
رفع العقوبات عن سوريا: انفراج مرتقب بعد عزلة دولية
بعد 14 سنة من الحرب والعقوبات، بدأت تلوح في أفق سوريا بوادر خروج من العزلة الاقتصادية. مع سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024، والتحرك السريع نسبياً من قبل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي نحو رفع العقوبات التي كبّلت الاقتصاد السوري، تبدو البلاد مقبلة على مرحلة جديدة قد تحمل معها أملاً بالتعافي، لا فقط داخل سوريا، بل في المنطقة بأكملها، حيث كانت تداعيات الانهيار السوري عبئاً ثقيلاً على دول الجوار.
منذ عام 2011، فرض الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، عقوبات شاملة شلّت حركة الاقتصاد السوري. شملت هذه العقوبات حظراً على قطاع النفط والغاز، وتجميداً للأصول، ووقفاً للصادرات التكنولوجية إلى البلاد، ومنعاً للتعاملات المالية معها. هذه الإجراءات، وإن كانت موجهة ضد النظام، تسبّبت بانهيار شبه كامل في البنية التحتية، وحدّت من قدرة السوريين على الوصول إلى أبسط مستلزمات الحياة اليومية.
توضح أرقام البنك الدولي حجم الكارثة: تقلّص الناتج المحلي الإجمالي لسوريا من 67.5 مليار دولار عام 2011 إلى 23.6 مليار دولار فقط عام 2022، بانخفاض يقارب 44 في المئة. أما الليرة السورية، ففقدت أكثر من مئة في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الأميركي خلال السنوات الماضية. ومع تعذر الاستيراد، ارتفعت أسعار المواد الغذائية والأدوية، وتعطّل القطاع الطبي، وانتشرت البطالة والفقر.
لكن أبرز القطاعات التي تأثرت بالعقوبات كان قطاع النفط والغاز، والسلعتان من أهم مصادر دخل البلاد قبل الحرب. كانت سوريا تنتج حوالي 385 ألف برميل يومياً من النفط قبل عام 2011، وتصدّر جزءاً كبيراً منه إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية، ما كان يعود بمليارات الدولارات سنوياً. ومع فرض العقوبات، انخفض الإنتاج إلى أقل من 90 ألف برميل يومياً، وفق تقديرات مستقلة، فيما توقفت أغلب الآبار عن العمل بسبب تدمير البنية التحتية ونقص المعدات والتكنولوجيا.
اليوم، مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب منتصف الشهر الجاري الرفع الكامل للعقوبات، بدأت الليرة السورية بالتعافي وسجّلت ارتفاعاً بنسبة ثمانية في المئة أمام الدولار، وفق وكالة الأنباء السورية الرسمية. وبعد أيام، تبنّى الاتحاد الأوروبي قراراً مشابهاً، منهياً واحدة من أعقد حزم العقوبات التي فرضها في تاريخه. ولا شك في أن رفع العقوبات عن سوريا سيفتح الباب أمام استثمارات أجنبية وتدفقات مالية كانت مجمّدة، ما قد ينعش بعض القطاعات الحيوية ويطلق عجلة إعادة الإعمار، كما قد يسهّل عمليات الاستيراد والتصدير، ما يخفّف من أزمة المعيشة ويدعم استقرار الليرة السورية.
هذان القراران فتحا الباب أمام احتمال عودة الاستثمارات الأجنبية إلى سوريا. مثلاً، تشير تقديرات أولية إلى أن عودة إنتاج النفط والغاز إلى مستوياته السابقة قد تدر على الدولة ما لا يقل عن سبعة مليارات دولار سنوياً في المرحلة الأولى، وهو مبلغ كفيل بإعادة تحريك الدورة الاقتصادية وتوليد فرص عمل واسعة في المناطق المنتجة للطاقة.
ولا يقتصر الأثر الإيجابي على الداخل السوري فقط، بل يمتد إلى دول الجوار التي استقبلت ملايين اللاجئين خلال الحرب. ويمثل رفع العقوبات وإعادة الإعمار فرصة لتقليص أعداد اللاجئين عبر توفير بيئة آمنة واقتصادية محفّزة لعودتهم التدريجية. كذلك من المتوقع أن تسهم عودة سوريا إلى الأسواق الإقليمية في تنشيط التبادل التجاري مع الأردن والعراق، وفتح المجال أمام شركات خليجية للاستثمار في البنية التحتية، الاتصالات، والزراعة.
لكن على رغم هذه المؤشرات الإيجابية، لا تزال التحديات كبيرة. فالمجتمع السوري خرج من الحرب منهكاً، ومؤسسات الدولة تحتاج إلى إصلاح عميق. ولا يزال الانتقال السياسي هشاً، فالاتحاد الأوروبي نبّه إلى أن أي تراجع للسلطات السورية عن مبادئ الشفافية والتعددية قد يؤدّي إلى إعادة فرض العقوبات.
ومع ذلك، يعكس قرار رفع العقوبات تحوّلاً في مقاربة المجتمع الدولي تجاه سوريا: من سياسة الضغط والردع إلى المشاركة والبناء. ويبقى الأمل معقوداً على أن تستغل القيادة السورية الجديدة هذه اللحظة التاريخية لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد، وفتح صفحة جديدة مع شعب أنهكته الحرب، وجيران ينتظرون منذ سنوات نهاية لهذا النزاع الطويل.

جرب ميزات الذكاء الاصطناعي لدينا
اكتشف ما يمكن أن يفعله Daily8 AI من أجلك:
التعليقات
لا يوجد تعليقات بعد...
أخبار ذات صلة


النهار
منذ 29 دقائق
- النهار
قاضية تعلّق قرار ترامب بشأن جامعة هارفرد
وجد آلاف الطلبة الأجانب في جامعة هارفارد الأميركية أنفسهم في أزمة إدارية اليوم الجمعة، إذ بدأوا في البحث عن بدائل بعد أن منعت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجامعة من تسجيل طلبة من خارج الولايات المتحدة. ويوجد في هارفارد ما يقرب من 7000 طالب أجنبي يمثلون نحو 27 بالمئة من إجمالي الطلبة المسجلين. ورفعت الجامعة اليوم دعوى قضائية ضد إدارة ترامب بسبب هذا القرار. وعلّقت قاضية أميركية الجمعة تنفيذ قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب منع جامعة هارفرد من تسجيل طلاب أجانب، في خضم نزاع متصاعد بين البيت الأبيض والصرح التعليمي المرموق، وفق وثيقة للمحكمة. وجاء في قرار القاضية أليسون باروز أن "القرار التالي يمنع إدارة ترامب من تنفيذ... إبطال التصريح الممنوح للجهة المدعية بموجب برنامج الطلاب وتبادل الزوار الأجانب".

المدن
منذ ساعة واحدة
- المدن
جابر: لا إمكانية لإعادة الودائع دفعة واحدة
أعلن وزير المالية ياسين جابر أنّه "يتم تحضير قانون لإعادة الودائع لأصحابها". معتبراً أنّه "القانون الأصعب، ويسعى لإيجاد إمكانية لتنظيمه ومرحلته لأن لا إمكانية لإعادة الودائع دفعة واحدة إنما على مراحل، وسيبدأ بإعادة الودائع بقيمة مئة ألف دولار وما دون، ثم تكون المرحلتين الثانية والثالثة وحاكم مصرف لبنان يعمل على إنجاز إجراءات تنظيم هذا القانون". وأكّد أنّ "إصلاح القطاع المصرفي يُعد من أهم الخطوات المطلوبة، فمن دون قطاع مصرفي يصعب على أي بلد أن يحقق نمواً اقتصادياً". وفي السياق نفسه، أشار إلى أنّ "الدولة أقدمت بخطوات جريئة على إقرار قانون السرية المصرفية ليكون لبنان بلداً شفافاً كسائر الدول وفق شروط حماية، إلى جانب قانون إصلاح القطاع المصرفي الذي يتوقع أن تنتهي دراسته ويُقَر". تحديث الإدارة كلام جابر جاء خلال تفقّده مبنى الضريبة على القيمة المضافة. وهناك، اجتمع جابر مع مدراء مديرية المالية العامة، وتحدّث إليهم عن "الخطوات التي يقوم بها من أجل تحديث الإدارة وتطويرها لتسهيل سير المعاملات وتعزيز الإنتاجية باعتبار المديريات التي يشغلها المبنى خصوصاً الواردات والضريبة على القيمة المضافة، إضافة إلى مديريات المحاسبة العامة والصرفيات والخزينة، تشكّل العصب الرافد للدولة بالموارد المالية". وأشار جابر إلى أنّ "لبنان مليء بالكفاءات والشباب المثقف، والجامعات الرائدة وشبابنا منتشرون في جميع أنحاء العالم، وهذا ما شاهدناه خلال لقاءاتنا في اجتماعات الربيع في واشنطن، وفوجئنا أن هناك 400 شاب وصبية لبنانيين يعملون في الصندوق والبنك الدوليين، إضافة إلى العاملين في القطاع الخاص، لكننا للأسف نحن مقصرون". ورأى أنّه "لا يجوز أن يجهد اللبناني ويحصل في المقابل على كمّ محدود من ساعات الكهرباء، فهل من الجائز أن ينفق بلد 2 مليار دولار سنوياً للحصول على أربع أو خمس ساعات من الكهرباء؟. لا يوجد بلد في العالم يخسر فيه قطاع الكهرباء إلا نحن". وطالبَ جابر الموظفين بـ"الالتزام بالحضور خصوصاً وأن العيون منصبة على وزارة المالية، باعتبارها بكل قطاعاتها ومؤسساتها من إدارة جمركية إلى الشؤون العقارية ومالية عامة هي المعنية بإعادة ترتيب أوضاع البلاد وإعادة تقوية مداخيل الدولة لتتمكن بدورها من تقديم ما عليها من واجب تجاه مواطنيها، وأنتم الوسيلة التي بواسطتكم تستطيع الدولة القيام بذلك ونأمل أن نحققهها قريباً". انطلاق الإصلاحات وأضاف جابر أنّ "البرنامج الإصلاحي انطلق والقطاعات التي شكلت عبئاً على الدولة يعاد اليوم هيكلتها بشكل كامل، وسنشهد تعيين هيئات رقابية وتنظيمية جديدة، وخلال الأشهر الثلاثة أو الأربعة المقبلة ستلمسون عملاً أو فعلاً، فالتعيينات انطلقت وكانت بدايتها مجلس الإنماء والإعمار وكانت التجربة الأولى والأمور ستسير تباعاً". وكشف جابر أنّه "تقدم إلى مجلس الإنماء والإعمار 650 طلب ترشيح ولقطاع الاتصالات تقدم 530 طلباً وللكهرباء قرابة 350 طلباً ستفتح باب التغيير الكبير وستعمل على إدخال القطاع الخاص كمواضيع الجباية والتوزيع في قطاع الكهرباء وحتى في الإنتاج، نقوم بتوقيع قروض كبيرة لإصلاح هيكلي لكل هذه القطاعات". وذكَّرَ أنّه "في واشنطن وقعنا قرضاً لتحسين خطوط نقل الكهرباء وقد أصبح في مجلس النواب وكذلك اليوم نوقع قرضاً مع البنك الدولي لجر مياه بكميات أكبر لمدينة بيروت والضاحية، ونعمل على الاستحصال على تأمين قرض بقيمة 150 مليون دولار لتفعيل المكننة في غالبية المؤسسات، إضافة إلى قروض لدعم الزراعة وهناك تسليفات للقطاع الخاص من خلال كفالات وغيرها على شكل قروض صغيرة ومتوسطة، ما ينتج عنه حركة اقتصادية وتنمية".


بيروت نيوز
منذ ساعة واحدة
- بيروت نيوز
تسجيل صوتي وفضيحة… توقيف مرشح على الانتخابات البلدية في الجنوب!
اوقف النائب العام الاستئنافي في الجنوب القاضي رهيف رمضان كلا من المرشح على انتخابات بلدية انان في قضاء جزين، س . إ، والمواطن ج. ح، على خلفية تسجيل صوتي بينهما. وتبين ان الاول عرض على الثاني رشوة بقيمة 300 دولار، مقابل صوته الانتخابي، و ما لبث ان تطور الحوار إلى تفاوض بينهما على قيمة الصوت، ما يعد خرقا فاضحا لقانون الانتخابات. وعلى الفور تم توقيف الشخصين باعتبارهما راشيا ومرتشيا.