logo
علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام

علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام

الجزيرةمنذ 16 ساعات
في وقت تتسابق وكالات الفضاء العالمية نحو العودة إلى سطح القمر، يبرز خطر غير متوقع، ليس ناتجا عن إشعاعات أو درجات حرارة قاسية، بل عن غبار مجهري يكسو سطح القمر.
ولا يُرى هذا الغبار بالعين المجردة، لكنه شديد الالتصاق، وحاد كالإبر، وسام كيميائيا، ويشكل تهديدا حقيقيا لمعدات رواد الفضاء وصحتهم، وبشكل خاص خلال رحلات الفضاء الطويلة المستقبلية، والتي قد تتضمن بقاء على سطح القمر.
وفي مواجهة هذا "العدو الخفي"، يعمل فريق من جامعة سنترال فلوريدا الأميركية، على تطوير طلاء نانوي ذكي قادر على التصدي لهذا الغبار قبل أن يلتصق بالمعدات أو بالرواد.
تكنولوجيا نانوية لمشكلة قديمة
وحتى الآن، تعتمد معظم الجهود للسيطرة على هذا الغبار الحاد جدا، واللزج جدا، والسام جدا، على دراسات أُجريت على الأرض، ولكن المميز في هذا المشروع هو سعي أعضائه لفهم أعمق للتفاعلات داخل بيئة تحاكي القمر لتوجيه التصميم نحو الطلاء المثالي.
ولتحقيق ذلك يتم إجراء تجارب داخل غرفة تفريغ تحاكي بيئة القمر، باستخدام مادة محاكية لغبار القمر الذي يعرف بـ"ريغوليث"، بهدف معرفة كيف تتفاعل الجزيئات مع الأسطح المصممة، خاصة في ظروف الإشعاع الشمسي والجسيمات المشحونة.
ويقول البروفيسور لي زهاي، مدير مركز تكنولوجيا النانو وقائد المشروع في تقرير رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: "سنضع الطلاءات والأسطح المصممة داخل الغرفة المفرغة مع غبار القمر المحاكى، وندرس كيفية تفاعل الغبار معها، وسنستخدم أيضا مصادر إشعاع ومجهرا ذريا لفهم التفاعلات على مستوى الجزيئات".
ويوضح أن هذه البيانات ستساعد الفريق على تعديل خصائص الأسطح مثل الصلابة، والبنية الدقيقة، والتوصيلية الكهربائية، للوصول إلى تصميم مثالي يقلل من التصاق الغبار.
رواد الفضاء في خطر
والدور المهم لزهاي وفريقه هو توفير الطلاء المناسب، ثم يتم تسليمه إلى أستاذة الفيزياء الدكتورة لورين تيتارد لدراسة التفاعل باستخدام المجهر الذري، وإلى أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم الدكتورة أدريان دوف التي تجري التجارب في بيئة محاكاة القمر.
وتقول الدكتورة أدريان دوف، أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم: "غبار القمر أحد أكبر التحديات التي تواجهنا في رحلات الفضاء الطويلة، المشكلة ليست فقط في تنظيفه، بل في الحد من التصاقه منذ البداية. نحن نستخدم هذا المشروع كفرصة لتطبيق بحث علمي مباشر لحل مشكلة حقيقية".
وتوضح أنها عملت لسنوات على دراسة تفاعلات غبار القمر، وتتابع: "أحد أساليبنا لقياس قوة الالتصاق هو تغطية سطح بالغبار، ثم تدويره بسرعة عالية باستخدام جهاز طرد مركزي لمعرفة متى تبدأ الحبيبات بالانفصال".
وتقارن دوف بين غبار القمر والرمال العادية قائلة: "عندما نزور الشاطئ ونعود مغطين بالرمال، يمكننا مسحها بسهولة، لكن غبار القمر لا يُشبه هذا، إنه أخشن، وأصعب في التنظيف، بل وقد يخدشك بسهولة".
تعاون متعدد التخصصات
ومن جانبها، تقول الدكتورة لورين تيتارد، المتخصصة في المجهر الذري: "نحن نطور منصة جديدة تربط بين علم النانو والفضاء بطريقة مبتكرة، وسنجري القياسات في ظروف تحاكي بيئة الفضاء، والبيانات التي نحصل عليها ستستخدم لتحسين تصميم الأسطح".
ويشارك في المشروع أيضا الدكتور طارق الجوهري، أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية، الذي يعمل على تصميم محاكاة حاسوبية تدرس تفاعلات الغبار مع الأسطح.
ويقول "نحن نحاول فهم كيفية انتقال الشحنات الكهربائية بين الجزيئات، وما إذا كانت تتراكم أو تتبدد، هذا الجانب أساسي لتصميم إستراتيجيات الحماية السلبية".
ويأمل الباحثون أن يضعوا حدا لأثر هذا الغبار "المزعج" عبر تقنيات نانوية ذكية تحمي المعدات والأطقم، دون الحاجة إلى التنظيف اليدوي أو التأثير على الأجهزة الحساسة.
ويقول الباحثون: "إذا كان الغبار لا يُمكن تجنبه، فربما يمكن منعه من الالتصاق، وهذا ما نأمل في تحقيقه قبل أن تخطو البشرية خطوتها التالية على سطح القمر".
Orange background

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا

اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:

التعليقات

لا يوجد تعليقات بعد...

أخبار ذات صلة

علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام
علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام

الجزيرة

timeمنذ 16 ساعات

  • الجزيرة

علماء يختبرون درعا لرواد الفضاء من أجل صد غبار القمر السام

في وقت تتسابق وكالات الفضاء العالمية نحو العودة إلى سطح القمر، يبرز خطر غير متوقع، ليس ناتجا عن إشعاعات أو درجات حرارة قاسية، بل عن غبار مجهري يكسو سطح القمر. ولا يُرى هذا الغبار بالعين المجردة، لكنه شديد الالتصاق، وحاد كالإبر، وسام كيميائيا، ويشكل تهديدا حقيقيا لمعدات رواد الفضاء وصحتهم، وبشكل خاص خلال رحلات الفضاء الطويلة المستقبلية، والتي قد تتضمن بقاء على سطح القمر. وفي مواجهة هذا "العدو الخفي"، يعمل فريق من جامعة سنترال فلوريدا الأميركية، على تطوير طلاء نانوي ذكي قادر على التصدي لهذا الغبار قبل أن يلتصق بالمعدات أو بالرواد. تكنولوجيا نانوية لمشكلة قديمة وحتى الآن، تعتمد معظم الجهود للسيطرة على هذا الغبار الحاد جدا، واللزج جدا، والسام جدا، على دراسات أُجريت على الأرض، ولكن المميز في هذا المشروع هو سعي أعضائه لفهم أعمق للتفاعلات داخل بيئة تحاكي القمر لتوجيه التصميم نحو الطلاء المثالي. ولتحقيق ذلك يتم إجراء تجارب داخل غرفة تفريغ تحاكي بيئة القمر، باستخدام مادة محاكية لغبار القمر الذي يعرف بـ"ريغوليث"، بهدف معرفة كيف تتفاعل الجزيئات مع الأسطح المصممة، خاصة في ظروف الإشعاع الشمسي والجسيمات المشحونة. ويقول البروفيسور لي زهاي، مدير مركز تكنولوجيا النانو وقائد المشروع في تقرير رسمي نشره الموقع الإلكتروني للجامعة: "سنضع الطلاءات والأسطح المصممة داخل الغرفة المفرغة مع غبار القمر المحاكى، وندرس كيفية تفاعل الغبار معها، وسنستخدم أيضا مصادر إشعاع ومجهرا ذريا لفهم التفاعلات على مستوى الجزيئات". ويوضح أن هذه البيانات ستساعد الفريق على تعديل خصائص الأسطح مثل الصلابة، والبنية الدقيقة، والتوصيلية الكهربائية، للوصول إلى تصميم مثالي يقلل من التصاق الغبار. رواد الفضاء في خطر والدور المهم لزهاي وفريقه هو توفير الطلاء المناسب، ثم يتم تسليمه إلى أستاذة الفيزياء الدكتورة لورين تيتارد لدراسة التفاعل باستخدام المجهر الذري، وإلى أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم الدكتورة أدريان دوف التي تجري التجارب في بيئة محاكاة القمر. وتقول الدكتورة أدريان دوف، أستاذة الفيزياء ورئيسة القسم: "غبار القمر أحد أكبر التحديات التي تواجهنا في رحلات الفضاء الطويلة، المشكلة ليست فقط في تنظيفه، بل في الحد من التصاقه منذ البداية. نحن نستخدم هذا المشروع كفرصة لتطبيق بحث علمي مباشر لحل مشكلة حقيقية". وتوضح أنها عملت لسنوات على دراسة تفاعلات غبار القمر، وتتابع: "أحد أساليبنا لقياس قوة الالتصاق هو تغطية سطح بالغبار، ثم تدويره بسرعة عالية باستخدام جهاز طرد مركزي لمعرفة متى تبدأ الحبيبات بالانفصال". وتقارن دوف بين غبار القمر والرمال العادية قائلة: "عندما نزور الشاطئ ونعود مغطين بالرمال، يمكننا مسحها بسهولة، لكن غبار القمر لا يُشبه هذا، إنه أخشن، وأصعب في التنظيف، بل وقد يخدشك بسهولة". تعاون متعدد التخصصات ومن جانبها، تقول الدكتورة لورين تيتارد، المتخصصة في المجهر الذري: "نحن نطور منصة جديدة تربط بين علم النانو والفضاء بطريقة مبتكرة، وسنجري القياسات في ظروف تحاكي بيئة الفضاء، والبيانات التي نحصل عليها ستستخدم لتحسين تصميم الأسطح". ويشارك في المشروع أيضا الدكتور طارق الجوهري، أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية، الذي يعمل على تصميم محاكاة حاسوبية تدرس تفاعلات الغبار مع الأسطح. ويقول "نحن نحاول فهم كيفية انتقال الشحنات الكهربائية بين الجزيئات، وما إذا كانت تتراكم أو تتبدد، هذا الجانب أساسي لتصميم إستراتيجيات الحماية السلبية". ويأمل الباحثون أن يضعوا حدا لأثر هذا الغبار "المزعج" عبر تقنيات نانوية ذكية تحمي المعدات والأطقم، دون الحاجة إلى التنظيف اليدوي أو التأثير على الأجهزة الحساسة. ويقول الباحثون: "إذا كان الغبار لا يُمكن تجنبه، فربما يمكن منعه من الالتصاق، وهذا ما نأمل في تحقيقه قبل أن تخطو البشرية خطوتها التالية على سطح القمر".

قنبلة "ليتل بوي" السلاح النووي الذي دمر ثلثي هيروشيما
قنبلة "ليتل بوي" السلاح النووي الذي دمر ثلثي هيروشيما

الجزيرة

timeمنذ 20 ساعات

  • الجزيرة

قنبلة "ليتل بوي" السلاح النووي الذي دمر ثلثي هيروشيما

"ليتل بوي" هي أول قنبلة نووية صُنعت في التاريخ، وأول سلاح نووي يُستخدم فعليا في الحروب، ألقتها الولايات المتحدة على مدينة هيروشيما اليابانية في 6 أغسطس/آب 1945، وتسببت بانفجار بلغت قوته التدميرية ما يعادل 15 ألف طن من مادة تي إن تي. وأسفر الانفجار عن تدمير ثلثي مدينة هيروشيما ومقتل نحو 70 ألف شخص على الفور، بينما تسببت التأثيرات طويلة الأمد للإشعاع النووي في ارتفاع متواصل لعدد الضحايا ليصل في نحو 5 أعوام إلى ما لا يقل عن 200 ألف شخص. وكان إطلاق أميركا قنبلة "ليتل بوي" عاملا حاسما في استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية ، إذ قبلت استسلاما غير مشروط بعد نحو أسبوع واحد من القصف، ومع مطلع سبتمبر/أيلول من العام نفسه، تم توقيع وثيقة الاستسلام التي أنهت الحرب رسميا. وعلى الرغم من إنتاج 5 قنابل أخرى من طراز "ليتل بوي"، لم يُستخدم أي منها في أي عمليات عسكرية لاحقة، وبقيت قنبلة هيروشيما واحدة من قنبلتين نوويتين فقط استُخدمتا في الحروب عبر التاريخ، وأما الثانية فهي قنبلة "فات مان"، التي ألقيت على ناغازاكي اليابانية في الأسبوع نفسه. خلفية تاريخية انطلقت الأبحاث الأولى الناجحة في مجال الانشطار النووي من ألمانيا، إذ اكتشف العالمان الألمانيان أوتو هان وفريتز ستراسمان في ديسمبر/كانون الأول 1938 عملية الانشطار النووي، التي تحدث عن طريق قصف اليورانيوم بالنيوترونات (جسيمات دون ذرية متعادلة الشحنة توجد في نوى الذرات). وتُسبب عملية القصف انقسام نواة اليورانيوم إلى نصفين متساويين تقريبا، منتجة بذلك نظيرا أخف مع إطلاق قدر كبير من الطاقة، كما ينتج عن الانقسام بعض النيوترونات الحرة التي تحفز تفاعلا متسلسلا يؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار هائل. وسرعان ما انتقلت نتائج تلك الأبحاث إلى الولايات المتحدة، ولاقت هناك اهتماما بالغا. وفي عام 1939، سعت مجموعة من العلماء الأميركيين، كان العديد منهم لاجئين من دول أوروبية، إلى إنشاء مشروع يهدف إلى تطوير عمليات الانشطار النووي لأغراض عسكرية. استطاع العلماء إقناع ألبرت آينشتاين بالانضمام إليهم واستغلال نفوذه لإقناع الرئيس الأميركي حينئذ فرانكلين روزفلت بالمشروع. وفي مطلع عام 1940، وافقت الحكومة على البرنامج وخصصت له موازنة قدرها 6 آلاف دولار أميركي. وفي ديسمبر/كانون الأول 1941، وُضع المشروع تحت إشراف مكتب البحث والتطوير العلمي الحكومي في الولايات المتحدة. وفي أعقاب انخراط أميركا في الحرب العالمية الثانية، مُنحت وزارة الحرب مسؤولية المشاركة في تنفيذ المشروع. وفي سبتمبر/أيلول 1942، عُين الفريق ليزلي ريتشارد غروفز مسؤولا عن جميع أنشطة الجيش المتعلقة بالمشروع، لا سيما الهندسية منها. مشروع مانهاتن بدأت الولايات المتحدة عام 1942 فعليا تطوير القنبلة الذرية الأولى التي عُرفت باسم "ليتل بوي" (أي الصبي الصغير)، وذلك في إطار مشروع سريّ أُطلق عليه اسم "مشروع مانهاتن". وأنشأ فيلق مهندسي الجيش الأميركي العديد من المصانع ومرافق التصنيع والمختبرات لتنفيذ المشروع، وكانت البداية في منطقة مانهاتن بنيويورك ، نظرا لأن الأبحاث المبكرة في غالبها أُجريت في المنطقة ضمن النشاطات العلمية لجامعة كولومبيا. ولاحقا، أُنشئت العديد من مرافق البحث والتطوير التي خدمت المشروع في مناطق أخرى في أنحاء البلاد، إذ اعتنت منشأة تينيسي بتخصيب اليورانيوم ، بينما ركز مرفق هانفورد بواشنطن على إنتاج البلوتونيوم (عنصر كيميائي مشع يستخدم في الأسلحة النووية)، وقدمت مختبرات الأبحاث في جامعتي شيكاغو وكاليفورنيا إسهامات كبيرة في تطوير الأبحاث. وفي 2 ديسمبر/كانون الأول 1942 نفذ علماء مشروع مانهاتن أول تفاعل نووي متسلسل ذاتي الاستدامة في مختبر شيكاغو. واختيرت منطقة لوس ألاموس بولاية نيومكسيكو لإنشاء مختبر القنابل بناء على اقتراح عالم الذرة ورئيس الفريق العلمي للمشروع، جيه روبرت أوبنهايمر. وفي أبريل/نيسان 1943، بدأ مئات العلماء والمهندسين والفنيين بالتوافد إلى مختبرات لوس ألاموس. كانت مهمة تلك المختبرات تطوير أسلوب لتجميع المواد الانشطارية المنتجة بهدف الوصول إلى كتلة فوق حرجة من معدن نقي، يمكن استخدامها لإحداث انفجار نووي. كما شمل عمل الفريق تصميم سلاح نووي قادر على دمج المواد القابلة للانشطار، مع الحفاظ على حجم يسمح بحمله وإلقائه من طائرة. بمرور الوقت، أظهرت الحكومة الأميركية اهتماما أكبر بالمشروع، ورفعت المبلغ المخصص له من 6 آلاف دولار أميركي إلى ملياري دولار. وفي أغسطس/آب 1943، أبرمت الولايات المتحدة و بريطانيا اتفاقية تهدف إلى التعاون في مجال الطاقة الذرية أثناء فترة الحرب، إلى جانب تسريع إنجاز مشروع مانهاتن. وبموجب الاتفاقية تأسست لجنة مشتركة تضم كلا من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و كندا ، مما سمح لعلماء بريطانيين وكنديين بالانضمام إلى المشروع. التصميم ومبدأ العمل استطاع فريق علماء مشروع مانهاتن بحلول صيف عام 1945 إنجاز التصميم النهائي للقنبلة النووية "ليتل بوي"، والذي اعتمد على جهاز تفجير يشبه المدفع. تحتوي العلبة الرئيسية للمدفع على مدك من كربيد التنغستن، يؤدي مهمة مزدوجة هي زيادة عدد الكتل الحرجة في نواة اليورانيوم وتثبيت النواة لحظة الاصطدام لتعزيز عائد التفجير. وكان "اليورانيوم المخصب-235" هو العنصر المستخدم لإحداث التفجير أو التفاعل الانشطاري، ولم يكن بحوزة الولايات المتحدة حينئذ منه سوى كمية تكفي لصنع قنبلة واحدة فقط. ويعتمد مبدأ القنبلة الذرية "ليتل بوي" على إحداث تفاعل انشطاري بفعل اصطدام كتلتين من "اليورانيوم المخصب-235″، وذلك بواسطة جهاز دفع مما ينتج عنه تكوين كتلة حرجة يبدأ بها التفاعل المتسلسل. وصممت الكتلة الأولى على شكل رصاصة من "اليورانيوم المخصب-235″، تنطلق عبر أسطوانة مدفع ملساء فتصطدم بالكتلة الأخرى، التي صُممت على شكل نتوء صلب يبلغ طوله 7 بوصات وقطره 4 بوصات، وأثناء الاصطدام تتطابق الأسطوانة بدقة فوق النتوء، مما ينجم عنه تفاعل انشطاري يُنتج كتلة حرجة. وتتكون الكتلة الحرجة عندما ترتطم النيوترونات بنواة يورانيوم، مسببة انشطار النواة، وتصاحبها كمية هائلة من الطاقة، إضافة إلى نيوترونين أو أكثر. وتعمل النيوترونات الناتجة عن الانقسام على الدفع نحو انشطار المزيد من نوى اليورانيوم، محدثة تفاعلا متسلسلا يستمر حتى تُصبح الطاقة المُنطلقة عن عمليات الانشطار هائلة، مما يؤدي إلى انفجار القنبلة. وقد ضَمن تركيب المدفع أن يصل "اليورانيوم-235" إلى الكتلة الحرجة بسرعة، مما يمنع الحرارة الناتجة عن التفاعل الأول (الانشطار الأول) من تفجير كل الوقود قبل استهلاكه لإنتاج مجموعة من التفاعلات المتسلسلة. النقل والتجميع كان إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما أول تجربة فعلية لقنبلة "ليتل بوي"، إذ لم يُختبر القذف من المدفع من قبل، واكتفى العلماء باختبارات معملية ناجحة على نطاق محدود، منحتهم الثقة بنجاح هذه الطريقة. وتعذر إجراء اختبار شامل لها، لأن إنتاج قنبلة واحدة يتطلب استخدام كل "اليورانيوم-235" المنقى الذي تملكه البلاد، وكان فصله عن "اليورانيوم-238" في اليورانيوم الطبيعي عملية مكلفة وصعبة. مع ذلك، أجرى العلماء اختبارات عديدة على قنابل تحتوي على معظم المكونات، ولم يتم استخدام شيء من "اليورانيوم-235" المُنقّى، وخُصص جميع ما أُنتج حينئذ للقنبلة التي قُصفت بها هيروشيما. ووفرت الاختبارات التي أُجريت على نماذج "اليورانيوم-235" الأولية، ضمانات بنجاح التفجير بواسطة المدفع. وكان تصميم قنبلة "ليتل بوي" شديد الحساسية، فبمجرد تعبئة الوقود الانشطاري، أصبح تعرضها لأي اشتعال كافيا للتسبب بانفجارها بالكامل. ولتجنب وقوع حادث كارثي قبل الوقت المحدد للتفجير، لم يتم تجميع أجزائها في الولايات المتحدة، بل نُقلت جميعها بشكل منفصل وعلى مراحل إلى جزيرة تينيان في المحيط الهادي جنوب اليابان. نُقل اليورانيوم المخصب بشكل منفصل على متن 3 طائرات من طراز "سي-54 سكاي ماستر" إلى جزيرة تينيان الخاضعة للسيطرة الأميركية. وكانت باقي أجزاء القنبلة بما في ذلك مدفع القذف وعلبة الهدف والبرميل وقذيفة اليورانيوم قد نقلت في 16 يوليو/تموز 1945 بالقطار من لوس ألاموس إلى سان فرانسيسكو ثم شُحنت كلها على متن الطرادة الثقيلة "يو إس إس إنديانابوليس" إلى تينيان، إلى جانب عدد من علماء وفنيي لوس ألاموس. وصل كل من اليورانيوم المخصب والأجزاء الأخرى للقنبلة في 26 يوليو/تموز 1945 إلى الجزيرة، وجُمعت تحت إشراف الكابتن في البحرية الأميركية ويليام بارسونز، وأُجل الجزء الأخير من التجميع حتى اللحظة الأخيرة، لمنع انفجار عرضي ناتج عن تماس كهربائي أو اصطدام. التفجير وآثاره المدمرة حُملت "ليتل بوي" صباح السادس من أغسطس/آب عام 1945 على متن طائرة أميركية من طراز "بي-29″، ورافقتها طائرتان أخريان بهدف المراقبة. وكان يقود القاذفة "بي-29" العقيد بول تيبيتس، وقبل إقلاعها بقليل، طلب من عامل الصيانة كتابة اسم والدته، إينولا غاي، على مقدمة الطائرة التي عُرفت لاحقا بهذا الاسم. وبمجرد أن أقلعت "إينولا غاي" متجهة إلى مدينة هيروشيما، أضاف الكابتن ويليام بارسونز، المختص بالأسلحة، مكونات الإطلاق النهائية إلى "ليتل بوي". وعند تجميع القنبلة بالكامل، بلغ وزنها الإجمالي 9700 رطل (نحو4400 كيلوغرام) وطولها 10 أقدام وقطرها 28 بوصة، بينما وصل وزن نواة اليورانيوم المغلف نحو 64 كيلوغراما. وعند الساعة 8:15 صباحا بالتوقيت المحلي، أُطلقت قنبلة "ليتل بوي" فوق هيروشيما، وبعد 43 ثانية، انفجرت على ارتفاع 1900 قدم. ورغم أن أقل من 2% من "اليورانيوم- 235" حقق انشطارا، فإنه أحدث انفجارا هائلا، قُدِّرت قوته بـ15 ألف طن من مادة تي إن تي. وعلى الفور، ارتفعت درجة الحرارة إلى نحو 7 آلاف درجة مئوية، صاحبها وميض ساطع وغطت المدينة سحابة سوداء ضخمة على شكل فطر ارتفعت إلى أكثر من 12 كيلومترا. وتسبب الانفجار في اندلاع حرائق عديدة في أنحاء المدينة، سرعان ما اندمجت مُشكّلة عاصفة نارية كبيرة، اجتاحت رقعة واسعة من المدينة، وتحولت مساحة بلغت نحو 5 أميال مربعة من مركز المدينة إلى رماد. وتدمرت بفعل القنبلة نحو 70% من مباني المدينة، وتعطلت محطات الطاقة الكهربائية والسكك الحديدية والهواتف وخطوط التلغراف. ونظرا لانقطاع الاتصالات اللاسلكية والتلغرافية مع هيروشيما، لم تستطع الحكومة اليابانية معرفة ما حدث على وجه اليقين، وهو الأمر الذي أخّر وصول إغاثة من الخارج ساعات بعد الهجوم. وكانت عملية الإغاثة الداخلية متعذرة، فقد دمرت القنبلة 26 مركز إطفاء من أصل 33 في المدينة، مما أسفر عن مقتل أو إصابة 3 أرباع رجال الإطفاء بجروح بالغة، وهو الأمر الذي أعاق تنفيذ إجراءات عاجلة لاحتواء الحرائق. من جهة أُخرى، أُصيب القطاع الطبي في المدينة بالشلل، إذ تعرضت جميع المستشفيات للتدمير أو الضرر الشديد باستثناء مستشفى واحد، ولم ينج من الإصابة الشديدة أو القتل سوى 30 فقط من بين 298 طبيبا مسجلا، كما قُتل أو أصيب أكثر من 1800 شخص من أصل 2400 من طاقم التمريض. وقدر الأرشيف الوطني الأميركي عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم نتيجة الانفجار والحرارة وآثار الإشعاع الأولي بنحو 70 ألف شخص، بما في ذلك 20 طيارا أميركيا كانوا محتجزين في المدينة. ونتيجة للآثار المدمرة طويلة الأمد للإشعاعات النووية، والتي من أخطرها السرطانات التي انتشرت بشكل ملحوظ في المدينة، تجاوز عدد ضحايا هيروشيما في نهاية عام 1945 ما مجموعه 100 ألف فرد، وفي 5 سنوات تجاوز إجمالي عدد الضحايا 200 ألف، بحسب بيانات الأرشيف.

النهر المغلي بالأمازون وجهة سياحية وأعجوبة علمية غير مفسرة
النهر المغلي بالأمازون وجهة سياحية وأعجوبة علمية غير مفسرة

الجزيرة

timeمنذ 2 أيام

  • الجزيرة

النهر المغلي بالأمازون وجهة سياحية وأعجوبة علمية غير مفسرة

حين كان الطفل أندريس روزو يجلس إلى جانب جده في ليما، سمع لأول مرة حكاية بدت وكأنها أسطورة من عالم الخيال. وكان الجد يتحدث عن أيام الغزو الإسباني، حين سأل الغزاةُ شعب الإنكا عن أماكن الذهب والحضارات التي يمكن نهبها، فأجابهم الإنكا بدهاء "اذهبوا إلى الأمازون، ستجدون هناك ما تبحثون عنه". وانطلق الإسبان إلى الأدغال، لكن القليل منهم فقط عاد، محملين بروايات غريبة عن أشجار شاهقة تحجب الشمس، وسحرة شامان، وثعابين عملاقة تبتلع الناس ونهر يغلي في أعماق غابات الأمازون. ولم يكن روزو يتوقع أن حكاية الطفولة التي رواها له جده ستلاحقه عندما يكبر. فبعد 15 عاما، وبينما كان يعد أطروحة الدكتوراه حول الطاقة الحرارية في بيرو، سأل زملاءه مازحا إن كان من الممكن أن يوجد نهر يغلي فعلاً في الأمازون. وضحكوا جميعًا وأجابوا بثقة "هذا مستحيل" فالمعروف أن الأماكن التي تُغلي فيها الأنهار تكون قريبة من البراكين، وبما أنه لا توجد براكين في الأمازون ولا في معظم أنحاء بيرو، فمن الطبيعي ألا يتوقع المرء رؤية نهر يغلي. وهكذا، بدا أن القصة قد انتهت، لكن بالنسبة لروزو، الذي أصبح مفتونا بشكل خاص بنهر الأمازون المغلي في بيرو، كانت هذه مجرد بداية. وبصفته متخصصًا في مجال الحرارة الأرضية والحفاظ على البيئة، أصبح عام 2011 أول عالم جيولوجيا يهتم بدراسة هذا الموقع بشكل متخصص، وقرر التحقق من صحة هذه القصة، وما إذا كان العلم قادرا على تفسير السبب وراء النهر الوحيد الذي يغلي في العالم، وكان هذا ما حكاه الرجل في إحدى أشهر محاضرات تيد، عن قصة عمله البحثي. من أسطورة إلى واقع علمي يقع النهر -المعروف بين السكان المحليين أيضًا باسم "لا بومبا" أي "القنبلة"- في قلب غابة وانوكو المرتفعة، داخل محمية توياكو للمايا، وهي منطقة يسكنها مجتمع الأشانانكا الأصلي. وهناك، لا ينظر إلى النهر على أنه مجرد ظاهرة طبيعية، بل يعتبر موقعا مقدسا بالنسبة لهم. وبحسب السكان المحليين، فإن الماء المغلي هو من صنع "يوكاماما" وهي روح ثعبان مائي عملاق يطلق عليه "أم المياه" وهي من تمنح النهر قوته وغليانه، حسب اعتقاداتهم. ويُقال إن النهر هو الأبرز ضمن مجموعة نادرة من 3 أنهار غير بركانية في المنطقة. والنهران الآخران هما نهر مالح ومجرى حراري صغير، وكلاهما أصغر وأقل حرارة، لكن جميعها تثير الفضول العلمي. ولكن أكثر ما أدهش العلماء لم يكن مجرد أن مياه النهر تغلي، بل كان حجمه الهائل، فينابيع المياه الساخنة موجودة في أماكن كثيرة من العالم، بل ويمكن أن تصل درجات حرارتها إلى نفس مستوى غليان هذا النهر، لكن لا شيء يُقارن به من حيث الامتداد والطول والعرض. وتتدفق مياه هذا النهر شديدة السخونة نحو غابات الأمازون لمسافة تزيد على 6 كيلومترات، ويصل عمقه في بعض مناطقه إلى 6 أمتار (17 قدمًا) وعرضه حوالي 30 مترًا، أي أنه أعرض من بعض الطرق ذات المسارين، ويتخلله شلال بارتفاع 6 أمتار، وهو حاليًا أكبر نهر حراري موثق في العالم، وتبلغ حرارة مياهه مستويات شديدة. وما أثار دهشة عالم الجيولوجيا روزو -الذي يدرس حرارة الأرض- لم يكن فقط سخونة المياه، بل درجات حرارتها العالية التي تقترب من درجة الغليان، من حوالي 45 درجة مئوية إلى ما يقارب 100 درجة مئوية، وتشبه ما رآه في أكثر البراكين نشاطًا حول العالم، مثل بركان يلوستون الشهير في أميركا. وفي العادة، تتطلب مثل هذه الحرارة وجود مصدر حراري قوي، كأن يكون النهر قريبًا من فوهة بركان أو فوق غرفة صهارية. ومع ذلك، لا توجد براكين قريبة، ولا المجاري الماغماتية المعروفة في أعماق الأمازون، بل يبعد أكثر من ألف كيلومتر عن أقرب مركز بركاني نشط، وهذا وحده كافٍ ليجعل درجات الحرارة التي سُجلت في النهر غير منطقية تمامًا من الناحية الجيولوجية. إذن، كيف يمكن لنهر أن يغلي دون أن يكون جزءًا من منطقة بركانية؟ وقد طرح روزو هذا السؤال على علماء الطاقة الحرارية الجوفية وخبراء البراكين لسنوات، لكنه لم يجد أي مثال آخر في العالم لنظام حراري أرضي غير بركاني بهذا الحجم والقوة. الإجابة تبدأ من باطن الأرض في الاسم المحلي للنهر، وهو "شاناي تيمبيشكا" ويعني "النهر المغلي بحرارة الشمس"، يبدو أن الشمس هي السبب في سخونة مياهه، إلا أن الحقيقة مختلفة تمامًا، فالشمس لا علاقة لها بغليان المياه. وبدلاً من ذلك، يعتقد الجيولوجيون أن السر يكمن تحت أقدامنا، وتحديدًا في الينابيع الحارة التي تغذيها الشقوق والتصدعات في باطن الأرض، ويرون أن السبب وراء غليان المياه هو نظام حراري مائي طبيعي لا علاقة له بالبراكين كما يُعتقد. وتتسلل الأمطار التي تهطل في غابات الأمازون عميقًا إلى باطن الأرض، حيث تُسخّن بفعل حرارة الأرض الداخلية، ثم تعود لتخرج إلى مجرى النهر عبر ينابيع ساخنة. وفي حديثه للجزيرة نت، يرى روزو أن "الأرض، مثل أجسادنا تمامًا، لها شرايين داخلية، فكما يجري الدم الساخن في عروقنا، تمر المياه الساخنة داخل الأرض عبر شقوق وتصدعات عميقة. وعندما تصل هذه المياه إلى السطح، تظهر على شكل ينابيع حارة أو براكين أو في نهر يغلي كما في هذه الحالة الفريدة". وعندما بدأ الباحثون بقيادة روزو في رسم خريطة لدرجات الحرارة على امتداد النهر، ظهرت مفاجأة: فدرجة حرارة المياه لا تبقى ثابتة، بل ترتفع ثم تنخفض ثم ترتفع مجددًا في نمط معقد، وكأن النهر يتنفس حرارته. وقد كشف التحليل الكيميائي أن مياه النهر كانت يوما ما مطرا نقيا، لكن رحلتها العميقة تحت الأرض غيرت خصائصها. ولكن ما يثير القشعريرة حقا ليس فقط درجة حرارة المياه القريبة من الغليان، بل ما تفعله هذه المياه بالكائنات الحية التي لا تملك فرصة للنجاة منها إذا سقطت فيها. وقد شهد روزو، الذي درس النهر، سقوط العديد من الحيوانات فيه، من الطيور إلى الزواحف، بما في ذلك الضفادع والحشرات والقوارض. ويصف هذه الحيوانات وهي تكافح للخروج، وتبدأ أعينها في التحلل فورًا، فتتحول إلى اللون الأبيض الحليبي. وتحاول السباحة، لكنها تفقد قوتها حتى تغمرها المياه، وتبدأ أجسادها في تتحلل من الداخل إلى الخارج. ويقول روزو "أعلى درجة حرارة قمتُ بقياسها كانت حوالي 99 درجة مئوية تقريبًا. وبالنسبة للحياة اليومية، يبلغ متوسط درجة حرارة القهوة 55 درجة مئوية تقريبًا". ويضيف "من الصعب تخيل هذا القدر من الماء الساخن. وما إن تضع يدك فيه، حتى ترى حروقًا من الدرجة الثانية والثالثة في ثوانٍ معدودة". ورغم هذه الخطورة، فإن السكان المحليين يسبحون في النهر، ولكن فقط بعد هطول أمطار غزيرة، حين يختلط الماء الساخن بالبارد ويصبح أكثر أمانًا، كما يستخدمون مياهه في تحضير الشاي والطهي. كيف يمكن لنهر أن يغلي؟ ببساطة، كلما تعمقنا في باطن الأرض ازدادت درجات الحرارة، وهذا ما يسميه العلماء "مدرج الحرارة الأرضية" وتشير إلى معدل زيادة درجة الحرارة مع زيادة العمق داخل الأرض، ويختلف هذا المعدل باختلاف المنطقة والعمق، ولكنه بشكل عام يزداد مع التعمق في باطن الأرض. ويقول روزو، وهو مؤلف كتاب "النهر يغلي: مغامرة واكتشاف في الأمازون": تخيل أن مياه الأمطار أو الثلوج الذائبة من جبال الأنديز تتسرب ببطء إلى الشقوق العميقة داخل القشرة الأرضية، تمتص الحرارة من الصخور الساخنة، ثم تعود إلى السطح عبر تصدعات أرضية على شكل ينابيع حارة، لتكوّن نهرًا يغلي. والمذهل في الأمر ليس الحرارة فقط، بل الحياة التي تعيش حولها. ففي هذا النهر الحارق، سجَّل العلماء كائنات دقيقة نادرة تأقلمت مع درجات حرارة قد تقتل أي كائن حي آخر، وسبحان الله العظيم. إنها مخلوقات تعيش في ظروف توصف علميًا بـ"العدائية" لكنها وُجدت في قلب النهر المغلي لتفتح أمامنا أبوابًا لفهم الحياة في أقسى البيئات، ولتزيد إيماننا بالخالق المبدع قائلين: سبحان الله. تهديدات البشر مع كل هذه الاكتشافات، يبقى السؤال: ما الذي يعنيه هذا النهر فعلًا؟ يجيب روزو "بالنسبة للشامان هو مكان مقدّس تحميه الأرواح. وبالنسبة للعلماء، هو ظاهرة جيولوجية فريدة من نوعها تستحق الدراسة. وفي نظر الحكومة، مجرد قطعة أرض لم تُمسّ بعد". والنهر أيضًا ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل هو موطن لمجتمعين من شعوب الأمازون: سنتوري يوهو إستان ومايا توجاكو. ويعتقد كل منهما أن النهر يحمل قوة روحية هائلة، ويأتي إليه أقوى المعالجين التقليديين للتأمل، واستدعاء الأرواح، والتعرف على قوى الشفاء السرية وطقوس أسلافهم. أمَّا في عيون المستغلين، فهو مجرد فرصة جديدة للربح. فرغم أن النهر يُعد ظاهرة طبيعية نادرة، فإنه لا ينجو من تهديدات متزايدة من الصيادين غير الشرعيين وقاطعي الأشجار والمستوطنين، في واحدة من أكبر المخاطر التي تواجه المنطقة وهي إزالة الغابات من حوله. والمفاجئ أن من يقوم بمعظم عمليات القطع هم السكان الأصليون المحليون الذين يبيعون الأشجار الكبيرة والثمينة للمشترين، بينما يُحرق ما تبقى أو يُترك ليتحلل. وتشير التقديرات إلى أن حوالي 99% من إزالة الغابات في المنطقة ناتج عن هذا النشاط. وفي محاولة للحد من هذا الخطر، تدخلت شركة محلية تُدعى "مابل إنرجي" تعمل في مجال النفط والغاز، وتكفلت بحماية جزء من الغابات المحيطة بالنهر. لكن يبقى السؤال: هل يكفي هذا الجهد لحماية النهر المغلي والغابة من حوله قبل أن يتعرضا لأضرار لا يمكن إصلاحها؟ ويرى روزو في هذا النهر شيئًا أكبر مما يراه الآخرون، ويضيف "رسالتي هي أن يعرف كل من يلمس هذه الأرض أن النهر المغلي ليس مجرّد نهر، بل كنز طبيعي نادر يستحق الحماية قبل أن يُمحى من الوجود".

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store