتصر على التواصل "السلمي"، ففي الحرب العالمية الأولى بدأ استخدام الحمام لجمع المعلومات الاستخبارية. بحلول الحرب العالمية الثانية، كان هناك فرع سري من المخابرات البريطانية يدير "خدمة الحمام السرية"، كانت مهمة هذا الفرع هي إسقاط الطيور في حاوية بمظلة فوق أوروبا. وقد استطاع الحمام بالفعل حينها تنفيذ المهمة المطلوبة بنجاح، فقد عاد أكثر من ألف طائر حمام برسائل تتضمن تفاصيل عن مواقع إطلاق صواريخ ومحطات رادار ألمانية. بعد الحرب، توقفت لجنة الحمام الفرعية التابعة للمخابرات البريطانية، بينما استمرت وكالة المخابرات المركزية الأميركية في استغلال قوة الحمام. تكشف الوثائق كيف قامت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بتدريب الحمام للقيام بمهمات سرية لتصوير مواقع حساسة داخل الاتحاد السوفياتي. وفقا لموقع "بي بي سي"، فإن عملية استخدام الحمام في التجسس خلال السبعينيات كان يُطلق عليها اسم "تاكانا" (Tacana)"، وقد زُود الحمام خلالها بكاميرات صغيرة لالتقاط الصور تلقائيا. لقد حاولت وكالة المخابرات المركزية هنا الاستفادة من الميزة الحاسمة في الحمام، وهي أنه يمتلك قدرة مذهلة على إيجاد طريق العودة إلى الوطن مهما ابتعد. كشفت الوثائق أن وكالة المخابرات المركزية دربت أيضا غرابا على تسليم واستعادة أشياء صغيرة يصل وزنها إلى 40 غراما من عتبات نوافذ المباني التي يتعذر الوصول إليها، كما حاولت الوكالة أيضا تدريب الصقور الكندية والببغاء، لكن من بين كل هذه الفصائل، أثبت الحمام وحده، لسوء حظه، أنه الأكثر فاعلية. بحلول منتصف السبعينيات، بدأت الوكالة في القيام بسلسلة من المهمات التجريبية، كان أحدها فوق سجن والآخر فوق مقر للبحرية في واشنطن العاصمة. زُود الحمام بكاميرات تبلغ تكلفة إحداها ألفي دولار ووزنها 35 غراما فقط، أظهرت الصور الملتقطة بواسطة الحمام بالفعل تفاصيل واضحة بشكل ملحوظ لأشخاص يمشون وسيارات متوقفة في باحة مقر البحرية في واشنطن العاصمة. وجد الخبراء أن جودة الصور كانت أعلى من تلك التي تنتجها أقمار التجسس الصناعية العاملة في ذلك الوقت. كانت المهمة المقصودة هي استخدام الحمام ضد أهداف استخباراتية "ذات أولوية" داخل الاتحاد السوفياتي. أشارت الوثائق إلى أنه كان من المقرر شحن الطيور سرا إلى موسكو ، لكن لم يُعرف المزيد من التفاصيل حول هذه المهمة.